دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي على المذهب الجعفري - ج ٢

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي على المذهب الجعفري - ج ٢

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الفقه للطباعة والنشر
المطبعة: برهان
الطبعة: ٢
ISBN: 964-499-036-6
ISBN الدورة:
964-499-048-X

الصفحات: ٥٩١

والكل لا يمكن التمسك به.

اما الاول فلان ظاهر كلمة «تطبب» مباشرة الطبابة والعلاج خارجا.

واما الثاني فلان الاتلاف لا ينتسب إلى شخص الا اذا كان مباشرا له او كان سببا أقوى من المباشر بحيث يسند الفعل إليه عرفا ، كما لو كان المريض فاقدا للإرادة لصغر ونحوه ، اما مع فرض الاختيار التام للمريض فلا ينسب الاتلاف الى الطبيب.

واما الثالث فلعدم صدق الغرور مع جهل الغار ، ولا أقلّ من الشك.

٧ ـ واما ضمان الخيّاط وغيره لما يفسده‌ فلقاعدة من اتلف وصحيحة الحلبي المتقدمة.

هذا إذا تجاوز الحدّ المأذون فيه.

واما مع عدم تجاوزه ـ كما لو قال صاحب القماش للخياط : فصّله بهذا الشكل فامتثل ثم اتضح الخلل وسقوط القماش بذلك عن صلاحية الانتفاع أو فرض أمر الختّان بالختن ثم اتضح ان اصل الختان مضر ومات المختون بذلك ـ فينبغي التفصيل بين ما شاكل مثال القماش فلا ضمان ـ للإذن الرافعة للضمان ، والاتلاف ان صدق فهو ما دام باذن المالك فلا يوجب الضمان ـ وبين مثال الختن فيحكم بثبوت الضمان لان الختّان بالتالي هو القاتل ، غايته هو معذور في ذلك ، وحيث ان دم المسلم لا يبطل (١) فيلزم الحكم بضمان الدية لأنه من قبيل القتل الخطئي.

__________________

(١) لصحيحة عبد الله بن سنان وعبد الله بن بكير جميعا عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام في رجل وجد مقتولا لا يدرى من قتله ، قال : ان كان عرف له اولياء يطلبون ـ

١٢١

اجل مع اخذ الختّان البراءة مسبقا فلا يبعد عدم الضمان لموثقة السكوني المتقدمة بناء على عدم فهم الخصوصية للتطبّب.

٥ ـ أحكام عامة في باب الاجارة‌

لا يثبت في الاجارة خيار المجلس ولا خيار الحيوان ولا خيار التأخير ثلاثة أيام وتجري فيها بقية الخيارات ، كخيار العيب والغبن وتخلف الشرط ونحوها.

واذا تحقق عقد الاجارة ملك كل طرف بالعقد نفسه ما استحقه على الآخر ، فالاجير يملك الاجرة ولو لم يقم بالعمل والمستأجر يملك العمل ولو لم يدفع الاجرة. ويجب على كل واحد منهما تسليم ما عليه الا اذا كان الآخر ممتنعا.

ويحق لمستأجر العين ايجارها على آخر ما دام لم يشترط عليه ـ ولو ضمنا ـ استيفاءه المنفعة مباشرة. واستشكل بعض في تسليم العين إلى المستأجر الثاني بدون اذن المؤجر.

ولا يجوز لمستأجر الدار ايجارها على آخر بأكثر من الاجرة السابقة الا ان يحدث فيها حدثا او تكون الاجرة الثانية مغايرة للأولى جنسا.

ومن استؤجر لأداء عمل بدون اشتراط المباشرة عليه ولو ضمنا يجوز له استيجار غيره للقيام بذلك العمل فيما إذا كانت الاجرة مساوية أو أكثر ، اما إذا كانت أقل فلا الا إذا أتى ببعض العمل.

__________________

ـ ديته اعطوا ديته من بيت مال المسلمين ولا يبطل دم امرئ مسلم ...».

