دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي على المذهب الجعفري - ج ٢

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي على المذهب الجعفري - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الفقه للطباعة والنشر
المطبعة: برهان
الطبعة: ٢
ISBN: 964-499-036-6
ISBN الدورة:
964-499-048-X

الصفحات: ٥٩١

فلصحيحة ابي الصباح الكناني عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «الرجل يعمل بالمال مضاربة ، قال : له الربح وليس عليه من الوضيعة شي‌ء الا ان يخالف عن شي‌ء مما امر صاحب المال» (١) وغيره.

٤ ـ واما القول بصحة اشتراط تحمل الطرفين للخسارة‌ فوجهه ان ذلك ليس شرطا مخالفا لمقتضى العقد بل لإطلاقه.

والمناسب التفصيل بين اشتراط تحمل الطرفين للخسارة فيبطل وبين افتراض كون الخسارة على المالك فقط الا ان العامل يلزمه تقديم مال ولو بعنوان الهدية إلى المالك يعادل مقدار الخسارة فيصح.

اما البطلان في الاول فلان ظاهر صحيحة الكناني المتقدمة وغيرها كون الخسارة على المالك لا غير ، ومقتضى اطلاقها كونها عليه حتى مع اشتراط تقسيطها.

واما الصحة في الثاني فلان مفاد الشرط ليس تحمل العامل شيئا من الخسارة بل هو اشتراط لأمر آخر غير الخسارة ، فكما انه يصح اشتراط المالك على العامل خياطة ثوب له كذلك يصح اشتراط اهداء مال له بمقدار نصف الخسارة على فرض تحققها.

٥ ـ واما عدم جواز خلط رأس المال بغيره‌ فلان ظاهر كلام المالك التجارة برأس المال بشخصه من دون خلط بغيره ، ولا يجوز التصرف في مال الغير الا بالنحو الماذون من قبله.

٦ ـ واما انه مع تحديد المالك لكيفية التصرف يلزم السير على طبقها‌ فلعدم جواز التصرف في ملك الغير الا باذنه.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٣ : ١٨١ الباب ١ من أبواب أحكام المضاربة الحديث ٣.

٢٢١

واما انه مع عدم التحديد الخاص يلزم السير على طبق المتعارف فباعتبار ان الاطلاق ينصرف الى ما هو المتعارف.

٧ ـ واما جواز تعدد عامل المضاربة‌ فلكونها في الواقع منحلة الى مضاربتين وبمنزلة مضاربة المالك من البداية كل واحد منهما على نصف المال. والاتحاد في مقام الانشاء لا ينافي التعدد في مقام الواقع.

هذا مع اتحاد المال. واما مع تميّزه فالامر أوضح.

٨ ـ واما بطلان المضاربة بموت العامل‌ فلاختصاص الاذن به.

واما بطلانها بموت المالك فلانتقال المال بموته إلى وارثه ، وابقاؤها يحتاج إلى عقد جديد.

٩ ـ واما ان الربح وقاية لرأس المال ويجبر التلف والخسارة به‌ فلاقتضاء عقد المضاربة نفسه لذلك ، فان المجعول للعامل ليس هو الحصة من الربح في كل معاملة بعينها بل في مجموع المعاملات بما هو مجموع ، ومع افتراض الربح في تجارة سابقة والخسارة في تجارة لاحقة لا يصدق تحقق الربح بلحاظ مجموع المعاملات.

١٠ ـ واما ان العامل يملك حصته من الربح بمجرد ظهوره‌ فلوجهين :

أ ـ ان ذلك مقتضى اشتراط كون الربح بينهما.

ودعوى ان الربح لا يصدق تحققه قبل الانضاض مدفوعة بان ذلك مخالف للوجدان ، فان العقلاء يرون تحقق الربح بمجرد ارتفاع القيمة السوقية للشي‌ء ولو قبل تحويله إلى نقد. كيف ولو كان الربح غير صادق فيلزم عدم استحقاق العامل لشي‌ء لو فسخ المالك قبل الانضاض.

