دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي على المذهب الجعفري - ج ٢

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي على المذهب الجعفري - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الفقه للطباعة والنشر
المطبعة: برهان
الطبعة: ٢
ISBN: 964-499-036-6
ISBN الدورة:
964-499-048-X

الصفحات: ٥٩١

لتحرم عليه مخالفته.

اجل يكره هذا النحو من اليمين بل تكره اليمين الصادقة الاخبارية أيضا لقوله تعالى : (وَلا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ) (١). ولو بقينا نحن والنهي المذكور فالمناسب هو الحرمة الا ان قوله تعالى بعد ذلك : (لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ) (٢) يدل على ان اليمين التي يجب الالتزام بها ويحرم حنثها هي اليمين التي معها قصد والتزام قلبيان.

وفي حديث الامام الصادق عليه‌السلام : «اجتمع الحواريون الى عيسى عليه‌السلام فقالوا : يا معلم الخير ارشدنا فقال : ان موسى نبي الله أمركم أن لا تحلفوا بالله كاذبين وانا آمركم ان لا تحلفوا بالله كاذبين ولا صادقين» (٣). وفي حديث الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من اجلّ الله ان يحلف به اعطاه الله خيرا مما ذهب منه» (٤).

٢ ـ من أحكام اليمين‌

لا تنعقد اليمين الا اذا كانت بالله سبحانه من دون فرق بين ان يكون بلفظ الجلالة أو بسائر اسمائه بل وبترجمة ذلك أيضا.

ولا تحرم اذا كانت بغيره سبحانه ولكنها لا تنعقد.

__________________

(١) البقرة : ٢٢٤.

(٢) البقرة : ٢٢٥.

(٣) وسائل الشيعة ١٦ : ١٤٠ الباب ١ من ابواب الايمان الحديث ٢.

(٤) وسائل الشيعة ١٦ : ١٤٠ الباب ١ من ابواب الايمان الحديث ٣.

٥٠١

وصيغتها : والله او بالله او تالله ان افعل كذا اما مع التعليق على حصول شي‌ء او بدونه. ومع التعليق لا يجب الوفاء بها الا مع حصول المعلق عليه.

ولا تنعقد بالنية من دون تلفظ بذلك.

ويلزم في متعلق اليمين ان يكون راجحا ولو بحسب المصلحة الشخصية للحالف ، فلو كان مرجوحا من البداية لم تنعقد ، ولو صار كذلك بعد ذلك انحلت.

ولا تنعقد يمين الولد مع نهي والده وتنحل مع نهيه عنها بعد ذلك. وهكذا الحال بالنسبة الى يمين الزوجة مع نهي الزوج.

واذا حلف المكلف على صوم شهر ففي جواز الفصل ولزوم الوصل يتبع قصده.

والحنث الموجب للكفارة هو ما صدر عن عمد دون ما لو صدر عن نسيان او اكراه او اضطرار او جهل.

ومن خالف عمدا يحنث وتجب عليه الكفارة ولا يلزمه الوفاء بعد ذلك.

وكفارة حنث اليمين : عتق رقبة او اطعام عشرة مساكين او كسوتهم فان عجز صام ثلاثة ايام متوالية.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما ان اليمين لا تنعقد اذا كانت متعلقة بغير الله سبحانه‌ فقد يستدل له بصحيحة محمد بن مسلم : «قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : قول الله عز وجل : (وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى) (١) (وَالنَّجْمِ إِذا هَوى) (٢) وما اشبه ذلك فقال : ان لله عز وجل ان يقسم من خلقه بما شاء وليس لخلقه ان يقسموا‌

__________________

(١) الليل : ١.

(٢) النجم : ١.

٥٠٢

الا به» (١) وما كان بمضمونها حيث تدل على حرمة القسم بغير الله سبحانه ومن ثمّ على عدم صحته.

