دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي على المذهب الجعفري - ج ١

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي على المذهب الجعفري - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الفقه للطباعة والنشر
المطبعة: برهان
الطبعة: ٢
ISBN: 964-499-035-8
ISBN الدورة:
964-499-048-X

الصفحات: ٥٧٦

فتقيد بالثانية ، إذ فيه ان حالة العذر ليست طبيعية ، وحمل الإطلاق على مثله بعيد.

٣ ـ واما اختصاص الظهر بأوّل الوقت والعصر بآخره‌ فهو المشهور. وينسب الى الشيخ الصدوق وغيره اختيار عدم الاختصاص ، غايته يجب تقديم الظهر لشرطية الترتيب.

والثمرة تظهر في من صلّى العصر غفلة في أوّله فانه على الأوّل تقع باطلة في حين على الثاني تقع صحيحة لأنها لم تفقد سوى شرط الترتيب المختص بحالة الالتفات لقاعدة لا تعاد.

وتظهر أيضا في من صلّى الظهر في الآخر غفلة.

ويمكن الاستدلال للثاني بعدّة روايات منها الروايات الكثيرة الواردة بمضمون : «إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين» (١).

واستدل للأوّل بعدّة روايات منها رواية داود بن فرقد عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر حتى يمضي مقدار ما يصلّي المصلّي أربع ركعات ، فإذا مضى ذلك فقد دخل وقت الظهر والعصر حتى يبقى من الشمس مقدار ما يصلّي المصلّي أربع ركعات ، فإذا بقي مقدار ذلك فقد خرج وقت الظهر وبقي وقت العصر حتى تغيب الشمس» (٢).

وهي وان كانت واضحة الدلالة إلاّ انها ضعيفة بالإرسال.

وقد يدفع الضعف بالانجبار بعمل الأصحاب تارة وبان في السند الحسن بن علي بن فضال ، وقد ورد في حقّ بني فضال : «خذوا‌

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ٤ من أبواب المواقيت.

(٢) وسائل الشيعة الباب ٤ من أبواب المواقيت الحديث ٧.

١٨١

ما رووا وذروا ما رأوا» (١).

ويرد الاولى ان الاستناد إليها غير ثابت بعد وجود روايات اخرى في الباب. على انه لو ثبت فهو غير نافع ما لم يحصل الاطمئنان بسببه بصدق الرواية.

ويرد الثانية ان مستندها رواية الشيخ في الغيبة بسنده المنتهي الى عبد الله الكوفي خادم الشيخ الجليل الحسين بن روح رحمه‌الله. قال : «سئل الشيخ عن كتب ابن أبي العزاقر بعد ما ذم وخرجت فيه اللعنة فقيل له : فكيف نعمل بكتبه وبيوتنا منه ملاء؟ فقال : أقول فيها ما قاله أبو محمد الحسن بن علي صلوات الله عليهما وقد سئل عن كتب بني فضال فقالوا كيف نعمل بكتبهم وبيوتنا منه ملاء؟ فقال صلوات الله عليه : خذوا ما رووا وذروا ما رأوا» (٢) إلاّ انها ضعيفة سندا بالكوفي لجهالته ودلالة حيث يراد ان فساد العقيدة لا يحول دون الأخذ بالرواية وليس المقصود الشهادة بصحّة جميع رواياتهم كما شهد الإمام العسكري عليه‌السلام بصحّة جميع ما في كتاب يوم وليلة ليونس حينما أدخله أبو هاشم الجعفري عليه وأخذ بتصفّحه بقوله : «هذا ديني ودين آبائي وهو الحقّ كلّه» (٣).

وعليه فلا وجه لإصرار الشيخ الأعظم في صلاته (٤) وغيره على صحّة السند من جهة بني فضال.

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ١١ من أبواب صفات القاضي الحديث ١٣.

(٢) الغيبة : ٢٣٩.

(٣) رجال الكشي رقم : ٩١٥.

(٤) الغيبة للشيخ الطوسي : ٢٥.

١٨٢

وبعد ضعف مستند الأوّل يتعيّن الأخذ بالثاني.

٤ ـ واما ان بداية صلاة المغرب هو الغروب‌ فأمر متّفق عليه وانما الاختلاف فيما يتحقّق به الغروب ، فالمشهور اعتبر ذهاب الحمرة المشرقية ، وغيره اكتفى بالاستتار.

والأخبار الدالّة على القولين كثيرة وان كان الدال على الثاني أكثر حيث تبلغ عشرين أو أكثر ، كصحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «سمعته يقول : وقت المغرب إذا غربت الشمس فغاب قرصها» (١).

وما يمكن دعوى دلالته على الأوّل يتجاوز العشر الا انه بين ما هو ضعيف الدلالة أو السند أو ضعيف من كلتا الناحيتين كرواية بريد بن معاوية عن أبي جعفر عليه‌السلام : «إذا غابت الحمرة من هذا الجانب يعني من المشرق فقد غابت الشمس من شرق الأرض وغربها» (٢).

