دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي على المذهب الجعفري - ج ٢

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي على المذهب الجعفري - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الفقه للطباعة والنشر
المطبعة: برهان
الطبعة: ٢
ISBN: 964-499-036-6
ISBN الدورة:
964-499-048-X

الصفحات: ٥٩١

دياس ولا إلى حصاد» (١) وغيرهما.

بل يمكن اثبات ذلك بالادلة العامة من قبيل قوله تعالى : (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) (٢) ونحوه.

٢ ـ واما عدم الصحة إذا كان العوضان من الذهب والفضة مع اتحاد الجنس‌ فلمحذور الربا اللازم حتى مع التساوي في المقدار بناء على تعميم المنع للزيادة الحكمية أيضا ، مضافا إلى كون ذلك من الصرف ـ لدى المشهور ـ الذي يلزم فيه التقابض.

واما عدم الصحة إذا كانا من الذهب والفضة مع اختلاف الجنس فلكون ذلك من الصرف المعتبر فيه التقابض.

واما اعتبار ان لا يكونا من المكيل أو الموزون عند اتحاد الجنس فلكي لا يلزم محذور الربا.

واما الصحة سواء كانا معا من العروض أم كان احدهما كذلك فللمطلقات الخاصة والعامة المتقدمة.

وبذلك يتضح التأمل فيما ينسب إلى ابن الجنيد من «منع اسلاف عرض في عرض إذا كانا مكيلين أو موزونين أو معدودين كالسمن والزيت» (٣).

٣ ـ واما اعتبار ضبط الاوصاف الرافعة للجهالة‌ فلصحيحة زرارة السابقة وغيرها ، فان اعتبار ذكر الطول والعرض والاسنان يدل عرفا على ذلك والا فلا خصوصية للأوصاف المذكورة.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٣ : ٥٨ الباب ٣ من أبواب السلف الحديث ٥.

(٢) البقرة : ٢٧٥.

(٣) الحدائق الناضرة ٢٠ : ١٠.

٨١

هذا مضافا إلى اعتبار معلومية العوضين في مطلق البيع كما تقدم.

٤ ـ واما اعتبار قبض الثمن قبل التفرق‌ فهو مشهور بين الاصحاب بل ادعي عليه الاجماع.

وقد اعترف في الجواهر والحدائق بعدم وجود مستند لذلك سوى الاجماع المدعى (١).

فان تمّ الاجماع وثبتت كاشفيته عن رأي المعصوم عليه‌السلام بنحو الجزم كان هو الحجة والا فالمناسب التنزل عن الفتوى إلى الاحتياط تحفظا من مخالفة المشهور.

٥ ـ واما اعتبار الضبط بالكيل ونحوه‌ فلاعتبار ذلك في مطلق البيع لدى الاصحاب.

٦ ـ واما اعتبار ضبط الاجل‌ فلموثقة غياث السابقة وغيرها. مضافا إلى انه لو لا ذلك يلزم الغرر المنهي عنه في مطلق البيع لدى المشهور.

٧ ـ واما اعتبار امكان الدفع في الوقت أو المكان المقررين‌ فلانه بدون ذلك لا يتحقق القصد إلى العقد.

ومع التنزل تكفينا صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجل يجيئني يطلب المتاع فاقاوله على الربح ثم اشتريه فابيعه منه ، فقال : أليس ان شاء أخذ وان شاء ترك؟ قلت : بلى ، قال : فلا بأس به. قلت : فان من عندنا يفسده ، قال : ولم؟ قلت : قد باع ما ليس‌

__________________

(١) جواهر الكلام ٢٤ : ٢٨٩ ، والحدائق الناضرة ٢٠ : ١٥.

٨٢

عنده؟ قال : فما يقول في السلم قد باع صاحبه ما ليس عنده ، قلت : بلى ، قال : فانما صلح من اجل انهم يسمونه سلما ، ان ابي كان يقول : لا بأس ببيع كل متاع كنت تجده في الوقت الذي بعته فيه» (١).

٨ ـ واما تخير المشتري بين الصبر واخذ رأس ماله لو تعذر تسليم المبيع‌ فيمكن اثباته من خلال الاشتراط الضمني ، فان للمتعاقدين في باب السلم اشتراطا ضمنيا عادة على ثبوت حق الفسخ للمشتري ان تعذر على البائع تسليم المبيع.

ومع التنزل تكفينا موثقة عبد الله بن بكير : «سألت ابا عبد الله عليه‌السلام عن رجل أسلف في شي‌ء يسلف الناس فيه من الثمار فذهب زمانها ولم يستوف سلفه ، قال : فليأخذ رأس ماله أو لينظره» (٢) وغيرها.

٩ ـ واما عدم جواز الفسخ بزيادة على الثمن أو نقصان‌ فلان ذلك مقتضى الفسخ الموجب لرجوع العوضين إلى حالتهما الاولى.