٢٢٢

ب ـ التمسك بصحيح محمد بن ميسر : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل دفع إلى رجل الف درهم مضاربة فاشترى اباه وهو لا يعلم ، فقال : يقوّم فإذا زاد درهما واحدا اعتق واستسعى في مال الرجل» (١) ، بتقريب ان العامل لو لم يملك حصته بمجرد ظهور الربح لما انعتق ابوه عليه.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٣ : ١٨٨ الباب ٨ من أبواب أحكام المضاربة الحديث ١.

٢٢٣
٢٢٤

كتاب القرض‌

١ ـ حقيقة القرض‌

٢ ـ شرائط القرض‌

٣ ـ ربا القرض‌

٤ ـ من أحكام القرض‌

٢٢٥
٢٢٦

١ ـ حقيقة القرض‌

القرض عقد يتضمن تمليك شخص ماله لآخر مع ضمانة في ذمته بمثله ان كان مثليا وبقيمته ان كان قيميا.

وهو أخصّ من الدين.

والاقراض مشروع بنحو السنة المؤكدة.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما انه عقد‌ فقد ادّعي عليه في الجواهر عدم وجدان الخلاف فيه (١).

واما انه يتضمن التمليك مع الضمان فلا خلاف فيه أيضا. ويؤكده فهم العرف منه ذلك.

ان قلت : ان كلاّ من البيع والقرض يشتمل على التمليك بعوض فما الفارق بينهما؟

__________________

(١) جواهر الكلام ٢٥ : ١.

٢٢٧

قلت : أجاب الشيخ الاعظم عن ذلك بان البيع يشتمل على معاوضة ، فالبائع يملّك المبيع بعوض بخلاف القرض فانه لا يشتمل على المعاوضة بل هو تمليك للعين مع ضمانها ، ولذا يصح للبائع عرفا ان يقول : انشأت معاوضة على مالي بخلافه في القرض (١).

٢ ـ واما انه اخص من الدين‌ فلان الدين كل مال كلي ثابت في ذمّة شخص لآخر بسبب من الاسباب ، كالضمان وبيع السلم والنسيئة والاجارة مع كون الاجر كليا في الذمة والنكاح مع كون المهر كليا والجناية بالنسبة إلى ارشها والزوجية بالنسبة إلى النفقة ، إلى غير ذلك من الأسباب التي احدها القرض.

وعلى هذا الأساس فكل قرض دين بخلاف العكس.

ويطلق على من اشتغلت ذمته بالمدين أو المديون ، وعلى الآخر بالدائن ، وعليهما بالغريم.

وبهذا يتضح ان المقصود من كلمة «الدين» في قول الفقهاء : «لا يجوز بيع الدين بالدين» هذا المعنى دون خصوص القرض.

٣ ـ واما ان الاقراض مسنون بنحو السنّة المؤكدة‌ فللأحاديث الكثيرة ، كقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من اقرض أخاه المسلم كان له بكل درهم أقرضه وزن جبل أحد من جبال رضوى وطور سيناء حسنات ، وان رفق به في طلبه جاز به على الصراط كالبرق الخاطف اللامع بغير حساب ولا عذاب. ومن شكا إليه اخوه المسلم فلم يقرضه حرّم الله عز وجل عليه الجنة يوم يجزي المحسنين» (٢).

__________________

(١) كتاب المكاسب ٢ : ١٧ ، منشورات دار الحكمة.

(٢) وسائل الشيعة ١٣ : ٨٨ الباب ٦ من أبواب الدين الحديث ٥.

٢٢٨

والمسنون بنحو مؤكد ـ كما هو واضح ـ الاقراض الذي هو فعل المقرض دون الاقتراض الذي هو فعل المقترض فانه ليس بمستحب بل قد تستفاد مبغوضيته من النصوص ، ففي الحديث : «إيّاكم والدين فانه شين الدين» (١) ، وعنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من اراد البقاء ولا بقاء فليباكر الغداء ، وليجوّد الحذاء ، وليخفف الرداء ، وليقل مجامعة النساء. قيل : وما خفّة الرداء؟ قال : قلّة الدين» (٢).

٢ ـ شرائط صحة القرض‌

يلزم لصحة القرض توفر :

١ ـ قبض المقترض المال المقترض والا فلا يملكه.

