دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي على المذهب الجعفري - ج ١

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي على المذهب الجعفري - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الفقه للطباعة والنشر
المطبعة: برهان
الطبعة: ٢
ISBN: 964-499-035-8
ISBN الدورة:
964-499-048-X

الصفحات: ٥٧٦

حتى أتى البيداء فأحرم منها وأهلّ بالحج وساق مائة بدنة وأحرم الناس كلّهم بالحج لا ينوون عمرة ولا يدرون ما المتعة حتى إذا قدم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مكّة طاف بالبيت وطاف الناس معه ثم صلّى ركعتين عند المقام واستلم الحجر ، ثم قال : ابدأ بما بدأ الله عزّ وجلّ به فأتى الصفا فبدأ بها ثم طاف بين الصفا والمروة سبعا ، فلمّا قضى طوافه عند المروة قام خطيبا فأمرهم ان يحلوا ويجعلوها عمرة وهو شي‌ء أمر الله عزّ وجلّ به فأحلّ الناس ... وقال سراقة بن مالك بن جعشم الكناني : يا رسول الله علّمنا كأنّا خلقنا اليوم ، أرأيت هذا الذي أمرتنا به لعامنا هذا أو لكلّ عام ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا ، بل للأبد. وان رجلا قام فقال : يا رسول الله نخرج حجّاجا ورءوسنا تقطر؟ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : انك لن تؤمن بهذا أبدا ...» (١).

٢ ـ واما كيفية العمرة‌ فتستفاد من الصحيحة المتقدّمة وغيرها.

واما كيفية الحج فقد لا نعثر على نص يجمعها كاملة الا أنّا في غنى عن ذلك بعد اتفاق جميع المسلمين على اصولها الأساسية عدا طواف النساء. اضافة الى انها محل ابتلاء جميع المسلمين على طول الزمان فعدم اختلافهم فيها يدل على تلقيها من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يدا بيد جزما بل إذا جاءنا نص مخالف لها طرحناه ان لم يقبل التأويل.

وهل يجب في عمرة التمتع طواف النساء؟ المعروف هو العدم ، الا ان الشهيد نقل عن بعض الأصحاب من دون تعيينه وجوبه (٢). والنصوص تدلّ على العدم ، ففي صحيحة صفوان بن يحيى : «سأله أبو‌

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ٢ من أبواب أقسام الحج الحديث ١٤.

(٢) الدروس : ٩١.

٤٢١

حارث عن رجل تمتّع بالعمرة الى الحج فطاف وسعى وقصر هل عليه طواف النساء؟ قال : لا ، انما طواف النساء بعد الرجوع من منى» (١).

وفي مقابل ذلك رواية سليمان بن حفص المروزي عن الفقيه عليه‌السلام : «إذا حجّ الرجل فدخل مكّة متمتعا فطاف بالبيت وصلّى ركعتين خلف مقام إبراهيم عليه‌السلام وسعى بين الصفا والمروة وقصّر فقد حلّ له كل شي‌ء ما خلا النساء لان عليه لتحلة النساء طوافا وصلاة» (٢).

الا انها لا تصلح للمعارضة لاحتمال نظرها ـ كما ذكر الشيخ (٣) ـ الى الحج. ولا قرينة على نظرها الى العمرة الا من جهة كلمة «قصّر» لكون التقصير في الحج قبل دخول مكة الا انّها مدفوعة بأن نقل الشيخ متعارض ، ففي التهذيب (٤) وان كانت الكلمة المذكورة ثابتة ولكنها في الاستبصار (٥) غير ثابتة ، ومعه يبقى احتمال نظر الصحيحة الى الحج بلا معارض.

هذا بقطع النظر عن هجرانها لدى الأصحاب وعدم نسبة العمل بها الا الى بعض غير معروف والا فهي ساقطة عن الحجيّة.

ثم انه مع التنزل والتسليم بالمعارضة والتساقط يكون المرجع هو البراءة ، والنتيجة واحدة.

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ٨٢ من أبواب الطواف الحديث ٦.

(٢) وسائل الشيعة الباب ٨٢ من أبواب الطواف الحديث ٧. والوارد في الوسائل بدل كلمة «طوافا» : «طوافان». وهو اشتباه في اشتباه. والصواب كما في المصدر الأصلي : «طوافا».

(٣) تهذيب الاحكام ٥ : ١٦٣.

(٤) التهذيب ٥ : ١٦٢.

(٥) الاستبصار ٢ : ٢٤٤.

٤٢٢

هذا كلّه على تقدير وثاقة المروزي لكبرى وثاقة رجال كامل الزيارة والا فلا تصل النوبة الى كلّ ما ذكرناه.

٣ ـ واما بالنسبة الى الفارق الأوّل بين حجّ التمتّع والافراد‌ فينبغي ان يكون من الواضحات تركب حجّ التمتع من فعلين : العمرة والحج ، كما ينبغي ان يكون من الواضحات تقدّم العمرة بنحو اللزوم.

