دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي على المذهب الجعفري - ج ٢

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي على المذهب الجعفري - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الفقه للطباعة والنشر
المطبعة: برهان
الطبعة: ٢
ISBN: 964-499-036-6
ISBN الدورة:
964-499-048-X

الصفحات: ٥٩١

الإيقاعات‌

١ ـ الطلاق‌

٢ ـ الظهار‌

٣ ـ الايلاء‌

٤ ـ اللعان‌

٥ ـ اليمين والنذر والعهد‌

٦ ـ الوصية‌

٧ ـ الوقف‌

٨ ـ الجعالة‌

٩ ـ الشفعة‌

٣٨١
٣٨٢

كتاب الطّلاق‌

١ ـ حقيقة الطلاق‌

٢ ـ شرائط صحة الطلاق‌

٣ ـ أقسام الطلاق‌

٤ ـ أحكام العدّة‌

٥ ـ من أحكام الخلع والمباراة‌

٦ ـ من أحكام الطلاق‌

٣٨٣
٣٨٤

١ ـ حقيقة الطلاق‌

الطلاق ايقاع يتضمّن إنشاء الزوج للفرقة بعد تحقّق الزوجية الدائمة.

وهو مشروع بضرورة الدين من الزوج فقط إلاّ في موارد خاصّة.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما ان الطلاق ايقاع متقوّم بالايجاب بلا مدخلية للقبول في تحققه‌ فهو من بديهيات الفقه. ويمكن استفادته من النصوص المذكورة في ثنايا الابحاث الآتية.

واما ان حقيقته ما ذكر فهو من بديهيات اللغة والشرع.

واما اختصاص مورده بفرض الزواج الدائم فلما يأتي ان شاء الله تعالى.

٢ ـ واما انه مشروع‌ فهو من ضروريات دين الإسلام. ويدل على ذلك أيضا ترتيب الاحكام الخاصة عليه في الكتاب الكريم. قال تعالى :

٣٨٥

(وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ ...) (١) ، (الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ ...) (٢) ، (وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ ...) (٣) ، إلى غير ذلك من الآيات الكريمة.

واذا كان الزواج أحبّ شي‌ء إلى الله سبحانه فالطلاق أبغض شي‌ء اليه. وقد ورد في الحديث الشريف عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ما من شي‌ء أحب إلى الله عز وجل من بيت يعمر بالنكاح. وما من شي‌ء أبغض إلى الله عز وجل من بيت يخرب في الإسلام بالفرقة ، يعني الطلاق» (٤).

وفي حديث آخر : «تزوجوا ولا تطلقوا ، فان الطلاق يهتز منه العرش» (٥).

أجل هذا يختص بحالة الوئام بين الزوجين أو وجود مشاكل لا ينحصر علاجها بالطلاق والا لم يكن مبغوضا لعدم احتمال المبغوضية شرعا في مثل ذلك. مضافا الى دلالة جملة من الروايات على ذلك. وقد ورد في الحديث ان أبا جعفر عليه‌السلام «كانت عنده امرأة تعجبه وكان لها محبا فأصبح يوما وقد طلّقها واغتم لذلك فقال له بعض مواليه : لم طلقتها؟ فقال : اني ذكرت عليا عليه‌السلام فتنقصته فكرهت ان الصق جمرة من جهنم بجلدي» (٦). بل روي عن الرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «خمسة لا يستجاب لهم : رجل جعل الله بيده طلاق امرأته فهي تؤذيه وعنده ما‌

__________________

(١) البقرة : ٢٢٨.

(٢) البقرة : ٢٢٩.

(٣) البقرة : ٢٣١.

(٤) وسائل الشيعة ١٥ : ٢٦٦ الباب ١ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ١.

(٥) وسائل الشيعة ١٥ : ٢٦٨ الباب ١ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ٧.

(٦) وسائل الشيعة ١٥ : ٢٦٩ الباب ٣ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ١.

٣٨٦

يعطيها ولم يخلّ سبيلها ...» (١).

يبقى كيف نثبت مشروعية الطلاق في حالة الوئام وعدم وجود الضرورة؟

والجواب : انه بعد ضرورة ذلك بين جميع المسلمين لا نبقى بحاجة إلى دليل بل الضرورة نفسها دليل على ذلك.

هذا مضافا الى انه لو لم يجز عند عدم الضرورة لانعكس ذلك على الروايات لكون المسألة عامة البلوى.

