دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي على المذهب الجعفري - ج ٢

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي على المذهب الجعفري - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الفقه للطباعة والنشر
المطبعة: برهان
الطبعة: ٢
ISBN: 964-499-036-6
ISBN الدورة:
964-499-048-X

الصفحات: ٥٩١

كتاب الوكالة‌

١ ـ حقيقة الوكالة‌

٢ ـ من أحكام الوكالة‌

٢٠١
٢٠٢

١ ـ حقيقة الوكالة‌

الوكالة عقد يتضمن تسليط الغير على معاملة أو ما هو من شئونها كالقبض والاقباض.

وهي أمر يغاير الاذن والنيابة.

ولا شك في مشروعيتها.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما ان الوكالة عقد‌ فهو المشهور. وخالف في ذلك السيد اليزدي فاختار عدم توقف تحققها على القبول ، بدليل انه لو قال الموكل للوكيل : وكلتك في بيع داري فباعها صحّ البيع حتى مع الغفلة عن قصد النيابة وإنشاء القبول بالبيع. وأيضا لو كانت عقدا لزم مقارنة القبول لإيجابها ، والحال ان من الجائز توكيل الغائب الذي يصله خبر الوكالة بعد فترة.

ثم ذكر قدس‌سره : ان هذا لا يعني ان القبول لو تحقق بعد الايجاب فلا تكون عقدا ، بل المقصود ان بالامكان وقوعها بنحو الايقاع تارة‌

٢٠٣

وبنحو العقد اخرى (١).

هذا والمناسب كونها عقدا لقضاء الارتكاز العقلائي بتوقف تحققها على القبول ، والذي لا يحتاج إلى ذلك هو الاذن ، وهما شيئان متغايران وليسا شيئا واحدا.

وصحة البيع التي أشار إليها في القرينة الاولى تحتمل ان تكون من جهة الاذن دون الوكالة.

والموالاة بين الايجاب والقبول التي اشار إليها في القرينة الثانية لم يثبت اعتبارها في العقد بشكل مطلق لو سلم بثبوت اعتبارها في الجملة.

وما ذكره من تحققها احيانا بالايجاب والقبول معا غير واضح ، إذ لو كان الايجاب كافيا في تحققها فلا دور لضم القبول ، ومن ثمّ يلزم ان تكون ايقاعا دائما.

٢ ـ واما انها تسليط يتضمن ما ذكر‌ فلان ذلك هو المفهوم منها عرفا.

واما تخصيصها بالتسليط على المعاملة وما هو من شئونها دون جميع الاشياء فلما يأتي من اختصاص الوكالة بالاشياء التي لم يعتبر الشارع فيها الصدور بالمباشرة ، وليست تلك الا المعاملة والقبض والاقباض.

٣ ـ واما ان الوكالة امر يغاير الاذن‌ فواضح ، فان الاذن لا يتوقف تحققه على القبول بخلاف الوكالة.

__________________

(١) ملحقات العروة الوثقى ٢ : ١١٩.

٢٠٤

والوكالة تنفسخ بفسخ الوكيل ، بخلاف الاذن ، فانه لا يرتفع برفض الماذون.

وتصرف الوكيل يقع صحيحا وان عزله الموكل ما دام لم يبلغه خبر العزل ، بخلافه في الاذن ، فان التصرف يقع باطلا مع التراجع وان لم يبلغ الماذون ذلك.

٤ ـ واما مغايرة الوكالة للنيابة‌ فواضحة أيضا ، إذ في الوكالة ينتسب الفعل الى الموكل ، بخلافه في النيابة ، فالحج الآتي به النائب لا ينتسب إلى المنوب عنه ، بخلافه في مثل البيع الذي يأتي به الوكيل ، فانه ينتسب إلى الموكل.

والنيابة قد تقع تبرعية ، بخلاف الوكالة ، فانه لا يتصور فيها ذلك.

