دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي على المذهب الجعفري - ج ٢

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي على المذهب الجعفري - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الفقه للطباعة والنشر
المطبعة: برهان
الطبعة: ٢
ISBN: 964-499-036-6
ISBN الدورة:
964-499-048-X

الصفحات: ٥٩١

ومثال الثاني : موثقة زياد بن سوقة : «قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : هل للرضاع حدّ يؤخذ به؟ فقال : لا يحرّم الرضاع أقلّ من يوم وليلة أو خمس عشرة رضعة متواليات من امرأة واحدة من لبن فحل واحد لم يفصل بينها رضعة امرأة غيرها ، فلو ان امرأة أرضعت غلاما أو جارية عشر رضعات من لبن فحل واحد وارضعتها امرأة اخرى من فحل آخر عشر رضعات لم يحرم نكاحهما» (١).

ولو كنّا نحن وصحيحة ابن رئاب مع صحيحة عمر بن يزيد لكنّا نجمع بينهما بتقييد صحيحة ابن رئاب الدالة على عدم الاكتفاء بعشر رضعات بحالة عدم التوالي بقرينة صحيحة عمر بن يزيد الا انه بعد ادخال موثقة زياد في الحساب يتحول التعارض الى التعارض المستقر ، حيث تدل موثقة زياد على عدم الاكتفاء بعشر رضعات حتى مع التوالي بخلاف صحيحة عمر بن يزيد حيث تدل على الاكتفاء بها مع التوالي.

ولا يمكن الترجيح من خلال الموافقة والمخالفة للتقية لان الجمهور يكتفي اما بمسمى الرضاع أو الرضعة الواحدة أو سبع أو خمس رضعات وليس القول بالعشر ـ فضلا عن الخمس عشرة رضعة ـ معروفا بينهم (٢).

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٤ : ٢٨٣ الباب ٢ من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث ١.

(٢) قال الجزيري في كتابه الفقه على المذاهب الاربعة ٤ : ٢٢٨ : «ان الشافعية والحنابلة يقولون :

ان الرضاع لا يحرّم الا اذا كان خمس مرات ، والمالكية والحنفية يقولون : ان الرضاع يحرّم مطلقا قليلا كان او كثيرا ولو قطرة. وقد استدل الشافعية والحنابلة بما رواه مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت : كان فيما انزل الله في القرآن ان عشر رضعات معلومات يحرّمن فنسخن بخمس معلومات فتوفي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهنّ فيما يقرأ من القرآن».

٣٤١

كما لا يمكن الترجيح من خلال موافقة الكتاب العزيز لان قوله تعالى : (وَأُمَّهاتُكُمُ اللاّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ) (١) لا نظر له إلى تحديد المدة.

وهكذا قوله تعالى : (وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ) (٢) يثبت الحل لما عدا الامهات والاخوات من الرضاعة من دون دلالة على ما يتحقق به ذلك.

ومع استقرار التعارض وعدم المرجح يتساقطان ويلزم الرجوع الى الاصل بلحاظ كل اثر بخصوصه ، فبالنسبة إلى صحة العقد على من رضعت عشرا يستصحب عدم ترتب الاثر ، وبالنسبة إلى جواز النظر تجري البراءة على فرض عدم وجود عموم يصلح التمسك به.

ومراعاة الاحتياط للفقيه والعامي قضية لا ينبغي الحياد عنها.

٧ ـ واما اعتبار عدم الفصل برضاع آخر في التحديد الكمي‌ فلدلالة موثقة زياد وصحيحة عمر بن يزيد على ذلك بوضوح.

واما اعتبار ذلك في التحديد الزماني فلانصراف عنوان اليوم والليلة إلى ذلك.

واما عدم اعتبار ذلك في التحديد الكيفي فلان اللازم بناء عليه نبات اللحم واشتداد العظم ، ولا يهم بعد تحققه ثبوت الفصل بأي شي‌ء كان لإطلاق النصوص من هذه الناحية.

٨ ـ واما ان الفصل بالاكل والشرب لا يعتبر عدمه في التحديد بخمس عشرة رضعة‌ فلان موثقة زياد قد قيدت الفاصل الذي يعتبر‌

__________________

(١) النساء : ٢٣.

(٢) النساء : ٢٤.

٣٤٢

عدمه بالرضاع من امرأة اخرى ، وهذا بخلافه لو اخذنا برواية العشر فإنه يعتبر عدم الفصل بذلك لاعتبار التوالي فيها الذي لا يصدق مع الفصل بالاكل والشرب.