ويستفاد ذلك من صحيح الحلبي : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل أهلّ بالحج والعمرة جميعا ثم قدم مكّة والناس بعرفات فخشي ان هو طاف وسعى بين الصفا والمروة ان يفوته الموقف ، قال : يدع العمرة ، فإذا أتمّ حجّه صنع كما صنعت عائشة ولا هدي عليه» (١) وغيره ممّا دلّ على انقلاب الوظيفة الى الافراد عند تضيق الوقت عن ادراك العمرة قبل الحج ، فلو كان يجوز الإتيان بها بعده لم يكن وجه لانقلاب الوظيفة.

واما حج الافراد ـ وهكذا القران ـ فليس مركبا ، فان العمرة ليست جزءا منه ، والترك العمدي لها لا يؤثر على الحج بل يكون عصيانا للأمر الاستقلالي المتعلّق بها ، فان الحج كما يجب في العمر مرّة بسبب الاستطاعة كذلك العمرة على ما تقدّم فلو فرض امتثال أمرها قبلا بسبب الاستطاعة لها فلا يلزم عند الاتيان بحج الافراد الاتيان بها.

وهذا لم يقع فيه بحث وانما وقع في ان المكلف لو استطاع لهما في وقت واحد فهل يلزمه تقديم امتثال الأمر بالحج؟ المشهور ذلك ولكن لا دليل عليه.

٤ ـ واما انه لا يعتبر الاتصال بين حج الافراد والعمرة المفردة‌ فلما‌

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ٢١ من أقسام الحج الحديث ٦.

٤٢٣

تقدّم من استقلالية الأمر بكل منهما ، ومن هنا يصح الاتيان بأحدهما في عام وبالآخر في آخر. وهذا بخلافه في حجّ التمتّع وعمرته فانهما بمنزلة العمل الواحد والآتي بالعمرة محتبس حتى يأتي بالحج كما ورد في صحيحة زرارة : «قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : كيف أتمتع؟ فقال : تأتي الوقت فتلبي بالحج ، فإذا أتى مكة طاف وسعى أحل من كل شي‌ء وهو محتبس ليس له ان يخرج من مكة حتّى يحجّ» (١) وغيرها.

وورد في صحيح معاوية بن عمّار انّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «شبك أصابعه بعضها الى بعض وقال : دخلت العمرة في الحج الى يوم القيامة» (٢).

٥ ـ واما ان المتمتع يلزمه الهدي‌ فذلك من ضروريات الفقه. ويكفي لإثبات قوله تعالى : (فَإِذا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) (٣). والروايات كثيرة.

واما ان المفرد لا يلزمه ذلك فمن المسلّمات أيضا. وتدل عليه صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «عن المفرد قال : ليس عليه هدي ولا أضحية» (٤) وغيرها.

والشيخ وان لم يذكر في المشيخة طريقه الى معاوية الا ان الطريق الأوّل إليه في الفهرست (٥) صحيح ، وهو كاف.

٦ ـ واما جواز تقديم طواف الحج وسعيه‌ فهو المشهور. وقد دلّت‌

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ٢٢ من أقسام الحج الحديث ٥.

(٢) وسائل الشيعة الباب ٢ من أقسام الحج الحديث ٤.

(٣) البقرة : ١٩٦.

(٤) وسائل الشيعة الباب ١ من أبواب الذبح الحديث ٤.

(٥) الفهرست : ١٦٦.

٤٢٤

عليه صحيحة زرارة : «سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن المفرد للحج يدخل مكة يقدم طوافه أو يؤخره؟ فقال : سواء» (١) وغيرها ، وهي وان اختصت بطواف الحج الا ان موثقة إسحاق بن عمّار : «سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن المفرد للحج إذا طاف بالبيت وبالصفا والمروة أيعجل طواف النساء؟ قال : لا ، انّما طواف النساء بعد ما يأتي من منى» (٢) دلّت على جواز تقديم السعي أيضا دون طواف النساء.

واما عدم جواز ذلك في حجّ التمتّع فهو المعروف بدون نقل خلاف. ولو رجعنا الى الروايات وجدنا روايتين أو ثلاثا تدلّ على الجواز ، ففي صحيحة علي بن يقطين : «سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الرجل المتمتع يهل بالحج ثم يطوف ويسعى بين الصفا والمروة قبل خروجه الى منى قال : لا بأس به» (٣).

وبإزائها رواية أبي بصير : «رجل كان متمتعا وأهلّ بالحج ، قال : لا يطوف بالبيت حتى يأتي عرفات ، فان هو طاف قبل ان يأتي منى من غير علّة فلا يعتدّ بذلك الطواف» (٤).

