دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي على المذهب الجعفري - ج ١

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي على المذهب الجعفري - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الفقه للطباعة والنشر
المطبعة: برهان
الطبعة: ٢
ISBN: 964-499-035-8
ISBN الدورة:
964-499-048-X

الصفحات: ٥٧٦

عبدون الشيخ مغاير لما حدّث به النجاشي فيثبت ان كل ما حدّث به الشيخ عن شيخه ابن عبدون قد وصل بالطريق الآخر الصحيح للنجاشي (١).

والاخرى : صحيح عبد الصمد بن بشير : «... أي رجل ركب أمرا بجهالة فلا شي‌ء عليه» (٢) فان مورده وان كان هو المحرم الذي لبس قميصا حالة الاحرام إلاّ ان المورد لا يخصص الوارد.

وبهذا يتّضح ان ما اختاره ابن إدريس وصاحب الحدائق (٣) من نفي وجوب القضاء عن الجاهل فضلا عن الكفارة وجيه ، ولكن يبقى من المناسب للفقيه الاحتياط في فتواه تحرزا من مخالفة المشهور.

٥ ـ واما التخيير في خصال الكفارة‌ فهو المشهور ونسب الى العماني اعتبار الترتيب (٤). والاخبار على طوائف. والمهم منها اثنتان :

احداهما : ما دل على التخيير ، كصحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «رجل أفطر في شهر رمضان متعمّدا يوما واحدا من غير عذر. قال : يعتق نسمة أو يصوم شهرين متتابعين أو يطعم ستّين مسكينا ، فإن لم يقدر تصدّق بما يطيق» (٥) وغيرها.

ثانيتهما : صحيحة علي بن جعفر في كتابه عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السّلام : «سألته عن رجل نكح امرأته وهو صائم في رمضان ما‌

__________________

(١) معجم رجال الحديث ١ : ٨٢.

(٢) وسائل الشيعة الباب ٤٥ من أبواب تروك الاحرام الحديث ٣.

(٣) الحدائق الناضرة ١٣ : ٦٠ ـ ٦٦.

(٤) الحدائق الناضرة ١٣ : ٢١٨.

(٥) وسائل الشيعة الباب ٨ من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث ١.

٣٢١

عليه؟ قال : عليه القضاء وعتق رقبة ، فان لم يجد فصيام شهرين متتابعين ، فإن لم يستطع فإطعام ستّين مسكينا ، فان لم يجد فليستغفر الله» (١) وغيرها. والرواية صحيحة لأنّ الحر له طريق معتبر إلى جميع الكتب التي ينقل عنها الشيخ والتي من جملتها كتاب علي بن جعفر ، والشيخ له طريق صحيح إليه.

ويمكن الجمع بحمل الثانية على الاستحباب بقرينة الاولى. ومع التنزل والتسليم بالمعارضة يلزم ترجيح الاولى لمخالفتها للتقيّة. ومع التنزل أيضا يتمّ التعارض والتساقط والرجوع الى الأصل وهو يقتضي البراءة من الترتيب لأنه كلفة زائدة مجهولة. والنتيجة واحدة على جميع التقادير.

٦ ـ واما كفاية الاستغفار للعاجز‌ فلذيل الصحيحة المتقدّمة.

٧ ـ واما وجوبها مع التمكّن المتأخّر‌ فلان الكفارة ليس لها وقت محدّد ليكون وجوبها الجديد بعد الانتقال الى الاستغفار بحاجة الى دليل ، بل يبقى دليل وجوبها ملاحقا للمكلف عند تمكّنه.

٨ ـ واما ان الشاكّ في طلوع الفجر يجوز له تناول المفطر‌ فللاستصحاب الموضوعي ، وبقطع النظر عنه يجري الاستصحاب الحكمي ، وبقطع النظر عنه يجوز التمسّك بالبراءة. وبعد هذا لا يبقى وجه للحاجة الى وجوب الامساك من باب المقدّمة العلمية.

