دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي على المذهب الجعفري - ج ٢

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي على المذهب الجعفري - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الفقه للطباعة والنشر
المطبعة: برهان
الطبعة: ٢
ISBN: 964-499-036-6
ISBN الدورة:
964-499-048-X

الصفحات: ٥٩١

زوجي قد نثرت له بطني (١) واعنته على دنياه وآخرته فلم ير مني مكروها وانا اشكوه الى الله وإليك قال : فما تشكينه؟ قالت : انه قال لي اليوم : انت عليّ حرام كظهر أمي وقد اخرجني من منزلي فانظر في امري فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما انزل الله عليّ كتابا اقضي به بينك وبين زوجك وانا اكره ان اكون من المتكلفين فجعلت تبكي وتشتكي ما بها الى الله والى رسوله وانصرفت فسمع الله محاورتها لرسوله وما شكت اليه فانزل الله عز وجل بذلك قرآنا : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها ...) فبعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الى المرأة فاتته فقال لها : جئني (٢) بزوجك فاتته به فقال : أقلت لامرأتك هذه انت عليّ حرام كظهر أمي؟ فقال : قد قلت ذلك فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : قد انزل الله فيك قرآنا فقرأ عليه ما انزل الله ... فضم امرأتك إليك فانك قد قلت منكرا من القول وزورا قد عفا الله عنك وغفر لك فلا تعد ...» (٣) وغيره.

وبالجملة لا اشكال في حرمة الظهار لوصفه بالمنكر والزور في الآية الكريمة وللنهي عن العود اليه في الرواية الشريفة.

هذا وقد نسب الى قائل غير معروف بانه محرم لا عقاب عليه لتعقيبه بالعفو في الآية السابقة (٤).

وفيه : ان العفو ثابت للفاعل الاول باعتبار جهله بالتحريم وليس لكل فاعل حتى مع علمه بذلك.

__________________

(١) اي اكثرت له الولد من بطني.

(٢) وفي المصدر اي الكافي ٦ : ١٥٢ جيئيني.

(٣) وسائل الشيعة ١٥ : ٥٠٦ الباب ١ من كتاب الظهار الحديث ٢.

(٤) جواهر الكلام ٣٣ : ١٢٩.

٤٦١

٤ ـ واما انه يحرم بالظهار وطء الزوجة قبل التكفير‌ فيدل عليه صريح الآية الكريمة : (وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسّا ...) (١) وصحيح الحلبي : «سألت ابا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يظاهر من امرأته ثم يريد ان يتم على طلاقها قال : ليس عليه كفارة. قلت : ان اراد ان يمسها؟ قال : لا يمسها حتى يكفّر. قلت : فان فعل فعليه شي‌ء؟ قال : اي والله انه لآثم ظالم. قلت : عليه كفارة غير الاولى؟ قال : نعم يعتق أيضا رقبة» (٢) وغيره.

٥ ـ واما انه لا يجب التكفير بمجرد التلفظ بالظهار من دون ارادة العود‌ فيدل عليه ظاهر الآية الكريمة وصحيح الحلبي السابق وغيره. بل يكفي لنفي ذلك القصور في المقتضي بلا حاجة الى دليل يدل على النفي.

٦ ـ واما تعدد الكفارة بالوطء قبل التكفير وعدم تعددها عند التكفير قبل الوطء‌ فيستفاد من صحيح الحلبي السابق وغيره.

٧ ـ واما ان الزوجة اذا صبرت فلا اعتراض‌ فباعتبار انها صاحبة الحق فمع تنازلها فلا موجب للاعتراض.

واما انها اذا رفعت امرها الى الحاكم خيّره على البيان المتقدم فقد يستدل له بموثق ابي بصير : «سألت ابا عبد الله عليه‌السلام عن رجل ظاهر من امرأته قال : ان اتاها فعليه عتق رقبة او صيام شهرين متتابعين او اطعام ستين مسكينا والا ترك ثلاثة اشهر ، فان فاء والا اوقف حتى‌

__________________

(١) المجادلة : ٣.

