دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي على المذهب الجعفري - ج ٢

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي على المذهب الجعفري - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الفقه للطباعة والنشر
المطبعة: برهان
الطبعة: ٢
ISBN: 964-499-036-6
ISBN الدورة:
964-499-048-X

الصفحات: ٥٩١

عليه الممضاة بعدم ردع الشارع عنها ـ التمسك بصحيحة هشام بن سالم عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «سألته عن الرجل يشارك في السلعة ، قال : ان ربح فله وان وضع فعليه» (١) وغيرها.

والشركة في كل الأمثلة التي أشرنا إليها تتحقق بنحو الاشاعة. وقيل بامكان تحققها أيضا في موارد اخرى بنحو الكلي في المعين أو بنحو استقلال الشركاء في التصرف ، كما في شركة الفقراء في الزكاة ، وبني هاشم في الخمس ، والموقوف عليهم في الاوقاف العامة.

٢ ـ واما الشركة بالمعنى الثاني‌ فهي مما انعقدت عليها السيرة العقلائية المتصلة بزمن المعصوم عليه‌السلام الممضاة بعدم الردع عنها ، ومشمولة للعمومات ، كقوله تعالى : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (٢).

بل يمكن التمسك لإثبات صحتها بموثقة النوفلي عن السكوني عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «ان أمير المؤمنين عليه‌السلام كره مشاركة اليهودي والنصراني والمجوسي الا ان تكون تجارة حاضرة لا يغيب عنها المسلم» (٣) وغيرها.

وقد تقدم ان السكوني وان لم يرد في حقه توثيق خاص الا ان دعوى الشيخ في عدته عمل الطائفة برواياته (٤) كاف في التساهل من ناحيته.

واما النوفلي فيمكن اثبات وثاقته اما من خلال وروده في اسناد‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٣ : ١٧٤ الباب ١ من أبواب أحكام الشركة الحديث ١.

(٢) المائدة : ١.

(٣) وسائل الشيعة ١٣ : ١٧٦ الباب ٢ من أحكام الشركة الحديث ٢.

(٤) العدة في الاصول ١ : ١٤٩.

١٦١

تفسير القمي أو كامل الزيارات ـ بناء على تمامية كبرى وثاقة كل من ورد في أحد الكتابين المذكورين ـ أو من خلال عمل الطائفة بروايات السكوني ، فانه يدل بالالتزام على عملهم بروايات النوفلي بعد ان كان اكثر روايات السكوني واصلا بطريق النوفلي.

٢ ـ من أحكام الشركة بالمعنى الاول

لا يجوز لبعض الشركاء التصرف في العين المشتركة بالمعنى الاول الا باذن البقية.

وإذا طالب بعض الشركاء بالقسمة لزمت اجابته ان لم يلزم منها تضرر البعض أو الكل. وفي حالة عدم لزومه تلزم الاجابة سواء كانت قسمة افراز ـ بمعنى عدم احتياج المال المشترك في تقسيمه إلى تعديل سهامه لتساوي أجزائه في القيمة ـ أم قسمة تعديل.

والقسمة عقد لازم لا يجوز فسخها من دون تراض. ولو ادعي وقوع الغلط فيها لم يقبل ذلك الا بالبينة.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما عدم جواز التصرف في العين المشتركة الا بموافقة بقية الشركاء‌ فلعدم جواز التصرف في مال الغير الا بطيب نفسه.

٢ ـ واما لزوم الاجابة إلى القسمة مع عدم التضرر‌ فللسيرة العقلائية المنعقدة على ان لكل مالك الحق في المطالبة بفرز ماله عن مال شريكه ، وحيث لا يحتمل حدوث السيرة المذكورة في الازمنة المتأخرة بل يجزم باتصالها بزمن المعصوم عليه‌السلام فتكون كاشفة عن‌

١٦٢

رضاه عليه‌السلام بمضمونها بعد عدم ردعه عنها.

واما استثناء حالة لزوم الضرر فلقاعدة نفي الضرر بناء على كون المراد منها نفي الحكم الذي ينشأ منه الضرر.

٣ ـ واما ان لزوم الاجابة إلى القسمة لا يفرّق فيه بين شكلي القسمة‌ فلعموم السيرة المتقدمة.

