دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي على المذهب الجعفري - ج ١

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي على المذهب الجعفري - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الفقه للطباعة والنشر
المطبعة: برهان
الطبعة: ٢
ISBN: 964-499-035-8
ISBN الدورة:
964-499-048-X

الصفحات: ٥٧٦

تعدّد الشرطيتين المختلفتين شرطا المتحدتين جزاء. ولكنّه غير صحيح لأنّ خفاء الاذان أو الجدران ليس هو الشرط الحقيقي لوجوب التقصير بل امارة على الشرط الحقيقي وهو سلوك مقدار معيّن.

والمناسب حمل كل واحد من الخفاءين على العلامية على الشرط الحقيقي.

وإذا قيل : ان تعدّد العلامة على الشي‌ء الواحد إنّما يحسن في حالة عدم اختلافهما البين ، وفي المقام يوجد الاختلاف المذكور فان خفاء الاذان يحصل قبل خفاء الجدران. وجعل علامتين من هذا القبيل قبيح لكونه أشبه بالأقلّ والأكثر الذي لا يعقل جعل التخيير فيه.

كان الجواب : ما دام الشارع يقصد التسهيل على العباد بالاكتفاء الممكن لأي واحدة من العلامتين فلا قبح.

قواطع السفر‌

ينقطع السفر بالمرور بالوطن ، أو العزم على الإقامة عشرة متوالية في مكان واحد ، أو البقاء في مكان واحد ثلاثين يوما مع التردّد.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما قاطعية الوطن‌ فلعدم صدق عنوان المسافر ما دام الشخص في وطنه ، والمستفاد من موثق عمّار ـ المتقدّم في رقم ٥ ـ وغيره ان القصر حكم خاص بالمسافر.

هذا مضافا الى اقتضاء صحيح حماد بن عثمان : «في الرجل يسافر فيمرّ بالمنزل له في الطريق يتم الصلاة أم يقصر؟ قال : يقصر‌

٢٨١

إنّما المنزل الذي توطنه» (١) وغيره لذلك.

هذا لو كان المقصود من قاطعية الوطن وجوب التمام فيه. واما لو كان المقصود عدم ضمّ ما يأتي إلى ما سبق ولزوم ملاحظة المسافة من جديد فقد تقدّم وجهه سابقا.

وهل المقصود من الوطن خصوص الأصلي أو يعمّ المستجد؟ تحقيق ذلك غير مهم بعد الاكتفاء بعدم صدق عنوان المسافر على ما تقدم.

٢ ـ واما قاطعية الإقامة عشرة‌ فهي من المسلّمات. وتدلّ على ذلك صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام : «قلت له : أرأيت من قدم بلدة الى متى ينبغي له أن يكون مقصّرا ومتى ينبغي أن يتمّ؟ فقال : إذا دخلت أرضا فأيقنت ان لك بها مقام عشرة أيّام فأتمّ الصلاة وان لم تدر ما مقامك بها تقول غدا اخرج أو بعد غد فقصر ما بينك وبين ان يمضي شهر ، فان تمّ لك شهر فأتم الصلاة وان أردت أن تخرج من ساعتك» (٢) وغيرها.

٣ ـ واما اعتبار العزم وعدم كفاية البقاء المجرّد‌ فللتقييد في الصحيحة المتقدّمة بالايقان.

٤ ـ واما اعتبار التوالي‌ فلظهور كلمة «العشرة» في ذلك.

٥ ـ واما اعتبار وحدة المكان‌ فلأن الوارد في الروايات التعبير بالمكان والأرض والبلد والضيعة. وكل ذلك ظاهر في الوحدة.

أجل لا يضرّ قصد الخروج إلى بساتين البلد وأحيائه وأطرافه لأنها تعدّ جزءا منه عرفا.

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ١٤ من أبواب صلاة المسافر الحديث ٨.

(٢) وسائل الشيعة الباب ١٥ من أبواب صلاة المسافر الحديث ٩.

٢٨٢

٦ ـ واما وجوب التمام على المتردّد ما بعد الثلاثين‌ فلصحيحة زرارة المتقدّمة وغيرها.