(٢) وسائل الشيعة ١٥ : ٥٢٧ الباب ١٥ من كتاب الظهار الحديث ٤.

٤٦٢

يسأل : لك حاجة في امرأتك او تطلقها؟ فان فاء فليس عليه شي‌ء وهي امرأته ، وان طلق واحدة فهو املك برجعتها» (١).

ولكنه ـ كما ترى ـ لا يدل على التضييق في المأكل والمشرب فلا بدّ من اتمام ذلك بالتسالم وعدم الخلاف أو ان يبنى على التعدي من روايات باب الايلاء الدالة على التضييق (٢) الى باب الظهار بناء على عدم فهم الخصوصية.

هذا وقد ورد في بعض الكلمات انه اذا لم يجده كل ذلك طلقها الحاكم. ولكنه قابل للتأمل ، اذ لا نص يدل على ذلك وليس موردا للاتفاق فلاحظ.

٨ ـ واما ان الكفارة ما تقدم‌ فتدل عليه الآية الكريمة : (وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسّا ذلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ* فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً) (٣) وموثق ابي بصير المتقدم ونحوه.

واما انه اذا عجز عن الجميع صام ثمانية عشر يوما فيدل عليه موثق ابي بصير الآخر : «سألت ابا عبد الله عليه‌السلام عن رجل ظاهر من امرأته فلم يجد ما يعتق ولا ما يتصدق ولا يقوى على الصيام قال : يصوم ثمانية عشر يوما لكل عشرة مساكين ثلاثة ايام» (٤).

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٥ : ٥٣٣ الباب ١٨ من كتاب الظهار الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٥ : ٥٤٥ الباب ١١ من أبواب الايلاء.

(٣) المجادلة : ٣ ـ ٤.

(٤) وسائل الشيعة ١٥ : ٥٥٨ الباب ٨ من أبواب الكفارات الحديث ١.

٤٦٣

٢ ـ شرائط الظهار‌

يلزم لتحقق الظهار حضور شاهدين عادلين يسمعان قول المظاهر. كما يلزم بلوغه وعقله واختياره وقصده وعدم غضبه.

ويلزم في الزوجة المظاهرة الدخول بها وكونها على طهر لم تواقع فيه.

ولا يقع الظهار اذا قصد به الاضرار بالزوجة. وهكذا لا يقع اذا قصد به الزجر ، كما لو قال الزوج : فلانة كظهر أمي عليّ ان تركت الصلاة.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما انه يلزم في تحقق الظهار حضور شاهدين عادلين‌ فقد ادعى في الجواهر عدم وجدانه الخلاف في ذلك (١). ويدل عليه صحيح حمران : «قال ابو جعفر عليه‌السلام : لا يكون ظهار في يمين ولا في اضرار ولا في غضب ، ولا يكون ظهار الا في طهر من غير جماع بشهادة شاهدين مسلمين» (٢).

اجل يظهر الخلاف من الشهيد الثاني حيث ذكر ان النص عبّر بلزوم كونهما مسلمين لا اكثر (٣).

وفيه : ان الإسلام وحده لا تحتمل كفايته اذ شهادة الفاسق الذي لا رادع له عن الكذب كيف تحتمل كفايتها وما هي فائدتها؟! فالرواية على هذا اطلقت اعتمادا على وضوح الامر. وقد ورد في صحيحة بن ابي‌

__________________

(١) جواهر الكلام ٣٣ : ١٠٥.

(٢) وسائل الشيعة ١٥ : ٥٠٩ الباب ٢ من كتاب الظهار الحديث ١.

(٣) مسالك الافهام ٢ : ٧٦.

٤٦٤

يعفور : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : بم تعرف عدالة الرجل بين المسلمين حتى تقبل شهادته لهم وعليهم ...» (١).

