دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي على المذهب الجعفري - ج ٢

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي على المذهب الجعفري - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الفقه للطباعة والنشر
المطبعة: برهان
الطبعة: ٢
ISBN: 964-499-036-6
ISBN الدورة:
964-499-048-X

الصفحات: ٥٩١

عليه مجموعة من الروايات ، كصحيحة محمد بن مسلم عن احدهما عليهما السّلام : «سئل عن الرجل يفجر بالمرأة أيتزوج بابنتها؟ قال : لا» (١) وغيرها.

وفي مقابل ذلك مجموعة اخرى تدل على العكس ، كصحيحة سعيد بن يسار : «سألت ابا عبد الله عليه‌السلام عن رجل فجر بامرأة يتزوج ابنتها؟ قال : نعم يا سعيد ، ان الحرام لا يفسد الحلال» (٢) وغيرها.

وقد يجمع بينهما بحمل الاولى على الكراهة لصراحة الثانية في الجواز.

وهو جيد بناء على قبول الاحكام الوضعية للحمل على الكراهة. واما إذا بني على عدم قبولها لذلك تتحقق المعارضة المستقرة ويلزم ترجيح الطائفة المجوّزة لموافقتها لإطلاق الكتاب الكريم (وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ) (٣).

ومع التنزل يتساقطان ويتمسك بالاطلاق المذكور كمرجع لا كمرجح. والنتيجة واحدة على جميع التقادير.

١٠ ـ واما ان اللواط يوجب تحريم زواج اللائط باخت وبنت وام الملوط به‌ فلم ينقل في ذلك خلاف بين الاصحاب. وقد دلت على ذلك مرسلة ابن ابي عمير عن بعض اصحابنا عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «رجل يعبث بالغلام قال : إذا أوقب حرمت عليه ابنته واخته» (٤).

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٤ : ٣٢٢ الباب ٦ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٤ : ٣٢٤ الباب ٦ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٦.

(٣) النساء : ٢٤.

(٤) وسائل الشيعة ١٤ : ٣٣٩ الباب ١٥ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ١.

ثم ان ضمير الغائب يرجع الى الغلام دون الرجل ولو بقرينة عدم حكم الاصحاب بحرمة‌

٣٢١

وقد يحاول التغلب على مشكلة ارسالها من خلال الاستعانة بكبرى وثاقة كل من يروي عنه أحد الثلاثة بناء على تماميتها.

الا انه يمكن ان يقال في المقابل بان الكبرى المذكورة على تقدير تماميتها لا تنفع في المقام لان خمسة من مشايخ ابن أبي عمير تقريبا قد ثبت ضعفهم ، ومن المحتمل كون المرسل عنه في الرواية المذكورة هو من أحد الخمسة المذكورة ، ومعه يكون التمسك بالكبرى المذكورة تمسكا بالعام في الشبهة المصداقية ، وينحصر مورد التمسك بها بما إذا صرح باسم المروي عنه حتى ينتفي معه احتمال كونه من أحد الخمسة.

وعليه فمشكلة الارسال باقية على حالها الا انه يمكن التعويض بموثقة ابراهيم بن عمر عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «رجل لعب بغلام هل تحل له امه؟ قال : ان كان ثقب فلا» (١) وغيرها.

وهي وان كانت خاصة بالام الا انه لعدم التفصيل بينها وبين الاخت والبنت يمكن التعدي إليهما.

وتؤيد ذلك الروايات الاخرى المشتمل بعضها على ذكر الاخت وبعضها الآخر على البنت (٢) ، فان ضعف اسنادها لا يمنع من التمسك بها على مستوى التأييد.

١١ ـ واما التقييد بما إذا كان الفاعل بالغا والمفعول به صبيا‌ فلان‌

__________________

ـ شي‌ء على المفعول. نعم نقل في الجواهر ٢٩ : ٤٤٨ ان الشيخ حكى عن بعض الاصحاب التحريم عليه أيضا ، ثم قال : ولعله لاحتمال عود الضمير في الاخبار الى كل من الفاعل والمفعول ، ولكنه استبعد ذلك باعتبار ان المحدث عنه هو الرجل.

(١) وسائل الشيعة ١٤ : ٣٤١ الباب ١٥ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٧.

(٢) راجع وسائل الشيعة ١٤ : ٣٣٩ الباب ١٥ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة.

٣٢٢

ذلك هو المستفاد من الموثقة لتقييدها الفاعل بالرجل والمفعول به بالغلام.

ودعوى صدق عنوان الرجل على الفاعل ولو بعد بلوغه فيقال انه «رجل لعب وثقب» وان كان ذلك قد تحقق منه مسبقا ، وأيضا التحريم خارج مخرج الغالب ، مدفوعة بان الاول مخالف للظاهر ، فان ظاهر قول القائل «رجل ثقب» كونه فعل ذلك حال كونه رجلا ، كقولنا : «مسافر صلّى قصرا» والثاني مجرد احتمال لا يمنع من الرجوع إلى البراءة في غير مورد النص.