٣ ـ صلاة الجماعة‌

تستحب الجماعة في جميع الفرائض عدا صلاة الطواف. ولا تشرع في النوافل الأصليّة.

وأقل ما تنعقد به اثنان أحدهما الإمام.

ولا تشترط في انعقادها نيّة الامام الامامة إلاّ في الجمعة والعيدين الواجبة.

وتدرك بالتكبير ما دام الامام لم يرفع رأسه من الركوع ، وإذا كبّر المأموم وشك في بقاء الامام راكعا جرى الاستصحاب.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما استحباب الجماعة في الجملة فممّا لا إشكال فيه‌ بل ينبغي عدّ ذلك في الصلاة اليومية من الضروريات. وانما الاشكال وقع في وجود عموم يمكن به اثبات مشروعيتها في جميع الصلوات بحيث يحتاج الخروج عنه إلى مخصص.

وأحسن ما يمكن التمسّك به رواية الشيخ بسنده الى حمّاد عن حريز عن زرارة وفضيل : «قلنا له الصلاة في جماعة فريضة هي؟ فقال : الصلاة فريضة وليس الاجتماع بمفروض في الصلوات كلّها ولكنّه سنّة. من تركها رغبة عنها وعن جماعة المؤمنين من غير علّة فلا صلاة له» (١).

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ١ من أبواب صلاة الجماعة الحديث ٢.

٢٨٣

وهي من حيث السند تامّة فان الشيخ وان لم يذكر لها سندا الى حمّاد في المشيخة وما ذكره من الطرق الثلاث في الفهرست (١) قابل للتأمّل إلاّ ان سند الكليني صحيح.

وتقريب الدلالة : ان جملة «ولكنّها سنّة» عطف على «بمفروض». والتقدير : وليس الاجتماع بمفروض ولكنّه سنّة في الصلوات كلّها. وهذا يدلّ على ثبوت العموم الافرادي لها.

ودعوى الانصراف إلى خصوص اليومية لا يتناسب وجملة «في الصلوات كلّها».

ودعوى انها واردة لبيان حكم الجماعة وانها مستحبة وليست فريضة ولم ترد لبيان أصل المشروعية ليتمسّك بإطلاقها في مورد الشكّ. مدفوعة بأن ورودها لذلك لا يتنافى وبيانها لهذا الحكم أيضا بالتبع بقرينة جملة «في الصلوات كلّها».

ودعوى انها ناظرة الى اثبات الاستحباب لخصوص الصلاة التي ثبت فيها مشروعية الجماعة ، ومعه فلا يمكن التمسّك بها لإثبات المشروعية في مورد الشك.

مدفوعة بأنّ التعبير بجملة «في الصلوات كلّها» يتنافى وإرادة العهد المذكور.

٢ ـ واما استثناء صلاة الطواف‌ فلوجهين :

الأوّل : ما ذكره الشيخ النائيني وآخرون من عدم معهودية الاتيان بصلاة الطواف جماعة. بل لم ينقل ذلك عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حجّة الوداع‌

__________________

(١) الفهرست : ٦١.

٢٨٤

بالرغم من نقل كثير من خصوصيّات تلك الحجّة ، وذلك يدل على عدم مشروعيتها فيها ويكون بمنزلة المخصص المتصل (١).

الثاني : قصور عموم الصحيحة في نفسه لأنه ناظر إلى الصلوات التي لها وقت محدّد بقرينة «وليس الاجتماع بمفروض ...» بحيث يكون التارك لذلك الاجتماع خارجا عن طريق المسلمين ، وواضح عدم مثل ذلك لصلاة الطواف.

