دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي على المذهب الجعفري - ج ٢

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي على المذهب الجعفري - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الفقه للطباعة والنشر
المطبعة: برهان
الطبعة: ٢
ISBN: 964-499-036-6
ISBN الدورة:
964-499-048-X

الصفحات: ٥٩١

المتيقن من الانشاء الذي يتحقق به. بل حكم الاصحاب بتحققه بكل ما يدل عليه ولو فعلا.

٤ ـ واما التفرقة بين الحبس واخواته بما تقدم‌ فهو مورد تسالم الفقهاء. وقد دلت على مشروعية تلك روايات متعددة ، كصحيحة حمران : «سألته عن السكنى والعمرى فقال : الناس فيه عند شروطهم ان كان قد شرط حياته فهي حياته وان كان لعقبه فهو لعقبه كما شرط حتى يفنوا ثم يردّ الى صاحب الدار» (١) ، وصحيحة الحسين بن نعيم عن ابي الحسن عليه‌السلام : «سألته عن رجل جعل سكنى داره لرجل ايام حياته او له ولعقبه من بعده قال : هي له ولعقبه كما شرط» (٢).

٥ ـ واما ان السكنى واخواتها عقود تحتاج الى قبول‌ فقد ادعي عليه الاجماع. ولولاه امكن التمسك باطلاق مثل الصحيحتين المتقدمتين لنفي اعتبار ذلك.

واما التفرقة في الحبس بين كونه على الشخص فيعتبر فيه القبول وبين كونه على غيره فلا يعتبر فيه ذلك فلا مدرك له سوى الاجماع أيضا.

٦ ـ واما اشتراط القبض في تحقق اللزوم‌ فلا وجه له سوى الاجماع المدعى والا فمقتضى اطلاق الروايات نفي اعتبار ذلك. اجل مع عدم تعيين وقت في السكنى فيجوز التراجع حتى مع تحقق القبض للروايات الخاصة ، كموثقة الحلبي عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «وسألته عن الرجل يسكن‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٣ : ٣٢٥ الباب ٢ من أحكام السكنى والحبس الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٣ : ٣٢٥ الباب ٢ من أحكام السكنى والحبس الحديث ٢.

٥٦١

رجلا ولم يوقّت شيئا قال : يخرجه صاحب الدار اذا شاء» (١).

وهكذا الحال في الحبس غير المؤقت اذا مات الحابس فان العين ترجع الى ورثته لصحيح ابن اذينة المتقدم.

٥ ـ من احكام الصدقة بالمعنى الاخص‌

تستحب الصدقة بمعناها الاخص ، وهي الاحسان للغير بقصد القربة.

والمعروف انها عقد تحتاج الى ايجاب وقبول. ويعتبر فيها قصد القربة.

وتجوز من غير الهاشمي على الهاشمي. وتجوز على الغني أيضا.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما استحباب الصدقة بمعناها الاخص‌ فهو من المسلمات. وقد ورد الحث عليها في روايات كثيرة ، من قبيل : «ان الصدقة تقضي الدين وتخلف بالبركة» (٢) ، «الصدقة تدفع ميتة السوء» (٣) ، «تصدقوا فان الصدقة تزيد في المال كثرة فتصدقوا رحمكم الله» (٤) ، «داووا مرضاكم بالصدقة» (٥) ، «يستحب للمريض ان يعطي السائل بيده ويأمر السائل ان يدعو له» (٦) ، «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الايدي ثلاثة فيد الله العليا ، ويد المعطي التي تليها ، ويد السائل السفلى فاعط الفضل ولا تعجز‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٣ : ٣٢٧ الباب ٤ من أحكام السكنى والحبس الحديث ٢.

(٢) وسائل الشيعة ٦ : ٢٥٥ الباب ١ من أبواب الصدقة الحديث ١.

(٣) وسائل الشيعة ٦ : ٢٢٥ الباب ١ من أبواب الصدقة الحديث ٢.

(٤) وسائل الشيعة ٦ : ٢٥٧ الباب ١ من أبواب الصدقة الحديث ٨.

