دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي على المذهب الجعفري - ج ٢

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي على المذهب الجعفري - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الفقه للطباعة والنشر
المطبعة: برهان
الطبعة: ٢
ISBN: 964-499-036-6
ISBN الدورة:
964-499-048-X

الصفحات: ٥٩١

كتاب الوقف‌

١ ـ حقيقة الوقف‌

٢ ـ من شرائط الوقف‌

٣ ـ من أحكام الوقف‌

٤ ـ من أحكام الحبس‌

٥ ـ من أحكام الصدقة بالمعنى الأخص‌

٥٤١
٥٤٢

١ ـ حقيقة الوقف‌

الوقف إنشاء يتضمن تحبيس العين وتسبيل الثمرة. وقد يعبر عنه بالصدقة.

وهو مشروع بلا اشكال.

وفي كونه عقدا يعتبر فيه القبول خلاف.

وهو يشتمل تارة على موقوف عليه فيكون متقوما بثلاثة اطراف : الواقف والعين الموقوفة والموقوف عليه واخرى لا يشتمل على ذلك فيكون متقوما بطرفين.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما ان الوقف ما تقدم‌ فهو من واضحات الفقه. ويقتضيه ارتكاز المتشرعة الذي لا تأمل فيه. وفي الحديث عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «حبّس الاصل وسبّل الثمرة» (١).

__________________

(١) مستدرك الوسائل ١٤ : ٤٧.

٥٤٣

٢ ـ واما انه قد يعبر عنه بالصدقة‌ فهو واضح لمن راجع النصوص ، فلاحظ صحيحة ربعي بن عبد الله عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «تصدّق امير المؤمنين عليه‌السلام بدار له في المدينة في بني زريق فكتب : بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما تصدّق به علي بن ابي طالب وهو حي سوي تصدّق بداره التي في بني زريق صدقة لا تباع ولا توهب حتى يرثها الله الذي يرث السماوات والارض واسكن هذه الصدقة خالاته ما عشن وعاش عقبهن ، فاذا انقرضوا فهي لذي الحاجة من المسلمين» (١) وغيرها.

قال في الحدائق : «لا يخفى على من له انس بالاخبار ومن جاس خلال تلك الديار ان الوقف في الصدر الاول اعني زمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وزمن الأئمة عليهم‌السلام انما يعبر عنه بالصدقة» (٢).

ويمكن ان يقال : ان لفظ الصدقة مصطلح مشترك بين الوقف والحبس والصدقة بمعناها الاخص ، الا ان الاول تخرج فيه العين عن ملك الواقف مع حبسها عن التصرف فيها بالنقل بالبيع ونحوه ، والثاني تبقى فيه العين على ملك الحابس ويكون التمليك للمنفعة ، وفي الثالث تنتقل العين الى المتصدق عليه مع جواز تصرفه فيها بأي نحو أحب.

هذه ثلاثة معاني للصدقة. وتطلق على معنى رابع ، وهو فريضة الزكاة ، كما قال تعالى : (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها ...) (٣).

٣ ـ واما ان الوقف مشروع‌ فهو من المسلّمات بين جميع المسلمين‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٣ : ٣٠٤ الباب ٦ من أحكام الوقوف والصدقات الحديث ٤.

(٢) الحدائق الناضرة ٢٢ : ١٢٨.

(٣) التوبة : ٦٠.

٥٤٤

بل يستفاد من النصوص رجحانه فلاحظ صحيحة هشام بن سالم عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «ليس يتبع الرجل بعد موته من الأجر إلا ثلاث خصال : صدقة اجراها في حياته فهي تجري بعد موته ، وسنة هدى سنّها فهي يعمل بها بعد موته ، او ولد صالح يدعو له» (١) وغيرها.

٤ ـ واما ان الوقف يعتبر فيه القبول‌ فهو ظاهر كل من عبّر عنه بالعقد كالمحقق الحلي ، حيث قال : «الوقف عقد ثمرته تحبيس الاصل واطلاق المنفعة» (٢).

وقد يستدل على ذلك :

تارة باستصحاب عدم ترتب الاثر بدونه.

واخرى بان ادخال الشي‌ء في ملك الغير بدون رضاه خلاف قاعدة سلطنة الانسان على نفسه.

