١ ـ ما هو اللعان؟
اللعان مباهلة بين الزوجين على وجه خاص يترتب عليها دفع حدّ أو نفي ولد. ويثبت في موردين :
١ ـ القذف بالزنا ، فانه لا يجوز قذف المسلم بالزنا حتى مع تراكم القرائن على صحة النسبة الا مع الاطلاع على ذلك بنحو اليقين. ويلزم حدّ القاذف حدّ القذف حتى مع يقينه بصحة النسبة. ولكن بامكانه دفع الحدّ عن نفسه إذا فرض أحد أمرين :
أ ـ اقامة شهود أربعة يشهدون بذلك.
ب ـ ان يكون القاذف هو الزوج والمقذوف هو الزوجة ، فان بامكان الزوج دفع الحد عن نفسه من خلال اللعان بالكيفية الآتية فيما اذا لم تكن له بينة.
٢ ـ نفي الولد ، فانه لا يجوز للشخص اذا ولدت زوجته طفلا نفيه عنه حتى اذا فجرت وظن بعدم كونه منه لتراكم بعض القرائن ما دام يمكن تولده منه. اجل مع القطع بعدم كونه منه ـ كما اذا ولدت لأقل من ستة أشهر من
حين الزواج ـ يجوز له نفيه عنه بل قد يقال بوجوبه ولكن لا ينتفي شرعا في مرحلة الظاهر الا اذا لاعن او قامت البينة على عدم امكان تولده منه.
والمستند في ذلك :
١ ـ اما ان اللعان ما ذكر فهو من واضحات الفقه. ويستفاد ذلك من قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلاّ أَنْفُسُهُمْ فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصّادِقِينَ * وَالْخامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللهِ عَلَيْهِ إِنْ كانَ مِنَ الْكاذِبِينَ * وَيَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهاداتٍ بِاللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكاذِبِينَ * وَالْخامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللهِ عَلَيْها إِنْ كانَ مِنَ الصّادِقِينَ) (١).
وقد ورد في صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج : «ان عباد البصري سأل ابا عبد الله عليهالسلام وأنا عنده حاضر كيف يلاعن الرجل المرأة؟ فقال : ان رجلا من المسلمين أتى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال : يا رسول الله أرأيت لو ان رجلا دخل منزله فرأى مع امرأته رجلا يجامعها ما كان يصنع؟ فأعرض عنه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فانصرف الرجل وكان ذلك الرجل هو الذي ابتلي بذلك من امرأته قال : فنزل الوحي من عند الله عز وجل بالحكم فيها قال : فأرسل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم الى ذلك الرجل فدعاه فقال : أنت الذي رأيت مع امرأتك رجلا؟ فقال : نعم فقال له : انطلق فايتني بامرأتك فان الله عز وجل قد انزل الحكم فيك وفيها قال : فاحضرها زوجها فوقفها رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وقال للزوج : اشهد اربع شهادات بالله انك لمن الصادقين فيما رميتها به قال : فشهد قال : ثم قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم :
__________________
(١) النور : ٦ ـ ٩.
امسك ووعظه. ثم قال : اتق الله فان لعنة الله شديدة ثم قال : اشهد الخامسة ان لعنة الله عليك ان كنت من الكاذبين قال : فشهد فأمر به فنحي. ثم قال عليهالسلام للمرأة : اشهدي اربع شهادات بالله ان زوجك لمن الكاذبين فيما رماك به قال : فشهدت ثم قال لها : امسكي فوعظها ثم قال لها : اتقي الله فان غضب الله شديد ، ثم قال لها : اشهدي الخامسة ان غضب الله عليك ان كان زوجك من الصادقين فيما رماك به قال : فشهدت قال : ففرّق بينهما وقال لهما : لا تجتمعا بنكاح أبدا بعد ما تلاعنتما» (١).