واما انه لا يعتبر عدم الفصل بذلك في التحديد الكيفي فلان المعتبر فيه اشتداد العظم ونبات اللحم كيفما اتفق لفرض اطلاق الروايات من هذه الناحية.

واما انه يعتبر عدم الفصل بذلك في التقدير الزماني فلعدم صدق عنوان اليوم والليلة مع الفصل المذكور.

اجل لا يضر مثل شرب الماء والدواء بمقدار قليل لأنه امر متعارف في اليوم والليلة ولا يضر بالصدق عرفا.

ج ـ الاعتداد‌

لا يجوز الزواج بالمرأة في عدتها من الغير.

وتحرم مؤبدا مع علمهما أو علم احدهما بالصغرى والكبرى ولو مع عدم الدخول. ومع الدخول تحرم كذلك ولو مع جهلهما بذلك.

ولا فرق في الدخول بين كونه في القبل أو الدبر.

ومن زنى بامرأة في عدتها الرجعية حرمت عليه مؤبدا لدى المشهور.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما حرمة الزواج بالمعتدة من الغير‌ فهو من ضروريات الدين. وقد دلّ على ذلك الكتاب الكريم في الجملة. قال تعالى : (وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ إِذا تَراضَوْا

٣٤٣

بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ) (١) ، فانها بالمفهوم تدل على المطلوب.

وقال : (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ) (٢) ، فان المقصود من وجوب التربص ـ ولا أقلّ بقرينة الآية الاولى ـ هو الامتناع عن الزواج.

وقال تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ) (٣) ، فانه لا معنى لإحصاء العدة الا اذا فرض حرمة الزواج فيها.

وقال : (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) (٤) ، فانه لا معنى لوجوب التربص ـ ولو بقرينة ذيلها ـ الا حرمة زواجها بالغير.

هذا من حيث الكتاب الكريم.

واما الروايات فيمكن استفادة ذلك من صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج الآتية وغيرها.

٢ ـ واما التقييد بما إذا كانت العدة من الغير‌ فباعتبار ان المفهوم من نصوص تشريع العدة كون المنع من الزواج هو لاحترام ذي العدة.

واذا شكك في ذلك امكن التمسك بنصوص الزواج المؤقت الدالة على جواز تجديد الزوج العقد في العدة ـ بعد ضم عدم القول بالفصل ـ

__________________

(١) البقرة : ٢٣٢.

(٢) البقرة : ٢٢٨.

(٣) الطلاق : ١.

(٤) البقرة : ٢٣٤.

٣٤٤

كما في صحيح محمد بن مسلم حيث سأل ابا عبد الله عليه‌السلام عن المتعة فقال : «ان اراد ان يستقبل امرا جديدا فعل ، وليس عليها العدة منه ، وعليها من غيره خمسة واربعون ليلة» (١) وغيره.

٣ ـ واما الحرمة المؤبدة‌ فلا بدّ لإثباتها من الاستعانة بالروايات. وهي على طوائف أربع :

الاولى ـ ما دلّ على الحرمة المؤبدة مطلقا.

الثانية ـ ما دلّ على نفيها مطلقا.

الثالثة ـ ما دلّ على التفصيل بين حالة العلم فتحرم مؤبدا وحالة الجهل فلا تحرم.

الرابعة ـ ما دلّ على التفصيل بين فرض الدخول فتحرم مؤبدا وبين عدمه فلا تحرم.

مثال الاولى : رواية محمد بن مسلم : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يتزوج المرأة في عدتها قال : يفرّق بينهما ولا تحل له ابدا» (٢).

وسندها لا يخلو من اشكال لاشتماله على عبد الله بن بحر الذي لم تثبت وثاقته الابناء على تمامية كبرى وثاقة جميع رجال تفسير القمي.

ومثال الثانية : صحيحة علي بن جعفر عن اخيه عليه‌السلام : «سألته عن امرأة تزوجت قبل ان تنقضي عدتها قال : يفرّق بينها وبينه ويكون خاطبا من الخطاب» (٣).

وسندها في رواية قرب الاسناد وان اشتمل على عبد الله بن‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٤ : ٤٧٥ الباب ٢٣ من أبواب المتعة الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٤ : ٣٥٠ الباب ١٧ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٢٢.

(٣) وسائل الشيعة ١٤ : ٣٤٩ الباب ١٧ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ١٩.

٣٤٥

الحسن الذي هو مجهول الحال الا ان صاحب الوسائل قد رواها من كتاب علي بن جعفر نفسه ، وطريقه إليه صحيح كما تقدم أكثر من مرّة (١).