٤ ـ واما ان القسمة عقد لازم لا يجوز فسخه بدون تراض من الاطراف‌ فلأصالة اللزوم في كل عقد ـ وقد تقدمت الاشارة إلى مستندها في باب البيع ـ التي يلزم التمسك بها ما دام لم يثبت بالدليل الجواز.

٥ ـ واما عدم قبول دعوى الغلط فيها‌ فلأصالة الصحة ـ في كل عقد لم يثبت فساده ـ الثابتة بالسيرة العقلائية غير المردوع عنها.

٦ ـ واما استثناء حالة اقامة البينة‌ فلان كل من ادعى شيئا على خلاف الاصل فيمكنه اثبات دعواه باقامة البينة عليها لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «البينة على من ادعى واليمين على من ادعي عليه» (١).

ويأتي التعرض من جديد إن شاء الله تعالى في كتاب القضاء الى مبحث القسمة تحت عنوان «قسمة المال المشترك».

٣ ـ من أحكام الشركة بالمعنى الثاني‌

لا تصح الشركة العقدية لدى المشهور الا بمزج مالي الشريكين اما قبل‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨ : ١٧٠ الباب ٢ من أبواب كيفية الحكم الحديث ١.

١٦٣

العقد أو بعده بنحو لا يتميزان.

وهي ذات اشكال متعددة لا تصح الا في واحد منها ، وهو ما تقدم من التعاقد على الاشتراك في ربح وخسارة المالين بعد الاتجار بهما.

ويصطلح عليها بشركة العنان.

واما بقية أشكالها فباطلة (١) ، وهي :

أ ـ شركة الابدان. وهي التعاقد على عمل كل واحد من الطرفين بصورة مستقلة وفي مجاله الخاص مع اقتسام الربح الحاصل لكل واحد ، كما لو قرّر حلاّقان اقتسام اجرة الحلاقة التي يحصلان عليها في كل يوم.

ب ـ شركة الوجوه. وهي التعاقد بين شخصين لا يملكان مالا بل وجاهة بين الناس فقط على شراء كل واحد منهما بثمن ثابت في ذمته فقط شيئا لكلا الطرفين ثم بيعه بعد ذلك واداء الثمن بعده واقتسام الربح الحاصل.

ج ـ شركة المفاوضة. وهي التعاقد على اقتسام كل ما يستفيده أحد الطرفين من ارث أو وصية أو ربح تجارة ونحو ذلك ، وهكذا تحمل الطرفين كل ما يرد على احدهما من خسارة.

ويلزم في الشركة العقدية الصحيحة الايجاب والقبول والبلوغ والعقل والاختيار وعدم الحجر لسفه أو فلس.

ويتساوى الشريكان في الربح والخسارة مع تساوي المالين ، ومع الزيادة‌

__________________

(١) وقد اتفقت كلمة اصحابنا على ذلك على ما في جامع المقاصد ٨ : ١٣ ولم ينسب الخلاف الا الى الاسكافي فان العلامة في المختلف : ٤٧٩ قد نقل عنه جواز شركة الوجوه والاعمال.

هذا ما عليه اصحابنا.

واما العامة فقد ذهب بعضهم الى جواز بعض الاشكال المذكورة فلاحظ المغني لابن قدامى ٥ : ١١١.

١٦٤

فبالنسبة ربحا وخسارة. ولو شرطت زيادة لأحدهما فمع كونها في مقابل العمل أو زيادته فلا اشكال والا لم يجز ذلك على قول.

والتصدي للعمل في عقد الشركة يتبع ما تمّ الاتفاق عليه بين الطرفين ، فاذا اتفقا على تصدي احدهما فقط أو كليهما بنحو الاستقلال أو الانضمام كان السير على طبق ذلك لازما.

وهكذا الحال بالنسبة إلى تعيين الكيفية الخاصة للعمل فانها تتبع ما تمّ الاتفاق عليه.

وعقد الشركة جائز ، بمعنى ثبوت الحق لكل من الشريكين في التراجع عن اذنه في التصرف.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما اعتبار المزج لدى المشهور‌ فلا مستند له سوى الاجماع المدعى في المسألة ، فان تمّ كان هو المدرك والا فمقتضى العمومات ـ كقوله تعالى : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (١) ـ عدم الاعتبار ، كما أكد ذلك السيّد اليزدي في العروة الوثقى (٢).