٢ ـ واما اعتبار بلوغ الزوج المظاهر وعقله‌ فلعدة امور :

أ ـ التمسك بحديث رفع القلم (٢) المتقدم في ابحاث سابقة ، بناء على شمول اطلاقه لقلم الوضع أيضا. وضعف سنده منجبر بعمل المشهور بناء على تمامية كبرى الجابرية.

ب ـ اتفاق الاصحاب على اعتبار البلوغ والعقل في البيع وسائر التصرفات ، والظهار ان لم يكن اولى بذلك فلا أقلّ من عدم الفرق بينهما.

ج ـ ان الادلة الدالة على حصول التحريم بالظهار ناظرة الى خصوص البالغ العاقل بقرينة اثباتها لعنوان الزور والمنكر ولوجوب الكفارة على ارادة العود ، ويبقى غيره بلا دليل يدل على حصول التحريم به فيتمسك بالاستصحاب.

هذا كله لو فرض تحقق القصد الى الظهار ـ كما في العاقل ـ والا فالامر اوضح.

٣ ـ واما اعتبار الاختيار‌ فلحديث نفي الاكراه (٣).

واما اعتبار القصد فلانه بدونه لا يصدق عنوان الظهار. على ان بعض الروايات قد دلت على ذلك ، كموثقة عبيد بن زرارة عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «لا طلاق الا ما اريد به الطلاق ولا ظهار الا ما اريد به‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ : ٢٨٨ الباب ٤١ من أبواب الشهادات الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة الباب ٤ من أبواب مقدمة العبادات.

(٣) وسائل الشيعة ١١ : ٢٩٥ الباب ٥٦ من أبواب جهاد النفس الحديث ١.

٤٦٥

الظهار» (١) وغيرها.

واما اعتبار عدم الغضب فلصحيح حمران المتقدم. ومقتضى اطلاقه الشمول لحالة ثبوت القصد أيضا.

٤ ـ واما اعتبار الدخول بالزوجة في تحقق الظهار بها‌ فقد وقع محلا للخلاف. والمناسب اعتباره لصحيح محمد بن مسلم عن ابي جعفر وابي عبد الله عليهما السّلام : «المرأة التي لم يدخل بها زوجها ، قال : لا يقع عليها ايلاء ولا ظهار» (٢) وغيره.

هذا ولكن نسب الى الشيخ المفيد والسيد المرتضى عدم الاعتبار (٣). وقد يستدل له اما باطلاق الآية الكريمة او بما رواه الشيخ الكليني بسنده الى ابن فضال عمن اخبره عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «لا يكون الظهار الا على مثل موضع الطلاق» (٤) بتقريب ان صحة الطلاق ليست مشروطة بالدخول فيلزم ان يكون الامر في الظهار كذلك.

وفيه :

اما بالنسبة الى اطلاق الآية الكريمة فهو قابل للتقييد بصحيح محمد بن مسلم المتقدم.

واما بالنسبة الى رواية ابن فضال فهي تدل على ان الظهار لا يصح في المورد الذي لا يصح فيه الطلاق ولا تدل على انه كلما صح الطلاق صح الظهار.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٥ : ٥١٠ الباب ٣ من كتاب الظهار الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٥ : ٥١٦ الباب ٨ من كتاب الظهار الحديث ٢.

(٣) جواهر الكلام ٣٣ : ١٢٤.

(٤) وسائل الشيعة ١٥ : ٥٠٩ الباب ٢ من كتاب الظهار الحديث ٣.

٤٦٦

هذا مضافا الى ضعف سندها بالارسال الا بناء على المسلك القائل بحجية كل رواية ورد في سندها احد بني فضال استنادا الى ما رواه الشيخ الطوسي عن عبد الله الكوفي خادم الشيخ الحسين بن روح رضي‌الله‌عنه قال : «سئل الشيخ ـ يعني ابا القاسم ـ رضي‌الله‌عنه عن كتب ابن ابي العزاقر بعد ما ذم وخرجت فيه اللعنة فقيل له : فكيف نعمل بكتبه وبيوتنا منه ملاء؟ فقال : اقول فيها ما قاله ابو محمد الحسن بن علي صلوات الله عليهما وقد سئل عن كتب بني فضال فقالوا : كيف نعمل بكتبهم وبيوتنا منها ملاء؟ فقال صلوات الله عليه : خذوا بما رووا وذروا ما رأوا» (١).

