دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي على المذهب الجعفري - ج ٢

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي على المذهب الجعفري - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الفقه للطباعة والنشر
المطبعة: برهان
الطبعة: ٢
ISBN: 964-499-036-6
ISBN الدورة:
964-499-048-X

الصفحات: ٥٩١

يؤخذ منها ما شاء او ما تراضيا عليه من صداق او اكثر ...» (١) وغيرها.

١٤ ـ واما ان الخلع طلاق بائن‌ فمما لا خلاف فيه لصحيحة محمد بن مسلم عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «الخلع والمباراة تطليقة بائن وهو خاطب من الخطاب» (٢).

واما انه يجوز للزوج الرجوع عند رجوعها عن البذل فلصحيحة عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «ولا رجعة للزوج على المختلعة ولا على المباراة الا ان يبدو للمرأة فيرد عليها ما أخذ منها» (٣). وموثقة البقباق المتقدمة في الرقم ١٢.

١٥ ـ واما ان المباراة كالخلع في جميع الاحكام الا في الاحكام الثلاثة‌ فهو المعروف بين الاصحاب. وقد يستفاد من رواية زرارة : «سألت ابا جعفر عليه‌السلام عن عدة المختلعة كم هي؟ قال : عدة المطلقة. ولتعتد في بيتها. والمبارئة بمنزلة المختلعة» (٤).

فان تمت الدلالة على العموم ولم يناقش في السند من ناحية المعلى بن محمد فلا مشكلة والا فيمكن تصيد ذلك من مجموع النصوص ، كصحيحة زرارة ومحمد بن مسلم عن احدهما عليهما السّلام : «لا مباراة الا على طهر من غير جماع بشهود» (٥) وصحيحة عبد الله بن سنان المتقدمة في الرقم ١٤ وغيرهما ، فانه بضم النصوص المذكورة‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٥ : ٤٩٣ الباب ٤ من كتاب الخلع والمباراة الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٥ : ٤٩٥ الباب ٥ من كتاب الخلع والمباراة الحديث ٢.

(٣) وسائل الشيعة ١٥ : ٤٩٩ الباب ٧ من كتاب الخلع والمباراة الحديث ٤.

(٤) وسائل الشيعة ١٥ : ٥٠٣ الباب ١٠ من كتاب الخلع والمباراة الحديث ٤.

(٥) وسائل الشيعة ١٥ : ٤٩٨ الباب ٦ من كتاب الخلع والمباراة الحديث ٧.

٤٤١

بعضها الى بعض قد يستفاد الحكم المذكور.

١٦ ـ واما انه يعتبر في المباراة الكراهة من كلا الطرفين‌ فهو على ما في الحدائق امر مقطوع به في كلام الاصحاب (١). ويمكن استفادته من موثقة سماعة : «سألته عن المباراة كيف هي؟ فقال : يكون للمرأة شي‌ء على زوجها من مهر أو من غيره ويكون قد اعطاها بعضه فيكره كل واحد منهما صاحبه فتقول المرأة لزوجها : ما اخذت منك فهو لي ، وما بقي عليك فهو لك وابارئك فيقول الرجل لها : فان انت رجعت في شي‌ء مما تركت فانا أحق ببضعك» (٢).

ولا يضر اضمارها بطريق الكليني بعد ما كانت مسندة في طريق الشيخ.

اجل ان الشيخ رواها بسنده عن علي بن الحسن ، اي ابن فضال ، وطريقه اليه يشتمل على علي بن محمد بن الزبير الذي لم يذكر في حقه توثيق خاص. الا ان الامر من ناحيته سهل بناء على كفاية شيخوخة الاجازة في اثبات الوثاقة.

١٧ ـ واما انه يعتبر في المباراة ان لا تكون الفدية اكثر من المهر‌ فهو مما لا خلاف فيه ، وانما الخلاف في اعتبار ان لا تكون مساوية له أيضا بل أقلّ.