ان الرواية المذكورة ضعيفة سندا بالقاسم ودلالة حيث تدل على ان انعدام الحمرة طريق لاكتشاف تحقق الاستتار من دون دلالة على الحصر. والمنبّه على ذلك الوجدان حيث يقتضي بأن الاستتار يتحقّق قبل انعدام الحمرة ، أجل متى ما كانت الحمرة منعدمة فالاستتار متحقّق جزما. وكأن الرواية في صدد بيان طريق ميسّر لتعرّف الاستتار وهو انعدام الحمرة إذ كثيرا ما تحجب الأبنية عن الرؤية.

ثم انه مع التنزل والتسليم بتمامية السند والدلالة يمكن القول بانها لا تقاوم الروايات السابقة لأنها صريحة في كفاية الاستتار بخلاف هذه‌

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ١٦ من أبواب المواقيت الحديث ١٦.

(٢) وسائل الشيعة الباب ١٦ من أبواب المواقيت الحديث ١.

١٨٣

فانها ظاهرة في اعتبار زوال الحمرة ، ومعلوم انه عند تعارض النص والظاهر يلزم تأويل الظاهر بقرينة النص ، وذلك بالحمل على ارادة الطريقية التكوينية لا حراز تحقق الاستتار أو غير ذلك.

ومن الغريب ان يعكس الامر جماعة ـ كصاحب الوسائل مثلا (١) ـ ويقولوا بان روايات اعتبار ذهاب الحمرة أوضح دلالة وأبعد عن التأويل.

وإذا قيل : ان غياب القرص لا يراد به معناه العرفي بل الشارع ضمّن المغرب والغيبوبة معنى شرعيّا لا يتحقّق إلاّ بزوال الحمرة.

كان الجواب : ان الألفاظ لا بدّ من حملها على معانيها العرفية ولا ينبغي تحميل المصطلحات الفقهية على الروايات.

وذكر الشيخ النائيني في المقام ان المورد من موارد المطلق والمقيّد ، فان روايات الاستتار تدلّ بإطلاقها على تحقّق المغرب بالاستتار سواء انعدمت الحمرة أم لا في حين ان روايات الحمرة تحدّد المغرب بالاستتار وزيادة ، وهي انعدام الحمرة ، فيكون ذلك على وزان جاءني الأمير فانه لا يمتنع تقييده بما دلّ على مجي‌ء الأمير مع أتباعه (٢).

وفيه : ان كلتا الطائفتين بما انهما واردتان في مقام التحديد فينعقد لكلّ واحدة مفهوم يتحقّق بسببه التباين بينهما فاحداهما تقول : يتحقّق وقت المغرب بالاستتار سواء انعدمت الحمرة أم لا ، والاخرى تقول : يتحقّق المغرب بالانعدام ولا يكفي الاستتار. والمثال المناسب ما‌

__________________

(١) وسائل الشيعة ٣ : ١٣٠.

(٢) كتاب الصلاة تقرير بحث الشيخ النائيني للشيخ الآملي ١ : ٢٨.

١٨٤

لو قيل : متى وقت الدرس فاجيب تارة انه الساعة الاولى واخرى انه الساعة الثانية فهل يمكن ان يقال بعدم التعارض بينهما وانهما من باب المطلق والمقيّد لأنّ الأوّل يدل على ان الوقت الساعة الاولى سواء انضمّت ساعة ثانية أم لا في حين ان الثاني يدل على اعتبار الانضمام.

واجيب عن التعارض أيضا بأن روايات الاستتار لموافقتها للعامّة محمولة على التقيّة.

وفيه : ان الحمل على التقية لا معنى له بعد إمكان الجمع الدلالي. مضافا إلى ان المناسب للتقيّة صدور رواية واحدة أو ثنتين لا عشرين.

واجيب أيضا بترجيح روايات الحمرة من جهة ان اعتبار انعدام الحمرة كاد يكون من شعارات الشيعة.

وفيه : ان مجرّد الشعارية لا يثبت المطلوب فان الشهادة الثالثة شعار للشيعة وليست واجبة.

ومن هذا كلّه يتّضح أرجحيّة روايات الاستتار وان كان الاحتياط أمرا لا ينبغي تركه.

٥ ـ وقد وقع الاختلاف في نهاية المغرب‌ فالمشهور انها إلى نصف الليل. وقيل إلى غيبوبة الشفق. والأوّل هو الوجيه لقوله تعالى : (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ) (١) الدال على جواز إيقاع الظهرين والمغربين إلى غسق الليل وهو انتصافه على ما في صحيحة زرارة (٢) ، نعم خرج الظهران بالدليل الخاص حيث يلزم ايقاعهما قبل المغرب ويبقى الباقي مشمولا للإطلاق.