على ان موثقة ابن بكير السابقة دالة على ذلك أيضا.

ومع التنزل والتسليم بعدم ظهورها في ذلك يمكن التمسك بصحيحة محمد بن قيس عن ابي جعفر عليه‌السلام : «قال أمير المؤمنين عليه‌السلام في رجل أعطى رجلا ورقا في وصيف إلى أجل مسمّى فقال له صاحبه : لا نجد لك وصيفا ، خذ مني قيمة وصيفك اليوم ورقا ، قال : فقال : لا يأخذ الا وصيفه أو ورقه الذي أعطاه اول مرة لا يزداد عليه شيئا» (٣).

١٠ ـ واما جواز التراضي على شي‌ء آخر‌ فهو مقتضى القاعدة‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٢ : ٣٧٤ الباب ٧ من أبواب احكام العقود الحديث ٣.

(٢) وسائل الشيعة ١٣ : ٧٢ الباب ١١ من أبواب السلف الحديث ١٤.

(٣) وسائل الشيعة ١٣ : ٧٠ الباب ١١ من أبواب السلف الحديث ٩.

٨٣

لرجوع ذلك إلى معاملة جديدة اتفقا عليها.

على ان موثقة يعقوب بن شعيب : «سألت ابا عبد الله عليه‌السلام عن رجل باع طعاما بدراهم فلما بلغ ذلك الاجل تقاضاه فقال : ليس عندي دراهم خذ مني طعاما ، قال : لا بأس انما له دراهمه يأخذ بها ما شاء» (١) وغيرها قد دلت على ذلك أيضا.

١١ ـ واما انه لا يلزم تعيين مكان الدفع‌ فلاقتضاء الاطلاق الانصراف إلى البلد الذي تمّ العقد فيه.

١٢ ـ واما جواز بيع المبيع على بايعه بالشرطين‌ فلانه مقتضى التمسك بالمطلقات العامة من قبيل (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) (٢) ونحوه.

وهذا من دون فرق بين كون البيع بعد حلول الاجل أو قبله ، وبغير جنس الثمن أو به إذا لم تكن زيادة.

واما عدم جوازه إذا كان بجنس الثمن مع الزيادة فلصحيحة محمد بن قيس المتقدمة وغيرها.

وهي لا تختص بصورة حلول الاجل بل مطلقة من الناحية المذكورة. وعلى تقدير نظرها إلى خصوص ذلك فيمكن الحكم بالتعميم من باب عدم احتمال الخصوصية.

١٣ ـ واما عدم جواز بيعه على غير بائعه قبل حلول الاجل‌ فهو مشهور بدون ان يدل عليه نص خاص. ومقتضى القاعدة جوازه.

وقد صرح في الجواهر والحدائق (٣) بانحصار المستند في‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٣ : ٧١ الباب ١١ من أبواب السلف الحديث ١٠.

(٢) البقرة : ٢٧٥.

(٣) جواهر الكلام ٢٤ : ٣٢٠ ، والحدائق الناضرة ٢٠ : ٤٦.

٨٤

الاجماع المدعى.

وقد يقال : ان عدم جواز البيع قبل حلول الاجل هو على مقتضى القاعدة لعدم استحقاق المشتري المبيع آنذاك ليمكنه بيعه.

والجواب : ان اشتغال ذمة البائع للمشتري يحصل بتمامية العقد ولو لم يحل الاجل وانما الاجل شرط في استحقاق المطالبة بالفعل.

اجل لربما يحكم بعدم الجواز لو فرض كون الثمن مؤجلا لصدق عنوان بيع الدين بالدين ، وقد روى طلحة بن زيد عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا يباع الدين بالدين» (١).

وطلحة وان لم يوثق الا ان تعبير الشيخ عن كتابه بانه معتمد (٢) يكفي في قبول رواياته.

الا انه تمكن المناقشة أيضا بان ظاهر النهي عن بيع الدين بالدين بيع ما كان دينا قبل العقد بما كان دينا قبله أيضا ولا يشمل بيع ما كان دينا قبله بما صار دينا بسببه ، كما هو المفروض في المقام.

والملخص : ان جواز البيع هو مقتضى القاعدة ما دام قد فرض ارادة البيع بأجل أيضا يزيد على السابق أو يساويه.

وعليه فالفتوى بعدم الجواز في الفرض المذكور يبتني على حصول الاطمئنان للفقيه بمثل الاجماعات المذكورة والا فالمناسب التنزل إلى الاحتياط تحفظا من مخالفة شبهة الاجماع.

١٤ ـ واما عدم جواز بيع المكيل والموزون قبل قبضه مرابحة‌ فهو على خلاف القاعدة ومن صغريات مسألة بيع المبيع قبل قبضه.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٣ : ٦٤ الباب ٨ من أبواب السلف الحديث ٢.

