دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي على المذهب الجعفري - ج ١

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي على المذهب الجعفري - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الفقه للطباعة والنشر
المطبعة: برهان
الطبعة: ٢
ISBN: 964-499-035-8
ISBN الدورة:
964-499-048-X

الصفحات: ٥٧٦

والمناسب طرحها من باب مخالفتها للسنّة القطعيّة ـ الثابتة بالروايات المتكثرة ـ فإنّ المخالف للكتاب ما دام يطرح لكونه (الكتاب الكريم) يمثّل الحكم الإلهي القطعي فكذلك يلزم في المخالف لها.

٣ ـ واما بطلان الثنائية بالشك‌ فلعدّة روايات كموثقة سماعة : «سألته عن السهو في صلاة الغداة فقال : إذا لم تدر واحدة صلّيت أم اثنتين فأعد الصلاة من أوّلها. والجمعة أيضا إذا سها فيها الامام فعليه أن يعيد الصلاة لأنها ركعتان» (١) وغيرها.

ولا يضر اضمار الموثقة بعد كون المضمر من الأجلّة الذين لا تليق بهم الرواية عن غير الامام عليه‌السلام أو لان ذكر الضمير بلا مرجع معهود أمر غير مألوف ، وحيث لا يوجد من هو معهود لدى الجميع سوى الامام عليه‌السلام فيتعيّن رجوع الضمير إليه.

ثمّ انه يمكن التمسّك للبطلان أيضا بالروايات السابقة الدالة على البطلان بالشك في الأوّليتين كما هو واضح.

هذا وفي مقابل ما ذكر موثقة عمّار : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل لم يدر صلّى الفجر ركعتين أو ركعة؟ قال : يتشهّد وينصرف ثم يقوم فيصلّي فإن كان قد صلّى ركعتين كانت هذه تطوّعا وان كان قد صلّى ركعة كانت هذه تمام الصلاة ...» (٢).

بيد انه يلزم طرحها لمخالفتها للسنّة القطعية على ما تقدّم. هذا مضافا إلى هجران مضمونها لدى الأصحاب فان الصدوق قد نسب إليه في المسألة التخيير بين الإعادة والبناء على الأقل دون البناء على الأكثر.

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ٢ من أبواب الخلل الحديث ٨.

(٢) وسائل الشيعة الباب ٢ من أبواب الخلل الحديث ١٢.

٢٦١

هذا كلّه في الفجر : واما تعميم الحكم لكل ثنائية فيمكن إثباته بعموم التعليل الوارد في موثقة سماعة المتقدّمة.

٤ ـ واما بطلان المغرب بالشكّ‌ فللروايات الكثيرة كصحيحة حفص وغيره عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «إذا شككت في المغرب فأعد ...» (١) وغيرها. هذا ولكن ورد في موثقة عمّار المتقدّمة : «... قلت : فصلّى المغرب فلم يدر اثنتين صلّى أم ثلاثا قال : يتشهّد وينصرف ثم يقوم فيصلّي ركعة فإن كان صلّى ثلاثا كانت هذه تطوّعا وإن كان صلّى اثنتين كانت هذه تمام الصلاة. وهذا والله ممّا لا يقضى أبدا» (٢) إلاّ ان المضمون المذكور مهجور لدى الأصحاب لعدم قائل به فإنّ المنسوب الى الصدوق التخيير بين الإعادة والبناء على الأقل دون الأكثر. ولعل الذيل يشير به الامام عليه‌السلام إلى ان ذلك ـ أي المضمون المذكور ـ ممّا لا يحكم به أحد.

٥ ـ واما ان حكم الشك بين الثنتين والثلاث ما تقدّم‌ فهو المشهور وإن كان المنقول عن الصدوق في الفقيه البناء على الأقلّ وفي المقنع الحكم بالبطلان وعن والده التخيير بين البناء على الأقل ـ مع التشهد في كلّ ركعة ـ والبناء على الأكثر (٣).

ويدل على حكم المشهور ـ بالرغم من عدم ورود رواية خاصّة ـ عموم موثقة عمّار المتقدّمة. بيد أن الموثقة المذكورة تعين القيام في ركعة الاحتياط دون التخيير بينه وبين الجلوس إلاّ أن يقطع بعدم الفرق‌

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ٢ من أبواب الخلل الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة الباب ٢ من أبواب الخلل الحديث ١٢.

(٣) الحدائق الناضرة ٩ : ٢١٠.

٢٦٢

بين هذه الصورة والصورة الآتية التي قيل فيها بالتخيير كما نسب التعليل بذلك إلى المشهور.

ثمّ انه توجد في هذه الصورة ثلاث روايات ثنتان تدلاّن على لزوم البناء على الأقل وهما صحيح زرارة عن أحدهما عليهما السّلام : «... رجل لا يدري اثنتين صلّى أم ثلاثا؟ قال : ان دخل الشك بعد دخوله في الثالثة مضى في الثالثة ثمّ صلّى الاخرى ولا شي‌ء عليه ويسلّم» (١) بتقريب ان المقصود من الدخول في الثالثة الدخول فيما يحتمل كونه ثالثة ثمّ يصلّي الثالثة والرابعة ويسلّم.