وإذا قلت : مع افتراض تحقق المزج تكون الشركة متحققة به فما الفائدة بعد ذلك من اجراء عقد وأي شي‌ء يترتب عليه؟

قلت : مع افتراض تحقق المزج الموجب للإشاعة تنحصر فائدة العقد في الاذن في التصرف في المال المشترك ويكون في روحه راجعا إلى الاذن في التصرف وتوكيل احدهما الآخر فيه.

واما مع عدم تحقق المزج أو افتراض تحققه بنحو غير موجب‌

__________________

(١) المائدة : ١.

(٢) العروة الوثقى ، كتاب الشركة ، المسألة ٤.

١٦٥

للإشاعة ـ بناء على انكار الاجماع رأسا أو دعوى قيامه على اعتبار اصل المزج ولو لم يوجب الاشاعة ـ فمرجع العقد إلى تمليك كل واحد من الطرفين حصة من ماله للآخر.

وعليه تكون حقيقة عقد الشركة راجعة اما إلى الاذن في التصرف أو الى تمليك حصة من المال للآخر.

وعلى الاول يكون معنى اشتركنا : اشتركنا في الاذن في التصرف.

وعلى الثاني يكون المعنى : اشتركنا في الملك.

٢ ـ واما الوجه في صحة شركة العنان‌ فقد تقدم عند البحث عن حقيقة الشركة.

واما الوجه في عدم صحة شركة الابدان فواضح على رأي المشهور المعتبر للامتزاج الذي هو مفقود فيها. واما بناء على عدم اعتباره فقد قيل في وجه عدم الصحة : ان ربح العمل المستقبلي معدوم حين العقد ، وتمليك المعدوم أمر غير عقلائي وتحتاج صحته إلى قيام دليل خاص عليه ، وهو مفقود.

وبهذا نفسه يمكن توجيه بطلان شركة الوجوه والمفاوضة ، فان المزج ـ بناء على اعتباره ـ مفقود ، وبناء على عدمه يكون المورد من موارد تمليك المعدوم ، فان ربح ما يشترى في الذمة أو الفوائد المستقبلية التي تحصل من خلال الارث أو الوصية ونحوهما مفقود حين اجراء عقد الشركة ، وتمليك ذلك تمليك للمعدوم.

٣ ـ واما اعتبار الايجاب والقبول في الشركة العقدية الصحيحة‌ فلان ذلك لازم افتراض كونها عقدا.

١٦٦

ويكفي كل ما يدل عليهما ، كقول احدهما : تشاركنا مع قبول الآخر ، بل لا يبعد الاكتفاء بالمعاطاة ، كما لو مزج المالان بقصد الاشتراك في التجارة وما يترتب عليها من ربح أو خسارة ، فانه بعد صدق العقد بذلك يشمله عموم قوله تعالى : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (١).

واما اعتبار البلوغ وبقية الشروط فلان ذلك من الشرائط العامة في كل عقد.

٤ ـ واما التساوي في الربح والخسارة مع تساوي المالين والا فبالنسبة‌ فذلك لقاعدة تبعية الربح والنماء للمال.

٥ ـ واما جواز اشتراط الزيادة في مقابل العمل أو زيادته‌ فلانه شرط سائغ ومشمول لعموم قوله عليه‌السلام : «المسلمون عند شروطهم» (٢).

٦ ـ واما القول بعدم جواز اشتراط الزيادة مع تساوي المالين والعمل‌ فقد علل بكونه اكلا للمال بالباطل ، وقد نهي عنه في قوله تعالى : (لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ*) (٣).

واما وجه القول بجواز ذلك فهو التمسك بعموم «المسلمون عند شروطهم».

ودعوى انه مخالف لمقتضى العقد مدفوعة بانه مخالف لمقتضى اطلاقه لا لأصله.

٧ ـ واما تبعية التصدي للعمل وكيفيته لما تمّ الاتفاق عليه‌ فلأن عقد الشركة على ما تقدم يرجع اما إلى الاذن في التصرف أو إلى تمليك‌

__________________

(١) المائدة : ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٢ : ٣٥٣ الباب ٦ من أبواب الخيار الحديث ٢.