والمسلك المذكور قابل للتأمل لضعف الرواية المذكورة سندا بعبد الله الكوفي ، فانه مجهول الحال ، ودلالة حيث تدل على انه لا موجب للتوقف من ناحية بني فضال اذا وردوا في سند رواية لا ان الرواية تكون حجة حتى مع ضعفها من جهات اخرى.

٥ ـ واما اعتبار وقوعه في طهر لم يواقع فيه‌ فلصحيح حمران المتقدم.

وهل شرطية الطهر تختص بما اذا كان الزوج حاضرا كما هو الحال في الطلاق؟ مقتضى اطلاق الصحيح المتقدم نفي الاختصاص المذكور الا ان المشهور ـ بل في الجواهر نفي الخلاف في ذلك (٢) ـ على الاختصاص. ومعه يكون المناسب العمل على وفق ما يقتضيه الاحتياط.

__________________

(١) الغيبة للشيخ الطوسي : ٢٣٩.

(٢) جواهر الكلام ٣٣ : ١٢٣.

٤٦٧

٦ ـ واما انه لا يصح الظهار اذا قصد به الاضرار او الزجر‌ فلصحيح حمران المتقدم وصحيح صفوان عن ابي الحسن عليه‌السلام : «سألته عن الرجل يصلي الصلوات او يتوضأ فيشك فيها بعد ذلك فيقول : ان اعدت الصلاة أو اعدت الوضوء فامرأته عليه كظهر امه ويحلف على ذلك بالطلاق فقال : هذا من خطوات الشيطان ليس عليه شي‌ء» (١) وغيرهما.

هذا مضافا إلى ما يأتي في مبحث اليمين من عدم صحته الا بالله سبحانه.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٥ : ٥١٣ الباب ٦ من كتاب الظهار الحديث ٤.

٤٦٨

كتاب الإيلاء‌

١ ـ ما هو الايلاء‌

٢ ـ من أحكام الايلاء‌

٤٦٩
٤٧٠

١ ـ ما هو الايلاء؟

الايلاء هو الحلف على ترك مواقعة الزوجة ـ الدائمة المدخول بها ـ ابدا او مدة تزيد على أربعة أشهر بقصد ايذائها والاضرار بها دون ما اذا لم يكن كذلك ، كما اذا حلف على ذلك حفاظا على صحته أو صحتها.

ومع فقدان بعض القيود المذكورة لا ينعقد الحلف ايلاء وان انعقد يمينا وترتبت عليه آثاره اذا اجتمعت شروطه.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما ان الايلاء ما ذكر‌ فهو معناه شرعا والا فهو لغة بمعنى مطلق الحلف. والفعل آلى يؤلي.

وقد كان الايلاء في الجاهلية نحوا من الطلاق كالظهار ، فاذا غضب الزوج على زوجته حلف على عدم مواقعتها قاصدا بذلك تضييق الخناق عليها فلا يطلق سراحها ـ كما في الطلاق ـ لتتزوج من غيره ولا يعود اليها ليعيش معها.

وقد جاء قوله تعالى : (لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ

٤٧١

أَشْهُرٍ فَإِنْ فاؤُ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ* وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (١) متعرضا الى حكم الايلاء ومحددا للفترة التي يتمكن الزوج فيها من اتخاذ القرار النهائي ، وهي اربعة أشهر فاما ان يعود ويعيش معها او يخلي سبيلها بالطلاق. ومن الطبيعي ان يشجّع الكتاب الكريم على الاول ، ولذا قال : (فَإِنْ فاؤُ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ).

