دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي على المذهب الجعفري - ج ١

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي على المذهب الجعفري - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الفقه للطباعة والنشر
المطبعة: برهان
الطبعة: ٢
ISBN: 964-499-035-8
ISBN الدورة:
964-499-048-X

الصفحات: ٥٧٦

ثم ان إطلاق الرواية لما ينقل لا بد من تقييده بالإجماع على عدم تطهيرها لذلك.

٣ ـ واما اشتراط اليبوسة بواسطة الاشراق‌ فلظاهر صحيحة زرارة.

٤ ـ واما ان مشاركة الريح غير مضرّة‌ فلإطلاق ما دل على مطهرية الشمس فانه ناظر الى المتعارف وهو اشتراك الريح مع الاشراق في عملية التجفيف في الجملة.

٤ ـ الاستحالة‌

النجس أو المتنجس إذا استحال إلى جسم آخر يطهر ، كالخشب إذا صار رمادا دون مثل الطين إذا تحوّل خزفا.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما طهارة ما استحال كالخشب‌ فلتبدل الموضوع المحكوم عليه بالنجاسة الى موضوع جديد فيشمله دليل طهارته اجتهاديا كان ـ كما لو استحالت النطفة انسانا حيث قام الدليل على طهارة الانسان ـ أم فقاهتيا كقاعدة الطهارة ، ولا مجال لاستصحاب النجاسة لتبدّل الموضوع عرفا. ومنه تعرف المسامحة في عدّ الاستحالة من المطهرات.

٢ ـ واما عدم طهارة مثل الطين إذا تحوّل خزفا‌ فلعدم الاستحالة بعد كونهما بنظر العرف موضوعا واحدا وكون الاختلاف في أوصافه.

١٦١

٥ ـ الانقلاب‌

إذا انقلب الخمر خلاّ طهر ، ويطهر بالتبع اناؤه واشترط المشهور عدم ملاقاته نجاسة خارجية.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما طهارة الخمر ـ بناء على نجاسته ـ بانقلابه خلاّ‌ فللنصوص المستفيضة ، كموثق عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «الرجل إذا باع عصيرا فحبسه السلطان حتى صار خمرا فجعله صاحبه خلا ، فقال : إذا تحوّل عن اسم الخمر فلا بأس» (١).

٢ ـ واما طهارة الاناء تبعا‌ فلما تقدم نفسه بالدلالة الالتزامية ، لعدم امكان تحقق الطهارة والحلية الفعليتين مع بقاء الاناء على نجاسته.

٣ ـ واما بقاء النجاسة مع ملاقاته نجاسة خارجية ـ كالدم أو يد الكافر ونحو ذلك ـ قبل الانقلاب‌ فقد يعلل بان ما دل على الطهارة بالانقلاب ناظر الى النجاسة الخمرية دون النجاسة العارضة.

وقد يجاب بان الخمر إذا لم يقبل التنجس ثانيا ، وبقيت نجاسته خمرية فقط ، فلا مانع من شمول الاخبار له ـ لانحصار النجاسة بالخمرية ـ وإلا أمكن شمولها له أيضا بإطلاقها فان صنّاع الخمر لا يتحفظون عليه عادة من اصابة النجاسة له.

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ٣١ من أبواب الأشربة المحرمة الحديث ٣.

١٦٢

٦ ـ الانتقال‌

إذا صار النجس جزءا من حيوان طاهر طهر ، كدم الانسان إذا صار جزءا من البق ونحوه.

والمستند في ذلك :

السيرة واطلاق ما دل على طهارة أجزاء المنتقل إليه‌ كموثقة غياث عن جعفر عن أبيه : «لا بأس بدم البراغيث والبق وبول الخشاشيف» (١).

هذا مضافا الى امكان التمسّك بقاعدة الطهارة بناء على عدم وجود عموم يدل على نجاسة كلّ دم.

٧ ـ الإسلام‌

الإسلام مطهر للكافر بجميع أجزائه بل ولثيابه.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما مطهرية الإسلام للكافر‌ فلزوال موضوع النجاسة ، وشمول ما دل على طهارة المسلم له.