ويردها : ان ما في اليد يحتمل كونه ثانية أيضا ، وقد تقدّم وجود ما يتجاوز عن خمس عشرة رواية تدل على البطلان بالشك قبل إحراز الثنتين فيكون ما ذكر مخالفا للسنّة القطعيّة فيطرح.

وصحيح العلاء : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل صلّى ركعتين وشك في الثالثة قال : يبني على اليقين فإذا فرغ تشهد وقام قائما فصلّى ركعة بفاتحة الكتاب» (٢).

ويرده : ان المقصود من البناء على اليقين هو البناء على الأكثر والاحتياط بعد السلام بركعة إذ لو كان المقصود البناء على الأقل فلا وجه للاحتياط بركعة.

والرواية الثالثة صحيحة عبيد عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «سألته عن رجل لم يدر ركعتين صلّى أم ثلاثا؟ قال : يعيد ، قلت : أليس يقال لا يعيد‌

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ٩ من أبواب الخلل الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة الباب ٩ من أبواب الخلل الحديث ٢.

٢٦٣

الصلاة فقيه؟ قال : إنّما ذلك بين الثلاث والأربع» (١). ولكنّها مخالفة للروايات الكثيرة الدالّة على دخول السهو في الأخيرتين ـ والتي تشكّل عنوان السنّة القطعيّة ـ فإنّه بناء على الصحيحة المذكورة يلزم دخول السهو في خصوص الرابعة.

٦ ـ واما التقييد باتمام مقدار الذكر الواجب‌ فلانه به يتحقّق إكمال الركعتين الأوّليتين اللتين لا يدخل فيهما السهو ، ففي صحيح محمّد بن مسلم : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يصلّي ولا يدري أواحدة صلّى أم ثنتين؟ قال : يستقبل حتى يستيقن أنّه قد أتمّ. وفي الجمعة وفي المغرب وفي الصلاة في السفر» (٢) وغيره دلالة واضحة على ذلك.

٧ ـ واما ان حكم الشكّ بين الثلاث والأربع ما تقدّم‌ فيقتضيه عموم موثقة عمّار المتقدّمة وبعض الروايات الخاصة كصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «... ان كنت لا تدري ثلاثا صلّيت أم أربعا ولم يذهب وهمك إلى شي‌ء فسلم ثمّ صلّ ركعتين وأنت جالس تقرأ فيهما بأمّ الكتاب ...» (٣).

وإذا قيل : إن صحيحة محمّد بن مسلم : «... ومن سها فلم يدر ثلاثا صلّى أم أربعا واعتدل شكّه قال : يقوم فيتمّ ثمّ يجلس فيتشهّد ويسلّم ويصلّي ركعتين وأربع سجدات وهو جالس ...» (٤) تدل على لزوم البناء على الأقل لأنّ المقصود يقوم فيتمّ ركعة رابعة.

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ٩ من أبواب الخلل الحديث ٣.

(٢) وسائل الشيعة الباب ١ من أبواب الخلل الحديث ٧.

(٣) وسائل الشيعة الباب ١٠ من أبواب الخلل الحديث ٥.

(٤) وسائل الشيعة الباب ١٠ من أبواب الخلل الحديث ٤.

٢٦٤

كان الجواب : لو كان ذلك هو المقصود فلا معنى لصلاة الاحتياط بعد ذلك.

٨ ـ واما التخيير في ركعة الاحتياط‌ فقد قيل هو مقتضى الجمع بين الأخبار لكننا لم نعثر على رواية معتبرة تدل على جواز القيام إلاّ ان يستفاد ذلك من صحيحة زرارة عن أحدهما عليهما السّلام : «... إذا لم يدر في ثلاث هو أو في أربع قام فأضاف إليها أخرى ولا شي‌ء عليه ولا ينقض اليقين بالشك ولا يدخل الشك في اليقين ولا ...» (١) فإنّه بضم قوله «قام فأضاف ...» الى النهي عن الخلط قد يستفاد اعتبار الاتيان بركعة منفصلة من قيام.

ويبقى على هذا الاحتياط بتعيّن الجلوس مناسبا.

٩ ـ واما حكم الشك بين الثنتين والأربع‌ بما تقدّم فهو المشهور ـ وقيل بالتخيير بينه وبين الاستئناف وبالتخيير بينه وبين البناء على الأقل ـ لعموم موثقة عمّار المتقدّمة ولصحيح زرارة عن أحدهما عليهما السّلام : «... من لم يدر في اثنيين هو أو في أربع قال : يسلّم ويقوم فيصلّي ركعتين ثمّ يسلّم ولا شي‌ء عليه» (٢) وغيره.