(٢) الفهرست للشيخ الطوسي : ٨٦ الرقم ٣٦٢.

٨٥

والمنسوب إلى الشيخ المفيد الكراهة في خصوص المكيل والموزون ، وإلى الشيخ عدم الجواز في خصوص الطعام (١) ، والى الأردبيلي الجواز مطلقا (٢).

والمشهور عدم الجواز في خصوص المكيل والموزون لصحيحة منصور بن حازم عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «إذا اشتريت متاعا فيه كيل أو وزن فلا تبعه حتى تقبضه الا ان توليه فإذا لم يكن فيه كيل ولا وزن فبعه» (٣) وغيرها.

هذا ولكن ورد في صحيحة جميل بن دراج عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «الرجل يشتري الطعام ثم يبيعه قبل ان يقبضه ، قال : لا بأس. ويوكل الرجل المشتري منه بقبضه وكيله؟ قال : لا بأس» (٤).

ومقتضى الجمع حمل الروايات الاولى على الكراهة إذا لم يحتمل للطعام خصوصية والا يكون المناسب التفصيل بين الطعام فيجوز بيعه قبل قبضه وبين غيره من المكيل والموزون فلا يجوز.

لا يقال : ان صحيحة ابن دراج لا يمكن الاخذ بها لكونها معارضة بصحيحة الحلبي عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «الرجل يبتاع الطعام ثم يبيعه قبل ان يكال ، قال : لا يصلح له ذلك» (٥).

فانه يقال : ان جملة «لا يصلح» قابلة للحمل على الكراهة فلا‌

__________________

(١) الحدائق الناضرة ١٩ : ١٦٨.

(٢) الحدائق الناضرة ١٩ : ١٧٢.

(٣) وسائل الشيعة ١٢ : ٣٩٠ الباب ١٦ من أبواب احكام العقود الحديث ١٢.

(٤) وسائل الشيعة ١٢ : ٣٨٨ الباب ١٦ من أبواب احكام العقود الحديث ٦.

(٥) وسائل الشيعة ١٢ : ٣٨٨ الباب ١٦ من أبواب احكام العقود الحديث ٥.

٨٦

تتحقق المعارضة.

١٥ ـ واما انعقاد بيع السلف بما تقدم من الصيغ‌ فللمطلقات العامة من قبيل قوله تعالى : (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) (١) ونحوه.

٨ ـ محرّمات في الشريعة‌

في الشريعة الاسلامية محرّمات كثيرة يحرم التكسب بها ـ ان كانت قابلة لذلك ـ لحرمتها في نفسها ، نذكر من بينها :

الغناء‌

يحرم الغناء ولو في الرثاء والدعاء وقراءة القرآن ونحو ذلك وحتى من دون انضمام محرم آخر إليه. وكذا يحرم استماعه.

ويستثنى منه الحداء وما كان في الاعراس للنساء إذا لم يقترن به محرم.

والميزان في صدقه كون الكيفية مناسبة لمجالس اللهو وأهل الفسوق.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما حرمة الغناء في الجملة‌ فمتفق عليها من غير الكاشاني والسبزواري. ويدل عليها الكتاب الكريم : (وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ) (٢) ، (وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) (٣) لتفسير الزور بالغناء في صحيحة زيد الشحام : «سألت ابا عبد الله عليه‌السلام عن قوله‌

__________________

(١) البقرة : ٢٧٥.

(٢) الحج : ٣٠.

(٣) لقمان : ٦.

٨٧

تعالى : واجتنبوا قول الزور ، قال : قول الزور الغناء» (١) وتفسير لهو الحديث بذلك أيضا في عدة روايات (٢).

وإذا اشكل بان ما يراد اثبات تحريمه هو الغناء بمعنى الكيفية اللهوية الخاصة القائمة بالكلام الباطل أو الاعم دون الكلام نفسه ، وما ذكر لا يدل على تحريم الكيفية بل على تحريم الكلام الباطل ، أمكن التمسك بالروايات :

كصحيحة محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه‌السلام : «الغناء مما وعد الله عليه النار ، وتلا هذه الآية : (وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي ...) (٣).

وصحيحة الريان بن الصلت : «سألت الرضا عليه‌السلام يوما بخراسان عن الغناء وقلت : ان العباس ذكر عنك انك ترخص في الغناء ، فقال : كذب الزنديق ما هكذا قلت له ، سألني عن الغناء فقلت : ان رجلا اتى ابا جعفر عليه‌السلام فسأله عن الغناء فقال : يا فلان إذا ميّز الله بين الحق والباطل فأين يكون الغناء؟ قال : مع الباطل ، فقال : قد حكمت» (٤) ، فان انكاره عليه‌السلام للترخيص يدل على المطلوب.