٢ ـ واما كونه مطهرا لجميع أجزائه كالعرق والبصاق‌ فلان نجاستها كانت تبعا لنجاسة بدنه وقد زالت ، وللسيرة وعدم أمرهم عليهم‌السلام بتطهير بدنهم مع عدم خلوّه منها غالبا.

٣ ـ واما مطهريته للثياب أيضا‌ فللسيرة وعدم أمرهم عليهم‌السلام بتطهيرها ، لكن القدر المتيقن منها حالة عدم التنجس بنجاسة خارجية.

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ٢٣ من أبواب النجاسات الحديث ٥.

١٦٣

٨ ـ التبعية‌

إذا أسلم الكافر تبعه ولده في الطهارة. وإذا سبى المسلم طفلا تبعه في الطهارة إذا لم يكن معه أحد آبائه. وأواني الخمر ـ بناء على نجاسته ـ تطهر بالتبع إذا انقلبت خلاّ. وأواني العصير العنبي ـ بناء على نجاسته ـ تطهر بالتبع إذا ذهب ثلثاه. ويد المغسل للميت والسدة التي يغسل عليها والثياب التي يغسل فيها تتبع الميت في الطهارة.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما طهارة الولد باسلام أحد أبويه‌ فلقاعدة الطهارة بعد قصور دليل نجاسته وهو الاجماع الذي هو دليل لبي يقتصر فيه على القدر المتيقن ، وهو ما إذا لم يسلم أحد أبويه.

واما قاعدة التبعية لأشرف الأبوين فلا يمكن التمسّك بها لأنّ مستندها رواية حفص : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل من أهل الحرب إذا أسلم في دار الحرب فظهر عليه المسلمون بعد ذلك ، فقال : اسلامه اسلام لنفسه ولولده الصغار ....» (١) وهي ضعيفة بالقاساني والقاسم بن محمد.

٢ ـ واما تبعية الأسير غير البالغ للمسلم‌ فلما تقدم نفسه.

٣ ـ واما اختصاص التبعية بغير البالغ‌ فلكون البالغ موضوعا مستقلاّ للنجاسة بعد صدق عنوان اليهودي ونحوه عليه.

٤ ـ واما اختصاص الحكم بمن لم يكن معه أحد آبائه‌ فللإجماع‌

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ٤٣ من أبواب الجهاد الحديث ١.

١٦٤

على تبعيته له في النجاسة إذا كان معه.

٥ ـ واما طهارة أواني الخمر إذا انقلبت خلاّ‌ فلما تقدّم في مطهرية الانقلاب.

٦ ـ واما طهارة أواني العصير العنبي إذا ذهب ثلثاه‌ فللسيرة ، وما دلّ على طهارته بذهاب ثلثيه ، إذ طهارته مع بقاء الاناء نجسا لغو ظاهر.

٧ ـ واما طهارة يد المغسل وغيرها‌ فللسيرة القطعية على عدم تطهيرها بعد التغسيل. أو للإطلاق المقامي ، فان سكوت النصوص عن التعرّض لوجوب تطهيرها يدل على طهارتها تبعا لطهارة الميت.

٩ ـ زوال عين النجاسة‌

تطهر بواطن الإنسان وجسد الحيوان بزوال عين النجاسة عنهما بل في تنجسها تأمل.

وهكذا التأمّل في سراية النجاسة إلى الطاهر إذا كانت الملاقاة في الباطن سواء كانا متكونين في الباطن أو كان النجس في الباطن والطاهر خارجيّا أو بالعكس.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما طهارة البواطن‌ بما ذكر فلانعقاد السيرة القطعية للمتشرّعة على ذلك ، فمن تنجس باطن اذنه بخروج الدم لا يغسله بالماء وهكذا من تنجس باطن أنفه أو ما بين أسنانه. وفي موثقة عمّار : «سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن رجل يسيل من أنفه الدم هل عليه ان يغسل باطنه‌

١٦٥

يعني جوف الأنف؟ فقال : إنّما عليه ان يغسل ما ظهر منه» (١).

بل في تنجس البواطن تأمّل على ما سيأتي.