٢ ـ واما ثبوت اللعان في مورد القذف فهو المشهور. وتدل عليه الآية الكريمة وصحيحة ابن الحجاج المتقدمة وغيرها.
هذا ونسب الى الشيخ الصدوق عدم ثبوت اللعان في مورد القذف وانحصاره بنفي الولد وانه في القذف يتعين الجلد ثمانين مستندا في ذلك الى صحيحة ابي بصير عن ابي عبد الله عليهالسلام : «لا يقع اللعان حتى يدخل الرجل بامرأته ولا يكون اللعان الا بنفي الولد» (٢).
والتأمل في ذلك واضح ، فان الحديث المذكور مضافا الى معارضته بخبر محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام : «لا يكون اللعان الا بنفي الولد. وقال : اذا قذف الرجل امرأته لا عنها» (٣) هو مخالف بنحو صريح للآية الكريمة المتقدمة فيلزم طرحه أو تأويله بما ذكره الشيخ
__________________
(١) وسائل الشيعة ١٥ : ٥٨٦ الباب ١ من أبواب اللعان الحديث ١.
(٢) وسائل الشيعة ١٥ : ٦٠٤ الباب ٩ من أبواب اللعان الحديث ٢.
وقد نقل رأي الشيخ الصدوق هذا في الجواهر ٣٤ : ٥.
(٣) وسائل الشيعة ١٥ : ٦٠٤ الباب ٩ من أبواب اللعان الحديث ١.
الطوسي ونحوه (١).
واذا كان الشيخ الصدوق قد حصر سبب اللعان بنفي الولد فعلى العكس تماما ما ذهب إليه بعض الاعلام من الاشكال في ثبوت اللعان في مورد نفي الولد اذا لم يكن موجبا للقذف وينحصر الامر لإثبات انتفاء الولد في مثل ذلك بالبينة.
ولعل منشأ الاشكال ان صحيحة ابي بصير المتقدمة الدالة على ثبوت اللعان في مورد نفي الولد تدل على حصر اللعان بالمورد المذكور وحيث ان المضمون المذكور مخالف لصريح الكتاب الكريم الدال على ثبوت اللعان في مورد القذف فيلزم طرح الصحيحة لأجل ما ذكر ، ومن ثمّ نعود في مورد نفي الولد اذا لم يكن موجبا للقذف فاقدين للدليل على ثبوت اللعان.
الا ان هذا البيان ـ كما ترى ـ وجيه لو فرض انحصار مدرك اللعان في مورد نفي الولد بالصحيحة المتقدمة ، ولكن سيأتي وجود غيرها.
٣ ـ واما انه لا يجوز القذف من دون يقين فهو مما لا تأمّل فيه فانه من الرمي الموجب للّعنة في الدنيا والآخرة ، وهو من الافك الذي نهي عنه المؤمنون. قال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ* يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) (٢). وقال تعالى في قصة الافك : (لَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً
__________________
(١) راجع ما نقله الحر في ذيل الحديث لمعرفة تأويل الشيخ الطوسي.
(٢) النور : ٢٣ ـ ٢٤.
وَقالُوا هذا إِفْكٌ مُبِينٌ* لَوْ لا جاؤُ عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَداءِ فَأُولئِكَ عِنْدَ اللهِ هُمُ الْكاذِبُونَ* وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِيما أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذابٌ عَظِيمٌ* إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ ما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللهِ عَظِيمٌ* وَلَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ ما يَكُونُ لَنا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهذا سُبْحانَكَ هذا بُهْتانٌ عَظِيمٌ) (١).
وفي الحديث : «جاءت امرأة الى رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فقالت : يا رسول الله اني قلت لأمتي : يا زانية فقال : هل رأيت عليها زنا فقالت : لا فقال : اما انها ستقاد منك (٢) يوم القيامة فرجعت الى أمتها فأعطتها سوطا ثم قالت : اجلديني فأبت الأمة فأعتقتها ثم أتت الى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فأخبرته فقال : عسى أن يكون به» (٣).