ومثال الثالثة : موثقة إسحاق بن عمار : «قلت لأبي ابراهيم عليه‌السلام : بلغنا عن ابيك ان الرجل إذا تزوج المرأة في عدتها لم تحل له أبدا فقال : هذا إذا كان عالما فإذا كان جاهلا فارقها وتعتد ثم يتزوجها نكاحا جديدا» (٢).

ومثال الرابعة : صحيحة الحلبي عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «سألته عن المرأة الحبلى يموت زوجها فتضع وتزوج قبل ان تمضي لها اربعة اشهر وعشرا فقال : ان كان دخل بها فرّق بينهما ولم تحل له ابدا واعتدت ما بقي عليها من الاول واستقبلت عدة اخرى من الآخر ثلاثة قروء وان لم يكن دخل بها فرّق بينهما واعتدت بما بقي عليها من الاول وهو خاطب من الخطاب» (٣).

والطائفتان الاخيرتان متعارضتان بالعموم من وجه لدلالة احداهما على الحرمة المؤبدة مع العلم سواء تحقق الدخول أم لا ، وثانيتهما على الحرمة المؤبدة مع الدخول سواء فرض الجهل أم لا ، والجمع بينهما كما يمكن بتقييد منطوق كل واحدة بمنطوق الاخرى الذي لازمه تحقق الحرمة المؤبدة عند تحقق العلم والدخول كذلك يمكن بتقييد مفهوم كل واحدة بمنطوق الاخرى ، ولازمه كفاية العلم او‌

__________________

(١) راجع كتاب البيع تحت عنوان «محرمات في الشريعة».

(٢) وسائل الشيعة ١٤ : ٣٤٧ الباب ١٧ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ١٠.

(٣) وسائل الشيعة ١٤ : ٣٤٦ الباب ١٧ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٦.

٣٤٦

الدخول في تحقق الحرمة المؤبدة.

والارجح هو الجمع بالشكل الثاني لعدم المعارضة بين المنطوقين ليعمل التقييد فيهما وانما هي بين اطلاق المفهومين ، ومعه يكون المناسب تقييد اطلاق المفهوم في كل واحدة بمنطوق الاخرى وتكون النتيجة تحقق الحرمة المؤبدة عند افتراض احد الامرين : العلم أو الدخول.

وبعد هذا يمكن رفع التعارض بلحاظ الطائفة الاولى والثانية أيضا ، وذلك بحمل الاولى على فرض الدخول أو العلم والثانية على فرض عدمهما ، فان العرف يجمع بين الطائفتين المطلقتين بالشكل المذكور بقرينة الطائفة المفصلة.

ثم ان الطائفة الاولى وان كانت ضعيفة السند بناء على انكار الكبرى المتقدمة الا ان حذفها لا يؤثر على النتيجة التي تمّ التوصل إليها كما هو واضح.

هذا كله فيما تقتضيه قواعد الجمع العرفي.

وقد دلت صريحا على النتيجة المذكورة صحيحة الحلبي عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «إذا تزوج الرجل المرأة في عدتها ودخل بها لم تحل له ابدا عالما كان أو جاهلا ، وان لم يدخل حلت للجاهل ولم تحل للآخر» (١).

٤ ـ واما ان علم احدهما يكفي في تحقق الحرمة المؤبدة‌ فهو واضح لو كان العالم هو الزوج لكون ذلك مورد موثقة اسحاق المتقدمة.

واما لو كان العالم هو الزوجة فيمكن التمسك بذيل صحيحة‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٤ : ٣٤٥ الباب ١٧ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٣.

٣٤٧

الحلبي المتقدمة ، فانه باطلاقه يشمل الزوجة ، وعدم ثبوت الحلية لها بالرجوع كاف في اثبات المطلوب.

٥ ـ واما ان المقصود من العلم الموجب للحرمة المؤبدة هو العلم بالصغرى والكبرى‌ فباعتبار ان ظاهر الروايات المتقدمة وان كان هو ارادة العلم بالعدة الا ان العلم بها لما كان يلازم العلم بالحرمة عادة فيثبت ان المراد من العلم ـ الذي هو سبب للحرمة المؤبدة ـ هو العلم بالموضوع والحكم معا ولا يكفي العلم باحدهما في تحقق الحرمة المؤبدة.