٢ ـ واما طهارة جسد الحيوان‌ بما ذكر فللسيرة أيضا ، حيث لا يتحرز من الهرة والدجاج ونحوهما مع العلم باصابة الدم وسائر النجاسات لفمها وسائر أعضائها اما حين الولادة أو حين السفاد أو بقية الحالات مع الشك في ورود المطهر بل العلم بعدمه. وإذا فرض وقوع الفأرة في سمن وخروجها حيّة فلا يلزم التحرز منه بالرغم من تنجس موضع بعرها وبولها وهو يدل على ما ذكرناه. وقد ورد في موثقة عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «... كلّ شي‌ء من الطير يتوضأ ممّا يشرب منه إلاّ ان ترى في منقاره دما ...» (٢). وهو يدل بوضوح على ما ذكرناه. بل ان روايات طهارة سؤر الفأرة والهرة ونحوهما تدل على ذلك أيضا.

بل ان في تنجس جسد الحيوان بالملاقاة تأمّلا.

٣ ـ والوجه في التأمّل قصور مقتضي التنجس عن الشمول لمثل البواطن وجسد الحيوان.

اما البواطن فالداخلية منها كالمعدة والأمعاء فواضح إذ الدليل اما الروايات الخاصّة من قبيل «دم أصاب الماء أو الثوب ..» فعدم شمولها بيّن لنظرها إلى الملاقاة الخارجيّة ، أو موثقة عمّار الواردة في الفأرة المتسلخة في إناء الماء وانه «يغسل كل ما أصابه ذلك الماء» (٣) وهي‌

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ٢٤ من أبواب النجاسات الحديث ٥.

(٢) وسائل الشيعة الباب ٤ من أبواب الأسآر الحديث ٢.

(٣) وسائل الشيعة الباب ٤ من أبواب الماء المطلق الحديث ١.

١٦٦

لا تشمل مثل ذلك أيضا.

واما غير الداخلية ـ كباطن الأنف والاذن والفم ـ فلان تلك الأدلّة اما منصرفة عنها أو مخصصة بالسيرة المتقدّمة ، وإذا سقط الدليل عن الحجيّة في مدلوله المطابقي فلا يعود حجّة في مدلوله الالتزامي ، ومعه يتمسّك بأصالة الطهارة.

وإذا قيل : كيف تكون السيرة مخصصة للعمومات والحال ان حجّيّتها متوقفة على عدم الردع وهي صالحة لذلك؟

كان الجواب : ان عدم الردع نحتاج إليه في سيرة العقلاء دون سيرة المتشرّعة الواصل مضمونها يدا بيد من المعصوم عليه‌السلام.

واما جسد الحيوان فلعدم شمول أوامر الغسل له اما لأنه ليس من شأنه ان يغسل أو للانصراف ، وبعد سقوط المدلول المطابقي عن الحجّيّة لا يعود المدلول الالتزامي حجّة ، ومعه يتمسّك بأصالة الطهارة.

٤ ـ واما التأمّل في السراية في بقية الفروض‌ فقد اتضح ممّا سبق :

اما حالة كون النجس والطاهر باطنيين معا‌ ـ كباطن الأنف الملاقي للدم ـ فلعدم الدليل على نجاسة الدم في الباطن ـ إذ الأدلّة ناظرة إلى الدم الخارجي واحتمال الخصوصيّة موجود ـ أو لعدم الدليل على كون الملاقاة في الباطن مقتضية لذلك.

واما حالة كون النجس خارجيّا والطاهر باطنيّا‌ ـ كالدم الخارجي إذا أصاب باطن الأنف أو الاذن ـ فلعدم الدليل على كون الملاقاة في الباطن مقتضية لذلك إذ الأدلّة واردة في الملاقاة الخارجية ، واحتمال الخصوصية موجود.

١٦٧

واما إذا كانت النجاسة باطنية والملاقي خارجيا‌ ـ كالسن الصناعي الملاقي لدم الفم ـ فلعدم الدليل على نجاسة ما في الباطن أو لعدم الدليل على كون الملاقاة الباطنية موجبة لذلك.