٣ ـ واما عدم مشروعيتها في النافلة‌ فللقصور في المقتضي بقرينة التعبير بجملة «الصلاة فريضة». مضافا الى عدم معهودية ذلك زمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رغم شدّة اهتمامه بالجماعة. أجل في خصوص نوافل شهر رمضان جوّز الخليفة الثاني الجماعة فيها واستمر ذلك الى يومنا ، وقد جاءت صحيحة الفضلاء عن الامامين الباقر والصادق عليهما السّلام : «ان الصلاة بالليل في شهر رمضان من النافلة في جماعة بدعة» (٢) ناظرة الى ذلك. وقد ورد في الحديث ان أمير المؤمنين عليه‌السلام فترة خلافته حاول الردع عن ذلك فضجّ الناس بنداء «وا عمراه وعمراه» فتنازل عليه‌السلام وقال : «صلّوا» كما ورد ذلك في موثقة الساباطي (٣) أو نادى بعض عسكر الامام عليه‌السلام : «يا أهل الإسلام غيّرت سنّة عمر» كما في رواية سليم بن قيس الهلالي (٤).

٤ ـ واما التقييد بالأصلية‌ فلان ما كان فريضة بالأصل مشمول‌

__________________

(١) كتاب الصلاة للشيخ الكاظمي ٢ : ٣٦٠.

(٢) وسائل الشيعة الباب ١٠ من أبواب نافلة شهر رمضان الحديث ١.

(٣) وسائل الشيعة الباب ١٠ من أبواب نافلة شهر رمضان الحديث ٢.

(٤) وسائل الشيعة الباب ١٠ من أبواب نافلة شهر رمضان الحديث ٤.

٢٨٥

لجملة «الصلاة فريضة» إذ المنصرف منها ما كان فريضة بالأصل.

٥ ـ واما انعقادها باثنين‌ فلصحيح زرارة الوارد في الرجلين : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجلان يكونان جماعة؟ فقال : نعم ، ويقوم الرجل عن يمين الرجل» (١) ولصحيح الفضيل بن يسار الوارد في الرجل والمرأة : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أصلّي المكتوبة بأمّ علي فقال : نعم تكون عن يمينك يكون سجودها بحذاء قدميك» (٢).

٦ ـ واما عدم اعتبار نية الامام للإمامة‌ فلم ينقل فيه خلاف. وقيل بأنّه لا يوجد إطلاق يمكن التمسّك به لإثبات ذلك إذ صحيح زرارة وفضيل المتقدّم ناظر الى العموم الافرادي دون الاحوالي.

وقيل بإمكان التمسّك بإطلاق قولهم عليهم‌السلام : «صل خلف من تثق به». ولكن هو على تقدير وجوده لا إطلاق له من هذه الناحية.

ولعلّ الأولى الاستدلال بما دل على جواز ائتمام المأموم المسافر بالامام المقيم وانه بعد انهائه الأوّليتين يجوز له الائتمام به في الأخيرتين (٣) بالرغم من غفلة الامام عادة عن مثل ذلك. هذا مضافا الى ان مثل ذلك لو كان معتبرا لنبّه عليه لكثرة الابتلاء به.

٧ ـ واما استثناء الجمعة والعيدين الواجبة‌ فلان صحّة الصلاة فيهما متقوّمة بالجماعة فلا بد من قصد كل واحد من المأمومين والامام لذلك.

٨ ـ واما ان ادراك الركعة يتحقّق بذلك‌ فتدلّ عليه الروايات الكثيرة كصحيحة سليمان بن خالد عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «في الرجل إذا أدرك‌

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ٤ من أبواب أحكام الجماعة الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة الباب ١٩ من أبواب أحكام الجماعة الحديث ٢.

(٣) وسائل الشيعة الباب ١٨ من أبواب صلاة الجماعة.

٢٨٦

الامام وهو راكع وكبّر الرجل وهو مقيم صلبه ثمّ ركع قبل أن يرفع الامام رأسه فقد أدرك الركعة» (١).

كما تدل عليه الروايات الدالة على ان الداخل للمسجد إذا خاف رفع الامام رأسه من الركوع كبّر ومشى (٢).

وهكذا الروايات الدالّة على استحباب إطالة الامام ركوعه ليلتحق المأموم به (٣).

إلاّ أن في مقابل ذلك أربع روايات كلّها تنتهي إلى محمّد بن مسلم ـ وهي على هذا بحكم رواية واحدة أو ثنتين ـ عن أبي جعفر عليه‌السلام : «إذا لم تدرك القوم قبل أن يكبّر الامام للركعة فلا تدخل معهم في تلك الركعة» (٤) تدل على النهي عن الدخول في الجماعة بعد تكبير الامام للركوع.