وإذا قيل : كيف الموقف مع مضمرة محمّد بن مسلم : «سألته عن الرجل لا يدري صلّى ركعتين أم أربعا قال : يعيد الصلاة» (٣).

كان الجواب : إذا قلنا بعدم إمكان التخيير في الأوامر الإرشادية يتمّ التساقط ونرجع إلى عموم موثقة عمّار المتقدّمة. وإذا قلنا بإمكانه‌

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ١ من أبواب الخلل الحديث ٣.

(٢) وسائل الشيعة الباب ١١ من أبواب الخلل الحديث ٤.

(٣) وسائل الشيعة الباب ١١ من أبواب الخلل الحديث ٧.

٢٦٥

فيمكن أن يجاب بأن محمّد بن مسلم نفسه روى : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل صلّى ركعتين فلا يدري ركعتين هي أو أربع؟ قال : يسلّم ثمّ يقوم فيصلّي ركعتين بفاتحة الكتاب ويتشهّد وينصرف وليس عليه شي‌ء» (١). ومن البعيد سؤاله عن قضية واحدة مرّتين فتسقط لعدم العلم بالصادر.

وممّا يؤكّد ذلك انه لو كان ـ لنكتة ـ قد سأل مرّتين فمن المناسب سؤاله الامام عليه‌السلام عن نكتة اختلاف الجواب.

١٠ ـ واما اعتبار اتمام الذكر الواجب‌ فلانه بدونه لا يحرز اتمام الأوليتين.

١١ ـ واما ان حكم الشاك بين الثنتين والثلاث والأربع ما ذكر‌ فيقتضيه عموم موثقة عمّار المتقدّمة فإن أحد الطرق التي يحصل بها إتمام ما يحتمل نقصانه هو ذلك. هذا مضافا الى دلالة صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي إبراهيم عليه‌السلام : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل لا يدري اثنتين صلّى أم ثلاثا أم أربعا ، فقال : يصلّي ركعتين من قيام ثمّ يسلّم ثمّ يصلّي ركعتين وهو جالس» (٢) على ذلك. والسند صحيح بناء على وثاقة العطار من خلال شيخوخة الإجازة.

وإذا كانت نسخ الفقيه مختلفة حيث ورد في بعضها «ركعة» فبالإمكان تقوية احتمال نسخة «ركعتين» إلى درجة الاطمئنان ببعض القرائن التي منها مرسلة ابن أبي عمير عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «رجل صلّى فلم يدر اثنتين صلّى أم ثلاثا أم أربعا ، قال :

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ١١ من أبواب الخلل الحديث ٦.

(٢) وسائل الشيعة الباب ١٣ من أبواب الخلل الحديث ١.

٢٦٦

يقوم فيصلّي ركعتين من قيام ويسلّم ثمّ يصلّي ركعتين من جلوس ويسلّم ...» (١).

وانما لم نعدها دليلا بنفسها من جهة انا حتى لو قبلنا كبرى عدم رواية ابن أبي عمير وصاحبيه إلاّ عن ثقة فذلك ينفع فيما لو صرّح باسم من يروي عنه ليحرز بذلك عدم الجارح له دون ما لو سكت لصيرورة المقام من قبيل الشبهة المصداقية بعد ثبوت جرح خمسة من مشايخه كعلي بن حديد ويونس بن ظبيان.

١٢ ـ واما التقييد باتمام الذكر‌ فلما تقدّم.

١٣ ـ واما حكم الشاك بين الأربع والخمس بعد ذكر السجدة الأخيرة‌ فلا يمكن استفادته من عموم موثقة عمّار بل من صحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «إذا لم تدر خمسا صلّيت أم أربعا فاسجد سجدتي السهو بعد تسليمك وأنت جالس ثم سلّم بعدهما» (٢) وغيرها.

والتقييد بما بعد ذكر السجدة الأخيرة لاستظهاره من التعبير بالفعل الماضي «صلّيت».

١٤ ـ واما الحكم على الشاك بين الأربع والخمس حالة القيام‌ بما تقدم فلانه مصداق حقيقة للصورة الثانية التي وردت فيها صحيحة الحلبي : «... ان كنت لا تدري ثلاثا صلّيت أم أربعا ...» (٣) ، إذ ما دام الشك حالة القيام فلا يصدق : خمسا صليت أم أربعا بل يصدق : ثلاثا صلّيت أم أربعا.

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ١٣ من أبواب الخلل الحديث ٤.

(٢) وسائل الشيعة الباب ١٤ من أبواب الخلل الحديث ٣.

(٣) وسائل الشيعة الباب ١٠ من أبواب الخلل الحديث ٥.

٢٦٧

وانما يهدم القيام ـ ولا تكمل الركعة كما هو الحال في من شك بين الثلاث والأربع حقيقة ـ من جهة جزم المكلف بإكمال الرابعة لفرض بنائه على ذلك.

