دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي على المذهب الجعفري - ج ٢

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي على المذهب الجعفري - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الفقه للطباعة والنشر
المطبعة: برهان
الطبعة: ٢
ISBN: 964-499-036-6
ISBN الدورة:
964-499-048-X

الصفحات: ٥٩١

الحقوق لأصحابها.

واما استثناء دار السكن ونحوها فلصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «لا تباع الدار ولا الجارية في الدين ، ذلك انه لا بدّ للرجل من ظل يسكنه وخادم يخدمه» (١) وغيرها ، فان موردها وان كان خاصا بالدار والجارية الا ان مقتضى التعليل التعدي إلى غيرهما من الاشياء التي لا بدّ منها في حياة الإنسان.

١١ ـ واما عدم جواز المطالبة مع الاعسار‌ فلقوله تعالى : (وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ) (٢).

١٢ ـ واما حلول الاجل بموت المدين‌ فلموثقة السكوني عن جعفر عن أبيه عليهما السّلام : «إذا كان على الرجل دين إلى أجل ومات الرجل حلّ الدين» (٣) وغيرها.

واما عدم حلولها بموت الدائن فلان الحلول بالموت حكم على خلاف القاعدة فيقتصر فيه على مورد النص.

هذا مضافا إلى انه قد يفهم ذلك من الموثقة ، باعتبار تخصيصها حلول الاجل بموت المدين.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٣ : ٩٥ الباب ١١ من أبواب الدين الحديث ١.

(٢) البقرة : ٢٨٠.

(٣) وسائل الشيعة ١٣ : ٩٧ الباب ١٢ من أبواب الدين الحديث ٣.

٢٤١
٢٤٢

كتاب الرّهن‌

١ ـ حقيقة الرهن‌

٢ ـ شرائط صحة الرهن‌

٣ ـ من أحكام الرهن‌

٢٤٣
٢٤٤

١ ـ حقيقة الرهن‌

الرهن عقد يتضمن جعل مال وثيقة للتأمين على دين أو عين مضمونة.

وهو مشروع بلا اشكال.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما ان الرهن عقد ويتضمن ما ذكر‌ فهو من الواضحات. والفهم العرفي خير شاهد عليه.

٢ ـ واما صحة جعل الرهن وثيقة على العين المضمونة أيضا ـ كالعين المغصوبة إذا طالب صاحبها الغاصب أو غيره ضمن عقد لازم بالرهن عليها‌ ـ فلإطلاق ما يأتي من دليل مشروعية الرهن.

٣ ـ واما ان الرهن مشروع‌ فهو من ضروريات الإسلام. ويدل على ذلك الكتاب الكريم : (وَإِنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ) (١) ، والروايات الكثيرة ، كصحيحة محمد بن مسلم عن‌

__________________

(١) البقرة : ٢٨٣.

٢٤٥

احدهما عليهما السّلام : «سألته عن السلم في الحيوان وفي الطعام ويؤخذ الرهن ، فقال : نعم استوثق من مالك ما استطعت. قال : وسألته عن الرهن والكفيل في بيع النسية ، فقال : لا بأس» (١) وغيرها.

والقول باختصاص مشروعية الرهن بحالة السفر تمسكا بالآية الكريمة ضعيف ، فان ذكر السفر مبني على الغالب من عدم تواجد الكاتب فيه ، وهو كذكره في قوله تعالى : (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ) ... (فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا) (٢). على انه يكفينا اطلاق السنة الشريفة.

وعليه فما ينسب إلى بعض العامة من عدم جواز الارتهان في الحضر (٣) لا وجه له خصوصا وان لازم التمسك بالآية الكريمة لاعتبار السفر اشتراط فقدان الكاتب للدين في مشروعية الرهن عليه ، وهو غير محتمل ولم يقل به القائل المذكور.

٢ ـ شرائط صحّة الرهن‌

يشترط لصحّة الرهن توفر :

١ ـ الايجاب من الراهن والقبول من المرتهن بكل ما يدل عليهما ولو بالمعاطاة.

٢ ـ البلوغ والعقل والقصد والاختيار في الراهن والمرتهن. وعدم الحجر‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٣ : ١٢١ الباب ١ من أبواب أحكام الرهن الحديث ٥.

(٢) النساء : ٤٣.

(٣) جواهر الكلام ٢٥ : ٩٨.

٢٤٦

على الراهن لسفه أو فلس.