وصحيحة مسعدة بن زياد : «كنت عند ابي عبد الله عليه‌السلام فقال له رجل : بأبي انت وأمي اني ادخل كنيفا ولي جيران وعندهم جوار يتغنين ويضربن بالعود فربما اطلت الجلوس استماعا مني لهنّ ، فقال عليه‌السلام : لا تفعل. فقال الرجل : والله ما اتيتهن انما هو سماع اسمعه باذاني‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٢ : ٢٢٥ الباب ٩٩ من أبواب ما يكتسب به الحديث ٢.

(٢) وسائل الشيعة ١٢ : ٢٢٦ الباب ٩٩ من أبواب ما يكتسب به الحديث ٧ ، ١١.

(٣) وسائل الشيعة ١٢ : ٢٢٦ الباب ٩٩ من أبواب ما يكتسب به الحديث ٦.

(٤) وسائل الشيعة ١٢ : ٢٢٧ الباب ٩٩ من أبواب ما يكتسب به الحديث ١٣.

٨٨

فقال عليه‌السلام : بالله انت ، اما سمعت الله يقول : (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً ...) (١).

وصحيحة عبد الاعلى : «سألت ابا عبد الله عليه‌السلام عن الغناء فقلت : انهم يزعمون ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رخّص في ان يقال : جئناكم جئناكم حيّونا حيّونا نحيكم فقال : كذبوا ان الله عز وجل يقول : (وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ ...) (٢).

وصحيحة ابراهيم بن ابي البلاد : «قلت لأبي الحسن الاول عليه‌السلام : جعلت فداك ان رجلا من مواليك عنده جوار مغنيات قيمتهن اربعة عشر الف دينار وقد جعل لك ثلثها ، فقال : لا حاجة لي فيها ، ان ثمن الكلب والمغنية سحت» (٣) ، فان سحتية الثمن تدل على حرمة الغناء والا فلا وجه لكونه سحتا.

٢ ـ واما تعميمه لغير الكلام الباطل كالدعاء ونحوه‌ فلان المفهوم عرفا من الغناء الكيفية الخاصة بقطع النظر عن المادة ، ولذا من سمع من بعيد صوتا بالكيفية الخاصة المناسبة لمجالس اهل الفسوق حكم بكونه غناء ولو لم يميز مادته.

ويؤكد ما ذكرناه صحيحة عبد الاعلى المتقدمة فان الجمل المذكورة فيها ليست باطلة المضمون ومع ذلك كذّب عليه‌السلام ترخيصها.

وقد يقال باختصاص التحريم بما إذا كانت المادة باطلة ، اما لأخذ ذلك في مفهوم الغناء ، كما يستفاد من صحيحة زيد الشحام‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ٢ : ٩٥٧ الباب ١٨ من أبواب الاغسال المسنونة الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٢ : ٢٢٨ الباب ٩٩ من أبواب ما يكتسب به الحديث ١٥.

(٣) وسائل الشيعة ١٢ : ٨٧ الباب ١٦ من أبواب ما يكتسب به الحديث ٤.

٨٩

المتقدمة (١) ، او لما ذكره المحقق الأردبيلي من انعقاد سيرة المتشرعة على حضور مآتم أهل البيت عليهم‌السلام واستماعهم إلى ألحان قراءة الخطيب بدون انكار منهم (٢) ، او لما ذكره المحقق النراقي من التمسك باطلاق أدلة قراءة القرآن الكريم والدعاء والرثاء (٣).

والكل كما ترى.

اما الاول فلان صحيحة الشحام لم تحكم بان الكلام الباطل هو الغناء لينحصر الغناء بالكلام الباطل وانما حكمت بان الغناء هو فرد من الكلام الباطل ، وواضح ان الغناء لو تحقق بقراءة الدعاء امكن ان يصدق عليه عنوان الكلام الباطل ولو باعتبار كيفيته.

واما الثاني فلعدم احراز اتصال السيرة بزمن المعصوم عليه‌السلام ليثبت تلقيها منه لو لم يحرز عدم ذلك.

واما الثالث فلان ادلة الحث على قراءة القرآن مثلا ناظرة إلى قراءة القرآن بما هي وبقطع النظر عما يصاحبها والا فهل يحتمل كونها حاثّة عليها حتى لو استلزمت ايذاء نائم مثلا؟

ومما يؤكد عدم مدخلية المادة ـ مضافا إلى ما تقدم ـ ان لازم مدخليتها ندرة تحقق الغناء المحرّم لعدم كون المادة في الغالب كذبا وباطلا بل ويلزم عدم حرمة عنوان الغناء والغاء خصوصيته كما هو واضح.

٣ ـ واما تعميم التحريم لحالة عدم انضمام محرّم إليه‌ ـ من‌

__________________

(١) محاضرات في الفقه الجعفري ١ : ٣٥٢.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان ٨ : ٦١.