أجل لا بدّ من افتراض عدم الدخول في الركوع وإلاّ كان زيادة ركنية لأنه قد بنى على كون الركعة السابقة رابعة.

وبهذا يتّضح ان المقصود من التعبير ب «حال القيام» حال ما قبل الركوع.

كما يتضح انه لا محذور في الحكم بصحة الصلاة سوى الزيادة الحاصلة بعد الركعة المبني على انها رابعة ولا ضير في ذلك لحديث لا تعاد بعد عدم كونها زيادة ركنية.

٢ ـ صلاة المسافر‌

تقصر الصلاة الرباعية بالسفر إلى ثنتين بشرط :

القصد المستمر لقطع المسافة (ثمانية فراسخ) امتدادية أو ملفقة ولو لمن لم يرد الرجوع في اليوم نفسه.

وعدم قصد المرور بالوطن أو إقامة عشرة قبل بلوغ المسافة.

وأن يكون السفر مباحا.

وعدم اتخاذ السفر عملا.

وان لا يكون ممّن بيته معه.

والوصول الى حد الترخّص ، وهو المكان الذي لا يرى فيه أهل البلد أو لا يسمع فيه صوت اذانه.

٢٦٨

والمستند في ذلك :

١ ـ اما لزوم القصر في السفر وعدم التخيير بينه وبين الاتمام‌ ـ كما هو لدى العامة ـ فمما لم يقع فيه خلاف بيننا بل هو من الضروريات.

وفي الحديث : ان التقصير صدقة منّ الله سبحانه بها على المسافرين. وهل يسر أحدكم إذا تصدّق بصدقة أن ترد عليه (١).

وفي حديث زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام : «سمى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قوما صاموا حين أفطر وقصر عصاة وقال هم العصاة إلى يوم القيامة وانا لنعرف أبناءهم وأبناء أبناءهم إلى يومنا هذا» (٢).

٢ ـ واما ان القصر يختص بالرباعية وبحذف ركعتين‌ فهو من الضروريات أيضا. ويمكن استفادته من بعض النصوص (٣).

٣ ـ واما اشتراط القصر بقصد قطع مسافة معينة‌ فهو ممّا لا خلاف فيه بيننا. ونسب إلى داود بن علي الظاهري ومحمّد بن الحسن الاكتفاء بصدق عنوان المسافر (٤).

٤ ـ واما ان مقدار المسافة المعيّنة ثمانية فراسخ‌ فلم ينقل الخلاف فيه إلاّ عن الكليني فقيل باكتفائه بأربعة (٥). ولعلّ ذلك لاقتصاره على ذكر روايات البريد تحت الباب الذي عنونه ب «حد المسير‌

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ٢٢ من أبواب صلاة المسافر الحديث ٧.

(٢) وسائل الشيعة الباب ٢٢ من أبواب صلاة المسافر الحديث ٥.

(٣) وسائل الشيعة الباب ١٦ من أبواب صلاة المسافر.

(٤) الحدائق الناضرة ١١ : ٣٠٠ ، وجواهر الكلام ١٤ : ١٩٣.

(٥) الحدائق الناضرة ١١ : ٣١٦.

٢٦٩

الذي تقصر فيه الصلاة».

وعلى أي حال دلّت الروايات الكثيرة التي تتراوح بين ٢٠ ـ ٣٠ رواية على تحديد المسافة بما ذكر ، فقد ورد التعبير بالثمان ، وبياض يوم ، وبريدين ، و ٢٤ ميلا ، ومسيرة يوم ، وبريد في بريد. والكل واحد.

وبعض الروايات عبّر ببريد ذاهبا وبريد جائيا ، وبريد ، ومسيرة ١٢ ميلا ، وأربعة فراسخ. وذلك محمول على من يقصد الرجوع (١).

وفي مقابل هذا المجموع دلّت روايات ثلاث على غير ذلك ، ففي صحيحة زكريا بن آدم انها مسيرة يوم وليلة (٢) وفي رواية أبي بصير انها مسيرة يومين (٣) وفي صحيحة ابن أبي نصر انها ثلاثة برد (٤).

وقد قيل بلزوم حملها على التقيّة لوجود أقوال لبعض العامّة توافق مضمون كلّ واحدة منها.

وفيه : ان مجرّد وجود قول لبعض العامّة لا يصحح الحمل على التقيّة بعد عدم كون الطابع العام كذلك. اللهمّ إلاّ إذا بنينا على ما اختاره صاحب الحدائق من عدم اشتراط الحمل على التقية باختبار العامة لمضمون الرواية بل يكفي كون الغرض القاء الخلاف في الأوساط الشيعية تحفّظا عليها من وحدة الكلمة المستلزمة لمعروفية رأيهم (٥).

إلاّ ان هذا الرأي ضعيف لأنّ الأمر بالأخذ بالمخالف وطرح‌

__________________

(١) يمكن مراجعة مجموع الروايات المذكورة في الأبواب الاولى من صلاة المسافر من وسائل الشيعة.