(٥) وسائل الشيعة ٦ : ٢٥٨ الباب ١ من أبواب الصدقة الحديث ١٨.

(٦) وسائل الشيعة ٦ : ٢٦٢ الباب ٥ من أبواب الصدقة الحديث ٢.

٥٦٢

نفسك» (١) ، ومن الالفاظ الموجزة للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم التي لم يسبق اليها : «اليد العليا خير من اليد السفلى» (٢) ، «بكّروا بالصدقة فان البلاء لا يتخطاها» (٣) ، «من تصدق بصدقة حين يصبح اذهب الله عنه نحس ذلك اليوم» (٤).

بل قد يستدل على ذلك بقوله تعالى : (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقاتِ) (٥).

ويلحق بالصدقة كل احسان وان لم يكن بالمال ففي الحديث الصحيح : «كل معروف صدقة» (٦).

٢ ـ واما ان الصدقة عقد تحتاج الى ايجاب وقبول‌ فهو المشهور ، ولا دليل عليه سوى الشهرة والاجماع المدعى. ومن هنا قال السيد اليزدي : «لا اشارة في شي‌ء من الاخبار على اعتبار اللفظ فيها على كثرتها فما ادري من اين اشترطوا فيها الايجاب والقبول وجعلوها من العقود؟» (٧).

والمناسب التفصيل بين مواردها فان كانت بنحو التمليك احتاجت الى ايجاب وقبول وان كانت بنحو البذل والاحسان المجردين كفى الاذن في الصرف.

ويمكن ان نعدّ من جملة مصاديق الصدقة التبرع بمقدار من المال‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ٦ : ٢٦٣ الباب ٥ من أبواب الصدقة الحديث ٤.

(٢) وسائل الشيعة ٦ : ٢٦٣ الباب ٥ من أبواب الصدقة الحديث ٣.

(٣) وسائل الشيعة ٦ : ٢٦٦ الباب ٨ من أبواب الصدقة الحديث ١.

(٤) وسائل الشيعة ٦ : ٢٦٦ الباب ٨ من أبواب الصدقة الحديث ٢.

(٥) التوبة : ١٠٤.

(٦) وسائل الشيعة ٦ : ٣٢١ الباب ٤١ من أبواب الصدقة الحديث ٢.

(٧) ملحقات العروة الوثقى ٢ : ٢٧٤.

٥٦٣

للمناسبات الحسينية ونحوها من المناسبات الدينية او جمع مقدار من المال لبناء حسينية او تزويج مؤمن او علاج مريض وما شاكل ذلك فان الكل يشترك في كونه احسانا بالمال بقصد القربة.

بل قد يعدّ من الصدقة التبرع للصناديق الخيرية المتعارف احداثها في زماننا والتي يقطع فيها المتبرع علاقته بالمال الذي يتبرع به ، اما اذا بذل المال للصندوق لغرض الاقراض به من دون قطع العلاقة به فلا يبعد كون مرجعه الى التوكيل في التصرف دون الصدقة لأنه يعتبر فيها قطع العلاقة بالمتبرع به.

٣ ـ واما اعتبار قصد القربة فيها‌ فهو مما لا خلاف فيه. ويدل عليه صحيح حماد بن عثمان عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «لا صدقة ولا عتق الا ما اريد به وجه الله عز وجل» (١) وغيره.

٤ ـ واما جواز صدقة غير الهاشمي للهاشمي‌ فلإطلاق نصوص الصدقة بعد اختصاص دليل المنع بالصدقة الواجبة التي هي زكاة المال وزكاة الفطرة. ومع التنزل عن ذلك يكفينا الاصل.

٥ ـ واما جواز الصدقة على الغني‌ فهو مقتضى اطلاق اخبار الصدقة ، بل في الحديث عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «كل معروف صدقة الى غني او فقير فتصدقوا ولو بشقّ التمرة ...» (٢). وبقطع النظر عن ذلك يكفينا الاصل.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٣ : ٣٢٠ الباب ١٣ من أحكام الوقوف والصدقات الحديث ٢.