٥ ـ واما مشروعية الوكالة‌ فهي من البديهيات لاستقرار سيرة العقلاء ونظامهم عليها.

وفي صحيح معاوية بن وهب وجابر بن يزيد عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «من وكّل رجلا على امضاء امر من الامور فالوكالة ثابتة ابدا حتى يعلمه بالخروج منها كما اعلمه بالدخول فيها» (١).

وقد يستدل على ذلك بقوله تعالى : (فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ) (٢) ، (اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هذا) (٣). ولكنه كما ترى.

واما عموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (٤) فلا يمكن التمسك به في المقام‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٣ : ٢٨٥ الباب ١ من أحكام الوكالة الحديث ١.

(٢) الكهف : ١٩.

(٣) يوسف : ٩٣.

(٤) المائدة : ١.

٢٠٥

للتسالم على جواز الوكالة وعدم لزومها.

٢ ـ من أحكام الوكالة‌

يعتبر في الوكالة الايجاب والقبول بكل ما يدل عليهما.

وتتحقق بكتابة الموكل إلى الوكيل ـ ولو كان في بلد آخر ـ متى ما قبل ولو بعد فترة.

والمشهور عدم جواز التعليق فيها وان جاز في متعلقها.

وهي من العقود الجائزة ولكن الوكيل لو تصرف قبل بلوغه عزل الموكل وقع تصرفه صحيحا.

وتلزم متى ما تحقق اشتراطها ضمن عقد لازم بنحو شرط النتيجة.

وإذا اشترط عدم العزل ضمن عقد الوكالة فقد قيل بلزومها أيضا.

وتبطل بموت الموكل وجنونه واغمائه.

وتصح في كل ما لا يتعلق غرض الشارع بايقاعه مباشرة. ويعرف ذلك من بناء العرف وارتكاز المتشرعة.

ولا يحق للوكيل التعدي عما حدّد له الا إذا كان المفهوم عرفا ان المذكور هو من باب احد الافراد وليس من باب التحديد.

ولا يضمن الوكيل ما يتلف الا إذا تعدّى أو فرّط. ولا تبطل بذلك وكالته.

وعند الاختلاف في تحقق التعدي والتفريط يؤخذ بقول الوكيل مع يمينه وعدم البينة للموكل.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما اعتبار الايجاب والقبول في تحقق الوكالة‌ فلأنها عقد.

٢٠٦

٢ ـ واما الاكتفاء بكل ما يدل عليهما‌ فلإطلاق دليل شرعيتها بعد فرض تحققها.

ومنه يتضح الوجه في تحققها بالكتابة.

والتسالم على اعتبار الموالاة في العقود ان فرض تحققه فلا يجزم بشموله للوكالة ان لم يدع الجزم بعدم شموله لها.

٣ ـ واما عدم جواز التعليق في الوكالة نفسها‌ فقد علّله صاحب الجواهر بالإجماع القائم بكلا قسميه على عدم جواز التعليق في مطلق العقود (١).

ويمكن ان يقال : انه لا يمكن الجزم بشمول الاجماع المذكور لمثل الوكالة ، والقدر المتيقن منه هو البيع والاجارة وما شاكلهما من المعاوضات ، كما نبه عليه السيد اليزدي (٢) ، ومعه يعود اطلاق دليل شرعية الوكالة بلا مانع يمنع من التمسك به.

٤ ـ واما جواز التعليق في متعلق الوكالة دونها‌ ـ كما إذا قال الموكّل : انت وكيلي من الآن في بيع داري متى ما ارتفع سعرها ـ فواضح لان الاجماع على عدم جواز التعليق في الوكالة ان ثبت فهو ناظر الى تعليق الوكالة نفسها دون حالة التعليق في متعلقها مع فرض اطلاقها ، ولا أقلّ من كون ذلك هو القدر المتيقن منه فيعود دليل شرعية الوكالة بلا مانع يمنع من التمسك باطلاقه.