الا ان الاستدلال المذكور تام لو لم يكن هناك معارض يدل على جواز الحلف بغيره سبحانه من قبيل صحيحة علي بن مهزيار : «قرأت في كتاب لأبي جعفر عليه‌السلام الى داود بن القاسم : اني قد جئت وحياتك» (٢) ، فانه عليه‌السلام حلف بحياة داود انه قد جاء فيلزم حمل الاولى على الكراهة.

والانسب الاستدلال على ذلك بالوجهين التاليين :

أ ـ التمسك بصحيحة سليمان بن خالد عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «في كتاب علي عليه‌السلام ان نبيا من الانبياء شكا الى ربه فقال : يا رب كيف اقضي فيما لم أر ولم اشهد؟ قال : فأوحى الله اليه احكم بينهم بكتابي واضفهم الى اسمي فحلفهم به. وقال : هذا لمن لم تقم له بينة» (٣) ، فانه بقرينة ورودها في مقام البيان يمكن ان يستفاد منها اختصاص الحلف الذي يترتب عليه اثر بما اذا كان به سبحانه دون ما اذا كان بغيره. ومورده وان كان باب القضاء الا انه لا يحتمل ثبوت الخصوصية له.

ب ـ التمسك بالاصل ، فانه اذا شككنا في ترتب الاثر على اليمين المتعلقة بغير الله سبحانه نستصحب عدم وجوب الوفاء والكفارة.

٢ ـ واما انه لا فرق في الحلف بالله سبحانه بين لفظ الجلالة وسائر اسمائه‌ فلإطلاق لفظ «اسمه» في صحيحة سليمان «واضفهم الى اسمي». بل يمكن التمسك باطلاق قوله عليه‌السلام في صحيحة محمد بن‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٦ : ١٩١ الباب ٣٠ من ابواب الايمان الحديث ٣.

(٢) وسائل الشيعة ١٦ : ١٩٥ الباب ٣٠ من ابواب الايمان الحديث ١٤.

(٣) وسائل الشيعة ١٨ : ١٦٧ الباب ١ من أبواب كيفية الحكم الحديث ١.

٥٠٣

مسلم : «وليس لخلقه ان يقسموا الا به».

لا يقال : ان موثقة السكوني عن جعفر عن ابيه عن علي عليهم‌السلام : «اذا قال الرجل : اقسمت او حلفت فليس بشي‌ء حتى يقول : اقسمت بالله او حلفت بالله» (١) دلت على عدم انعقاد اليمين الا اذا كانت متعلقة بلفظ الجلالة.

فانه يقال : ان الموثقة في صدد بيان ان كلمة «اقسمت» او «حلفت» لا تجدي وحدها ما لم تنضم اليها ضميمة ، اما ان تلك الضميمة هل هي خصوص لفظ الجلالة او الاعم فليست في مقام البيان من ناحيته.

٣ ـ واما اجزاء الترجمة‌ فوجهه واضح وهو التمسك بالاطلاق أيضا.

٤ ـ واما انه لا تحرم اليمين المتعلقة بغيره سبحانه ـ كالأنبياء والاولياء وغير ذلك‌ ـ فلصحيحة ابن مهزيار المتقدمة. وبقطع النظر عن ذلك تكفينا البراءة بعد قصور مقتضي التحريم.

واما انها لا تنعقد فللأصل بعد القصور في المقتضي.

٥ ـ واما ان صيغة اليمين ما تقدم‌ فلان الحلف بالله سبحانه صادق في كل ذلك.

واما صحتها مع التعليق وبدونه فلإطلاق ادلة وجوب الوفاء باليمين لكلتا الحالتين.

واما ان اليمين المعلقة لا يجب الوفاء بها قبل حصول المعلق عليه فباعتبار ان الالتزام من الحالف يختص بذلك ، ولا التزام قبل حصول‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٦ : ١٧١ الباب ١٥ من ابواب الايمان الحديث ٣.

٥٠٤

المعلق عليه ليجب الوفاء به.

٦ ـ واما عدم انعقاد اليمين بمجرد النية من دون تلفظ بالصيغة‌ فلانه بدون ذلك لا يصدق عنوان اليمين ليجب الوفاء بها.