(٢) وسائل الشيعة ٦ : ٢٦٥ الباب ٧ من أبواب الصدقة الحديث ٥.

٥٦٤

كتاب الجعالة‌

١ ـ حقيقة الجعالة‌

٢ ـ من أحكام الجعالة‌

٥٦٥
٥٦٦

١ ـ حقيقة الجعالة‌

الجعالة ـ بكسر الجيم وقد تضم ـ إنشاء يتضمن الالتزام بعوض على عمل.

وترجع في حقيقتها الى كونها ايقاعا عاما يتحقق بمجرد الايجاب ، كقول من يريد بيع داره : من باع داري فله كذا ، او خاصا كقول الشخص السابق موجها الخطاب لشخص آخر معين : ان بعت داري فلك كذا.

وهي مشروعة.

وتفترق عن الاجارة بعدّة فوارق.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما ان الجعالة ما تقدم‌ فهو من واضحات الفقه.

واما انها ايقاع لا تحتاج الى قبول فهو المعروف. ويدل عليه :

أ ـ ان الجاعل بايجابه للجعالة لا يتصرف في سلطان الغير ليحتاج الى قبوله.

ب ـ السيرة العقلائية التي يأتي التمسك بها ، فانها قاضية بعدم الحاجة الى القبول.

٥٦٧

وقد يقال بالحاجة الى القبول ولكن يكفي في تحققه شروع العامل في العمل ، فان سيرة العقلاء لا تأبى الحاجة الى القبول بالمقدار المذكور.

٢ ـ واما شرعية الجعالة‌ فأمر متسالم عليه في الجملة. ويدل على ذلك :

أ ـ قوله تعالى : (وَلِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ) (١) ، بعد ضم استصحاب حكم الشريعة السابقة عند الشك في نسخه.

ب ـ الروايات الخاصة ، كصحيحة عبد الله بن سنان : «سمعت ابي يسأل ابا عبد الله عليه‌السلام وأنا اسمع فقال : ربما امرنا الرجل فيشتري لنا الارض والدار والغلام والجارية ونجعل له جعلا ، قال : لا بأس» (٢) ، فانه ليس المقصود ندفع له بعد ذلك لا بعنوان الجعالة والا لقيل : نعطيه ، بل المقصود نقرر له ذلك من البداية بعنوان الجعالة.

وكصحيحة علي بن جعفر عن اخيه ابي الحسن عليه‌السلام : «سألته عن جعل الآبق والضالة ، قال : لا بأس به» (٣) ، فان المقصود السؤال عن الجعالة على ردّ الآبق والضالة.

ج ـ السيرة العقلائية ، فانها انعقدت على كون طلب العمل سببا من اسباب الضمان ، فمن طلب من غيره تعمير داره او حمل متاعه في سيارته كان ذلك سببا للضمان اما باجرة المثل ان لم تقرر اجرة معينة او بما قرر ان فرض ذلك ، وحيث ان السيرة المذكورة لا يحتمل حدوثها‌

__________________

(١) يوسف : ٧٢.

(٢) وسائل الشيعة ١٦ : ١٣٨ الباب ٤ من أبواب الجعالة الحديث ١.

(٣) وسائل الشيعة ١٦ : ١٣٦ الباب ١ من أبواب الجعالة الحديث ١.

٥٦٨

بعد عصر المعصومين عليهم‌السلام ولم يصدر ردع عنها فيستكشف امضاؤها.

٣ ـ واما ان الايجاب يجوز ان يكون عاما تارة وخاصا اخرى‌ فيدل عليه اطلاق صحيحة علي بن جعفر المتقدمة والسيرة العقلائية.

٤ ـ واما الفوارق بين الاجارة والجعالة‌ فهي متعددة من قبيل :

أ ـ ان الاجارة عقد تتوقف على الايجاب والقبول في حين ان الجعالة ايقاع يكفي في تحققها الايجاب.