وظاهر صحيحة ابي بصير عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «المباراة تقول المرأة لزوجها : لك ما عليك واتركني او تجعل لها من قبلها شيئا فيتركها الا انه يقول : فان ارتجعت في شي‌ء فانا املك ببضعك.

__________________

(١) الحدائق الناضرة ٢٥ : ٦٢٣.

(٢) وسائل الشيعة ١٥ : ٥٠٠ الباب ٨ من كتاب الخلع والمباراة الحديث ٣.

٤٤٢

ولا يحل لزوجها ان يأخذ منها الا المهر فما دونه» (١) بل صريحها جواز كونها مساوية.

الا انه قد يقال بكونها معارضة بصحيحة زرارة المتقدمة في الرقم ١٣ الدالة على اعتبار كونها أقلّ من مقدار المهر.

ويمكن الجمع بينهما بحمل الوارد في صحيحة زرارة «دون الصداق» على اعتبار ان لا تكون ازيد من مقدار المهر ، فان صحيحة ابي بصير صريحة في جواز كونها بمقداره بينما صحيحة زرارة ظاهرة في اعتبار كونها أقلّ منه فيؤول الظاهر بقرينة الصريح طبقا للقاعدة العرفية : كلما اجتمع دليلان متنافيان احدهما صريح والآخر ظاهر أوّل الظاهر بقرينة الصريح.

واذا تمّ هذا فلا مشكلة والا كان التعارض مستقرا ويلزم ترجيح صحيحة ابي بصير لموافقة مضمونها لقوله تعالى : (فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) (٢).

وعليه فالنتيجة واحدة على كلا التقديرين.

١٨ ـ واما انه لا تصح المباراة بلفظ «بارأتك على كذا» من دون اتباع بالطلاق‌ فقد ادعى المحقق اتفاق الاصحاب عليه» (٣). ولو لا ذلك كان من الوجيه الحكم بعدم الحاجة الى الاتباع بذلك لصحيحة حمران : «سمعت ابا جعفر عليه‌السلام يتحدث قال : المباراة (٤) تبين من ساعتها من غير‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٥ : ٥٠٠ الباب ٨ من كتاب الخلع والمباراة الحديث ٤.

(٢) البقرة : ٢٢٩.

(٣) شرايع الإسلام ٣ : ٦٢٣ انتشارات استقلال.

(٤) في تهذيب الاحكام ٨ : ١٠٢ : المبارئة ....

٤٤٣

طلاق ولا ميراث بينهما ...» (١) وغيرها.

والمناسب تحفظا من مخالفة الاتفاق المحتمل التنزل عن الفتوى بعدم اعتبار الاتباع بالطلاق الى الاحتياط باعتباره.

٦ ـ من أحكام الطلاق‌

اذا طلّق غير الامامي زوجته بطلاق صحيح على مذهبه فاسد على مذهبنا جاز للإمامي الزواج بها بعد انقضاء عدتها. هذا اذا كانت الزوجة غير امامية أيضا. واذا كانت امامية جاز لها التزوج بالغير أيضا.

ويجوز للزوج في الطلاق الرجعي الرجوع على زوجته ما دامت العدة لم تنته. ويتحقق الرجوع باللفظ ، كقول رجعتك ولو بغير العربية ، وبالفعل كالتقبيل بشهوة ونحوه مع قصد الرجوع به. اجل خصوص الوطء يتحقق به الرجوع ولو من دون قصده. واما لو قبّل أو لا مس بشهوة من دون قصد الرجوع بذلك فالمشهور تحقق الرجعة به.

والمطلقة الرجعية زوجة حقيقة أو حكما ما دامت في العدة فيجب الانفاق عليها ، ولا يجوز لها الخروج بغير اذنه ، ويجوز الدخول عليها بغير اذن. وهذا بخلاف المطلقة بائنا فانها بمنزلة الاجنبية ولا تترتب عليها الاحكام المذكورة.