٩ ـ واما ان عليه القضاء لو انكشف الطلوع‌ فلانه لم يأت بالواجب وهو الامساك ما بين الحدّين. وما تقدّم من الاصول ينفعه في رفع الحكم‌

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ٨ من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث ٩.

٣٢٢

التكليفي دون الوضعي. هذا ما تقتضيه القاعدة ، إلاّ ان موثقة سماعة : «سألته عن رجل أكل أو شرب بعد ما طلع الفجر في شهر رمضان. قال : ان كان قام فنظر فلم ير الفجر فأكل ثمّ عاد فرأى الفجر فليتم صومه ولا إعادة عليه. وان كان قام فأكل وشرب ثم نظر الى الفجر فرأى انه قد طلع الفجر فليتم صومه ويقض يوما آخر لأنه بدأ بالأكل قبل النظر فعليه الإعادة» (١) فصلت بين المراعاة وعدمها.

١٠ ـ واما انه لا شي‌ء عليه مع بقاء حالة الشكّ‌ فلأصل البراءة بعد عدم المحرز لموضوع وجوب القضاء والكفارة.

١١ ـ واما ان الشاك في الغروب لا يجوز له ارتكاب المفطر‌ فللاستصحاب وقاعدة الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني.

١٢ ـ واما ان عليه القضاء والكفارة‌ فلانه بالاستصحاب الموضوعي يتنقح موضوعهما بعد ضم الوجدان الى الأصل.

١٣ ـ واما مع اتضاح دخوله‌ فلعدم تحقّق موضوعهما ، غايته تثبت العقوبة من باب التجري.

١٤ ـ واما ان فاقد النية المتواصلة عليه القضاء‌ فلانه لم يأت بالواجب وهو الامساك عن قصد قربي. واما عدم وجوب الكفارة فلعدم ارتكابه المفطر الذي هو موضوعها.

١٥ ـ واما عدم صحّة التطوّع ممّن عليه القضاء‌ فلصحيحة الحلبي : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل عليه من شهر رمضان طائفة أيتطوّع؟

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ٤٤ من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث ٣.

٣٢٣

فقال : لا حتى يقضي ما عليه من شهر رمضان» (١) وغيرها.

١٦ ـ واما الشيخ والشيخة فمع عدم الحرج يجب عليهما الصوم‌ لعدم المقيد لإطلاقات الوجوب. ومع الحرج ينتفي عنهما الوجوب لقاعدة نفي الحرج المستفادة من قوله تعالى : (ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) (٢) ولقوله تعالى : (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ) (٣) فان الإطاقة تعني تحمّل الشي‌ء مع المشقّة وذلك غير الطاقة بمعنى القدرة.

وليس الحكم منسوخا بقوله تعالى : (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) (٤) بدعوى ان الآية الكريمة تدلّ على ان حكم المتمكّن من الصوم في صدر الشريعة هو التخيير بين الفداء والصوم ـ (وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ) ـ ثم نسخ بالآية الاخرى.

فان ما ذكر مبني على تفسير الاطاقة بالقدرة ولكنه ليس كذلك كما أسلفنا. وجملة (وَأَنْ تَصُومُوا ...) لا ترجع الى من يطيق الصوم ليثبت التخيير بل الى صدر الآية وهو قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ* أَيّاماً مَعْدُوداتٍ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ ...) (٥). فكأنّه يراد بذلك تحريض الأصحاء على الصوم وانه خير لكم. واما‌

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ٢٨ من أبواب أحكام شهر رمضان الحديث ٥.

(٢) الحج : ٧٨.

(٣) البقرة : ١٨٤.

(٤) البقرة : ١٨٥.

(٥) البقرة : ١٨٣ ـ ١٨٤.

٣٢٤

قوله : (فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ) فهو تحريض على الصوم الندبي.