وسائل الشيعة ١٩ : ١٠٩ الباب ٦ من أبواب دعوى القتل الحديث ١.

١٢٢

وفي جواز الاجارة على اداء الواجبات خلاف مشهور.

ومن استأجر محلاّ تجاريا أو غيره إلى فترة محددة فعليه بعد انتهائها تخليته إذا طالب بذلك المالك ولا يحق له ايجاره على شخص آخر من دون اذن الا إذا تمّ الاتفاق ـ لبناء عرفي خاص أو عام ـ على ذلك مسبقا ولو مقابل مبلغ معين قد يعبر عنه في بعض الاعراف بحق السرقفلية ، فيجوز آنذاك للمستأجر عدم التخلية وتجديد عقد الايجار بل يجوز له أيضا رفع اليد عن حقه في البقاء والتنازل بالمحل لثالث ازاء مبلغ معين من النقود قد يعبّر عنه بحق السرقفلية أيضا.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما عدم ثبوت الخيارات الثلاثة في الاجارة‌ فلاختصاص مدرك ثبوتها بالبيع ، كصحيحة محمد بن مسلم : «المتبايعان بالخيار ثلاثة أيام في الحيوان ، وفيما سوى ذلك من بيع حتى يفترقا» (١) ، وصحيحة زرارة عن ابي جعفر عليه‌السلام : «الرجل يشتري من الرجل المتاع ثم يدعه عنده فيقول حتى آتيك بثمنه ، قال : ان جاء فيما بينه وبين ثلاثة أيام والا فلا بيع له» (٢).

٢ ـ واما ثبوت بقية الخيارات‌ فلان مدرك ثبوتها يعم غير البيع أيضا ، فخيار العيب والغبن ثابتان من خلال فكرة الاشتراط الضمني ، وهي لا تختص بالبيع. وهكذا الخيار الثابت باشتراطه أو بتخلف الشرط ، فانه لا يختص بالبيع.

وبالجملة : مدرك الخيارات الثلاثة السابقة حيث انه التعبد‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٢ : ٣٤٩ الباب ٣ من أبواب الخيار الحديث ٣.

(٢) وسائل الشيعة ١٢ : ٣٥٦ الباب ٩ من أبواب الخيار الحديث ١.

١٢٣

فيقتصر على مورده ، بخلاف بقية الخيارات فان مدركها ليس هو التعبد بل مقتضى القاعدة الذي لا اختصاص له بالبيع.

٣ ـ واما ان كان واحد مالك ما له على الآخر بمجرد العقد‌ فباعتبار كونه سببا تاما للملكية بمقتضى قوله تعالى : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (١).

٤ ـ واما وجوب التسليم على كل واحد منهما‌ فلان ذلك لازم ملكية الآخر لما في يده.

واما عدم لزوم التسليم عند امتناع الآخر فلان ذلك مقتضى الشرط الضمني الارتكازي على ثبوت الحق لكل منهما في الامتناع عند امتناع الآخر.

٥ ـ واما جواز ايجار العين من قبل المستأجر الاول‌ فلانه مالك للمنفعة وليس من شروط صحة الاجارة ملكية العين.

اجل مع اشتراط استيفائه المنفعة مباشرة فلا يجوز له ذلك لقاعدة المسلمون عند شروطهم التي دلت عليها صحيحة عبد الله بن سنان (٢).

٦ ـ واما الاشكال في جواز تسليم العين‌ فقد صار إليه جمع من الاعلام (٣) باعتبار ان العين ملك لصاحبها ، والتصرف فيها بالتسليم إلى ثالث تصرف في ملك الغير من دون اذنه فلا يجوز.

وفيه : ان الاذن ثابتة لان اذن المالك للمستأجر الاول في الاستيلاء على العين كانت باعتبار انه مالك للمنفعة وليس بما هو فلان ، وحيث ان‌

__________________

(١) المائدة : ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٢ : ٣٥٣ الباب ٦ من أبواب الخيار الحديث ٢.

