دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي على المذهب الجعفري - ج ٢

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي على المذهب الجعفري - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الفقه للطباعة والنشر
المطبعة: برهان
الطبعة: ٢
ISBN: 964-499-036-6
ISBN الدورة:
964-499-048-X

الصفحات: ٥٩١

١ ـ حقيقة الحوالة‌

الحوالة معاملة تتضمن نقل المدين ما في ذمته من دين إلى ذمة غيره باحالة الدائن عليه.

وهي مشروعة جزما.

والمعروف كونها عقدا خلافا لبعض المتأخرين حيث اختار كونها ايقاعا.

وهي متقومة بطرفين : المحيل والمحال دون المحال عليه.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما ان معنى الحوالة ما ذكر‌ فهو من بديهيات الفقه.

والفرق بينها وبين الضمان ـ المتضمن أيضا لنقل ما في ذمة إلى ذمة اخرى ـ ان الحوالة معاملة بين المدين والدائن ، حيث ينقل الاول ما في ذمته إلى ذمة غيره بخلاف الضمان ، فانه معاملة بين الدائن والاجنبي ، حيث ينقل الثاني ما في ذمة المدين إلى ذمته.

٢ ـ واما انها مشروعة‌ فأمر متسالم عليه.

ويمكن الاستدلال لذلك بالسيرة العقلائية الممضاة بعدم الردع ،

١٨١

وبعموم قوله تعالى : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (١) ، وبالروايات الخاصة ، كصحيحة ابي أيوب عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «الرجل يحيل الرجل بالمال أيرجع عليه؟ قال : لا يرجع عليه أبدا الا ان يكون قد أفلس قبل ذلك» (٢) وغيرها.

٣ ـ واما انها عقد‌ فلتضمنها تصرفا في مال المحتال الذي هو تحت سلطانه وفي ذمة المحال عليه التي هي تحت سلطانه فيلزم قبولهما ، ولا يكفي إنشاء المحيل فقط لتكون ايقاعا.

واما كونها ايقاعا فقد اختاره السيد اليزدي قدس‌سره ، حيث قال : «الذي يقوى عندي كونها من الايقاع غاية الامر اعتبار الرضا من المحتال أو منه ومن المحال عليه ، ومجرد هذا لا يصيّره عقدا ، وذلك لأنها نوع من وفاء الدين وان كانت توجب انتقال الدين من ذمته إلى ذمة المحال عليه ، فهذا النقل والانتقال نوع من الوفاء وهو لا يكون عقدا وان احتاج إلى الرضا من الآخر ، كما في الوفاء بغير الجنس ، فانه يعتبر فيه رضا الدائن ومع ذلك ايقاع» (٣).

وما أفاده يمكن التأمل فيه باعتبار ان الحوالة تتضمن نقلا للدين من ذمة إلى اخرى فكيف تكون وفاء.

__________________

(١) المائدة : ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٣ : ١٥٨ الباب ١١ من أبواب أحكام الضمان الحديث ١.

والمراد : أيرجع المحال على المحيل؟ قال : لا ، الا اذا اتضح ان المحال عليه كان قد حصل له الفلس قبل الحوالة. هذا هو المقصود وان كان تعبير الصحيحة قد يوهم كون المقصود : الا ان يكون المحيل قد افلس قبل ذلك ، ولكنه غير مقصود جزما لعدم مدخلية افلاس المحيل في جواز الرجوع عليه. هذا مضافا الى ان الاصحاب لم يفهموا الا ما اشرنا اليه.

(٣) العروة الوثقى ، كتاب الحوالة ، الشرط ١ من شروط الحوالة.

١٨٢

ومع التنزل والتسليم بكونها كالوفاء بغير الجنس فذلك لا يوجب كونها ايقاعا لان كون المقيس عليه من قبيل الايقاع اول الكلام بل هو عقد لكونه معاوضة بين الدين والجنس الآخر.