١٢ ـ واما التقييد بما إذا كان اللواط سابقا على العقد‌ فلان الموثقة وان كانت مطلقة من هذه الناحية الا انه يستفاد من جملة النصوص الاخرى ان ما يطرأ بعد العقد لا يرتفع به الحل الثابت سابقا ، كصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام : «سئل عن الرجل يفجر بامرأة أيتزوج ابنتها؟ قال : لا ، ولكن ان كانت عنده امرأة ثم فجر بامها أو اختها لم تحرم عليه امرأته ، ان الحرام لا يفسد الحلال» (١) وغيرها.

وموردها وان كان هو الزنا الا انه بعموم التعليل يمكن تسرية الحكم الى اللواط أيضا.

١٣ ـ واما ان من تزوج بذات البعل تحرم عليه مؤبدا‌ فلعدة روايات كموثقة اديم بن الحر : «قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «التي تتزوج ولها زوج يفرّق بينهما ثم لا يتعاودان ابدا» (٢) وغيرها.

ومقتضى اطلاقها ثبوت الحرمة المؤبدة حتى مع الجهل وعدم الدخول.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٤ : ٣٢٦ الباب ٨ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٤ : ٣٤١ الباب ١٦ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ١.

٣٢٣

الا ان في مقابلها صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل تزوج امرأة ولها زوج وهو لا يعلم فطلقها الاول أو مات عنها ثم علم الاخير أيراجعها؟ قال : لا حتى تنقضي عدتها» (١). وهي واردة في صورة الجهل ، ومقتضاها عدم تحقق الحرمة المؤبدة مع فرض الجهل سواء تحقق الدخول أم لا.

واللازم على هذا تخصيص الاولى بالثانية وتكون النتيجة هي تحقق الحرمة المؤبدة في صورة العلم وعدمها في صورة الجهل من دون فرق في كلتا الحالتين بين فرض تحقق الدخول وعدمه.

هذا ويوجد في مقابل الصحيحة الثانية صحيحة ثالثة رواها زرارة عن ابي جعفر عليه‌السلام : «إذا نعي الرجل إلى أهله أو أخبروها انه قد طلقها فاعتدت ثم تزوجت فجاء زوجها الاول فان الاول احق بها من هذا الاخير دخل بها الاول أو لم يدخل بها وليس للاخر ان يتزوجها ابدا ولها المهر بما استحلّ من فرجها» (٢) ، وهي تدل على تحقق الحرمة المؤبدة مع فرض الدخول.

وهذه ان كانت ناظرة إلى خصوص حالة الجهل كالصحيحة الثانية كانت ـ الثالثة ـ أخص مطلقا منها ـ الثانية ـ فتخصصها بفرض عدم الدخول ، وتكون النتيجة انتفاء الحرمة المؤبدة مع الجهل وعدم الدخول وثبوتها مع فرض الجهل والدخول ، واما حالة العلم فالحرمة المؤبدة ثابتة فيها للموثقة. وبذلك نصل إلى النتيجة التي أشرنا إليها في المتن.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٤ : ٣٤١ الباب ١٦ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٣.

(٢) وسائل الشيعة ١٤ : ٣٤٢ الباب ١٦ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٦.

٣٢٤

هذا لو فرض ان الصحيحة الثالثة ناظرة إلى خصوص حالة الجهل.

واما إذا كانت مطلقة من هذه الناحية فتكون النسبة بينهما ـ الثانية والثالثة ـ هي العموم من وجه. ويتعارضان في فرض الجهل والدخول ويتساقطان فيه ويلزم الرجوع بعد التساقط إلى اطلاق موثقة اديم لان المقيد له ـ وهو الصحيحة الثانية ـ مبتلى بالمعارض. وبذلك نصل إلى النتيجة نفسها أيضا.

١٤ ـ واما ان من زنى بذات البعل حرمت عليه مؤبدا‌ فهو المشهور بل ادعي عليه الاجماع.

واستند في ذلك إلى :

أ ـ التمسك بدعوى الاولوية القطعية وان الزواج بذات البعل إذا أوجب الحرمة الابدية فالزنا بها اولى بايجابه لذلك.

وفيه : ان الاولوية ممنوعة ، فان الاحكام الشرعية تعبدية ولا طريق لنا إلى معرفة ملاكاتها.

ب ـ التمسك بما في الفقه الرضوي : «ومن زنى بذات بعل محصنا كان أو غير محصن ثم طلقها زوجها أو مات عنها وأراد الذي زنى بها أن يتزوج بها لم تحل له أبدا» (١).

وفيه : ان الكتاب المذكور لم تثبت نسبته إلى إمامنا الرضا عليه‌السلام ليمكن الاعتماد عليه.