__________________

(١) الاسراء : ٧٨.

(٢) وسائل الشيعة الباب ٢ من أبواب اعداد الفرائض الحديث ١.

١٨٥

وتؤيّد ذلك رواية عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «إذا غربت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين إلى نصف الليل إلاّ ان هذه قبل هذه» (١).

واما الروايات المعارضة كموثقة إسماعيل بن جابر عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «سألته عن وقت المغرب قال : ما بين غروب الشمس الى سقوط الشفق» (٢) فلمخالفتها لإطلاق الكتاب الكريم لا بدّ من طرحها.

على ان الفترة ما بين الغروب وزوال الشفق قصيرة فلو فرض انحصار الوقت بها لانتشر ذلك وذاع.

وعليه فالوقت يمتدّ إلى نصف الليل بل للمضطر يمتد إلى الفجر لصحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «ان نام رجل ولم يصل صلاة المغرب والعشاء أو نسي فان استيقظ قبل الفجر قدر ما يصليهما كلتيهما فليصلهما ...» (٣). ولا يبعد كون النوم والنسيان مثالا لمطلق المعذور.

٦ ـ المعروف ان بداية صلاة العشاء ما بعد صلاة المغرب‌. وقيل عند سقوط الشفق. والأوّل هو الوجيه لإطلاق آية الغسق ولعدّة روايات كصحيحة زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «صلّى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالناس المغرب والعشاء الآخرة قبل الشفق من غير علّة في جماعة وانما فعل ذلك ليتسع الوقت على امّته» (٤).

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ١٦ من أبواب المواقيت الحديث ٢٤.

(٢) وسائل الشيعة الباب ١٨ من أبواب المواقيت الحديث ١٤.

(٣) وسائل الشيعة الباب ٦٢ من أبواب المواقيت الحديث ٣.

(٤) وسائل الشيعة الباب ٢٢ من أبواب المواقيت الحديث ٢.

١٨٦

واما مثل صحيحة الحلبي : «قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام متى تجب العتمة؟ قال : إذا غاب الشفق ، والشفق الحمرة ...» (١) فمحمولة على الأفضلية فان لم تقبل ذلك تطرح لموافقة الأولى للكتاب الكريم.

٧ ـ المشهور امتداد وقت العشاء إلى نصف الليل‌. وعن الشيخ المفيد والطوسي امتداده إلى ثلثه (٢).

والصحيح الأوّل لإطلاق آية الغسق ولعدّة روايات كصحيحة أبي بصير عن أبي جعفر عليه‌السلام : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لو لا اني أخاف ان أشقّ على أمّتي لأخّرت العتمة إلى ثلث الليل. وأنت في رخصة إلى نصف الليل وهو غسق الليل ...» (٣). والمعارض مدفوع بما سبق.

٨ ـ واما اختصاص المغرب بأوّل الوقت والعشاء بآخره‌ فلمرسلة داود بن فرقد المتقدّمة عند البحث عن الظهرين. وقد عرفت التأمّل فيها.

٩ ـ واما امتداد العشاءين إلى طلوع الفجر للمضطر‌ فلصحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «ان نام رجل ولم يصل صلاة المغرب والعشاء أو نسي فان استيقظ قبل الفجر قدر ما يصليهما كلتيهما فليصلهما وان خشي ان تفوته احداهما فليبدأ بالعشاء الآخرة ...» (٤) وغيرها.

١٠ ـ واما ان بداية صلاة الصبح طلوع الفجر‌ فلا خلاف فيه. ويدل عليه قوله تعالى : (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ٢٣ من أبواب المواقيت الحديث ١.

(٢) الحدائق الناضرة ٦ : ١٩٣.

(٣) وسائل الشيعة الباب ١٧ من أبواب المواقيت الحديث ٧.

(٤) وسائل الشيعة الباب ٦٢ من أبواب المواقيت الحديث ٣.

١٨٧

الْفَجْرِ) (١) فان المراد من قرآن الفجر هو صلاة الصبح ، ولا وجه لنسبتها إلى الفجر إلاّ كون بدايتها ذلك.

ودلّت عليه الروايات الكثيرة كصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام في حديث : «إذا طلع الفجر فقد دخل وقت الغداة» (٢).

١١ ـ واما ان نهايتها طلوع الشمس‌ فهو المشهور. وقيل إلى طلوع الحمرة المشرقية للمختار وإلى طلوع الشمس لغيره.

والمناسب الأوّل لصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام : «وقت صلاة الغداة ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس» (٣).

واما مثل صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «... ووقت صلاة الفجر حين ينشق الفجر إلى ان يتجلل الصبح السماء ولا ينبغي تأخير ذلك عمدا ولكنه وقت من شغل أو نسي أو سها أو نام ...» (٤) فمحمول بقرينة الاولى على بيان الأفضل.