إلاّ ان صراحة تلك تقتضي حمل النهي في هذه على الكراهة. ومع التنزّل وتسليم استحكام التعارض تتقدّم تلك لأنها لكثرتها بمنزلة السنّة القطعية.

٩ ـ واما مسألة شك المأموم بعد تكبيره في بقاء الامام راكعا‌ فقد ذكر بعض الأعلام ان بالإمكان اجراء استصحاب بقاء الامام راكعا إلى حين تحقّق ركوع المأموم فيما إذا كان تاريخ ركوع المأموم معلوما وتاريخ رفع الامام رأسه مجهولا. ولا بدّ أيضا من فرض ان موضوع الحكم ليس هو الاقتران وإلاّ لم يثبت بالاستصحاب المتقدّم‌

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ٤٥ من أبواب صلاة الجماعة الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة الباب ٤٦ من أبواب صلاة الجماعة.

(٣) وسائل الشيعة الباب ٥٠ من أبواب صلاة الجماعة.

(٤) وسائل الشيعة الباب ٤٤ من أبواب صلاة الجماعة الحديث ٢.

٢٨٧

لأنه لازم عقلي.

وذكر آخرون : ان موضوع الحكم في صحيحة سليمان حيث انه القبلية ـ لا ذوات الأجزاء ـ فلا يثبت بالاستصحاب لعدم الحالة السابقة للقبلية لتستصحب بل مقتضى الاستصحاب عدم تحقّقها.

وبهذا يتّضح ان الأعلام قد ربطوا المسألة بكون الموضوع ذوات الأجزاء أو القبلية.

ويمكن أن يقال : ان مثل هذه الملاحظة الدقيقة لألفاظ الرواية وان الوارد فيها لفظ قبل أو غيره ـ كما نجده في كلمات الأعلام في مسائل متعدّدة ـ قضية قابلة للتأمّل لأنّ الراوي كثيرا ما ينقل الرواية بمعناها ـ ففي صحيح ابن مسلم قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : «أسمع الحديث منك فأزيد وأنقص. قال : إن كنت تريد معانيه فلا بأس» (١) ـ وهو لا يلاحظ مثل هذه التدقيقات التي تحتاج إلى دراسة اصوليّة ذات سنوات متوالية. بل حتى لو كان التعبير بنفسه للإمام عليه‌السلام فليس بالإمكان ذلك أيضا لأنه عليه‌السلام يخاطب اناسا عرفيين لا اصوليين فلو كان يقصد من كلمة «قبل» الإشارة إلى العنوان الانتزاعي لكان من المناسب إيضاح ذلك بشكل أوسع.

والمفهوم من الصحيحة بعد رفع اليد عن مثل هذه التدقيقات اعتبار تحقّق ركوع المأموم عند ما يكون الإمام راكعا ، ومعه فلدى الشك في بقاء الإمام راكعا لدى ركوع المأموم يجري استصحاب بقائه.

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ٨ من أبواب صفات القاضي الحديث ٩.

٢٨٨

شرائط الإمام‌

يلزم أن يكون الإمام رجلا إذا كان المأموم كذلك وعادلا صحيح القراءة.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما عدم جواز إمامة المرأة للرجال‌ فهو من المسلّمات. ويكفي لإثباته اصالة عدم المشروعية بعد فقدان الدليل على الجواز ، فان صحيحة زرارة وفضيل المتقدّمة في صدر البحث عن الجماعة ليس لها عموم احوالي. هذا مضافا إلى ان السؤال في بعض الروايات عن جواز إمامة المرأة لمثلها ظاهر في المفروغية عن عدم جواز إمامتها لغيرها ، ففي موثق سماعة : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المرأة تؤم النساء ، فقال : لا بأس به» (١).