ج ـ التمسك بدعوى الاجماع التي نقلها بعض الفقهاء.

وفيه : ان تحقق الاجماع غير ثابت. وعلى تقدير ثبوته لا يمكن‌

__________________

(١) مستدرك الوسائل ١٤ : ٣٨٧ الرقم ١٧٠٤٨.

٣٢٥

الحكم بحجيته لكونه محتمل المدرك.

ومع عدم ثبوت الدليل على الحرمة المؤبدة يمكن التمسك لإثبات الحلية وترتب الاثر بعموم قوله تعالى : (وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ) (١).

هذا كله في الزواج أو الزنا بذات البعل. واما الزواج والزنا بالمعتدة فيأتي حكمه إن شاء الله تعالى عند البحث عن الاعتداد.

١٥ ـ واما الزواج بالزانية‌ فلا اشكال في جوازه على فرض توبتها حتى على تقدير كونها مشهورة بالزنا لأنها مع التوبة تعود كغيرها لقوله تعالى : (إِلاّ مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صالِحاً فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ) (٢) ، وانما الاشكال في فرض عدم التوبة.

وقد يقال بعدم الجواز لقوله تعالى : (الزّانِي لا يَنْكِحُ إِلاّ زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلاّ زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ) (٣).

ولكنه ضعيف ، فان من المحتمل كون الآية الكريمة بصدد الاخبار عن الواقع الخارجي ـ وان الزاني لا يتحقق منه الوطء والزنا الا بزانية أو مشركة والزانية لا يزني بها الا زان أو مشرك ـ دون إنشاء التحريم والتحليل والا يلزم الحكم بجواز نكاح المسلم الزاني المشركة وجواز نكاح المشرك الزانية المسلمة ، ولم يقل به أحد.

وعليه لا بدّ من ملاحظة الروايات. وهي على طائفتين :

أ ـ فبعضها دلّ على عدم جواز الزواج بالزانية الا على فرض توبتها ، كصحيحة أبي بصير : «سألته عن رجل فجر بامرأة ثم أراد بعد‌

__________________

(١) النساء : ٢٤.

(٢) الفرقان : ٧٠.

(٣) النور : ٣.

٣٢٦

ان يتزوجها فقال : إذا تابت حلّ له نكاحها ...» (١) وغيرها.

ب ـ وبعضها دلّ على الجواز مطلقا ، كصحيحة علي بن رئاب : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المرأة الفاجرة يتزوجها الرجل المسلم قال : نعم وما يمنعه ولكن إذا فعل فليحصّن بابه مخافة الولد» (٢) وغيرها.

وحيث ان حمل الثانية على فرض التوبة بعيد يتحقق التعارض بين الطائفتين. وإذا لم ترجّح الثانية لموافقتها لإطلاق قوله تعالى : (وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ) (٣) فلا أقلّ من التساقط والحكم بالجواز للإطلاق المتقدم.

هذا لو خلينا نحن والطائفتين المذكورتين.

الا انه قد يقال بوجود طائفة ثالثة تدل على التفصيل بين المعلنة بالزنا فلا يجوز نكاحها وبين غيرها فيجوز ، كما ورد ذلك في صحيحة الحلبي : «قال أبو عبد الله عليه‌السلام : لا تتزوج المرأة المعلنة بالزنا ولا يتزوج الرجل المعلن بالزنا الا بعد أن تعرف منهما التوبة» (٤).

والمناسب تقييد الطائفة الثانية الدالة على الجواز مطلقا بهذه وتكون النتيجة هي الجواز في غير المعلنة. وبعد هذا التقييد تصبح الطائفة الثانية أخص مطلقا من الطائفة الاولى فتخصصها وتصبح النتيجة هي اختصاص الحرمة بالمعلنة والجواز في التائبة وغير المعلنة.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٤ : ٣٣٢ الباب ١١ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٧.

(٢) وسائل الشيعة ١٤ : ٣٣٤ الباب ١٢ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٦.

(٣) النساء : ٢٤.

(٤) وسائل الشيعة ١٤ : ٣٣٥ الباب ١٣ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ١.

٣٢٧

هكذا قد يقال.

الا ان بالامكان مناقشته باعتبار ان صحيحة الحلبي يلزم حملها على التنزيه دون التحريم بقرينة السياق لأنه ورد في فقرتها الثانية «ولا يتزوج الرجل ...» ، ومضمون الفقرة المذكورة لا يمكن الالتزام به للجزم بعدم الحرمة في جانب الرجل.

واذا أراد الزاني التزوج بمن زنى بها فهل يلزمه استبراؤها؟ قد يقال : نعم لموثقة اسحاق بن حريز عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «قلت له : الرجل يفجر بالمرأة ثم يبدو له في تزويجها هل يحل له ذلك؟ قال : نعم إذا هو اجتنبها حتى تنقضي عدتها باستبراء رحمها من ماء الفجور فله ان يتزوجها ...» (١).