علامات الأوقات‌

وعلامة الفجر ـ أي الصادق ـ التبين التقديري.

وعلامة الزوال زيادة الظلّ أو حدوثه.

__________________

(١) الاسراء : ٧٨.

(٢) وسائل الشيعة الباب ٢٦ من أبواب المواقيت الحديث ٢.

(٣) وسائل الشيعة الباب ٢٦ من أبواب المواقيت الحديث ٦.

ولا تأمّل في سند الرواية إلاّ من ناحية موسى بن بكر ، ويمكن إثبات وثاقته من خلال ما رواه الكليني من دفع صفوان كتاب موسى الى ابن سماعة قائلا : «هذا مما ليس فيه اختلاف عند أصحابنا». كتاب الميراث من الكافي ٧ : ٩٧ ، باب ميراث الولد مع الزوج الحديث ٣.

(٤) وسائل الشيعة باب ٢٦ من أبواب المواقيت الحديث ٥.

١٨٨

ومنتصف الليل نصف ما بين الغروب إلى طلوع الفجر. وقيل إلى طلوع الشمس.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما ان المراد من الفجر هو الصادق دون الكاذب‌ فموضع وفاق بين المسلمين. وتدل عليه روايات متعدّدة شبه فيها الفجر الصادق بالقبطية البيضاء وبنهر سوراء بخلاف الكاذب فانه شبّه بذنب السرحان ، ففي صحيحة أبي بصير : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام : متى يحرم الطعام والشراب على الصائم وتحل الصلاة صلاة الفجر؟ فقال : إذا اعترض الفجر فكان كالقبطية البيضاء» (١). وفي صحيحة علي بن عطية عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «الفجر هو الذي إذا رأيته كان معترضا كأنه بياض نهر سوراء» (٢).

٢ ـ واما ان علامة الفجر هي التبين‌ فلقوله تعالى : (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ) (٣).

٣ ـ واما ان المراد به التقديري دون الفعلي‌ فلان التبين يؤخذ عرفا‌

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ٢٧ من أبواب المواقيت الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة الباب ٢٧ من أبواب المواقيت الحديث ٢.

الفجر الكاذب نور يظهر في السماء صاعدا كالعمود منفصلا عن الافق وسرعان ما ينعدم وتتعقبه ظلمة. ويشبّه بذنب السرحان ـ الذئب ـ لان باطن ذنبه ابيض وبجانبيه سوادا.

والفجر الصادق نور يظهر بعد ذلك منبسطا في عرض الافق كنصف دائرة. ويشبّه بالقبطية البيضاء وبنهر سوراء ، فان القبطية ـ بضم القاف ـ ثياب رقاق بيض تنسب إلى القبط وهم أهل مصر. وسورى موضع ببابل من العراق فيه نهر.

(٣) البقرة : ١٨٧.

١٨٩

بنحو الطريقيّة دون الموضوعية فهو طريق لإثبات تحقّق ذلك الوقت الواقعي. ولو كان مأخوذا بنحو الموضوعيّة بحيث يلزم تحققه بالفعل لزم الحكم بعدم تحقق الفجر في حالة وجود الغيم أو غيره من الموانع إلاّ بعد فترة طويلة. كما يلزم ان يكون الفجر في الليلة الواحدة متحققا على تقدير تحقق الخسوف فيها وغير متحقق على تقدير عدمه ، وهو بعيد جدا.

وبهذا يتّضح ان ما اختاره الشيخ الهمداني (١) وبعض الأعلام المتأخّرين من اختلاف الفجر باختلاف كون الليلة مقمرة أو لا موضع تأمّل.

وإذا قيل : إذن كيف يحكم الفقهاء في باب تنجس الماء الكثير بالتغيّر بكون المدار على التغيّر الفعلي.

كان الجواب : ان ظاهر كل عنوان اعتباره بنحو الفعليّة إلاّ إذا دلّت القرائن على الخلاف ، وهي ثابتة كما أشرنا إليه.

٤ ـ واما الزوال فله عدّة علامات منها ما اشير إليه‌ ، فانه كلّما‌

__________________

(١) قال في مصباح الفقيه : ٢٥ «مقتضى ظاهر الكتاب والسنّة وكذا فتاوى الأصحاب اعتبار اعتراض الفجر وتبيّنه في الافق بالفعل فلا يكفي التقدير مع القمر لو أثّر في تأخّر تبين البياض المعترض في الافق. ولا يقاس ذلك بالغيم ونحوه فان ضوء القمر مانع عن تحقّق البياض ما لم يقهره ضوء الفجر ، والغيم مانع عن الرؤية لا عن التحقّق».

أقول : في الفرق خفاء ، فان نور القمر كنور المصابيح الكهربائية في زماننا ، فكما ان الثاني لا يمنع من تحقق البياض فكذا الاول ، ومجرد ان احدهما تحت اختيارنا دون الآخر لا يصلح فارقا.