٢ ـ واما اعتبار العدالة‌ فقد قيل إنّه من متفرّدات الإمامية. واستدل له :

تارة بموثقة سماعة : «سألته عن رجل كان يصلّي فخرج الإمام وقد صلّى الرجل ركعة من صلاة فريضة. قال : إن كان إماما عدلا فليصلّ اخرى وينصرف ويجعلهما تطوّعا وليدخل مع الإمام في صلاته كما هو. وان لم يكن امام عدل فليبن على صلاته كما هو ويصلّ ركعة اخرى ويجلس قدر ما يقول أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له وأشهد ان محمّدا عبده ورسوله ، ثمّ ليتمّ صلاته على ما استطاع فإن التقيّة واسعة ...» (٢).

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ٢٠ من أبواب صلاة الجماعة الحديث ١١.

(٢) وسائل الشيعة الباب ٥٦ من أبواب صلاة الجماعة الحديث ٢.

٢٨٩

واخرى بصحيحة عمر بن يزيد : «سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن إمام لا بأس به في جميع اموره عارف غير انه يسمع أبويه الكلام الغليظ الذي يغيظهما أقرأ خلفه؟ قال : لا تقرأ خلفه ما لم يكن عاقّا قاطعا» (١) فإنّه جعل المدار على العقوق لأنه ملازم للفسق دون الغلظة التي لا تلازمه كما إذا كانت لأجل الأمر بالمعروف.

وثالثة بصحيح عمرو بن خالد عن زيد بن علي عن آبائه عليهم‌السلام عن علي عليه‌السلام : «الأغلف لا يؤم القوم وان كان أقرأهم لأنه ضيّع من السنّة أعظمها ...» (٢).

ورابعة برواية سعد بن إسماعيل عن أبيه : «قلت للرضا عليه‌السلام : رجل يقارف الذنوب وهو عارف بهذا الأمر اصلّي خلفه؟ قال : لا» (٣).

والكل كما ترى.

اما الأوّل فلاحتمال ان يراد من العدل ما يقابل المخالف لا ما يقابل الفاسق بقرينة التعليل في الذيل.

واما الثاني فلاحتمال خصوصية للعقوق لأنه من أعظم الكبائر.

واما الثالث فلان تضييع أعظم السنّة لا يستلزم ان كل من ضيّع السنّة لا يجوز الاقتداء به.

واما الرابع فلضعف الرواية سندا بسعد وأبيه لإهمالهما ، ودلالة لأنها لا تدلّ على ان من ارتكب ذنبا أو ذنبين ـ بدون أن يصدق عليه عنوان المقارف للذنوب ـ لا تجوز الصلاة خلفه.

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ١١ من أحكام صلاة الجماعة الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة الباب ١٣ من أحكام صلاة الجماعة الحديث ١.

(٣) وسائل الشيعة الباب ١١ من أحكام صلاة الجماعة الحديث ١٠.

٢٩٠

ولا يبقى إلاّ الاجماع ، وهو لاحتمال مدركيته لا يصلح للاستناد.

واما اصالة عدم المشروعية في مثل هذه المسألة ذات الابتلاء الشديد ـ ومع التأكيد على حضور الجماعات ـ لا تصلح للمدركية إذ لو كانت العدالة شرطا لأشير إليها لما ذكر.

وعليه فبمقتضى القواعد لا دليل على الشرطية إلاّ ان الاتفاق على اعتبارها يحول دون جزم الفقيه بالفتوى بعدم الاعتبار ويحتم عليه الانتقال إلى الاحتياط في اعتبارها.

٣ ـ واما اعتبار صحّة القراءة‌ فهو متسالم عليه. ويمكن توجيهه بأن القراءة ليست ساقطة عن المأموم رأسا وانما الامام وكيل وضامن لها ، ولا معنى لضمانه ووكالته إذا لم يأت بها صحيحة ، ففي صحيحة سليمان بن خالد : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أيقرأ الرجل في الاولى والعصر خلف الامام وهو لا يعلم انه يقرأ؟ فقال : لا ينبغي له أن يقرأ يكله إلى الامام» (١) ، وفي موثق سماعة عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «سأله رجل عن القراءة خلف الامام ، فقال : لا ، ان الامام ضامن للقراءة ...» (٢).