والمناسب عدم الاعتبار لوجوه :

أ ـ التمسك باطلاق قوله عليه‌السلام في صحيحة محمد بن الحسن الصفار : «الوقوف تكون على حسب ما يوقفها اهلها ان شاء الله» (٣) ، حيث يدل على ان الوقف كلما صدق كان ممضى بالكيفية المرسومة فيه ، وواضح ان صدق عنوان الوقف عرفا لا يتوقف على القبول بل يتحقق بمجرد الايجاب فيلزم كونه ممضيا حتى مع عدم القبول.

ب ـ التمسك بصحيحة ربعي السابقة الحاكية لوقف امير المؤمنين عليه‌السلام حيث لم يشر فيها الى القبول.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٣ : ٢٩٢ الباب ١ من أحكام الوقوف والصدقات الحديث ١.

(٢) شرائع الإسلام ٢ : ٤٤٢ انتشارات استقلال.

(٣) وسائل الشيعة ١٣ : ٢٩٥ الباب ٢ من أحكام الوقوف والصدقات الحديث ١.

٥٤٥

ج ـ التمسك بسيرة المتشرعة الجارية على عدم مراعاة القبول حين الوقف. ولو كان ذلك معتبرا لانعكس على النصوص والسيرة بعد شدة الابتلاء بالوقف.

وبهذا يتضح بطلان الوجهين السابقين لإثبات الاعتبار.

ووجه ذلك : ان النوبة تصل اليهما اذا لم يفترض وجود ما يمكن التمسك به لإثبات عدم الاعتبار ، وقد تقدم وجوده.

كما اتضح من خلال هذا ضعف التفصيل باعتبار القبول اذا كان الوقف على جماعة معينين وعدم اعتباره اذا كان على جهة عامة كالفقراء.

ووجه الضعف : ان مقتضى ما تقدم عدم اعتبار القبول في الوقف بشكل مطلق كلما صدق عنوانه.

٥ ـ واما ان الوقف يشتمل تارة على موقوف عليه واخرى لا يشتمل عليه‌ فذلك باعتبار ان الواقف تارة يخرج العين الموقوفة من ملكه من دون ادخالها في ملك الغير ، كما في وقف المساجد ، فان مرجعه الى اخراج المسجد من الملك وتحريره وفكه من دون ادخاله في ملك احد ، وفي مثله لا موقوف عليه ، واخرى يدخلها في ملك الغير ، كما في الوقف على الاولاد او الفقراء او العلماء ، وفي مثله يكون الموقوف عليه ثابتا ، وهو الاولاد ونحوهم.

ثم ان في خروج العين الموقوفة بالوقف من ملك الواقف خلافا بين الاصحاب. والمشهور خروجها. والمنسوب الى ابي الصلاح بقاؤها على‌

٥٤٦

ملك الواقف (١). هذا في غير المساجد ، واما هي فلا اشكال في خروجها بالوقف من ملك الواقف لان مرجعه الى التحرير وفك الملك كما تقدم.

٢ ـ من شرائط الوقف‌

يعتبر في تحقق الوقف ابرازه بكل ما يدل عليه ـ ولا تكفي النية ـ مثل وقفت ونحوه بما في ذلك المعاطاة ، كما لو سلّم الواقف الفرش الى متولي شئون المشاهد المشرفة بقصد الوقف. بل ربما يتحقق بغير ذلك أيضا ، كما لو بنى شخص حسينية بقصد كونها وقفا.

وفي اعتبار قصد القربة فيه خلاف.

ويعتبر في لزومه اذا كان خاصا قبض الموقوف عليه بل قيل باعتباره في صحته أيضا. اجل لا يلزم ان يكون ذلك بنحو الفورية. ويكفي في الوقف الذري قبض الطبقة الاولى.

ويعتبر في الوقف أيضا التأبيد ، فلو انشأ الوقف لفترة عشرين سنة مثلا لم يقع وقفا. وفي وقوعه حبسا خلاف. وفي صحة الوقف على من ينقرض عادة ـ كالوقف على ثلاثة بطون من الاولاد ـ خلاف أيضا.