وان شئت قلت : ان تحقق البياض ناشئ من الموقعية الخاصة للشمس لا من عدم ضوء القمر ليكون ـ ضوء القمر ـ مانعا من تحققه وانما دوره المانعية من رؤية البياض كما يمنع نور المصابيح الكهربائية من ذلك.

١٩٠

وضع شاخص عمودي على الأرض يحدث له ظل طويل إلى جانب المغرب بشروق الشمس ويأخذ تدريجا بالنقصان إلى ان تصل الشمس إلى خط نصف النهار فينتهي ويأخذ بالزيادة بعد ذلك. وتلك الزيادة دليل على عبور الشمس خط نصف النهار الذي به يتحقق الزوال.

هذا إذا لم تصر الشمس مسامتة للشاخص والا ـ كما في مكة المكرّمة في بعض أيّام السنة ـ انعدم.

وهذه العلامة مضافا إلى كونها وجدانية اشير إليها في رواية سماعة : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : جعلت فداك متى وقت الصلاة فأقبل يلتفت يمينا وشمالا كأنه يطلب شيئا فلما رأيت ذلك تناولت عودا فقلت هذا تطلب؟ قال : نعم ، فأخذ العود فنصبه بحيال الشمس ثمّ قال : ان الشمس إذا طلعت كان الفي‌ء طويلا ثم لا يزال ينقص حتى تزول فإذا زالت زاد فإذا استبنت الزيادة فصلّ الظهر ...» (١).

ومن العلائم صيرورة الشمس على الحاجب الأيمن لمن واجه نقطة الجنوب حيث يصير خط نصف النهار ما بين الحاجبين فإذا مالت إلى الحاجب الأيمن كان ذلك دليلا على انحرافها عن خط نصف النهار. وهي مضافا إلى كونها وجدانية قد اشير إليها في رواية المجالس عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أتاني جبرئيل فأراني وقت الظهر حين زالت الشمس فكانت على حاجبه الايمن» (٢).

٥ ـ واما ان المدار في منتصف الليل إلى طلوع الفجر وليس إلى طلوع الشمس‌ فللوجدان العرفي ـ كما لو قيل لشخص جئني في الليل‌

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ١١ من أبواب المواقيت الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة الباب ١١ من أبواب المواقيت الحديث ٥.

١٩١

وجاء قبل طلوع الشمس بربع ساعة فانه لا يعدّ ممتثلا ـ وصحيحة مرازم عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «متى اصلّي صلاة الليل؟ فقال : صلها آخر الليل» (١) وغيرها ممّا هو بهذا المضمون أو ما يقرب منه.

٦ ـ واما القول الآخر‌ فاستدل له بقوله تعالى : (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ) (٢). فان الغسق عبارة عن شدّة الظلمة وفسّر في الروايات بمنتصف الليل ، وواضح ان شدّة الظلمة تتحقّق في المنتصف بمعنى ما بين الغروب إلى طلوع الشمس وليس بمعنى المنتصف بين الغروب والفجر فانه ببزوغ الشمس تتنوّر الأشياء وتبلغ شدّة ذلك حينما تصل الى خط نصف النهار ثم يأخذ بالضعف وتظلّم الأشياء بالتدريج إلى ان تصل الشمس خط نصف الليل من الجانب الثاني فتبلغ الظلمة أوجها. وبذلك يثبت ان المنتصف عبارة عن النصف من الغروب إلى طلوع الشمس.

وفيه : ان المفروض تفسير الغسق بشدّة الظلمة لا بأشدّها ، ومعه فلا يتوقّف تطبيق الغسق على نصف الليل على إرادة المنتصف إلى طلوع الشمس.

أحكام خاصة بالوقت‌

لا تجزئ الصلاة إلاّ مع احراز دخول الوقت بعلم أو بيّنة أو اذان الثقة العارف أو اخبار الثقة.

ومن أحرز دخوله فصلّى ولم يقع شي‌ء منها فيه وقعت باطلة ، ومع وقوع شي‌ء منها فيه فالمشهور صحّتها.

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ٤٥ من أبواب المواقيت الحديث ٦.

(٢) الاسراء : ٧٨.

١٩٢

والمستند في ذلك :

١ ـ اما بالنسبة إلى عدم الاجزاء مع عدم الاحراز‌ فلقاعدة الاشتغال اليقيني يقتضي الفراغ اليقيني واستصحاب عدم دخول الوقت.

ومن الغريب ما اختاره صاحب الحدائق (١) من الاكتفاء بالظن بدخول الوقت استنادا إلى طائفتين من الروايات القابلة للمناقشة فراجع.

٢ ـ واما كفاية البيّنة في الاحراز‌ فهي تتمّ بناء على عموم دليل حجيّة البيّنة لمثل المقام.