بل يمكن التمسك باطلاق بعض النصوص ، كصحيحة زرارة عن ابي جعفر عليه‌السلام : «... فاذا اراد الرجل منكم ان يطلق امرأته طلاق العدة فلينتظر بها حتى تحيض وتخرج من حيضها ثم يطلقها تطليقة من غير جماع بشهادة شاهدين عدلين ...» (٢) وغيرها.

٣ ـ واما اختصاص مشروعية الطلاق بالزوج‌ فهو من الضروريات التي لا تحتاج الى دليل.

بل ان القصور في مقتضي التعميم كاف وحده لإثبات الاختصاص.

وتؤيد الاختصاص مرسلة ابن بكير عن بعض أصحابنا عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «امرأة نكحها رجل فأصدقته المرأة وشرطت عليه ان بيدها الجماع والطلاق فقال : خالف السنة وولى الحق من ليس اهله ، وقضى ان على الرجل الصداق وان بيده الجماع والطلاق وتلك السنة» (٣) ،

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٥ : ٢٧١ الباب ٥ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٥ : ٣٤٨ الباب ٢ من أبواب اقسام الطلاق الحديث ١.

(٣) وسائل الشيعة ١٥ : ٣٤٠ الباب ٤٢ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ١.

٣٨٧

والحديث النبوي : «الطلاق بيد من أخذ بالساق» (١).

٤ ـ واما موارد الاستثناء التي يصح فيها الطلاق من غير الزوج‌ فيأتي التحدث عنها فيما بعد ان شاء الله تعالى.

٢ ـ شرائط صحة الطلاق‌

يلزم لوقوع الطلاق صحيحا توفر :

١ ـ البلوغ فلا يصح طلاق الصبي وان بلغ عشرا بل ولا طلاق وليه عنه.

٢ ـ العقل فلا يصح طلاق المجنون الا اذا كان بالغا فانه يجوز لوليه الطلاق مع اقتضاء المصلحة لذلك.

٣ ـ الاختيار فلا يصح طلاق المكره.

٤ ـ القصد فلا يصح طلاق السكران والهازل وغيرهما ممن لا قصد له.

٥ ـ التنجيز فلا يقع الطلاق لو قال الزوج لزوجته : انت طالق ان فعلت كذا.

٦ ـ تعيين المطلقة فلا يصح لو قال الزوج : احدى زوجاتي طالق.

٧ ـ ان تكون الزوجة في حالة طهر ـ من الحيض والنفاس ـ لم يواقعها فيه.

ويستثنى من ذلك :

أ ـ ما اذا كان المطلّق غائبا ، فان الطلاق يقع صحيحا منه حتى مع اتضاح عدم طهرها حالته بشرطين : عدم امكان معرفته لحالها ، ومضي فترة يعلم بحسب عادتها انتقالها من طهر الى آخر. والاحتياط يقتضي ان تكون شهرا وأحوط من ذلك أن تكون ثلاثة اشهر.

__________________

(١) كنز العمال ٥ : ١٥٥ الرقم ٣١٥١.

٣٨٨

وفي حكم الغائب الحاضر الذي لا يمكنه معرفة حال زوجته كالمسجون.

ب ـ ما اذا كانت حاملا وقد استبان حملها فانه يصح طلاقها وان لم تكن على طهر او كانت في طهر المواقعة.

ج ـ ما اذا لم تكن مدخولا بها.

د ـ ما اذا كانت صغيرة لم تبلغ سنّ التكليف وقد دخل بها الزوج وان كان ذلك محرما.

ه ـ ما اذا كانت قد بلغت سنّ اليأس.

و ـ المسترابة ـ وهي من كانت في سن من تحيض ولا تحيض لخلقة او لعارض اتفاقي من رضاع أو مرض طارئ وما شاكل ذلك ـ فانه يجوز طلاقها وان كان ذلك في طهر المجامعة بشرط مضي ثلاثة اشهر على المواقعة الاخيرة.

٨ ـ ان يكون الزواج دائما فلا يقع بالمتمتع بها بل تتحقق الفرقة بانتهاء المدة او هبة المقدار المتبقّى منها.

٩ ـ اشهاد رجلين عادلين. ولا يلزم ان يعرفا المطلقة بنحو يصح منهما الشهادة عليها.