٤ ـ واما تقوّمها بالمحيل والمحتال فقط‌ فلان المحال عليه وان اعتبر رضاه اما مطلقا أو فيما إذا كان بريئا أو كانت الحوالة بغير الجنس الا ان ذلك لا يصيّره من أركان العقد ، فان مجرد اشتراط رضاه لا يدل على كونه طرفا وركنا ، كما هو الحال في رضا المالك في عقد الفضولي.

وقيل باحتمال اعتبار قبوله على حدّ اعتبار قبول المحال فيكون العقد مركبا من ايجاب وقبولين. ولكنه بعيد.

والثمرة بين اعتبار قبوله بنحو الركنية وبين اعتباره لا بنحوها انه على الاول يعتبر في قبوله ما يعتبر في الايجاب والقبول من الموالاة ونحوها بخلافه على الثاني.

٢ ـ شرائط الحوالة‌

يلزم في صحة الحوالة توفر :

١ ـ الايجاب من المحيل والقبول من المحتال بكل ما يدل عليهما.

٢ ـ البلوغ والعقل والاختيار وعدم الحجر لفلس أو سفه في المحيل والمحتال الا في الحوالة على البري‌ء فلا يعتبر عدم الحجر في المحيل.

واما المحال عليه فلا يعتبر فيه شي‌ء من ذلك الا إذا كانت الحوالة على البري‌ء أو بغير الجنس.

١٨٣

٣ ـ التنجيز على المشهور.

٤ ـ ثبوت الدين في ذمة المحيل فلا يصح في غير الثابت ولو مع تحقق سببه ، كمال الجعالة قبل العمل فضلا عما إذا لم يتحقق سببه ، كالحوالة بما سيقترضه.

٥ ـ عدم تردد المال المحال فلا تصح الحوالة بأحد الدينين من دون تعيين.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما اعتبار الايجاب والقبول في الحوالة‌ فلأنها عقد. واحتمال كونها ايقاعا ضعيف على ما تقدم.

كما تقدم ان رضا المحال عليه لو اعتبرناه فهو ليس على حدّ القبول الركني بل على حدّ رضا المالك في عقد الفضولي.

واما الاكتفاء بكل ما يدل على الايجاب والقبول فقد تقدم وجهه عند البحث عن الضمان وغيره.

٢ ـ واما اعتبار البلوغ وما بعده في المحيل والمحال‌ فلان نقل الدين والتصرف فيه قائم بهما فيلزم فيهما ما ذكر.

٣ ـ واما انه في الحوالة على البري‌ء لا يلزم عدم الحجر في المحيل‌ فلانه لا يملك شيئا في ذمة المحال عليه ليمنع من التصرف فيه بل ما يصدر منه هو اشغال لذمة الغير بما ثبت في ذمته هو.

اجل يعتبر فيه البلوغ والعقل والاختيار لعدم الاثر لعقد الصغير والمجنون والمكره.

٤ ـ واما ان المحال عليه لا يعتبر فيه شي‌ء من ذلك‌ فلوضوح ان لمن يملك المال في ذمة الصغير والمجنون ومن لم يرض بالحوالة ، الحقّ في تمليكه لغيره ونقله إليه. بالرغم من فرض الصغر والجنون‌

١٨٤

وعدم الرضا. وسيأتي ـ ان شاء الله تعالى ـ توضيح ذلك ثانية تحت عنوان «من احكام الحوالة».

واما اعتبار ذلك فيه إذا كان بري‌ء الذمة أو كانت الحوالة بغير الجنس فلانه بالحوالة يحصل تصرف في ذمته فلا بدّ من بلوغه وعقله واختياره وعدم سفهه.

اجل لا يعتبر عدم فلسه إذا كان بري‌ء الذمة لجواز اشغال المفلس ذمته بخلاف السفيه فانه ليس له اشغال ذمته بدون اذن وليه.

٥ ـ وأما التنجيز‌ فلا مستند لاعتباره سوى الاجماع فان تمّ وكان كاشفا عن رأي المعصوم عليه‌السلام أخذنا به والا فلا وجه لاعتباره الا على مستوى الاحتياط.