٤ ـ واما ان القاذف يحدّ حدّ القذف ـ ثمانين جلدة ـ فلقوله تعالى : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) (٤).
واما ان القاذف يحدّ حتى مع يقينه بصحة النسبة فلإطلاق الآية الكريمة.
٥ ـ واما اندفاع الحدّ عن القاذف بلعانه فللآية الكريمة المتقدمة في الرقم ١.
__________________
(١) النور : ١٢ ـ ١٦.
(٢) في التهذيب ١٠ : ٨٠ : سيقاد لها منك.
(٣) وسائل الشيعة ١٨ : ٤٣١ الباب ١ من أبواب حد القذف الحديث ٤.
(٤) النور : ٤.
واما تقييد اللعان بعدم وجود البينة فللتقييد بذلك في الآية الكريمة نفسها.
٦ ـ واما ثبوت اللعان في مورد نفي الولد فيستفاد من صحيحة الكناني عن ابي عبد الله عليهالسلام : «سألته عن رجل لاعن امرأته وانتفى من ولدها ثم اكذب نفسه بعد الملاعنة وزعم ان الولد ولده هل يرد عليه ولده؟ قال : لا ولا كرامة لا يرد عليه ولا تحل له الى يوم القيامة» (١) وغيرها.
٧ ـ واما عدم جواز نفي الولد في حالة امكان الانتساب فلقاعدة الفراش المستندة الى قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «الولد للفراش وللعاهر الحجر» الذي رواه الفريقان.
فمن طرقنا روى سعيد الاعرج في صحيحة عن ابي عبد الله عليهالسلام : «سألته عن رجلين وقعا على جارية في طهر واحد لمن يكون الولد؟ قال : للذي عنده لقول رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : الولد للفراش وللعاهر الحجر» (٢).
والمقصود من قوله عليهالسلام : «للذي عنده» المولى المالك للجارية كما نبّه عليه الكاشاني (٣).
ومن طرق غيرنا ما رواه مسلم بسنده الى عائشة : «اختصم سعد بن ابي وقاص وعبد بن زمعة في غلام فقال سعد : هذا يا رسول الله ابن أخي عتبة بن ابي وقاص عهد إليّ انه ابنه ، انظر الى شبهه. وقال عبد بن زمعة : هذا اخي يا رسول الله ولد على فراش ابي من وليدته فنظر رسول
__________________
(١) وسائل الشيعة ١٥ : ٦٠١ الباب ٦ من أبواب اللعان الحديث ٥.
(٢) وسائل الشيعة ١٤ : ٥٦٨ الباب ٥٨ من أبواب نكاح العبيد والاماء الحديث ٤.
(٣) الوافي ٢٣ : ١٤٠٧.
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم الى شبهه فرأى شبها بيّنا بعتبة فقال : هو لك يا عبد ، الولد للفراش وللعاهر الحجر ...» (١).
٨ ـ واما جواز نفيه عند عدم امكان الانتساب فلان الفراش لا يتحقق بمجرد العقد خلافا لأبي حنيفة حيث نسب اليه تحققه بذلك فقد نقل العيني : «شذّ ابو حنيفة فيما اذا عقد شخص على امرأة وطلقها عقيب النكاح من غير امكان الوطء فأتت بولد لستة أشهر من وقت العقد حيث ألحقه بالزوج. وهذا خلاف ما جرت به عادة الله من ان الولد انما يكون من ماء الرجل والمرأة» (٢) بل يتحقق بالعقد مع امكان الالتحاق بالزوج ، فان القاعدة شرعت في حالات الشك في الانتساب اذ مع الجزم بالانتساب الى الزوج فلا معنى لان يعبدنا الشارع بالالحاق به لأنه تعبد بما هو معلوم بالوجدان ، كما لا معنى للتعبد مع الجزم بعدم امكان الالتحاق اذ لا يمكن التعبد بما يجزم بعدمه.