(٢) وسائل الشيعة الباب ١ من أبواب صلاة المسافر الحديث ١.

(٣) وسائل الشيعة الباب ١ من أبواب صلاة المسافر الحديث ٩.

(٤) وسائل الشيعة الباب ١ من أبواب صلاة المسافر الحديث ١٠.

(٥) الحدائق الناضرة ، المقدمة الاولى من مقدمات الكتاب ١ : ٤.

٢٧٠

الموافق يدل على اختصاص الحمل على التقية بحالة الموافقة فقط.

ولعلّ الأنسب أن يقال : ان روايات تقدير المسافة بثمان لكثرتها الكاثرة يمكن أن تشكّل عنوان السنّة القطعية ويلزم طرح الروايات الثلاث لمخالفتها لها لأنّ الأمر بطرح مخالف الكتاب الكريم ليس إلاّ من جهة انه (الكتاب الكريم) يمثّل حكم الله سبحانه القطعي وذلك ثابت في السنّة القطعية أيضا فيلزم طرح مخالفها.

٥ ـ واما اعتبار القصد‌ فلموثقة عمّار عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «سألته عن الرجل يخرج في حاجة فيسير خمسة فراسخ أو ستّة فراسخ ويأتي قرية فينزل فيها ثم يخرج منها فيسير خمسة فراسخ اخرى أو ستّة فراسخ لا يجوز ذلك ، ثمّ ينزل في ذلك الموضع. قال : لا يكون مسافرا حتى يسير من منزله أو قريته ثمانية فراسخ فليتم الصلاة» (١) أي لا يصير مسافرا شرعا إلاّ إذا سار بقصد الثمانية.

ويمكن الاستدلال على المدعى أيضا بأنّ تحقّق قطع المسافة خارجا لما لم يكن معتبرا في وجوب القصر فيلزم كون المعتبر هو القصد.

وبكلمة اخرى : لما جاز التقصير عند حدّ الترخص مع عدم تحقّق قطع المسافة خارجا فلازم ذلك كون المدار على قصد القطع.

٦ ـ واما انه لا يلزم في المسافة أن تكون امتدادية بل تكفي التلفيقية‌ فلان الروايات في المقام على ثلاثة أصناف :

بعضها ، كموثقة سماعة : «سألته عن المسافر في كم يقصر‌

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ٤ من أبواب صلاة المسافر الحديث ٣.

٢٧١

الصلاة؟ فقال : في مسيرة يوم وهي ثمانية فراسخ» (١) جعل المدار على الثمانية.

وبعضها الآخر كصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام : «التقصير في بريد ، والبريد أربعة فراسخ» (٢) جعل المدار على أربعة.

وثالث ، كصحيح معاوية بن وهب : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أدنى ما يقصر فيه المسافر الصلاة؟ قال : بريد ذاهبا وبريد جائيا» (٣) جعل المدار على البريد ذاهبا إذا انضم إليه البريد جائيا.

وبالثالث يحصل الجمع بين الأولين ، بل في صحيح محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام : «سألته عن التقصير ، قال : في بريد. قلت : بريد؟ قال : انه ذهب بريدا ورجع بريدا فقد شغل يومه» (٤) تصريح بذلك.

٧ ـ واما عدم اعتبار الرجوع في اليوم نفسه في المسافة الملفقة‌ فقد وقع محلا للاختلاف فالمنسوب إلى المشهور أن قاصد الرجوع ليومه ملزم بالتقصير وغيره بالخيار بينه وبين الاتمام. وعن ثان الالزام بالاتمام لمن لم يقصد الرجوع ليومه. وعن ثالث الالزام بالقصر مطلقا. وهو الصحيح لوجهين :

الأوّل : التمسّك بإطلاق صحيحة معاوية بن وهب المتقدّمة : «قال : بريد ذاهبا وبريد جائيا». ودعوى انصرافه إلى العود في نفس اليوم أو الليلة لا نعرف لها وجها خصوصا في مثل ذلك الزمان.

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ١ من أبواب صلاة المسافر الحديث ١٣.

(٢) وسائل الشيعة الباب ٢ من أبواب صلاة المسافر الحديث ١.

(٣) وسائل الشيعة الباب ٢ من أبواب صلاة المسافر الحديث ٢.

(٤) وسائل الشيعة الباب ٢ من أبواب صلاة المسافر الحديث ٩.

٢٧٢

الثاني : التمسّك بما دلّ على ان أهل مكّة إذا قصدوا الحجّ وخرجوا إلى عرفات قصروا كصحيح معاوية عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «ان أهل مكة يتمّون الصلاة بعرفات؟ فقال : ويلهم أو ويحهم وأي سفر أشد منه. لا تتمّ» (١) وغيره بعد الالتفات إلى ان المسافة إلى عرفات أربعة فراسخ والعود ليس في اليوم نفسه.