(٣) مستند الشيعة ٢ : ٦٤٤.

٩٠

دخول الرجال على النساء واستعمال الآلات الموسيقية والتكلم بالباطل ـ فلان ظاهر مثل قوله عليه‌السلام في صحيحة ابن مسلم المتقدمة : «الغناء مما وعد الله عليه النار» حرمة الغناء نفسه لا انه مباح والحرمة ثابتة لما يقارنه.

هذا ولكن المختار لدى المحققين الكاشاني والسبزواري عدم حرمة الغناء في نفسه بل هي ثابتة لما يقارنه (١).

وقد يستدل لذلك ببعض الروايات ، من قبيل :

صحيحة ابي بصير : «قال ابو عبد الله عليه‌السلام : اجر المغنية التي تزف العرائس ليس به بأس ، وليست بالتي يدخل عليها الرجال» (٢).

وصحيحة علي بن جعفر عن أخيه عليه‌السلام : «سألته عن الغناء هل يصلح في الفطر والاضحى والفرح؟ قال : لا بأس به ما لم يعص به» (٣).

بيد ان بالامكان مناقشتهما.

اما الاولى فلأنها ناظرة إلى الغناء في الاعراس وانه جائز فيما إذا لم يدخل الرجال ، والالتزام باستثنائه ممكن كما سيأتي ولا تدل على نفي البأس عن اجر مطلق المغنية.

واما الثانية فلا اشكال في سندها لأنها بطريق قرب الاسناد وان كانت ضعيفة بعبد الله بن الحسن لكونه مجهول الحال الا ان الحر رواها من كتاب علي بن جعفر ، وطريقه إليه صحيح ـ حيث ان له طرقا‌

__________________

(١) الوافي ١٧ : ٢١٨ وكفاية الاحكام : ٨٦.

(٢) وسائل الشيعة ١٢ : ٨٥ الباب ١٥ من أبواب ما يكتسب به الحديث ٣.

(٣) وسائل الشيعة ١٢ : ٨٥ الباب ١٥ من أبواب ما يكتسب به الحديث ٥.

٩١

صحيحة إلى جميع الكتب التي روى عنها الشيخ الطوسي (١) والتي منها كتاب علي بن جعفر (٢) ، وطريق الشيخ بدوره إلى الكتاب المذكور صحيح في الفهرست (٣) ـ غير انها لا تفي بتمام مطلوب الكاشاني لأنها تدل على جواز الغناء في نفسه في الموارد الثلاثة المذكورة فيها لا أكثر ، وبذلك تكون مخصصة لما سبق.

ومع التنزل تتحقق المعارضة بين هذه وما دلّ على حرمة الغناء نفسه ، والترجيح لما دلّ على حرمة الغناء في نفسه لمخالفته للعامة.

٤ ـ واما ان الاستماع حرام‌ فلصحيحة مسعدة المتقدمة. مضافا إلى امكان استفادة ذلك من الحكم بكون ثمن المغنية سحتا ، إذ لا وجه لذلك ما دامت المنفعة محللة.

ويؤيد ذلك ما ورد من ان الاستماع إلى المغنيات نفاق (٤).

٥ ـ واما الحداء فالمشهور استثناؤه. والوارد من غير طرقنا ان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لعبد الله بن رواحة : «حرّك بالنوق فاندفع يرتجز وكان عبد الله جيد الحداء ، وكان مع الرجال ، وكان انجشة مع النساء فلما سمعه تبعه فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا نجشة : رويدك ، رفقا بالقوارير» (٥) واستفيد من ذلك التقرير ، ولكنها غير تامة سندا ، كما هو واضح ، ولا دلالة ، حيث لم يأمر صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ابن رواحة بالحداء ولم تتضح كيفية ارتجازه ليثبت التقرير.

__________________

(١) راجع الفائدة الخامسة من الفوائد المذكورة في وسائل الشيعة ٢٠ : ٥٠.

(٢) راجع الفائدة الرابعة من الفوائد المذكورة في وسائل الشيعة ٢٠ : ٣٩.

(٣) فهرست الشيخ الطوسي : ٨٧ الرقم ٣٦٧.

(٤) وسائل الشيعة ١٢ : ٨٨ الباب ١٦ من أبواب ما يكتسب به الحديث ٧.

(٥) سنن البيهقي ١٠ : ٢٢٧.

٩٢

واما من طرقنا فالوارد عن السكوني عن جعفر بن محمد عن آبائه عليهم‌السلام : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : زاد المسافر الحداء والشعر ما كان منه ليس فيه خنا (١)» (٢).

وهو جيد لو تمّ سندا ولم يناقش من ناحية النوفلي.