٩ ـ واما وجوب نفيه في حالة الجزم بعدم الانتساب فلأجل ان لا ترتب عليه أحكام الولد من الميراث والنكاح والنظر الى المحارم وغير ذلك مما يعلم بمبغوضية الشارع لترتيبه.
١٠ ـ واما انه لا ينتفي الولد شرعا في مرحلة الظاهر من دون لعان أو بينة فلقاعدة الفراش الحاكمة بالالتحاق ظاهرا بصاحب الفراش.
__________________
(١) صحيح مسلم كتاب الرضاع الباب ١٠ الولد للفراش وتوقي الشبهات الحديث ١٤٥٧.
(٢) عمدة القاري ١١ : ١١٠ وهو شرح العيني لصحيح البخاري.
٢ ـ كيفية اللعان
وكيفية اللعان أن يبدأ الرجل ويقول أربع مرّات ـ بعد قذفها أو نفي الولد ـ :
«اشهد بالله اني لمن الصادقين فيما قلت من قذفها او نفي ولدها» ، ثم يقول مرة واحدة : «لعنة الله عليّ ان كنت من الكاذبين».
واذا تمّ اللعان بالنحو المذكور من الرجل حدّت المرأة حدّ الزنا ان كان قد قذفها بالزنا أو نفى ولدها بنحو يوجب قذفها بالزنا. وبامكانها بدورها ان تدفع الحد عن نفسها بلعانها هي بأن تقول اربع مرات : «اشهد بالله انه لمن الكاذبين في مقالته» ، ثم تقول مرة واحدة : «ان غضب الله عليّ ان كان من الصادقين».
والمستند في ذلك :
١ ـ اما كيفية اللعان بالشكل المتقدم فتستفاد من الآية الكريمة وصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج المتقدمتين سابقا في الرقم ١.
٢ ـ واما انه بلعان الزوج يثبت الحد على الزوجة وبامكانها دفعه عنها بلعانها
فتمكن استفادته من الآية الكريمة نفسها حيث قالت : (وَيَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ ...) (١) كما هو واضح.
٣ ـ واما تقييد نفي الولد بما اذا استلزم القذف فلانه بدون ذلك لا يثبت في حق المرأة ما يستوجب اقامة الحدّ عليها.
__________________
(١) النور : ٧.
٣ ـ من أحكام اللعان
اذا تمّ اللعان من الزوج أو الزوجة ترتبت الاحكام التالية :
١ ـ انفساخ عقد النكاح.
٢ ـ الحرمة المؤبدة ، فلا تحل للزوج حتى بعقد جديد.
وهذان الحكمان ثابتان في مطلق اللعان من دون فرق بين كونه للقذف أو لنفي الولد.
٣ ـ سقوط الحدّ عن الزوج ـ اذا تحقق منه القذف بالزنا او نفي الولد بنحو موجب للقذف ـ بلعانه ويسقط عنها بلعانها. اما اذا لاعن هو ونكلت هي حدت هي دونه. واذا لم يلاعن هو أيضا حدّ هو دونها.
٤ ـ اذا كان التلاعن لنفي الولد ترتب عليه انتفاء الولد عن الرجل وبقي ملتحقا بالمرأة فقط ومن ثمّ ينتفي التوارث بينهما بل بينه وبين كل من ينتسب بواسطته كالجد والجدة والاخ والاخت للأب والعم والعمة ، ويبقى منحصرا بينه وبين امه ومن ينتسب بواسطتها.
واذا لاعن هو دونها انتفى عن الرجل فقط أيضا ولا يثبت في حق المرأة شيء الا اذا كان نفي الولد بنحو موجب للقذف فيثبت عليها الحد الا ان تلاعن.