ب ـ في الاجارة يستحق الاجير الاجرة بمجرد العقد وتنشغل ذمته بالعمل للمستأجر بمجرد ذلك أيضا بخلافه في الجعالة فانه لا تنشغل ذمة الجاعل بالجعل بمجرد الايجاب بل بعد العمل ، كما لا تنشغل ذمة العامل بالعمل للجاعل بمجرد ذلك.

ج ـ لا بدّ من تعيين العوضين في الاجارة بخلافه في الجعالة.

٢ ـ من أحكام الجعالة‌

يجوز الجهل بعوضي الجعالة ، كأن يقول شخص : من اصلح سيارتي فله كذا مقدار مع فرض عدم العلم بما يتطلبه الاصلاح من عمل واجهزة ، او يقول : من باع داري بكذا فله الزائد. اجل يلزم ان لا يكون مجهولا بشكل كامل ، كما لو قال : من باع داري بكذا فله شي‌ء والا بطلت الجعالة واستحق العامل اجرة المثل.

ويجوز للجاعل التراجع عن الجعالة قبل شروع العامل ولا يجوز ذلك بعد الشروع الا مع التوافق مع العامل.

٥٦٩

واذا شرع العامل في العمل فلا يجب عليه اتمامه الا اذا فرض طرو عنوان ثانوي ، كما لو قال الجاعل للطبيب : ان اجريت عملية لعيني فلك كذا فانه لا يحق له التوقف عن اتمام العملية بعد الشروع فيها فيما اذا كان ذلك موجبا للضرر.

ولا يستحق العامل للجعل الا باتمامه للعمل. واذا اتى ببعضه واراد التوقف فلا يستحق بالنسبة الا اذا كان طلب العمل لم يلحظ بنحو الترابط. وقد يكون من هذا القبيل طلب بعض الوزارات في الدولة تعبيد عدّة شوارع او بناء عدّة عمارات وما شاكل ذلك واراد العامل التوقف عن تعبيد او بناء بعضها.

ولا يستحق العامل الجعل الا اذا قصد اداء العمل بقصد تحصيل الجعل ، اما اذا قام به متبرعا او كان جاهلا بالجعالة او غافلا عنها فلا يستحق شيئا.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما جواز الجهل بعوضي الجعالة‌ فهو رأي لبعض الاصحاب. ويدل عليه عموم السيرة المتقدمة واطلاق صحيحة علي بن جعفر المتقدمة ، فان ما يتطلبه ردّ الآبق والضالة غير محدد ، ومقدار الجعل لم تفترض معلوميته ومع ذلك نفى عليه‌السلام البأس من دون تفصيل.

واما حديث نفي الغرر فهو على تقدير تمامية سنده خاص بالبيع ، كما تقدمت الاشارة اليه عند البحث عن الاجارة.

٢ ـ واما اعتبار ان لا يكون الجهل بالعوضين بشكل كامل‌ فيمكن توجيهه بان التعامل مع الجهل بالعوض بشكل كامل ليس عقلائيا ، وادلة امضاء المعاملات منصرفة عن التعامل غير العقلائي.

ومع التنزل يمكن ان نقول : ان مدرك مشروعية الجعالة منحصر‌

٥٧٠

بالوجوه الثلاثة المتقدمة وهي لم يحرز شمولها لحالة الجهل الكامل ، ومعه يلزم التمسك باستصحاب عدم ترتب الاثر عند الشك في ثبوت الامضاء.

٣ ـ واما انه مع بطلان الجعالة يستحق العامل اجرة المثل‌ فباعتبار ان استحقاقه للأجرة المسماة لمّا لم يثبت لفرض بطلان الجعالة فلا بدّ من ضمان اجرة المثل لان الجاعل قد طلب العمل ، وهو سبب للضمان.

٤ ـ واما جواز التراجع عن الجعالة قبل شروع العامل‌ فلم يعرف فيه خلاف بين الاصحاب. ويكفي لإثباته عدم الدليل على اللزوم.

واما عدم جوازه بعد شروع العامل فتقتضيه السيرة العقلائية المتقدمة.