ولو قطعنا النظر عن هذا فيمكن استفادة ذلك بوضوح من صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن ابي ابراهيم عليه‌السلام : «سألته عن الرجل يتزوج المرأة في عدتها بجهالة أهي ممن لا تحل له أبدا؟ فقال : لا ، اما إذا كان بجهالة فليزوجها بعد ما تنقضي عدتها وقد يعذر الناس في الجهالة بما هو أعظم من ذلك فقلت : بأي الجهالتين يعذر بجهالته ان ذلك محرم عليه أم بجهالته انها في عدة؟ فقال : احدى الجهالتين اهون من الاخرى ، الجهالة بان الله حرّم ذلك عليه ، وذلك بانه لا يقدر على الاحتياط معها فقلت : وهو في الاخرى معذور؟ قال : نعم إذا انقضت عدتها فهو معذور في ان يتزوجها ...» (١).

٦ ـ واما كفاية الدخول في الدبر في تحقق الحرمة المؤبدة‌ فلإطلاق ما تقدم.

٧ ـ واما ان من زنى بالمرأة في عدتها الرجعية تحرم عليه مؤبدا‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٤ : ٣٤٥ الباب ١٧ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٤.

٣٤٨

فيمكن اثباته من خلال مقدمتين :

أ ـ ان المعتدة الرجعية زوجة حقيقة خلافا للمشهور القائل بترتب احكام الزوجة عليها من دون ان تكون زوجة حقيقة.

ب ـ ان الزنا بذات البعل موجب للحرمة المؤبدة.

اما المقدمة الاولى فيمكن استفادتها من صحيحة سعد بن ابي خلف : «سألت ابا الحسن موسى عليه‌السلام عن شي‌ء من الطلاق فقال : «إذا طلّق الرجل امرأته طلاقا لا يملك فيه الرجعة فقد بانت منه» (١) وغيرها مما اشتمل على التعبير بكلمة «بانت» ، فانها ظاهرة في بينونة الزوجية نفسها ـ لا بينونة احكامها ـ في الطلاق البائن ، وبقاء الزوجية وعدم بينونتها في الطلاق الرجعي الا بانقضاء العدة.

واما المقدمة الثانية فقد تقدم (٢) تبني المشهور لها لوجوه ثلاثة.

وبهذا اتضح ان تخريج الحرمة المؤبدة في حق الزاني بالمعتدة الرجعية لا يتم الا على رأي المشهور القائل بتمامية المقدمة الثانية.

كما انه لا مجال للمشهور المنكر للمقدمة الاولى تخريج الحرمة المؤبدة الا بالتشبث بالإجماع المدعى في المسألة.

٨ ـ واما قصر الحكم على المعتدة الرجعية دون البائنة او المعتدة بعدة الوفاة‌ فللتمسك بالاصل المستفاد من قوله تعالى : (وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ) (٣) بعد قصور المانع عن الشمول لغير المعتدة الرجعية.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٥ : ٤٣٦ الباب ٢٠ من أبواب العدد الحديث ١.

(٢) في الرقم ١٤ تحت عنوان «المصاهرة».

(٣) النساء : ٢٤.

٣٤٩

د ـ استيفاء العدد‌

لا تجوز الزيادة في العقد الدائم على اربع زوجات.

ومن كانت عنده اربع وطلّق واحدة رجعيا فلا يجوز له الزواج بالخامسة الا بعد انتهاء العدة.

ومن طلّق زوجته ثلاثا وقد تخللت بينها رجعتان او ما بحكمهما ولم يتخلل بينها نكاح رجل آخر حرمت عليه حتى تنكح زوجا غيره. واذا تكرر الطلاق بعد ذلك حرمت في السادس كما سبق وفي التاسع مؤبدا على بيان يأتي في باب الطلاق إن شاء الله تعالى.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما عدم جواز الزيادة على اربع‌ فمما لا خلاف فيه بين المسلمين. ويمكن استفادته من قوله تعالى : (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّ تَعْدِلُوا فَواحِدَةً) (١) ، فان العدد وان لم يكن له مفهوم الا ان ذلك فيما إذا لم يسق في مقام التحديد والا ثبت له ، وظاهر الآية الكريمة سوقها لذلك.

والروايات الدالة على ذلك كثيرة ، كصحيح زرارة ومحمد بن مسلم عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «إذا جمع الرجل اربعا وطلّق احداهن فلا يتزوج الخامسة حتى تنقضي عدة المرأة التي طلّق. وقال : لا يجمع ماءه في خمس» (٢) وغيره.

واحتمال كون المقصود تحريم وطء الخامسة دون اصل الزواج‌

__________________

(١) النساء : ٣.