وإذا لم يلزم العود في اليوم نفسه فبأي مقدار يجوز أن تكون الفترة المتخللة؟ مقتضى اطلاق صحيح معاوية عدم تحديدها بشي‌ء. غايته يلزم تقييد الإطلاق بأمرين : صدق عنوان المسافر وعدم تحقّق أحد قواطع السفر من قبيل قصد إقامة عشرة أو البقاء ثلاثين يوما ونحو ذلك.

ووجه الأوّل : ان ظاهر بعض الروايات ـ كموثق عمّار المتقدّم في الرقم ٥ ـ اناطة وجوب القصر بصدق عنوان المسافر.

ووجه الثاني واضح.

هذا وقد يستدلّ على وجوب التمام لمن لا يريد الرجوع في يومه بصحيح محمّد بن مسلم المتقدّم : «سألته عن التقصير ، قال : في بريد. قلت : في بريد؟ قال : انه ذهب بريدا ورجع بريدا فقد شغل يومه» فان السفر الشاغل لليوم لا يتحقّق إلاّ بالعودة في اليوم نفسه.

وفيه : ان ذيل الصحيح ليس له ظهور قوي يصلح لمعارضة روايات عرفات ولا بدّ من حمله على بعض المحامل من قبيل ان ضم الاياب الى الذهاب يساوي من حيث المقدار شغل اليوم. ولو كان المدار‌

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ٣ من أبواب صلاة المسافر الحديث ١.

٢٧٣

على ذلك بنحو الدقة يلزم عدم ثبوت التقصير على من كان ذهابه وعوده في ليلة واحدة أو كان ذهابه في اليوم وإيابه في الليل متّصلا به.

٨ ـ واما اعتبار استمرار القصد‌ فلانه مع عدمه اما ان يفرض الرجوع وعدم الاستمرار في قطع المسافة ، ولزوم الاتمام فيه واضح لعدم تحقّق المسافة التي هي شرط القصر ، أو يفرض الاستمرار في قطع المسافة ، وفي مثله يجب الاتمام أيضا لأنّ ظاهر موثقة عمّار المتقدّمة الدالة على اعتبار القصد اعتباره في جميع المسافة.

٩ ـ واما اعتبار عدم قصد المرور بالوطن‌ فلم ينقل فيه خلاف. وتحقيق حاله يحتاج إلى البحث عن نقطتين :

احداهما : لما ذا كان المرور بالوطن ولو بدون قصد مسبق قاطعا لحكم السفر بحيث يحتاج الى قصد مسافة جديدة بعده ولا ينضم ما سبق إلى ما يأتي؟

ثانيتهما : لما ذا كان قصد المرور بالوطن مانعا من الحكم بالقصر وان لم يتحقّق المرور به فعلا؟

اما بالنسبة الى النقطة الأولى فلان الخارج من وطنه ثانيا كالخارج منه أوّلا في ان دليل وجوب القصر يحكم عليه بعدم ثبوت القصر إلاّ بعد ثمانية فراسخ من بعد الوطن.

واما بالنسبة إلى النقطة الثانية فلان ظاهر دليل اعتبار القصد ـ وهو موثق عمّار المتقدّم في الرقم ٥ ـ اعتبار صدق المسافر طيلة المسافة وان يكون القصد منذ البداية متعلّقا بالمسافة التي يصدق طيلتها عنوان المسافر.

٢٧٤

١٠ ـ واما اعتبار عدم قصد الاقامة قبل بلوغ المسافة‌ فهو ممّا لا خلاف فيه أيضا. ويحتاج توضيح الحال فيه إلى بيان نقطتين :

الأولى : لما ذا كانت الإقامة في مكان قبل بلوغ المسافة ولو بدون قصد مسبق قاطعة للسفر بحيث يحتاج القصر إلى قصد مسافة جديدة ولا ينضم ما يأتي إلى ما سبق؟

الثانية : لما ذا كان قصد الإقامة قبل بلوغ المسافة قاطعا للسفر ولو لم تتحقّق الإقامة فعلا؟

اما بالنسبة الى النقطة الاولى فالحال فيها واضح بناء على ان الاقامة عشرة قاطعة للسفر موضوعا وحكما ـ لا حكما فقط ـ حيث يصير محل الإقامة بمنزلة الوطن.

واما بناء على قاطعيتها للحكم فقط فيشكل الأمر لصدق عنوان المسافر طيلة المسافة المقصودة.

وقد يستدل لذلك بصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام : «من قدم قبل التروية بعشرة أيّام وجب عليه إتمام الصلاة وهو بمنزلة أهل مكّة ، فإذا خرج إلى منى وجب عليه التقصير فإذا زار البيت أتمّ الصلاة ، وعليه إتمام الصلاة إذا رجع إلى منى حتى ينفر» (١) ، فإنّه دلّ على ان الخروج الأول إلى منى يوجب القصر لفرض قصد الذهاب إلى عرفات التي يبلغ الذهاب إليها والعود منها مقدار المسافة ، وهذا بخلافه في الخروج الثاني فإنّه لا يوجب القصر لعدم قصد المسافة ، وهذا لا يتمّ إلاّ بناء على ان الاقامة عشرة في مكان قاطعة للسفر السابق ويحتاج العود إلى‌

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ٣ من أبواب صلاة المسافر الحديث ٣.