ويعتبر في العين الموقوفة ان تكون قابلة للانتفاع بها مع بقاء عينها فلا يصح وقف الأطعمة والفاكهة وما شاكلها.

ويعتبر في الموقوف عليه وجوده فلا يصح الوقف على المعدوم ، كالوقف على من يوجد بعد ذلك.

__________________

(١) الحدائق الناضرة ٢٢ : ٢٢٣.

٥٤٧

والمستند في ذلك :

١ ـ اما انه يعتبر في صحة الوقف ابرازه بما يدل عليه ولا تكفي النية وحدها‌ فباعتبار عدم صدق عنوانه بدون ذلك.

واما الاكتفاء بكل ما يدل عليه فهو مقتضى اطلاق دليل الامضاء ، كقوله عليه‌السلام في صحيحة الصفار السابقة : «الوقوف تكون على حسب ما يوقفها اهلها» الدال على امضاء الوقف كلما صدق وبكيفيته الخاصة ، فاذا انشأ شخص الوقف بالفارسية او بالجملة الاسمية وصدق انه وقف على هذه الكيفية شمله قوله عليه‌السلام : «الوقوف تكون ...» وثبت امضاء اصل الوقف وكيفيته الخاصة.

ومنه يتضح النظر فيما يظهر من صاحب الحدائق من الميل الى لزوم الاقتصار على لفظ «وقفت ، وتصدقت» باعتبار ورودهما في الاخبار حيث قال قدس‌سره : «لا يبعد الانحصار في هذين اللفظين وقوفا على ما خالف الاصل على مورد النص ، بمعنى ان الاصل بقاء الملك لمالكه ، والذي ورد من الصيغة المخرجة منحصر في هذين اللفظين» (١).

٢ ـ واما تحقق الوقف بالمعاطاة وغيرها‌ فلانه بعد صدق عنوان الوقف عرفا يكون مشمولا لإطلاق دليل الامضاء ، كقوله عليه‌السلام : «الوقوف تكون ...».

وتؤكد ذلك سيرة المتشرعة الجارية على عدم التقيد بالصيغة.

٣ ـ واما اعتبار قصد القربة في صحة الوقف‌ فهو ظاهر كلام بعض الاصحاب. وقد يستدل على ذلك بمقدمتين :

__________________

(١) الحدائق الناضرة ٢٢ : ١٢٩.

٥٤٨

أ ـ ان الوقف صدقة ، كما يستفاد ذلك من صحيحة ربعي المتقدمة وغيرها.

ب ـ ان كل صدقة يشترط فيها قصد القربة ، كما دلت عليه صحيحة حماد بن عثمان عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «لا صدقة ولا عتق الا ما اريد به وجه الله عز وجل» (١) وغيرها.

وفيه : ان المقدمة الاولى لا تدل على ان كل وقف صدقة ويحتمل ان الصدقة حصة خاصة منه وهو ما قصد به التقرب.

والمناسب عدم اعتبار ذلك لإطلاق قوله عليه‌السلام : «الوقوف تكون ...» الدال على امضاء كل ما يصدق عليه مفهوم الوقف عرفا ، ومن الواضح ان مفهوم الوقف لا يستبطن عرفا قصد التقرب.

ومن هذا يتضح بطلان التمسك باستصحاب عدم ترتب الاثر من دون قصد التقرب.

ووجه البطلان : ان الاصل لا تصل النوبة اليه مع وجود الدليل الاجتهادي.

ومما يؤكد عدم اعتبار قصد التقرب انعقاد سيرة المتشرعة على الوقف من دون خطور ذلك في اذهانهم بل يوقفون لنفع اولادهم لا غير ولا يحتمل ان مثل الوقوف المذكورة باطلة.

٤ ـ واما القبض‌ فلا اشكال في اعتباره في الجملة ـ وان كانت القاعدة تقتضي عدم ذلك ـ فلو تحقق الوقف من دون قبض جاز للواقف التراجع ولو مات رجع ميراثا ، ان هذا المقدار لا اشكال فيه وانما‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٣ : ٣١٩ الباب ١٣ من أحكام الوقوف والصدقات الحديث ٢.

٥٤٩

الاشكال في ان ذلك شرط للصحة والانتقال او شرط للّزوم.

والثمرة تظهر في النماء في الفترة المتخللة بين الوقف والقبض.