(٢) وسائل الشيعة ١٤ : ٣٩٩ الباب ٢ من ابواب ما يحرم باستيفاء العدد الحديث ١.

٣٥٠

لقوله عليه‌السلام : «لا يجمع ماءه في خمس» ضعيف ، لان ظاهره الكناية عن الزواج ، ومع التنزل تكفينا الروايات الاخرى.

٢ ـ واما التخصيص بالعقد الدائم‌ فلا خلاف فيه. وتدل عليه الروايات الكثيرة ، كصحيحة زرارة : «قلت : ما يحل من المتعة؟ قال : كم شئت» (١) وغيرها.

ولا يضرها الاضمار بعد ما كان المضمر مثل زرارة الذي لا تليق به الرواية عن غير الامام عليه‌السلام. على ان بالامكان التعويض عنها بالروايات الاخرى.

وإذا قيل : ان موثقة عمار عن ابي عبد الله عليه‌السلام قالت عن المتعة : «هي احد الاربعة» (٢) ، وهذا يدل على الخلاف.

قلنا : لا بدّ من توجيهها بشكل وآخر لعدم التزام احد بمضمونها. ويمكن حملها على ارادة الاحتياط تحفظا من انكار المخالفين ، كما دلت عليه بوضوح صحيحة البزنطي عن ابي الحسن الرضا عليه‌السلام : «قال ابو جعفر عليه‌السلام : اجعلوهن من الاربع فقال له صفوان بن يحيى : على الاحتياط؟ قال : نعم» (٣).

٣ ـ واما عدم جواز الزواج بالخامسة لمن طلّق واحدة رجعيا‌ فلا خلاف فيه. وتدل عليه صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم المتقدمة وغيرها.

واما تقييد الطلاق بما إذا كان رجعيا فهو المشهور باعتبار‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٤ : ٤٤٦ الباب ٤ من أبواب المتعة الحديث ٣.

(٢) وسائل الشيعة ١٤ : ٤٤٨ الباب ٤ من أبواب المتعة الحديث ١٠.

(٣) وسائل الشيعة ١٤ : ٤٤٨ الباب ٤ من أبواب المتعة الحديث؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟.

٣٥١

انقطاع العصمة في البائن.

والمناسب التعميم لإطلاق الصحيحة المتقدمة وغيرها الا ان يثبت اجماع تعبدي على خلافه فيكون مقيدا.

ه ـ الكفر‌

لا يجوز للمسلم الزواج بالكافرة غير الكتابية. وفي جوازه بالكتابية خلاف.

واما المسلمة فلا يجوز لها الزواج بغير المسلم مطلقا.

ولا يجوز للمسلم الزواج بالكتابية على زوجته المسلمة بدون اذنها حتى بناء على جواز زواج المسلم بالكتابية.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما عدم جواز زواج المسلم بالكافرة غير الكتابية‌ فقد ادعي عليه الاجماع ، وقد يستدل له بقوله تعالى : (وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ أُولئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النّارِ) (١).

ولكنه ـ كما ترى ـ خاص بالمشركة ولا يعمّ مطلق الكافرة الا ان يتمسك باحد البيانين التاليين :

أ ـ ان ذيل الآية الكريمة : (أُولئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النّارِ) ينفي الخصوصية للمشركة.

ب ـ التمسك بالغاية ـ حتى يؤمنّ ـ حيث تدل على ان المسلم‌

__________________

(١) البقرة : ٢٢١.

٣٥٢

لا يجوز له الزواج بغير المؤمنة.

وكلاهما كما ترى.

اما الاول فلان ذيل الآية الكريمة وارد مورد الحكمة فلا يمكن التمسك به لإثبات التعميم ، بل لا ينفع التمسك به حتى على تقدير وروده مورد العلة لأنه يدل آنذاك على عدم ثبوت النهي إذا لم تتحقق الدعوة بالفعل الى النار ، كما إذا كان بين الزوجين نفرة لا يمكن تحقق الدعوة إلى النار معها.

واما الثاني فلاحتمال ان لا يكون المقصود من الايمان في الغاية الإسلام بل الايمان بالله سبحانه بنحو التوحيد ومن دون شرك.

والاولى الاستدلال بقوله تعالى : (وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ) (١) ، فان العصم جمع عصمة ، وهي ما يعتصم به كالعقد. والكوافر جمع كافرة. والمراد نهي المؤمنين عن الاستمرار في نكاح الكوافر لانقطاع العصمة بالاسلام. وإذا ثبت هذا بقاء ثبت ابتداء بالاولوية.