٣ ـ كون المرهون عينا مملوكة يجوز بيعها وشراؤها ، فلا يصح رهن الدين ولا المنفعة ولا مثل الخمر ولا مثل الطير في الهواء والوقف ولو كان خاصا.

٤ ـ كون ما يرهن عليه دينا ثابتا في الذمة لفعلية سببه من اقتراض أو اسلاف مال أو شراء نسية فلا يصح الرهن على ما سيقترض أو على ثمن ما سيشترى ونحو ذلك.

٥ ـ قبض المرتهن للعين المرهونة حدوثا ولا تلزم استدامة ذلك.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما اعتبار الايجاب والقبول في تحقّق الرهن‌ فهو مقتضى كونه عقدا.

واما الاكتفاء بكل ما يدل عليهما ولو بالمعاطاة فلانه بعد صدق عنوان الرهن يصح التمسك باطلاق دليل مشروعيته.

٢ ـ واما اعتبار البلوغ وما بعده‌ فلان ذلك من الشرائط العامة في كل عقد.

واما اعتبار عدم الحجر على الراهن فلان السفيه والمفلس لا يصح منهما التصرّف في أموالهما.

واما عدم اعتبار ذلك في المرتهن فلانه بالرهن لا يتصرف في ماله.

٣ ـ واما اعتبار كون المرهون عينا‌ فلان الدين لا يمكن تحقق القبض فيه ، وهو شرط في صحة الرهن كما سيأتي.

بل لا يصح تعلق الرهن بالدين حتى بناء على انكار شرطية القبض باعتبار ان الغرض من الرهن ـ وهو الاستيثاق ـ

٢٤٧

لا يتحقق بالدين.

واما عدم صحة تعلقه بالمنفعة فلانه لو تصورنا فيها تحقق القبض فيمكن ان يقال : هي من الموجودات المتصرمة تدريجا وليست موجودا قارّا ليمكن ان تكون وثيقة على الدين.

واما اعتبار كون المرهون أمرا مملوكا فلان غير القابل للملك في نفسه ـ كالخمر ـ أو غير المتصف به بالفعل لا يحصل به الاستيثاق.

ومنه يتضح الوجه في اعتبار كون العين المرهونة أمرا صالحا للبيع والشراء ولا يكفي أن تكون مثل الطير في الهواء أو الوقف.

٤ ـ واما اعتبار ثبوت الدين في الذمة حالة العقد‌ فلان الرهن وثيقة على مال المرتهن الذي هو ثابت في ذمة الغير ، فقبل ثبوت الدين في الذمة لا يصدق الرهن والاستيثاق. ولا أقلّ من الشك في اعتبار ذلك ، وهو كاف لجريان استصحاب عدم ترتب الاثر بعد عدم جواز التمسك باطلاق دليل المشروعية لكون المورد شبهة مصداقية.

٥ ـ واما اعتبار القبض في صحة الرهن‌ فمحل خلاف. ومقتضى القاعدة عدم اعتباره تمسكا باطلاق دليل شرعيته.

ودعوى ان عنوانه لا يصدق الا بالقبض غير مقبولة.

والمناسب اعتباره لا لأجل التقييد به في الآية الكريمة ـ فان ذكره فيها هو من جهة انها بصدد بيان طريقة للاستيثاق على الدين ، وذلك لا يتحقق بمجرد الارتهان من دون قبض وليست بصدد بيان شرطية ذلك لتحقّق الارتهان شرعا ، على ان السياق يلوح عليه بوضوح كونه في صدد الارشاد إلى جملة من الآداب والسنن ـ بل لقوله عليه‌السلام في‌

٢٤٨

صحيحة محمد بن قيس : «لا رهن الا مقبوضا» (١).

وما أفاده صاحب الجواهر قدس‌سره من احتمال ان يكون ذكر القبض لا من باب الشرطية بل لأنه بدونه لا يحصل الاطمئنان والاستيثاق خصوصا وان المنفي هو العين المرهونة لا العقد الذي هو القابل للاتصاف بالصحة والفساد (٢) كما ترى.

٦ ـ واما عدم لزوم استدامة القبض‌ فلانه لا يظهر من صحيحة محمد بن قيس اعتبار ذلك ، وهي مجملة من الجهة المذكورة فيرجع لنفي احتمال اعتبار الاستدامة إلى اطلاق ادلة شرعية الرهن لقاعدة ان العام إذا خصص بمجمل مفهوما فيقتصر في تخصيصه على القدر المتيقن لبقاء الظهور في العموم على الحجية فيما زاد عليه بلا معارض.