(٣) وممن استشكل السيد الطباطبائي في العروة الوثقى ، كتاب الاجارة ، الفصل ٥.

١٢٤

الوصف العنواني المذكور منطبق على المستأجر الثاني فيجوز تسليمه اليها واستيلاؤه عليها.

اجل لا يجوز تعريض العين للخطر بايجارها من شخص لا يتحفظ عليها بشكل كامل.

ومما يؤكد ذلك ان المستأجر الاول يجوز له استضافة بعض الضيوف لأيام من دون حاجة الى استئذان المالك ، فإذا جاز ذلك جاز ايجار العين للضيف وتصرفه فيها بلا حاجة إلى استئذان.

هذا كله بقطع النظر عن الروايات والا فالأمر أوضح. وقد روى علي بن جعفر ـ بطريق صحيح ـ عن أخيه ابي الحسن عليه‌السلام : «سألته عن رجل استأجر دابة فأعطاها غيره فنفقت ما عليه؟ قال : ان كان شرط ان لا يركبها غيره فهو ضامن لها وان لم يسم فليس عليه شي‌ء» (١) ، فانها تدل على جواز اركاب الغير ، ومقتضى اطلاقها عدم الفرق بين كون ذلك باجرة أو بدونها.

وفي صحيحة ابي المعزا عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «الرجل يؤاجر الارض ثم يؤاجرها بأكثر مما استأجرها ، قال : لا بأس ...» (٢).

٧ ـ واما عدم جواز ايجار الدار من قبل المستأجر الاول بأكثر من الاجرة الاولى الا مع احداث حدث‌ فلصحيحة الحلبي عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «الرجل يستأجر الدار ثم يؤاجرها بأكثر مما استأجرها به ، قال : لا يصلح ذلك الا ان يحدث فيها شيئا» (٣) وغيرها.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٣ : ٢٥٥ الباب ١٦ من أحكام الاجارة الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة ١٣ : ٢٦٠ الباب ٢٠ من أحكام الاجارة الحديث ٤.

(٣) وسائل الشيعة ١٣ : ٢٦٣ الباب ٢٢ من الاجارة الحديث ٤.

١٢٥

٨ ـ واما اعتبار اتحاد جنس الاجرة في عدم جواز الزيادة‌ فلان عنوان «الاكثر» لا يصدق الا مع اتحاد جنس الاجرتين ، فاذا كانت احداهما دينارا والاخرى كتابا فلا يصدق ان هذا أكثر من ذاك إذا تفاوتا في القيمة الا مع العناية.

اجل إذا كانت كلتا الاجرتين من النقود واختلفتا في نوعية النقد فلا يبعد صدق عنوان الاكثر عرفا إذا تفاوتا في المالية.

٩ ـ واما ان المستأجر لعمل يجوز له استيجار غيره إذا كانت الاجرة مساوية أو أكثر‌ فلكونه مقتضى القاعدة ما دام لم تشترط عليه المباشرة.

واما عدم جواز ذلك إذا كانت أقل الا مع اداء بعض العمل فلصحيحة محمد بن مسلم عن احدهما عليهما السّلام : «سئل عن الرجل يتقبل بالعمل فلا يعمل فيه ويدفعه إلى آخر فيربح فيه ، قال : لا ، الا ان يكون قد عمل فيه شيئا» (١) وغيرها.

١٠ ـ واما الخلاف في جواز الاجارة على الواجبات‌ فينبغي ان تستثنى منه الحالات التالية :

أ ـ ما إذا لم تعد للباذل فائدة من وراء الاجارة ، كالاستيجار لأداء الصلاة الواجبة اليومية عن العامل نفسه. ولا اشكال في بطلان الاجارة في مثل ذلك.

وتتصور الفائدة فيما إذا كان الواجب كفائيا وأراد الباذل اسقاطه عن نفسه فاستأجر غيره.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٣ : ٢٦٥ الباب ٢٣ من الاجارة الحديث ١.