والمشهور كونه شرطا للصحة بينما الروايات لا يظهر منها اكثر من كونه شرطا في اللزوم فلاحظ صحيحة صفوان بن يحيى عن ابي الحسن عليه‌السلام : «سألته عن الرجل يقف الضيعة ثم يبدو له ان يحدث في ذلك شيئا فقال : ان كان وقفها لولده ولغيرهم ثم جعل لها قيّما لم يكن له ان يرجع فيها. وان كانوا صغارا وقد شرط ولايتها لهم حتى بلغوا فيحوزها لهم لم يكن له ان يرجع فيها. وان كانوا كبارا ولم يسلّمها اليهم ولم يخاصموا (١) حتى يحوزوها عنه (٢) فله ان يرجع فيها لأنهم لا يحوزونها (٣) عنه وقد بلغوا» (٤) ، فانها دلت على جواز الرجوع قبل التسليم ، وذلك لا يقتضي اكثر من عدم اللزوم.

وورد في مكاتبة محمد بن جعفر الاسدي لمولانا الحجة ارواحنا له الفداء : «واما ما سألت عنه من الوقف على ناحيتنا وما يجعل لنا ثم يحتاج اليه صاحبه فكل ما لم يسلّم فصاحبه فيه بالخيار ، وكل ما سلم فلا خيار فيه لصاحبه احتاج او لم يحتج ...» (٥). وهي صريحة في نفي اللزوم فقط.

ونقل محمد بن مسلم في صحيحه عن ابي جعفر عليه‌السلام انه قال في‌

__________________

(١) قيل بان المقصود لم تقع خصومة بينه وبينهم ليجبروه من خلالها على القبض والتسليم.

(٢) المناسب : منه. وهكذا في كلمة «عنه» الثانية.

(٣) وفي الوافي ١٠ : ٥٥٠ نقل عن نسخة : «لم يحوزوها».

(٤) وسائل الشيعة ١٣ : ٢٩٨ الباب ٤ من أحكام الوقوف والصدقات الحديث ٤.

(٥) وسائل الشيعة ١٣ : ٣٠٠ الباب ٤ من أحكام الوقوف والصدقات الحديث ٨.

٥٥٠

الرجل يتصدق على ولده وقد ادركوا : «اذا لم يقبضوا حتى يموت فهو ميراث فان تصدّق على من لم يدرك من ولده فهو جائز لان والده هو الذي يلي امره» (١). وهي لو كانت ناظرة الى الوقف دون الصدقة بمعناها الخاص لا تدل على كون القبض شرطا للصحة ، اذ لعل الوقف يقع صحيحا بنحو الجواز وينفسخ بالموت.

وبالجملة مقتضى اطلاق قوله عليه‌السلام : «الوقوف تكون على ...» صحة الوقف ولزومه بدون اشتراط القبض. والنصوص المذكورة لا تدل على اكثر من كونه شرطا في اللزوم فيلزم الحكم بالصحة من دون لزوم جمعا بين الاطلاق المتقدم والنصوص المذكورة.

٥ ـ واما تقييد اعتبار القبض بما اذا كان الوقف خاصا‌ فلأن النصوص المتقدمة لا يظهر منها اكثر من ذلك وتبقى الاوقاف العامة مشمولة لمقتضى القاعدة بلا حاجة الى قبض الحاكم الشرعي نيابة عن الجهة العامة.

٦ ـ واما انه لا تلزم الفورية في القبض‌ فهو لإطلاق النصوص المتقدمة. بل حتى لو فرض انها مجملة ولم يكن لها اطلاق كفى اطلاق قوله عليه‌السلام : «الوقوف تكون ...».

٧ ـ واما كفاية قبض الطبقة الاولى في الوقف الذري‌ فلان قبض جميع الطبقات امر غير ممكن ليحتمل اعتباره. على انه مع فرض عدم الدليل على اعتبار قبض جميع الطبقات فبالامكان نفي احتمال ذلك باطلاق قوله عليه‌السلام : «الوقوف ...».

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٣ : ٢٩٧ الباب ٤ من أحكام الوقوف والصدقات الحديث ١.

٥٥١

٨ ـ واما اعتبار التأبيد في تحقق الوقف‌ فقد يستدل عليه :

تارة بتقوّم مفهومه بذلك.