٧ ـ واما انه يعتبر الرجحان في متعلق اليمين ولو بلحاظ المصلحة الشخصية‌ فلصحيحة سعيد الاعرج : «سألت ابا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يحلف على اليمين فيرى ان تركها افضل وان لم يتركها خشي ان يأثم أيتركها؟ قال : اما سمعت قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اذا رأيت خيرا من يمينك فدعها» (١) ، فانها تدل على اعتبار ملاحظة الخير في المتعلق. ومقتضى اطلاقه كفاية كون المتعلق خيرا ولو بلحاظ المصالح الشخصية.

واذا فرض التساوي من جميع الجهات فهل يجب العمل بمقتضى اليمين؟ نعم لان الصحيحة قالت : «اذا رأيت خيرا من يمينك فدعها» ، ومفهوم ذلك انه اذا لم تر خيرا من يمينك ـ وذلك صادق عند التساوي ـ فلا تدعها.

هذا ولكن رواية حمران : «قلت لأبي جعفر وابي عبد الله عليهما السّلام : اليمين التي تلزمني فيها الكفارة؟ فقالا : ما حلفت عليه مما لله فيه طاعة ان تفعله فلم تفعله فعليه الكفارة ، وما حلفت عليه مما لله فيه المعصية فكفارته تركه ، وما لم يكن فيه طاعة ولا معصية فليس هو بشي‌ء» (٢) دلت على انه عند التساوي لا تلزم مراعاة اليمين ، بل ودلت على ان المدار هو على ملاحظة المرجحات الدينية دون الدنيوية الا انه مما‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٦ : ١٧٥ الباب ١٨ من ابواب الايمان الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٦ : ١٨٣ الباب ٢٤ من ابواب الايمان الحديث ٢.

٥٠٥

يهوّن الخطب ضعف سندها بحمزة بن حمران فلاحظ.

٨ ـ واما انه اذا صار متعلق اليمين مرجوحا بعد اليمين انحلت‌ فلأن ذلك مورد صحيحة الاعرج وقد دلت على الانحلال.

٩ ـ واما عدم انعقاد يمين الولد والزوجة مع نهي الوالد او الزوج‌ فلصحيحة منصور بن حازم عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا يمين للولد مع والده ، ولا للمملوك مع مولاه ، ولا للمرأة مع زوجها ...» (١) وغيرها.

وهل تنعقد اليمين مع عدم صدور الاذن من الوالد أو الزوج لأجل عدم اطلاعه على اليمين؟ لا يبعد الانعقاد لان التعبير المذكور في الصحيحة مجمل فيحتمل ان يكون المقصود منه : لا يمين مع الردع ويحتمل أن يكون : لا يمين مع عدم الاذن ولو من دون ردع ، ومع اجمال المخصص ينبغي الاقتصار على القدر المتيقن وفيما زاد يرجع إلى عمومات وجوب الوفاء باليمين.

١٠ ـ واما التعميم لحالة الردع في مرحلة البقاء‌ فلإطلاق الصحيحة المتقدمة.

١١ ـ واما ان من حلف على صوم شهر يتبع في لزوم الوصل وجواز الفصل قصده‌ فباعتبار ان الحنث يتحقق بمخالفة الالتزام التابع لكيفية القصد.

وقد يستفاد ذلك أيضا من صحيحة سعد بن اسماعيل الاشعري عن ابي الحسن الرضا عليه‌السلام : «سألته عن رجل حلف وضميره على غير‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٦ : ١٥٥ الباب ١٠ من ابواب الايمان الحديث ٢.

٥٠٦

ما حلف ، قال : اليمين على الضمير» (١) وغيرها.

١٢ ـ واما ان الحنث الموجب للكفارة هو المخالفة عن عمد‌ فباعتبار ان متعلق اليمين للحالف عادة هو التزام الفعل وعدم المخالفة عن عمد واختيار فاذا تحققت المخالفة لا عن عمد فلا يتحقق الحنث لتجب الكفارة.

على ان بالامكان التمسك بحديث رفع النسيان والاكراه والاضطرار (٢) وبصحيحة عبد الصمد بن بشير الواردة في الجاهل : «أي رجل ركب امرا بجهالة فلا شي‌ء عليه» (٣).