وعلى هذا يتمسك باطلاق الآية الكريمة الا ان يقوم دليل على الخلاف في مورد فيقيد به في ذلك المورد.

٢ ـ واما الكتابية‌ فيمكن القول بجواز زواج المسلم بها انقطاعا بل دواما أيضا ـ خلافا لما قيل من عدم الجواز مطلقا أو في خصوص الدائم ـ لصحيحة معاوية بن وهب وغيره عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «الرجل المؤمن يتزوّج اليهودية والنصرانية فقال : إذا أصاب المسلمة فما يصنع باليهودية والنصرانية؟ فقلت له : يكون له فيها الهوى ، قال : ان فعل‌

__________________

(١) الممتحنة : ١٠.

٣٥٣

فليمنعها من شرب الخمر وأكل لحم الخنزير ...» (١) وغيرها.

هذا وقد يستدل على عدم الجواز بما يلي :

أ ـ التمسك بالآية المتقدمة (وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتّى يُؤْمِنَّ) بعد تفسير المشرك بما يعمّ الكتابي لقوله تعالى : (وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ) ... (اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَما أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً لا إِلهَ إِلاّ هُوَ سُبْحانَهُ عَمّا يُشْرِكُونَ) (٢).

وفيه : ان كلمة «المشرك» منصرفة عن الكتابي. والتعبير في قوله تعالى : (سُبْحانَهُ عَمّا يُشْرِكُونَ) لا يتنافى مع دعوى الانصراف المذكورة ، ولذا نلاحظ عطف الكتابي على المشرك في جملة من الآيات ، كقوله تعالى : (ما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ ...) (٣) ‌وغيره.

ب ـ التمسك بقوله تعالى : (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ ...) (٤) ، بتقريب ان الزواج بالكتابية لما كان موجبا لموادتها المنهي عنها فيلزم ان يكون محرما.

وفيه : انه لا تلازم بين الزواج والمودة. ومع التنزل يمكن القول بان المنهي عنه هو موادة من حادّ الله ورسوله من حيث الوصف المذكور لا‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٤ : ٤١٢ الباب ٢ من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث ١.

(٢) التوبة : ٣٠ ـ ٣١.

(٣) البقرة : ١٠٥.

(٤) المجادلة : ٢٢.

٣٥٤

مطلقا بل يمكن القول بعدم دلالتها على التحريم رأسا.

ج ـ التمسك بموثقة زرارة : «سألت ابا جعفر عليه‌السلام عن نكاح اليهودية والنصرانية فقال : لا يصلح للمسلم ان ينكح يهودية ولا نصرانية انما يحل منهنّ نكاح البله» (١).

وفيه : ان التعبير بجملة «لا يصلح» لا يدل على التحريم بل هو أعم منه.

٣ ـ واما عدم جواز زواج المسلمة بالكافر‌ فلا خلاف فيه ، ويمكن استفادته من قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ) (٢) ، فان النهي في مرحلة البقاء يلازم النهي في مرحلة الحدوث ان لم يكن ذلك اولى.

ويمكن استفادة ذلك أيضا من روايات متعددة ، كصحيحة عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «إذا أسلمت امرأة وزوجها على غير الإسلام فرّق بينهما» (٣) وغيرها.

٤ ـ واما عدم جواز الزواج بالكتابية على المسلمة‌ فلعدة روايات ، كصحيحة محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه‌السلام : «لا تتزوج اليهودية والنصرانية على المسلمة» (٤) وغيرها.

بل في بعضها يضرب الزوج ثمن حدّ الزاني ، كما في صحيح‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٤ : ٤١٤ الباب ٣ من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث ١.

(٢) الممتحنة : ١٠.

(٣) وسائل الشيعة ١٤ : ٤٢١ الباب ٩ من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث ٤.

(٤) وسائل الشيعة ١٤ : ٤١٨ الباب ٧ من أبواب ما يحرم بالكفر المتعة الحديث ١.

٣٥٥

هشام بن سالم عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «رجل تزوج ذمية على مسلمة ، قال : يفرّق بينهما ويضرب ثمن حدّ الزاني اثنا عشر سوطا ونصفا فان رضيت المسلمة ضرب ثمن الحدّ ولم يفرّق بينهما ...» (١).

ودلالتها واضحة في ان عدم الجواز حق للمسلمة وليس حكما شرعيا ليمتنع ارتفاعه باذنها أو رضاها المتاخر.

و ، ز ـ الاحرام واللعان‌

لا يجوز للمحرم الزواج حالة احرامه سواء كانت المرأة محرمة أيضا أم لا.