(٣) النساء : ٢٩.

١٦٧

الحصة ، وعلى كلا التقديرين يكون تحديد الاذن والتمليك أمرا راجعا إلى الآذن والمملك.

٨ ـ واما ان عقد الشركة جائز‌ فلان مرجعه ـ كما قلنا ـ اما الى الاذن في التصرف او التمليك.

اما على التقدير الاول فالامر واضح لان من حق كل آذن التراجع عن اذنه.

واما على التقدير الثاني فلان كل واحد من الطرفين وان ملك حصة من مال الآخر بسبب العقد الا ان من حقه عدم الاذن في التصرف فيها والتراجع عنها.

١٦٨

كتاب الضمان‌

١ ـ حقيقة الضمان‌

٢ ـ شرائط الضمان‌

٣ ـ من أحكام الضمان‌

١٦٩
١٧٠

١ ـ حقيقة الضمان‌

الضمان ـ بمعناه المصطلح عليه لدى فقهائنا ـ هو التعهد بالدين للغير بنحو ينتقل من ذمة المضمون عنه إلى ذمة الضامن.

واما عند غيرنا فهو ضم ذمة إلى ذمة بحيث تعود ذمة الضامن والمضمون عنه مشغولتين للمضمون له ويحق له الرجوع على ايهما شاء.

وله اطلاق بمعنى ثان ، وهو التعهد بالمال للغير وتحمل مسئوليته من دون اشتغال ذمة الضامن بالفعل وبراءة ذمة المضمون عنه ، كما هو على المعنى الاصطلاحي.

وهو مشروع بكلا معنييه.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما الضمان بالمعنى الاصطلاحي الذي تترتب عليه براءة ذمة المضمون عنه بمجرد الضمان واشتغال ذمة الضامن‌ فمشروعيته من بديهيات الفقه.

ويمكن التمسك لذلك بصحيحة عبد الله بن سنان ـ التي رواها‌

١٧١

المشايخ الثلاثة بطرقهم الصحيحة ـ عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «رجل يموت وعليه دين فيضمنه ضامن للغرماء ، فقال : إذا رضي به الغرماء فقد برئت ذمة الميت» (١).

هذا في الضمان بمعناه المصطلح عندنا.

واما بمعناه المصطلح عليه عند غيرنا فالمعروف بين الاصحاب عدم صحته حتى مع التصريح بارادته الا انه ذكر البعض امكان تصحيحه من خلال التمسك بالعمومات (٢).

٢ ـ واما الضمان بمعناه الثاني‌ فهو متداول لدى العقلاء ، كضمان شخص الدين للدائن ان لم يؤده المديون أو ضمان الدار لمشتريها إذا ظهرت مستحقة للغير أو ضمان الثمن للبائع ان ظهر كذلك.

٣ ـ واما شرعية الضمان بمعناه الاصطلاحي‌ فقد اتضح وجهها.

واما شرعيته بالمعنى الثاني فللسيرة العقلائية المنعقدة عليه المتصلة بزمن المعصوم عليه‌السلام والممضاة بعدم الردع. مضافا إلى امكان التمسك بعموم قوله تعالى : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (٣) بناء على افادته اللزوم والصحة لا خصوص اللزوم.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٣ : ١٥٠ الباب ٢ من أبواب أحكام الضمان الحديث ١.

(٢) العروة الوثقى ، كتاب الضمان ، المسألة ٢.

(٣) المائدة : ١.

١٧٢

٢ ـ شرائط الضمان‌

يلزم لتحقق الضمان توفر :

١ ـ الايجاب من الضامن والقبول من المضمون له بكل ما يدل عليهما.

ولا يلزم رضا المضمون عنه.

٢ ـ كون الضامن والمضمون له بالغين عاقلين مختارين وليسا محجرا عليهما لسفه ، بخلاف المضمون عنه ، فانه لا يلزم فيه ذلك.

ويلزم أيضا عدم فلس المضمون له دون الضامن.