٣ ـ من احكام الرهن‌

لا يلزم في العين المرهونة أن تكون ملكا لمن عليه الدين بل يصح رهن ملك الغير إذا استعير لذلك.

والرهن لازم من جهة الراهن فلا يصح له التراجع عنه الا برضا المرتهن أو ايفائه الدين.

ويجوز لمالك العين المرهونة التصرّف فيها بما لا يتنافى والاستيثاق ـ كركوب الحيوان إذا كان رهنا ـ واما ما يتنافى ـ مثل بيع الحيوان أو ذبحه ـ فلا يجوز الا اذا اذن المرتهن به. واما المرتهن فلا يجوز له التصرف‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٣ : ١٢٣ الباب ٣ من أحكام الرهن الحديث ١.

(٢) جواهر الكلام ٢٥ : ١٠٤.

٢٤٩

مطلقا الا باذن المالك.

وإذا حلّ موعد الدين وطالب به المرتهن ولم يؤد فلا يجوز له بيع العين المرهونة واستيفاء دينه منها الا إذا كان وكيلا في ذلك من البداية أو اذن له مالكها فيما بعد. واذا لم يكن وكيلا عنه ولم يأذن له في ذلك بعد طلبه منه جاز له البيع. ويبقى الفاضل على مقدار الدين ـ ان كان ـ أمانة بيده.

ولا يضمن المرتهن العين المرهونة إذا تلفت أو تعيبت ما دام لم يتحقق منه التعدي او التفريط ، ومن ثمّ يرجع بتمام ماله الذي يستحقه على الراهن ولا ينقص منه شي‌ء.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما عدم لزوم كون العين المرهونة ملكا للراهن وكفاية اذن مالكها في رهنها‌ فلإطلاق دليل شرعية الرهن.

٢ ـ واما لزوم الرهن من طرف الراهن‌ فلأصالة اللزوم في مطلق العقود التي تقدم مستندها في مبحث البيع.

على ان الغرض من الرهن وهو الاستيثاق لا يتأتى مع الجواز من طرف الراهن.

٣ ـ واما جواز تصرف مالك العين المرهونة فيها بما لا يتنافى والاستيثاق‌ فلانه مالك ، ولا موجب لمنعه بعد عدم كون تصرفه منافيا للاستيثاق.

ويؤكد ذلك صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام : «رجل رهن جاريته قوما أيحل له أن يطأها؟ فقال : ان الذين ارتهنوها يحولون بينه وبينها ، قلت : أرأيت ان قدر عليها خاليا؟ قال :

٢٥٠

نعم لا أرى به بأسا» (١).

واما ما يروى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من ان «الراهن والمرتهن ممنوعان من التصرف في الرهن» (٢) فضعيف السند ، فان ابن أبي جمهور قد رواه في درر اللآلي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مرسلا.

وبهذا يتضح ان تأكيد صاحب الجواهر على عدم جواز تصرّف الراهن بشتى أشكاله استنادا إلى الحديث المتقدم والى التنافي بين الاستيثاق المأخوذ في مفهوم الرهن وبين جواز التصرّف (٣) قابل للتأمّل.

٤ ـ واما عدم جواز تصرف المرتهن في العين المرهونة بشكل مطلق‌ فلان ذلك مقتضى عدم جواز التصرف في مال الغير بدون اذنه.

٥ ـ واما عدم جواز بيع المرتهن العين المرهونة إذا حلّ وقت المطالبة ولم يسدد الدين‌ فلأنها ملك للغير ، ولا يجوز التصرف فيه من دون اذنه.

وجعلها وثيقة على الدين لا يلازم تجويز بيعها لاستيفاء الدين لعدم انحصار الاستيفاء بذلك بل يمكن ذلك بتصدي الراهن نفسه للبيع.

نعم مع افتراض كسب الوكالة في البيع مسبقا لا يعود اشكال في البيع ولو من دون استئذان.

٦ ـ واما انه يجوز للمرتهن البيع عند افتراض عدم الوكالة والاذن‌ فمن جهة ان التعاقد على الرهن يستبطن التعاقد على ان يكون للمرتهن‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٣ : ١٣٣ الباب ١١ من أحكام الرهن الحديث ١.