١٢٦

ب ـ ما إذا فهم من الادلة مطلوبية تحقيق الفعل مجانا ، كما في تعليم الاحكام والافتاء وتجهيز الميت والاذان ونحو ذلك. وفي مثله لا اشكال في بطلان الاجارة كما هو واضح.

ج ـ ما إذا علم بمطلوبية ايقاع الفعل في الخارج ولو مع الاجرة ، كما هو الحال في المهن التي يتوقف عليها النظام كالطبابة والخبازة والبقالة وما شاكل ذلك. وفي مثله لا اشكال في جواز الاجارة كما هو واضح.

وبعد هذا يقع الكلام تارة في البحث عن مانعية حيثية الوجوب من جواز الاجارة واخرى عن مانعية حيثية قصد التقرب المعتبر في العبادات من صحة الاجارة.

اما المانعية من الحيثية الاولى فذكر لها عدة تقريبات نشير من بينها إلى : الاول : ما نقله الشيخ الأعظم من ان الشي‌ء إذا كان واجبا فهو مملوك لله سبحانه ، ومع كون الشي‌ء مملوكا للغير فلا يمكن تمليكه لان الشخص إذا لم يملك فعله فكيف يملّكه لغيره (١).

وفيه : ان وجوب الفعل يستدعي الزام ايجاده دون الملكية اعتبارا ليلزم ما ذكر.

الثاني : ما أفاده الشيخ النائيني من ان شرط صحة الاجارة بل كل معاملة كون الفعل والترك معا تحت سلطان الاجير ، ومع فرض ايجاب الفعل لا يكون الترك تحت سلطانه بل يكون ممتنعا عليه شرعا ،

__________________

(١) كتاب المكاسب ١ : ٤٣٢ ، منشورات دار الحكمة.

١٢٧

والممتنع شرعا كالممتنع عقلا (١).

وفيه : ان القدرة بمعنى تساوي الطرفين لا دليل على اعتبارها وانما الثابت اعتباره هو القدرة على تسليم متعلق الاجارة بمعنى الامكان التكويني ، وهو متحقق في محل الكلام.

الثالث : ما استند إليه الشيخ الأعظم ، وهو ان العمل إذا كان واجبا على الاجير بقطع النظر عن الاجارة فيجوز اجباره على ايقاعه ولو لم يستأجر عليه ، ومعه فلا تعود فائدة من وراء الاجارة.

قال قدس‌سره : «... لان أخذ الاجرة عليه مع كونه واجبا مقهورا من قبل الشارع على فعله اكل للمال بالباطل لان عمله هذا لا يكون محترما لان استيفاءه منه لا يتوقف على طيب نفسه لأنه يقهر عليها مع عدم طيب النفس والامتناع» (٢).

وفيه : ان الثابت قبل الاجارة حق عام لجميع المكلفين في المطالبة بايقاع الفعل من باب الامر بالمعروف ، وهذا بخلافه بعد الاجارة ، فانه يثبت حق شخصي خاص لخصوص المستأجر في المطالبة بالفعل من باب المطالبة بملكه.

وعليه فلا منع من حيثية الوجوب.

واما المانعية من الحيثية الثانية فتقريبها ان الباعث على الاتيان بالعمل إذا كان هو استحقاق الاجرة فكيف يتأتى قصد القربة من الاجير؟!

وفيه : ان الاجرة لم تجعل على ذات الفعل بل على الفعل بقصد‌

__________________

(١) منية الطالب للخوانساري ١ : ١٥.

(٢) كتاب المكاسب ١ : ٤٣٧ ، منشورات دار الحكمة.

١٢٨

العبادية والتقرب ، فما لم يؤت به كذلك لا يكون الاجير مستحقا لها ، وهذا معناه ان الاجارة تكون مؤكدة لطلب قصد التقرب وليست منافية له ، إذ ما لم يقصد الاجير التقرب لا يكون مستحقا للأجرة.