وهي لو كانت صحيحة السند أمكن ان تقيد الأولى بحالة العلّة لكنها ضعيفة بإسماعيل بن مرار ـ الا بناء على تمامية كبرى وثاقة جميع رجال كامل الزيارة ـ وبالبطائني.

وعليه فالمناسب العمل بمقتضى الأولى لو لا اتفاق الأصحاب على‌

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ١٤ من أقسام الحج الحديث ٢.

(٢) وسائل الشيعة الباب ١٤ من أقسام الحج الحديث ٤.

(٣) وسائل الشيعة الباب ١٣ من أقسام الحج الحديث ٣.

(٤) وسائل الشيعة الباب ١٣ من أبواب أقسام الحج الحديث ٥.

٤٢٥

التفصيل ، اما بعده فالوجيه التنزل الى الاحتياط تحفظا من مخالفتهم.

أجل بناء على تمامية فكرة انجبار ضعف السند بفتوى المشهور كبرى وصغرى تعود رواية أبي بصير حجّة وتقيد الأولى وتتجه الفتوى على طبق ما عليه المشهور.

٧ ـ واما ان الاحرام للأفراد من أحد المواقيت‌ فلأن من مرّ على ميقات يلزمه الاحرام منه ولا يجوز له تجاوزه بلا احرام كما تأتي الإشارة إليه في المواقيت.

هذا إذا لم يكن المفرد داخل مكّة أو دون الميقات والا كفاه الاحرام من مكانه لما يأتي من ان من كان منزله دون الميقات فميقاته منزله.

وهذا كلّه بخلافه في المتمتع فانه يحرم لحجه من مكة بلا خلاف. وتدل عليه صحيحة عمرو بن حريث الصيرفي : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : من أين أهلّ بالحج؟ فقال : ان شئت من رحلك وان شئت من المسجد وان شئت من الطريق» (١). والسؤال عن حج التمتع كما هو واضح.

٨ ـ واما عدم جواز الطواف المندوب بعد الاحرام لحج التمتّع‌ فهو قول الأكثر. وتدل عليه صحيحة الحلبي : «سألته عن رجل أتى المسجد الحرام وقد أزمع بالحج أيطوف بالبيت؟ قال : نعم ما لم يحرم» (٢).

وإذا خالف المحرم فطاف فهل عليه شي‌ء؟ المذكور في كلمات جمع من الفقهاء تجديد التلبية بعد الطواف. بيد ان الروايات لم تذكر ذلك ، بل ربّما يستفاد من بعضها العدم ، ففي موثقة إسحاق بن عمّار عن أبي الحسن عليه‌السلام : «... وسألته عن الرجل يحرم بالحج من مكة ثم‌

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ٢١ من أبواب المواقيت الحديث ٢.

(٢) وسائل الشيعة الباب ٨٣ من أبواب الطواف الحديث ٤.

٤٢٦

يرى البيت خاليا فيطوف به قبل ان يخرج ، عليه شي‌ء؟ فقال : لا» (١).

أجل ورد ذلك في المفرد والقارن ، ففي صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : «اني اريد الجوار بمكة فكيف أصنع؟ قال : إذا رأيت الهلال هلال ذي الحجة فاخرج الى الجعرانة فاحرم منها بالحجّ. فقلت له : كيف أصنع إذا دخلت مكّة أقيم الى التروية لا أطوف بالبيت؟ قال : تقيم عشرا لا تأتي الكعبة ، ان عشرا لكثير ، ان البيت ليس بمهجور ، ولكن إذا دخلت مكة فطف بالبيت واسع بين الصفا والمروة. قلت له : أليس كل من طاف وسعى بين الصفا والمروة فقد أحلّ؟ فقال : انك تعقد بالتلبية. ثم قال : كلّما طفت طوافا وصلّيت ركعتين فاعقد طوافا بالتلبية» (٢). ونحوه صحيح معاوية بن عمّار (٣).

وعليه فالمناسب عدم وجوب تجديد التلبية الا ان الاحتياط ـ تحفظا من مخالفة الفقهاء ولاحتمال وحدة الحكم بين أقسام الحج من هذه الناحية ـ أمر مناسب.

هذا كلّه في الطواف المندوب بعد الاحرام لحج التمتع.

٩ ـ واما الطواف المندوب بعد الاحرام لحج الافراد‌ فحيث لا دليل على المنع منه فيتمسك بأصل البراءة. بل ان المستفاد من صحيحة ابن الحجاج المتقدّمة جواز ذلك مع تجديد التلبية.

١٠ ـ واما ان القارن كالمفرد الا في اصطحاب الهدي‌ فمضافا الى كونه من المسلّمات تدل عليه صحيحة منصور بن حازم عن أبي‌

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ١٣ من أبواب أقسام الحج الحديث ٧.

(٢) وسائل الشيعة الباب ١٦ من أبواب أقسام الحج الحديث ١.

(٣) وسائل الشيعة الباب ١٦ من أبواب أقسام الحج الحديث ٢.