ولا يجوز اخراج المطلقة من دار سكناها عند الطلاق الا ان تأتي بفاحشة مبينة.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٥ : ٥٠١ الباب ٩ من كتاب الخلع والمباراة الحديث ٣.

٤٤٤

وكل زوجة تستحق على زوجها النفقة اذا لم تنشز بالخروج من بيته بغير اذنه. واذا امتنع من الانفاق عليها جاز لها رفع امرها الى الحاكم الشرعي ليلزمه بأحد امرين عليه : اما الانفاق او الطلاق. فان امتنع من كليهما جاز للحاكم ان يطلقها اذا طلبت ذلك ويقع الطلاق بائنا.

واذا فقد الزوج وانقطع خبره عن زوجته ، فان كانت تعلم ببقائه على قيد الحياة فعليها بالصبر الى ان يرجع وليس لها المطالبة بالطلاق الا اذا ثبت للحاكم الشرعي هجرانه لها وتعمّد اخفاء موضعه لكي لا يلزمه بالطلاق او الانفاق فيجوز له في مثل ذلك الطلاق اذا طلبته.

هذا اذا كانت الزوجة تعلم بحياته.

واما اذا لم تعلم بذلك وكان يحتمل موته فتارة يفرض وجود مال للزوج يتم من خلاله تأمين نفقة الزوجة او يفرض ان وليه يقوم بالانفاق عليها فليس لها المطالبة بالطلاق ، واخرى يفرض عدم ذلك فيجوز لها رفع امرها الى الحاكم الشرعي فيؤجلها اربع سنين ويأمر بالفحص عنه خلال المدة المذكورة فاذا انقضت ولم تتبين حاله امر الحاكم وليه بطلاقها واجبره على ذلك ، فان لم يكن له ولي او لم يمكن اجباره طلقها الحاكم بنفسه واعتدت بمقدار عدة الوفاة ، وجاز لها التزوج بعد انتهائها. واذا عاد الزوج بعد ذلك لم يكن له حق عليها وكانت اجنبية عنه.

واذا حصل لزوجة الغائب من خلال تراكم القرائن علم بموت زوجها جاز لها الزواج بعد العدة من دون حاجة الى مراجعة الحاكم الشرعي. نعم لا يجوز لمن يريد الزواج بها الاعتماد على علمها.

والطلاق وان كان بيد الزوج الا انه يجوز للزوجة ان تشترط على زوجها اثناء عقد النكاح ان تكون وكيلة عنه في طلاق نفسها متى ما سجن لفترة‌

٤٤٥

سنة مثلا أو أدمن المواد المخدرة او سافر وانقطعت اخباره لفترة محددة وما شاكل ذلك.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما ان غير الامامي اذا طلّق زوجته بطلاق صحيح في مذهبه فاسد في مذهبنا فيجوز للإمامي الزواج بها بعد انتهاء عدتها‌ فلقاعدة الالزام المستفادة من جملة من النصوص من قبيل :

أ ـ ما رواه الشيخ بسنده الى الحسن بن محمد بن سماعة عن عبد الله بن جبلة عن غير واحد عن علي بن ابي حمزة حيث سأل ابا الحسن عليه‌السلام : «المطلقة على غير السنة أيتزوجها الرجل؟ فقال : الزموهم من ذلك ما ألزموه أنفسهم وتزوجوهن فلا بأس بذلك» (١).

وطريق الشيخ الى الحسن معتبر على ما في المشيخة (٢). والارسال عن «غير واحد» لا مشكلة من ناحيته لان مصداق التعبير المذكور عرفا ثلاثة فما زاد ، واجتماع العدد المذكور على الكذب بعيد جدا ويحصل الاطمئنان بعدمه. ولئن كانت هناك مشكلة فهي من ناحية البطائني الذي فيه كلام طويل ، وقد ورد عن الامام الرضا عليه‌السلام : «انه أقعد في قبره فسئل عن الائمة عليهم‌السلام فأخبر بأسمائهم حتى انتهى إليّ فسئل فوقف فضرب على رأسه ضربة امتلأ قبره نارا» (٣).