هذا والمنسوب الى جماعة من العامة تحقق الحنث وثبوت الكفارة في الجميع (٤) ولكنه مردود بما سبق.

١٣ ـ واما ان من خالف عن عمد لا يجب عليه الوفاء بعد ذلك‌ فلأن متعلق اليمين التزام واحد بترك جميع الحصص فاذا تحققت المخالفة مرة انخرم ذلك الالتزام الواحد ولا يمكن الوفاء بعد ذلك ليجب. اجل اذا كان الالتزام متعددا ـ كمن حلف على ترك التدخين فترة شهر بنحو كان يقصد تعدد الالتزام بالترك بعدد الايام ـ تعدد الوفاء والحنث أيضا.

١٤ ـ واما ان كفارة حنث اليمين ما تقدم‌ فلقوله تعالى : (لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ فَكَفّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٦ : ١٧٩ الباب ٢١ من ابواب الايمان الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ١١ : ٢٩٥ الباب ٥٦ من ابواب جهاد النفس الحديث ١.

(٣) وسائل الشيعة ٩ : ١٢٥ الباب ٤٥ من أبواب تروك الاحرام الحديث ٣.

(٤) جواهر الكلام ٣٥ : ٣٣٩.

٥٠٧

كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ ذلِكَ كَفّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ) (١).

واما اعتبار التوالي في الايام الثلاثة بالرغم من اقتضاء الاطلاق جواز التفريق فلصحيحة الحلبي عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «صيام ثلاثة ايام في كفارة اليمين متتابعات» (٢) وغيرها.

٣ ـ من أحكام النذر‌

النذر هو التزام الشخص في ذمته بفعل شي‌ء او تركه لله سبحانه. والوفاء به واجب ، وتترتب على مخالفته الكفارة.

وصيغته : لله عليّ كذا ان حصل كذا.

ولا ينعقد بمجرد النية من دون تلفظ بذلك.

وفي انعقاده من دون تعليقه على شرط كلام.

وفي إجزاء الترجمة خلاف.

ويشترط في انعقاده رجحان متعلقه بنحو يعدّ طاعة لله سبحانه فلا ينعقد لو تعلق بالمباح الذي لا يعدّ فعله طاعة له سبحانه. وإذا زال الرجحان بعد الانعقاد انحل.

ولا يشترط في صحة نذر الولد اذن الوالد مسبقا. اجل مع نهيه المسبق لا ينعقد. واذا نهي عنه بعد ذلك انحل.

ويشترط في صحة نذر الزوجة اذن الزوج اذا كان متعلقه منافيا لحقه في‌

__________________

(١) المائدة : ٨٩.

(٢) وسائل الشيعة ٧ : ٢٨٠ الباب ١٠ من ابواب بقية الصوم الواجب الحديث ٤.

٥٠٨

الاستمتاع ، بل ذهب المشهور الى اعتبار اذن الزوج حتى اذا لم يكن منافيا لحقه ما دام يستلزم التصرف في مالها.

واذا نذر المكلف صوم يوم معين واراد السفر جاز له ذلك ولو من دون ضرورة ويفطر ثم يقضيه بدون كفارة. وهكذا لو طرأ مرض او غيره من الموانع.

ومن نذر صوم شهر ففي جواز الفصل او لزوم الوصل يتبع قصده. ومع الشك في كيفية قصده يلزم اتباع ظاهر اللفظ.

ومن نذر مالا للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم او أحد الائمة عليهم‌السلام او الاولياء ففي كيفية صرفه يتبع قصده. ومع الشك في كيفية القصد يلاحظ ظاهر لفظ الناذر وهو يقتضي الصرف فيما يرجع الى شئون المنذور له.

وفي تحديد كفارة حنث النذر خلاف.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما ان النذر هو الالتزام المتقدم‌ فهو من واضحات الفقه التي يعرفها كل متشرع.