وبهذا يتّضح أن حكم المطيق هو الفداء فقط دون التخيير بينه وبين الصوم كما اختاره جملة من الأعلام بتصوّر دلالة الآية الكريمة على التخيير.

وإذا كان في الآية الكريمة إجمال ففي صحيحة عبد الله بن سنان : «سألته عن رجل كبير ضعف عن صوم شهر رمضان ، قال : يتصدّق كل يوم بما يجزئ من طعام مسكين» (١) وغيرها دلالة واضحة.

١٧ ـ واما ان الفداء مدّ من طعام‌ فلصحيحة محمّد بن مسلم : «سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : الشيخ الكبير والذي به العطاش لا حرج عليهما أن يفطرا في شهر رمضان ويتصدّق كلّ واحد منهما في كلّ يوم بمدّ من طعام ولا قضاء عليهما ، وان لم يقدرا فلا شي‌ء عليهما» (٢) إلاّ ان في صحيحته الاخرى : «سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام ... ويتصدّق كلّ واحد منهما في كل يوم بمدّين من طعام» (٣).

ويمكن الجمع اما بدعوى الاطمئنان بوحدة الرواية ـ وحمل اختلاف الامامين المسموع عنهما الحديث على الاشتباه ـ ومع عدم الدليل على صحّة أحد النقلين يتمسّك بالأصل المقتضي للبراءة عن المدّ الزائد ، أو بحمل الرواية الثانية على الاستحباب.

١٨ ـ واما من به داء العطش‌ فحكمه يتّضح من صحيحة محمّد بن مسلم السابقة.

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ١٥ من أبواب من يصح منه الصوم الحديث ٥.

(٢) وسائل الشيعة الباب ١٥ من أبواب من يصح منه الصوم الحديث ١.

(٣) وسائل الشيعة الباب ١٥ من أبواب من يصح منه الصوم الحديث ٢.

٣٢٥

١٩ ـ واما المرضعة والحامل‌ فيدل على حكمهما صحيح محمّد بن مسلم : «سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : الحامل المقرب والمرضع القليلة اللبن لا حرج عليهما ان تفطرا في شهر رمضان لأنهما لا تطيقان الصوم وعليهما ان تتصدّق كلّ واحد منهما في كل يوم تفطر فيه بمدّ من طعام وعليهما قضاء كلّ يوم أفطرتا فيه تقضيانه بعد» (١).

٢٠ ـ واما التقييد بالاضرار‌ فللتعليل المذكور في الصحيح المتقدّم.

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ١٧ من أبواب من يصح منه الصوم الحديث ١.

٣٢٦

كتاب الزّكاة‌

١ ـ بم تتعلّق الزكاة

٢ ـ شرائط عامة

٣ ـ شرائط الوجوب في الانعام

٤ ـ شرائط الوجوب في النقدين

٥ ـ شرائط الوجوب في الغلات

٦ ـ المستحقّون للزكاة

٧ ـ أوصاف المستحقين

٨ ـ أحكام عامة

٩ ـ زكاة الفطرة وشرائط وجوبها‌

٣٢٧
٣٢٨

١ ـ بم تتعلّق الزكاة؟

تتعلّق الزكاة بتسعة أشياء : الأنعام الثلاثة ، والنقدين ، والغلاّت الأربع.

والمستند في ذلك : الروايات المستفيضة ، ففي صحيحة الفضلاء عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السّلام : «فرض الله عزّ وجلّ الزكاة مع الصلاة في الأموال. وسنّها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في تسعة أشياء وعفا عمّا سواهن : في الذهب والفضة ، والإبل والبقر والغنم ، والحنطة والشعير والتمر والزبيب ، وعفا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عمّا سوى ذلك» (١).

وفي صحيحة ابن مهزيار زيادة هي : «... فقال له القائل : عندنا شي‌ء كثير يكون أضعاف ذلك ، فقال : وما هو فقال له : الارز فقال له أبو عبد الله عليه‌السلام : أقول لك ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وضع الزكاة على تسعة أشياء وعفا عمّا سوى ذلك وتقول عندنا ارز وعندنا ذرة ...» (٢).