الا ان بالامكان ان يقال بخروج الحداء عن الغناء تخصصا لا تخصيصا ، كما احتمل ذلك في الجواهر (٣) ، ومعه لا حاجة إلى البحث عن دليل الاستثناء.

٦ ـ واما استثناء الاعراس‌ فلصحيحة ابي بصير المتقدمة وغيرها.

واما اعتبار عدم انضمام المحرّم فلان المستثنى عنوان الغناء دون ما زاد. مضافا إلى امكان فهم ذلك من صحيحة ابي بصير ، بل يفهم منها أيضا تخصيص الجواز بالنساء.

٧ ـ واما ان الميزان في صدق الغناء مناسبة الكيفية لمجالس أهل الفسوق‌ فلم يذكر في كلمات المشهور بل المذكور فيها ان الغناء هو الصوت المشتمل على الترجيع او المشتمل على الترجيع مع الطرب ، وما شاكل ذلك.

والمناسب الرجوع إلى العرف ـ لأنه المرجع في تحديد مفاهيم الالفاظ ـ وهو يحدده بما ذكرناه. وعادة يتحقق ذلك فيما إذا كان الصوت من شأنه الاطراب.

__________________

(١) الخنا : الفحش في الكلام.

(٢) وسائل الشيعة ٨ : ٣٠٦ الباب ٣٧ من أبواب آداب السفر الحديث ١.

(٣) جواهر الكلام ٢٢ : ٥١.

٩٣

وعند الشك بنحو الشبهة الموضوعية يكون المرجع هو البراءة كما هو واضح.

ثم ان المفهوم من الغناء عرفا ما ذكرناه ، ولكن لو فرض الشك فيه بنحو الشبهة المفهومية وتردده بين السعة والضيق فالمناسب الاقتصار على القدر المتيقن واجراء البراءة عن حرمة الزائد.

الغيبة‌

تحرم الغيبة ، وهي «أن تقول في أخيك ما ستره الله عليه». ولا تتحقق الا بذكر المؤمن في غيبته بعيبه المستور امام سامع ولو من دون كراهته ولا قصد الانتقاص.

وتستثنى من حرمة الغيبة موارد منها : المتجاهر بالفسق ، والاحتياط يقتضي الاقتصار على ذكره بما تجاهر به ، والظالم فانه تجوز للمظلوم غيبته ، والاحتياط يقتضي أيضا الاقتصار على بيان ما تحقق به الظلم وعند من يتوقع منه ازالته.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما حرمة الغيبة في الجملة‌ فمن ضروريات الدين. ويدل عليها الكتاب الكريم : (وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ) (١) ، والاخبار المتواترة ، كموثقة ابي بصير عن ابي جعفر عليه‌السلام : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : سباب المؤمن فسوق وقتاله كفر وأكل لحمه معصية لله وحرمة ماله كحرمة دمه» (٢) وغيرها.

__________________

(١) الحجرات : ١٢.

(٢) وسائل الشيعة ١٢ : ٥٩٩ الباب ١٥٢ من أبواب أحكام العشرة الحديث ١٢.

٩٤

والتدقيق في سندها غير مهم بعد تواترها.

واما الاجماع فلا يمكن التمسك به بعد كونه مدركيا.

٢ ـ واما تحديد الغيبة‌ فلا يمكن الاعتماد فيه على كلمات اللغويين لاختلافها وعدم دقتها في ذكر القيود ، بل لا مجال للرجوع إليها بعد تحديد الروايات لها ، ففي صحيحة عبد الرحمن بن سيابة : «سمعت ابا عبد الله عليه‌السلام يقول : الغيبة ان تقول في أخيك ما ستره الله عليه. واما الامر الظاهر مثل الحدة والعجلة فلا» (١). وقريب من ذلك صحيحة داود بن سرحان (٢).

وابن سيابة وان لم يوثق بالخصوص الا انه قد يتساهل من ناحيته ، اما لوروده في كامل الزيارات ، أو لرواية ابن ابي عمير عنه ، او لاشتمال السند على يونس الذي هو من اصحاب الاجماع ، او لكونه وكيل الامام الصادق عليه‌السلام في تقسيم الاموال على عوائل من قتل مع عمه زيد.

ومع التنزل تكفينا صحيحة ابن سرحان حيث لا مشكلة في سندها الا من ناحية المعلى بن محمد ، فانه وان لم يوثق بل قيل في حقه :

انه مضطرب الحديث والمذهب ٣ ، الا انه يمكن التساهل من ناحيته بعد اكثار الحسين بن محمد الاشعري شيخ الشيخ الكليني الرواية عنه.

٣ ـ واما اعتبار ان يكون ذكره بالعيب في غيبته‌ فلتقوم مفهوم الغيبة به. ولربما تلمح الآية الكريمة إلى اعتباره حيث وصفت الاخ بكونه ميتا ، وما ذاك الا لتشبيه غيابه المعتبر في الغيبة بموته.