ومن الاحكام ان انتفاء الولد عن الزوج لا يلازم كونه ولد زنا لاحتمال كونه من وطء شبهة. وعليه فلا يجوز له رميها بالزنا الا مع اليقين.
ولا يتمكن الزوج من لعان زوجته اذا قذفها بالزنا الا اذا ادعى المشاهدة ولم تكن له بينة والا تعين عليه اقامتها لنفي الحدّ ولا تصل النوبة
الى اللعان.
ولا يثبت اللعان عند قذف الزوجة اذا كانت خرساء او صماء بل تحرم بمجرد القذف من دون توقف على لعان.
ولا يثبت اللعان لنفي الولد مع كون الزوجة متمتعا بها او غير مدخول بها.
ولا يقع اللعان الا عند الحاكم الشرعي وبطلب منه فلو بادرا اليه قبل طلبه لم يصح.
ويلزم ان يكونا قائمين عند التلفظ بصيغة اللعان.
والمستند في ذلك :
١ ـ اما ترتب انفساخ العقد والحرمة المؤبدة على مطلق اللعان فهو مما لا اشكال فيه. ويستفاد ذلك في لعان القذف من صحيحة عبد الرحمن المتقدمة وغيرها ، وفي لعان نفي الولد من صحيحة الكناني المتقدمة وغيرها.
بل يمكن ان يقال : ان المستفاد من صحيحة عبد الرحمن ان الحرمة المؤبدة هي من شئون اللعان بلا خصوصية لكونه لأجل القذف.
٢ ـ واما سقوط الحدّ عن الرجل والمرأة بلعانهما فيستفاد من قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلاّ أَنْفُسُهُمْ فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصّادِقِينَ ...) (١) ومن صحيحة ابن الحجاج المتقدمة فلاحظ.
واما انه اذا لاعن هو دونها حدّت دونه فيستفاد من الآية الكريمة
__________________
(١) النور : ٦ ـ ٩.
لأنها ظاهرة في ان لعان كل واحد من الزوجين موجب لدرء الحدّ عن نفسه ، بل قد يستفاد من صحيحة ابن الحجاج أيضا.
واما انه اذا لم يلاعن الرجل أيضا حدّ دونها فباعتبار تحقق القذف منه فيحد ، واما هي فحيث لم يثبت في حقها المقذوف به فلا موجب لحدها.
٣ ـ واما انه اذا تلاعنا لنفي الولد ترتب عليه انتفاؤه عنه دونها فواضح.
اما عدم انتفائه عنها فلعدم الموجب اذ هي لم تنفه عنها.
واما انتفاؤه عنه فلانه لو لا ذلك لم تكن للعانة فائدة.
وتدل على كلا الحكمين صحيحة ابي بصير عن ابي عبد الله عليهالسلام : «المرأة يلاعنها زوجها ويفرّق بينهما الى من ينسب ولدها؟ قال : الى امه» (١).
٤ ـ واما عدم التوارث بين الولد والرجل ومن ينتسب بواسطته فلان ذلك لازم انتفائه عنه باللعان.
٥ ـ واما انه اذا لاعن الرجل فقط انتفى الولد عنه أيضا فلانه لازم اللعان وفائدته.
واما عدم ثبوت الحدّ على المرأة فلعدم الموجب لذلك بعد عدم قذفها بالزنا.
واما انها تحدّ لو لم تلاعن فيما اذا كان نفي الولد بنحو موجب لقذفها بالزنا فباعتبار دخول المورد آنذاك تحت عنوان القذف بالزنا.
__________________
(١) وسائل الشيعة ١٥ : ٦٠٨ الباب ١٤ من أبواب اللعان الحديث ٢.
٦ ـ واما ان نفي الولد لا يلازم كونه ابن زنا ومن ثمّ لا يجوز رمي المرأة بالزنا الا مع اليقين فواضح.