هذا ولكن استناد الاصحاب الى الرواية وتعبيرهم بمضمونها يجبر ضعفها بناء على ما هو المشهور من تمامية كبرى جابرية ضعف‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٥ : ٣٢١ الباب ٣ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ٥.

(٢) لاحظ المشيخة المذكورة في نهاية تهذيب الاحكام ١٠ : ٧٥.

(٣) اختيار معرفة الرجال ٢ : ٧٠٥ الرقم ٧٥٥ طبع مؤسسة آل البيت عليهم‌السلام.

٤٤٦

السند بشهرة العمل.

ب ـ ما رواه الكليني بسنده الى عمر بن اذينة عن عبد الله بن محرز : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل ترك ابنته واخته لأبيه وامه فقال : المال كله لابنته وليس للأخت من الاب والام شي‌ء. فقلت : فانا قد احتجنا الى هذا والميت رجل من هؤلاء الناس واخته مؤمنة عارفة قال : فخذلها النصف ، خذوا منهم كما يأخذون منكم في سنتهم وقضاياهم. قال ابن اذينة : فذكرت ذلك لزرارة فقال : ان على ما جاء به ابن محرز لنورا» (١). وهي تدل على ثبوت حق المقاصة النوعية وانه ما داموا يأخذون منكم فانتم خذوا منهم بالمقابل أيضا.

وتبقى المشكلة من ناحية ابن محرز فانه لم يوثق الا ان تعبير زرارة بان على روايته نورا قد يسهّل الامر من هذه الناحية.

ج ـ صحيحة محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه‌السلام : «سألته عن الاحكام قال : تجوز على اهل كل ذوي دين ما يستحلون» (٢).

ثم ان المسألة بقطع النظر عن قاعدة الالزام تشتمل على روايات خاصة بها من قبيل موثقة عبد الرحمن البصري عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «قلت له امرأة طلقت على غير السنة فقال : تتزوج هذه المرأة لا تترك بغير زوج» (٣) وغيرها.

٢ ـ واما ان الزوجة الامامية يجوز لها التزوج بالغير اذا طلقها زوجها غير الامامي بطلاق صحيح في مذهبه فاسد في مذهبنا‌ فلقاعدة‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٧ : ٤٨٤ الباب ٤ من أبواب ميراث الاخوة والاجداد الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٧ : ٤٨٤ الباب ٤ من أبواب ميراث الاخوة الحديث ٤.

(٣) وسائل الشيعة ١٥ : ٣٢٠ الباب ٣٠ من أبواب مقدمات الطلاق الحديث ٤.

٤٤٧

الالزام المتقدمة.

٣ ـ واما انه يجوز للزوج الرجوع على زوجته في العدة الرجعية‌ فهو من المسلمات بل من ضروريات الدين. ويدل على ذلك قوله تعالى : (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ ... وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ ... الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ) (١) ، (وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) (٢). والروايات في ذلك كثيرة. وقد تقدمت الاشارة اليها خلال الابحاث السابقة.

٤ ـ واما ان الرجوع يتحقق بالفعل أيضا ولا ينحصر بالقول‌ فلانه بعد تحقق إنشاء الرجوع عرفا بالفعل فلا وجه لعدم الاكتفاء به بعد وجود المطلقات.

٥ ـ واما تحقق الرجوع بالوطء وان لم يقصد به الرجوع‌ فلرواية محمد بن القاسم : «سمعت ابا عبد الله عليه‌السلام يقول : من غشى امرأته بعد انقضاء العدة جلد الحدّ ، وان غشيها قبل انقضاء العدة كان غشيانه اياها رجعة لها» (٣).

الا انه قد يشكل في سندها من ناحية محمد بن القاسم ، فان الثابت وثاقته هو محمد بن القاسم بن الفضيل بن يسار النهدي لقول النجاشي : «ثقة هو وابوه وعمه العلاء وجده الفضيل» (٤) ، الا انه يروي‌

__________________

(١) البقرة : ٢٢٨ ـ ٢٢٩.