وهي وان كانت ضعيفة بطريق الكليني بالارسال الا انها صحيحة بطريق الشيخ.

ومن هنا يكون العمل بها وجيها الا انه لاعراض المشهور عن العمل بمضمونها يكون المناسب هو التنزل إلى الاحتياط دون الفتوى.

ب ـ الرضاع‌

إذا ارضعت امرأة ولد غيرها ـ ضمن الشروط الآتية ـ ترتبت على ذلك حرمة النكاح في الجملة وبالشكل التالي :

١ ـ صيرورة المرضعة اما للرضيع ، وصاحب اللبن ابا له ، واخوتهما اخوالا واعماما له ، واخواتهما عمات وخالات له ، واولادهما اخوة له. وهكذا تصير المرضعة جدة لأبناء الرضيع وصاحب اللبن جدا لأبناء الرضيع.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٤ : ٣٣١ الباب ١١ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث ٤.

٣٢٨

والضابط الكلي : ان كل عنوان نسبي من العناوين السبعة المتقدمة إذا حصل مثله في الرضاع يكون موجبا للتحريم كالحاصل بالولادة ، واما إذا لم يحصل بسببه أحد تلك العناوين فلا يكون موجبا لانتشار التحريم ـ الا في الاستثناء الآتي ـ وان حصل بسببه عنوان خاص لو كان حاصلا بالولادة لكان ملازما مع أحد تلك العناوين ، كما لو ارضعت امرأة أحد اخوين فانها تحرم عليه لصيرورتها اما له ولا تحرم على الاخ الآخر لأنها تصير بالرضاع أم اخيه ، وهي ليست من المحرمات بعنوانها في باب النسب وانما تحرم فيه لكونها إما امّا نسبية أو زوجة الأب.

٢ ـ تحرم على ابي الرضيع بنات المرضعة النسبيات دون الرضاعيات.

وتحرم أيضا بنات صاحب اللبن النسبيات والرضاعيات. وهذان هما الاستثناءان من الضابط الكلي المتقدم.

٣ ـ يحرم الرضيع على أولاد صاحب اللبن ولادة ورضاعا وعلى أولاد المرضعة ولادة لا رضاعا.

٤ ـ في جواز زواج اولاد ابي المرتضع الذين لم يرتضعوا من اللبن بأولاد المرضعة نسبا واولاد الفحل مطلقا خلاف.

٥ ـ لا فرق في انتشار الحرمة بالرضاع بين كونه سابقا على العقد أو لاحقا له ، فمن كانت له زوجة صغيرة وأرضعتها زوجته الكبيرة او بنته حرمت عليه لصيرورتها بنتا له ، وهكذا في بقية الأمثلة.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما ان الرضاع سبب لتحقق حرمة النكاح في الجملة‌ فهو من ضروريات الدين. ويدل عليه قوله تعالى : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ ... أُمَّهاتُكُمْ

٣٢٩

اللاّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ) (١) ، وقول الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» (٢) ، وقول صادق أهل البيت عليهم‌السلام : «يحرم من الرضاع ما يحرم من القرابة» (٣).

هذا ما ورد بنحو الضابط الكلي والا فالوارد في الموارد المتفرقة فوق حدّ الاحصاء.

٢ ـ واما صيرورة المرضعة امّا للرضيع وصاحب اللبن ابا له و... فباعتبار ان الآية الكريمة وان كانت خاصة بالامهات والاخوات الا ان ذلك لا يقتضي قصر الحرمة عليهما ـ وان نسب اختيار ذلك إلى بعض العامة (٤) ـ بعد استفادة عموم التنزيل من الروايات.

٣ ـ واما قصر الحرمة على ما إذا حصل بالرضاع احد العناوين السبعة دون ما يلازمها‌ فلأن ذلك هو المستفاد من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» ، فان ظاهره النظر إلى العناوين الثابت تحريمها في الشريعة ، وليست هي الا السبعة دون ما يلازمها.

ثم انه مع التنزل وفرض اجمال دليل التنزيل من هذه الناحية واحتمال ارادة عموم المنزلة منه يلزم الرجوع إلى الأصل المستفاد من قوله تعالى : (وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ) (٥) ، كما تقتضيه القاعدة في مورد تردد المخصص المنفصل بين الاقل والاكثر ، والنتيجة واحدة‌

__________________

(١) النساء : ٢٣.

(٢) وسائل الشيعة ١٤ : ٢٨٠ الباب ١ من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث ١ ، ٣ ، ٤.

(٣) وسائل الشيعة ١٤ : ٢٨١ الباب ١ من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث ٢.

(٤) جواهر الكلام ٢٩ : ٣٠٩.

(٥) النساء : ٢٤.