١٠ ـ الصيغة الخاصة ، وهي : «انت طالق» أو «زوجتي طالق» أو «فلانة طالق» وما أشبه ذلك من الصيغ المشتملة على كلمة «طالق». ولا يصح بصيغة «فلانة مطلقة» أو «طلقت فلانة».

وتجزئ الترجمة عند تعذر النطق بالعربية.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما اعتبار البلوغ في المطلّق‌ فهو المشهور بين المتأخرين ـ

٣٨٩

خلافا للشيخين وجماعة من القدماء (١) ـ لعدة امور :

أ ـ التمسك بحديث رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم (٢) ، فان مقتضى اطلاقه الشمول لقلم الوضع أيضا.

وضعف سنده منجبر بعمل الاصحاب ـ كما تقدم غير مرة ـ بناء على تمامية كبرى الانجبار.

ب ـ اتفاق الاصحاب على اعتبار البلوغ في باب البيع وسائر المعاملات المالية. والطلاق ان لم يكن اولى باعتبار ذلك فيه فلا أقلّ من عدم الفرق بينهما.

ج ـ الروايات الخاصة ، من قبيل موثقة الحسين بن علوان عن جعفر بن محمد عن ابيه عن علي عليهم‌السلام : «لا يجوز طلاق الغلام حتى يحتلم» (٣) وغيرها.

والحسين ثقة لان ظاهر كلام النجاشي : «الحسين بن علوان الكلبي مولاهم كوفي عامي. واخوه الحسن يكنى ابا محمد ثقة. رويا عن ابي عبد الله عليه‌السلام ...» (٤) رجوع التوثيق الى الحسين دون الحسن.

الا ان في مقابل ذلك عدة روايات تدل على العكس ، من قبيل ما رواه الشيخ في تهذيبه عن الكليني بسنده الموثق عن ابن بكير عن ابي‌

__________________

(١) جواهر الكلام ٣٢ : ٥.

وفي تهذيب الاحكام لشيخ الطائفة ٨ : ٧٥ ما نصه : «طلاق الصبي جائز اذا عقل الطلاق.

وحدّ ذلك عشر سنين. يدل على ذلك ما رواه ...».

(٢) وسائل الشيعة ١ : ٣٠ الباب ٤ من أبواب مقدمة العبادات.

(٣) وسائل الشيعة ١٥ : ٣٢٥ باب ٣٢ من ابواب مقدمات الطلاق حديث ٨.

(٤) رجال النجاشي : ٣٨ منشورات مكتبة الداوري.

٣٩٠

عبد الله عليه‌السلام : «يجوز طلاق الصبي اذا بلغ عشر سنين» (١) ، ورواية ابن ابي عمير عن بعض رجاله عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «يجوز طلاق الصبي اذا بلغ عشر سنين» (٢).

ولا يضر الارسال في السند بعد كون المرسل ابن ابي عمير بناء على رأي المشهور من حجية مراسيله من دون تفصيل. والمناسب ـ بناء على تمامية سند هذه الطائفة ـ الجمع بينها وبين الاولى بالتقييد فتحمل الاولى على من كان عمره أقلّ من عشر.

ولا يقف امام ذلك حديث رفع القلم لإمكان تخصيصه.

هذا ولكن الاحتياط باعتبار البلوغ امر لازم تحفظا من مخالفة المشهور ولإمكان التشكيك في سند روايات الطائفة الثانية ، فان الرواية الاولى وان كانت معتبرة السند حسب نقل التهذيب الا انها في الكافي لم تذكر بالسند المذكور بل بسند آخر فراجع (٣).

وصحة الرواية الثانية تبتني على مسلك المشهور في مراسيل ابن ابي عمير ، بل ان النسخ قد اختلفت في كيفية نقل متن الرواية ، ففي بعضها : «لا يجوز طلاق الصبي اذا بلغ عشر سنين» وفي بعضها الآخر : «يجوز» بدون كلمة النفي.

٢ ـ واما عدم ثبوت الولاية لولي الصبي في الطلاق‌ فأمر لا خلاف فيه. ويكفي لإثباته القصور في المقتضي. ومع التنزل يمكن التمسك بالروايات الخاصة كصحيحة محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه‌السلام :

__________________

(١) تهذيب الاحكام ٨ : ٧٧ الرقم ١٧٣.

(٢) وسائل الشيعة ١٥ : ٣٢٤ الباب ٣٢ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ٢.

(٣) الكافي ٦ : ١٢٤.