(٢) مستدرك الوسائل ١٣ : ٤٢٦.

(٣) جواهر الكلام ٢٥ : ١٩٥.

٢٥١

الحق في البيع لاستيفاء حقه مع عدم تصدي الراهن نفسه للبيع ولا اذنه فيه.

وقيل بان النوبة لا تصل الى المرتهن ما دام يمكن للحاكم الشرعي التصدي لذلك فانه صاحب الولاية على الممتنع ، واذا لم يمكن للحاكم التصدي لسبب وآخر فآنذاك تصل النوبة إلى المرتهن.

وهو جيد ان لم نفترض تمامية ما أشرنا إليه من التعاقد المستبطن.

٧ ـ واما عدم ضمان المرتهن تلف العين المرهونة وتعيبها من دون تعدّ وتفريط‌

فلان ذلك مقتضى كون يده يد امانة.

وتؤكد ذلك الروايات الكثيرة ، كصحيحة جميل بن دراج : «قال أبو عبد الله عليه‌السلام في رجل رهن عند رجل رهنا فضاع الرهن : هو من مال الراهن ويرجع المرتهن عليه بماله» (١) وغيرها.

هذا ويوجد في مقابل الروايات المذكورة روايات اخرى تدل على ضمان المرتهن وانه ينقص مما له على الراهن بمقداره ، كموثقة ابن بكير : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام في الرهن فقال : ان كان أكثر من مال المرتهن فهلك ان يؤدي الفضل إلى صاحب الرهن ، وان كان أقل من ماله فهلك الرهن أدّى إليه صاحبه فضل ماله ، وان كان الرهن سواء فليس عليه شي‌ء» (٢) وغيرها.

ويمكن الجمع بحمل الأولى على صورة عدم التفريط والثانية على صورة التفريط.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٣ : ١٢٥ الباب ٥ من أبواب أحكام الرهن الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٣ : ١٢٩ الباب ٧ من أبواب أحكام الرهن الحديث ٣.

٢٥٢

ومما يؤيّد ذلك موثقة إسحاق بن عمار : «سألت أبا إبراهيم عليه‌السلام عن الرجل يرهن الرهن بمائة درهم وهو يساوي ثلاثمائة درهم فيهلك ، أعلى الرجل ان يرد على صاحبه مائتي درهم؟ قال : نعم لأنه اخذ رهنا فيه فضل وضيّعه. قلت : فهلك نصف الرهن قال : على حساب ذلك. قلت : فيترادّان الفضل؟ قال : نعم» (١).

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٣ : ١٢٩ الباب ٧ من أبواب أحكام الرهن الحديث ٢.

٢٥٣
٢٥٤

كتاب الهبة‌

١ ـ حقيقة الهبة‌

٢ ـ من أحكام الهبة‌

٢٥٥
٢٥٦

١ ـ حقيقة الهبة‌

الهبة عقد يتضمّن تمليك عين بلا عوض.

وشرعيتها واضحة.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما ان الهبة عقد‌ فأمر متسالم عليه. وتدل عليه قاعدة سلطنة الانسان على نفسه وأمواله ، فان خروج المال من الواهب بدون رضاه أمر على خلاف سلطنته على أمواله ، ودخوله في ملك الموهوب له بدون موافقته أمر على خلاف سلطنته على نفسه.

وأيضا انعقاد سيرة العقلاء على احتياجها إلى الايجاب والقبول شاهد يصلح التمسك به في المقام بعد فرض امضائها المستكشف بسبب عدم الردع.

٢ ـ واما تضمن عقدها التمليك بلا عوض‌ فهو من الواضحات. وفهم العرف خير دليل عليه.

ولا يشكل عليه بخروج الهبة المعوضة بالرغم من كونها أحد‌

٢٥٧

فردي الهبة ، فان العوض فيها ليس في مقابل العين الموهوبة وعوضا عنها بل التمليك فيها مجاني لكنه مشروط بتمليك مجاني آخر.

والفرق بينها وبين الهدية والصدقة مع ان الاخيرتين هما تمليك مجاني أيضا هو ان الهدية تمليك مجاني بقصد التكريم والتعظيم ، والصدقة تمليك مجاني بقصد القربة ، بخلاف الهبة فانها تمليك مجاني ملحوظ لا بشرط من ناحية القصدين المذكورين فتكون أعمّ منهما أو بشرط لا فتكون مباينة لهما.

