دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي على المذهب الجعفري - ج ١

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي على المذهب الجعفري - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الفقه للطباعة والنشر
المطبعة: برهان
الطبعة: ٢
ISBN: 964-499-035-8
ISBN الدورة:
964-499-048-X

الصفحات: ٥٧٦

على حجيّته ـ إذا لم يكن كذلك أو للبراءة إذا تعذّر الرجوع الى الاستصحاب.

٩ ـ وأمّا عدم وجوب الاختبار‌ فلعدم الدليل عليه بعد اطلاق أدلّة البراءة. والعلم الإجمالي بوقوع كثير من الناس في المخالفة على تقدير عدم الاختبار غير منجز بعد رجوعه إلى الشك البدوي في وقوع المكلف ـ إذا التفت إلى نفسه فقط ـ في المخالفة وعدمها. واهتمام الشارع بإدراك الواقع في مثل هذه الموارد لا يمكن الجزم به.

١٠ ـ واما المخرج للمعدن من أرض غيره بدون اذنه‌ فتارة يفترض انه من توابعها ـ كما لو كان المعدن على بعد مترين أو ثلاثة في عمق الأرض ـ واخرى لا يكون كذلك ، كما لو كان على بعد عشرة كيلومترات أو عشرين.

فعلى الأوّل يكون المعدن لمالك الأرض لأنّ السيرة جرت على عدّ مالك الأرض مالكا لتوابعها من الأعلى والأسفل.

وعلى الثاني يكون للمخرج لأنّ كونه لمالك الأرض اما لنكتة الاحياء والحيازة أو للسيرة. وكلتاهما غير تامتين إذ الاحياء والحيازة صادقان على الأرض نفسها دون ما كان في أعماقها ، والسيرة دليل لبّي يقتصر فيه على القدر المتيقن دون الابعاد العليا والسفلى البعيدة ، ولذا لا يحتمل أحد ان مرور الطائرات في فضاء الأرض المملوكة للغير يتوقّف جوازه على اجازته.

وعليه فمن أدخل مكائنه أرض الغير واستنبط من أعماقها البعيدة النفط أو غيره من المعادن كان آثما لا أكثر.

١١ ـ واما ان الذي يجب تخميسه هو الباقي بعد استثناء مئونة

٣٨١

التحصيل‌ فلما ورد بنحو القانون العام عن أبي جعفر الثاني عليه‌السلام : «الخمس بعد المؤونة» (١). على ان موضوع وجوب الخمس ليس إلاّ الغنيمة والفائدة ـ كما دلّت عليه آية الغنيمة ـ وانما وجب في المعدن ونحوه من باب كونه مصداقا للغنيمة ، ومن الواضح ان العنوان المذكور لا يصدق إلاّ على الباقي بعد استثناء المؤونة.

١٢ ـ واما ان المدار على بلوغ المجموع مقدار النصاب دون خصوص الباقي بعد استثناء المؤونة‌ فلإطلاق البلوغ في صحيحة أحمد بن محمّد بن أبي نصر المتقدّمة ، ومعه فلا مجال لما اختاره صاحب الجواهر من لزوم كون المتبقى بمقدار النصاب تمسّكا بأصل البراءة بتقريب ان وجوب الخمس يقطع به إذا كان المتبقى بمقدار النصاب واما إذا كان المجموع قبل الاستثناء بالغا ذلك فحيث يشكّ في تعلّق الخمس به فينفى بالأصل (٢).

١٣ ـ واما تعلّق الخمس بالكنز فمما لا إشكال فيه‌ لصحيحة ابن أبي عمير عن غير واحد عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «الخمس على خمسة أشياء : على الكنوز والمعادن والغوص والغنيمة ونسي ابن أبي عمير الخامس» (٣) وغيرها.

ولا إشكال في السند من ناحية أحمد ولا من ناحية الإرسال.

اما عدم الإشكال من ناحية أحمد فليس ذلك لترحم أو ترضي‌

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ٨ من أبواب ما يجب فيه الخمس الحديث ١.

(٢) جواهر الكلام ١٦ : ٨٣.

(٣) وسائل الشيعة الباب ٣ من أبواب ما يجب فيه الخمس الحديث ٧.

٣٨٢

الصدوق عليه بل لتعبيره عنه بكونه ثقة ديّنا (١).