٣ ـ التنجيز على المشهور ، فلا يصح لو قال انا ضامن ان اذن لي فلان أو ان لم يف المديون دينه. اجل لا يعتبر ذلك في الضمان بالمعنى الثاني.

٤ ـ ثبوت الدين في ذمة المضمون عنه فلا يصح اقرض فلانا وانا ضامن.

نعم يصح ذلك في الضمان بمعناه الثاني.

٥ ـ تعيّن الدين والمضمون له والمضمون عنه ، بمعنى عدم تردده ، فلا يصح ضمان أحد الدينين ولو لشخص معين على شخص معين ، ولا ضمان دين أحد الشخصين ولو لواحد معين ، ولا ضمان دين أحد الشخصين ولو على واحد معين.

واما ما نسب إلى بعض من لزوم العلم بالمضمون عنه والمضمون له بالوصف والنسب فغريب.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما اعتبار الايجاب والقبول في تحقق الضمان‌ فلانه نحو من المعاقدة التي لا تتم الا بذلك.

١٧٣

واما الاكتفاء بكل ما يدل عليهما فلانه بذلك يتحقق العقد فيشمله عموم قوله تعالى : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (١) ، كما يتحقق بذلك عنوان الضمان فتشمله صحيحة ابن سنان المتقدمة.

٢ ـ واما عدم اعتبار رضا المضمون عنه‌ فلصحة الضمان التبرعي ، الذي هو بمنزلة وفاء دين الغير تبرعا بدون ضمان حيث لا يعتبر فيه رضاه.

اجل إذا استلزم الضمان التبرعي اهانة المضمون عنه ـ كتبرع وضيع بضمان دين انسان شريف ـ حرم تكليفا ولكنه لا يلزم عدم الصحة وضعا.

٣ ـ واما اعتبار البلوغ وما بعده في الضامن والمضمون له‌ فلأنهما طرفا العقد ، وذلك معتبر في مطلق طرفي العقد.

واما عدم اعتبار ما ذكر في المضمون عنه فلانه اجنبي عن العقد. على انه إذا جاز كونه ميتا ـ كما هو مورد صحيحة ابن سنان المتقدمة ـ جاز كونه صبيا أو مجنونا أو مكرها أو سفيها لعدم الفرق ، بل لعل ذلك أولى.

واما اشتراط عدم فلس المضمون له فلان المفلس ممنوع من التصرف في أمواله ولو بنقلها ، وواضح ان لازم قبوله الضمان نقل دينه من ذمة إلى ذمة.

واما عدم اشتراط فلس الضامن فلان المفلّس ممنوع من التصرف في أعيان أمواله دون ذمته. وهل يحتمل عدم جواز اقتراضه؟

__________________

(١) المائدة : ١.

١٧٤

٤ ـ واما اعتبار التنجيز في نظر المشهور‌ فقد علّله السيد اليزدي بقوله : «لا دليل عليه بعد صدق الضمان وشمول العمومات العامة الا دعوى الاجماع في كل العقود» (١).

واما عدم اعتباره في الضمان بالمعنى الثاني فلكون القدر المتيقن من معقد الاجماع هو الضمان بالمعنى الاول ، ومعه لا يعود مانع من التمسك بالسيرة العقلائية والعموم.

٥ ـ واما اعتبار ثبوت الدين في ذمة المضمون عنه‌ فلانه بدونه لا يمكن نقل ما في ذمته إلى ذمة اخرى.

واما عدم اشتراطه في الضمان بالمعنى الثاني فلانه تعهد وتحمل للمسئولية من دون اشتماله على نقل ما في ذمة إلى ذمة اخرى ليعتبر فيه ذلك.

٦ ـ واما اعتبار التعيّن وعدم التردد في الدين والمضمون له والمضمون عنه‌ فلانه بدونه لا يمكن تحقق القصد إلى الضمان ، فان تحقق الضمان بلحاظ هذا الدين دون ذاك بلا مرجح ، وبلحاظهما خلاف المقصود ، والمردد بما هو مردد لا خارجية له ليمكن تحقق الضمان بلحاظه.

وهذا نفسه يجري في فرض تردد المضمون له أو المضمون عنه.