٥ ـ واما عدم لزوم اتمام العامل للعمل بعد شروعه فيه‌ فلعدم الدليل على ذلك.

واما لزوم الاستمرار مع العنوان الثانوي فتقتضيه السيرة المتقدمة.

٦ ـ واما عدم استحقاق العامل للجعل الا بعد اتمام العمل‌ فيكفي لإثباته عدم الدليل على الاستحقاق قبل ذلك.

واما انه اذا اتى ببعضه واراد التوقف فلا يستحق شيئا فلان الجعل قد جعل على اتمام العمل حسب الفرض.

واما ثبوت الاستحقاق بالنسبة اذا فرض عدم ملاحظة الترابط فلأن ذلك يعني انحلال الجعالة الى جعالات متعددة بعدد الابعاض المتصورة.

٥٧١

٧ ـ واما عدم استحقاق العامل للجعل اذا اتى بالعمل متبرعا او غافلا او جاهلا‌ فيكفي لإثباته عدم الدليل على الاستحقاق ، فان السيرة دليل لبي يلزم الاقتصار فيه على القدر المتيقن ، والنصوص منصرفة عن مثل ذلك.

٥٧٢

كتاب الشّفعة‌

١ ـ حقيقة الشفعة‌

٢ ـ من أحكام الشفعة‌

٥٧٣
٥٧٤

١ ـ حقيقة الشفعة‌

الشفعة حق ثابت للشريك في اخذ حصة شريكه ـ اذا باعها لثالث ـ بالثمن المقرر في البيع. ويصطلح على صاحب الحق المذكور بالشفيع.

وهي ايقاع يتوقف تحققه على إنشاء الشريك له بلا حاجة الى القبول.

وشرعيتها امر مسلّم به.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما ان الشفعة هي ما تقدم‌ فمما لا كلام فيه.

واما انها ايقاع يتوقف على إنشاء الايجاب من دون حاجة الى القبول فامر واضح لأنها شرّعت لأخذ الحصة من المشتري حفظا لأولوية الشفيع فلا يحتمل اعتبار قبوله.

٢ ـ واما انها مشروعة‌ فقد دلت عليه جملة من الروايات ، كصحيحة عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «لا تكون الشفعة الا لشريكين ما لم يقاسما ، فاذا صاروا ثلاثة فليس لواحد منهم شفعة» (١) ، وموثقة ابي‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٧ : ٣٢٠ الباب ٧ من أبواب الشفعة الحديث ١.

٥٧٥

العباس البقباق : «سمعت ابا عبد الله عليه‌السلام يقول : الشفعة لا تكون الا لشريك» (١) ، ورواية عقبة بن خالد عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «قضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالشفعة بين الشركاء في الارضين والمساكن وقال : لا ضرر ولا ضرار. وقال : اذا ارّفت الأرف (٢) وحدّت الحدود فلا شفعة» (٣) الى غير ذلك من الروايات.

وينبغي الالتفات الى ان ثبوت حق الشفعة جاء تخصيصا لقاعدة عدم حلية التصرف في مال الغير من دون طيب نفسه كما هو واضح ، ولا محذور في ذلك ، فان القاعدة المذكورة ليست حكما عقليا كي لا تقبل التخصيص.

٢ ـ من أحكام الشفعة‌

يتحقق اعمال حق الشفعة بكل ما يدل على ذلك من قول ـ كقول الشفيع اخذت الحصة المبيعة بثمنها ـ او فعل ، كما اذا دفع الشفيع الثمن واخذ الحصة.

ويشترط في ثبوتها :

أ ـ عدم تقسيم العين المشتركة بفرز الحصص.

ب ـ ان تكون العين مشتركة بين اثنين لا اكثر.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٧ : ٣١٥ الباب ١ من أبواب الشفعة الحديث ١.

(٢) اي اذا رسمت الحدود. والعطف تفسيري. والمقصود الردّ على من يقول بأن الشفعة ثابتة بعد تقسيم الارض وتعيين حصة كل شريك.

(٣) وسائل الشيعة ١٧ : ٣١٩ الباب ٥ من أبواب الشفعة الحديث ١.