واما عدم الإشكال من ناحية الارسال فلان عدد مشايخ ابن أبي عمير ٤٠٠ تقريبا والذين لم تثبت وثاقتهم ٥ ، وحيث ان التعبير ب «غير واحد» يراد به عادة ثلاثة فما فوق فاحتمال كون مجموع الثلاثة هم من الخمسة الذين لم تثبت وثاقتهم ضعيف جدّا إذ‌

١٤ ـ واما اعتبار بلوغ عشرين دينارا‌ فلصحيحة أحمد بن محمّد بن أبي نصر عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام : «سألته عمّا يجب فيه الخمس من الكنز ، فقال : ما يجب الزكاة في مثله ففيه الخمس» (٢). بعد الالتفات الى ان الزكاة لا تجب إلاّ في عشرين دينارا.

١٥ ـ واما اعتبار كونه من الذهب والفضة المسكوكين‌ فلأن ذلك مقتضى التعبير بالمثلية في الصحيحة السابقة ، إذ الزكاة ـ فيما عدا الغلات والأنعام ـ لا تجب إلاّ في الذهب والفضة المسكوكين.

١٦ ـ واما وجه القول بالتعميم‌ فلاستظهار إرادة التماثل من حيث الكم فقط من الصحيحة السابقة دونه من حيث الكم والجنس.

١٧ ـ واما ان المدار في ملاحظة المؤونة هو المدار في المعدن‌ فلوحدة النكتة.

١٨ ـ واما وجوب الخمس فيما اخرج بالغوص‌ فلصحيحة ابن أبي‌

__________________

(١) كمال الدين ، باب ما روي عن أبي الحسن موسى بن جعفر عليه‌السلام في النص على القائم عليه‌السلام.

ثم ان الوارد في وسائل الشيعة : «وعن أحمد بن زياد عن جعفر الهمداني». والصواب : «وعن أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني».

(٢) وسائل الشيعة الباب ٥ من أبواب ما يجب فيه الخمس الحديث ٢.

٣٨٣

عمير المتقدّمة وصحيحة عمّار بن مروان : «سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : فيما يخرج من المعادن والبحر والغنيمة والحلال المختلط بالحرام إذا لم يعرف صاحبه والكنوز الخمس» (١) وغيرهما.

والمناقشة في سندها من ناحية عمّار بن مروان لتردّده بين اليشكري الثقة والكلبي الذي لم تثبت وثاقته مدفوعة بانصراف الاسم المذكور عند إطلاقه الى الأوّل لأنه صاحب الكتاب المعروف.

ثم ان النسبة بين ما تدلّ عليه الصحيحة الثانية ـ وهو الاخراج من البحر وان لم يكن بالغوص ـ وبين ما تدل عليه الصحيحة الاولى ـ وهو الاخراج بالغوص وان لم يكن من البحر ـ هي العموم من وجه. ومن هنا وقع الكلام في ان المدار هل على اجتماعهما باعتبار وجود الصلاحية في كل منهما لتقييد الآخر ، أو ان المدار على كفاية أحدهما باعتبار عدم الموجب للتقييد بعد كونهما مثبتين وعدم التنافي بينهما ، أو ان المدار على صدق عنوان الغوص باعتبار ان التعبير بما يخرج من البحر ناظر الى الحالة الغالبة وهي كون الاخراج من البحر بالغوص ، أو ان المدار على الاخراج من البحر وان لم يكن بالغوص باعتبار ان التعبير بالغوص ناظر الى الحالة الغالبة وهي كون الغوص في البحر ، أو ان المدار على اخراج الجواهر النفيسة ولو لم يكن ذلك من البحر ولا بالغوص باعتبار عدم فهم العرف الخصوصية للعنوانين؟ ولعل الأوجه كون المدار على الغوص لاحتمال الخصوصية له دون البحر لعدم احتمال الخصوصية له.

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ٣ من أبواب ما يجب فيه الخمس الحديث ٦.

٣٨٤

١٩ ـ واما اعتبار البلوغ دينارا‌ فلصحيحة أحمد بن محمد بن أبي نصر عن محمّد بن علي بن أبي عبد الله المتقدّمة في المعادن.

٢٠ ـ واما ان المدار على ذلك بعد استثناء المؤونة‌ فلما تقدّم في المعادن.

٢١ ـ واما المختلط بالحرام‌ فقد دلّت على وجوب تخميسه صحيحة عمّار المتقدّمة وغيرها.

٢٢ ـ واما اعتبار عدم التميز‌ فلانه مع فرضه يكون لكل من المالين حكمه الخاص.