واما ان الوفاء به واجب فهو من واضحات الفقه أيضا. ويدل عليه قوله تعالى : (وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ) (١) ، (وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللهَ يَعْلَمُهُ وَما لِلظّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ) (٢) ، (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً) (٣).

ويستفاد ذلك أيضا من روايات ثبوت الكفارة بالحنث وغيرها.

__________________

(١) الحج : ٢٩.

(٢) البقرة : ٢٧٠.

(٣) الإنسان : ٧.

٥٠٩

واما انه تترتب على مخالفته الكفارة فهو مما لا اشكال فيه. ويدل عليه صحيح الحلبي عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «سألته عن الرجل يجعل عليه نذرا ولا يسميه قال : ان سميته فهو ما سميت ، وان لم تسم شيئا فليس بشي‌ء. فان قلت : لله عليّ فكفارة يمين» (١) وغيره.

٢ ـ واما ان صيغته ما تقدم‌ فهو مما لا اشكال فيه. ويدل عليه صحيح منصور بن حازم عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «اذا قال الرجل : عليّ المشي الى بيت الله وهو محرم بحجة او عليّ هدي كذا وكذا فليس بشي‌ء حتى يقول : لله عليّ المشي الى بيته او يقول : لله عليّ ان احرم بحجة او يقول : لله عليّ هدي كذا وكذا ان لم افعل كذا وكذا» (٢) وغيره.

٣ ـ واما عدم انعقاده بمجرد النية‌ فلانه بدون التلفظ بالصيغة لا يصدق عنوان النذر. ومع التنزل وفرض الشك في صدق عنوان النذر يكفينا استصحاب عدم ترتب الاثر. مضافا الى امكان استفادة اعتبار التلفظ من صحيح منصور المتقدم فلاحظ.

٤ ـ واما انعقاد النذر اذا لم يكن معلقا على شرط ـ المعبر عنه بنذر التبرع‌ ـ فهو بالمشهور. وقيل بعدم ذلك.

والمنشأ المهم للخلاف دعوى عدم صدق عنوان النذر مع التبرع وانه لغة الوعد بشرط ، والاصل عدم النقل ، ومعه فلا يمكن التمسك بعمومات وجوب الوفاء بالنذر. بل ان لم يجزم بالدعوى المذكورة فلا أقلّ من احتمالها ، ومعه لا يمكن التمسك بالعمومات أيضا لكونه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٦ : ٢٢٢ الباب ٢ من أبواب النذر والعهد الحديث ٥.

(٢) وسائل الشيعة ١٦ : ٢١٩ الباب ١ من أبواب النذر والعهد الحديث ١.

٥١٠

وقد يؤيد اعتبار التعليق على الشرط ـ كما صنع في الجواهر (١) ـ بصحيح منصور بن حازم المتقدم فانه ورد في ذيله : «... او يقول : لله عليّ هدي كذا وكذا ان لم افعل كذا وكذا» ، وهو بالمفهوم يدل على انه اذا لم تذكر الصيغة مع التعليق فلا ينعقد النذر.

٥ ـ واما الخلاف في اجزاء الترجمة‌ فوجهه ان مقتضى صحيح منصور اعتبار التلفظ بالشكل المذكور فيه ، ولازمه عدم اجزاء غير العربية. ولا أقلّ من الشك في اعتبار ذلك وهو كاف لجريان استصحاب عدم ترتب الاثر.

وفي المقابل يمكن ان يقال : ان تشريع النذر كسائر التشريعات الاسلامية لم يرد خاصا بالعرب ، وهل يحتمل ان غير العربي ليس من حقه النذر؟!

٦ ـ واما اعتبار رجحان متعلق النذر بنحو يعدّ فعله طاعة لله سبحانه‌ فباعتبار ان المكلف من خلال النذر يجعل الفعل لله سبحانه ويقول لله عليّ كذا ، ولا معنى لأن يلتزم بفعل لله سبحانه الا اذا كان مطلوبا وطاعة له ، وحيث ان المباح المتساوي طرفاه ليس مطلوبا وطاعة له سبحانه فلا معنى لجعله لله بمثل صيغة : لله عليّ حتى اذا فرض وجود رجحان دنيوي فيه من بعض الجهات.