٢ ـ البلوغ والعقل والقصد والاختيار وعدم السفه في المتعاقدين ، وعدم الفلس في خصوص المقرض.

٣ ـ كون المال عينا فلا يصح لو كان دينا أو منفعة. وكذا لا يصح لو كان مرددا بين فردين من العين.

٤ ـ كون المال مما يصح تملكه شرعا فلا يصح اقراض مثل الخمر والخنزير.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما ان القبض شرط في صحة القرض‌ بحيث لا يحصل الملك قبله فلا وجه له سوى الاجماع والا فالقاعدة تقتضي تحقق الملك بمجرد‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٣ : ٧٧ الباب ١ من أبواب الدين الحديث ٢.

(٢) وسائل الشيعة ١٣ : ٧٧ الباب ١ من أبواب الدين الحديث ٥.

٢٢٩

تمام العقد وان لم يتحقق القبض.

قال في الجواهر : «لو لا الاجماع لاتجه القول بحصوله بتمامه من دون قبض على حسب غيره من العقود التي لا ريب في ظهور الادلة في اقتضائها التمليك ضرورة صدق مسماها بها» (١).

ودعوى ان اسم القرض لا يصدق الا بالقبض لا نعرف لها وجها.

ثم ان هناك قولا باشتراط التصرف أيضا بعد القبض في تحقق الملك. ولكنه كما ترى ، اذ اطلاق الأدلة ينفيه وان كان مقتضى استصحاب عدم ترتب الاثر ـ لو لا ذلك ـ اعتباره لو فرض الشك في ذلك.

٢ ـ واما اعتبار البلوغ والعقل والقصد والاختيار في المقرض والمقترض‌ فلأنها من الشرائط العامة في كل عقد.

واما اعتبار عدم السفه فلان السفيه ممنوع من كل تصرف مالي.

واما اعتبار عدم الفلس في المقرض فلان المفلس ممنوع من التصرف في أمواله.

واما عدم اعتبار ذلك في المقترض فلان السفيه ممنوع من التصرف في امواله دون التصرف في ذمته باشغالها.

٣ ـ واما اعتبار كون المال المقترض عينا وعدم صحة القرض لو كان دينا أو منفعة‌ فلما تقدم من اشتراط القبض في صحة القرض ، وامكان ذلك مختص بالاعيان.

واما عدم صحة القرض مع تردد المال بين فردين فلان تحقق‌

__________________

(١) جواهر الكلام ٢٥ : ٢٣.

٢٣٠

التمليك بلحاظ هذا الفرد دون ذاك بلا مرجح ، والمردد لا تحقق له.

٤ ـ واما اعتبار كون المال مما يصح تملكه‌ فواضح لان القرض تمليك للمال فلا بدّ من كون متعلقه قابلا لذلك.

٣ ـ ربا القرض

يحرم الربا في القرض ، وذلك باشتراط المقرض دفع زيادة في القدر أو الصفة على المقدار المقترض.

ويجوز للمقترض اشتراط التسديد بالاقل.

ولا فرق في حرمة اشتراط الزيادة بين كونها راجعة إلى المقرض أو غيره.

وإذا تبرع المقترض بدفع الزيادة بدون اشتراط جاز قبولها ، بل ذلك مستحب.

ولا يجوز ـ على قول ـ اقراض مقدار من المال مع اشتراط ايجاد دار مثلا أو بيعها بأقل من اجرة او ثمن المثل ، ويجوز العكس.

ويصح بيع الدين بمال موجود وان كان أقل منه ما لم يستلزم الربا ولا يصح بيعه بدين مثله ، كما اذا كان شخص يستحق على ثان مائة كيلو من الحنطة وللثاني على الاول مائة كيلو من الشعير واريد بيع احدهما بالآخر.

ولا يجوز تأجيل الدين عند حلوله بزيادة. أجل يجوز تعجيل المؤجل ولو باسقاط بعضه.

والربا كما يحرم اخذه يحرم دفعه وكتابته والشهادة عليه.

ومن تعامل بالربا وهو جاهل بالحكم أو بالموضوع ثم التفت وتاب فلا يلزمه ارجاعه.