__________________

(١) ١ ، ٢ وسائل الشيعة ١٢ : ٦٠٤ الباب ١٥٤ من أبواب أحكام العشرة الحديث ٢ ، ١.

(٢) ٣ رجال النجاشي : ٢٩٦ منشورات مكتبة الداوري.

٩٥

وينبغي ان يكون واضحا ان نفي صدق عنوان الغيبة عند افتراض الحضور لا يعني نفي الحرمة بل قد تكون ثابتة بشكل اقوى لثبوت ملاك تحريم الغيبة وزيادة.

٤ ـ واما اعتبار ان يكون المذكور عيبا‌ فيمكن استفادته من التعبير ب «تقول فيه» ، «ستره الله عليه» ، بل ومن الآية الكريمة أيضا ، فان أكل لحم الاخ ميتا لا يتحقق الا بذكر عيوبه.

وبهذا يتضح ان الذكر بما ليس عيبا فضلا بما هو كمال ليس من الغيبة في شي‌ء وان كان صاحبه كارها لذلك.

واما ما ورد في وصية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأبي ذر : «... قلت يا رسول الله : وما الغيبة؟ قال : ذكرك أخاك بما يكره» (١) فهو على تقدير صحة سنده منصرف إلى ما يكره ذكره من العيوب فلاحظ ذيل الحديث : «اعلم انك إذا ذكرته بما هو فيه فقد اغتبته ، وإذا ذكرته بما ليس فيه فقد بهته» (٢).

اجل قد يحرم ذلك من جهة عنوان آخر غير الغيبة كإيذاء المؤمن مثلا بناء على حرمته بعرضه العريض الشامل لمثل المقام.

٥ ـ واما اعتبار كون العيب مستورا‌ فهو صريح الروايتين السابقتين.

واما اعتبار وجود السامع فلأن كشف العيب المستور لا يتحقق الا بذلك.

وصحيحة ابن سيابة وان لم تذكر لفظ الكشف الا ان ارادته واضحة والا فلا معنى لأخذ قيد الستر.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٢ : ٥٩٨ الباب ١٥٢ من أبواب ما يكتسب به الحديث ٩.

(٢) المصدر نفسه.

٩٦

٦ ـ واما عدم اعتبار الكراهة‌ فلإطلاق الصحيحتين السابقتين.

ولا يمكن تقييد الاطلاق المذكور بالنبوي المتقدم بعد ضعف سنده واحتمال ان تكون كلمة «يكره» مبنية للمجهول.

واحتمال ان حرمة الغيبة هي من باب ان من حق المؤمن ان لا يذكر بعيوبه فإذا اسقط الحق المذكور ـ فيما إذا فرض رضاه بذكر عيوبه ـ فلا موجب لبقاء الحرمة ضعيف لعدم الدليل على كون حرمة الغيبة هو من باب الحق بل بالامكان دعوى كونها من باب الحكم الشرعي بقرينة اطلاق الصحيحتين.

٧ ـ واما عدم اعتبار قصد الانتقاص‌ فلإطلاق الصحيحتين ، بل مع فرض قصد الانتقاص تثبت الحرمة حتى في بيان العيب الظاهر ، والحال ان ظاهر صحيحة ابن سيابة نفي الحرمة عن بيان العيوب الظاهرة لا نفي موضوع الغيبة فقط.

٨ ـ واما استثناء المتجاهر بالفسق‌ فلرواية هارون بن الجهم عن الصادق عليه‌السلام : «إذا جاهر الفاسق بفسقه فلا حرمة له ولا غيبة» الا انها ضعيفة بأحمد بن هارون شيخ الشيخ الصدوق ـ ومجرّد ترضيه عنه (١) لا يدل على توثيقه له ـ بل تمكن الخدشة السندية في باقي روايات الاستثناء المذكور.

الا انه يمكن ان يقال ان تعددها ومفروغية الحكم لدى الاصحاب يصحح للفقيه التساهل من الناحية المذكورة.

هذا كله إذا لم يخصص الحكم بالجواز بخصوص ما تحقق‌

__________________

(١) كما في الخصال : ٣٣ باب الاثنين الحديث ١.

٩٧

التجاهر به والا فلا يحتاج الاستثناء إلى دليل لعدم صدق عنوان الغيبة بلحاظه.

٩ ـ واما ان الحكم بالجواز يختص بالفسق المتجاهر به او الاعم‌ فمحل خلاف ، فقد استظهر صاحب الحدائق عدم الاختصاص (١). واختار الشهيد الثاني الاختصاص (٢).

وفصّل الشيخ الأعظم بين ما كان دون المتجاهر به في القبح فيلحق بالمتجاهر به في جواز الغيبة به وبين غيره فلا يلحق به. قال قدس‌سره : «وينبغي الحاق ما يتستر به بما يتجاهر فيه إذا كان دونه في القبح ، فمن تجاهر باللواط ـ العياذ بالله ـ جاز اغتيابه بالتعرض للنساء الاجنبيات ...» (٣).