٢٣ ـ واما اعتبار الجهالة بصاحبه‌ فللصحيحة المتقدّمة. ومع معرفته تصل النوبة الى التصالح لتعيين المقدار المجهول.

٢٤ ـ واما اعتبار الجهالة بمقداره‌ فقد وقع محلاّ للاختلاف فقيل بعموم الحكم لحالة العلم التفصيلي بالمقدار. وقيل باشتراط عدمه. وقيل باعتبار الجهل المطلق بحيث لا يعلم حتّى بنحو الاجمال وانه أقل من مقدار الخمس مثلا.

والأوجه الأخير لعدم احتمال وجوب اخراج الخمس على من علم بأن الحرام أكثر من الخمس بكثير أو أقلّ منه بكثير بل المفهوم من الصحيحة تقدير الحرام بالخمس تعبّدا عند الجهل المطلق.

ومع قصور الصحيحة يلزم في حالة المعرفة بالمقدار وجهالة صاحبه التعامل معه معاملة مجهول المالك وذلك بالتصدّق به عن صاحبه لصحيحة يونس بن عبد الرحمن : «سئل أبو الحسن الرضا عليه‌السلام وأنا حاضر ـ الى أن قال ـ فقال : رفيق كان لنا بمكّة فرحل منها الى منزله ورحلنا الى منازلنا فلما ان صرنا في الطريق أصبنا بعض متاعه‌

٣٨٥

معنا فأي شي‌ء نصنع به؟ قال : تحملونه حتى تحملوه الى الكوفة. قال : لسنا نعرفه ولا نعرف بلده ولا نعرف كيف نصنع؟ قال : إذا كان كذا فبعه وتصدّق بثمنه ...» (١) وغيرها.

ودعوى صاحب الحدائق (٢) اختصاصها بخصوص المتميز ولا تعمّ المجهول مالكه المختلط كما في المقام مدفوعة بعدم احتمال الفرق.

٢٥ ـ واما بالنسبة الى مصرفه فقيل هو الفقراء كسائر الصدقات‌ لموثقة السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «أتى رجل أمير المؤمنين عليه‌السلام فقال : اني كسبت مالا أغمضت في مطالبه حلالا وحراما وقد أردت التوبة ولا أدري الحلال منه والحرام وقد اختلط عليّ فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : تصدّق بخمس مالك فان الله رضي من الأشياء بالخمس ، وسائر المال لك حلال» (٣).

وهي تدل بوضوح على التصدّق به على خلاف صحيحة عمّار السابقة الظاهرة في ان مصرف الخمس مصرف بقيّة الموارد.

والسند لا بأس به لإمكان توثيق السكوني والنوفلي وابراهيم بن هاشم ببيان أو بيانات تقدّمت في أبحاث سابقة.

ويمكن أن يقال في وجه الجمع بحمل لفظ الصدقة على المعنى اللغوي العام ، وهو كل ما يتقرّب به إلى الله سبحانه بما في ذلك الخمس ، فان هذا المعنى ان لم يكن هو الظاهر من لفظ الصدقة في نفسه فلا بدّ‌

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ٧ من أبواب اللقطة الحديث ٢.

(٢) الحدائق الناضرة ١٢ : ٣٦٥.

(٣) وسائل الشيعة الباب ١٠ من أبواب ما يجب فيه الخمس الحديث ٤.

٣٨٦

من الحمل عليه بقرينة صحيحة عمّار.

٢٦ ـ واما وجوب الخمس في الأرض التي اشتراها الذمّي من المسلم‌ فلصحيحة أبي عبيدة الحذاء : «سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : ايّما ذمّي اشترى من مسلم أرضا فان عليه الخمس» (١) ، فإنّه لا غبار على سندها بطريق الشيخ وان كانت ضعيفة بطريق الصدوق لجهالته وبطريق المحقّق الى الحسن بن محبوب لجهالته أيضا.

٢٧ ـ واما فاضل المؤونة‌ فلم ينسب الخلاف في وجوب الخمس فيه إلاّ لابن الجنيد وابن أبي عقيل لعبارة غير واضحة في ذلك (٢).