وبقطع النظر عن ذلك تكفي اصالة عدم المشروعية لأنّ مقتضى إطلاق أدلّة القراءة لزومها على كلّ مصلّ ، والخارج بنحو القدر المتيقن الجماعة عند صحّة قراءة الامام.

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ٣١ من أحكام صلاة الجماعة الحديث ٨.

(٢) وسائل الشيعة الباب ٣٠ من أحكام صلاة الجماعة الحديث ٣.

٢٩١

٤ ـ صلاة الجمعة‌

في وجوب صلاة الجمعة عصر الغيبة اختلاف كبير. وهي كالصبح ركعتان إلاّ انها مسبوقة بخطبتين يقوم الامام في الاولى ويحمد الله ويثني عليه ويوصي بتقوى الله ويقرأ سورة ثم يجلس قليلا ويقوم في الثانية ويحمد الله ويثني عليه ويصلّي على محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأئمة المسلمين ويستغفر للمؤمنين والمؤمنات.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما بالنسبة الى أصل الحكم‌ فمحل خلاف. والمشهور ثلاثة أقوال : الوجوب التعييني والتخييري وعدم المشروعية. والمهم ملاحظة الأدلّة.

اما الآية الكريمة : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (١) فلا تدلّ على وجوب عقدها ابتداء بل متى ما عقدت ونودي لها لزم الحضور. ومقتضى الإطلاق عدم شرطية ظهور الامام عليه‌السلام ، ويقتصر في تقييده على بقيّة الشروط التي دلّ الدليل على اعتبارها وليس منها الحضور.

واما الروايات فهي :

الاولى : صحيحة زرارة عن الباقر عليه‌السلام : «إنّما فرض الله عزّ وجلّ‌

__________________

(١) الجمعة : ٩.

٢٩٢

على الناس من الجمعة إلى الجمعة خمسا وثلاثين صلاة ، منها صلاة واحدة فرضها الله عزّ وجلّ في جماعة وهي الجمعة ، ووضعها عن تسعة : عن الصغير والكبير والمجنون والمسافر والعبد والمرأة والمريض والأعمى ومن كان على رأس فرسخين» (١). وبمقتضى إطلاق كلمة الناس تشمل الجميع إلى يوم القيامة بما في ذلك عصر الغيبة. وممّا يدعم ذلك استثناؤها لعناوين ليس أحدها المكلّف في عصر الغيبة.

إلاّ أنّها ليست ظاهرة في وجوب اقامتها ابتداء بل أعمّ منه ومن وجوبها عند النداء لها.

الثانية : صحيحة زرارة الاخرى عن الامام الباقر عليه‌السلام : «صلاة الجمعة فريضة ، والاجتماع إليها فريضة مع الإمام. فان ترك رجل من غير علّة ثلاث جمع فقد ترك ثلاث فرائض ...» (٢). والتعبير بجملة «والاجتماع إليها فريضة» يدل على ان الاجتماع لصلاة الجمعة أمر واجب ابتداء.

ويردها : ان التعبير بكلمة «مع الامام» يدل على افتراض وجود إمام ومأمومين وجماعة منعقدة وانه بعد انعقادها يجب الحضور والتجاوب معها.

الثالثة : صحيحة أبي بصير ومحمّد بن مسلم قالا : «سمعنا أبا جعفر محمّد بن علي يقول : من ترك الجمعة ثلاثا متواليات بغير علّة‌

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ١ من أبواب صلاة الجمعة الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة الباب ١ من أبواب صلاة الجمعة الحديث ١.

٢٩٣

طبع الله على قلبه» (١).

ويردّها : ان المقصود من ترك حضور الجمعة ، وهذا يعني وجود صلاة جمعة وانعقادها ولا يدلّ على لزوم عقدها ابتداء. على ان دلالة «طبع الله على قلبه» على الالزام غير واضحة.

الرابعة : صحيحة منصور عن أبي عبد الله عليه‌السلام : الجمعة واجبة على كل أحد لا يعذر الناس فيها إلاّ خمسة : المرأة والمملوك والمسافر والمريض والصبي» (٢).

ويردّها : ان من المحتمل كون المقصود انه بعد انعقادها لا يعذر من الحضور فيها أحد وإلاّ كان المناسب استثناء فرد سادس وهو من لا يتمكن من إقامتها نتيجة عدم اجتماع العدد والتصدي لإقامتها.