٥ ـ واما ان الوكالة من العقود الجائزة‌ فقد ادعي عدم الخلاف فيه. وصحيح معاوية وجابر المتقدم واضح الدلالة على ذلك ، الا انه خاص‌

__________________

(١) جواهر الكلام ٢٧ : ٣٥٢.

(٢) ملحقات العروة الوثقى ٢ : ١٢١.

٢٠٧

بتراجع الموكل فلا بدّ من ضم عدم القول بالفصل أو دعوى تنقيح المناط والغاء الخصوصية.

٦ ـ واما صحة تصرف الوكيل مع عزل الموكل له ما دام لم يبلغه خبر العزل‌ فقد دل عليه الصحيح المتقدم وغيره.

ويظهر من خلال بعض النصوص ان المسألة كانت محل خلاف بيننا وبين غيرنا ، فغيرنا كان يفصّل بين النكاح فيبطل بالعزل ولو لم يصل خبره إلى الوكيل وبين غيره فلا يبطل ، ففي الحديث ان العلاء بن سيابة سأل الامام الصادق عليه‌السلام عن حكم المسألة فأجابه بصحة فعل الوكيل ما دام لم يصله خبر العزل. ثم سأل الامام عليه‌السلام العلاء قائلا : «ما يقول من قبلكم في ذلك؟ ... قلت : نعم يزعمون انها لو وكّلت رجلا واشهدت في الملأ وقالت في الخلاء (١) : اشهدوا اني قد عزلته أبطلت (٢) وكالته بلا ان تعلم في العزل ، وينقضون جميع ما فعل الوكيل في النكاح خاصة ، وفي غيره لا يبطلون الوكالة الا ان يعلم الوكيل بالعزل ، ويقولون : المال منه عوض لصاحبه والفرج ليس منه عوض إذا وقع منه ولد فقال عليه‌السلام : سبحان الله ما أجور هذا الحكم وأفسده ، ان النكاح احرى واحرى ان يحتاط فيه وهو فرج ومنه يكون الولد ...» (٣).

٧ ـ واما لزوم الوكالة متى ما تحقق اشتراطها ضمن عقد لازم بنحو شرط النتيجة‌ ـ كما لو اشترطت الزوجة في عقد نكاحها ان تكون وكيلة عن زوجها في طلاق نفسها متى ما سجن أو ساء خلقه أو غير‌

__________________

(١) في تهذيب الاحكام ٦ : ٢١٥ والفقيه ٣ : ٤٨ : وقالت في الملأ.

(٢) في تهذيب الاحكام ٦ : ٢١٥ : بطلت وكالته وان لم يعلم العزل.

(٣) وسائل الشيعة ١٣ : ٢٨٦ الباب ٢ من أحكام الوكالة الحديث ٢.

٢٠٨

ذلك ـ فهو المشهور لأنها وان كانت جائزة في حدّ نفسها الا ان ذلك لا ينافي لزومها بسبب الاشتراط.

اجل تردد المحقق في كتاب الرهن من شرائعه فيما لو اشترطت في عقد الرهن وكالة المرتهن في بيع العين المرهونة متى لم يتم تسديد القرض في الموعد المقرر (١) ، الا انه كما ترى.

هذا وقد زاد بعض الاعلام قائلا : لو اشترطت الوكالة ضمن العقد الجائز لزم العمل بالشرط ما دام العقد باقيا وان جاز فسخ العقد فيزول لزوم الشرط بالتبع (٢).

ثم انه إذا افترض اشتراط الوكالة ضمن عقد لازم بنحو شرط الفعل كان العمل بالشرط واجبا تكليفا الا انه لو عصى المشترط عليه فلا يلزم سوى الاثم ولا تتحقق الوكالة.

٨ ـ واما القول بلزومها لو اشترط عدم العزل ضمن عقد الوكالة فهو من جهة لزوم العمل بالشرط‌ بمقتضى قوله عليه‌السلام : «المسلمون عند شروطهم» (٣).