والمدرك لحجّيّتها أحد أمرين :

الأوّل : التمسّك بما دل على حجّيتها في باب القضاء كقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في صحيحة هشام بن الحكم : «انما أقضي بينكم بالبيّنات والايمان» (٢) فان ذلك وان كان خاصّا بباب القضاء إلاّ انه يمكن تعدية ذلك إلى المقام بالأولوية فان جعل الحجيّة لبيّنة المدّعي المعارضة دائما للقواعد الموافقة لقول المنكر من قبيل قاعدة اليد ونحوها من الامارات العقلائية يستلزم جعلها للبيّنة في المقام الذي ليس فيه معارض سوى استصحاب عدم دخول الوقت بالأولى.

ونوقش ذلك بعدم القطع بالأولوية بعد احتمال ان تكون حجية البيّنة في باب القضاء لأجل فصل الخصومة الذي لولاه لاختل النظام وليس لأجل كشفها عن الواقع ليقال بان حجيتها في غير المقام تستلزم‌

__________________

(١) الحدائق الناضرة ٦ : ٢٩٥.

(٢) وسائل الشيعة الباب ٢ من أبواب كيفية الحكم والدعوى الحديث ١.

١٩٣

حجيتها في المقام لعدم الفرق لو لم يكن المقام أولى بالحجية.

الثاني : رواية مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «كلّ شي‌ء هو لك حلال حتّى تعلم انّه حرام بعينه فتدعه ... والأشياء كلّها على هذا حتّى يستبين لك غير ذلك أو تقوم به البيّنة» (١).

ونوقش الاستدلال بالرواية المذكورة بانها خاصّة بموارد الشكّ في الحل والحرمة دون مثل المقام. مضافا الى احتمال كون المقصود من البيّنة معناها اللغوي وهو ما يتبين به الأمر لا شهادة العدلين فانه معنى اصطلاحي حادث. على ان مسعدة لم تثبت وثاقته إلاّ بناء على كبرى وثاقة كل من ورد في كامل الزيارة.

وسواء تمّ هذان الوجهان للتعميم أم لا فالبحث المذكور غير مهم بناء على حجيّة خبر الثقة بشكل مطلق.

٣ ـ واما اذان الثقة‌ فالمعروف حجيّته لأنه من مصاديق خبر الثقة ولبعض النصوص الخاصّة من قبيل صحيحة ذريح المحاربي : «قال لي أبو عبد الله عليه‌السلام : صلّ الجمعة باذان هؤلاء فانهم أشدّ شي‌ء مواظبة على الوقت» (٢).

وذهب البعض إلى عدم حجّيته لنصوص اخرى من قبيل صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام : «في الرجل يسمع الاذان فيصلّي الفجر ولا يدري طلع أم لا غير انه يظن لمكان الاذان انه طلع ، قال : لا يجزيه حتى يعلم انه قد طلع» (٣).

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ٤ من أبواب ما يكتسب به الحديث ٤.

(٢) وسائل الشيعة الباب ٣ من أبواب الاذان الحديث ١.

(٣) وسائل الشيعة الباب ٥٨ من أبواب المواقيت الحديث ٤.

١٩٤

وفيه : ان الرواية المذكورة وان كانت صحيحة باعتبار ان الحرّ ينقلها من كتاب علي بن جعفر وطريقه إليه صحيح حيث يمر بالشيخ الطوسي الذي له طريق صحيح إليه في الفهرست (١) إلاّ انها مطلقة من حيث كون المؤذن ثقة أو لا فيمكن حملها على غيره خصوصا ان السائل فرض حصول الشك له في دخول الوقت والعادة قاضية بعدمه مع فرض الوثاقة.

٤ ـ واما خبر الثقة‌ فحجّيّته في المقام بل في مطلق الموضوعات محل خلاف. وقد ذكر الشيخ النائيني ان آية النبأ قاصرة الدلالة على حجيّة خبر العادل ، والمهم هو السنّة وهي خاصة بباب الأحكام ، ولو كانت مطلقة يلزم تقييدها برواية مسعدة التي ورد فيها : «والامور كلّها على هذا حتى يستبين غير ذلك أو تقوم به البيّنة» (٢).

وفيه : ان السيرة العقلائية قد انعقدت على التمسّك بخبر الثقة ولم يثبت الردع الشرعي فتكون ممضاة. ورواية مسعدة لا تصلح للردع لا لعدم ثبوت وثاقة مسعدة ـ فان احتمال صدق الرواية يستلزم احتمال الردع وهو يكفي لعدم احراز الامضاء ـ بل لان هذا المقدار من الردع لا يكفي بعد استحكام السيرة وقوّتها فان قوّة الردع لا بدّ وان تتناسب وقوّة المردوع.

وممّا يؤكّد حجيّة خبر الثقة في الموضوعات الروايات الخاصّة في الموارد المتفرّقة والتي منها الرواية السابقة وغيرها ممّا دل على حجيّة اذان الثقة.