الخامسة : موثقة الفضل بن عبد الملك : «سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : إذا كان قوم في قرية صلّوا الجمعة أربع ركعات فإذا كان لهم من يخطب لهم جمّعوا إذا كانوا خمس نفر ، وإنّما جعلت ركعتين لمكان الخطبتين» (٣). وقريب منها صحيحة زرارة (٤).

ويردها : ان المقصود جاز لهم أن يجمعوا لا أنّهم ملزمون بذلك بقرينة روايات الفرسخين كصحيحة محمد بن مسلم وزرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام : «تجب الجمعة على كل من كان منها على فرسخين» (٥) فلو‌

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ١ من أبواب صلاة الجمعة الحديث ١١.

(٢) وسائل الشيعة الباب ١ من أبواب صلاة الجمعة الحديث ١٦.

(٣) وسائل الشيعة الباب ٢ من أبواب صلاة الجمعة الحديث ٦.

(٤) وسائل الشيعة الباب ٢ من أبواب صلاة الجمعة الحديث ٤.

(٥) وسائل الشيعة الباب ٤ من أبواب صلاة الجمعة الحديث ٥.

٢٩٤

كانت إقامتها ابتداء لازمة وجب على من بعد فرسخين أن يقيمها في بلده لا أنه يعذر من الحضور فقط.

هذا مضافا إلى ان إقامتها ابتداء لو كانت واجبة تعيينا لاشتهر ذلك وشاع لشدّة الابتلاء في حين نرى ان ذلك لم يكن معهودا لدى أصحاب الأئمّة عليهم‌السلام ففي صحيحة زرارة : «حثّنا أبو عبد الله عليه‌السلام على صلاة الجمعة حتى ظننت انه يريد أن نأتيه فقلت نغدوا عليك فقال : لا انما عنيت عندكم» (١). وفي صحيحة عبد الملك عن أبي جعفر عليه‌السلام : «مثلك يهلك ولم يصل فريضة فرضها الله قال : قلت كيف أصنع؟ قال : صلّوا جماعة يعني صلاة الجمعة» (٢).

ومن خلال هذا ننتهي الى ان صلاة الجمعة واجبة تعيينا في مرحلة البقاء دون الحدوث.

أدلة عدم المشروعية‌

استدل لعدم المشروعية بعدّة وجوه (٣) :

الأوّل : ما نسب إلى ابن إدريس من ان وجوب الظهر ثابت بيقين ولا يعدل عنه إلاّ بيقين مثله‌ لأنّ اليقين لا ينقضه الشك أبدا للإجماع وللرواية الصحيحة : «ليس ينبغي أن تنقض اليقين بالشك أبدا» (٤).

وفيه : ان وجوب الظهر يوم الجمعة مشكوك ولم يثبت بيقين.

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ٥ من أبواب صلاة الجمعة الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة الباب ٥ من أبواب صلاة الجمعة الحديث ٢.

(٣) ذكرت في الحدائق الناضرة ٩ : ٤٣٦ وغيره.

(٤) وسائل الشيعة الباب ٤١ ، ٤٤ من أبواب النجاسات.

٢٩٥

والتفسير الذي ذكره للرواية باطل.

الثاني : ان شرط انعقاد الجمعة الامام أو من نصبه ، وهو منتف زمن الغيبة.

وفيه : ان الشرط المذكور أوّل الكلام بل هو منفي بعدم إشارة النصوص إليه.

الثالث : دعاء الامام السجّاد في الصحيفة ليوم الجمعة : «اللهمّ ان هذا المقام مقام لخلفائك وأصفيائك ... قد ابتزوها وأنت المقدّر لذلك ... حتى عاد صفوتك وخلفاؤك مغلوبين مقهورين ...» (١).

وفيه : انه لا إشكال في كون الامام عليه‌السلام أحقّ باداء الجمعة مع وجوده وذلك من مناصبه الخاصّة كالقضاوة والولاية وانما الكلام في غيبته.