واما إذا كانا خارجيين وتحققت الملاقاة في الباطن‌ ـ كما لو تحققت الملاقاة في الباطن بين اصبع نجسة واخرى طاهرة ـ فالظاهر عدم قصور الأدلّة عن شمول مثله.

١٠ ـ الغيبة‌

إذا تنجّست ثياب الإنسان أو بعض توابعه حكم عليها بالطهارة إذا غاب واحتمل تطهيره لها فيما إذا لم يكن ممّن لا يبالي بالنجاسة وكان يستعملها فيما يعتبر فيه الطهارة.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما مطهرية الغيبة‌ لما ذكر فلسيرة المتشرّعة المانعة من جريان الاستصحاب.

٢ ـ واما اعتبار احتمال التطهير‌ فواضح للجزم أو الاطمئنان ببقاء النجاسة بدون ذلك.

٣ ـ واما اعتبار القيدين الأخيرين‌ فلان السيرة دليل لبّي يقتصر فيه على المتيقن ، وهو مورد تواجد القيدين.

بل بالإمكان دعوى الجزم بعدم انعقادها ، إذ مستندها ظهور حال المسلم في تجنبه استعمال النجس فيما يشترط فيه الطهارة ، وهو يختص بحالة تواجد القيدين.

١٦٨

١١ ـ استبراء الجلال‌

يطهر عرق الجلال ولبنه وخرؤه وبوله باستبرائه.

وللشك في حدوث الجلل أو بقائه صور يختلف حكمها.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما طهارة العرق بالاستبراء‌ فلان صحيح هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «لا تأكل اللحوم الجلالة وان أصابك من عرقها شي‌ء فاغسله» (١) علّق وجوب الغسل على عنوان الجلل فبزواله بالاستبراء يزول أيضا.

٢ ـ واما طهارة لبنه بما ذكر‌ فلان صحيح حفص بن البختري عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «لا تشرب من ألبان الإبل الجلالة» (٢) قد علّق الحكم على ذلك فيزول بزواله.

وهذا مبني على استفادة النجاسة من حرمة الشرب كما هو واضح.

٣ ـ واما طهارة البول والخرء بذلك‌ فلان صحيح عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه» (٣) قد علّق وجوب الغسل على عنوان «ما لا يؤكل لحمه» فإذا زال بالاستبراء زال هو أيضا ، وبعد ضم عدم الفصل بين البول والخرء يثبت الحكم في الخرء أيضا.

أجل هذا كلّه مبني على ان يكون المقصود من عنوان «ما لا يؤكل‌

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ١٥ من أبواب النجاسات الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة الباب ١٥ من أبواب النجاسات الحديث ٢.

(٣) وسائل الشيعة الباب ٨ من أبواب النجاسات الحديث ٢.

١٦٩

لحمه» ما كان كذلك ولو بالعارض وعدم اختصاصه بما كان كذلك بالذات ، فان استظهر ذلك وإلاّ تمسكنا بأصل الطهارة.

٤ ـ والمراد من الاستبراء منعه من التغذي بالعذرة حتى يزول عنه الاسم. وقد حددت بعض الروايات الفترة في الدجاج بثلاثة أيّام وفي البط بخمسة وفي الشاة بعشرة و ... (١) إلاّ انها لضعفها السندي لا يمكن الاعتماد عليها ويعود المدار على زوال اسم الجلل عرفا.

٥ ـ واما حالات الشك في الجلل‌ فهي كالآتي :

الاولى : ان يشك في حدوث الجلل بنحو الشبهة المفهومية.

الثانية : ان يشك في حدوثه بنحو الشبهة الموضوعية.

الثالثة : ان يشك في بقائه بنحو الشبهة المفهومية.

الرابعة : ان يشك في بقائه بنحو الشبهة الموضوعية.