٦ ـ واما اعتبار ثبوت الدين في ذمة المحيل‌ فلان الحوالة نقل من المحيل الدين الثابت في ذمته الى ذمة اخرى ، والمعدوم لا يقبل النقل.

٧ ـ واما اعتبار تعيّن المحال‌ فلان المردد لا تحقق له ليمكن نقله من ذمة الى اخرى.

٣ ـ من أحكام الحوالة‌

يعتبر في صحة الحوالة موافقة المحيل والمحال دون المحال عليه الا إذا كانت على البري‌ء أو بغير الجنس. وقيل باعتبار رضاه مطلقا.

وهي لازمة لا يجوز فسخها بدون التراضي الا إذا اتضح كونها على مفلس.

ويجوز اشتراط الفسخ لكل واحد من الثلاثة.

وبتحققها تبرأ ذمة المحيل وان لم يبرئه المحال وتشتغل ذمة المحال عليه‌

١٨٥

للمحال وتبرأ من اشتغالها للمحيل ان كانت الحوالة من الجنس نفسه وبمقدار مساو.

وإذا قضى المحيل الدين بعد تمامية الحوالة تبرأ بذلك ذمة المحال عليه وجاز للمحيل الرجوع عليه ان كان ذلك بطلب منه.

ويجوز الترامي في الحوالة بل والدور فيها.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما اعتبار موافقة المحيل والمحال في صحة الحوالة‌ فلأنها تتضمن نقل المحيل الدين الثابت في ذمته للمحال فيتوقف على رضاهما.

واما عدم اعتبار رضا المحال عليه فلان المال ملك للمحيل فله نقله إلى أي ذمة شاء.

ودعوى اعتبار رضاه لاختلاف الناس في كيفية الاقتضاء سهولة وصعوبة مدفوعة بعدم الدليل على اعتبار تساوي الطرفين في كيفية الاقتضاء في صحة النقل ، ولذا يصح بيع الدين وان لم يرض المدين بالرغم من اختلاف المشتري في الاقتضاء سهولة وصعوبة.

٢ ـ واما استثناء حالة الحوالة على البري‌ء أو بغير الجنس‌ فلعدم ثبوت السلطنة للمحيل على اشغال الذمة البريئة رأسا أو من الجنس الخاص.

٣ ـ واما وجه القول باعتبار رضا المحال عليه مطلقا‌ فقد اتضح مع جوابه.

٤ ـ واما ان الحوالة لازمة‌ فلأصالة اللزوم في كل عقد. مضافا إلى دلالة صحيحة ابي ايوب المتقدمة عليه فراجع.

١٨٦

واما استثناء الحوالة على المفلس فللصحيحة نفسها.

٥ ـ واما جواز اشتراط خيار الفسخ للثلاثة‌ فلان الحوالة وان كانت لازمة الا ان لزومها ليس حكميا بل حقي ، ومعه فيمكن التمسك بعموم قوله عليه‌السلام : «المسلمون عند شروطهم» (١).

٦ ـ واما براءة ذمة المحيل بمجرد تحقق الحوالة ولو مع عدم ابراء المحال‌ فللصحيحة المتقدمة.

وقد يقال بالتوقف على ابراء المحال لصحيحة زرارة عن أحدهما عليهما السّلام : «الرجل يحيل الرجل بمال كان له على رجل آخر فيقول له الذي احتال : برئت مما لي عليك ، فقال : إذا ابرأه فليس له ان يرجع عليه ، وان لم يبرئه فله ان يرجع على الذي احاله» (٢).