٣٣٠

على كلا التقديرين.

وبهذا يتضح النظر فيما صار إليه المحقق المير محمد باقر الداماد من استفادة عموم المنزلة من دليل التنزيل والّف رسالة في ذلك ونسب ما صار إليه إلى المشهور مستندا في ذلك تارة إلى ظهور الأحاديث في افادة عموم المنزلة ، واخرى إلى ان حرمة زواج ابي المرتضع بأولاد المرضعة بنكتة «ان ولدها صارت بمنزلة ولدك» ، كما دلت عليه صحيحة أيوب بن نوح الآتية لا تتم الا بناء على عموم المنزلة (١).

وكلا الوجهين المذكورين قابلان للتأمل.

اما الاول فلما تقدم.

واما الثاني فلان ثبوت حرمة الزواج في المورد المذكور وتنزيل اولاد المرضعة منزلة اولاد ابي المرتضع لا يدل على ارادة عموم المنزلة من مثل قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» ، بل لعله الحاق حكمي ـ لا اكثر ـ دلّ الدليل الخاص عليه.

ثم ان الثمرة في هذا الخلاف كبيرة ، فعلى رأي المشهور تنحصر دائرة انتشار الحرمة بالمرتضع وفروعه من جهة والمرضعة وصاحب اللبن واصولهما وفروعهما ومن كان في طبقتهما من جهة اخرى ، ولا يتعدى ما سوى ذلك لان العناوين السبعة لا تتحقق الا فيما ذكر ، بخلافه بناء على عموم المنزلة ، فان الحرمة تتعدى إلى اصول المرتضع ومن كان في طبقته من جهة والمرضعة وصاحب اللبن‌

__________________

(١) الحدائق الناضرة ٢٣ : ٣٨٦ ـ ٣٨٧.

٣٣١

واصولهما وفروعهما ومن كان في طبقتهما من جهة اخرى.

اجل هناك استثناء ـ على رأي المشهور ـ تأتي الاشارة إليه إن شاء الله تعالى في الرقم ٤ ، ٥.

٤ ـ واما انه تحرم على ابي المرتضع بنات المرضعة‌ بالرغم من عدم اقتضاء القاعدة لذلك ـ حيث لا يصرن بالاضافة إليه الا اخوات لولده ، واخت الولد ليست من المحرمات بعنوانها في باب النسب وانما تحرم اما لكونها بنتا أو ربيبة ـ فلصحيحة ايوب بن نوح : «كتب علي بن شعيب إلى ابي الحسن عليه‌السلام : امرأة ارضعت بعض ولدي هل يجوز لي ان اتزوج بعض ولدها؟ فكتب عليه‌السلام : لا يجوز ذلك لك لان ولدها صارت بمنزلة ولدك» (١) وغيرها.

واما قصر الحكم على بنات المرضعة من النسب دون الرضاع فلظهور كلمة «الولد» في الصحيحة في ذلك ، وفي غيره يتمسك باصالة الحل المستفادة من قوله تعالى : (وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ) (٢).

ان قلت : لم لا نتمسك باطلاق دليل تنزيل الرضاع منزلة النسب لإثبات تنزيل بنات المرضعة رضاعا منزلة بناتها نسبا فيحرم الجميع على ابي المرتضع.

قلت : المفروض في المقام كون بنات المرضعة بنات رضاعية لها من لبن فحل آخر غير الذي ارتضع الرضيع من لبنه ـ وإلاّ حرمن أيضا كما تأتي الاشارة إليه في الرقم ٥ ـ وشرط التنزيل وتحقق الاخوة الرضاعية بين المرتضعين ومن ثمّ الحرمة وحدة الفحل كما يأتي إن‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٤ : ٣٠٦ الباب ١٦ من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث ١.

(٢) النساء : ٢٤.

٣٣٢

شاء الله تعالى. واذا لم تكن حرمة بينهما فلا تسري الحرمة الى ابي المرتضع ، فان الرواية سؤالا وجوابا ناظرة الى اولاد المرضعة الذين يحرمون على المرتضع وان مثل هؤلاء الاولاد هل يحرمون على ابي المرتضع بعد ما حرموا على ابنه؟ واما اولادها الذين لا يحرمون على المرتضع فعدم حرمتهم على ابي المرتضع مما لا تأمل فيه ولا يخطر ببال السائل السؤال عن حكمهم بالاضافة اليه وهم خارجون عن مفروض الرواية وداخلون في عمومات الحل.