__________________

(١) الفهرست : ٨٨.

(٢) كتاب الصلاة للشيخ الآملي ١ : ٦٢.

١٩٥

ومنها : موثقة سماعة : «سألته عن رجل تزوّج جارية أو تمتّع بها فحدثه رجل ثقة أو غير ثقة فقال : ان هذه امرأتي وليست لي بيّنة. فقال : ان كان ثقة فلا يقربها وان كان غير ثقة فلا يقبل منه» (١).

هذا ويمكن أيضا استفادة حجيّة خبر الثقة بشكل مطلق من صحيحة أحمد بن إسحاق حيث ورد فيها عن أبي الحسن عليه‌السلام : «العمري وابنه ثقتان فما أدّيا إليك عنّي فعني يؤدّيان وما قالا لك فعني يقولان فاسمع لهما وأطعهما فانهما الثقتان المأمونان» (٢).

٥ ـ واما ان من وقعت تمام صلاته قبل الوقت يعيد‌ فلعدم تحقّق المأمور به وقاعدة لا تعاد بعد كون الوقت من المستثنى.

٦ ـ واما ما ذهب إليه المشهور‌ فيمكن الاستدلال له برواية إسماعيل بن رياح عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «إذا صليت وأنت ترى انك في وقت ولم يدخل الوقت فدخل الوقت وأنت في الصلاة فقد أجزأت عنك» (٣) إلاّ ان إسماعيل مجهول ، والقاعدة تقتضي الإعادة.

القبلة‌

يجب استقبال القبلة في جميع الصلوات الواجبة ، وهي المكان الذي فيه الكعبة المشرّفة. ومن صلّى إلى غير القبلة خطأ فإن كان انحرافه ما بين المشرق والمغرب صحّت صلاته ، وان كان أكثر أعاد في الوقت دون خارجه.

والمستند في ذلك :

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ٢٣ من أبواب عقد النكاح وأولياء العقد الحديث ٢.

(٢) وسائل الشيعة الباب ١١ من أبواب صفات القاضي الحديث ٤.

(٣) وسائل الشيعة الباب ٢٥ من أبواب المواقيت الحديث ١.

١٩٦

١ ـ اما وجوب الاستقبال في الصلاة الواجبة‌ فلتسالم جميع المسلمين عليه بل وقضاء الضرورة. وتدل عليه جملة من النصوص ، كصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام : «لا صلاة إلاّ إلى القبلة ...» (١) وحديث : «لا تعاد الصلاة إلاّ من خمسة : الطهور والوقت والقبلة والركوع والسجود» (٢) ، وسند ابن بابويه إلى زرارة في كلا الحديثين صحيح في المشيخة.

٢ ـ واما النافلة‌ فمقتضى إطلاق صحيحة زرارة اعتبار القبلة فيها ، ولكن دلّت جملة من الروايات على جواز المشي فيها كصحيحة يعقوب بن شعيب : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام ... قلت : يصلّي وهو يمشي؟ قال : نعم يومي إيماء وليجعل السجود أخفض من الركوع» (٣) فان لازم جواز المشي عرفا سقوط شرطية القبلة. والصحيحة محمولة على النافلة لعدم احتمال إرادة الفريضة منها.

٣ ـ واما ان القبلة هي المكان المذكور‌ فهو القول الصحيح في تحديد المقصود من القبلة. وقيل : هي البنية نفسها إلاّ ان ذلك باطل للزوم انعدام القبلة بانهدام البنية ولا تعود بإعادة بنائها. وأيضا يلزم منه بطلان صلاة البلدان الواقعة أعلى أو أخفض من مكة.

بل وفي بعض الأخبار إشارة إلى ردّ القول المذكور ، ففي صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «سأله رجل قال : صلّيت فوق أبي قبيس العصر فهل يجزي ذلك والكعبة تحتي؟ قال : نعم انها‌

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ٩ من أبواب القبلة الحديث ٢.

(٢) وسائل الشيعة الباب ٩ من أبواب القبلة الحديث ١.

(٣) وسائل الشيعة الباب ١٦ من أبواب القبلة الحديث ٤.

١٩٧

قبلة من موضعها إلى السماء» (١).

وسند الشيخ إلى الطاطري وإن كان ضعيفا في المشيخة (٢) بابن كيسبة ـ واما ابن عبدون فهو من مشايخ النجاشي المحكوم بوثاقتهم ، وابن الزبير من مشايخ الإجازة ـ لكنّه صحيح في الفهرست (٣).

ولكن يبقى على القول الصحيح وانها المكان الذي فيه البنية بطلان صلاة بعض الصف الطويل فان كل جدار للكعبة المشرّفة إذا كان يساوي ٢٤ ذراعا فلازمه بطلان صلاة الصف بالمقدار الزائد على ما ذكر وتنحصر صحّة الصلاة بمن يخرج من موقفه خط مستقيم إلى الكعبة.