وهذا ما أطلق عليه الآخوند الخراساني بفكرة الداعي إلى الداعي (١) ، فان ذات الفعل يؤتى بها بقصد القربة ، والداعي لقصد القربة هو تحصيل الاجرة.

وإذا قلت : كيف نتصور قصد التقرب لأجل تحصيل الاجرة؟! ما هذا الا مجرد ألفاظ.

قلنا : لا يلزم في الداعي لقصد القربة ان يكون هو الله سبحانه بشكل محض ، ان هذا لا يتصور الا من امير المؤمنين عليه‌السلام وبقية المعصومين صلوات الله عليهم بل اللازم صدور قصد التقرب ولو لدواع اخرى ، كالإتيان بصلاة الرزق أو نزول المطر بقصد التقرب طلبا للرزق أو نزول المطر ، وكالإتيان بالصلاة بقصد التقرب طلبا للتخلص من النار أو حبّا لدخول الجنّة.

وما دام هذا ممكنا فبالامكان في مقامنا أيضا اتيان الاجير بالصلاة بقصد التقرب طلبا لتحصيل الاجرة.

وفي الحقيقة يمكن ان نفهم من خلال هذا ان المطلوب في باب العبادات هو قصد القربة على هذا المستوى وبالمقدار المذكور.

وعليه فلا مانع من الاجارة على الواجبات لا من حيثية الوجوب ولا من حيثية العبادية.

__________________

(١) كفاية الاصول ١ : ١٢٤ ، طبعة مؤسسة آل البيت عليهم‌السلام.

١٢٩

١١ ـ واما وجوب التخلية بعد انتهاء عقد الاجارة‌ فلانه هو المسوغ للتصرف فاذا انتهى يعود المالك مسلطا على ملكه ولا يجوز التصرف فيه من دون طيب نفسه.

١٢ ـ واما انه يجوز للمالك اخذ السرقفلية‌ فلان لكل ذي حق التنازل عن حقه مقابل ما يشاء.

واما ان للمستأجر ذلك أيضا فلانه مقابل تنازله عن حقه في البقاء وعدم التخلية المتولد له بسبب الاتفاق مع المالك.

١٣ ـ واما كفاية التباني العام‌ فلانه محقق للاشتراط الضمني.

١٣٠

كتاب المزارعة‌

١ ـ حقيقة المزارعة‌

٢ ـ شرائط المزارعة‌

٣ ـ أحكام عامة في باب المزارعة‌

١٣١
١٣٢

١ ـ حقيقة المزارعة‌

المزارعة عقد يتضمن الاتفاق على زرع شخص أرض غيره بحصة من حاصلها. وهي مشروعة بلا كلام.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما تحديد المزارعة‌ بما ذكر فمضافا إلى كونه من واضحات الفقه يمكن استفادته من روايات باب المزارعة ، كصحيحة عبد الله بن سنان : «الرجل يزارع فيزرع أرض غيره فيقول : ثلث للبقر وثلث للبذر وثلث للأرض ، قال : لا يسمي شيئا من الحب والبقر ولكن يقول : ازرع فيها كذا وكذا ان شئت نصفا وان شئت ثلثا» (١) وغيرها.

وعدم اسناد الحديث الى الامام عليه‌السلام غير مهم بعد كون الناقل عنه ابن سنان الذي لا تحتمل في حقه الرواية عن غيره عليه‌السلام.

على ان عدم اسنادها كذلك انما هو في رواية الكليني والا ففي‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٣ : ٢٠٠ الباب ٨ من أحكام المزارعة والمساقاة الحديث ٥.

١٣٣

رواية الشيخ اسندت إلى ابي عبد الله عليه‌السلام (١).

٢ ـ واما شرعيتها‌ فليست محلا للخلاف عندنا بل عند أكثر علماء الإسلام على ما في الجواهر (٢).

وتدل عليها الضرورة الفقهية والروايات الخاصة كالصحيحة المتقدمة وغيرها.

وهناك بحث عن امكان اثبات شرعيتها بمقتضى القاعدة وقطع النظر عن الروايات الخاصة وعدمه.