(٢) البقرة : ٢٣١.

(٣) وسائل الشيعة ١٨ : ٤٠٠ الباب ٢٩ من أبواب حدّ الزنا الحديث ١.

(٤) رجال النجاشي : ٢٥٦ منشورات مكتبة الداوري.

٤٤٨

عن الامامين الكاظم والرضا عليهما السّلام ولم تذكر روايته عن الامام الصادق عليه‌السلام ، ومن هنا يتولد احتمال انه شخص آخر ، خصوصا وان الشيخ ذكر في رجاله اسم محمد بن القاسم البصري وقال من دون توثيق : «هو من أصحاب الصادق عليه‌السلام» (١).

نعم بناء على تمامية كبرى الجابرية لا مشكلة ، بل ادعى في الجواهر عدم الخلاف بيننا وانعقاد الاجماع بقسميه على ذلك (٢).

٦ ـ واما التقبيل واللمس بشهوة من دون قصد الرجوع بذلك‌ فقد ادعى في الجواهر عدم الخلاف في تحقق الرجوع به أيضا (٣).

هذا ولكن لا يوجد نص يدل على ذلك ، فان تمّ الاجماع الكاشف فبها والا فالأمر مشكل وينبغي العمل على طبق الاحتياط تحفظا من مخالفة المشهور.

٧ ـ واما ان المطلقة الرجعية زوجة حقيقة أو حكما‌ فهو من المسلمات للنصوص الدالة على وجوب الانفاق عليها وثبوت التوارث بينهما والحث على تزيينها لزوجها وجواز دخول زوجها عليها بلا اذن ، كقوله تعالى : (أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ ...) (٤) ، (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ ...) (٥) ، وصحيحة ابي بصير عن ابي‌

__________________

(١) رجال الشيخ : ٣٠٠.

(٢) جواهر الكلام ٣٢ : ١٨٠.

(٣) المصدر نفسه.

(٤) الطلاق : ٦.

(٥) الطلاق : ١.

٤٤٩

عبد الله عليه‌السلام : «المطلقة تعتد في بيتها وتظهر له زينتها لعل الله يحدث بعد ذلك امرا» (١) ، ورواية محمد بن قيس عن ابي جعفر عليه‌السلام : «المطلقة تسوق (٢) لزوجها ما كان له عليها رجعة ولا يستأذن عليها» (٣) ، وصحيحة زرارة عن ابي جعفر عليه‌السلام : «... حتى تطمث طمثتين فتنقضي عدتها بثلاث حيض وقد بانت منه ... وعليه نفقتها والسكنى ما دامت في عدتها ، وهما يتوارثان حتى تنقضي عدتها» (٤) وغيرها.

والروايات المذكورة كما ترى تتلاءم مع بقاء الزوجية حقيقة أو حكما. أجل الحديث الاخير بقرينة التعبير ب «بانت منه» ظاهر في بقائها حقيقة.

٨ ـ واما ان المطلقة بائنا ليست زوجة ولا تترتب عليها احكامها‌ فهو من المسلمات أيضا. ويمكن استفادته من النصوص السابقة وغيرها. بل لا حاجة الى البحث عن نص ويكفي القصور في المقتضي بعد فرض زوال عنوان الزوجية بالطلاق البائن.

٩ ـ واما انه لا يجوز اخراجها من دار سكناها عند الطلاق‌ فهو مما لا خلاف فيه. ويدل عليه قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ... لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلاّ أَنْ يَأْتِينَ

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٥ : ٤٣٧ الباب ٢١ من أبواب العدد الحديث ١.

(٢) هكذا في الطبعة القديمة للوسائل. وفي الكافي ٦ : ٩١ تشوفت. والظاهر ان الصواب : تشوف ، كما هو المنقول عن بعض نسخ الكافي. يقال : تشوفت المرأة : تزينت وأظهرت زينتها كما عن لسان العرب ٩ : ١٨٥.