٢ ـ واما انها ركعتان كالصبح‌ فهو مضافا إلى كونه من المسلّمات يستفاد من موثق سماعة عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «صلاة الجمعة مع الامام ركعتان ، فمن صلّى وحده فهي أربع ركعات» (٢) وغيره.

٣ ـ واما انه تتقدّمها خطبتان يقرأ فيهما ما ذكر‌ فلموثق سماعة الآخر عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «يخطب يعني امام الجمعة وهو قائم يحمد الله ويثني عليه ثم يوصي بتقوى الله ثمّ يقرأ سورة من القرآن صغيرة ثم يجلس ثم يقوم فيحمد الله ويثني عليه ويصلّي على محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلى أئمة المسلمين ويستغفر للمؤمنين والمؤمنات فإذا فرغ من هذا أقام المؤذن فصلّى بالناس ركعتين ...» (٣) وغيره.

__________________

(١) الصحيفة السجّادية دعاء رقم ٤٨.

(٢) وسائل الشيعة الباب ٦ من أبواب صلاة الجمعة الحديث ٢.

(٣) وسائل الشيعة الباب ٢٥ من أبواب صلاة الجمعة الحديث ٢.

٢٩٦

كتاب الصّوم‌

١ ـ مفطرات الصوم

٢ ـ شرائط صحّة الصوم

٣ ـ أحكام عامّة للصوم‌

٢٩٧
٢٩٨

١ ـ مفطرات الصوم‌

الصوم هو الامساك قربة عن المفطرات. وهي :

١ ـ الأكل والشرب بلا فرق بين المعتاد وغيره ولا بين الطريق المعتاد وغيره ، ولا بين القليل والكثير.

ولا يجوز ابتلاع ما يخرج من الصدر أو ينزل من الرأس إذا وصل فضاء الفم.

ولا بأس باستعمال الابرة أو القطرة في الاذن ونحوهما وكذا تناول ما تجمع من البصاق في الفم.

ولا يجب تخليل الأسنان إلاّ مع العلم بوصول الطعام إلى الجوف بتركه.

٢ ـ الجماع قبلا أو دبرا فاعلا أو مفعولا.

ولو قصد الجماع وشك في الدخول أو بلوغ مقدار الحشفة وجب القضاء دون الكفارة.

وإذا قصد التفخيذ فدخل في أحد الفرجين بلا قصد لم يجب القضاء.

٣ ـ إنزال المني بعد تهيئة الأسباب المؤدية إليه ، اما إذا نزل بلا قصد فلا شي‌ء.

٢٩٩

٤ ـ تعمد البقاء على الجنابة حتى يطلع الفجر.

٥ ـ الكذب على الله سبحانه أو رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو أحد المعصومين عليهم‌السلام في رأي كثير.

٦ ـ ايصال الغبار الى الحلق في رأي.

٧ ـ رمس الرأس في الماء.

٨ ـ الاحتقان بالمائع. ومع الشكّ يجوز.

٩ ـ تعمّد القي‌ء.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما اعتبار القربة في الصوم شرعا بالرغم من عدم اعتبارها فيه لغة‌ فلارتكاز المتشرّعة الذي لا يحتمل وصوله من غير الشرع. ويمكن استفادته أيضا من الأحاديث الدالّة على بناء الإسلام على خمسة : الصلاة والزكاة والحج والصوم والولاية (١) ، فانه لا يحتمل بناء الإسلام على الإمساك غير القربي. على ان الانضمام الى الصلاة ونحوها التي هي قربية جزما قد يؤكد الدلالة على المطلوب.

٢ ـ واما اعتبار كونه عن المفطرات الخاصة‌ فمضافا إلى قضاء ارتكاز المتشرّعة بذلك تدل عليه الأدلّة الدالّة على مفطرية ما ذكر بعد ضمّ البراءة عن مفطرية غيرها إليها.

٣ ـ واما مفطرية الأكل والشرب‌ فمضافا إلى وضوحها بين جميع المسلمين يدل عليها قوله تعالى : (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ) (٢) ،

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ١ من أبواب مقدمة العبادات.

(٢) البقرة : ١٨٧.

٣٠٠