واخرى بان وقوف الائمة عليهم‌السلام التي حكتها الروايات ـ كصحيحة ربعي المتقدمة في بداية الحديث عن الوقف ـ كانت مؤيدة.

وثالثة بالتمسك باستصحاب عدم ترتب الاثر بعد كون القدر المتيقنة صحته هو المؤبد.

والجميع كما ترى.

اذ الاول غير ثابت.

والثاني لا دلالة له على الانحصار.

والثالث لا مجال له بعد اطلاق قوله عليه‌السلام : «الوقوف تكون ..».

ومن هنا قال السيد اليزدي : «فالعمدة : الاجماع ان تمّ» (١).

٩ ـ واما وجه القول ببطلان الوقف المقيد بمدة وعدم وقوعه حبسا‌ فواضح ، فان الحبس لم يقصد فكيف يقع؟

واما وجه وقوعه حبسا فباعتبار ان قصد الوقف المؤقت قصد لحقيقة الحبس. ولا يضر اعتقاد كونه وقفا بعد إنشاء ما هو حبس حقيقة.

واذا قيل : ان الوقف والحبس متباينان لاقتضاء الاول خروج العين الموقوفة عن ملك الواقف ودخولها في ملك الموقوف عليه بخلافه في الحبس فان العين باقية على ملك المحبّس.

قلنا : ان خروج العين عن ملك الواقف ليس هو مقتضى الوقف بما‌

__________________

(١) ملحقات العروة الوثقى ٢ : ١٩٢.

٥٥٢

هو وقف بل هو ناشئ من التأبيد ، والمفروض عدم قصده.

١٠ ـ واما الوقف على من ينقرض فقيل بصحته وقفا. وقيل بصحته حبسا. وقيل ببطلانه.

ولعل الاوجه هو الاول ، اذ الاجماع وان انعقد على اعتبار التأبيد ولكنه في مقابل التوقيت بمدة ولا يعلم بشموله لمثل المقام فيقتصر على القدر المتيقن بعد كون الدليل لبيا لا اطلاق فيه ، ويعود التمسك باطلاق قوله عليه‌السلام : «الوقوف تكون ...» بلا مانع.

١١ ـ واما اعتبار ان تكون العين الموقوفة قابلة للانتفاع بها مع بقائها‌ فباعتبار تقوّم الوقف عرفا بحبس العين فاذا لم يمكن حبسها عند الانتفاع بها فلا يمكن تحققه.

١٢ ـ واما اعتبار وجود الموقوف عليه‌ فقد يستدل له :

أ ـ تارة بان الوقف تمليك ولا يعقل تمليك المعدوم لان الملكية صفة وجودية تستدعي محلا موجودا.

ب ـ واخرى بان القبض شرط في صحة الوقف ، وهو متعذر مع انعدام الموقوف عليه.

وكلاهما كما ترى.

اما الاول فلان الملكية وصف اعتباري ، والاعتبار سهل المؤونة فيمكن اعتبار المعدوم مالكا.

واما الثاني فلان الفورية في القبض ليست لازمة. وعلى فرض التسليم بها يكفي قبض المتولي او الحاكم الشرعي.

ولضعف المستندين المذكورين قال السيد اليزدي : «الانصاف انه ان تمّ الاجماع على عدم صحة الوقف على المعدوم الذي سيوجد والا‌

٥٥٣

فالاقوى صحته. وتحقق الاجماع الكاشف عن رأي المعصوم عليه‌السلام دونه خرط القتاد» (١).

٣ ـ من احكام الوقف‌

اذا تمّ الوقف فلا يجوز للواقف تغيير كيفيته التي انشأ عليها ويكون اجنبيا عنه كسائر الافراد. اجل يجوز له حين إنشائه جعل التولية لنفسه او لغيره او لهما. بل يجوز جعلها بنحو يحق للمتولي تفويض الامر بنصب متول آخر في حياته او بعدها حسب نظره. ومع عدم جعلها لأحد تنتهي النوبة الى الحاكم الشرعي فيما اذا لم يكن الوقف بنحو التمليك.

والمتولي المنصوب يستحق اجرة مثل عمله ان لم تجعل له بنحو المجانية.