٧ ـ واما انه ينحل اذا زال الرجحان‌ فباعتبار انه معه لا يصدق بقاء كون الفعل لله سبحانه فيزول عنوان النذر بقاء وينحل بهذا المعنى.

٨ ـ واما عدم اعتبار اذن الوالد مسبقا في صحة نذر الولد‌ فلعدم‌

__________________

(١) جواهر الكلام ٣٥ : ٣٦٨.

٥١١

وجود نص يدل على اعتبار ذلك فيتمسك بعمومات النذر لنفي ذلك. اجل مع النهي يزول الرجحان فلا ينعقد حدوثا وينحل بقاء.

٩ ـ واما عدم انعقاد نذر الزوجة اذا كان منافيا لحق الزوج في الاستمتاع‌ فواضح لكون المتعلق مرجوحا آنذاك.

واما اذا لم يكن منافيا لحقه فالمشهور اختار عدم انعقاده أيضا لصحيح عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «ليس للمرأة مع زوجها امر في عتق ولا صدقة ولا تدبير ولا هبة ولا نذر في مالها الا باذن زوجها الا في حج او زكاة او بر والديها او صلة رحمها» (١). نعم مع عدم كون نذرها مستلزما للتصرف في مالها ولا منافيا لحقه ينعقد ويجب الوفاء به تمسكا بالعمومات.

هذا ويمكن ان يقال : ان صحيح ابن سنان ناظر الى بيان حكم اخلاقي بقرينة اشتماله على ما لا يمكن الالتزام به ، كعدم جواز صدقة الزوجة وهبتها لشي‌ء من مالها من دون اذن الزوج ، وعليه فالمناسب العمل على وفق الاحتياط.

١٠ ـ واما ان من نذر صوم يوم معين واراد السفر جاز له ذلك ولو من دون ضرورة‌ ويقضي يوما بدله فهو حكم مخالف للقاعدة ، فان المناسب عدم جواز السفر مقدمة لامتثال النذر الذي هو واجب الا ان صحيحة علي بن مهزيار : «كتبت اليه ـ يعني الى ابي الحسن عليه‌السلام ـ يا سيدي رجل نذر ان يصوم يوما من الجمعة دائما ما بقي فوافق ذلك اليوم يوم عيد فطر او اضحى او ايام التشريق او سفر او مرض هل‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٦ : ٢٣٧ الباب ١٥ من أبواب النذر والعهد الحديث ١.

٥١٢

عليه صوم ذلك اليوم او قضاؤه وكيف يصنع يا سيدي؟ فكتب اليه : قد وضع الله عنه الصيام في هذه الايام كلها ويصوم يوما بدل يوم ان شاء الله ...» (١) دلت على جواز السفر مع القضاء. كما دلت على عموم الحكم لسائر الاعذار غير السفر.

١١ ـ واما ان من نذر صوم شهر فجواز الفصل او لزوم الوصل يتبع قصده‌ فقد تقدم وجهه في اليمين فلاحظ.

واما انه مع الشك في القصد يلزم متابعة ظاهر اللفظ فباعتبار ان الناذر التزم بما يدل عليه ظاهر اللفظ.

١٢ ـ واما ان من نذر مالا للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم او غيره يتبع في كيفية صرفه قصده‌ فقد اتضح وجهه مما تقدم.

١٣ ـ واما كفارة حنث النذر فقيل : انها ككفارة مخالفة اليمين. وقيل ككفارة من افطر يوما من شهر رمضان.

ومنشأ الخلاف اختلاف الروايات ، فبعضها دلّ على الاول ، كما في صحيح الحلبي المتقدم في الرقم ١ ، وبعضها دلّ على الثاني ، كما في رواية عبد الملك بن عمرو عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «سألته عمن جعل لله عليه ان لا يركب محرما سمّاه فركبه ، قال : لا. ولا اعلمه الا قال : فليعتق رقبة او ليصم شهرين متتابعين او ليطعم ستين مسكينا» (٢).