٢٧٥

القصر الى قصد مسافة جديدة وإلاّ كان المناسب الحكم بالقصر في الخروج الثاني إلى منى أيضا.

ولربّما يمكن التمسّك لذلك أيضا بصدر الرواية : «وهو بمنزلة أهل مكة».

بل قد يتمسّك لذلك أيضا باستصحاب وجوب التمام الثابت في محل الإقامة وقبل بلوغ حدّ الترخص.

وفي الكلّ نظر.

أما الأوّل فلان الإقامة عشرة انما تمنع من القصر لو لم ينتف مفعولها بالسفر الشرعي ، والمفروض تحقّقه بالسفر الى عرفات ، ومعه فالحكم بالاتمام في الخروج الثاني الى منى قضية لا ينفع الاستدلال بها في المقام.

واما الثاني فلاحتمال كون المقصود من جملة : «وهو بمنزلة أهل مكّة» انه بمنزلتهم في الحكم بوجوب التمام لا أكثر.

واما الثالث فلان الأصل لا تصل النوبة إليه بعد المطلقات الدالة على ثبوت القصر في حق المسافر ثمانية فراسخ. هذا مضافا الى كونه تعليقيّا ، إذ المستصحب هو وجوب اداء الصلاة الجديدة تماما ان حلّ وقتها في المكان السابق.

هذا وقد يستدل على المطلوب بوجهين آخرين :

أحدهما : تطبيق القاعدة الكليّة التي استفادها بعض الأعلام من النصوص ، وهي ان كلّ من وجب عليه اداء الصلاة تماما لا تنتقل وظيفته إلى القصر إلاّ بقصد ثمانية فراسخ لموثق سماعة : «سألته عن المسافر في كم يقصر الصلاة؟ فقال : في مسيرة يوم ، وذلك بريدان ،

٢٧٦

وهما ثمانية فراسخ» (١) ، فانه يستفاد منه ان المكلف لا تنتقل وظيفته من التمام الى القصر إلاّ بعد قصد ثمانية فراسخ. وفي محل الاقامة حيث ان الوظيفة هي التمام فلا بد للانتقال الى القصر من قصد مسافة جديدة.

ثانيهما : ان يستظهر ممّا دلّ على وجوب القصر من حين الوصول إلى حدّ الترخص وحتى نهاية السفر ان وظيفة المكلف لا تصير قصرا إلاّ إذا كان يجب عليه القصر من حين بلوغ حدّ الترخص وحتى آخر المسافة ، ومعه فإذا كانت الوظيفة هي التمام وسط المسافة ـ كما هو المفروض في المقام لفرض تحقّق الإقامة في الاثناء ـ فلا تنتقل الى القصر بعد بلوغها.

وهذان الوجهان ان تمّ أحدهما أو كلاهما أخذنا به وإلاّ ينحصر المدرك بعدم الخلاف في حكم المسألة الذي يصلح الاستناد إليه في مقام الاحتياط دون الفتوى.

وامّا النقطة الثانية فالوجه فيها واضح بناء على زوال عنوان المسافر بالإقامة موضوعا ، فانه يضم إلى مقدّمة اخرى وهي انه يلزم في الحكم بالقصر قصد المسافة التي يصدق طيلتها عنوان المسافر ، فان تمّ ذلك وإلاّ فالحكم باعتبار عدم قصد الإقامة مشكل.

١١ ـ واما اعتبار إباحة السفر‌ فلم ينقل فيه خلاف. وتدلّ عليه صحيحة عبيد بن زرارة : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يخرج الى الصيد أيقصر أو يتمّ؟ قال : يتمّ ، لأنه ليس بمسير حقّ» (٢) وغيرها. ومقتضى التعليل عدم الفرق بين كون المسير بنفسه معصية‌

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ١ من أبواب صلاة المسافر الحديث ٨.

(٢) وسائل الشيعة الباب ٩ من أبواب صلاة المسافر الحديث ٤.

٢٧٧

أو كون الغاية منه ذلك.

١٢ ـ واما اعتبار عدم اتخاذ السفر عملا‌ فهو مورد للاتفاق في الجملة. ومهم الروايات ثلاث :

الأولى : صحيحة هشام بن الحكم عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «المكاري والجمال الذي يختلف وليس له مقام يتم الصلاة ويصوم شهر رمضان» (١).

الثانية : صحيحة زرارة : «قال أبو جعفر عليه‌السلام : أربعة قد يجب عليهم التمام في سفر كانوا أو حضر : المكاري والكري (٢) والراعي والاشتقان لأنه عملهم» (٣).