والموقوف على مشهد من المشاهد المقدسة يصرف في مصالحه.

والموقوف على المعصومين عليهم‌السلام يصرف في كل ما يوجب احياء ذكرهم.

واذا وقف شي‌ء على مسجد مثلا فخرب او لم يحتج الى الصرف فيه لانقطاع المارة عنه او لغير ذلك يصرف في مسجد آخر ان امكن والا ففي وجوه البر الاقرب فالاقرب.

ولا يجوز بيع العين الموقوفة الا في موارد :

الاول ـ اذا طرأ الخراب عليها بنحو يحذر من عدم امكان الانتفاع بها رأسا او الا بنحو يسير يكاد يلحق بالعدم.

الثاني ـ اذا اشترط الواقف بيعها عند كون البيع اعود او الاحتياج الى ثمنها‌

__________________

(١) ملحقات العروة الوثقى ٢ : ١١٠.

٥٥٤

او ما شاكل ذلك.

الثالث ـ اذا وقع الاختلاف الشديد بين الموقوف عليهم الى حدّ لا يؤمن التلف على النفوس والاموال.

الرابع ـ اذا احرز ان الواقف لاحظ حين الوقف عنوانا خاصا في العين ، كعنوان المدرسة او البستان مثلا وفرض زوال ذلك العنوان.

الخامس ـ اذا طرأت على العين طوارئ كان بقاؤها مؤديا الى خرابها المسقط لها عن الانتفاع المعتد به وامكان البيع بعد ذلك.

هذا كله في غير المساجد. واما هي فلا يجوز بيعها مطلقا.

والمتصدي للبيع هو المتولي المنصوب من قبل الواقف لإدارة شئون الوقف ان فرض انه قد نصب شخصا لذلك والا فالحاكم الشرعي.

واذا جاز بيع العين الموقوفة وبيعت بالفعل صرف الثمن في شراء عين اخرى اقرب الى الأولى وتوقف على نهج وقف الأولى.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما انه لا يجوز للواقف تغيير كيفية الوقف بعد تماميته‌ فباعتبار خروج العين عن ملكه فكيف يريد التصرف؟

هذا مضافا الى امكان استفادة ذلك من قوله عليه‌السلام : «الوقوف تكون ..» حيث يدل على ان الوقف بعد تماميته يبقى على ما هو عليه من دون امكان التصرف فيه.

واما جواز جعل الواقف التولية حين إنشاء الوقف باحد الاشكال المتقدمة فلدلالة قوله عليه‌السلام : «الوقوف تكون ...» على ذلك.

٢ ـ واما ثبوت التولية للحاكم الشرعي اذا لم تجعل لغيره‌ فباعتبار ان تولي شخص خاص لإدارة شئون الوقف قضية ضرورية ، واذا دار‌

٥٥٥

الامر بين كون ذلك الشخص هو خصوص الحاكم الشرعي او مطلق عدول المؤمنين تعيّن كونه الحاكم الشرعي لكونه القدر المتيقن.

واما استثناء حالة الوقف بنحو التمليك ـ كالوقف على الاولاد ـ فباعتبار ان الوقف اذا كان له مالك تعيّن تصديه لأنه الاولى بادارة شئون ملكه ولا معنى لتصدي الغير له.

٣ ـ واما استحقاق المتولي للأجرة‌ فلانعقاد سيرة العقلاء على كون طلب العمل سببا من اسباب الضمان.

واما التقييد بحالة عدم جعلها بنحو المجانية فلاختصاص السيرة بذلك.

٤ ـ واما ان الموقوف على المشهد او احد المعصومين عليهم‌السلام يصرف فيما ذكر‌ فباعتبار ان الوقف على شي‌ء ينصرف عرفا الى الصرف في مصالحه وشئونه.

٥ ـ واما ان الموقوف على المسجد يصرف في مسجد آخر ان امكن‌ والا ففي وجوه البر متى ما خرب او لم يحتج الى الصرف فلأن ذلك هو المقصود للواقف عند إنشاء الوقف.