٢٣١

ومن ورث مالا فيه اموال ربوية فمع عدم تمييزها فلا شي‌ء عليه والا لزمه ردّها على مالكها مع معرفته ، ومع عدمها يتعامل معها معاملة مجهول المالك.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما حرمة الربا في الجملة فهي من ضروريات الإسلام‌ لدلالة صريح الكتاب العزيز عليها كما تقدمت الاشارة إلى ذلك في البيع عند البحث عن ربا المعاوضة.

واما تحقق الربا المحرم في القرض وعدم اختصاصه بالمعاوضة فهو من المسلّمات التي لم يقع فيها شك.

وقد دلت على ذلك صحيحة يعقوب بن شعيب عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «سألته عن الرجل يسلم في بيع أو تمر عشرين دينارا ويقرض صاحب السلم عشرة دنانير أو عشرين دينارا ، قال : لا يصلح إذا كان قرضا يجرّ شيئا فلا يصلح ...» (١).

وصحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السّلام : «وسألته عن رجل أعطى رجلا مائة درهم على أن يعطيه خمسة دراهم أو أقل أو أكثر ، قال : هذا الربا المحض» (٢) وغيرهما.

والصحيحة الثانية وان كانت ضعيفة السند بطريق قرب الاسناد بعبد الله بن الحسن الا انها صحيحة في طريقها الثاني لوجودها في كتاب علي بن جعفر الذي يرويه صاحب الوسائل عن الشيخ ، وهو عن علي بن جعفر بطريق صحيح. وقد تقدم توضيح ذلك اكثر‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٣ : ١٠٥ الباب ١٩ من أبواب الدين الحديث ٩.

(٢) وسائل الشيعة ١٣ : ١٠٨ الباب ١٩ من أبواب الدين الحديث ١٨.

٢٣٢

من مرة في ابحاث سابقة (١).

ثم انه توجد بعض الروايات التي قد يستشف منها جواز الربا في القرض ، ففي أكثر من رواية ورد : «خير القرض ما جرّ منفعة» (٢).

الا انه لا بدّ من حملها على صورة عدم الاشتراط لما دلّ على التفصيل بين ما إذا كان جرّ المنفعة في القرض بسبب الاشتراط فلا يجوز وبين ما إذا لم يكن بسببه فيجوز ، كما في موثقة إسحاق بن عمار عن ابي الحسن عليه‌السلام : «سألته عن الرجل يكون له مع رجل مال قرضا فيعطيه الشي‌ء من ربحه مخافة ان يقطع ذلك عنه فيأخذ ماله من غير ان يكون شرط عليه ، قال : لا بأس بذلك ما لم يكن شرطا» (٣).

ويظهر من خلال بعض النصوص ان تلك الروايات جاءت ردّا على غيرنا القائل بعدم جواز جرّ القرض للمنفعة ولو بدون اشتراط ، ففي صحيحة محمد بن مسلم : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يستقرض من الرجل قرضا ويعطيه الرهن إما خادما وإما آنية وإما ثيابا فيحتاج إلى شي‌ء من منفعته فيستأذن فيه فيأذن له قال : إذا طابت نفسه فلا بأس. قلت : ان من عندنا يروون ان كل قرض يجر منفعة فهو فاسد ، فقال : أو ليس خير القرض ما جرّ منفعة» (٤).

٢ ـ واما عدم الفرق بين كون الزيادة في الصفة أو القدر‌ فلإطلاق قوله عليه‌السلام في صحيحة يعقوب بن شعيب المتقدمة : «لا يصلح إذا كان‌

__________________

(١) راجع كتاب البيع تحت عنوان «محرمات في الشريعة».

(٢) وسائل الشيعة ١٣ : ١٠٤ الباب ١٩ من أبواب الدين الحديث ٥ ، ٦ ، ٨ ، ١٦.

(٣) وسائل الشيعة ١٣ : ١٠٣ الباب ١٩ من أبواب الدين الحديث ٣.

(٤) وسائل الشيعة ١٣ : ١٠٤ الباب ١٩ من أبواب الدين الحديث ٤.