٥ ـ واما انه يحرم على ابي المرتضع بنات صاحب اللبن‌ ـ وهو ما يعبر عنه في لسان الفقهاء بجملة : لا ينكح ابو المرتضع في أولاد صاحب اللبن نسبا ورضاعا ـ بالرغم من عدم اقتضاء القاعدة لذلك ـ بالبيان المتقدم ـ فلصحيحة علي بن مهزيار : «سأل عيسى بن جعفر بن عيسى أبا جعفر الثاني عليه‌السلام : ان امرأة ارضعت لي صبيا فهل يحل لي ان اتزوج ابنة زوجها؟ فقال لي : ما اجود ما سألت ، من هاهنا يؤتى ان يقول الناس : حرمت عليه امرأته ، من قبل لبن الفحل ، هذا هو لبن الفحل لا غيره» (١) فقلت له : الجارية ليست ابنة المرأة التي ارضعت لي هي ابنة غيرها فقال : «لو كنّ عشرا متفرقات ما حلّ لك شي‌ء منهن وكنّ في‌

__________________

(١) اي من هاهنا يأتي الجهل على الناس حيث يقولون : ان لبن الفحل يحرّم زوجة الفحل عليه ، ولكنه اشتباه ، فان لبن الفحل لا يوجب ذلك بل يوجب ما ذكرت وهو حرمة بنت صاحب اللبن على ابي المرتضع.

هكذا فسّر في الوافي ٢١ : ٢٤٧ العبارة المذكورة. وفسّرها الحرّ في هامش وسائله بشكل آخر فراجع. والأمر سهل بعد عدم توقف الاستدلال بالصحيحة على فهم المراد من الجملة المذكورة.

٣٣٣

موضع بناتك» (١).

واما التعميم لبنات صاحب اللبن من الرضاع أيضا فلفرض وحدة الفحل هنا فيقوم الرضاع مقام النسب.

٦ ـ واما حرمة الرضيع على بنات صاحب اللبن ولادة أو رضاعا‌ فلأنهن اخوات من الاب والام او من الاب فقط ، والاخوات هن من العناوين المحرّمة بالنسب فتحرم في الرضاع أيضا.

واما حرمة من ينتسب إلى المرضعة بالبنوة ولادة فلكونهم اخوة من الام فيحرمون.

واما عدم حرمة من ينتسب إلى المرضعة بالبنوة رضاعا فلعدم اتحاد الفحل الذي هو شرط في انتشار الحرمة.

٧ ـ واما زواج اولاد ابي المرتضع ببنات المرضعة ولادة وبنات صاحب اللبن ولادة أو رضاعا‌ فقد اختار الشيخ في الخلاف والنهاية عدم جوازه ، بتقريب ان التعليل في صحيحة ابن مهزيار المتقدمة يدل على تنزيل بنات صاحب اللبن منزلة بنات ابي المرتضع ، وهكذا التعليل في صحيحة ايوب بن نوح يدل على تنزيل بنات المرضعة منزلة بنات ابي المرتضع ، ولازم ذلك صيرورة اولاد ابي المرتضع اخوة لبنات صاحب اللبن ولبنات المرضعة ، ومعه لا يجوز لهم الزواج بهنّ (٢).

وفيه : ان التنزيل في الصحيحتين قد ثبت بلحاظ ابي المرتضع فقط ، وذلك لا يستلزم اخوة بنات صاحب اللبن وبنات المرضعة لأولاد ابي المرتضع ، إذ التعبد يتحدّد بدائرته ولا يسري إلى غيرها بعد ما لم‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٤ : ٢٩٦ الباب ٦ من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث ١٠.

(٢) الحدائق الناضرة ٢٣ : ٣٩٩.

٣٣٤

تكن الملازمة شرعية ، ومن هنا قيل بعدم حجية الاصل المثبت.

وعليه فالمناسب هو الحكم بالجواز تمسكا بعموم قوله تعالى : (وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ) (١).

٨ ـ واما عدم الفرق في انتشار الحرمة بالرضاع بين كونه سابقا على العقد أو لاحقا‌ فلصحيحة محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه‌السلام : «لو ان رجلا تزوج جارية رضيعة فارضعتها امرأته فسد النكاح» (٢) وغيرها.

بل يكفينا اطلاق ما دلّ على تنزيل الرضاع منزلة النسب بلا حاجة إلى خاص.

شروط الرضاع المحرم‌

لا يوجب الرضاع انتشار الحرمة الا إذا تحققت الشروط التالية :

١ ـ حصول اللبن من ولادة شرعية.

٢ ـ الارتضاع من الثدي فلا يكفي غيره ، كشرب اللبن المحلوب.

٣ ـ عدم تجاوز الرضيع للحولين.

٤ ـ خلوص اللبن فلا يكفي إذا كان ممزوجا بغيره مما يسلبه اسم اللبن.

٥ ـ كون اللبن بتمامه من رجل واحد ، فلو ولدت المرأة من زوجها الاول وتزوجت بآخر وحملت منه وقبل ان تلد ارضعت بلبن ولادتها الاولى صبيا عشر رضعات ثم بعد ولادتها الثانية اكملتها بخمس ـ اما من دون تخلل المأكول والمشروب أو مع فرض تخللهما بناء على عدم اخلال فصلهما في نشر الحرمة كما سيأتي إن شاء الله تعالى ـ لم يكف ذلك‌

__________________

(١) النساء : ٢٤.