٣٩١

«الصبي يتزوج الصبية يتوارثان؟ فقال : اذا كان ابواهما اللذان (١) زوجاهما فنعم. فقلت : فهل يجوز طلاق الاب؟ قال : لا» (٢) وغيرها.

٣ ـ واما عدم صحة الطلاق من المجنون‌ فلعدم تحقق القصد منه وللروايات الخاصة ، كصحيحة الحلبي : «سألت ابا عبد الله عليه‌السلام عن طلاق السكران وعتقه فقال : لا يجوز. قال : وسألته عن طلاق المعتوه قال : وما هو؟ قال : قلت : الاحمق الذاهب العقل قال : لا يجوز» (٣) وغيرها.

٤ ـ واما انه يجوز الطلاق لولي المجنون‌ فهو المشهور لصحيحة أبي خالد القماط : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجل الاحمق الذاهب العقل يجوز طلاق وليه عليه؟ قال : ولم لا يطلق هو؟ قلت : لا يؤمن ان طلق هو ان يقول غدا : لم أطلق او لا يحسن ان يطلق ، قال : ما ارى وليه الا بمنزلة السلطان» (٤) وغيرها.

هذا وقد نسب الخلاف في المسألة إلى ابن ادريس تمسكا بان الاصل بقاء العقد وبالنبوي : «الطلاق بيد من اخذ بالساق» (٥).

وفيه : ان الاصل لا مجال له مع الدليل الاجتهادي. والنبوي على تقدير تماميته سندا قابل للتقييد بصحيحة القماط وغيرها.

ثم انه لا يبعد ان يكون قوله عليه‌السلام : «ولم لا يطلق هو» ناظرا الى فرضية عدم زوال العقل بشكل كامل او الى حالة الجنون الادواري مع‌

__________________

(١) الظاهر ان الصواب : اللذين.

(٢) وسائل الشيعة ١٤ : ٢٢٠ الباب ١٢ من أبواب عقد النكاح الحديث ١ ، و ١٥ : ٣٢٦ الباب ٣٣ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث.

(٣) وسائل الشيعة ١٥ : ٣٢٨ الباب ٣٤ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ٥.

(٤) وسائل الشيعة ١٥ : ٣٢٩ باب ٣٥ من ابواب مقدمات الطلاق حديث ١.

(٥) الحدائق الناضرة ٢٥ : ١٥٥.

٣٩٢

فرض الافاقة ، كما نبّه عليه في الحدائق (١).

٥ ـ واما تقييد جواز طلاق ولي المجنون بما اذا كان ـ المجنون ـ بالغا‌ فلانه بدون فرض ذلك يكون مشمولا لإطلاق صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة الدالة على ان الاب لا يجوز له الطلاق بالولاية.

واذا قيل : كما ان لصحيحة ابن مسلم اطلاقا كذلك لصحيحة القماط اطلاق فلما ذا تقديم الاطلاق الاول؟

قلنا : انه يمكن التشكيك في ثبوت الاطلاق لصحيحة القماط لأنها تدل على ثبوت السلطنة للولي في المورد الذي يكون للمجنون الحق في الطلاق لو لا جنونه ، وذلك لا يتم الا اذا كان المجنون بالغا بناء على عدم ثبوت الحق لغير البالغ في الطلاق.

ثم انه مع التنزل وفرض تعارض الاطلاقين وتساقطهما يلزم الرجوع إلى الاصل وهو يقتضي عدم ترتب الاثر على طلاق الولي. وبذلك تكون النتيجة واحدة على كلا التقديرين.

٦ ـ واما تقييد جواز طلاق ولي المجنون بالمصلحة‌ بالرغم من اطلاق الروايات من هذه الناحية فباعتبار الجزم بان الولاية المجعولة للولي ليست تكريما له بل لحاجة المولى عليه الى من يتصرف عنه تحقيقا لمصالحه.

٧ ـ واما عدم صحة طلاق المكره‌ فأمر لا خلاف فيه ، ويدل عليه حديث الرفع (٢) والروايات الخاصة ، كصحيحة زرارة عن ابي جعفر عليه‌السلام : «سألته عن طلاق المكره وعتقه فقال : ليس طلاقه بطلاق ولا عتقه‌

__________________

(١) الحدائق الناضرة ٢٥ : ١٥٤.

(٢) وسائل الشيعة ١١ : ٢٩٥ الباب ٥٦ من أبواب جهاد النفس الحديث ١.