والجواب : ان الصحيحة المذكورة معارضة بالصحيحة السابقة الدالة على تحقق البراءة بالحوالة الا مع اتضاح كونها حوالة على مفلس ، ولصراحة الثانية فيما تدل عليه يلزم حمل الاولى على بعض المحامل ـ تطبيقا لقاعدة متى ما اجتمع النص والظاهر تصرف في الثاني بقرينة الاول ـ من قبيل ان يقال : ان المقصود من الابراء هو قبول الحوالة دون الابراء نفسه ، فيراد بقوله عليه‌السلام : «إذا ابرأه فليس ...» : إذا قبل المحال الحوالة فليس له الرجوع على المحيل.

٧ ـ واما انه بعد تحقق الحوالة تشتغل ذمة المحال عليه للمحال وتبرأ من اشتغالها للمحيل‌ فلانه بعد اشتغالها للمحال ـ الذي هو لازم براءة ذمة المحيل من دين المحال ـ يلزم براءتها من الاشتغال للمحيل‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٢ : ٣٥٣ الباب ٦ من أبواب الخيار الحديث ٢.

(٢) وسائل الشيعة ١٣ : ١٥٨ الباب ١١ من أحكام الضمان الحديث ٢.

١٨٧

لعدم احتمال اشتغالها لاثنين.

٨ ـ واما براءة ذمة المحال عليه بقضاء المحيل للدين مع جواز رجوعه إليه ان لم يكن تبرعا‌ فلانه كقضاء شخص اجنبي آخر الدين الذي حكمه براءة ذمة المدين وجواز رجوع الاجنبي عليه ان لم يكن ذلك تبرعا ، وواضح ان المحيل بعد تحقق الحوالة يصبح أجنبيا لبراءة ذمته.

٩ ـ واما جواز الترامي والدور في الحوالة‌ فلإطلاق أدلة مشروعيتها.

٤ ـ الكفالة وبعض أحكامها‌

الكفالة ـ وهي التعهد باحضار المدين وتسليمه إلى الدائن عند طلبه ذلك ـ مشروعة ، ولكنها مكروهة.

ويعتبر فيها الايجاب من الكفيل بكل ما يدل على تعهده والتزامه والقبول من المكفول له بكل ما يدل عليه. وفي اعتبار رضا المكفول خلاف.

ومتى لم يحضر الكفيل المكفول في الموعد المقرر حبس حتى يحضره أو يؤدي ما عليه.

ومن حق الكفيل ـ إذا ادى ما على المكفول ـ الرجوع عليه ان كان الاداء بطلب منه.

ويلزم الكفيل التشبث بكل وسيلة مشروعة لإحضار المكفول.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما ان معنى الكفالة ما ذكر‌ فمن الواضحات ، فاذا اراد شخص الاقتراض فمن حق المقرض طلب الكفيل من المقترض ليقوم باحضاره‌

١٨٨

في الموعد المقرر. وهكذا من باع شيئا وخاف من المشتري عدم احضاره الثمن فان من حقه طلب الكفيل منه. وغير ذلك من الأمثلة.

وتفترق الكفالة عن الحوالة والضمان في ان الاولى تعهد بالنفس بخلاف الاخيرتين فانهما تعهد بالمال.

٢ ـ واما انها مشروعة‌ فمن بديهيات الفقه.

ويمكن التمسك لإثبات ذلك بالسيرة العقلائية المنعقدة على ذلك والممضاة بعدم الردع ، وبعموم قوله تعالى : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) ، وبالروايات الخاصة ، كصحيحة داود بن سرحان حيث : «سأل ابا عبد الله عليه‌السلام عن الكفيل والرهن في بيع النسيئة ، قال : لا بأس» (١).

٣ ـ واما كراهتها‌ فلحديث الامام الصادق عليه‌السلام : «الكفالة خسارة غرامة ندامة» (٢) وغيرها.

٤ ـ واما اعتبار الايجاب من الكفيل والقبول من المكفول له‌ فلأن ذلك مقتضى كون الكفالة عقدا قائما بالكفيل والمكفول له.

واما رضا المكفول له فقيل بعدم اعتباره تمسكا بعموم قوله تعالى : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (٣) لصدق عقد الكفالة باتفاق الكفيل والمكفول له ولو بدون رضا المكفول.