ويرده : ان المدار على المواجهة العرفية دون الدقية ، وهي تتسع بزيادة البعد ، فقبر الامام الحسين عليه‌السلام قد لا تصدق مواجهته من قرب إلاّ في حقّ خمسة أشخاص بينما من بعد يمكن ان يواجهه أهل بلد كامل. وهذا معنى العبارة التي تقول : «جهة المحاذاة مع البعد متسعة» أو «ان الجرم الصغير كلّما ازداد بعدا ازداد محاذاة».

٤ ـ واما صحة الصلاة لمن لم يزد انحرافه عمّا بين المشرق والمغرب‌ ـ أي كان انحرافه عن القبلة أقل من ٩٠ درجة ـ فلجملة من النصوص كصحيحة معاوية بن عمّار انه سأل الصادق عليه‌السلام : «عن الرجل يقوم في الصلاة ثم ينظر بعد ما فرغ فيرى انه قد انحرف عن القبلة يمينا أو شمالا فقال له : قد مضت صلاته ، وما بين المشرق‌

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ١٨ من أبواب القبلة الحديث ١.

(٢) مشيخة تهذيب الاحكام : ٧٦.

(٣) الفهرست : ٩٢.

١٩٨

والمغرب قبلة» (١). وطريق الصدوق إلى معاوية صحيح في المشيخة.

وإذا قلت : كيف لا تجب الإعادة والقبلة من أحد الخمسة المستثناة في حديث لا تعاد.

قلت : من صلّى ما بين المشرق والمغرب فقد صلّى الى القبلة ولم يختل في حقّه شرط القبلة وانما هو مختل في من زاد انحرافه عن ذلك ولذا تجب عليه الإعادة.

٥ ـ واما ان من زاد انحرافه عن ذلك تجب عليه الإعادة دون القضاء‌ فلجملة من النصوص كصحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «إذا صلّيت وأنت على غير القبلة واستبان لك أنك صليت وأنت على غير القبلة وأنت في وقت فأعد وان فاتك الوقت فلا تعد» (٢).

الطهارة‌

يعتبر في صحّة الصلاة الطهارة من الحدث والخبث.

والبحث عن ذلك تقدّم في كتاب الطهارة.

ستر العورة‌

لا تصح الصلاة إلاّ مع ستر العورة. وهي في الرجل القضيب والانثيان والدبر وفي المرأة جميع بدنها إلاّ الوجه ـ بمقدار ما يبرز عند الخمار ـ والكفين إلى الزندين والقدمين إلى الساقين.

ويعتبر في الساتر مضافا إلى طهارته إباحته ـ على المشهور ـ وعدم كونه من أجزاء ما لا يؤكل لحمه ولا من أجزاء غير المذكى التي تحلّها الحياة.

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ١٠ من أبواب القبلة الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة الباب ١١ من أبواب القبلة الحديث ١.

١٩٩

كما يعتبر في حقّ الرجال ان لا يكون من الذهب والحرير الخالص.

والمشكوك من غير جهة الإباحة تجوز الصلاة فيه.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما لزوم الستر في الصلاة‌ فهو متسالم عليه. وقد جاء في المستمسك (١) ان استفادة الشرطية من النصوص حتى لحالة عدم الناظر غير ممكنة والعمدة هو الإجماع.

هذا والظاهر امكان ذلك ، ففي صحيحة صفوان انه كتب إلى أبي الحسن عليه‌السلام يسأله «عن الرجل معه ثوبان فأصاب أحدهما بول ولم يدر أيّهما هو وحضرت الصلاة وخاف فوتها وليس عنده ماء كيف يصنع؟ قال : يصلّي فيهما جميعا» (٢) فانه بترك الاستفصال يفهم وجوب الستر وإلاّ كان المناسب الاكتفاء بالصلاة عاريا حالة الأمن من الناظر.

وسند الصدوق والشيخ إلى صفوان صحيح.

٢ ـ واما ان العورة في حق الرجل ما ذكر دون ما زاد كالعجان‌ فيكفي لنفي الزيادة عدم الدليل عليها ، ولإثبات المقدار المذكور بعض الروايات كصحيحة زرارة الواردة في الرجل والمرأة اللذين سلبت ثيابهما وأرادا الصلاة : «... وان كان رجلا وضع يده على سوأته ثمّ يجلسان فيوميان ايماء ولا يسجدان ولا يركعان فيبدو ما خلفهما ...» (٣).

٣ ـ واما تحديد عورة المرأة في الصلاة بما ذكر ‌فهو المعروف‌

__________________

(١) مستمسك العروة الوثقى ٥ : ٢٥١.

(٢) وسائل الشيعة الباب ٦٤ من أبواب النجاسات الحديث ١.

(٣) وسائل الشيعة الباب ٥٠ من أبواب لباس المصلي الحديث ٦.

٢٠٠