٦ ـ واما عدم جواز بيع العين الموقوفة في غير موارد الاستثناء‌ فهو مما لا خلاف فيه. ويمكن استفادته من عدة روايات كصحيحة ابي علي بن راشد : «سألت ابا الحسن عليه‌السلام قلت : جعلت فداك اشتريت ارضا الى جنب ضيعتي بألفي درهم فلما وفرت المال خبّرت ان الارض وقف فقال : لا يجوز شراء الوقوف ...» (١) وغيرها.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٣ : ٣٠٣ الباب ٦ من أحكام الوقوف والصدقات الحديث ١.

٥٥٦

بل قد يقال : ان عدم البيع مستبطن في مفهوم الوقف ، ولا حاجة معه الى دليل خاص ، حيث تكون ادلة امضاء الوقف دالة بالتضمن على عدم جواز البيع.

٧ ـ واما جواز بيع العين الموقوفة في المورد الاول‌ فقد علّله الشيخ الاعظم قدس‌سره بالقصور في المقتضي لان الدليل على عدم جواز البيع اما الاجماع او صحيحة ابي علي المتقدمة او قوله عليه‌السلام : «الوقوف تكون ...». والكل كما ترى.

اما الاول فلان القدر المتيقن منه غير المقام.

واما الثاني فلانصرافه عن مثل الفرض.

واما الثالث فلانه ناظر الى امضاء الكيفية المرسومة في الوقف لا اكثر (١).

ومع قصور مقتضي المنع لا يعود مانع يمنع من التمسك باطلاق ادلة مشروعية البيع.

هذا ويمكن ان يقال : ان الواقف قد اراد البيع في مثل هذه الحالة ، وذلك نافذ منه لإطلاق قوله عليه‌السلام : «الوقوف تكون ...».

٨ ـ واما جواز البيع في المورد الثاني‌ فلإطلاق قوله عليه‌السلام : «الوقوف تكون ...» بل تمسك الشيخ الاعظم (٢) لذلك أيضا باطلاق قوله عليه‌السلام : «المسلمون عند شروطهم» (٣).

٩ ـ واما الجواز في المورد الثالث‌ فلصحيحة علي بن مهزيار :

__________________

(١) المكاسب للشيخ الاعظم ٢ : ٧٦ انتشارات اسماعيليان.

(٢) المكاسب ٢ : ٨٧.

(٣) وسائل الشيعة ١٢ : ٣٥٣ الباب ٦ من ابواب الخيار الحديث ٢.

٥٥٧

«وكتبت اليه : ان الرجل ذكر ان بين من وقف عليهم هذه الضيعة اختلافا شديدا وانه ليس يأمن ان يتفاقم ذلك بينهم بعده (١) ... فكتب اليه بخطه واعلمه ان رأيي له ان كان قد علم الاختلاف ما بين اصحاب الوقف ان يبيع الوقف امثل (٢) فانه ربما جاء في الاختلاف تلف الاموال والنفوس» (٣). بل بقطع النظر عن ذلك يمكن ان يقال : ان الواقف يجوّز البيع في مثل هذه الحالة ويريده فيشمله اطلاق قوله عليه‌السلام : «الوقوف تكون ...».

١٠ ـ واما الجواز في المورد الرابع‌ فباعتبار ضيق الجعل من البداية ، فانه قد جعل الوقف ابتداء مقيدا بالعنوان الخاص فاذا فرض ارتفاعه يلزم ارتفاعه أيضا.

١١ ـ واما الجواز في المورد الخامس‌ فلترخيص الواقف ارتكازا في البيع في مثل ذلك فيشمله اطلاق قوله عليه‌السلام : «الوقوف تكون ...».

١٢ ـ واما ان المساجد لا يجوز بيعها مطلقا‌ فباعتبار انها ليست ملكا ليمكن بيعها بل الوقف فيها بنحو فك الملك وتحريره كما تقدم.

١٣ ـ واما لزوم كون المتصدي للبيع في الموارد المتقدمة‌ هو المتولي المنصوب ان كان والا فالحاكم الشرعي فباعتبار ان البيع لا يصح الا من المالك او ممن له الولاية والا كان فضوليا.

١٤ ـ واما لزوم صرف الثمن عند بيع العين في شراء عين اخرى بالنحو المتقدم‌

__________________

(١) كلمة «بعده» لا توجد في الفقيه ٤ : ١٧٨.