٤٢٧

عبد الله عليه‌السلام : «لا يكون القارن الا بسياق الهدي ، وعليه طوافان بالبيت ، وسعي بين الصفا والمروة ، كما يفعل المفرد فليس بأفضل من المفرد الا بسياق الهدي» (١) وغيرها.

واما التخيير في عقد الاحرام بين الامور الثلاثة فتدل عليه صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «يوجب الاحرام ثلاثة أشياء : التلبية ، والاشعار ، والتقليد ، فإذا فعل شيئا من هذه الثلاثة فقد أحرم» (٢) وغيرها ، فان التخيير بين الثلاثة المذكورة لا يتصوّر الا في حقّ القارن لأنه الذي يسوق الهدي القابل للإشعار والتقليد.

١١ ـ واما التفصيل بين حاضري المسجد الحرام‌ إذ يجب عليهم القران أو الافراد وبين غيرهم حيث يلزمهم التمتّع فلقوله تعالى : (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) (٣).

والمشهور تفسير (حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) بمن كان بينه وبين المسجد الحرام دون ثمانية واربعين ميلا ـ المساوية لستّة عشر فرسخا أو لما يقرب من تسعين كيلومترا ـ لصحيح زرارة : «قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : قول الله عزّ وجلّ في كتابه : ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام ، قال : يعني أهل مكة ليس عليهم متعة ، كلّ من كان أهله دون ثمانية وأربعين ميلا ذات عرق وعسفان كما يدور حول مكة فهو‌

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ٢ من أبواب أقسام الحج الحديث ١٠.

(٢) وسائل الشيعة الباب ١٢ من أبواب أقسام الحج الحديث ٢٠.

(٣) البقرة : ١٩٦.

٤٢٨

ممّن دخل في هذه الآية ، وكل من كان أهله وراء ذلك فعليهم المتعة» (١).

وهي واضحة في ملاحظة المسافة من المسجد الحرام وليس من مكة لأنّها واردة لتفسير الآية الكريمة التي اخذت المسجد الحرام بعين الاعتبار.

وتبقى الروايات الاخرى التي تحدّد المسافة بشكل آخر ساقطة عن الاعتبار لهجران الأصحاب لها.

ثم ان الآية الكريمة والصحيحة إذا لم تكونا ظاهرتين في عدم جواز التمتع لحاضري المسجد الحرام فصحيحة الفضلاء عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «ليس لأهل مكة ... متعة ...» (٢) وغيرها واضحة في ذلك.

١٢ ـ واما ان المكلف بالخيار في غير حجّ الإسلام مع أفضلية التمتع‌ فلصحيحة أحمد بن محمد بن أبي نصر : «سألت أبا جعفر عليه‌السلام في السنة التي حجّ فيها وذلك في سنة اثنتي عشرة ومائتين ، فقلت : بأي شي‌ء دخلت مكة مفردا أو متمتعا؟ فقال : متمتعا ، فقلت له : ايما أفضل : المتمتع بالعمرة الى الحج أو من أفرد وساق الهدي؟ فقال : كان أبو جعفر عليه‌السلام يقول : المتمتع بالعمرة الى الحج أفضل من المفرد السائق للهدي ، وكان يقول : ليس يدخل الحاج بشي‌ء أفضل من المتعة» (٣) وغيرها.

وإذا قيل : ان اطلاق الصحيحة المذكورة لا يمكن التمسّك به لمعارضته بإطلاق صحيحة الفضلاء المتقدّمة الدالّة على ان أهل مكّة‌

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ٦ من أبواب أقسام الحج الحديث ٣.

(٢) وسائل الشيعة الباب ٦ من أبواب أقسام الحج الحديث ١.

(٣) وسائل الشيعة الباب ٤ من أبواب أقسام الحج الحديث ١.

٤٢٩

ليس لهم متعة حتى في الحج الاستحبابي.

قلنا : ان المعارضة خاصة بأهل مكة ، وغيرهم باق تحت إطلاق صحيحة ابن أبي نصر بلا معارض. ومعه فالإشكال في الحكم بالتخيير يختص بأهل مكة دون البعيد.

هذا وبالإمكان استفادة التخيير لأهل مكة في الحج الاستحبابي من روايات اخرى من قبيل صحيحة البجلي : «قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : ربّما حججت عن أبيك ، وربما حججت عن أبي ، وربما حججت عن الرجل من اخواني ، وربما حججت عن نفسي فكيف أصنع؟ فقال : تمتع. فقلت : اني مقيم بمكة منذ عشر سنين ، فقال : تمتع» (١).