والتعارض بينهما مستقر. وقد ترجح الثانية لموافقة الاولى لروايات العامة الدالة على ان كفارة حنث النذر كفارة يمين (٣). الا ان‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٦ : ٢٣٣ الباب ١٠ من أبواب النذر والعهد الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٥ : ٥٧٥ الباب ٢٣ من ابواب الكفارات الحديث ٧.

(٣) الفقه على المذاهب الأربعة ٢ : ١٢٩ ، وسنن البيهقي ١٠ : ٦٩ ـ ٧٢.

٥١٣

المناسب ترجيح الاولى لضعف سند الثانية بعبد الملك اذ لم يرد في حقه توثيق سوى ان الكشي نقل رواية ينتهي سندها الى عبد الملك نفسه وان الامام الصادق عليه‌السلام قال له : «اني لأدعو الله لك حتى اسمي دابتك او قال : ادعو لدابتك» (١) ، وهي لو تمت دلالة على التوثيق فليست تامة سندا من جهة ان الراوي عبد الملك نفسه.

٤ ـ من أحكام العهد‌

العهد التزام مع الله سبحانه بفعل شي‌ء او تركه بصيغة عاهدت الله او عليّ عهد الله ان افعل كذا ، مع التعليق على شرط او بدونه. والوفاء به واجب.

وتترتب على مخالفته الكفارة.

والمشهور عدم انعقاده بمجرد النية والقصد القلبي من دون تلفظ بالصيغة.

ولا يعتبر في متعلقه الرجحان الشرعي بنحو يعدّ طاعة له سبحانه.

وكفارة مخالفة العهد : عتق رقبة او صيام شهرين متتابعين او اطعام ستين مسكينا.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما ان العهد ما ذكر‌ فينبغي ان يكون من واضحات الفقه.

واما ان صيغته «عاهدت الله او عليّ عهد الله ان افعل كذا» فلتحقق العهد بذلك عرفا فتشمله عمومات وجوب الوفاء بالعهد.

__________________

(١) رجال الكشي الرقم ٢٤٦.

٥١٤

واما صحته مع التعليق على شرط وبدونه فلإطلاق الادلة الآتية الدالة على مشروعية العهد ووجوب الوفاء به.

واما ان الوفاء به واجب فمما لا اشكال فيه لقوله تعالى : (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلاً) (١) ، (وَبِعَهْدِ اللهِ أَوْفُوا ذلِكُمْ وَصّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (٢) ، (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذا عاهَدْتُمْ) (٣) ، فان المراد بالعهد في الآيات الكريمة المذكورة اما خصوص العهد الاصطلاحي او ما يعمّ النذر واليمين ، وعلى التقديرين يثبت المطلوب.

وفي حديث عبد الله بن سنان : «سألت ابا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عز وجل : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (٤) قال : العهود» (٥).

٢ ـ واما ترتب الكفارة على مخالفة العهد‌ فهو من الامور المسلمة بين الاصحاب وتأتي دلالة بعض الروايات عليه.

٣ ـ واما عدم انعقاده بمجرد القصد القلبي‌ فهو المعروف بين الاصحاب. الا انه قد يقال بعدم تقوّم عنوان العهد عرفا بالابراز بالصيغة اللفظية فبقصد العهد قلبا يتحقق وتشمله عمومات وجوب الوفاء بالعهد. وهذا بخلاف النذر فان عنوانه لا يصدق عرفا من دون ابراز لفظي له. مضافا الى دلالة بعض الروايات على اعتبار الابراز اللفظي فيه فراجع.

__________________

(١) الاسراء : ٣٤.

(٢) الانعام : ١٥٢.

(٣) النحل : ٩١.

(٤) المائدة : ١.

(٥) وسائل الشيعة ١٦ : ٢٥ الباب ٢٥ من أبواب النذر والعهد الحديث ٣.