والمناسب التعميم تمسكا باطلاق الروايات خصوصا ان ظاهرها كون الحكم من باب التخصيص دون التخصص.

واما ما ذكره الشيخ الاعظم فقابل للتأمل ، فان الدليل القائل مثلا : من تجاهر بالزنا جازت غيبته بذلك يدل بالملازمة على ان من تجاهر بالنظر الى الاجنبية جازت غيبته بذلك أيضا ، ولا يدل بالملازمة على ان النظر الى الاجنبية لو لم يكن متجاهرا به تجوز غيبته به أيضا.

هذا كله بمقتضى الصناعة العلمية. ولكن يبقى الاحتياط بالاقتصار على غيبته في خصوص ما تجاهر به امرا لا ينبغي الحياد عنه.

__________________

(١) الحدائق الناضرة ١٨ : ١٦٦.

(٢) كشف الريبة : ٨٠.

(٣) كتاب المكاسب ١ : ٢٩٨ ، منشورات دار الحكمة.

٩٨

١٠ ـ واما استثناء الظالم‌ فمتفق عليه لقوله تعالى : (لا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاّ مَنْ ظُلِمَ) (١).

ومقتضى اطلاقه جواز الجهر بالسوء حتى في غير ما تحقق الظلم به وعند من لا يتوقع منه ازالة الظلم خصوصا لو لوحظ التعبير ب «الجهر» الظاهر في الاشاعة وعدم الاقتصار في البيان عند شخص دون آخر.

ويبقى الاحتياط بالاقتصار على القدر المتيقن امرا لا ينبغي الحياد عنه بل قد يشكّك في انعقاد الاطلاق من الناحية الاولى.

القمار‌

القمار حرام إذا كان مع الرهن وبآلاته الخاصة بل يكفي توفر احدهما في ثبوت التحريم لدى المشهور.

واما إذا فرض فقدان كلا الامرين ـ كالمصارعة والمسابقة بأشكالها المختلفة إذا لم تكن مع الرهن ـ فالمناسب الحكم بالجواز.

والمراد من آلات القمار ما تداول التقامر بها ولو في عصرنا المتأخّر.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما بالنسبة إلى معنى القمار‌ فقد اختلف اللغويون بل الفقهاء أيضا في تحديده من حيث اخذ العوض وكون اللعب بخصوص آلاته الخاصة في مفهومه (٢).

__________________

(١) النساء : ١٤٨.

(٢) ففي الصحاح ، مادة «قمر» : قمرت الرجل إذا لا عبته فيه فغلبته. ـ

٩٩

قال الشيخ الأعظم : «القمار ... وهو ـ بكسر القاف ـ كما عن بعض اهل اللغة : الرهن على اللعب بشي‌ء من الآلات المعروفة ، وحكي عن جماعة انه قد يطلق على اللعب بهذه الاشياء مطلقا ولو من دون رهن. وبه صرح في جامع المقاصد (١). وعن بعض ان اصل المقامرة المغالبة» (٢).

وعليه فالشبهة بلحاظ مفهوم القمار مفهومية لتردده بين السعة والضيق. وحكمها ـ كما هو واضح ـ الاقتصار في الحكم بالتحريم مثلا على القدر المتيقن ، وهو المفهوم الضيق واجراء البراءة بلحاظ ما زاد.

٢ ـ واما حرمته‌ فلا اشكال فيها ، وهي مورد اتفاق المسلمين. ويدل عليها من الكتاب الكريم قوله تعالى : (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ) (٣) ، فان الميسر‌

__________________

ـ وفي اساس البلاغة : القمار خداع. وقامرته : غلبته.

وفي لسان العرب : قامر الرجل مقامرة وقمارا : راهنه ، وهو التقامر.

وفي المصباح المنير : قامرته عليه : غلبته في القمار.

وفي القاموس : قامره مقامرة ... راهنه فغلبه.

وفي مجمع البحرين : تقامروا : لعبوا بالقمار واللعب بالآلات المعدة له على اختلاف انواعها نحو الشطرنج والنرد وغير ذلك. وأصل القمار : الرهن على اللعب بالشي‌ء من هذه الأشياء.

(١) ونص عبارة المحقق الكركي : «واصل القمار : الرهن على اللعب بشي‌ء من هذه الأشياء.

وربما أطلق على اللعب بها مطلقا. ولا ريب في تحريم اللعب بذلك وان لم يكن رهن». جامع المقاصد ٤ : ٢٤.

(٢) كتاب المكاسب ١ : ٣١٩ ، منشورات دار الحكمة.

(٣) المائدة : ٩٠.

١٠٠