ولو فعل ذلك مع علمه بالحرمة حرمت عليه مؤبدا سواء دخل بها أم لا.

ومن قذف زوجته بالزنا حدّ حدّ القذف الا اذا لا عنها فانه يدرأ بذلك الحدّ عن نفسه ولكنه يحرم عليها مؤبدا.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما عدم جواز زواج المحرم حالة احرامه‌ فلا خلاف فيه. وتدل عليه صحيحة يونس بن يعقوب : «سألت ابا عبد الله عليه‌السلام عن المحرم يتزوج؟ قال : لا ، ولا يزوّج المحرم المحل» (٢) وغيرها.

٢ ـ واما الحرمة المؤبدة‌ فالروايات فيها على ثلاث طوائف :

الاولى ـ ما دلّ على الحرمة المؤبدة مطلقا.

الثانية ـ وما دلّ على عدمها مطلقا.

الثالثة ـ وما دلّ على التفصيل بين فرض العلم بالحرمة فتثبت الحرمة مؤبدا وبين عدمه فلا تثبت.

مثال الاولى : موثقة اديم بن الحر عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «ان المحرم‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٤ : ٤١٩ الباب ٧ من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث ٤.

(٢) وسائل الشيعة ١٤ : ٣٧٨ الباب ٣١ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٢.

٣٥٦

إذا تزوج وهو محرم فرّق بينهما ولا يتعاودان أبدا ، والذي يتزوج المرأة ولها زوج يفرّق بينهما ، ولا يتعاودان ابدا» (١).

ومثال الثانية : صحيحة محمد بن قيس عن ابي جعفر عليه‌السلام : «قضى امير المؤمنين عليه‌السلام في رجل ملك بضع امرأة وهو محرم قبل ان يحل فقضى ان يخلى سبيلها ولم يجعل نكاحه شيئا حتى يحل ، فاذا احلّ خطبها ان شاء وان شاء اهلها زوجوه ، وان شاءوا لم يزوجوه» (٢).

ومثال الثالثة : صحيحة زرارة وداود بن سرحان عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «... والمحرم إذا تزوج وهو يعلم انه حرام عليه لم تحل له أبدا» (٣).

والتعارض بين الاولى والثانية ـ بقطع النظر عن الثالثة ـ وان كان مستقرا الا انه بعد ملاحظة الثالثة يمكن الجمع عرفا بحمل الاولى على فرض العلم بالحرمة والثانية على فرض الجهل. وبذلك نصل إلى النتيجة المذكورة في المتن.

واما التعميم لفرض الدخول وعدمه فلإطلاق النصوص من هذه الناحية.

٣ ـ واما ان من قذف زوجته بالزنا حدّ حدّ القذف الا إذا لاعنها‌ فيأتي وجهه في باب الحدود ان شاء الله تعالى.

واما ثبوت الحرمة المؤبدة باللعان فتدل عليه صحيحة الحلبي عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «سئل عن الرجل يقذف امرأته قال : يلاعنها ثم يفرّق‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ٩ : ٩١ الباب ١٥ من أبواب تروك الاحرام الحديث ٢.

(٢) وسائل الشيعة ٩ : ٩٢ الباب ١٥ من أبواب تروك الاحرام الحديث ٣.

(٣) وسائل الشيعة ١٤ : ٣٧٨ الباب ٣١ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ١.

٣٥٧

بينهما فلا تحل له أبدا» (١) وغيرها.

٥ ـ الزواج المؤقت‌

الزواج المؤقت ـ وهو ما يصطلح عليه بعقد التمتع ـ مشروع بلا اشكال.

ويعتبر فيه الايجاب والقبول اللفظيان ، وتعيين المهر والاجل ، وبدون ذلك يبطل.

كما يعتبر فيه الاعتداد بعد انتهاء الاجل او الابراء من باقيه بحيضتين كاملتين تلحظان بعد ذلك. وإذا فرض انها لا تحيض وهي في سن من تحيض لزمها الاعتداد بخمسة واربعين يوما. هذا في غير الصغيرة واليائس والتي لم يدخل بها ، واما هنّ فلا عدة عليهنّ.

هذا في غير موت الزوج أثناء الاجل والا لزمها الاعتداد بأربعة أشهر وعشرة أيام.

والولد المتحقق به ملحق بالزوج وله جميع حقوق الولد الثابتة في العقد الدائم.

ولا تستحق الزوجة فيه النفقة ولا توارث بينها وبين الزوج لو تحقق موت احدهما في الاجل الا مع الاشتراط.