اما الحالة الاولى [ان يشك في حدوث الجلل بنحو الشبهة المفهومية] فلا يجري فيها الاستصحاب الموضوعي ـ لعدم الشك بل الأمر يدور بين اليقين بالبقاء واليقين بالارتفاع ـ ولا الاستصحاب الحكمي لعدم الجزم ببقاء الموضوع بل لا بدّ من الرجوع إلى عموم ما دل على حليّة الدجاج مثلا وطهارة بوله وخرئه لان ما دل على نجاستهما من الجلال حيث انه منفصل فيكون المقام من موارد دوران مفهوم المخصص المنفصل بين الأقل والأكثر فيتمسّك بالعموم لانعقاد ظهور العام فيه وهو حجّة ما لم يزاحم بحجّة أقوى وهي لم تتحقّق إلاّ في الأقلّ.

واما الحالة الثانية فيتمسّك فيها باستصحاب عدم حدوث الجلل‌

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ٢٨ من أبواب الأطعمة المحرمة.

١٧٠

ولا يجوز فيها التمسّك بالعموم السابق لكونه من قبيل التمسّك بالعام في الشبهة المصداقية وهو لا يجوز لوجود حجّتين وادخال المشكوك تحت احداهما بلا مرجّح.

واما الحالة الثالثة فلا يجري فيها الاستصحاب الموضوعي ولا الحكمي لما تقدّم في الحالة الاولى ويتعيّن الرجوع إلى العموم المتقدّم.

واما الحالة الرابعة فلا يجوز فيها التمسّك بالعموم المتقدّم لكونه تمسّكا به في الشبهة المصداقية ويتعيّن الرجوع الى الاستصحاب ، وبذلك يحكم بالنجاسة بخلافه في الحالات الثلاث السابقة فانه يحكم فيها بالطهارة.

١٢ ـ خروج الدم من الذبيحة‌

إذا خرج الدم من الذبيحة بالمقدار المتعارف حكم على المتخلّف بالطهارة.

والمستند في ذلك :

اما اصالة الطهارة‌ بناء على عدم وجود عموم يقتضي نجاسة كل دم.

أو سيرة المتشرّعة‌ على عدم اجتناب ما يتخلّف في الذبيحة من الدم ، وإلاّ يلزم عدم جواز أكل اللحم لاتصال بعض قطع الدم به غالبا بنحو لا يمكن إزالتها مهما بالغ الشخص في الغسل.

١٧١
١٧٢

كتاب الصّلاة‌

١ ـ الصلاة اليومية

٢ ـ صلاة المسافر

٣ ـ صلاة الجماعة

٤ ـ صلاة الجمعة‌

١٧٣
١٧٤

الصلاة الواجبة

الواجب من الصلاة : اليومية بما في ذلك الجمعة ، وصلاة الطواف ، والصلاة على الميّت ، والآيات ، وما التزم بنذر ونحوه ، وقضاء الولد الأكبر ما فات عن والده.

والمستند في ذلك :

اما الضرورة والروايات الكثيرة كما في اليومية ، أو اقتضاء القاعدة كما في الملتزم بنذر ونحوه ، أو الروايات الخاصّة المذكورة في محلّها كما في غير ذلك.

١ ـ الصلاة اليومية‌

الصلاة اليومية خمس : الصبح ركعتان ، والمغرب ثلاث ، والبقية أربع.

وفي السفر والخوف تقصر الرباعية الى ركعتين.

والمستند في ذلك :

١٧٥

١ ـ اما ان اليومية خمس وعدد ركعاتها ما ذكر‌ فبالضرورة من الدين. وتدل عليه الروايات أيضا.

٢ ـ واما قصر الرباعية في السفر‌ فذلك من ضروريات المذهب الجعفري وتدلّ عليه الروايات أيضا.

٣ ـ واما قصرها عند الخوف‌ فمحل اختلاف. وقد نقل في الحدائق (١) أقوالا ثلاثة : قصرها بشرط السفر ، وقصرها مطلقا ، وقصرها في الحضر بشرط ادائها جماعة.

والصحيح وجوب قصرها مطلقا لقوله تعالى : (وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا ...) (٢) ، فان حمل الضرب على خصوص ما كان بمقدار المسافة بلا وجه. والتقييد به محمول على الغالب من طرو الخوف عند الضرب حيث يجابه العدو.