وتوهم لزوم الدور مندفع بان لزوم الشرط ليس موقوفا على بقاء الوكالة بل على ايقاع عقدها وقد حصل.

٩ ـ واما انها تبطل بموت الموكل وجنونه واغمائه‌ فقد قيل : انه لا مستند له سوى الاجماع (٤).

الا انه يمكن ان يقال : ان الوكالة هي في روحها اذن خاص تترتب‌

__________________

(١) شرائع الإسلام ٢ : ٣٣٤ انتشارات استقلال.

(٢) ملحقات العروة الوثقى ٢ : ١٢٢.

(٣) وسائل الشيعة ١٢ : ٣٥٣ الباب ٦ من أبواب الخيار الحديث ٢.

(٤) جواهر الكلام ٢٧ : ٣٦٢.

٢٠٩

عليه بعض الخصوصيات ، ومعه فمن المناسب بطلانها بما ذكر لزوال الاذن بذلك.

لا يقال : على هذا يلزم الحكم ببطلان الوكالة في حالة نوم الموكل.

فانه يقال : الوجدان قاض بالفرق ، ولذا لو كان الاذن لا بنحو الوكالة يحكم بزوالها وعدم جواز التصرف بالموت ونحوه دون طرو النوم.

١٠ ـ واما صحة الوكالة في خصوص ما لا يتعلق غرض الشارع بايقاعه بالمباشرة ـ كالوضوء والغسل مثلا‌ ـ فواضح والا يلزم خلف الفرض.

واما وجه الاستناد إلى ارتكاز المتشرعة في تحديد مطلوبية المباشرة فلان الارتكاز المذكور يكشف عن وصول مضمونه يدا بيد من الامام عليه‌السلام بعد افتراض عدم احتمال وجود منشأ آخر له غير ذلك.

واما الاستناد الى العرف في ذلك أيضا فلحجية ما يفهمه من النص من خلال تحكيم مناسبات الحكم والموضوع وغيرها من القرائن.

١١ ـ واما انه لا يحق للوكيل التعدي عما حدد له‌ فلان الوكالة ترجع في روحها إلى الاذن فلا بد من الاقتصار على حدودها.

١٢ ـ واما عدم ضمان الوكيل إذا لم يتعد ولم يفرّط‌ فلانه امين ، وهو لا يضمن الا بذلك.

واما انه لا تبطل الوكالة بالتعدي والتفريط فلان جعلها من الموكل لم يكن محدّدا بما إذا لم يحصل ذلك.

١٣ ـ واما تقديم قول الوكيل عند الاختلاف في تحقق التعدي أو التفريط‌ فلموافقة قوله الاصل فيحتاج المدعي لخلاف ذلك في اثبات دعواه إلى البينة فإذا لم تكن قدّم قول من وافق قوله الاصل مع اليمين.

٢١٠

كتاب المضاربة‌

١ ـ حقيقة المضاربة‌

٢ ـ شرائط المضاربة‌

٣ ـ من أحكام المضاربة‌

٢١١
٢١٢

١ ـ حقيقة المضاربة‌

المضاربة معاملة بين طرفين تتضمن دفع المال من أحدهما والعمل من الآخر مع اقتسام الربح.

وهي مشروعة جزما.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما ان معنى المضاربة ما ذكر‌ فهو من المسلمات التي لا خلاف فيها.

اجل عرّفها جمع ـ كصاحب الجواهر والعروة الوثقى ـ بدفع الانسان مالا إلى غيره ليتجر به على ان يكون الربح بينهما (١).

والاولى ما ذكرناه لأنها معاملة وتعاقد بين طرفين يتضمن دفع المال من احدهما وليست دفع المال نفسه الذي هو فعل خارجي.