٥٧٦

ج ـ تسديد الثمن ولا يكفي اعمال حق الشفعة من دون ذلك.

د ـ ان يكون المدفوع بمقدار الثمن بدون زيادة او نقيصة سواء كان مساويا للقيمة السوقية أم لا.

ه ـ ان تكون العين المشتركة من الاشياء غير المنقولة وقابلة للقسمة كالدور والبساتين والاراضي. وفي ثبوتها في غير القابل للقسمة وفي المنقول خلاف.

وفي اعتبار الفورية في اعمال حق الشفعة خلاف.

ولا تثبت الشفعة بالجوار ، فلو اراد شخص بيع داره فلا تحق لجاره المطالبة بها بالشفعة.

وحق الشفعة قابل للإسقاط بدون عوض او معه ، ولكنه لا يقبل الانتقال الى الغير بالنقل اليه.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما ان اعمال حق الشفعة يتحقق بكل ما يدل على ذلك من قول او فعل‌ فيمكن استفادته من الروايات السابقة ، فانها اذا كانت مشتملة على اطلاق لفظي فهو المطلوب والا امكن التمسك بالاطلاق المقامي ، بتقريب ان اثبات حق الشفعة للشريك من دون بيان ما به يتحقق اعماله يدل على ايكال الامر الى العرف وان الشارع ليس له تحديد خاص في هذا المجال بل كل ما يدل على اعمال الحق المذكور في نظر العرف فهو كاف.

٢ ـ واما انه يشترط في ثبوت حق الشفعة عدم فرز الحصص‌ فهو من المسلمات عندنا. وقد دلت عليه روايات كثيرة كصحيحة عبد الله بن سنان المتقدمة وغيرها.

٥٧٧

ويظهر من رواية عقبة بن خالد المتقدمة وجود رأي مقابل لمدرسة اهل البيت عليهم‌السلام يرى ثبوت حق الشفعة حتى مع فرز الحصص فلاحظ.

٣ ـ واما اعتبار ان تكون العين مشتركة بين اثنين لا اكثر‌ فهو المشهور. وقد دلت عليه عدة روايات كصحيحة عبد الله بن سنان المتقدمة وغيرها.

الا ان في مقابل ذلك روايتين احداهما للسكوني والاخرى لطلحة بن زيد عن الامام الصادق عليه‌السلام وكلتاهما بلسان : «الشفعة على عدد الرجال» (١).

وقد حملها الشيخ على التقية (٢) ، فان تمّ ذلك والا تساقط المتعارضان ولزم الرجوع الى الاصل المقتضي لعدم حلّ التصرف من دون طيب نفس المالك فان القدر المتيقن في الخارج عن الاصل المذكور ما اذا كانت الشركة بين اثنين ، واما اذا كانت بين اكثر فيشك في الخروج عن الاصل فيتمسك به ان فرض عدم وجود اطلاق في الروايات يدل على ثبوت حق الشفعة في حالة اشتراك العين بين اكثر من اثنين.

هذا كله اذا لم نناقش في سند الاولى بالنوفلي الراوي عن السكوني وفي الثانية بطلحة بن زيد والا فلا مشكلة من الاساس.

٤ ـ واما اعتبار تسديد مقدار الثمن عقيب اعمال الحق‌ فينبغي ان يكون من الواضحات ، اذ لا يحتمل ثبوت حق الشفعة وانتقال العين الى الشفيع باعماله الشفعة مع عدم ادائه الثمن ، وهل ذلك الا الضرر المنفي بقاعدة لا ضرر؟

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٧ : ٣٢٢ الباب ٧ من أبواب الشفعة الحديث ٥.

(٢) تهذيب الاحكام ٧ : ١٦٦.

٥٧٨

هذا مضافا الى ان روايات الشفعة لا اطلاق لها من هذه الناحية فينبغي الاقتصار على مورد اليقين ، وهو ما اذا تمّ اداء الثمن.