وتدل على ذلك مضافا الى إطلاق آية الغنيمة النصوص الخاصّة التي كادت تبلغ حدّ التواتر ، كموثقة سماعة : «سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الخمس فقال : في كلّ ما أفاد الناس من قليل أو كثير» (٣). وإطلاقها مقيّد بما دلّ على كونه بعد المؤونة ، كما في صحيحة علي بن مهزيار : «كتب إليه إبراهيم بن محمّد الهمداني ... فكتب وقرأه علي بن مهزيار : عليه الخمس بعد مئونته ومئونة عياله وبعد خراج السلطان» (٤).

وعدم وثاقة الهمداني لا تضرّ بعد قراءة ابن مهزيار بنفسه لجواب الإمام عليه‌السلام.

ويدلّ على ذلك أيضا : ان المسألة عامّة البلوى ، ولازم ذلك شدّة وضوح حكم المسألة في عصر الأئمّة عليهم‌السلام ، وحيث لا يحتمل أن يكون‌

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ٩ من أبواب ما يجب فيه الخمس الحديث ١.

(٢) جواهر الكلام ١٦ : ٤٦.

(٣) وسائل الشيعة الباب ٨ من أبواب ما يجب فيه الخمس الحديث ٦.

(٤) وسائل الشيعة الباب ٨ من أبواب ما يجب فيه الخمس الحديث ٤.

٣٨٧

ذلك الحكم الواضح هو العدم ـ وإلاّ لما اتّفق الفقهاء إلاّ من شذّ على الوجوب ـ فيلزم أن يكون هو الوجوب.

وبهذه الطريقة يمكن التعويض عن التمسّك بالإجماع ان أشكل عليه بأنّه محتمل المدرك.

اشكالان في المقام‌

هناك اشكالان يرتبطان بوجوب الخمس في فاضل المؤونة :

أحدهما : انه لم يرد في كتب الحديث والتاريخ ان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والامام أمير المؤمنين عليه‌السلام قد أخذا الخمس من فاضل المؤونة‌ ، بل لم يعهد هذا القسم من الخمس إلاّ من زمن الصادقين عليهما السّلام حيث صدرت منهما الروايات الدالّة على وجوبه.

وهذا قد يجعل منطلقا للتشكيك في ثبوت وجوب هذا القسم أو على الأقل يجعل قرينة على ان وجوبه لم يكن بتشريع الهي بل من باب الولاية الحكومتية الذي لازمه الاختصاص بفترة الولاية.

ثانيهما : ورد في روايات كثيرة تحليل الأئمة عليهم‌السلام الخمس للشيعة واسقاطه عنهم‌ ، ولازم ذلك عدم وجوب دفعه في عصرنا ، فقد روى أبو خديجة عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «قال رجل وأنا حاضر : حلل لي الفروج ففزع أبو عبد الله عليه‌السلام فقال له رجل : ليس يسألك أن يعترض الطريق انما يسألك خادما يشتريها أو امرأة يتزوّجها أو ميراثا يصيبه أو تجارة أو شيئا اعطيه. فقال : هذا لشيعتنا حلال الشاهد منهم والغائب والميّت‌

٣٨٨

منهم والحي وما يولد منهم الى يوم القيامة فهو لهم حلال ...» (١).

ويمكن الجواب عن الأول‌ بأن بيان الاحكام مبني على التدريج وإلاّ يأتي الاشكال أيضا في الوضوء والصلاة والصوم وغيرها حيث ان بيان كثير من أحكامها تمّ على يد عدل القرآن الكريم.

هذا مضافا الى ورود مؤشرات كثيرة تدلّل على ثبوته في عصر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو بآية الغنيمة (٢).

بل في بعض الروايات إشارة واضحة إلى وجود بعض الأيادي التي قد لعبت دورها في الوقوف امام هذه الفريضة الالهية ، فقد روى الشيخ الكليني بسند ينتهي إلى سليم بن قيس الهلالي : «خطب أمير المؤمنين عليه‌السلام فحمد الله وأثنى عليه ... ثم قال : ألا ان أخوف ما أخاف عليكم خلتان : اتباع الهوى وطول الأمل ... ثم أقبل بوجهه وحوله ناس من أهل بيته وخاصته وشيعته فقال : قد عملت الولاة قبلي اعمالا خالفوا فيها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم متعمدين لخلافه ناقضين لعهده مغيّرين لسنّته ولو حملت الناس على تركها وحوّلتها إلى مواضعها وإلى ما كانت في عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لتفرّق عني جندي حتى أبقى وحدي أو قليل من شيعتي الذين عرفوا فضلي ... أرأيتم لو امرت بمقام إبراهيم عليه‌السلام فرددته إلى الموضع الذي وضعه فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ورددت فدك إلى ورثة فاطمة عليها‌السلام ورددت صاع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما كان ... وانفذت خمس‌

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ٤ من أبواب الأنفال الحديث ٤.