٧ ـ واما غرابة اعتبار العلم بوصف ونسب المضمون عنه والمضمون له‌ فلان ذلك لا دليل عليه ، كيف وهو غير معتبر في البيع الذي هو اكثر قيودا من سائر العقود.

__________________

(١) العروة الوثقى ، كتاب الضمان ، الشرط ٧ من شروط الضمان.

١٧٥

٣ ـ من أحكام الضمان‌

إذا ضمن الضامن باذن المضمون عنه وتحقق الاداء منه جاز له الرجوع عليه.

وإذا لم يكن باذنه أو لم يؤد لإبراء لم يجز له الرجوع عليه. بل لو تمّ التصالح على نصف المبلغ مثلا والابراء عن الباقي لم يجز الرجوع بالجميع بل بما أدّى.

وإذا ابرأ المضمون له ذمة الضامن برئت ذمة المضمون عنه أيضا.

وإذا ابرأ ذمة المضمون عنه كان ذلك لغوا.

والضمان لازم من طرف الضامن والمضمون له.

وإذا أدى الضامن الدين من غير جنسه لم يجز له اجبار المضمون عنه بالدفع من خصوص جنس ما أدى.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما عدم جواز رجوع الضامن على المضمون عنه مع عدم تحقق الاداء‌ فمما لا اشكال فيه. ويمكن استفادته من موثق عمر بن يزيد : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل ضمن عن رجل ضمانا ثم صالح عليه ، قال : ليس له الا الذي صالح عليه» (١) ، فانه يدل على ان السبب في اشتغال ذمة المضمون عنه هو الاداء وقبله لا اشتغال.

هذا وقد قيل ان الحكم المذكور هو على خلاف القاعدة فانها‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٣ : ١٥٣ الباب ٦ من أحكام الضمان الحديث ١.

١٧٦

تقتضي جواز الرجوع بمجرد تحقق الضمان ، إذ كما اشتغلت ذمة الضامن بمجرد الضمان كذلك يلزم بالمقابل اشتغال ذمة المضمون عنه للضامن بمجرد الضمان ادّى الضامن أو لم يؤد (١).

٢ ـ واما عدم جواز الرجوع مع عدم الاذن في الضمان‌ فلانه تبرع من الضامن لا يسوّغ رجوعه ، وهو اشبه باداء دين الغير تبرعا ومن دون ضمان.

٣ ـ واما انه لا يرجع مع الابراء أو يرجع بما ادّى في فرض الابراء من الباقي‌ فلاستفادة ذلك من الموثق المتقدم.

٤ ـ واما براءة ذمة المضمون عنه لو ابرأ المضمون له الضامن‌ فواضحة ، إذ البراءة للمضمون له قد تحققت بمجرد الضمان ، واما البراءة للضامن فلما تقدم من تفرع جواز الرجوع على المضمون عنه على الاداء.

٥ ـ واما ان ابراء المضمون عنه لغو فلان ذمته برئت بمجرد الضمان‌ فلا معنى لإبرائها.

اجل إذا فهم ان المقصود اسقاط الدين رأسا برئت بذلك ذمة الضامن.

٦ ـ واما ان عقد الضمان لازم‌ فلان رجوع الدين إلى ذمة المضمون عنه واشتغالها به ثانيا بعد براءتها منه وانتقاله إلى ذمة الضامن يحتاج إلى دليل ، وهو مفقود ، والاصل في كل عقد هو اللزوم كما تقدم في مبحث البيع.

__________________

(١) العروة الوثقى ، كتاب الضمان ، المسألة ١٣.

١٧٧

٧ ـ واما ان الضامن لو ادّى الدين من غير جنسه فلا يجوز له اجبار المضمون عنه بالدفع من جنس ما ادّاه‌ فباعتبار عدم امر المضمون عنه الضامن بذلك وانما هو تصرف تبرعي منه.

نعم مع امر المضمون عنه بذلك فللضامن الحق في ذلك لاقتضاء الامر نفسه لذلك بالسيرة العقلائية.

١٧٨

كتاب الحوالة والكفالة‌

١ ـ حقيقة الحوالة‌

٢ ـ شرائط الحوالة‌

٣ ـ من أحكام الحوالة‌

٤ ـ الكفالة وبعض أحكامها‌

١٧٩
١٨٠