(٣) وسائل الشيعة ١٥ : ٤٣٧ الباب ٢١ من أبواب العدد الحديث ٤.

(٤) وسائل الشيعة ١٥ : ٣٤٤ الباب ١ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ١.

٤٥٠

بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ...) (١). والروايات في ذلك كثيرة (٢).

١٠ ـ واما وجوب الانفاق على الزوجة‌ فهو من المسلمات. ويدل عليه قوله تعالى : (وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) (٣) ، (أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ ... * لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمّا آتاهُ اللهُ) (٤).

وهذه الآية الاخيرة وان كانت واردة في المطلقة الا انه يفهم منها ثبوت ذلك لغيرها بالاولوية.

وقد يستفاد ذلك من قوله تعالى : (الرِّجالُ قَوّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ) (٥).

والروايات في ذلك فوق حدّ الاحصاء وسنشير الى بعضها فيما يأتي ان شاء الله تعالى.

واما التقييد بعدم نشوزها بالخروج من البيت بغير اذنه فلموثقة السكوني عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ايما امرأة خرجت من بيتها بغير اذن زوجها فلا نفقة لها حتى ترجع» (٦) وغيرها.

هذا اذا كان نشوزها بخروجها من البيت بغير اذن.

واما اذا كان بغير ذلك فالمشهور سقوط النفقة أيضا. ولكن لا دليل على ذلك بعد اطلاق ما تقدم. والاحتياط لا ينبغي تركه.

__________________

(١) الطلاق : ١.

(٢) راجع وسائل الشيعة ١٥ : ٤٣٤ الباب ١٨ من أبواب العدد.

(٣) البقرة : ٢٣٣.

(٤) الطلاق : ٦ ـ ٧.

(٥) النساء : ٣٤.

(٦) وسائل الشيعة ١٥ : ٢٢٩ الباب ٦ من أبواب النفقات الحديث ١.

٤٥١

١١ ـ واما انه مع امتناع الزوج من الانفاق يحق للزوجة ان ترفع امرها الى الحاكم الشرعي ليلزمه باحد الامرين‌ فتدل عليه صحيحة ابي بصير : «سمعت ابا جعفر عليه‌السلام يقول : من كان عنده امرأة فلم يكسها ما يواري عورتها ويطعمها ما يقيم صلبها كان حقا على الامام ان يفرّق بينهما» (١) ، وصحيحة ربعي بن عبد الله والفضيل بن يسار جميعا عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «قوله تعالى : (وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمّا آتاهُ اللهُ) (٢) قال : ان انفق عليها ما يقيم ظهرها مع كسوة والا فرّق بينهما» (٣) وغيرهما.

والتقييد بثبوت الولاية لخصوص الحاكم باعتبار ان الصحيحة الاولى دلت على ثبوت الولاية لمنصب الامامة ، والقدر المتيقن في المنتقل اليه المنصب المذكور هو الحاكم الشرعي. والصحيحة الثانية لا اطلاق لها ، اذ هي ليست في صدد بيان من يقوم بالتفريق فينبغي الاقتصار على القدر المتيقن وهو الامام عليه‌السلام او الحاكم الشرعي.

والتقييد بامتناعه من الانفاق باعتبار انه مع انصياعه للإنفاق يصدق عليه آنذاك عنوان «انفق عليها» الوارد في الصحيحة الثانية.

والتقييد بامتناع الزوج من الطلاق باعتبار انه مع استعداده للتصدي للطلاق بنفسه لا يحتمل وصول النوبة الى الحاكم الشرعي.

هذا وقد يقيد ثبوت الولاية على الطلاق للحاكم الشرعي بما اذا لم يمكن الانفاق من مال الزوج ولو ببيع بعض أمواله ولم يمكن أيضا‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٥ : ٢٢٣ الباب ١ من أبواب النفقات الحديث ٢.

(٢) الطلاق : ٧.