(٢) راجع وسائل الشيعة الباب ٤ من الأنفال الحديث ٨ ، ٢١. والباب ٨ من أبواب ما يجب فيه الخمس الحديث ٥. وفي رسائل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الى القبائل وغيرها اشارة الى هذا القسم من الخمس فراجع معالم المدرستين ٢ : ١١١.

٣٨٩

الرسول كما انزل الله عز وجل وفرضه ... وحرّمت المسح على الخفين ... اذن لتفرقوا عني. والله لقد أمرت الناس أن لا يجتمعوا في شهر رمضان الا في فريضة وأعلمتهم ان اجتماعهم في النوافل بدعة فتنادى بعض أهل عسكري ممّن يقاتل معي : يا أهل الإسلام غيّرت سنّة عمر ... والله المستعان على من ظلمنا ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله العلي العظيم» (١). ورجال السند ثقات بل ذلك غير مهم بعد احتمال صدق الرواية كما هو واضح.

كما يمكن الجواب عن الثاني‌ بأن فكرة التحليل تعبير آخر عن تعطيل فريضة الخمس في زمن الغيبة بل وفي زمن الحضور أيضا ، وهذا واضح البطلان لأنه يتنافى وأدلّة تشريع وجوب الخمس من الكتاب والسنّة في أشياء خاصّة ، ولاستلزامه تعجيز منصب الامامة عن ادارة شئونه لفقدان ما يستعين به وهو الخمس كما أشار الأئمّة : أنفسهم الى ذلك في بعض الروايات (٢).

والتأمّل في نصوص التحليل يعطي ان المقصود ان الشيعي إذا وصله شي‌ء قد تعلّق به الخمس من غيره فلا يلزمه تخميسه لا انه إذا تعلّق به الخمس عنده فلا يلزمه دفعه فتأمّل صحيحة أبي خديجة السابقة وغيرها تجد صدق ما نقول.

__________________

(١) الكافي ٨ : ٥٨ باب خطبة لأمير المؤمنين عليه‌السلام.

(٢) وسائل الشيعة الباب ٣ من أبواب الأنفال الحديث ٢ ، ٣ ، ٥ ، ٦ ، ٧.

٣٩٠

٢ ـ أحكام خاصة بفاضل المؤونة‌

يجب الخمس في مطلق الفائدة وان لم تكن بالاكتساب خلافا للمشهور ـ إلاّ الميراث المحتسب ، والهدية التي ليس لها خطر ، والمهر ، وعوض الخلع ـ بعد استثناء مئونة السنة.

والوجوب يتعلّق من بداية حصول الفائدة وان جاز التأخير الى نهاية السنة ارفاقا.

ومبدأ السنة بداية حصول الربح. ولكل ربح سنة تخصّه.

ولا خمس في مال الصبي والمجنون.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما وجوبها في مطلق الفائدة‌ فلإطلاق آية الغنيمة وبعض النصوص كموثق سماعة المتقدّم.

واحتمال الاختصاص بما كان من طريق الاكتساب اما لدعوى الاجماع ، أو لدعوى ان المسألة ابتلائية فلو كان يجب في مطلق الفائدة لاشتهر ، أو لدعوى سقوط مثل موثق سماعة عن الاعتبار لاعراض المشهور عنه ، أو لغير ذلك واضح التأمّل.

٢ ـ واما استثناء الميراث المحتسب والهدية المذكورة‌ فلصحيحة علي بن مهزيار حيث ورد فيها : «... فالغنائم والفوائد يرحمك الله هي الغنيمة يغنمها المرء ، والفائدة يفيدها ، والجائزة من الإنسان للإنسان التي لها‌

٣٩١

خطر ، والميراث الذي لا يحتسب ...» (١).

٥ ـ واما استثناء المهر وعوض الخلع‌ فلعدم صدق الفائدة عليهما بعد كون الأوّل في مقابل منح الزوجة زمام أمرها بيد الزوج ، والثاني في مقابل تنازل الزوج.

ومنه يتضح وجاهة الحكم بعدم ثبوت الخمس في الدية المأخوذة مقابل الجناية ، حيث لا يصدق عنوان الفائدة بعد فرض الجناية.