ويدل على ذلك أيضا ما رواه الصدوق عن زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام : «قلت له : صلاة الخوف وصلاة السفر تقصران جميعا؟ قال : نعم ، وصلاة الخوف أحقّ ان تقصر من صلاة السفر ، لأنّ فيها خوفا» (٣).

وهل عند السفر تقصر ثانية فتصير الثنتان واحدة؟ دلّت بعض الروايات على ذلك (٤) ، إلاّ انه لا قائل بها ، ومن هنا حملها‌

__________________

(١) الحدائق الناضرة ١١ : ٢٦٥.

(٢) النساء : ١٠١.

(٣) وسائل الشيعة الباب ١ من أبواب صلاة الخوف والمطاردة الحديث ١.

(٤) وسائل الشيعة الباب ١ من أبواب صلاة الخوف والمطاردة الحديث ٢ ، ٣ ، ٤.

١٧٦

الحرّ على التقيّة (١).

شرائط الصلاة‌

أوقات اليومية‌

وقت الظهرين من الزوال إلى الغروب. والمشهور اختصاص الظهر بأوّله والعصر بآخره. والعشاءين من المغرب إلى نصف الليل. والمشهور اختصاص المغرب والعشاء كذلك. ويمتدّ وقتهما للمضطرّ إلى الفجر الصادق. ووقت الصبح من الفجر إلى طلوع الشمس.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما ان بداية وقت الظهرين هو الزوال‌ فقد اتّفق عليه المسلمون ، ولم ينسب الخلاف فيه إلاّ إلى ابن عباس والحسن والشعبي فجوزوا للمسافر الصلاة قبل الزوال (٢). وقد يستشهد له من أحاديثنا بمعتبرة الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «إذا صلّيت في السفر شيئا من الصلوات في غير وقتها فلا يضرّك» (٣) ولكنها لمخالفتها لضرورة الدين لا بد من حملها على بعض المحامل كالنافلة مثلا.

ويدلّ من القرآن الكريم على كون البداية الزوال قوله تعالى : (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ ...) (٤). والدلوك هو الزوال.

ومن السنّة الشريفة روايات ربّما تتجاوز الثلاثين فيها الصحاح‌

__________________

(١) وسائل الشيعة نهاية الباب ١ من أبواب صلاة الخوف والمطاردة.

(٢) جواهر الكلام ٧ : ٧٥.

(٣) وسائل الشيعة الباب ١٣ من أبواب المواقيت الحديث ٩.

(٤) الإسراء : ٧٨.

١٧٧

المتعدّدة كرواية ابن بابويه عن زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام : «إذا زالت الشمس دخل الوقتان الظهر والعصر ، فإذا غابت الشمس دخل الوقتان : المغرب والعشاء الآخرة» (١). والسند في المشيخة صحيح.

وفي مقابل ذلك روايات كثيرة تدل على ان الوقت بعد مضي فترة من الزوال اما بمقدار صيرورة الظل الحادث بعد الزوال بمقدار ذراع أو بمقدار قدم أو بغير ذلك.

مثال الأوّل الذي تتجاوز رواياته العشر : رواية الصدوق عن زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام : «سألته عن وقت الظهر فقال : ذراع من زوال الشمس ووقت العصر ذراعان من وقت الظهر فذاك أربعة أقدام من زوال الشمس. ثم قال : ان حائط مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان قامة وكان إذا مضى منه ذراع صلّى الظهر وإذا مضى منه ذراعان صلّى العصر. ثم قال : أتدري لم جعل الذراع والذراعان؟ قلت : لم جعل ذلك؟ قال : لمكان النافلة. لك ان تتنفل من زوال الشمس إلى ان يمضي ذراع ، فإذا بلغ فيئك ذراعا من الزوال بدأت الفريضة وتركت النافلة وإذا بلغ فيئك ذراعين بدأت بالفريضة وتركت النافلة» (٢).

ومثال الثاني الذي يبلغ روايتين أو أكثر : صحيحة الأعرج عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «سألته عن وقت الظهر أهو إذا زالت الشمس؟ فقال : بعد الزوال بقدم أو نحو ذلك إلاّ في السفر أو يوم الجمعة فإن وقتها إذا زالت» (٣).