(٣) وسائل الشيعة ١٥ : ٢٢٣ الباب ١ من أبواب النفقات الحديث ١.

٤٥٢

اجباره على الطلاق.

وفيه : ان اطلاق الحديثين السابقين ينفي ما ذكر الا ان يستفاد ذلك من الروايات الآتية في المفقود خبره. فان تمّ ذلك والا يبقى التقييد المذكور مبنيا على الاحتياط.

١٢ ـ واما ان طلاق الحاكم يقع بائنا في حالة امتناع الزوج من الانفاق والطلاق‌

فقد تقدم وجهه عند البحث عن اقسام الطلاق.

١٣ ـ واما ان زوجة المفقود خبره يلزمها الصبر وليس لها المطالبة بالطلاق اذا علم ببقائه حيا‌ فيكفي لإثباته القصور في مقتضي ثبوت الولاية للحاكم. ومع التنزل فالمانع ثابت وهو صحيحة بريد بن معاوية الآتية.

١٤ ـ واما انه يجوز للحاكم الطلاق اذا ثبت له هجران الزوج وتعمده لإخفاء موضعه‌ فذلك لما تقدم في الرقم ١١ من ثبوت الولاية للحاكم الشرعي عند الامتناع من الطلاق والانفاق.

١٥ ـ واما انه اذا لم يعلم بحياة الزوج فيجوز للحاكم اجراء الطلاق على ضوء البيان المتقدم‌ فذلك لعدة روايات ، كصحيحة بريد بن معاوية : «سألت ابا عبد الله عليه‌السلام عن المفقود كيف تصنع امرأته؟ فقال : ما سكنت عنه وصبرت فخلّ عنها. وان هي رفعت أمرها الى الوالي اجّلها اربع سنين ثم يكتب الى الصقع الذي فقد فيه فليسأل عنه فان خبّر عنه بحياة صبرت وان لم يخبر عنه بحياة حتى تمضي الاربع سنين دعا ولي الزوج المفقود فقيل له : هل للمفقود مال؟ فان كان للمفقود مال انفق عليها حتى تعلم حياته من موته. وان لم يكن له مال قيل للولي : انفق عليها فان فعل فلا سبيل لها الى ان تتزوج ما انفق عليها. وان ابى ان‌

٤٥٣

ينفق عليها اجبره الوالي على ان يطلق تطليقة في استقبال العدة وهي طاهر فيصير طلاق الولي طلاق الزوج ، فان جاء زوجها قبل ان تمضي عدتها من يوم طلقها الولي فبدا له ان يراجعها فهي امرأته وهي عنده على تطليقتين. وان انقضت العدة قبل ان يجي‌ء ويراجع فقد حلت للأزواج ولا سبيل للأول عليها» (١) ، وصحيحة الحلبي عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «المفقود اذا مضى له اربع سنين بعث الوالي او يكتب الى الناحية التي هو غائب فيها ... قلت : فانها تقول : فاني اريد ما تريد النساء قال : ليس ذاك لها ولا كرامة فان لم ينفق عليها وليه او وكيله امره ان يطلقها» (٢).

١٦ ـ واما ان عدتها هي بمقدار عدة الوفاة وان لم تكن هي عدة الوفاة‌ فلموثقة سماعة : «... فان لم يوجد له خبر حتى تمضي الاربع سنين امرها ان تعتد اربعة أشهر وعشرا ثم تحل للأزواج فان قدم زوجها بعد ما تنقضي عدتها فليس له عليها رجعة وان قدم وهي في عدتها اربعة أشهر وعشرا فهو أملك برجعتها» (٣).

١٧ ـ واما انه يجوز لزوجة الغائب اذا حصل لها العلم بموت زوجها الزواج بعد العدة من دون حاجة الى مراجعة الحاكم‌ فذلك لحجية العلم وشمول أدلة جواز تزوج المتوفى زوجها بعد العدة لها.