(٢) في الفقيه ٤ : ١٧٩ «ان كان قد علم اختلاف ما بين أصحاب الوقف وان بيع الوقف أمثل فليبع فانه ربما ...».

(٣) وسائل الشيعة ١٣ : ٣٠٥ الباب ٦ من أحكام الوقوف والصدقات الحديث ٦.

٥٥٨

فلانه هو المطلوب للواقف ارتكازا فتلزم مراعاته لقوله عليه‌السلام : «الوقوف تكون ...».

٤ ـ من أحكام الحبس‌

الحبس إنشاء يتضمن تسليط الغير على شي‌ء لاستيفاء منفعته ـ اما مع الاطلاق او خلال فترة محدودة ـ مع بقائه على ملك مالكه من دون ان يحقّ للمحبّس عليه التصرف فيه بالنقل بالبيع ونحوه.

وهو مشروع بلا اشكال.

ويتحقق بلفظ التحبيس ، كقول الحابس : حبّست ـ لفترة سنة مثلا او مع اطلاق المدة ـ مكتبتي على اهل العلم او سيارتي على المحتاج اليها.

واذا كانت العين المحبّسة ارضا قابلة للسكن اصطلح على الحبس بالسكنى ، فالسكنى ـ التي هي مصداق للحبس ـ إنشاء يتضمن جعل حق السكن للغير مع بقاء العين على ملك مالكها.

والحبس ـ سواء كان في العين القابلة للسكن أم لا ـ متى ما قيّد بفترة محددة كسنة مثلا اصطلح عليه بالرقبى. ومتى ما قيّد بعمر الحابس او المحبّس عليه اصطلح عليه بالعمرى.

والسكنى والعمرى والرقبى هي من العقود التي تحتاج الى القبول بل الحبس كذلك اذا كان على الشخص دون الجهة.

ويشترط في تحقق اللزوم القبض ، ومن دونه يجوز التراجع.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما ان الحبس ما ذكر‌ فهو من واضحات الفقه. وفرقه عن الوقف‌

٥٥٩

ان العين في الوقف تخرج عن ملك مالكها ـ مع دخولها في ملك الموقوف عليه او بدونه ـ بخلافه في الحبس فانها باقية على ملك مالكها وترجع بعد موته الى ورثته. وفي الوقف يعتبر التأبيد بخلافه في الحبس فانه لا يلزم فيه ذلك.

٢ ـ واما انه مشروع‌ فمن المسلمات. وقد دلت عليه روايات كثيرة الا انه لم يرد فيها لفظ الحبس بل لفظ الصدقة الا في الرواية الحاكية لقصة ابن ابي ليلى التي رواها المحمدون الثلاثة بسند صحيح عن عمر بن اذينة : «كنت شاهدا عند ابن ابي ليلى وقضى في رجل جعل لبعض قرابته غلّة داره ولم يوقّت وقتا فمات الرجل فحضر ورثته ابن ابي ليلى وحضر قرابته الذي جعل له غلّة الدار فقال ابن ابي ليلى : ارى ان ادعها على ما تركها صاحبها فقال محمد بن مسلم الثقفي : اما ان علي بن ابي طالب عليه‌السلام قد قضى في هذا المسجد بخلاف ما قضيت فقال : وما علمك؟ قال : سمعت ابا جعفر محمد بن علي عليه‌السلام يقول : قضى علي عليه‌السلام بردّ الحبيس وانفاذ المواريث فقال له ابن ابي ليلى : هذا عندك في كتابك؟ فقال : نعم قال : فارسل وائتني به فقال له محمد بن مسلم : على ان لا تنظر من الكتاب الا في ذلك الحديث قال : لك ذلك قال : فأحضر الكتاب واراه الحديث عن ابي جعفر عليه‌السلام في الكتاب فردّ قضيته» (١). فانها دلت على ان من حبس شيئا من دون تحديد المدة فبموته يرجع الى ورثته ويردّ الحبس ، وهذا يكشف عن صحة الحبس في الجملة.

٣ ـ واما تحقق الحبس بلفظ حبست‌ فمما لا خلاف فيه. وهو القدر‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٣ : ٣٢٨ الباب ٥ من أحكام السكنى والحبس الحديث ١.

٥٦٠