٦ ـ واما استثناء المؤونة‌ فلمكاتبة الهمداني المتقدّمة وغيرها. هذا في غير مئونة تحصيل الربح ، واما هي فلا يحتاج استثناؤها الى دليل لعدم صدق الفائدة إلاّ بلحاظ ما زاد عليها.

٧ ـ واما تقدير المؤونة بالسّنة‌ فللإطلاق المقامي ، فإن مئونة الشخص تقدّر عادة بالسنة دون الشهور أو الأيام ، وحيث إنّ النصوص اطلقت كلمة المؤونة فلا بدّ ان يكون ذلك من باب الحوالة على العادة المذكورة.

٨ ـ واما ان التعلّق من بداية حصول الفائدة‌ فلامكان استفادة ذلك من آية الغنيمة وموثقة سماعة المتقدّمة ، فإن ظاهر (فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ) و «ففيه الخمس» ان ذلك من حين صدق الغنيمة والفائدة.

٩ ـ واما جواز التأخير‌ فمضافا الى انعقاد السيرة القطعية عليه يمكن التمسّك له بأن الخمس لما كان بعد استثناء المؤونة المقدرة بسنة وهي تدريجية الحصول فيلزم من ذلك جواز التأخير.

١٠ ـ واما تحديد بداية السنة‌ فقيل بكونه بداية الشروع في‌

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ٨ من أبواب ما يجب فيه الخمس الحديث ٥.

٣٩٢

التكسب في من عمله ذلك وبداية حصول الفائدة في من ليس عمله ذلك. ولعل ذلك هو الرأي المشهور.

والوجه فيه : ان مصداق سنة الربح عرفا في المتكسب هو بداية التكسب وفي غيره بداية حصول الفائدة.

ولعل الأنسب جعل المدار على بداية حصول الفائدة مطلقا لأنّ عنوان سنة الربح لم يرد في النصوص بل الوارد «الخمس بعد مئونته ومئونة عياله» ، وظاهر لفظ المؤونة ما كان مئونة بالفعل دون ما كان مئونة سابقا ، فإذا اريد استثناء المؤونة من الفائدة التي تتحقّق فيما بعد لم يصدق حين تحقّق الفائدة انه استثني منها ما كان مئونة بالفعل بل ما كان مئونة سابقا.

هذا مضافا الى ان استثناء المؤونة من الفوائد حصل بمخصص منفصل ، وكلّما دار أمر المخصص المنفصل بين الأقل والأكثر يلزم الاقتصار على الأقل ، وهو المؤونة المصروفة بعد تحقّق الربح.

١١ ـ واما ان لكل ربح سنة تخصه أو للمجموع سنة واحدة‌ فقد وقع محلاّ للاختلاف.

وتظهر الثمرة فيما لو حصلت فائدة بداية محرم مثلا بمقدار مائة ، وفي بداية صفر فائدة ثانية بمقدار خمسين ، وصرف المكلف في الفترة المتخلّلة بينهما مقدار مائة وعشرين ، فإنّه على الثاني لا يجب تخميس العشرين بخلافه على الأوّل لأنّ المؤونة لا تستثنى قبل بداية سنة الفائدة.

وهكذا تظهر الثمرة في ملاحظة نهاية السنة ، فإنّه على الثاني تنتهي بنهاية ذي الحجة بخلافه على الأوّل فإنّها نهاية محرّم ، ولازم‌

٣٩٣

ذلك ان المؤونة قبل نهاية محرم وبعد نهاية ذي الحجة تستثنى على الأوّل بخلافه على الثاني.

وعليه فكل من الرأيين له فائدة للمكلف من جهة.

ولعلّ المشهور هو الثاني وان كان المناسب هو الأوّل باعتبار ان كلّ فرد من الفائدة موضوع مستقل لوجوب التخميس ، وملاحظة مجموع الأرباح ربحا واحدا يحتاج الى دليل ، وهو مفقود.

ودعوى ان ملاحظة سنة لكل فائدة لا يخلو من عسر على المكلّفين لصعوبة ملاحظة كل فائدة فائدة بشكل مستقل وذات سنة مستقلة مدفوعة بأن ذلك يلزم لو كان ما ذكر أمرا متعيّنا ولكنه ليس كذلك فان بإمكان المكلف جعل سنة واحدة للمجموع بشرط عدم استثناء العشرين وأمثالها من الفائدة الحاصلة بداية صفر.