وقيل باعتباره للشك في صدقه بدون ذلك فيلزم الرجوع إلى استصحاب عدم ترتب الاثر دون عموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) لكون المورد من الشبهة المصداقية.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٣ : ١٥٥ الباب ٨ من أحكام الضمان الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٣ : ١٥٤ الباب ٧ من أحكام الضمان ٢.

(٣) المائدة : ١.

١٨٩

فالخلاف على هذا ينشأ من كون رضا المكفول على تقدير اعتباره هل هو شرط في الصحة لينفى بالاطلاق مع الشك في اعتباره أو ركن لكي لا تتحقق الكفالة بدونه.

ومال صاحب الجواهر قدس‌سره إلى اعتبار رضا المكفول باعتبار ان الركنية محتملة ، وذلك يكفي لعدم صحة التمسك بعموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (١).

٥ ـ واما جواز حبس الكفيل مع عدم احضاره المكفول في الموعد المقرر‌ فلموثقة عمار عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «أتي أمير المؤمنين برجل قد تكفّل بنفس رجل فحبسه وقال : اطلب صاحبك» (٢) وغيرها.

واما الاكتفاء باداء الكفيل الدين في تخلية سبيله فلانه معه تفرغ ذمة المدين ولا يعود موجب لبقاء الكفالة.

٦ ـ واما جواز رجوع الكفيل على المكفول لو كان اداؤه الدين بطلب منه‌ فلدلالة الطلب نفسه على ذلك بالسيرة العقلائية الممضاة بعدم الردع.

واما عدم جواز الرجوع مع عدم الطلب فلعدم الموجب.

٧ ـ واما لزوم التشبث بكل وسيلة مشروعة لإحضار المكفول‌ فلانه مقتضى وجوب مقدمة الواجب ولو عقلا.

__________________

(١) جواهر الكلام ٢٦ : ١٨٨.

(٢) وسائل الشيعة ١٣ : ١٥٦ الباب ٩ من أحكام الضمان الحديث ١.

١٩٠

كتاب الصّلح‌

١ ـ حقيقة الصلح‌

٢ ـ شرائط الصلح‌

٣ ـ من أحكام الصلح‌

١٩١
١٩٢

١ ـ حقيقة الصلح‌

الصلح معاملة مضمونها التسالم بين شخصين على تمليك مال أو اسقاط دين أو حق بعوض أو مجانا.

ولا اشكال في مشروعيته.

وهو عقد مستقل بنفسه ولا يرجع إلى سائر العقود وان افاد فائدتها.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما ان حقيقة الصلح‌ هي التسالم المذكور فلفهم ذلك منه عرفا.

٢ ـ واما انه عقد مشروع‌ فهو من بديهيات الفقه.

وقد يستفاد ذلك من قوله تعالى : (وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ) (١) ، وعموم قوله تعالى : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (٢).

ويدل على ذلك بوضوح قول الامام الصادق عليه‌السلام في صحيح‌

__________________

(١) النساء : ١٢٨.

(٢) المائدة : ١.

١٩٣

حفص بن البختري : «الصلح جائز بين الناس» (١) ، وصحيح الحلبي : «الرجل يكون عليه الشي‌ء فيصالح فقال : إذا كان بطيب نفس من صاحبه فلا بأس» (٢) وغيرهما.

هذا كله مضافا إلى انعقاد السيرة العقلائية الممضاة عليه.

٣ ـ واما انه عقد مستقل ولا يرجع إلى غيره وان افاد فائدته‌ فلأن ما يفهم من عنوانه عرفا شي‌ء مغاير للمفهوم من سائر المعاملات.

بل ان نفس اثبات احكام خاصة لعنوانه الخاص في النصوص يدل على كونه شيئا مغايرا لغيره.

وفي تسالم الاصحاب على عدم اشتراط معلومية المصالح عليه واشتراطهم لها في عوضي البيع دلالة واضحة على ارتكاز المغايرة عندهم.