٢ ـ واما اعتبار دوام العقد‌ فهو المشهور. ويدل عليه :

أ ـ قوله تعالى : (وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ ...) فانه ظاهر في اعتبار قبول الزوجة المؤلّى منها للطلاق وهو لا يتم الا في الدائمة.

ب ـ ان من لوازم صحة الايلاء جواز مطالبة الزوجة بالوطء ، وهو لا يتم الا في الدائمة.

ج ـ التمسك بصحيحة عبد الله بن ابي يعفور عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «لا ايلاء على الرجل من المرأة التي يتمتع بها» (٢).

د ـ اذا شك في ترتب الاثر بايلاء المتمتع بها يستصحب عدم ترتب الاثر لو فرض القصور في المقتضي.

ومن ذلك يتضح التأمل فيما هو المنسوب الى السيد المرتضى من وقوعه بالمتمتع بها تمسكا بعموم الآية الكريمة الذي لا يخصصه عود الضمير الى البعض. وجواز المطالبة بالوطء لم يثبت كونه من لوازم مطلق الايلاء بل خصوص الايلاء المتعلق بالزوجة الدائمة (٣).

ووجه التأمل : ان عود الضمير الى البعض اذا لم يستلزم‌

__________________

(١) البقرة : ٢٢٦ ـ ٢٢٧.

(٢) تهذيب الاحكام ٨ : ٨ الرقم ٢٢.

(٣) جواهر الكلام ٣٣ : ٣٠٨.

٤٧٢

التخصيص فلا أقلّ من استلزامه الاجمال وعدم انعقاد العموم ، ومعه يرجع الى الاستصحاب بلا مانع. على انه بناء على المبنى المعروف من حجية الخبر يكفينا التمسك بالصحيحة.

٣ ـ واما اشتراط الدخول‌ فلم يعرف فيه خلاف للروايات الخاصة ، كصحيحة محمد بن مسلم عن ابي جعفر وابي عبد الله عليهما السّلام : «في المرأة التي لم يدخل بها زوجها قال : لا يقع عليها ايلاء ولا ظهار» (١) وغيرها (٢).

٤ ـ واما اعتبار ان تكون الفترة المحلوف على ترك الوطء فيها تزيد على اربعه اشهر‌ فتدل عليه رواية زرارة عن ابي جعفر عليه‌السلام : «قلت له : رجل آلى ان لا يقرب امرأته ثلاثة أشهر فقال : لا يكون ايلاء حتى يحلف على اكثر من اربعة اشهر» (٣).

لكنها قابلة للتأمل سندا من ناحية القاسم بن عروة فانه لم تثبت وثاقته.

وقد يعوض عنها بصحيحة حفص بن البختري عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «اذا غاضب الرجل امرأته فلم يقربها من غير يمين اربعة أشهر استعدت عليه فاما ان يفي‌ء واما ان يطلق فان تركها من غير مغاضبة او يمين فليس بمؤل» (٤) ، فانه يستفاد منها انه يكون مؤليا لو ترك وطأها اربعة اشهر عن يمين.

وعلى اي حال لم يعرف خلاف في الحكم المذكور.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٥ : ٥١٦ الباب ٨ من كتاب الظهار الحديث ٢.

(٢) يمكن مراجعة بقية الروايات في وسائل الشيعة ١٥ : ٥٣٨ الباب ٦ من أبواب الايلاء.

(٣) وسائل الشيعة ١٥ : ٥٣٨ الباب ٦ من أبواب الايلاء الحديث ٢.

(٤) وسائل الشيعة ١٥ : ٥٣٥ الباب ١ من أبواب الايلاء الحديث ٢.

٤٧٣

٥ ـ واما اعتبار ان يكون الحلف على ترك الوطء بقصد الاضرار‌ فلا خلاف فيه. وتدل عليه موثقة السكوني عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «اتى رجل امير المؤمنين فقال : يا امير المؤمنين ان امرأتي ارضعت غلاما واني قلت : والله لا اقربك حتى تفطميه فقال : ليس في الاصلاح ايلاء» (١).