إلاّ ان بإزاء ذلك روايات اخرى متعدّدة دلّت على ثبوتها في غير‌

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ٨ من أبواب ما تجب فيه الزكاة الحديث ٤.

(٢) وسائل الشيعة الباب ٨ من أبواب ما تجب فيه الزكاة الحديث ٦.

٣٢٩

ذلك أيضا ، ففي صحيحة محمد بن مسلم : «سألته عن الحبوب ما يزكى منها؟ قال عليه‌السلام : البرّ والشعير والذرة والدخن والارز والسلت والعدس والسمسم ، كل هذا يزكى وأشباهه» (١).

ويمكن الجمع بحمل الثانية على الاستحباب. وإذا شكك في عرفية الجمع المذكور أمكن الرجوع في مادة المعارضة الى أصل البراءة ، والنتيجة واحدة على كلا التقديرين ، وهي نفي الوجوب وإن أمكن على الأوّل إثبات الاستحباب بخلافه على الثاني.

٢ ـ شرائط عامّة‌

لا تجب الزكاة إلاّ مع البلوغ ، والعقل ، والحرية ، والملكية ، والتمكّن من التصرّف ، والنصاب.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما اعتبار البلوغ في النقدين‌ فمتسالم عليه وفي غيرهما مختلف فيه.

ويمكن التمسّك للاعتبار المطلق بحديث رفع القلم (٢) ـ بناء على تمامية سنده ولو للانجبار بشهرة العمل ـ فان دعوى اختصاصه برفع خصوص الأحكام التكليفيّة دون الوضعيّة ـ كشركة الفقير في أموال الصبي مع تكليف الولي بالدفع ـ لا وجه لها بعد إطلاق القلم المرفوع.

كما يمكن التمسّك بما دلّ على نفي الزكاة في مال اليتيم‌

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ٩ من أبواب ما تجب فيه الزكاة الحديث ٤.

(٢) وسائل الشيعة الباب ٤ من أبواب مقدّمة العبادات.

٣٣٠

كصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام : «ليس في مال اليتيم زكاة» (١) ، فان الخصوصية لليتم ـ الذي يختص صدقه بما قبل البلوغ ـ غير محتملة.

وقد يقال ورد في صحيحة زرارة ومحمّد بن مسلم عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السّلام انهما قالا : «ليس على مال اليتيم في الدين والمال الصامت شي‌ء ، فامّا الغلاّت فعليها الصدقة واجبة» (٢). ومقتضاها الوجوب في الغلاّت ، وتبقى المواشي مسكوتا عنها فيرجع في نفيها الى إطلاق حديث رفع القلم أو نفيها في مال اليتيم ، وبقطع النظر عن ذلك يكفينا أصل البراءة.

وهذا وجيه لو لم تكن الصحيحة المذكورة معارضة بصحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «ليس في مال اليتيم زكاة وليس عليه صلاة وليس على جميع غلاته من نخل أو زرع أو غلّة زكاة ...» (٣) وإلاّ فالمرجع بعد التعارض إطلاق حديث رفع القلم ، وبقطع النظر عنه فأصل البراءة.

٢ ـ واما اعتبار العقل‌ فيكفي لإثباته حديث رفع القلم. وبغض النظر عن ذلك يكفينا القصور في المقتضي ، فإنّ أدلّة وجوب الزكاة حيث انها تدل على الحكم التكليفي فلا يحتمل شمولها للمجنون. وتوجيه التكليف بالاخراج الى الولي حيث انه مشكوك فينفى بأصل البراءة.

٣ ـ واما اعتبار الحرية‌ فلصحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «سأله رجل وانا حاضر عن مال المملوك أعليه زكاة؟ فقال :

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ١ من أبواب من تجب عليه الزكاة الحديث ٨.