٣ ـ واما شرعيتها‌ فأمر بديهي ، كيف وقد جرت عليها سيرة العقلاء الممضاة بعدم الردع ، وسيرة المتشرّعة ، بل وسيرة أهل بيت العصمة بما في ذلك جدّهم صلوات الله عليهم أجمعين.

وما انحال الرسول الاعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فدكا لبضعته الطاهرة عليها‌السلام الا عبارة اخرى عن الهبة ، فانهما واحد ، غايته لوحظ في الإنحال تعلقه بالارحام.

والروايات الدالة على شرعيتها كثيرة. وسيأتي بعضها فيما بعد إن شاء الله تعالى.

بل قد يستفاد ذلك من قوله تعالى : (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْ‌ءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً) (١) ، وقوله : (وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً) (٢) بعد عدم اختصاص الايتاء بالمهر.

__________________

(١) النساء : ٤.

(٢) البقرة : ٢٢٩.

٢٥٨

٢ ـ من أحكام الهبة‌

لا تتحقّق الهبة الا بايجاب من الواهب وقبول من الموهوب له بكل ما يدل عليهما ولو بالمعاطاة.

ويلزم ان يتوفر في الواهب البلوغ والعقل والقصد والاختيار وعدم الحجر لسفه أو فلس.

ويعتبر القبض في صحّة الهبة وان يكون عن اذن الواهب الا في هبة ما في يد الغير له.

ولا تلزم فيه الفورية ولا كونه في مجلس العقد.

ويلزم في الموهوب ان يكون عينا فلا تصح هبة المنافع. واما الدين فتصح هبته على غير من هو عليه دون من هو عليه.

والهبة عقد جائز يصح فيها الرجوع الا إذا كانت معوضة ، أو لذي رحم ، أو قصد بها القربة ، أو فرض تحقق التلف أو التصرف الذي لا يصدق معه قيام العين بعينها.

ولا يلزم في صحّة الرجوع عن الهبة ان يكون امام الموهوب له.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما توقف تحقق الهبة على الايجاب والقبول‌ فلأن ذلك مقتضى كونها عقدا.

واما الاكتفاء بكل ما يدل عليهما ولو بالمعاطاة فلإطلاق أدلة مشروعيتها.

٢ ـ واما انه يعتبر في الواهب البلوغ وما بعده‌ فلان الهبة عقد‌

٢٥٩

وتصرف في المال ، وكلاهما مشروط بما ذكر.

واما انه لا يعتبر ذلك في الموهوب له فلصحة الهبة إلى الصبي والمجنون والمحجور عليه بالضرورة ، غايته يلزم في الاولين نيابة الولي عنهما في القبول.

٣ ـ واما توقف صحة الهبة على القبض‌ فهو المشهور. وتدل عليه صحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «الهبة لا تكون أبدا هبة حتى يقبضها» (١) وغيرها.

وقد يقال : توجد في المقابل صحيحة أبي المعزا أو أبي بصير : «قال أبو عبد الله عليه‌السلام : الهبة جائزة قبضت أو لم تقبض قسّمت أو لم تقسّم. والنحل لا تجوز حتى تقبض» (٢) ، فانها تدل على صحة الهبة قبل تحقق القبض سواء فسر الجواز باللزوم ـ كما هو الظاهر ـ أم بالصحة.

والجواب : ان النتيجة لا تتغيّر ، فان الطائفتين حيث يتعذر الجمع العرفي بينهما تتساقطان ويلزم الرجوع إلى الاصل ، وهو يقتضي عدم ترتب الأثر قبل القبض.

وإذا قيل : لا تصل النوبة إلى الأصل لوجود المرجح للطائفة الثانية ، وهو موافقتها للكتاب العزيز (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (٣) الدال على ترتب الأثر بمجرّد العقد.

قلنا : ان الكتاب العزيز يدل على لزوم الهبة قبل القبض وهو مخالف لكلتا الطائفتين ، ومعه كيف يمكن الترجيح به ، فان ما هو مفاده‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٣ : ٣٣٦ الباب ٤ من أحكام الهبات الحديث ٧.

(٢) وسائل الشيعة ١٣ : ٣٣٥ الباب ٤ من أحكام الهبات الحديث ٤.

(٣) المائدة : ١.

٢٦٠