فقيل بعدم الامكان ، بتقريب ان المزارعة تتضمن تمليك العامل حصته من الناتج ، وحيث انه لا وجود لها حين العقد فلا يمكن تمليكها عقلائيا لان غير الموجود ليس بمملوك كي يقبل التمليك. وهل ترى امكان ان يبيع الشخص السمكة التي سيصطادها بعد ساعة أو يهب الشي‌ء الذي يشتريه بعد ذلك؟ كلا ، انه ليس عقلائيا ، وعموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (٣) ونحوه منصرف عنه.

وعليه فيحتاج اثبات الصحة إلى دليل خاص غير مثل (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ).

وهذا الكلام لا يختص بالمزارعة بل يعم ما كان على شاكلتها ، كالمضاربة والمساقاة.

ولربما يشير الى اختيار هذا الاحتمال صاحب الجواهر قدس‌سره حيث تمسك ـ في تعليل عدم جواز اجارة الارض للزراعة بما يخرج منها ـ

__________________

(١) حسب بعض نسخ التهذيب على ما اشير اليه في هامش الطبعة القديمة من وسائل الشيعة.

(٢) جواهر الكلام ٢٧ : ٢.

(٣) المائدة : ١.

١٣٤

ب «ضرورة اعتبار ملكية الاجرة التي هي عوض المنفعة المملوكة خارجا أو ذمة ، ولا شي‌ء منهما في الفرض» (١). وصرّح باختياره والدفاع عنه بعض الاعلام من المتأخرين (٢).

وفي مقابل هذا ما بنى عليه المشهور من امكان التمسك بمثل عموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (٣).

وعلّل ذلك السيد الطباطبائي بان ما يحصل في المستقبل هو في نظر العرف بمنزلة الموجود كمنافع العين (٤).

وتترتب على هذا الخلاف آثار متعددة ، فلو شك في جواز تقدم القبول في المزارعة او انعقادها بغير العربية وما شاكل ذلك صح التمسك بعموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) لإثبات الجواز على الاحتمال الثاني ، في حين لا يصح ذلك على الاحتمال الاول ، ويتعين عليه التمسك باطلاق دليل صحة المزارعة ان كان ثابتا والا لم يمكن الحكم بالجواز.

٢ ـ شرائط المزارعة‌

يلزم في المزارعة :

١ ـ الايجاب والقبول. ويكفي فيهما كل لفظ دال عليهما ـ مثل زارعتك أو سلّمت إليك الارض لتزرعها على كذا ـ ولو بغير العربية والماضوية.

__________________

(١) جواهر الكلام ٢٧ : ١١.

(٢) مستند العروة الوثقى ، كتاب الاجارة : ٣٣٥.

(٣) المائدة : ١.

(٤) العروة الوثقى ، كتاب الاجارة ، الفصل ٦.

١٣٥

ولا يلزم ان يكون الايجاب من المالك ولا تقدمه ولا كونه لفظا بل يجوز ان يكون الايجاب باللفظ والقبول بالفعل او يكونا معا بالفعل.

٢ ـ ان يكون كل من المالك والزارع بالغا عاقلا مختارا وليس بمحجور عليه لسفه أو فلس.

اجل إذا لم يشارك الزارع بمال فلا يلزم اشتراط عدم المحجورية في حقه.

٣ ـ ان يكون الناتج مشتركا بين المالك والزارع وليس خاصا بأحدهما والا لم تصح المعاملة مزارعة.

٤ ـ ان يكون الاشتراك في جميع الناتج بنحو الاشاعة ، فلو شرط لأحدهما الاختصاص بما يحصل اولا أو من هذه القطعة من الارض وللآخر ما يحصل ثانيا أو من تلك القطعة لم تصح.

٥ ـ تعيين الحصة بالكسر المشاع ، فلو قال : ازرع واعطني مقدارا ما مشاعا لم تصح.