وفرقها عن القرض ان المال على فرض القرض ينتقل جميعه‌

__________________

(١) جواهر الكلام ٢٦ : ٣٣٨ ، والعروة الوثقى : بداية كتاب المضاربة.

٢١٣

إلى الطرف الثاني مقابل ضمانه لما يساويه ، بخلافه على فرض المضاربة ، فان المال يبقى على ملك مالكه ويعمل العامل فيه مقابل قسم من الربح.

وفرقها عن الاجارة ان الارباح على فرض الاجارة تكون بأجمعها للمالك ، وللعامل الاجرة ، بخلافه في المضاربة ، فان الارباح من البداية تكون بين الطرفين حسب الاتفاق.

٢ ـ واما مشروعيتها فمما لا كلام فيها. وتدل على ذلك نصوص كثيرة ، كصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام : «سألته عن الرجل يعطي المال مضاربة وينهى ان يخرج به فخرج ، قال : يضمن المال ، والربح بينهما» (١) وغيرها.

وهي صحيحة بكلا طريقيها فراجع.

ويظهر منها ان صحة المضاربة في الجملة امر مفروغ منه وان السؤال وقع عن بعض خصوصياتها.

وهل يمكن التمسك لإثبات صحتها بالعمومات من قبيل قوله تعالى : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (٢) ونحوه؟

ان هذا سؤال تقدم الجواب عنه في مبحث المزارعة وذكرنا ان المشهور قال بجواز ذلك خلافا لبعض حيث اختار عدم جواز ذلك.

وقد تقدم ان النزاع المذكور تترتب عليه جملة من الثمرات.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٣ : ٢٨١ الباب ١ من أبواب أحكام المضاربة الحديث ١.

(٢) المائدة : ١.

٢١٤

٢ ـ شرائط المضاربة‌

يلزم في تحقق المضاربة توفر :

١ ـ الايجاب من المالك والقبول من العامل بكل ما يدل عليهما ولو بالمعاطاة.

٢ ـ البلوغ والعقل والاختيار في المالك والعامل. ويلزم في المالك أن لا يكون محجورا عليه لسفه أو فلس.

٣ ـ تعيين الحصة وعدم ترددها ، وان يكون تعيينها بنحو الكسر المشاع الا اذا افترض وجود تعارف خارجي يوجب انصراف الاطلاق إليه.

٤ ـ كون الربح بينهما ، فلا يصح جعل مقدار منه لأجنبي الا مع افتراض قيامه بعمل.

٥ ـ ان يكون الاسترباح بالتجارة ، فلو دفع إلى شخص مال ليشتري به سيارة لحمل المسافرين مع اقتسام الاجرة او دفع إلى خباز أو بقال ونحوهما مال ليصرف في حرفتهم مع اقتسام الارباح لم يكن ذلك مضاربة.

٦ ـ قدرة العامل على مباشرة التجارة بنفسه إذا اشترط عليه ذلك.

٧ ـ ان يكون رأس المال عينا وليس دينا ، فلو كان لشخص على آخر دين لم يجز جعله مضاربة الا بعد قبضه.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما اعتبار الايجاب والقبول في المضاربة‌ فواضح بعد كونها عقدا.

٢١٥

واما الاكتفاء بكل ما يدل عليهما فللتمسك باطلاق ادلة مشروعيتها بعد فرض تحقق الدلالة عليها.

ومن ذلك يتضح الوجه في تحققها بالمعاطاة.

٢ ـ واما اعتبار البلوغ والعقل والاختيار في المالك والعامل‌ فلأنها من الشرائط العامة المعتبرة في كل عقد.

واما اعتبار عدم الحجر على المالك فلانه من خلال المضاربة يتحقق منه التصرف في أمواله ، وشرط جواز ذلك عدم الحجر.

واما عدم اعتبار ذلك في العامل فباعتبار انه لا يتحقق منه تصرف في ماله وانما يحاول تحصيل مال وذلك ليس ممنوعا منه.