كما انه لا طلاق فيه بل تحصل البينونة بانتهاء المدة أو هبة ما تبقى منها.

ولا يجوز للمسلم التمتع بالكافرة غير الكتابية.

ولا يصح ـ عند المشهور ـ تجديد العقد دائما أو منقطعا قبل انتهاء الاجل.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٤ : ٣٧٩ الباب ٣٢ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ١.

٣٥٨

ويجوز للمتمتع بها اشتراط عدم الدخول بها ولكنها لو أذنت بعد ذلك جاز.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما شرعية الزواج المؤقت‌ فهي من شعار الامامية وضرورات مذهبهم ، بل ذلك مورد اتفاق جميع المسلمين وان اختلفوا في نسخه بعد ذلك.

ويدل على ذلك قوله تعالى : (وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً) (١).

وأحاديثنا في ذلك متواترة بل وأحاديث غيرنا كذلك.

فمن أحاديثنا صحيح زرارة : «جاء عبد الله بن عمير الليثي إلى ابي جعفر عليه‌السلام فقال : ما تقول في متعة النساء؟ فقال : احلّها الله في كتابه وعلى سنّة نبيه ، فهي حلال إلى يوم القيامة فقال : يا أبا جعفر مثلك يقول هذا وقد حرّمها عمر ونهى عنها؟ فقال : وان كان فعل ، فقال : فاني اعيذك بالله من ذلك ان تحل شيئا حرّمه عمر فقال له : فانت على قول صاحبك وانا على قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فهلمّ ألاعنك ان الحق ما قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وان الباطل ما قال صاحبك ...» (٢) وغيره.

ومن احاديث غيرنا ما رواه البخاري ومسلم عن جابر بن عبد الله وسلمة بن الاكوع قالا : «خرج علينا منادي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : ان‌

__________________

(١) النساء : ٢٤.

(٢) وسائل الشيعة ١٤ : ٤٣٧ الباب ١ من أبواب المتعة الحديث ٤.

٣٥٩

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد اذن لكم ان تستمتعوا ، يعني متعة النساء» (١).

وبعد اتفاق السنّة الشريفة من كلا الطرفين على ذلك لا معنى للإشكال في دلالة الآية الكريمة بدعوى ان الاستمتاع ليس بمعنى عقد التمتع بل بمعنى الدخول المتحقق في العقد الدائم وان الآية بصدد بيان ان الدخول موجب لاستحقاق المهر كاملا (٢) ، ان هذا لا يجدي بعد دلالة السنّة الشريفة واتفاق المسلمين على ذلك (٣).

اجل قد تنفع في المقام دعوى نسخ المشروعية ، الا ان صدور ذلك من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ان لم يكن مقطوع العدم فهو مشكوك فيه ، ومعه يجري استصحاب عدم النسخ الذي هو حجة لدى الجميع بما في ذلك المنكر لحجية الاستصحاب في باب الاحكام الكلية.

وصدور النهي من بعد زمان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وان كان مسلما (٤) الا انه‌

__________________

(١) صحيح مسلم ، كتاب النكاح ، باب نكاح المتعة الرقم ١٤٠٥ ، صحيح البخاري ، كتاب النكاح ، باب نهي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن نكاح المتعة آخرا الرقم ٥١١٧.

(٢) احكام القرآن لأبي بكر الجصاص ٢ : ١٨٤ وتفسير القرطبي ٥ : ١٢٩ وتفسير الرازي ١٠ : ٥١.

(٣) من جملة من نقل الاتفاق على اباحة المتعة في صدر الإسلام الفخر الرازي في تفسيره مفاتيح الغيب ١٠ : ٥١.

(٤) روى مسلم في باب نكاح المتعة في صحيحة الرقم ١٤٠٩ عن ابي نضرة قال : «كنت عند جابر بن عبد الله فأتاه آت فقال : ابن عباس وابن الزبير اختلفا في المتعتين فقال جابر :

فعلناهما مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثم نهانا عنهما عمر فلم نعد لهما».

وروى الرازي في تفسيره مفاتيح الغيب ١٠ : ٥٢ عن عمران بن الحصين : «نزلت آية المتعة في كتاب الله تعالى ولم تنزل بعدها آية تنسخها وامرنا بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وتمتعنا بها ومات ولم ينهنا عنه ، ثم قال رجل برأيه ما شاء».

ونقل في الصفحة نفسها من تفسيره عن الطبري في تفسيره عن علي بن ابي طالب رضي‌الله‌عنه :

٣٦٠