٣٩٣

بعتق ...» (١) وغيرها.

٨ ـ واما اعتبار القصد‌ فللتسالم على تبعية العقود والايقاعات للقصد. هذا مضافا الى الروايات الخاصة الواردة بلسان : «لا طلاق الا لمن اراد الطلاق» (٢).

٩ ـ واما التنجيز‌ فمدركه منحصر بالإجماع المدعى على اعتباره والا فغير قابل للتأمل من قبيل :

أ ـ منافاة التعليق لقاعدة عدم تأخر المعلول عن علته.

ب ـ ان ظاهر الروايات فعلية الطلاق بمجرد تحقق الصيغة ، واشتراط تأخره الى حصول المعلق عليه شرع جديد.

وقد تمسك بهذين الوجهين صاحب الجواهر (٣).

ووجه التأمل :

اما في الاول فلان العلة ليست هي الصيغة بمجردها بل مع الشرط فلا تأخر.

واما في الثاني فلانه لا توجد رواية تدل بوضوح على ذلك. ومع التنزل يمكن دعوى نظرها إلى الحالة الغالبة ، وهي التنجيز.

هذا ويظهر الخلاف في المسألة من الشهيد الثاني في المسالك حيث رجح جواز التعليق لعدة وجوه نذكر منها :

أ ـ القياس على الظهار ، حيث دلت النصوص على جواز التعليق فيه.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٥ : ٣٣١ الباب ٣٧ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٥ : ٢٨٥ الباب ١١ من أبواب مقدمات الطلاق.

(٣) جواهر الكلام ٣٢ : ٧٨.

٣٩٤

ب ـ ان في التعليق حكمة لا تحصل في العقد المنجز ، فان الزوجة قد تخالف زوجها في بعض مقاصده فتفعل ما يكرهه ، والزوج يكره طلاقها من حيث انه ابغض الحلال فيحتاج الى التعليق على فعل ما يكرهه كي اذا امتنعت يحصل غرضه او خالفت تكون هي المختارة لطلاقها (١).

وكلاهما كما ترى.

والمناسب اعتبار التنجيز ولو على مستوى الاحتياط تحفظا من مخالفة الاجماع المدعى.

هذا اذا فرض وجود مطلقات تدل على مشروعية الطلاق المعلق والا كفى القصور في المقتضي حيث يجري آنذاك استصحاب بقاء النكاح بناء على جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية وعدم معارضة استصحاب بقاء المجعول بأصالة عدم الجعل الزائد.

بل يمكن تقريب جريان الاستصحاب حتى بناء على الرأي المذكور ، بان يستصحب بقاء اباحة الاستمتاعات ، فان القائل بالمنع من جريان الاستصحاب في الاحكام يخصّص ذلك بالاحكام الالزامية دون الترخيصية ، اذ لا جعل فيها ليعارض استصحاب بقائها باستصحاب عدم الجعل الزائد.

١٠ ـ واما اعتبار تعيين المطلقة‌ فهو المشهور. ويمكن الاستدلال له بانه مع عدم التعيين اما ان يقع الطلاق بالواحدة المرددة من الزوجات او بالواحدة بنحو الكلي في المعين.

__________________

(١) مسالك الافهام ٢ : ١٥.

٣٩٥

وكلاهما لا يمكن المصير اليه.

اما الاول فلعدم معقولية الفرد المردد.

واما الثاني فلان ثبوت الطلاق للواحدة الكلية وان كان امرا ممكنا ـ كتعلق البيع بكيلو كلي من صبرة معينة ـ غايته تعيّن تلك الواحدة الكلية بواسطة القرعة الا ان ذلك يحتاج الى دليل يدل عليه ، ولا دليل يدل على صحة طلاق الواحدة الكلية مع تعيينها بالقرعة.

وتؤيد اعتبار التعيين رواية محمد بن احمد بن مطهر : «كتبت إلى ابي الحسن صاحب العسكر عليه‌السلام اني تزوجت اربع نسوة ولم اسأل عن اسمائهن ثم اني اردت طلاق احداهن وتزويج امرأة اخرى فكتب عليه‌السلام انظر الى علامة ان كانت بواحدة منهن فتقول : اشهدوا ان فلانة التي بها علامة كذا وكذا هي طالق ثم تزوّج الاخرى اذا انقضت العدّة» (١).