هذا وقد تقدم في كتاب المزارعة وجود رأي يعتبر ذلك في العامل أيضا.

٣ ـ واما اعتبار تعيين الحصة وعدم ترددها‌ فلان الحصة المرددة لا وجود لها ليمكن تمليكها للعامل.

وهل يلزم تعيين الحصة بمعنى معلوميتها وعدم كونها مجهولة ، كما لو قال المالك : ضاربتك بحصة تساوي الحصة المجعولة في مضاربة فلان مع افتراض انهما يجهلان ذلك؟

المشهور ذلك لحديث : نهى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الغرر (١).

والمناسب عدم اعتبار ذلك لما تقدم في مبحث الاجارة من ضعف الحديث سندا بل لم يثبت كونه رواية.

٤ ـ واما اعتبار كون تعيين الحصة بالكسر المشاع‌ فلان ذلك‌

__________________

(١) تذكرة الفقهاء ، كتاب الاجارة ، المسألة ٢ من الركن ٣ في الفصل ٢.

٢١٦

مقوّم لمفهوم المضاربة ، إذ لو عينت لا بذلك ـ كما لو قال المالك : ضاربتك على ان يكون لك مائة دينار ـ كان المورد مصداقا للإجارة أو الجعالة.

واما كفاية الانصراف فلأن به يتحقق التعيين.

٥ ـ واما اعتبار كون الربح بينهما وعدم صحة جعل قسم منه لأجنبي‌ فلأن ظاهر روايات المضاربة كون الربح بينهما لا غير.

على انه يكفي الشك في جواز الجعل للأجنبي في الحكم بعدم الجواز بناء على رأي المشهور القائل بعدم امكان التمسك بالعمومات لإثبات صحة المضاربة.

واما استثناء حالة قيام الاجنبي بعمل فلأنه بفرض قيامه بعمل يكون عاملا آخر في المضاربة ، ومن ثمّ سوف تكون المضاربة بين المالك وعاملين ، وذلك مما لا محذور فيه كما سيأتي إن شاء الله تعالى.

٦ ـ واما اعتبار كون الاسترباح بالتجارة‌ فلان ذلك دخيل في مفهوم المضاربة.

ولا أقل من احتمال ذلك ، ويكفي ذلك ، حيث يلزم الرجوع إلى اصالة عدم ترتب الاثر.

وهل يمكن تصحيح المعاملة ـ التي لا يكون الاسترباح فيها بالتجارة ـ بواسطة العمومات؟

نعم يمكن ذلك بناء على رأي المشهور القائل بامكان تصحيح المضاربة وما شاكلها من خلال العمومات.

٧ ـ واما اعتبار قدرة العامل على المباشرة إذا كانت مقصودة‌ فلأنه بدون ذلك لا يمكن تحقق القصد إلى المعاملة ولا يمكن تعلق‌

٢١٧

وجوب الوفاء بها.

وهذا مطلب سار في كل معاملة ولا يختص بالمضاربة.

٨ ـ واما اعتبار كون رأس المال عينا وليس بدين‌ فللقصور في المقتضي ووجود المانع.

اما القصور في المقتضي فلان عنوان اعطاء المال المذكور في صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة وغيرها ظاهر في دفع العين ولا يشمل الدين. ولا أقلّ من الشك فلا يمكن التمسك بها لإثبات مشروعيتها.

واما المانع فهو موثقة السكوني عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «قال أمير المؤمنين عليه‌السلام في رجل له على رجل مال فيتقاضاه ولا يكون عنده فيقول : هو عندك مضاربة ، قال : لا يصلح حتى تقبضه منه» (١).

وهي معتبرة السند بطرقها الاربع فراجع.

والسكوني والنوفلي وان لم يوثقا بشكل خاص الا ان بالامكان التساهل في امرهما لبيان مرّ في بعض الأبحاث.