واذا شكك في السند من ناحية النوفلي الراوي عن السكوني فبالامكان التعويض بصحيحة حفص بن البختري المتقدمة ، فانه بالامكان استفادة ذلك منها فلاحظ.

٦ ـ واما انه عند فقدان بعض الشرائط المتقدمة لا ينعقد ايلاء فواضح‌ ، فان ذلك مقتضى الشرطية ومن لوازمها.

واما انه ينعقد يمينا فلان الايلاء يمين ولا وجه للتوقف في انعقاده يمينا بعد فرض توفر شرائط ذلك.

٢ ـ من احكام الايلاء‌

لا ينعقد الايلاء ـ كمطلق اليمين ـ الا باسمه تعالى.

واذا تمّ بشرائطه فمع صبر الزوجة فلا اعتراض والا رافعته الى الحاكم الشرعي فان تراجع خلال اربعة اشهر وواقعها خلال ذلك فهو والا الزمه بأحد امرين : الرجوع او الطلاق. واذا لم يستجب سجنه وضيّق عليه في المأكل والمشرب حتى يختار احدهما.

وفي بداية الاشهر الاربعة وانها من حين المرافعة او من حين‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٥ : ٥٣٧ الباب ٤ من أبواب الايلاء الحديث ١.

٤٧٤

الايلاء خلاف.

وعلى الزوج اذا واقع زوجته ـ خلال الفترة المذكورة او قبلها او بعدها ـ التكفير الا اذا فرض التحديد بفترة معينة وتحققت المواقعة بعد انتهائها.

وكفارة الايلاء ككفارة حنث اليمين التي يأتي بيانها في المحل المناسب ان شاء الله تعالى.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما انه لا ينعقد الايلاء الا اذا كان الحلف بالله سبحانه‌ فلانه فرد من اليمين فيعتبر فيه ما يعتبر فيه. على انه يمكن استفادة ذلك من الروايات الخاصة ، كصحيحة ابي بصير عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «سألته عن الايلاء ما هو؟ فقال : هو ان يقول الرجل لامرأته : والله لا اجامعك كذا وكذا ...» (١).

٢ ـ واما انه اذا تمّ الايلاء وصبرت الزوجة فلا اعتراض‌ فواضح باعتبار انها صاحبة الحق ولصاحب الحق التنازل عن حقه.

واما انها اذا لم تصبر فلها الحق في رفع امرها الى الحاكم الشرعي فلدلالة الروايات المتعددة عليه. وقد سبق بعضها ويأتي بعضها الآخر.

واما ان للحاكم الحق في الالزام بأحد الامرين عند انتهاء المدة فذلك لازم جواز رفع القضية الى الحاكم والا كان رفعها اليه لغوا. على ان ذلك يستفاد من بعض الروايات الآتية.

٣ ـ واما ان الحاكم يضيّق عليه في المأكل والمشرب اذا امتنع من

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٥ : ٥٤١ الباب ٩ من أبواب الايلاء الحديث ١.

٤٧٥

الامرين في نهاية المدة‌ فقد دلت عليه رواية حماد بن عثمان عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «المؤلي اذا أبى ان يطلق قال : كان امير المؤمنين عليه‌السلام يجعل له حظيرة من قصب ويجعله فيها ويمنعه من الطعام والشراب حتى يطلق» (١) وغيرها.

ولكن الجميع ضعيف السند فلاحظ. ولا بدّ من اتمام المطلب بالتسالم ان تمّ.

ثم انه اذا امتنع المؤلي من اختيار احد الامرين اما مع التضييق عليه في المأكل والمشرب او بدونه فهل للحاكم التصدي للطلاق؟ نعم له ذلك لموثق سماعة : «... وان لم يف بعد اربعة اشهر حتى يصالح اهله او يطلّق جبر على ذلك ولا يقع طلاق فيما بينهما حتى يوقف وان كان بعد الاربعة اشهر فان أبى فرّق بينهما الامام» (٢).