٣ ـ مواقيت الاحرام‌

لا يصح الاحرام الا من المواقيت العشرة وهي : مسجد الشجرة ، ووادي العقيق ، والجحفة ، ويلملم ، وقرن المنازل ـ وهذه وقتها صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأهلها ولمن يمرّ عليها ـ ومكة لإحرام حج التمتع ، والمنزل الذي يكون دون الميقات الى مكة فان لصاحبه الاحرام منه ، والجعرانة لأهل مكة في حج القران أو الافراد أو من كان بحكم أهلها ، وهو المجاور لها بعد سنتين ، ومحاذاة مسجد الشجرة لمن يمرّ من طريق المدينة ، وأدنى الحلّ لإحرام العمرة المفردة لمن هو بمكة وأراد الاتيان بها.

ولا يجوز الاحرام قبل المواقيت المذكورة ولا بعدها الا لناذر الاحرام قبلها‌

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ٤ من أبواب أقسام الحج الحديث ٣.

٤٣٠

أو للخائف من عدم ادراك العمرة المفردة في رجب على تقدير تأخير الاحرام الى الميقات.

ولا يجوز الاحرام عند الشك في الوصول الى الميقات بل لا بدّ من اليقين أو الاطمئنان أو حجّة شرعية.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما الخمسة الأولى‌ فهي ميقات لكل من يمرّ عليها ـ كقاصد عمرة التمتع ، أو النائي عن مكة إذا أراد العمرة المفردة أو حج الافراد أو القران ـ لصحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «من تمام الحج والعمرة ان تحرم من المواقيت التي وقّتها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا تجاوزها الا وأنت محرم ، فإنّه وقّت لأهل العراق ولم يكن يومئذ عراق بطن العقيق من قبل أهل العراق ، ووقّت لأهل اليمن يلملم ، ووقّت لأهل الطائف قرن المنازل ، ووقّت لأهل المغرب الجحفة ، وهي مهيعة ، ووقّت لأهل المدينة ذا الحليفة. ومن كان منزله خلف هذه المواقيت ممّا يلي مكة فوقته منزله» (١) وغيرها من الروايات الكثيرة.

وإذا كان محمّد بن إسماعيل الوارد في طريق الكليني لم تثبت وثاقته فبالامكان التعويض بطريق الصدوق بل بالطريق الثاني للكليني.

ثم ان هناك كلاما في ان ذا الحليفة بتمامه ميقات أو خصوص مسجد الشجرة منه أو هما مترادفان بحيث يكون مسجد الشجرة اسما لمجموع ذي الحليفة وليس لجزء منه. ولكل واحد من الاحتمالات الثلاثة شواهده من الروايات.

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ١ من أبواب المواقيت الحديث ٢.

٤٣١

والاحتياط يقتضي الاحرام من مسجد الشجرة بخصوصه كما هو واضح.

ويجدر الالتفات الى ما لمحت له الصحيحة من ان توقيت المواقيت المذكورة لأهل الآفاق من قبل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين لم يكن للإسلام أثر فيها هو من دلائل النبوّة.

٢ ـ واما انها لا تختص بأهلها بل لكل من يمرّ عليها‌ فلصحيحة صفوان بن يحيى عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام : «... ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقّت المواقيت لأهلها ومن أتى عليها من غير أهلها ...» (١).

٣ ـ واما ان مكّة ميقات احرام حج التمتع‌ فقد تقدّمت الإشارة إليه.

واما ان من كان منزله دون الميقات فهو ميقاته فقد دلّت عليه صحيحة معاوية السابقة.

واما ان الجعرانة ميقات لمن ذكرناه فتدلّ عليه صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج المتقدّمة حيث ورد فيها : «اني اريد الجوار بمكة فكيف أصنع؟ قال : إذا رأيت الهلال هلال ذي الحجّة فاخرج الى الجعرانة فاحرم منها بالحج ...» (٢) ، فانها تدلّ على ان ذلك وظيفة أهل مكة وتسري الى غيرهم بالمجاورة.

هذا ولكن المنسوب الى المشهور ان احرام من ذكر هو من مكة أو المنزل دون الجعرانة تمسكا بإطلاق صحيحة معاوية السابقة الدالّة على ان «من كان منزله خلف هذه المواقيت ممّا يلي مكة فوقته منزله».

والتأمّل في ذلك واضح لانصراف ما ذكر الى من كان منزله‌

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ١٥ من أبواب المواقيت الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة الباب ١٦ من أبواب المواقيت الحديث ١.

٤٣٢

واقعا بين مكة والميقات ولا يشمل من كان من أهل مكّة.

٤ ـ واما محاذاة مسجد الشجرة‌ فقد دلّت عليه صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «من أقام بالمدينة شهرا وهو يريد الحج ثم بدا له ان يخرج في غير طريق أهل المدينة الذي يأخذونه فليكن احرامه من مسيرة ستّة أميال فيكون حذاء الشجرة من البيداء» (١) وغيرها.

وهل تكفي المحاذاة في غير مسجد الشجرة أيضا؟ قيل بذلك.