هذا وقد نسب إلى المشهور اعتبار ان يكون رأس المال من الذهب والفضة المسكوكين وادعي الاجماع على ذلك.

الا ان المناسب التعميم للأوراق النقدية لصدق عنوان المال ـ المذكور في صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة وغيرها ـ عليها.

والاجماع المدعى ـ بمعنى الاتفاق الكاشف عن رأي المعصوم عليه‌السلام ـ لم يثبت تحققه.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٣ : ١٨٧ الباب ٥ من أبواب أحكام المضاربة الحديث ١.

٢١٨

٣ ـ من أحكام المضاربة‌

عقد المضاربة جائز ويحق للطرفين التراجع عنه متى شاءا الا إذا اشترط عدم الفسخ الى فترة محددة.

ومع تحقق الخسارة في التجارة لا يضمن العامل منها شيئا الا إذا تجاوز الحدّ المقرر له.

وإذا اشترط المالك تقسيم الخسارة كان الشرط صحيحا على قول.

ولا يحق للعامل خلط رأس المال بمال آخر لنفسه أو غيره الا مع كسب الاذن من المالك.

وإذا حدّد المالك كيفية التصرف بالمال لزم السير على طبقها والا لزم السير على طبق ما هو المتعارف.

ويجوز تعدد العامل في باب المضاربة مع اتحاد المالك سواء اتحد المال أم تميز.

وتبطل المضاربة بموت كل من العامل أو المالك.

والربح وقاية لرأس المال ، فلو ربح العامل في تجارة وخسر في اخرى بعدها او حصل تلف جبر ذلك بالربح.

والعامل يملك حصته من الربح بمجرد ظهوره من غير توقف على الانضاض ـ بمعنى تحويل الاجناس إلى نقود ـ أو القسمة.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما ان عقد المضاربة جائز بالرغم من ان المناسب‌ لأصالة اللزوم في مطلق العقود لزومه فعلل تارة بالإجماع وانه الحجة في‌

٢١٩

الخروج عن قاعدة اللزوم ، واخرى بان عقد المضاربة يرجع في روحه إلى الاذن في التصرف من احدهما والقبول من الآخر كالعارية ، وللآذن التراجع عن اذنه متى شاء.

٢ ـ واما ان المضاربة تلزم باشتراط عدم الفسخ‌ فلوجوب الوفاء بالشرط المستفاد من قوله عليه‌السلام : «المسلمون عند شروطهم» (١).

ودعوى ان الشرط باطل لمنافاته لمقتضى العقد مدفوعة بانه مناف لإطلاقه لا لأصله.

ودعوى ان الشرط في العقود الجائزة لا يلزم الوفاء به مدفوعة بان عموم قوله عليه‌السلام : «المسلمون عند شروطهم» يعم كل شرط بما في ذلك الواقع ضمن العقد الجائز.

اجل إذا كان مفاد الشرط شيئا آخر غير عدم الفسخ فيجوز فسخ العقد فيسقط الشرط والا فما دام العقد باقيا فالوفاء بالشرط واجب. واما إذا كان مفاد الشرط عدم الفسخ كما في المقام فيترتب عليه عدم جواز الفسخ. ولكن لو فرض ان المشروط عليه خالف وفسخ فهل يقع الفسخ أو لا؟

قيل : لا. واختاره السيد اليزدي (٢).

والمناسب وقوعه لان مفاد قوله عليه‌السلام : «المسلمون عند شروطهم» الوجوب التكليفي من دون ترتب اثر وضعي عليه. اجل يكون الفاسخ آثما وعاصيا.

٣ ـ واما عدم تحمل العامل للخسارة الا مع التجاوز عن الحد المقرر له‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٢ : ٣٥٣ باب ٦ من أبواب الخيار الحديث ٢.

(٢) العروة الوثقى ، كتاب المضاربة ، المسألة ٢ من فصل شرائط عقد المضاربة.

٢٢٠