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ٤ من أبواب المواقيت الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة الباب ٨ من أبواب المواقيت الحديث ٣.

(٣) وسائل الشيعة الباب ٨ من أبواب المواقيت الحديث ١٧.

١٧٨

ويمكن الجواب عن هذه الروايات وغيرها اما بأن الناظر إليها يفهم منها ان الغرض من جعل التأخير أداء النافلة ـ فمن لم تكن ثابتة في حقّه كالمسافر أو لم يرد اداءها فمن حقّه اداؤها بداية الزوال ـ أو لوجود الحاكم القاضي بتقدم الاولى وهو ما رواه الشيخ بسنده الى سعد بن عبد الله عن محمّد بن أحمد بن يحيى قال : «كتب بعض أصحابنا إلى أبي الحسن عليه‌السلام : روي عن آبائك القدم والقدمين (١) والأربع والقامة والقامتين وظل مثلك والذراع والذراعين فكتب عليه‌السلام : لا القدم ولا القدمين إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين وبين يديها سبحة (٢) وهي ثمان ركعات فان شئت طولت وان شئت قصرت ثمّ صلّ الظهر فإذا فرغت كان بين الظهر والعصر سبحة وهي ثمان ركعات ان شئت طولت وإن شئت قصرت ثمّ صلّ العصر» (٣) فانها ناظرة الى الطائفتين وتقدّم الاولى.

ومع التنزل عن الجوابين المذكورين لا بدّ من طرح الثانية لمخالفتها لصريح القرآن الكريم وما هو الثابت بين الأصحاب بالضرورة.

٢ ـ واما ان وقت الظهرين يمتد إلى الغروب‌ فهو المشهور بين أصحابنا. وتدلّ عليه جملة من الروايات كصحيحة معمر بن يحيى :

__________________

(١) الظاهر ان المناسب : القدمان بالرفع. وهكذا في القامتين والذراعين.

(٢) في مجمع البحرين ٢ : ٣٦٩ : «السّبحة بالضم خرزات يسبّح بها. والسبحة أيضا : التطوع من الذكر والصلاة ومنه قضيت سبحتي».

(٣) وسائل الشيعة الباب ٥ من أبواب المواقيت الحديث ١٣.

١٧٩

«سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : وقت العصر إلى غروب الشمس» (١) ، وغيرها.

واختار جماعة منهم صاحب الحدائق (٢) ان الامتداد المذكور خاص بذوي الاعذار دون المختار استنادا إلى بعض الروايات كصحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «لكل صلاة وقتان ، وأوّل الوقت أفضله ، وليس لأحد ان يجعل آخر الوقتين وقتا إلاّ في عذر من غير علّة» (٣).

وفيه : ان جملة «أوّل الوقت أفضله» تدل على جواز التأخير وإلاّ لم يكن وجه للتعبير بقوله «أفضله».

وتؤكّد ما ذكرناه روايات الموتور كصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : الموتور أهله وماله من ضيّع صلاة العصر ، قلت : وما الموتور أهله وماله؟ قال : لا يكون له في الجنّة أهل ولا مال يضيّعها فيدعها متعمّدا حتّى تصفرّ الشمس وتغيب» (٤) فان كون الجنّة مقرّا لمن يتعمّد في التأخير يدل على جواز التأخير اختيارا.

ولو ضمّت هذه إلى صحيحة ابن سنان لكانت جملة «وليس لأحد ان يجعل ...» واضحة في انه ليس له ذلك وإلاّ كان موتورا.

ومن الغريب ما في الحدائق (٥) في وجه الجمع بأن الاولى مطلقة‌

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ٩ من أبواب المواقيت الحديث ١٣.

(٢) الحدائق الناضرة ٦ : ٨٩.

(٣) وسائل الشيعة الباب ٣ من أبواب المواقيت الحديث ١٣.

(٤) وسائل الشيعة الباب ٩ من أبواب المواقيت الحديث ١٠.

(٥) الحدائق الناضرة ٦ : ٩٢.

١٨٠