٧ ـ واما ان الزوج لا يتمكن من اللعان عند القذف الا اذا ادعى المشاهدة فهو مما لا اشكال فيه لصحيحة الحلبي عن ابي عبد الله عليهالسلام : «اذا قذف الرجل امرأته فانه لا يلاعنها حتى يقول : رأيت بين رجليها رجلا يزني بها» (١) وغيرها.
واما اختصاص اللعان بحالة فقدان البينة فقد تقدم انه يستفاد من الآية الكريمة.
٨ ـ واما عدم ثبوت اللعان في مورد قذف الزوجة الخرساء أو الصماء فلم يظهر فيه خلاف بين الاصحاب. ويدل عليه صحيح الحلبي ومحمد بن مسلم عن ابي عبد الله عليهالسلام : «رجل قذف امرأته وهي خرساء ، قال : يفرّق بينهما» (٢) وغيرها ، فان مقتضى اطلاقها ثبوت التحريم من دون لعان.
وفي موثقة اسماعيل بن ابي زياد (٣) عن جعفر عن ابيه ان عليا قال : «ليس بين خمس من النساء وأزواجهن ملاعنة ... والخرساء ليس بينها وبين زوجها لعان انما اللعان باللسان» (٤).
والحديثان ـ كما ترى ـ ناظران الى الخرساء فالتعميم الى الصماء يحتاج الى التمسك بتسالم الاصحاب ان تمّ.
__________________
(١) وسائل الشيعة ١٥ : ٥٩٤ الباب ٤ من أبواب اللعان الحديث ٤.
(٢) وسائل الشيعة ١٥ : ٦٠٢ الباب ٨ من أبواب اللعان الحديث ١.
(٣) وهو السكوني.
(٤) وسائل الشيعة ١٥ : ٥٩٨ الباب ٥ من أبواب اللعان الحديث ١٢.
٩ ـ واما عدم ثبوت اللعان لنفي الولد مع فرض التمتع بالزوجة أو عدم الدخول فلصحيحة ابن ابي يعفور عن ابي عبد الله عليهالسلام : «لا يلاعن الرجل المرأة التي يتمتع منها» (١) وصحيحة ابي بصير المتقدمة : «لا يقع اللعان حتى يدخل الرجل بامرأته ...» (٢).
١٠ ـ واما اعتبار ان يكون اللعان عند الحاكم فقد ذكر في الجواهر : ان ذلك قد صرّح به جماعة من الاصحاب (٣).
ولا يظهر بوضوح من الروايات اعتبار ما ذكر. اجل ورد في صحيحة احمد بن محمد بن ابي نصر : «سألت ابا الحسن الرضا عليهالسلام كيف الملاعنة؟ فقال : يقعد الامام ويجعل ظهره الى القبلة ويجعل الرجل عن يمينه والمرأة عن يساره» (٤) وغيرها ما يدل على قعود الامام حالة الملاعنة الا ان ذلك لا يدل على شرطية الكون حالة الملاعنة عند الامام.
ولكن مع ذلك يمكن الاستدلال بما يلي :
أ ـ ان اللعان نحو من الشهادة او الحلف ، وهما من وظائف الحاكم ولا يصحّان الا لديه.
ب ـ ان الدليل على شرطية اداء اللعان عند الحاكم وان لم يكن ثابتا الا انه في نفس الوقت لا دليل على صحته وترتب الاثر عليه لدى غير الحاكم فان النصوص لا اطلاق فيها من هذه الناحية. ومعه ينبغي الاقتصار على القدر المتيقن وهو ما اذا كان الاداء لدى الحاكم اذ في
__________________
(١) وسائل الشيعة ١٥ : ٦٠٥ الباب ١٠ من أبواب اللعان الحديث ١.
(٢) وسائل الشيعة ١٥ : ٦٠٤ الباب ٩ من أبواب اللعان الحديث ٢.
(٣) جواهر الكلام ٣٤ : ٥٣.
(٤) وسائل الشيعة ١٥ : ٥٨٨ الباب ١ من أبواب اللعان الحديث ٥.