٥١٥

وبالجملة : مع الجزم بصدق عنوان العهد على مجرد القصد القلبي فيلزم وجوب الوفاء به تمسكا بالعمومات. واما اذا لم يجزم بذلك فلا يمكن التمسك بها ـ لعدم جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية ـ ويتعين الرجوع الى الاصل لنفي ترتب الاثر.

٤ ـ واما عدم اعتبار كون متعلق العهد طاعة كما هو معتبر في النذر‌ فلعدم جريان التقريب السابق هناك فيه. ومقتضى اطلاق دليل وجوب الوفاء به الشمول لما يكون متساوي الطرفين شرعا.

٥ ـ واما ان كفارة مخالفة العهد ما تقدم‌ فهو المشهور بين الاصحاب. ويدل عليه ما رواه احمد بن محمد بن عيسى في نوادره عن ابي جعفر الثاني عليه‌السلام : «رجل عاهد الله عند الحجر ان لا يقرب محرما ابدا فلما رجع عاد الى المحرم فقال ابو جعفر عليه‌السلام : يعتق او يصوم او يتصدق على ستين مسكينا. وما ترك من الامر اعظم ويستغفر الله ويتوب اليه» (١) وغيره.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٦ : ٢٤٨ الباب ٢٥ من أبواب النذر والعهد الحديث ٤.

٥١٦

كتاب الوصيّة‌

١ ـ الوصية بقسميها‌

٢ ـ الوصية ايقاع‌

٣ ـ من أحكام الوصي‌

٤ ـ من أحكام الوصية‌

٥١٧
٥١٨

١ ـ الوصية بقسميها‌

الوصية إنشاء يتضمن تمليكا او عهدا بتصرف معين بعد الوفاة.

وهي على قسمين : تمليكية وعهدية.

والاولى هي ما تضمنت إنشاء ملكية عين او اختصاص حق بعد الوفاة ـ كالوصية بكون قسم من المال لشخص معين او لجهة معينة كالفقراء ـ واركانها ثلاثة : الموصي ، والموصى به ، والموصى له.

والثانية هي ما تضمنت العهد بتولي تصرف معين بعد الوفاة ، كالوصية بتمليك شخص او جهة مقدارا من المال او الوصية بالدفن في مكان معين او بولاية شخص على الاطفال القاصرين او بالتصرف في المال ببناء مسجد به او حسينية وما شاكل ذلك. واركانها ثلاثة أيضا : الموصي ، والوصي ، والموصى به. ومع تعلق الموصى به بالغير ـ كالوصية بتمليك الوصي مقدارا من المال لشخص ـ تكون اطرافها اربعة باضافة الموصى له.

وهي مشروعة بنحو الاستحباب بل بنحو الوجوب احيانا.

٥١٩

والمستند في ذلك :

١ ـ اما ان الوصية ما تقدم‌ فهو من واضحات الفقه.

واما انقسامها الى ما ذكر فكذلك حيث ان متعلق الوصية تارة يكون هو الملكية او الاختصاص بنحو شرط النتيجة ، واخرى هو التمليك او الاختصاص بنحو شرط الفعل او تصرفا آخر غير التمليك. والوصية في الاول تمليكية وفي الثاني عهدية.

٢ ـ واما انها مشروعة‌ فهو من ضروريات الدين. ويدل على ذلك قوله تعالى : (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ* فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (١).

وموردها وان كان خاصا بالوصية للوالدين والاقربين الا ان فقرة : (فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ) تدل على امضاء مطلق الوصية للاستشهاد بها في بعض الروايات على نفوذ مطلق الوصية ، ففي صحيحة محمد بن مسلم : «سألت ابا جعفر عليه‌السلام عن الرجل اوصى بماله في سبيل الله قال : اعطه لمن اوصى له به وان كان يهوديا او نصرانيا ان الله عز وجل يقول : (فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ)» (٢).

وقال تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ ...) (٣) ، (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ

__________________

(١) البقرة : ١٨٠ ـ ١٨١.

(٢) وسائل الشيعة ١٣ : ٤١١ الباب ٣٢ من أبواب أحكام الوصايا الحديث ١.

(٣) المائدة : ١٠٦.

٥٢٠