ومن ذلك يتضح النظر فيما نسب الى جماعة كالشيخ وابن البراج والمحقق والعلامة والشهيد من وقوع الطلاق صحيحا مع عدم التعيين لوجهين : اصالة عدم الاشتراط ، وعموم مشروعية الطلاق (٢).

ووجه النظر :

اما بالنسبة الى الاصل المذكور فلانه لا اساس له ان لم يرجع الى التمسك بالعموم الذي هو الوجه الثاني.

واما العموم فهو غير مستفاد من النصوص.

١١ ـ واما اعتبار ان تكون الزوجة طاهرة بطهر لم يواقعها فيه زوجها‌ فأمر متسالم عليه. وتدل عليه النصوص المستفيضة ، كصيحة‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٤ : ٤٠٠ الباب ٣ من أبواب ما يحرم باستيفاء العدد الحديث ٣.

(٢) الحدائق الناضرة ٢٥ : ١٨١.

٣٩٦

زرارة عن ابي جعفر عليه‌السلام في حديث قال : «اما طلاق السنة فاذا اراد الرجل ان يطلق امرأته فلينتظر بها حتى تطمث وتطهر فاذا خرجت من طمثها طلّقها تطليقة من غير جماع ويشهد شاهدين ...» (١).

وصحيحة الفضلاء عن ابي جعفر وابي عبد الله عليهما السّلام : «اذا طلّق الرجل في دم النفاس او طلّقها بعد ما يمسها فليس طلاقه اياها بطلاق» (٢) وغيرهما.

بل قد يستفاد ذلك من قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ) (٣) ، فان المقصود اذا أردتم طلاق النساء فطلقوهنّ لزمان عدتهن بحيث يأخذ زمان العدة بالشروع من حين تحقق الطلاق ، وليس ذلك الا بان يقع الطلاق في طهر لا مواقعة فيه فان العدة كما يأتي ـ ان شاء الله تعالى ـ هي ثلاثة قروء بمعنى ثلاثة اطهار ، فلو وقع الطلاق في الحيض لم يمكن شروع العدة ـ بالمعنى المذكور ـ من حين الطلاق كما هو واضح ، ولو وقع في طهر المواقعة لم يمكن ذلك أيضا لان المقصود من الاطهار الثلاثة هي الاطهار الخالية من المواقعة ، ومعه فيحتاج إلى مرور ثلاثة اطهار جديدة منفصلة عن الطلاق.

١٢ ـ واما استثناء حالة غيبة المطلّق‌ فأمر متسالم عليه للروايات المتعددة الواردة بلسان : «خمس يطلقهن أزواجهن متى شاءوا : الحامل المستبين حملها ، والجارية التي لم تحض ، والمرأة التي قعدت من‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٥ : ٢٨٠ الباب ٩ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ٤.

(٢) وسائل الشيعة ١٥ : ٢٧٩ الباب ٩ من ابواب مقدمات الطلاق الحديث ١.

(٣) الطلاق : ١.

٣٩٧

المحيض ، والغائب عنها زوجها ، والتي لم يدخل بها» (١).

وسند الروايات المذكورة جلا أو كلا صحيح فراجع.

١٣ ـ واما تعميم الحكم بالصحة لما اذا اتضح عدم الطهر واقعا حالة الطلاق‌ فللتمسك باطلاق الروايات المذكورة بل وللتصريح بالتعميم فيها بلفظ «متى شاءوا» ، على انه قد يقال بان الطهر واقعا لو كان معتبرا يلزم عدم ثبوت الخصوصية لعنوان غيبة المطلّق.

١٤ ـ واما اعتبار عدم امكان معرفة حالها ومضي فترة يعلم فيها بالانتقال‌ فلانه لا يحتمل اعتبار عنوان الغيبة بنحو الموضوعية ولا يحتمل ان مجرد غيبة الزوج في الساعات الاولى كاف لجواز الطلاق حتى مع امكان تحصيل العلم بسهولة او فرض العلم ببقاء طهر المواقعة او كونها في حالة حيض او نفاس.

١٥ ـ واما الاحتياط باعتبار مضي شهر‌ فلموثق ابن سماعة : «سألت محمد بن ابي حمزة متى يطلق الغائب؟ فقال : حدثني اسحاق بن عمار او روى اسحاق بن عمار عن ابي عبد الله عليه‌السلام او ابي الحسن عليه‌السلام قال : اذا مضى له شهر» (٢).