٢٣٣

قرضا يجر شيئا فلا يصلح».

٣ ـ واما جواز اشتراط المقترض دفع الاقل‌ فلعدم ما يدل على المنع من ذلك فيتمسك بأصل البراءة.

٤ ـ واما عدم الفرق بين رجوع الزيادة إلى المقرض أو غيره‌ فلإطلاق صحيحة يعقوب المتقدمة.

٥ ـ واما جواز قبول الزيادة من دون اشتراط‌ فلموثقة اسحاق بن عمار المتقدمة وغيرها.

٦ ـ واما استحباب دفع الزيادة إذا لم يكن مع الاشتراط‌ فلأنها نوع من مقابلة الاحسان بالاحسان ، بل ذلك هو الفضل المندوب إليه ، ففي صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «... ان أبي عليه‌السلام كان يستقرض الدراهم الفسولة فيدخل عليها الدراهم الجياد الجلال فيقول : يا بني ردها على الذي استقرضتها منه فأقول : يا أبه ان دراهمه كانت فسولة وهذه أجود منها فيقول : يا بني ان هذا هو الفضل فاعطه إيّاها» (١).

٧ ـ واما القول بعدم جواز الاقراض بشرط ايجار الدار أو بيعها بالأقل‌ فلانه مصداق لقوله عليه‌السلام في صحيحة يعقوب المتقدّمة : «لا يصلح إذا كان قرضا يجر شيئا فلا يصلح».

واما جواز الايجار أو البيع بالأقل بشرط القرض فلانه ليس‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٢ : ٤٧٨ الباب ١٢ من أبواب الصرف الحديث ٧.

والفسولة من الفسل وهو الردي‌ء من كل شي‌ء.

وقوله عليه‌السلام : «ان هذا هو الفضل» يحتمل كونه اشارة الى قوله تعالى : (وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ) البقرة ٢٣٧.

٢٣٤

مصداقا للقرض الذي جرّ شيئا وانما هما مصداق للبيع أو الاجارة التي جرت نفعا ، وذلك لم يرد النهي عنه ، بل هما قد شرّعا لذلك. هكذا يمكن توجيه القول المذكور ، الا انه قد يقال في المقابل : ان المستفاد من صحيحة يعقوب بن شعيب المتقدمة عدم الجواز في كلتا الحالتين فراجع.

٨ ـ واما ان الدين يجوز بيعه بمال موجود وان كان أقل منه ما دام لا يلزم منه الربا‌ فلإطلاق ادلة صحة البيع ومشروعيته.

واما عدم صحة بيعه بدين مثله حتى مع التساوي فلموثقة طلحة بن زيد عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا يباع الدين بالدين» (١).

ولا مشكلة في سندها الا من جهة طلحة حيث لم يوثق في كتب الرجال ، الا ان الامر فيه سهل بعد قول الشيخ في الفهرست : «طلحة بن زيد له كتاب وهو عامي المذهب الا ان كتابه معتمد» (٢).

ثم انه ورد النهي عن بيع الدين بالدين بلسان آخر ، ففي دعائم الإسلام عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «انه نهى عن الكالئ بالكالئ (٣)» (٤).

٩ ـ واما عدم جواز تأجيل الدين الحال بزيادة‌ فمما لا خلاف فيه لكونه ربا وجعل زيادة عن المقدار المستحق لأجل الاجل.

واما جواز تعجيل المؤجل باسقاط بعض الدين فلانه ليس فيه جعل للزيادة ليلزم محذور الربا.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٣ : ٩٩ الباب ١٥ من أبواب الدين الحديث ١٥.

(٢) الفهرست : ٨٦.

(٣) الكالئ بالكالئ : بيع الدين بالدين ، كما في لسان العرب ١ : ١٤٧.

(٤) مستدرك الوسائل ١٣ : ٤٠٥.

٢٣٥

على ان كلا الحكمين يمكن استفادته من صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام : «الرجل يكون عليه دين إلى أجل مسمّى فيأتيه غريمه فيقول : انقدني من الذي لي كذا وكذا واضع لك بقيته ، أو يقول : انقدني بعضا وامدّ لك في الاجل فيما بقي فقال : لا أرى به بأسا ما لم يزد على رأس ماله شيئا يقول الله عز وجل : (فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) (١).