والمناسب الاختصاص لاحتمال الخصوصية لمسجد الشجرة ولا يمكن الجزم بعدمها.

وما هو المقصود من المحاذاة؟ ذكر في العروة تفسيران لذلك (٢) ، كلاهما لا يخلو من إشكال.

والمناسب تفسيرها بكون الميقات على اليمين أو اليسار حين مواجهة الشخص لمكّة المكرّمة. ولا يلزم ان يكون الميقات وموقف الشخص واقعين على خط مستقيم بحيث يحدث حين مواجهته لمكة مثلث قائم الزاوية ، زاويته القائمة نقطة المحاذاة ، ووترها الخط المستقيم الواصل بين مكّة والميقات ، بل تكفي المحاذاة العرفية بلا حاجة إلى التدقيقات المذكورة كما هو واضح.

٥ ـ واما ان أدنى الحل ميقات لما ذكر‌ فتدلّ عليه صحيحة جميل بن دراج : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المرأة الحائض إذا قدمت مكّة يوم التروية ، قال : تمضي كما هي إلى عرفات فتجعلها حجّة ثم تقيم حتى تطهر فتخرج إلى التنعيم فتحرم فتجعلها عمرة. قال ابن‌

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ٧ من أبواب المواقيت الحديث ١.

(٢) العروة الوثقى ، كتاب الحج ، فصل المواقيت ، الميقات التاسع.

٤٣٣

أبي عمير : كما صنعت عائشة» (١).

وموردها وان كان هو العمرة المفردة بعد حج الافراد الا أنّه يمكن اثبات التعميم من هذه الناحية ومن ناحية الخروج إلى غير التنعيم من نقاط أدنى الحل بصحيحة عمر بن يزيد عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «من أراد ان يخرج من مكّة ليعتمر أحرم من الجعرانة أو الحديبية أو ما أشبههما» (٢).

وسند الصدوق الى عمر بن يزيد صحيح على ما في مشيخة الفقيه.

٦ ـ واما انه لا يجوز الاحرام بعد المواقيت‌ فهو صريح صحيحة معاوية المتقدّمة.

واما انه لا يجوز قبلها فلصحيحة عمر بن اذينة عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «ومن أحرم دون الوقت فلا احرام له» (٣) وغيرها.

وقد شبّه في بعض النصوص (٤) من يحرم قبل الميقات طلبا لفضيلة زيادة الاحرام بمن يصلّي ستّا بدل أربع طلبا لزيادة الفضيلة.

٧ ـ واما جواز الاحرام قبل الميقات بالنذر‌ فلصحيحة الحلبي : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل جعل لله عليه شكرا ان يحرم من الكوفة ، قال : فليحرم من الكوفة وليف لله بما قال» (٥) وغيرها.

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ٢١ من أبواب أقسام الحج الحديث ٢.

(٢) وسائل الشيعة الباب ٢٢ من أبواب المواقيت الحديث ١.

(٣) وسائل الشيعة الباب ٩ من أبواب المواقيت الحديث ٣.

(٤) وسائل الشيعة الباب ٩ من أبواب المواقيت الحديث ٦.

(٥) وسائل الشيعة الباب ١٣ من أبواب المواقيت الحديث ١.

٤٣٤

وانكار ابن ادريس لصحّة مثل النذر المذكور لاستلزامه لغوية تشريع المواقيت (١) قابل للتأمّل بعد ظهور الفائدة لذلك في غير حالة النذر.

كما ان الاشكال في صحّة مثل النذر المذكور باعتبار ان شرط انعقاد النذر رجحان متعلقه في نفسه قابل للتأمّل من جهة ان اشتراط رجحان متعلّق النذر ليس حكما عقليّا كي لا يقبل التخصيص. هذا مضافا الى الوجوه الاخرى المذكورة في كفاية الاصول (٢).

٨ ـ واما جواز ذلك للخائف من عدم إدراك رجب‌ فلموثقة إسحاق بن عمار : «سألت أبا إبراهيم عليه‌السلام عن الرجل يجي‌ء معتمرا ينوي عمرة رجب فيدخل عليه هلال شعبان قبل ان يبلغ العقيق فيحرم قبل الوقت ويجعلها لرجب أم يؤخّر الاحرام الى العقيق ويجعلها لشعبان؟ قال : يحرم قبل الوقت لرجب فان لرجب فضلا وهو الذي نوي» (٣).

٩ ـ واما عدم جواز الاحرام للشاكّ في الوصول الى الميقات‌ فلاستصحاب عدم الوصول إليه.

٤ ـ تفاصيل أفعال الحج والعمرة‌

كيفية الاحرام‌

يلزم لتحقيق الاحرام :

__________________

(١) السرائر ١ : ٥٢٦.

(٢) كفاية الاصول ١ : ٢٢٥ ، تحقيق مؤسسة آل البيت عليهم‌السلام.

(٣) وسائل الشيعة الباب ١٢ من أبواب المواقيت الحديث ٢.