(٢) وسائل الشيعة ١٤ : ٣٠٢ الباب ١٠ من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث ١.

٣٣٥

لانتشار الحرمة.

٦ ـ وحدة المرضعة ، فلو كانت لرجل واحد زوجتان اشتركتا في ارضاع طفل واحد خمس عشرة رضعة لم يكف ذلك.

٧ ـ ان يكون الارتضاع موجبا لإنبات اللحم وشد العظم. والطريق الشرعي لإحراز ذلك ارتضاع يوم وليلة أو تحقق عشر رضعات متوالية. وقيل خمس عشرة رضعة.

٨ ـ عدم الفصل برضاع آخر في التحديد الكمي والزماني بخلافه في التحديد الكيفي فانه لا يعتبر فيه ذلك.

واما الفصل بالاكل والشرب فلا يعتبر عدمه في التحديد الكيفي وفي الخمس عشرة رضعة بخلافه في التحديد الزماني فانه يعتبر فيه عدمه.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما اعتبار كون اللبن من ولادة شرعية‌ فلا خلاف فيه. ويمكن استفادته من صحيحة عبد الله بن سنان : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن لبن الفحل قال : هو ما ارضعت امرأتك من لبنك ولبن ولدك ولد امرأة اخرى فهو حرام» (١) ، بتقريب ان اسناد اللبن إلى الفحل والولد يدل على اعتبار الوطء والحمل والولادة. والتعبير ب «امرأتك» يدل على اعتبار العقد الشرعي وعدم كفاية الولادة عن زنا.

ويدل عليه أيضا في الجملة صحيح يونس بن يعقوب عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «سألته عن امرأة درّ لبنها من غير ولادة فأرضعت جارية وغلاما من ذلك اللبن هل يحرم بذلك اللبن ما يحرم من الرضاع؟

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٤ : ٢٩٤ الباب ٦ من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث ٤.

٣٣٦

قال : لا» (١).

٢ ـ واما اعتبار صدق عنوان الارتضاع من الثدي‌ فلأن الحكم في الادلة انيط بعنوان الارضاع والرضاعة ونحو ذلك ، وهو لا يصدق عرفا من دون الامتصاص من الثدي ، ولذا لا يقال لمن شرب الحليب المحلوب من البقرة انه ارتضع منها بخلاف ما لو امتصه من ثديها.

ومع التنزل والتسليم بصدقه بدون ذلك فيمكن ان يقال بانصرافه إلى النحو المتعارف منه ، وفيما عداه يرجع إلى عموم قوله تعالى : (وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ) (٢).

٣ ـ واما اعتبار ان يكون الرضاع في الحولين للمرتضع‌ فهو المعروف بين الاصحاب لصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «لا رضاع بعد فطام» (٣). وظاهرها وان كان يدل على كون المدار على الفطام الفعلي دون الوصول إلى سن الفطام ، وهو الحولان الا انه لا بدّ من رفع اليد عن ذلك لرواية حماد بن عثمان : «سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : لا رضاع بعد فطام ، قلت : وما الفطام؟ قال : الحولين الذي قال الله عز وجل» (٤) ، حيث فسرت الفطام بالحولين دون الفطام الفعلي. وسندها وان اشتمل على سهل الا ان الامر فيه سهل ان شاء الله تعالى.

ثم انه لو رفضنا الرواية المذكورة يلزم جعل المدار على الفطام الفعلي سواء كان بعد الحولين أم قبلهما.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٤ : ٣٠٢ الباب ٩ من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث ١.

(٢) النساء : ٢٤.

(٣) وسائل الشيعة ١٤ : ٢٩١ الباب ٥ من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث ٢.

(٤) وسائل الشيعة ١٤ : ٢٩١ الباب ٥ من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث ٥.

٣٣٧

وإذا قيل : ان صحيحة داود بن الحصين عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «الرضاع بعد الحولين قبل ان يفطم محرّم» (١) تدل على ان الرضاع بعد الحولين موجب لنشر الحرمة أيضا.

قلنا : انه يلزم ترجيح رواية حماد ـ بناء على تمامية سندها وعدم امكان الجمع بينها وبين صحيحة داود ـ اما لموافقتها لإطلاق الكتاب الكريم (وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ) أو لمخالفتها للتقية على ما قيل (٢).

ومع التنزل وفرض عدم المرجح لا بدّ من التساقط في مادة المعارضة والرجوع إلى الاطلاق المتقدم كمرجع لا كمرجح.

هذا كله في المرتضع.