١٠ ـ واما حرمة دفع الربا أيضا وكتابته والشهادة عليه وما تلا ذلك من الحكمين‌ فقد تقدم وجهه في ربا المعاوضة من البيع.

٤ ـ من أحكام القرض‌

يعتبر في القرض الايجاب والقبول بكل ما يدل عليهما ولو بالمعاطاة.

ولا يلزم في المال المقترض أن يكون من النقود ، كما لا يعتبر تعيين مقداره واوصافه. نعم على المقترض تحصيل العلم بذلك مقدمة لأدائه.

وهو عقد لازم ، بمعنى عدم جواز فسخه لإرجاع العين لو كانت موجودة.

نعم مع فرض عدم تحديده بأجل تجوز المطالبة بالوفاء بدفع المثل إذا كان مثليا والقيمة إذا كان قيميا في أي وقت.

ومع عدم تحديد القرض بأجل فليس للدائن الامتناع عن قبض الدين إذا دفعه المدين ، وهكذا إذا كان مؤجلا وفرض حلول الاجل. واما قبل حلوله فيمكن الحكم بجواز ذلك إذا كان التأجيل حقا له.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٣ : ١٢٠ الباب ٣٢ من ابواب الدين الحديث ١ ، والباب ٧ من أبواب الصلح الحديث ١ ، والآية ٢٧٩ من سورة البقرة.

٢٣٦

ولا يلزم تحديد القرض بأجل معيّن بل لو حدّد بأجل فالمشهور عدم لزومه الا إذا اشترط ضمن عقد لازم غير القرض.

والمال المقترض إذا كان مثليا يثبت في ذمّة المقترض مثله ، وإذا كان قيميا تثبت قيمته.

وإذا كان مثليا فلا محذور في دفع القيمة مع التراضي.

ولا يلزم مع وجود العين المقترضة تسديد القرض بها وان جاز ذلك مع موافقة الطرفين.

ويجب على المدين عند مطالبة الدائن الاداء فورا ان قدر على ذلك ولو ببيع بعض أملاكه الا الاملاك التي هو بحاجة ماسة إليها بحسب حاله وشرفه ويقع في ضيق شديد لو بيعت وقضي منها الدين ، كدار سكناه وما شاكلها ، ويعبر عنها بالمستثنيات في قضاء الدين.

وإذا لم يكن لدى المدين شي‌ء يقضي به دينه غير المستثنيات حرمت مطالبته ويلزم انظاره إلى ميسرة.

وإذا كان الدين مؤجلا ومات المدين حلّ الاجل. وإذا مات الدائن بقي الاجل على حاله وليس لورثته المطالبة به قبل حلوله.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما اعتبار الايجاب والقبول في تحقّق القرض‌ فلأن ذلك مقتضى افتراض كونه عقدا.

واما الاكتفاء بكل ما يدل عليهما فلإطلاق دليل مشروعية القرض بعد افتراض صدقه.

ومن ذلك يتّضح وجه الاكتفاء بالمعاطاة.

٢ ـ واما انه لا يلزم في المال المقترض كونه من النقود‌ فمتسالم‌

٢٣٧

عليه. ويقتضيه اطلاق أدلة مشروعيته.

وتؤيد ذلك رواية الصباح بن سيابة : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : ان عبد الله بن أبي يعفور أمرني أن أسألك قال : انا نستقرض الخبز من الجيران فنرد أصغر منه أو أكبر ، فقال عليه‌السلام : نحن نستقرض الجوز الستين والسبعين عددا فتكون فيه الكبيرة والصغيرة فلا بأس» (١) وغيرها.

٣ ـ واما عدم اعتبار تعيين مقدار المال المقترض وأوصافه‌ فلإطلاق دليل شرعيته.

واما لزوم تحصيل العلم بمقداره من باب المقدمة للأداء فلوجوب مقدمة الواجب.

٤ ـ واما ان عقد القرض لازم ، بمعنى عدم جواز الفسخ والالزام بارجاع العين المقترضة‌ فمحل خلاف. والمنسوب إلى شيخ الطائفة عدم اللزوم.