وانما كان الحكم بنحو الاحتياط دون الفتوى باعتبار ان لسان الروايات السابقة : «خمس يطلقهن ازواجهن متى شاءوا ...» يأبى التقييد ، فانه لو كان مضي الشهر معتبرا لم يكن للغائب الطلاق متى شاء.

ومن القريب جدا ان يكون اعتبار مضي الشهر من باب انه الفترة التي يحرز فيها عادة بالانتقال من طهر إلى آخر. ويترتب على ذلك انه‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٥ : ٣٠٦ الباب ٢٥ من أبواب مقدمات الطلاق.

(٢) وسائل الشيعة ١٥ : ٣٠٨ الباب ٢٦ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ٥.

٣٩٨

لو تمّ الاحراز قبل مضي الفترة المذكورة كان ذلك كافيا للحكم بصحة الطلاق.

ولكن مع ذلك كله يبقى الاحتياط باعتبار مضي الشهر حتى مع تحقق الاحراز قبله امرا وجيها.

١٦ ـ واما احوطية اعتبار مضي ثلاثة أشهر‌ فلموثقة اسحاق بن عمار الاخرى : «قلت لأبي ابراهيم عليه‌السلام : الغائب الذي يطلّق اهله كم غيبته؟ قال : خمسة أشهر ، ستة أشهر. قال : حدّ دون ذا قال : ثلاثة أشهر» (١) ، فان ظاهرها وان كان يقتضي الالزام بمضي ثلاثة أشهر الا انه لا بدّ من رفع اليد عن ذلك لعدم احتمال ان مضي المدة المذكورة معتبر حتى مع الجزم بالانتقال من طهر الى آخر ، فان حال الغائب ليست أسوأ من حال الحاضر.

وعليه فمع الجزم بالانتقال لا يعتبر مضي ثلاثة أشهر وان كان ذلك أحوط حفاظا على العمل بظاهر الموثقة.

١٧ ـ واما ان الحاضر بحكم الغائب اذا لم يمكنه معرفة حال زوجته‌ فلما تقدم من عدم احتمال ان تكون لغيبة المطلّق موضوعية بل الخصوصية لعدم امكان معرفة حال الزوجة الملازم عادة للغيبة. وعليه فيسري حكم الغيبة إلى الحضور الذي هو بمنزلتها.

ومما يدل على ذلك أيضا صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج : «سألت ابا الحسن عليه‌السلام عن رجل تزوج امرأة سرا من اهلها وهي في منزل اهله وقد اراد ان يطلقها وليس يصل اليها فيعلم طمثها اذا طمثت‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٥ : ٣٠٨ الباب ٢٦ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ٨.

٣٩٩

ولا يعلم بطهرها اذا طهرت فقال : هذا مثل الغائب عن اهله يطلّق بالاهلة والشهور ...» (١).

١٨ ـ واما استثناء الحامل المستبين حملها‌ فهو لما تقدم من الروايات الواردة بلسان : «خمس يطلقهن ازواجهن متى شاءوا : الحامل المستبين حملها ...».

واما انه يصح طلاقها حتى اذا لم تكن على طهر أو كانت في طهر المواقعة فللتقريبات الثلاثة المتقدمة في الرقم ١٣.

١٩ ـ واما استثناء غير المدخول بها والصغيرة واليائس‌ فللروايات المتقدمة نفسها.

واذا قيل : لم نحمل فقرة «والجارية التي لم تحض» على خصوص الصغيرة ولا نحملها على مطلق الجارية التي لا تحيض ولو كانت في سن من تحيض ، كما هو المنسوب إلى شرح النافع (٢)؟

قلنا : ان الوارد في الفقرة المتقدمة : «والجارية التي لم تحض» لا «والجارية التي لا تحيض» ، والتعبير المذكور ظاهر في الجارية التي لم يحن وقت حيضها.

هذا مضافا الى ان الوارد في بعض روايات المسألة : «والتي لم تبلغ المحيض» (٣) ، وهو صريح في المدعى.

٢٠ ـ واما ان المسترابة يجوز طلاقها بعد مضي ثلاثة أشهر من المواقعة الاخيرة‌ فلم ينسب فيه الخلاف لأحد. ويدل عليه صحيح‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٥ : ٣١٠ الباب ٢٨ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ١.

(٢) الحدائق الناضرة ٢٥ : ١٧٩.

(٣) وسائل الشيعة ١٥ : ٣٠٦ الباب ٢٥ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ٥.

٤٠٠