واما ولد المرضعة فهل يشترط كونه في الحولين؟ ذكر في جامع المقاصد ان في المسألة قولين :

أ ـ الاشتراط لقوله عليه‌السلام : «لا رضاع بعد فطام» ، فانه يتناول ولد المرضعة.

ب ـ عدم الاشتراط لان المتبادر من الحديث المتقدم المرتضع دون ولد المرضعة.

واختار هو قدس‌سره القول المذكور تمسكا بأصالة عدم الاشتراط (٣).

وكان من المناسب ان يتمسك لإثباته باطلاق مثل صحيحة عبد الله بن سنان المتقدمة في الرقم ١ ، فان الخارج منه هو المرتضع ،

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٤ : ٢٩٢ الباب ٥ من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث ٧.

(٢) القائل بذلك هو الشيخ الطوسي حيث ذكر في كتابه تهذيب الاحكام ٧ : ٣١٨ معلقا على صحيحة داود ما نصه : «ويجوز ان يكون خرج مخرج التقية لأنه مذهب لبعض العامة».

(٣) جامع المقاصد ١٢ : ٢٢١.

٣٣٨

حيث دلّ الدليل الخاص على اعتبار كونه في الحولين ، واما ولد المرضعة فلم يدل دليل على خروجه منه ـ لانصراف الحديث المتقدم الى المرتضع ـ فيبقى مشمولا له.

٤ ـ واما اعتبار الخلوص‌ فلان نشر الحرمة يتوقف على صدق عنوان ارتضاع اللبن ، ومع المزج الموجب لسلب الاسم لا يصدق ذلك.

٥ ـ واما اعتبار كون اللبن لفحل واحد‌ فهو المشهور. ويمكن استفادته من صحيحة ابن سنان المتقدمة حيث ورد فيها : «هو ما ارضعت امرأتك من لبنك» ، فان عنوان لبنك لا يصدق مع تعدد الفحل.

ومنه يتضح الوجه في اعتبار وحدة المرضعة ، فان ظاهر كلمة «امرأتك» هو شخص امرأتك دون جنسها.

هذا مضافا إلى تصريح موثقة زياد بن سوقة الآتية باعتبار كلا الامرين.

ثم ان وحدة الفحل كما هي معتبرة لنشر الحرمة بين المرتضع والمرضعة والفحل و... كذلك هي معتبرة لنشر الحرمة بين المرتضعين ، فلو ارتضع اثنان من مرضعة واحدة بلبن فحلين لم تنتشر الحرمة بينهما وان انتشرت بين كل واحد منهما مع المرضعة والفحل و...

وتدل على ذلك صحيحة الحلبي : «سألت ابا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يرضع من امرأة وهو غلام أيحل له ان يتزوج اختها لأمها من الرضاعة؟ فقال : ان كانت المرأتان رضعتا من امرأة واحدة من لبن فحل واحد فلا يحل ، فان كانت المرأتان رضعتا من امرأة واحدة من لبن‌

٣٣٩

فحلين فلا بأس بذلك» (١) وغيرها.

وخالف ذلك الشيخ الطبرسي والفيض الكاشاني واختارا انتشار الحرمة بين المرتضعين حتى مع عدم وحدة الفحل (٢).

٦ ـ واما تحديد مقدار الرضاع الناشر للحرمة‌ فقد وقع محلا للخلاف. ومنشؤه اختلاف الروايات.

وهي مع اختلافها اتفقت على التحديد الكيفي وان الارضاع متى ما اوجب نبات اللحم وشد العظم تحقق به نشر الحرمة.

بل يظهر منها ان المدار في نشر الحرمة هو التحديد الكيفي ، وجاء التحديد الزماني والكمي كطريق لا حراز ذلك ما نجد ذلك واضحا في صحيحة علي بن رئاب عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «قلت : ما يحرم من الرضاع؟ قال : ما انبت اللحم وشدّ العظم. قلت : فتحرّم عشر رضعات؟ قال : لا ، لأنه لا تنبت اللحم ولا تشد العظم عشر رضعات» (٣) وغيرها.

والاختلاف في الروايات ينحصر في ضبط التحديد الكمي ، ففي بعضها اكتفي بعشر رضعات متوالية ، وفي بعضها الآخر اعتبر خمس عشرة رضعة.

مثال الاول : صحيحة عمر بن يزيد : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام : عن الغلام يرضع الرضعة والثنتين فقال : لا يحرّم ، فعددت عليه حتى أكملت عشر رضعات فقال : إذا كانت متفرقة فلا» (٤).

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٤ : ٢٩٤ الباب ٦ من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث ٣.

(٢) مجمع البيان ٢ : ٢٨ ، والوافي ٢١ : ٢٤٨.

(٣) وسائل الشيعة ١٤ : ٢٨٣ الباب ٢ من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث ٢.

(٤) وسائل الشيعة ١٤ : ٢٨٣ الباب ٢ من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث ٥.

٣٤٠