(٢) وسائل الشيعة الباب ١ من أبواب من تجب عليه الزكاة الحديث ٢.

(٣) وسائل الشيعة الباب ١ من أبواب من تجب عليه الزكاة الحديث ١١.

٣٣١

لا ولو كان له ألف ألف درهم ...» (١) وغيرها.

هذا بناء على ان العبد يملك ـ كما هو ظاهر الصحيحة ـ وإلاّ فالأمر أوضح.

ثم انه لا فرق بين القن والمدبر وأمّ الولد والمكاتب المشروط والمطلق الذي لم يؤد شيئا وإلاّ فالمشهور ذهب الى الوجوب إذا كان ما يقع مقابل القسم المتحرّر بعد التوزيع بالغا مقدار النصاب.

٤ ـ واما اعتبار الملكية‌ فهو من المسلّمات فلا تجب الزكاة على الموهوب قبل قبضه ولا على الموصى به قبل قبول الموصى له ولا على المباحات العامّة ولا على ما كان ملكا للجهة ، كالبستان الموقوف على العلماء.

والوجه : اقتضاء الأصل لذلك بعد الشكّ في اعتبار الملكيّة. مضافا الى ظاهر قوله تعالى : (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ) (٢) ، فان عنوان «أموالهم» لا يصدق إلاّ مع الملكية الشخصية.

٥ ـ واما اعتبار التمكّن من التصرّف‌ فهو متسالم عليه أيضا فلا تجب الزكاة في المسروق والمجحود ونحوهما.

وتدل عليه موثقة زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «رجل ماله عنه غائب لا يقدر على أخذه. قال : فلا زكاة عليه حتى يخرج فإذا خرج زكّاه لعام واحد ، فان كان يدعه متعمّدا وهو يقدر على أخذه فعليه الزكاة لكل ما مرّ به من السنين» (٣) وغيرها.

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ٤ من أبواب من تجب عليه الزكاة الحديث ٣.

(٢) التوبة : ١٠٣.

(٣) وسائل الشيعة الباب ٥ من أبواب من تجب عليه الزكاة الحديث ٧.

٣٣٢

وسند الشيخ الى ابن فضال يمكن تصحيحه بعد كون الزبيري من مشايخ الاجازة.

واما النصاب فهو وان كان من الشرائط العامة إلاّ انه لاختلاف كمّه باختلاف ما تجب فيه الزكاة نتعرّض له في الشرائط الخاصّة.

٣ ـ شرائط الوجوب في الانعام‌

يلزم لوجوب الزكاة في الأنعام ـ بعد الشرائط العامة ـ توفر :

أ ـ النصاب. وهو في الابل اثنا عشر : ٥ : شاة ، ١٠ : شاتان ، ١٥ : ثلاث شياه ، ٢٠ : أربع شياه ، ٢٥ : خمس شياه ، ٢٦ : بنت مخاض ، ٣٦ : بنت لبون ، ٤٦ ، حقة ، ٦١ : جذعة ، ٧٦ : بنتا لبون ، ٩١ : حقتان ، ١٢١ : في كل خمسين حقة وفي كل أربعين بنت لبون.

وفي البقر نصابان : ٣٠ : تبيع ، ٤٠ : مسنة. والزائد عفو الى ان يمكن حسابه بالثلاثين أو بالأربعين أو بهما.

وفي الغنم خمسة نصب : ٤٠ : شاة ، ١٢١ : شاتان ، ٢٠١ : ثلاث شياه ، ٣٠١ : أربع شياه ، ٤٠٠ فما زاد : في كل ١٠٠ شاة.

والزائد عن كل نصاب عفو حتى يبلغ النصاب الآخر.

ب ـ السوم فترة الحول. ولا يضر بوجوب الزكاة علفها في أوقات قليلة إذا لم ينتف معه عنوان كونها سائمة.