غير ذلك يشك في ترتب الاثر فيستصحب عدمه.
وبالوجهين المذكورين يمكن التمسك أيضا لإثبات اعتبار طلب الحاكم لأداء اللعان في صحته.
١١ ـ واما انه يعتبر قيام المتلاعنين حالة ادائهما اللعان فهو منقول عن جملة من الاصحاب. ويمكن استفادته من صحيح علي بن جعفر عن اخيه ابي الحسن عليهالسلام : «سألته عن الملاعنة قائما يلاعن أم قاعدا قال : الملاعنة وما أشبهها من قيام» (١).
__________________
(١) وسائل الشيعة ١٥ : ٥٨٨ الباب ١ من أبواب اللعان الحديث ٦.
كتاب اليمين والنّذر والعهد
١ ـ اليمين المبحوث عنها
٢ ـ من أحكام اليمين
٣ ـ من أحكام النذر
٤ ـ من أحكام العهد
١ ـ اليمين المبحوث عنها
اليمين التي يجب الوفاء بها وتترتب على مخالفتها الكفارة هي المأتي بها لتأكيد ما التزمه المكلف على نفسه.
واما اذا كانت لتأكيد الاخبار فهي محرمة اذا كانت على خلاف الواقع ويكون الحالف مأثوما ـ الا اذا كانت لدفع ظلم عن الحالف نفسه او سائر المؤمنين ـ ولكن لا كفارة فيها.
واذا كانت للمناشدة فلا كفارة فيها ولا اثم في المخالفة.
والمستند في ذلك :
١ ـ اليمين لها أقسام ثلاثة :
أ ـ اليمين التي يقصد بها تأكيد الاخبار عن الماضي او المستقبل ، كقول القائل : والله اني جئت امس او اجيء غدا ، او والله اني لم اتلف ملك فلان او والله سأتلفه ، وما شاكل ذلك.
واليمين المتداولة من المدعى عليه ـ او المدعي احيانا ـ في باب الدعوى هي من هذا القبيل.
ب ـ اليمين التي يستعان بها في مقام الطلب والمناشدة ، كقول القائل : اقسم عليك بالله ان تفعل كذا.
ج ـ اليمين التي يقصد بها تأكيد ما التزمه الشخص على نفسه ، كما اذا التزم بترك التدخين واكّده بقوله : «والله لا أدخّن» ، فانه لا يقصد بذلك الاخبار عن عدم تدخينه في المستقبل وتأكيده من خلال القسم ، كما هو الحال في القسم الاول بل هناك التزام بترك ذلك وتأكيد ذلك الالتزام بواسطة اليمين.
واليمين التي هي محل البحث ويقال انه يجب الوفاء بها ويوجب حنثها الكفارة هي ما كان من قبيل القسم الاخير ، واما غيرها فلا يجب الوفاء به بل لا معنى لذلك لعدم وجود التزام ليجب الوفاء به او لتحرم مخالفته فالمخالفة غير متصورة ليتحقق الحنث وتجب الكفارة. اجل مخالفة اليمين للواقع المخبر عنه متصورة ولكنها شيء آخر غير مخالفة الحالف نفسه لليمين.
٢ ـ واما انه يجب الوفاء باليمين التي يقصد بها تأكيد ما التزمه المكلف على نفسه فهو من واضحات الفقه. قال تعالى : (وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها) (١) ، (لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ) (٢) ، (لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ ... وَاحْفَظُوا أَيْمانَكُمْ) (٣).
٣ ـ واما وجوب الكفارة في مخالفة اليمين من القسم الاول فهو
__________________
(١) النحل : ٩١.
(٢) البقرة : ٢٢٥.
(٣) المائدة : ٨٩.
من المسلمات. ويدل عليه قوله تعالى : (لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ فَكَفّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ ذلِكَ كَفّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ) (١) ، اي اذا حلفتم ونكثتم كما هو واضح.