١٢ ـ واما انه لا خمس على الصبي والمجنون‌ فلإطلاق القلم المرفوع لقلم الوضع أيضا ولا وجه لتخصيصه بقلم التكليف فيكون حاكما على الأدلّة الأوّلية.

وبعد هذا لا وجه لاحتمال توجه التكليف الى الولي ، وعلى تقدير فرضه فهو منفي بالبراءة.

أجل في خصوص المال المختلط بالحرام ينحصر طريق التحليل بالتخميس في حق الصبي أيضا.

٣ ـ كيف يقسم الخمس؟

المشهور تقسيم الخمس الى ستّة أسهم ثلاثة منها للإمام عليه‌السلام وثلاثة‌

٣٩٤

لبني هاشم لا على نحو البسط.

وفي كيفية صرف السهم المبارك للإمام عليه‌السلام خلاف.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما التقسيم الى الستة‌ ـ خلافا للشافعي وأبي حنيفة حيث نسب اليهما التقسيم الى خمسة بحذف سهم الله سبحانه (١) ـ فتدلّ عليه آية الغنيمة ، فإنّه بناء على إرادة مطلق الفائدة من الغنيمة فالأمر واضح ، واما بناء على اختصاصها بغنيمة الحرب فالدليل الدال على وجوب الخمس في بقيّة الأقسام من دون بيان المصرف يدل على لزوم كون التقسيم بالنحو المذكور في آية الغنيمة وإلاّ لأشير إلى غيره.

وبعد دلالة آية الغنيمة على المطلوب لا حاجة الى ملاحظة الروايات وان كانت كثيرة (٢).

٢ ـ واما ان الثلاثة الاولى منها للإمام عليه‌السلام‌ فلصحيحة أحمد بن محمّد بن أبي نصر عن الامام الرضا عليه‌السلام : «سئل عن قول الله عز وجل : (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى) ، فقيل له : فما كان لله فلمن هو؟ فقال : لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وما كان لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فهو للإمام. فقيل له : أفرأيت إن كان صنف من الأصناف أكثر وصنف أقلّ ما يصنع به؟ قال : ذاك الى الامام ، أرأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كيف يصنع أليس إنّما كان يعطي على ما يرى كذلك الامام» (٣).

__________________

(١) جواهر الكلام ١٦ : ٨٩.

(٢) وسائل الشيعة الباب ١ من أبواب قسمة الخمس.

(٣) وسائل الشيعة الباب ٢ من أبواب قسمة الخمس الحديث ١.

٣٩٥

وعلى هذا فهي في مثل زماننا ترجع الى امامنا المنتظر أرواحنا له الفداء.

بيد ان هذا مبني على ما فهمه المشهور من كون ملكية الامام عليه‌السلام لها هي ملكية شخصية ، واما بناء على كون ملكيته لها بما هو صاحب المنصب ـ وان كونه الامام حيثية تقييدية لا تعليلية ، كما قد يدعم ذلك التعبير في الصحيحة بالامام دون ابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ فتكون في مثل زماننا راجعة الى منصب الامامة والولاية ويتصرّف فيه الفقيه من باب انتقال ذلك المنصب إليه.

٣ ـ واما بالنسبة الى الأسهم الثلاثة الأخيرة‌ فالمشهور انها لخصوص بني هاشم وان البسط غير لازم بل هي ملك للجامع بين الأصناف الثلاثة.

اما انها لخصوص بني هاشم ـ خلافا للعامة ، ولربّما ينسب إلى ابن الجنيد أيضا (١) ـ فقد ادعي انه من الضروريات التي لا تحتاج الى دليل وان كانت بعض النصوص (٢) ذات السند الضعيف قد دلّت عليه إلاّ ان ضعفها غير مهم بعد الضرورة.

واما ان البسط غير لازم فلان الوارد كلمة «اليتامى» و «المساكين» بنحو الجمع المحلى باللام ، ولازم ذلك بناء على إرادة ظاهر الآية استيعاب جميع أفراد اليتامى والمساكين ، وهو لو كان ممكنا غير محتمل في نفسه.

__________________

(١) جواهر الكلام ١٦ : ٨٨.

(٢) من قبيل رواية ابن بكير عن بعض أصحابه. وسائل الشيعة الباب ١ من أبواب قسمة الخمس الحديث ٢.

٣٩٦

كما انه يلزم حفظ حصّة ابن السبيل لو لم يكن موجودا في البلد ، وهو غير محتمل أيضا.