٦ ـ تعيين المدة بداية ونهاية إذا لم يكن هناك انصراف يقتضي التعيين.

٧ ـ ان تكون المدة بمقدار صالح لإدراك الناتج فيها.

٨ ـ قابلية الارض للزراعة ولو بالعلاج ، فلو كانت سبخة أو لا يمكن وصول الماء إليها أو ما شاكل ذلك فلا تصح.

٩ ـ تعيين نوع المزروع إذا لم يقصدا التعميم لأي نوع كان ولم يكن هناك انصراف إلى نوع معين.

١٠ ـ تعيين الارض مع ترددها بين قطعتين أو أكثر إذا لم يكن هناك انصراف ولم يقصد التعميم لأي أرض وقع الاختيار عليها.

١١ ـ تعيين المصارف من البذر ونحوه وكونها على أي واحد منهما إذا لم يكن هناك انصراف.

١٣٦

١٢ ـ ان تكون الارض ونحوها مملوكة ولو منفعة او يكون التصرف فيها نافذا بوكالة او ولاية.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما اعتبار الايجاب والقبول في المزارعة‌ فلأنها عقد لا ايقاع كما هو واضح.

واما التعميم من الجهات الاخرى فلصدق العقد في جميعها ، ومقتضى اطلاق (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (١) ثبوت الصحة واللزوم في جميعها.

هذا بناء على رأي المشهور.

واما بناء على الرأي الآخر فالأمر مشكل لعدم وجود اطلاق في ادلة مشروعية المزارعة يدل على امضائها في جميع الحالات المتقدمة ، فلاحظ صحيحة ابن سنان المتقدمة. وعلى منوالها غيرها.

ودعوى وجود مثل هذا الاطلاق في ادلة مشروعية المزارعة عهدتها على مدعيها.

٢ ـ واما اعتبار البلوغ وما تلاه‌ فقد تقدم وجهه في مبحث شروط المتعاقدين من كتاب البيع ، فان ما ذكر هناك عام لمطلق العقود فلاحظ.

٣ ـ واما ان الزارع لا يشترط فيه عدم المحجورية إذا لم يشارك بمال‌ فلان السفيه والمفلس ممنوعان من التصرف المالي فاذا فرض عدم المشاركة بمال فلا يعود وجه للاشتراط المذكور.

هذا بناء على الرأي المشهور من عدم منع السفيه من التصرفات‌

__________________

(١) المائدة : ١.

١٣٧

غير المالية (١).

واما بناء على منعه حتى من مثل جعل نفسه عاملا في المزارعة والمساقاة ونحوهما فيلزم في الزارع عدم السفه حتى اذا لم يشارك بمال.

٤ ـ واما اعتبار الاشتراك في الناتج‌ فلاعتباره في المزارعة حسبما يفهم من بعض النصوص ، فقد ورد في صحيحة الحلبي عن ابي عبد الله عليه‌السلام : «لا تقبل الارض بحنطة مسماة (٢) ولكن بالنصف والثلث والربع والخمس لا بأس به» (٣). والحكم متسالم عليه.

هذا بناء على الرأي المشهور الذي يرى امكان التمسك بالعمومات.

واما بناء على الرأي الآخر فيكفي لاعتبار الشرط المذكور عدم الدليل على صحة المزارعة في عدم حالة عدم الاشتراك في النماء.

٥ ـ واما اعتبار الاشتراك في جميع الناتج بنحو الاشاعة وتعيين الحصة بالكسر المشاع‌ فلما سبق في اعتبار اصل الاشتراك.

٦ ـ واما اعتبار تعيين البداية والنهاية للمدة‌ فقد يستدل له بحديث نهي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الغرر (٤) او بالإجماع.

__________________

(١) قال صاحب الجواهر في جواهره ٢٦ : ٥٨ «لان السفه لم يسلبه ... اهلية مطلق التصرف بل في ماله خاصه ... كما هو واضح خلافا لبعض العامة».

(٢) اي بحنطة مقدّرة بغير الكسر المشاع ، بان يقول مثلا : بعشرين كيلوغراما.