٤ ـ واما ان اليمين لتأكيد الاخبار لا كفارة فيها فهو متسالم عليه ولم ينسب الخلاف في ذلك الا الى الشافعي (٢). وقد تقدم الوجه في ذلك.
واما انها تحرم اذا كانت كاذبة فهو باعتبار حرمة الكذب بل تتضاعف الحرمة لانطباق عنوان آخر وهو الحلف بالله كاذبا. واذا كان ذلك في باب الدعوى وفصل الخصومة تضاعف الاثم والحرمة اكثر. وقد يعبر عنها باليمين الغموس لأنها تغمس صاحبها في الاثم.
وفي الحديث عن ابي جعفر عليهالسلام : «ان في كتاب علي عليهالسلام ان اليمين الكاذبة وقطيعة الرحم تذران الديار بلاقع من اهلها (٣) وتثقل الرحم (٤) ، يعني انقطاع النسل» (٥).
وفي حديث آخر : «قال ابو عبد الله عليهالسلام : من حلف على يمين وهو يعلم انه كاذب فقد بارز الله» (٦).
__________________
(١) المائدة : ٨٩.
(٢) جواهر الكلام ٣٥ : ٢٦٥.
(٣) أي : خالية من أهلها.
(٤) وفي بعض النسخ : تنغل. يقال نغل الجرح ، أي فسد. والمراد في الحديث : تفسد الرحم بالعقم.
(٥) وسائل الشيعة ١٦ : ١٤٤ الباب ٤ من أبواب الايمان الحديث ١.
(٦) وسائل الشيعة ١٦ : ١٤٤ الباب ٤ من أبواب الايمان الحديث ٤.
٥ ـ واما استثناء حالة دفع الظلم فلعدة روايات كصحيحة اسماعيل بن سعد الاشعري عن ابي الحسن الرضا عليهالسلام : «سألته ... عن رجل يخاف على ماله من السلطان فيحلف لينجو به منه قال : لا جناح عليه. وسألته هل يحلف الرجل على مال اخيه كما يحلف على ماله؟ قال : نعم» (١) وغيرها.
هذا اذا لم يصل الامر الى درجة الاضطرار او الاكراه والا فالامر اوضح لحديث : «رفع عن امتي ما اضطروا اليه وما استكرهوا عليه» (٢).
وهل يلزم لجواز الحلف كذبا عدم امكان التخلص بالتورية؟ مقتضى اطلاق الصحيحة السابقة عدم اعتبار ذلك.
٦ ـ واما عدم ترتب اثر ـ من الكفارة والاثم ـ على يمين المناشدة فلقوله تعالى : (لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ*) (٣) ولموثق حفص وغير واحد من اصحابنا عن ابي عبد الله عليهالسلام : «سئل عن الرجل يقسم على اخيه قال : ليس عليه شيء انما اراد اكرامه» (٤) وغيره.
وفي صحيحة ابي بصير عن ابي عبد الله عليهالسلام : «قول الله عز وجل : (لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ*) قال : هو لا والله وبلى والله» (٥).
بل لا نحتاج الى نص خاص ويكفينا مقتضى القاعدة اذ المحلوف عليه لم يحلف ليلزم به والحالف نفسه لم يتحقق منه التزام بفعله
__________________
(١) وسائل الشيعة ١٦ : ١٦٢ الباب ١٢ من أبواب الايمان الحديث ١.
(٢) وسائل الشيعة ١١ : ٢٩٥ الباب ٥٦ من أبواب جهاد النفس الحديث ١.
(٣) البقرة : ٢٢٥.
(٤) وسائل الشيعة ١٦ : ٢٠٩ الباب ٤٢ من ابواب الايمان الحديث ١.
(٥) وسائل الشيعة ١٦ : ١٧٤ الباب ١٧ من ابواب الايمان الحديث ٣.