٤٣٥

قصد الفعل الخاص بداعي امتثال أمر الله سبحانه.

والتلفّظ بالتلبيات الأربع : «لبيك اللهم لبيك. لبيك لا شريك لك لبيك». وبها يتحقّق الاحرام.

ولبس الرجال ثوبين ـ بعد التجرّد عما يحرم لبسه على المحرم ـ باتزار أحدهما وارتداء الآخر.

وليس ذلك شرطا في صحة الاحرام بل هو واجب تعبّدا. ويكفي تحقّقه حين عقد الاحرام ولا تلزم الاستدامة.

ولا يلزم الاقتصار على الثوبين بل تجوز الزيادة.

ويلزم فيهما الشروط المعتبرة نفسها في لباس المصلّي من الطهارة وغيرها. كما يلزم المرأة ان لا تلبس الحرير.

ولا يشترط في صحة الاحرام الطهارة من الحدث وان كان يلزم في ثوبي الاحرام الطهارة من الخبث.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما اعتبار قصد الاحرام‌ فلأنّه من الأفعال القصدية التي لا تتحقّق الا بذلك.

والمقصود من الاحرام تحريم المكلف على نفسه الأشياء الآتي ذكرها ، فقصد الاحرام عبارة اخرى عن قصد التحريم المذكور.

واما اعتبار قصد الخصوصيّة ـ وكونه احرام حج أو عمرة ، وكون الحج تمتّعا أو قرانا أو افرادا ، وكونه عن نفسه أو عن غيره ، وما شاكل ذلك ـ فلما تقدّم نفسه.

واما لزوم كون الداعي امتثال أمر الله سبحانه فلان العبادية لا تتحقّق الا بذلك.

٤٣٦

وبذلك اتضح عدم اعتبار التلفّظ بالنيّة ولا الاخطار ولا نيّة الوجه للبراءة من كلّ ذلك بعد عدم الدليل على الاعتبار.

أجل قد يستفاد من بعض النصوص استحباب التلفظ في خصوص المقام دون بقيّة العبادات ، ففي صحيحة حمّاد بن عثمان عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «قلت له : اني اريد ان أتمتّع بالعمرة الى الحج فكيف أقول؟ قال : تقول : اللهم اني اريد ان اتمتع بالعمرة إلى الحج على كتابك وسنّة نبيّك ، وإن شئت أضمرت الذي تريد» (١).

والسند إلى ابن أبي عمير صحيح بطرقه الثلاث ، وهو وحماد من أجلّة أصحابنا.

٢ ـ واما اعتبار التلبيات الأربع‌ فلصحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «... التلبية ان تقول : لبيك اللهمّ لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، ان الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لبيك ، لبيك ذا المعارج لبيك ... واعلم انه لا بد من التلبيات الأربع التي كنّ في أوّل الكلام ، وهي الفريضة ، وهي التوحيد ، وبها لبى المرسلون ...» (٢) وغيرها.

وهي واضحة في ان الأربع الاول واجبة دون الباقي. وهي واضحة أيضا في اعتبار ادائها بشكلها الصحيح وعدم الاجتزاء بالملحون لأنه عليه‌السلام لم يقل : ينعقد الاحرام بالتلبيات الأربع ليقال بأنّها تصدق على الملحون أيضا ، بل قال : ان تقول هكذا ، ومن الواضح انه عليه‌السلام لا يتلفّظ بالملحون ، ومعه فالاجتزاء بغير ذلك يحتاج إلى دليل ، وهو مفقود.

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ١٧ من أبواب الاحرام الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة الباب ٤٠ من أبواب الاحرام الحديث ٢.

٤٣٧

ثم ان انعقاد الاحرام بخصوص التلبية ينحصر بغير حج القران والا ففيه يتحقّق الانعقاد بالاشعار والتقليد أيضا كما تقدّم الوجه في ذلك سابقا.

ثم انه قيل في صورة التلبية : «لبيك اللهم لبيك ، لبيك ان الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لبيك» غير انه لم يعرف نص يتضمن ذلك.

٣ ـ واما انه لا ينعقد الاحرام بمجرد لبس الثوبين من دون نيّة أو معها بل لا بد من التلبية‌ ، كتكبيرة الاحرام بالنسبة للصلاة فلصحيحة حريز عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «الرجل إذا تهيّأ للإحرام فله ان يأتي النساء ما لم يعقد التلبية أو يلب» (١) وغيرها.

٤ ـ واما بالنسبة الى اعتبار لبس الثوبين‌ فلم ينقل فيه خلاف بين المسلمين الا ان الروايات قاصرة عن اثبات وجوب ذلك ، فان ما يمكن التمسّك به :

اما الروايات الواردة لبيان كيفية الاحرام من قبيل صحيحة معاوية بن وهب : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن التهيؤ للإحرام ، فقال : اطل بالمدينة فإنّه طهور وتجهز بكل ما تريد ، وإن شئت استمتعت بقميصك حتى تأتي الشجرة فتفيض عليك الماء وتلبس ثوبيك إن شاء الله» (٢).