وبهذا يظهر أيضا ضعف احتمال لزوم البسط على الجامع في كل صنف ويتعيّن كون المقصود بيان المصرفية وان الجامع بين الأصناف الثلاثة مصرف لنصف الخمس.

وفي مقابل هذا الرأي المشهور رأي يقول بأن جميع الخمس ملك لمنصب الامامة لتدار به شئون المنصب وليس نصفه ملكا للأصناف الثلاثة الأخيرة ولا للجامع بينها ، غايته ان الامام عليه‌السلام يصرف عليها بما يراه صلاحا ، فهي على هذا مصرف وليس هناك ملكية حتى للجامع.

ويمكن أن يستشف ذلك من حذف اللام ـ الدالة على الملكية ـ من الأصناف الأخيرة ومن التأمّل في ذيل صحيحة أحمد بن محمّد بن أبي نصر المتقدّمة.

ويظهر من صاحب الجواهر الميل الى ذلك حيث قال : «... بل لو لا وحشة الانفراد عن ظاهر اتفاق الأصحاب لأمكن دعوى ظهور الأخبار في ان الخمس جميعه للإمام عليه‌السلام وان كان يجب عليه الانفاق منه على الأصناف الثلاثة الذين هم عياله ...» (١).

وتحقيق الحال في ذلك يحتاج الى مستوى أعلى من البحث.

٤ ـ واما كيفية صرف السهم المبارك للإمام عليه‌السلام زمن الغيبة‌ فقد نقل صاحب الحدائق (٢) في ذلك أربعة عشر قولا لا يجدي التعرّض لها.

والمناسب الالتفات الى الأقوال الثلاثة للمتأخّرين :

__________________

(١) جواهر الكلام ١٦ : ١٥٥.

(٢) الحدائق الناضرة ١٢ : ٤٣٧.

٣٩٧

أ ـ ما اختاره صاحب الجواهر ومصباح الفقيه (١) من التعامل معه معاملة مجهول المالك‌ باعتبار ان المستفاد ممّا دلّ على لزوم التصدّق في مجهول المالك كون العبرة بعدم امكان الوصول الى المالك لا بجهالته وان كان المفروض فيها ذلك.

ب ـ ان الأمر في السهم المبارك يدور بين دفنه أو إيداعه مع الوصيّة به يدا بيد‌ أو غير ذلك من الاحتمالات التي يعرّض فيها السهم المبارك للإتلاف بلا مبرّر عقلائي فلا بدّ أن نتصرّف بما نحرز معه رضا الامام عليه‌السلام ، وليس ذلك إلاّ صرفه في تشييد الدين ودعائمه ، ومن أوضح مصاديق ذلك صرفه في مجال الحوزات العلمية التي يحفظ الدين ببقائها.

ويضاف الى ذلك ان الفقيه حيث انه أعرف بموارد الصرف الصحيحة أو يحتمل إناطة رضا الامام عليه‌السلام بكون الصرف تحت إشراف الفقيه فيلزم استئذانه أو دفعه إليه.

قال الشيخ النائيني : «ثم ان وجوب اداء سهم الامام عليه‌السلام الى الفقيه ليس إلاّ من باب انه أبصر بموارد صرفه بعد العلم بأنّه عليه‌السلام لو كان حاضرا لصرفه» (٢).

ج ـ ان الخمس بتمامه ملك لمنصب الامامة وليس لشخص الإمام عليه‌السلام‌ ، فإن التعبير بكلمة «الامام» في صحيحة ابن أبي نصر المتقدّمة يوحي بأنّ الإمامة حيثية تقييدية لا تعليلية. مضافا الى إمكان استفادة ذلك من روايات اخرى.

__________________

(١) جواهر الكلام ١٦ : ١٧٧ كتاب الخمس من مصباح الفقيه ١٥٨.

(٢) منية الطالب ١ : ٣٢٧.

٣٩٨

ومع فرض كونه ملك المنصب وانتقال المنصب الى الفقيه يلزم تسليمه إليه لإدارة شئون المنصب والتي منها دعم الحوزات العلمية.

ومن هذا يتّضح ان كلا القولين الأخيرين متفقان على لزوم صرف السهم المبارك في دعم الحوزات العلمية وما شاكل ذلك إلاّ ان الطريق الى ذلك مختلف. ولربما تترتّب على ذلك بعض الثمرات.

٣٩٩
٤٠٠