وعليه فهو وان افاد فائدة البيع إذا كان على عين بعوض وفائدة الهبة إذا كان على عين بلا عوض وفائدة الاجارة إذا كان على منفعة بعوض وفائدة الابراء إذا كان على اسقاط حق أو دين الا ان ذلك لا يستلزم كونه نفسها ، فان الاشتراك في النتيجة بين شيئين لا يدل على كونهما واحدا.

وعليه فاحكام بقية العقود وشرائطها لا يمكن تسريتها إليه ، فما أفاد فائدة البيع لا تلحقه أحكامه من الخيارات الخاصة واعتبار قبض العوضين في المجلس إذا تعلق بمعاوضة النقدين ، وما افاد فائدة الهبة لا يعتبر فيه قبض العين كما هو معتبر فيها.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٣ : ١٦٤ الباب ٣ من أحكام الصلح الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٣ : ١٦٦ الباب ٥ من أحكام الصلح الحديث ٣.

١٩٤

ومنه يتضح ان ما هو المنسوب إلى شيخ الطائفة من كون الصلح بيعا تارة وهبة اخرى و... (١) قابل للتأمل.

٢ ـ شرائط الصلح‌

يلزم في تحقق الصلح توفر :

١ ـ الايجاب والقبول مطلقا حتى إذا كان مفيدا للإبراء. ويكفي فيهما كل ما يدل عليهما.

٢ ـ ان لا يكون مستلزما لتحليل محرم أو بالعكس.

٣ ـ البلوغ والعقل والقصد والاختيار في المتصالحين. وهكذا عدم الحجر لفلس أو سفه في من تقتضي المصالحة التصرف في ماله.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما اعتبار الايجاب والقبول في الصلح‌ فلكونه عقدا.

واما ان ذلك معتبر فيه حتى إذا أفاد فائدة الابراء فلان ذلك مقتضى كونه عقدا مستقلا.

واما انه يكفي كل ما يدل على الايجاب والقبول فلأنه بذلك يصدق عنوان الصلح فتشمله الاطلاقات العامة والخاصة.

٢ ـ واما اعتبار عدم استلزامه لتحليل الحرام وبالعكس‌ فلعدم احتمال امضاء الشارع للمعاملة المتضمنة لذلك.

وفي موثقة اسحاق بن عمار عن الامام الصادق عليه‌السلام عن أبيه عليه‌السلام

__________________

(١) المبسوط ٢ : ٢٨٨.

١٩٥

ان علي بن ابي طالب عليه‌السلام كان يقول : «من شرط لامرأته شرطا فليف لها به ، فان المسلمين عند شروطهم الا شرطا حرّم حلالا أو أحلّ حراما» (١) ، فانه ان لم يفهم من الشرط ما يشمل مطلق المعاملة فبالامكان التعدي من باب تنقيح المناط والغاء الخصوصية.

وفي مرسلة الشيخ الصدوق قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه. والصلح جائز بين المسلمين الا صلحا أحلّ حراما أو حرّم حلالا» (٢).

وهي حجة بناء على تمامية التفصيل في مراسيل الصدوق بين ما إذا كانت بلسان روي فلا تكون حجة وبين ما إذا كانت بلسان قال فتكون حجة ، فانه بناء على هذا تكون حجة ـ لأنها بلسان قال ـ فضلا عمّا إذا بني على الكبرى القائلة بحجية جميع روايات الشيخ الصدوق في كتابه كتاب من لا يحضره الفقيه لوجوه تقدمت في كتاب البيع عند البحث عن حرمة القمار.

٣ ـ واما اعتبار البلوغ وما بعده‌ فلكون ذلك من الشرائط العامة.

٣ ـ من أحكام الصلح‌

لا يلزم في جواز الصلح وجود نزاع مسبق.

وتجوز الاستعانة به في كل مورد الا إذا استلزم تحريم الحلال أو بالعكس.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٢ : ٣٥٤ الباب ٦ من أبواب الخيار الحديث ٥.