أو روايات تجريد الصبيان من فخ ، كصحيحة أيوب أخي أديم : «سئل أبو عبد الله عليه‌السلام من أين يجرّد الصبيان؟ فقال : كان أبي يجرّدهم‌

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ١٤ من أبواب الاحرام الحديث ٨.

(٢) وسائل الشيعة الباب ٧ من أبواب الاحرام الحديث ٣.

٤٣٨

من فخ» (١) ، بتقريب انه لو لا لزوم لبس ثوبي الاحرام لا موجب لتجريدهم.

أو ما ورد في الاحرام من المسلخ من وادي العقيق ، من قبيل مكاتبة الحميري إلى صاحب الزمان أرواحنا له الفداء : «الرجل يكون مع بعض هؤلاء ويكون متّصلا بهم يحجّ ويأخذ عن الجادة ولا يحرم هؤلاء من المسلخ ، فهل يجوز لهذا الرجل ان يؤخّر إحرامه الى ذات عرق فيحرم معهم لما يخاف الشهرة أم لا يجوز الا ان يحرم من المسلخ فكتب إليه في الجواب : يحرم من ميقاته ثم يلبس الثياب ويلبّي في نفسه فإذا بلغ إلى ميقاتهم أظهره» (٢) ، بتقريب انه عليه‌السلام قال : «ثم يلبس الثياب» أي ثياب الاحرام ، وذلك يدل على وجوب ذلك.

والكل قابل للتأمّل :

أما الأول فلان الأمر بلبس الثوبين اقترن بالأمر بآداب شرعية مستحبة ، وذلك يزعزع من ظهور الأمر في الوجوب الا بناء على مسلك استفادة الوجوب من حكم العقل دون الوضع ، وهو قابل للتأمّل.

واما الثاني فلان فعل الامام عليه‌السلام لا يدل على الوجوب بل أقصى ما يدل عليه هو الرجحان الأعمّ من الوجوب.

واما الثالث فلاحتمال ان يكون المقصود من الثياب هي الثياب العادية ، أي يحرم من المسلخ ويلبس ثيابه العادية وتكون تلبيته في نفسه فإذا بلغ ميقاتهم أظهر انه يحرم منه. هذا مضافا إلى امكان المناقشة في سند الرواية ، فانها بطريق الطبرسي ضعيفة لجهالة‌

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ٤٧ من أبواب الاحرام الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة الباب ٢ من أبواب المواقيت الحديث ١٠.

٤٣٩

الطريق بينه وبين الحميري ، وبطريق الشيخ في الغيبة ضعيفة أيضا لان الشيخ وان ذكر طريقه في كتاب الغيبة بقوله : «أخبرنا جماعة عن أبي الحسن محمّد بن أحمد بن داود القمي ، قال : وجدت بخط أحمد بن إبراهيم النوبختي واملاء أبي القاسم الحسين بن روح ...» (١) الا ان النوبختي مجهول لم يذكر في كتب الرجال.

والمناسب في توجيه الوجوب ان يقال : ان وجوب لبس الثوبين من القضايا التي توارثها المسلمون خلفا عن سلف ، وهو من بديهيات الحج لديهم ، ولا بدّ ان يكون ذلك قد وصل اليهم من المعصوم عليه‌السلام. والروايات جاءت مشيرة الى الارتكاز المذكور ومعتمدة عليه بعد اتفاق جميع المسلمين عليه. وهو أقوى من الحاجة إلى إثباته من خلال الروايات.

٥ ـ وامّا وجه عدم وجوب لبس الثوبين على المرأة‌ فلان الوجه في الوجوب امّا قاعدة الاشتراك أو روايات الحائض ، من قبيل موثقة يونس بن يعقوب : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الحائض تريد الاحرام ، قال : تغتسل وتستثفر وتحتشي بالكرسف وتلبس ثوبا دون ثياب احرامها ، وتستقبل القبلة ولا تدخل المسجد وتهلّ بالحج بغير الصلاة» (٢) ، فإن قوله عليه‌السلام : «دون ثياب احرامها» يدل على وجوب لبسها ثوبي الاحرام.

وكلاهما قابل للتأمّل.

امّا الأوّل فلان مستند قاعدة الاشتراك ليس الا الضرورة ، والقدر المتيقّن منها حالة الاتفاق في جميع الخصائص ، والمفروض في المقام‌

__________________

(١) الغيبة : ٢٢٨ ونقل الطريق المذكور صاحب الوسائل في الفائدة الثانية من الخاتمة.

(٢) وسائل الشيعة الباب ٤٨ من أبواب الاحرام الحديث ٢.

٤٤٠