٤ ـ واما بداية المدة‌ فالمشهور انها من حين المرافعة. والروايات مختلفة :

أ ـ فمنها ما دلّ على ان البداية هي المرافعة ، كصحيحة ابي بصير عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «الايلاء هو ان يحلف الرجل على امرأته ان لا يجامعها فان صبرت عليه فلها ان تصبر وان رفعته الى الامام انظره اربعة اشهر ...» (٣) وغيرها.

ب ـ ومنها ما دلّ على انها تحقق الايلاء ، كصحيحة الحلبي عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «ايما رجل آلى من امرأته ... فانه يتربص به اربعة‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٥ : ٥٤٥ الباب ١١ من ابواب الايلاء الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٥ : ٥٤٢ الباب ٩ من أبواب الايلاء الحديث ٤.

(٣) وسائل الشيعة ١٥ : ٥٤١ الباب ٨ من أبواب الايلاء الحديث ٦.

٤٧٦

اشهر ثم يؤخذ بعد الاربعة اشهر فيوقف فاذا فاء ...» (١).

والمناسب على تقدير استقرار التعارض ترجيح الثانية لموافقتها لظاهر الكتاب الكريم الدال على اتحاد وقت الايلاء والتربص.

هذا ولكن الشهرة حيث انها على وفق مضمون الاولى فينبغي العمل على وفق الاحتياط.

٥ ـ واما لزوم الكفارة‌ فهو مما لا اشكال فيه من جهة تحقق حنث اليمين.

ومنه يتضح الوجه في كونها ككفارة حنث اليمين.

وهل يلزم دفعها بعد الوطء او قبله؟ قد يقال بلزوم كونها قبله تمسكا بظاهر رواية منصور : «سألت ابا عبد الله عليه‌السلام عن رجل آلى من امرأته فمرت اربعة اشهر قال : يوقف فان عزم الطلاق بانت منه وعليها عدة المطلقة والا كفر عن يمينه وامسكها» (٢).

الا ان سندها قابل للتأمل ، فان الشيخ الصدوق رواها بسنده عن ابان بن عثمان عن منصور. وطريقه الى ابان صحيح في المشيخة (٣). وابان نفسه ثقة لكونه من اصحاب الاجماع الا ان المشكلة هي من ناحية منصور ، فان ابان بن عثمان يروي عن منصور بن حازم الذي هو ثقة وعن منصور الصيقل الذي لم تثبت وثاقته ، فالمشكلة هي من حيث منصور لتردده بين الثقة وغيره.

وعليه فالمناسب ان تكون الكفارة بعد الوطء لأنه آنذاك يتحقق‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٥ : ٥٣٩ الباب ٨ من أبواب الايلاء الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٥ : ٥٤٧ الباب ١٢ من أبواب الايلاء الحديث ٣.

(٣) مشيخة كتاب من لا يحضره الفقيه ٤ : ٨٣.

٤٧٧

حنث اليمين فيلزم التكفير لأجله.

٦ ـ واما عدم ثبوت الكفارة اذا كانت اليمين محدّدة بفترة وتحققت المواقعة بعد انتهائها‌ فالامر فيه واضح لعدم تحقق الحنث آنذاك.

وينبغي الالتفات الى ان الحنث هنا يختلف عنه في سائر الموارد فهو جائز بل واجب بعد انقضاء المدة ومطالبتها وامر الحاكم.

ويختلف الايلاء أيضا عن سائر موارد اليمين بانعقاده بالرغم من كون مخالفته راجحة على خلاف سائر الموارد فانها لا تنعقد في مثل ذلك.

٤٧٨

كتاب اللّعان‌

١ ـ ما هو اللعان‌

٢ ـ صيغة اللعان‌

٣ ـ من أحكام اللعان‌

٤٧٩
٤٨٠