(٢) وسائل الشيعة ١٣ : ١٦٤ الباب ٣ من أحكام الصلح الحديث ٢.

١٩٦

وهو عقد لازم لا ينفسخ الا بالاقالة أو بفسخ من جعل له حق الفسخ منهما اثناءه.

وتغتفر الجهالة في الصلح حتى مع امكان معرفة المصالح عليه بشكل تام ومن دون مشقة.

وفي جواز التصالح على الجنس الربوي بمماثله مع التفاضل خلاف.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما عدم اعتبار النزاع المسبق في صحة الصلح‌ فلان ذلك من قبيل حكمة التشريع التي لا تمنع من التمسك باطلاق الدليل. ولفظ الصلح وان كان مشعرا باعتبار سبق ذلك الا انه ليس بشكل يمنع من التمسك بالاطلاق.

٢ ـ واما جواز الاستعانة بالصلح في كل مورد‌ فلإطلاق دليل مشروعيته.

واما اعتبار ان لا يكون مستلزما لتحريم حلال وبالعكس فلما تقدم.

٣ ـ واما انه عقد لازم‌ فلأصالة اللزوم في كل عقد التي تقدم مدركها في مبحث البيع.

واما جواز الفسخ بالاقالة والخيار فلان لزوم الصلح حقي لا حكمي.

٤ ـ واما اغتفار الجهالة ـ خلافا للمنسوب إلى الشافعي من اعتبار العلم في المصالح عليه والمصالح به‌ (١) ـ فلإطلاق صحيح حفص‌

__________________

(١) جواهر الكلام ٢٦ : ٢١٨.

١٩٧

وصحيح الحلبي السابقين.

ومع التنزل وافتراض نظرهما إلى أصل التشريع دون الخصوصيات يمكن التمسك بصحيح محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه‌السلام : «في رجلين كان لكل واحد منهما طعام عند صاحبه ولا يدري كل واحد منهما كم له عند صاحبه فقال كل واحد منهما لصاحبه : لك ما عندك ولي ما عندي فقال : لا بأس بذلك إذا تراضيا وطابت أنفسهما» (١).

واحتمال ان المنظور للحديث الابراء دون الصلح مدفوع بان ظاهره المعاوضة التي لا مجال لها الا في الصلح.

٥ ـ واما ان الجهالة مغتفرة حتى مع امكان تحصيل العلم‌ فللإطلاق أيضا.

٦ ـ واما الخلاف في جواز التصالح على الجنس الربوي بمماثله مع التفاضل‌ فيستند إلى الاخبار الدالة على اعتبار المماثلة ، فانه قد يدعى انصرافها إلى خصوص البيع فيلزم اختصاص التحريم به وقد ينكر ذلك ويتمسك باطلاقها فيلزم تعميم التحريم للصلح أيضا.

ومن تلك الاخبار صحيحة محمد بن مسلم وزرارة عن ابي جعفر عليه‌السلام : «الحنطة بالدقيق مثلا بمثل ، والسويق بالسويق مثلا بمثل ، والشعير بالحنطة مثلا بمثل لا بأس به» (٢).

وصحيحة الحلبي عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «الفضة بالفضة مثلا بمثل ،

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٣ : ١٦٦ الباب ٥ من أحكام الصلح الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٢ : ٤٤٠ الباب ٩ من أبواب الربا الحديث ٢.

١٩٨

والذهب بالذهب مثلا بمثل ليس فيه زيادة ولا نقصان» (١).

وصحيحة الوليد بن صبيح : «سمعت ابا عبد الله عليه‌السلام : الذهب بالذهب ، والفضة بالفضة الفضل بينهما هو الربا المنكر هو الربا المنكر» (٢).

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٢ : ٤٥٦ الباب ١ من أبواب الصرف الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٢ : ٤٥٧ الباب ١ من أبواب الصرف الحديث ٢.

١٩٩
٢٠٠