والمناسب هو اللزوم تمسكا باصالة اللزوم في كل عقد.

نعم إذا فرض عدم تحديد الوفاء بأجل معيّن فتجوز للمقترض المطالبة ببدل العين ، لان مقتضى عقد القرض ضمان المقترض للبدل دون العين نفسها ، وحيث فرض عدم التحديد بأجل فيلزم جواز المطالبة به في أي وقت.

٥ ـ واما عدم جواز امتناع الدائن من قبض الدين مع عدم التأجيل أو فرض حلول الأجل‌ فلان من حق كل شخص مشغول الذمة تفريغ‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٣ : ١٠٩ الباب ٢١ من أبواب الدين الحديث ١.

٢٣٨

ذمته من الاشتغال ما دام لم يجعل حق الامتناع للطرف الاخر ضمن العقد.

واما جواز امتناع الدائن من قبض الدين قبل حلول الاجل فقد وقع محلا للخلاف.

والمناسب التفصيل بين ما إذا كان اشتراط الاجل حقا للمدين فقط وما إذا كان حقا للدائن فقط.

فعلى الاول لا يحق له الامتناع لأنه لا يصدق الاشتراط من ناحيته ليشمله عموم قوله عليه‌السلام : «المسلمون عند شروطهم» (١).

وعلى الثاني يحق له ذلك حيث يصدق في حقه ذلك فيشمله العموم.

٦ ـ واما عدم لزوم تحديد القرض بأجل معين‌ فلإطلاق دليل شرعيته.

واما عدم لزوم الاجل المذكور في عقد القرض فباعتبار ان الشرط يتبع في لزومه وجوازه لزوم العقد وجوازه ، وحيث ان المشهور يرى القرض من العقود الجائزة فيلزم كون الشرط المذكور فيه جائزا أيضا.

هذا والمناسب الحكم بلزوم الاجل لأنه لو سلّم بجواز عقد القرض فذلك لا يمنع من لزوم الشرط المذكور فيه بعد ما كان مقتضى اطلاق قوله عليه‌السلام : «المسلمون عند شروطهم» شاملا للشرط المذكور ضمن العقد الجائز أيضا.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٢ : ٣٥٣ الباب ٦ من أبواب الخيار الحديث ٢.

٢٣٩

هذا مضافا إلى إمكان استفادة لزوم الاجل من قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بِالْعَدْلِ) (١).

بل يمكن استفادته من الروايات الآتية الدالة على حلول أجل الدين بموت المدين ، فانها تدل على لزوم الاجل بدون فرض الموت.

٧ ـ واما ان المال المقترض يثبت مثله في ذمة المقترض إذا كان مثليا وقيمته إذا كان قيميا‌ فلان المقرض بعد جعله المقترض ضامنا لا للعين نفسها بل لبدلها يلزم ما ذكر إذ البدل الأقرب مع فرض كون الشي‌ء مثليا هو المثل ومع كونه قيميا هو القيمة ويلزم من ثمّ ان يكون ذلك هو الملحوظ للمقرض عند تضمينه للمقترض بالبدل.

٨ ـ واما جواز دفع القيمة عن المثلي في فرض تراضي الطرفين‌ فلان الحق لا يعدوهما فيجوز لهما الاتفاق كيفما أحبا.

٩ ـ واما عدم لزوم التسديد بالعين المقترضة نفسها لو كانت موجودة‌ فلان المفروض صيرورتها ملكا للمقترض بالقرض ، والضمان تعلّق ببدلها.

واما جواز ذلك مع توافق الطرفين فلان الحق لا يعدوهما.

واما انه مع عدم موافقة المقرض بقبول العين فلا يجوز اجباره على ذلك فمن جهة انه اشترط الضمان بالبدل واشتغال الذمة به.

١٠ ـ واما لزوم تسديد الدين فورا مع المطالبة عند فرض كونه حالا أو قد حلّ أجله‌ فلعدم جواز الامتناع أو التواني عن اداء‌

__________________

(١) البقرة : ٢٨٢.

٢٤٠