واما انه لا يجوز لمن يريد الزواج بها الاعتماد على علمها فلان علم كل شخص حجة في حق نفسه خاصة ، واستصحاب بقاء الزوج‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٥ : ٣٨٩ الباب ٢٣ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٥ : ٣٩٠ الباب ٢٣ من أبواب أقسام الطلاق الحديث ٤.

(٣) وسائل الشيعة ١٤ : ٣٩٠ الباب ٤٤ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٢.

٤٥٤

على قيد الحياة جار في حقه.

١٨ ـ واما جواز اشتراط الزوجة ضمن عقد النكاح الوكالة عن الزوج في طلاق نفسها متى ما سجن او ... فلانه شرط مشروع فيكون صحيحا وواجب الوفاء كسائر الشروط. وانما الذي لا يجوز لها اشتراطه هو كون امر الطلاق بيدها متى ما سجن او ... انه لا يجوز باعتبار ان امر الطلاق بيد الزوج لا غير كما تقدم.

٤٥٥
٤٥٦

كتاب الظّهار‌

١ ـ الظهار وحكمه‌

٢ ـ شرائط الظهار‌

٤٥٧
٤٥٨

١ ـ الظهار وحكمه‌

الظهار ـ وهو تنزيل الزوج زوجته بمنزلة أمّه او غيرها من محارمه في حرمة نكاحها بمثل صيغة : انت عليّ كظهر أمي ـ حرام.

وبه تحرم على الزوج زوجته حتى يكفّر.

ولا يجب التكفير بمجرد التلفّظ من دون ارادة العود.

واذا كفّر لإرادة العود قبل الوطء فلا تجب عليه اخرى بعده ، بخلاف ما لو وطئها بدون تكفير فانه تلزمه كفارتان احداهما للوطء والاخرى لإرادة العود.

واذا صبرت الزوجة بعد الظهار فلا اعتراض والا رفعت امرها الى الحاكم الشرعي وخيّر الزوج بين التكفير والرجوع وبين الطلاق فان لم يختر احدهما انظره ثلاثة اشهر من حين المرافعة فان انقضت ولم يختر احد الامرين حبسه وضيّق عليه في المطعم والمشرب حتى يختار احدهما.

والكفارة هي عتق رقبة ، فان لم يجد فصيام شهرين متتابعين ، فان‌

٤٥٩

لم يستطع فاطعام ستين مسكينا. وان عجز عن الجميع صام ثمانية عشر يوما.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما ان الظهار ما ذكر فهو من واضحات الفقه واللغة. وتدل عليه الروايات الآتية ان شاء الله تعالى.

٢ ـ واما انه يقع بصيغة «انت عليّ كظهر أمي» فامر لا خلاف فيه ، وهو القدر المتيقن من الصيغة التي يقع بها الظهار. ويستفاد ذلك من صحيحة حريز عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «الظهار ظهاران فاحدهما ان يقول : انت عليّ كظهر أمي ثم يسكت فذلك الذي يكفّر فاذا قال : انت عليّ كظهر أمي ان فعلت كذا وكذا ففعل وحنث فعليه الكفارة حين يحنث» (١) وغيرها.

هذا وقد وقع الخلاف في انعقاده فيما لو قال : انت عليّ كظهر عمتي وخالتي او غيرهما من المحارم او قال : انت عليّ كشعر او بطن او صدر أمي. والتعرض لذلك ليس بمهم.

٣ ـ واما انه حرام فهو من المسلمات‌ ، ويدل عليه قوله تعالى : (الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسائِهِمْ ما هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ إِنْ أُمَّهاتُهُمْ إِلاَّ اللاّئِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً وَإِنَّ اللهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ) (٢) ، وصحيح حمران عن ابي جعفر عليه‌السلام : «ان امير المؤمنين عليه‌السلام قال : ان امرأة من المسلمين اتت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالت : يا رسول الله ان فلانا‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٥ : ٥٣٠ الباب ١٦ من كتاب الظهار الحديث ٧.

(٢) المجادلة : ٢.

٤٦٠