وقيّد الشيخ في الاستبصار ٣ : ١٢٨ النهي في الرواية بما اذا كانت الحنطة المسماة من نفس حاصل الارض ، اما اذا كانت من حاصل موجود بالفعل من غيرها فلا بأس بذلك.

(٣) وسائل الشيعة ١٣ : ١٩٩ الباب ٨ من أحكام المزارعة والمساقاة الحديث ٣.

(٤) تذكرة الفقهاء ، كتاب الاجارة ، المسألة ٢ من الركن ٣ في الفصل ٢.

١٣٨

وكلاهما كما ترى.

اما الاول فلما تقدم في مبحث الاجارة عند البحث عن شرائط العوضين.

واما الثاني فلاحتمال مدركيته.

والاولى الاستدلال لذلك بان المدة إذا لم تكن متعينة بداية ونهاية فلا يمكن تعلق الامر بوجوب الوفاء بالعقد لان ما لا تعين له حتى في علم الله سبحانه كيف يتعلق به وجوب الوفاء؟

اجل إذا حددت البداية وجعلت النهاية أدراك الحاصل كفى ذلك لأنه نحو من التعيين.

٧ ـ واما اعتبار ان تكون المدة بمقدار يمكن ادراك الناتج فيها‌ فلانه بدون ذلك لا يمكن تحقق المقصود من المزارعة ويكون الاقدام عليها لغوا ولا يشملها دليل الامضاء.

٨ ـ واما اعتبار القابلية للزراعة‌ فلانه بدون ذلك لا يمكن تحقق المزارعة ، ومن ثمّ لا يمكن ان يشملها دليل الامضاء.

٩ ـ واما اعتبار تعيين نوع المزروع فيما إذا لم يقصد التعميم ولم يفرض الانصراف‌ فقد جاءت الإشارة إليه في كلمات غير واحد من الفقهاء.

وهو وجيه مع اختلاف نوع الزرع المقصود لكل واحد منهما ، لان وجوب الوفاء بالعقد على طبق مقصود احدهما بلا مرجح ، وعلى طبق مقصودهما معا غير ممكن لفرض التنافي. واما مع عدم الاختلاف في المقصود واقعا فلا مستند للبطلان سوى التمسك بحديث : نهى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الغرر ، وقد تقدم في مبحث الاجارة عدم‌

١٣٩

ثبوت كونه رواية.

١٠ ـ واما اعتبار تعيين الارض‌ فلما تقدم نفسه في اعتبار تعيين نوع المزروع.

١١ ـ واما لزوم تعيين من عليه المصارف إذا لم يكن هناك انصراف‌ فلان العقد بدون ذلك لا يمكن تعلق وجوب الوفاء به ، إذ وجوب الوفاء ببذل المصارف من خصوص احدهما بلا مرجح ، ووجوبه بالبذل من كليهما امر على خلاف مقصودهما.

١٢ ـ واما اعتبار ملكية الارض ونحوها او نفوذ التصرف فيها‌ فلأنه لو لا ذلك يكون العقد فضوليا.

٣ ـ أحكام عامة في باب المزارعة‌

المزارعة عقد لازم لا تنفسخ الا بالتقايل أو الفسخ عند اشتراط الخيار أو تخلف الشرط.

ولا يلزم في البذر ان يكون من العامل بل يجوز ان يكون من المزارع أيضا أو منهما.

كما لا يلزم في الارض ان تكون من المزارع ويجوز كونها من العامل.

بل قد يقال : ان المزارعة تحتاج إلى امور أربعة : الارض والبذر والعمل والعوامل.

ويصح ان يكون من احدهما احد هذه ومن الآخر البقية ، او من كل منهما اثنان منها ، او من احدهما بعض احدها ومن الآخر البقية ، او الاشتراك في الكل.

ويجوز لكل من المالك والعامل بعد ظهور الناتج تقبل حصة الآخر بمقدار‌

١٤٠