اجل قد يقال : انه مع طلب الشفيع انظاره لتهيئة الثمن فلا بد من امهاله ثلاثة ايام على ما دلت عليه رواية علي بن مهزيار : «سألت ابا جعفر الثاني عليه‌السلام عن رجل طلب شفعة ارض فذهب على ان يحضر المال فلم ينض (١) فكيف يصنع صاحب الارض ان اراد بيعها أيبيعها او ينتظر مجي‌ء شريكه صاحب الشفعة؟ قال : ان كان معه بالمصر فلينتظر به ثلاثة ايام فان اتاه بالمال والا فليبع وبطلت شفعته في الارض. وان طلب الاجل الى ان يحمل المال من بلد الى آخر فلينتظر به مقدار ما يسافر الى تلك البلدة وينصرف وزيادة ثلاثة ايام اذا قدم ، فان وافاه والا فلا شفعة له» (٢). ولكنها ضعيفة بالهيثم بن ابي مسروق النهدي فانه لم يوثق ، ولا يمكن العمل بها الا بناء على كبرى الجابرية بعمل المشهور.

٥ ـ واما ان الشفيع لا يمكنه تملك الحصة الا بدفع مقدار الثمن بدون زيادة ولا نقيصة‌ فتدل عليه رواية هارون بن حمزة الغنوي عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «سألته عن الشفعة في الدور أشي‌ء واجب للشريك؟ ويعرض على الجار فهو احق بها من غيره؟ (٣) فقال : الشفعة في البيوع‌

__________________

(١) نض المال ينض اذا تحول الى نقد بعد ان كان متاعا.

(٢) وسائل الشيعة ١٧ : ٣٢٤ الباب ١٠ من أبواب الشفعة الحديث ١.

(٣) لعل المقصود : هل يلزم عرض الدور ـ التي يراد بيعها ـ على الجار ويكون أحق بها من غيره؟ وأجاب عليه‌السلام عن هذه الفقرة من السؤال بالنفي وان الشفعة تختص بالشركاء.

٥٧٩

اذا كان شريكا فهو احق بها بالثمن» (١) ، الا ان سندها يشتمل على يزيد بن اسحاق شعر ، وهو لم يوثق. اجل بناء على تمامية كبرى الجابرية بموافقة فتوى المشهور لا اشكال خصوصا اذا لاحظنا كلام صاحب الجواهر الذي يقول فيه : «لا خلاف بين الخاصة والعامة نصا وفتوى في ان الشفيع يأخذ بمثل الثمن الذي وقع عليه العقد» (٢).

ثم انه يمكن ان نسلك طريقا آخر لإثبات فتوى المشهور بان يقال : ان الروايات حيث لا اطلاق فيها من هذه الناحية فينبغي الاقتصار على القدر المتيقن ، وهو ما اذا كان البذل لما يساوي مقدار الثمن.

٦ ـ واما انه لا يفرّق بين ان يكون مقدار الثمن مساويا للقيمة السوقية او لا‌ فلإطلاق البيانين المتقدمين من هذه الناحية.

٧ ـ واما ثبوت الشفعة في الاعيان غير المنقولة القابلة للقسمة‌ فهو مما لا خلاف فيه بين الاصحاب وهو القدر المتيقن من مورد حق الشفعة.

واذا رجعنا الى الروايات وجدنا ان بعضها يدل على ثبوت حق الشفعة في جميع الاشياء كصحيحة يونس عن بعض رجاله عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «الشفعة جائزة في كل شي‌ء من حيوان او ارض او متاع» (٣) لكنها ضعيفة بالارسال.

واذا لاحظنا رواية عقبة بن خالد المتقدمة وجدناها تدل على ثبوت الشفعة في الدور والاراضي. وهي ضعيفة السند بعقبة نفسه‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٧ : ٣١٦ الباب ٢ من أبواب الشفعة الحديث ١.

(٢) جواهر الكلام ٣٧ : ٣٢٦.

(٣) وسائل الشيعة ١٧ : ٣١٩ الباب ٥ من أبواب الشفعة الحديث ١.

٥٨٠