الثالثة : موثقة إسماعيل بن أبي زياد عن جعفر عن أبيه : «سبعة لا يقصرون الصلاة : الجابي الذي يدور في جبايته والأمير الذي يدور في امارته والتاجر الذي يدور في تجارته من سوق إلى سوق والبدوي الذي يطلب مواضع القطر ومنبت الشجر والرجل الذي يطلب الصيد يريد به لهو الدّنيا والمحارب الذي يقطع السبيل» (٤).

ولا اشكال في وجوب التمام على من كان السفر بنفسه عملا له ، وانما الكلام في من كان السفر مقدّمة لعمله فان مثله لم يقع التعرّض له في كلمات المتقدّمين بل المتأخرين أيضا فلم يتعرّض له مثلا في كلام‌

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ١١ من أبواب صلاة المسافر الحديث ١.

(٢) كري كغنيّ : كثير المشي. وكأنّ المراد به من يكري نفسه للمشي. والاشتقان أمين البيدر أو البريد. هكذا في الوافي ٧ : ١٦٥.

(٣) وسائل الشيعة الباب ١١ من أبواب صلاة المسافر الحديث ٢.

(٤) وسائل الشيعة الباب ١١ من أبواب صلاة المسافر الحديث ٩.

٢٧٨

الشيخ الهمداني أو السيّد الطباطبائي.

وقد يقال بوجوب التمام عليه لوجهين :

الأوّل : التمسّك بالتعليل : «لأنه عملهم» في صحيح زرارة فإنه يشمل من كان السفر مقدّمة لعمله بقرينة بعض الأمثلة كالراعي.

الثاني : التمسّك بجملة «وليس له مقام» في الرواية الاولى ، فإنّه يدل على ان المدار على عدم الاستقرار في مكان خاصّ ولو لم يكن السفر بنفسه عملا.

وبهذا يتّضح الحال في حكم مثل الطبيب الذي يسافر إلى محل عمله كل يوم أو يومين فإنّه يتم لصدق عنوان «لأنه عملهم» عليه من دون فرق بين محل عمله والطريق.

كما يتّضح وجوب التمام على من يهاجر الى مدينة للبقاء فيها فترة طويلة لطلب العلم أو غيره لأنه لا يصدق عليه عنوان المسافر وهو فيها ، وقد تقدم ان المستفاد من موثق عمار ـ المتقدم في الرقم ٥ ـ اناطة وجوب القصر بصدق عنوان المسافر. أجل في الطريق اليها لا يتمّ لأنه لا يصدق عليه ان السفر عمله ، كما ان عنوان المسافر ليس مسلوبا منه وهو فيه.

ويبقى تحديد الفترة التي يزول فيها عنوان المسافر قضية راجعة إلى العرف ، وهي تتأثر بالعوارض الخارجيّة كشراء دار واتخاذ عمل وما شاكل ذلك.

١٣ ـ واما اعتبار أن لا يكون ممّن بيته معه‌ فلموثق إسحاق بن عمّار : «سألته عن الملاحين والاعراب هل عليهم تقصير؟ قال : لا ،

٢٧٩

بيوتهم معهم» (١). على ان القاعدة تقتضي ذلك أيضا فإنّه لعدم الاستقرار في مكان معيّن لا يصدق عنوان المسافر عليه حتّى يجب القصر فيتمسّك بالمطلقات الدالة على وجوب الاتمام على طبيعي المكلف.

١٤ ـ واما اعتبار بلوغ حدّ الترخّص‌ فهو المشهور. ونسب إلى علي بن بابويه والد الشيخ الصدوق جواز التقصير من حين الخروج من المنزل (٢).

واختلف المشهور في ان المعتبر كلا الخفاءين أو احدهما على البدل أو خصوص خفاء الاذان أو خصوص خفاء الجدران. ومنشأ ذلك اختلاف الروايات وكيفية الجمع بينها.

اما ما دل على اعتبار خفاء الجدران فصحيح محمّد بن مسلم : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجل يريد السفر فيخرج متى يقصر؟ قال : إذا توارى من البيوت» (٣).

واما ما دل على اعتبار خفاء الاذان فصحيح عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «سألته عن التقصير ، قال : إذا كنت في الموضع الذي تسمع فيه الاذان فأتم ، وإذا كنت في الموضع الذي لا تسمع فيه الاذان فقصر. وإذا قدمت من سفرك فمثل ذلك» (٤).

وفي مقام الجمع قد يطبق ما قرأناه في علم الاصول في مبحث‌

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ١١ من أبواب صلاة المسافر الحديث ٥.

(٢) الحدائق الناضرة ١١ : ٤٠٥.

(٣) وسائل الشيعة الباب ٦ من أبواب صلاة المسافر الحديث ١.

(٤) وسائل الشيعة الباب ٦ من أبواب صلاة المسافر الحديث ٣.

٢٨٠