ج ـ عدم كونها عوامل.

د ـ مرور حول عليها عند مالكها جامعة للشرائط.

والمستند في ذلك :

٣٣٣

١ ـ اما ان نصاب الابل ما ذكر‌ فلعدّة روايات كصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام : «ليس فيما دون الخمس من الابل شي‌ء ، فإذا كانت خمسا ففيها شاة الى عشرة ، فاذا بلغت عشرا ففيها شاتان ، فإذا بلغت خمسة عشر ففيها ثلاث من الغنم ، فإذا بلغت عشرين ففيها أربع من الغنم ، فإذا بلغت خمسا وعشرين ففيها خمس من الغنم ، فإذا زادت واحدة ففيها ابنة مخاض الى خمس وثلاثين ، فإن لم يكن عنده ابنة مخاض فابن لبون ذكر ، فان زادت على خمس وثلاثين بواحدة ففيها بنت لبون الى خمس وأربعين ، فان زادت واحدة ففيها حقة ، وانما سمّيت حقّة لأنها استحقت أن يركب ظهرها الى ستين ، فإن زادت واحدة ففيها جذعة الى خمس وسبعين ، فإن زادت واحدة ففيها ابنتا لبون الى تسعين ، فان زادت واحدة فحقتان الى عشرين ومائة ، فان زادت على العشرين والمائة واحدة ففي كل خمسين حقّة وفي كل أربعين ابنة لبون» (١) وغيرها.

وطريق الصدوق الى عمر بن اذينة صحيح على ما في المشيخة.

هذا ولكن ورد في صحيحة الفضلاء عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السّلام : «في صدقة الابل في كل خمس شاة الى أن تبلغ خمسا وعشرين ، فإذا بلغت ذلك ففيها ابنة مخاض ، ثم ليس فيها شي‌ء حتى تبلغ خمسا وثلاثين ، فإذا بلغت خمسا وثلاثين ففيها ابنة لبون ثم ...» (٢).

ومن المظنون وقوع الاشتباه بالحذف. والتقدير : فاذا بلغت ذلك وزادت واحدة ففيها ابنة مخاض ... فإذا بلغت خمسا وثلاثين وزادت‌

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ٢ من أبواب زكاة الأنعام الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة الباب ٢ من أبواب زكاة الانعام الحديث ٦.

٣٣٤

واحدة ففيها ابنة لبون ...

٢ ـ واما نصاب البقر‌ فتدلّ عليه صحيحة الفضلاء عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السّلام : «في البقر في كل ثلاثين بقرة تبيع حولي ، وليس في أقل من ذلك شي‌ء ، وفي أربعين بقرة مسنة ، وليس فيما بين الثلاثين الى الأربعين شي‌ء حتى تبلغ أربعين ، فإذا بلغت أربعين ففيها بقرة مسنة ، وليس فيما بين الأربعين الى الستين شي‌ء ، فإذا بلغت ستين ففيها تبيعان الى السبعين ، فإذا بلغت السبعين ففيها تبيع ومسنة الى الثمانين ، فإذا بلغت ثمانين ففي كلّ أربعين مسنة الى تسعين ...» (١).

٣ ـ واما نصاب الغنم‌ فتدل عليه صحيحة الفضلاء أيضا عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السّلام : «في كل أربعين شاة شاة ، وليس فيما دون الأربعين شي‌ء ، ثم ليس فيها شي‌ء حتى تبلغ عشرين ومائة ، فإذا بلغت عشرين ومائة ففيها مثل ذلك شاة واحدة ، فإذا زادت على مائة وعشرين ففيها شاتان ، وليس فيها أكثر من شاتين حتى تبلغ مائتين ، فإذا بلغت المائتين ففيها مثل ذلك ، فإذا زادت على المائتين شاة واحدة ففيها ثلاث شياه ثم ليس فيها شي‌ء أكثر من ذلك حتى تبلغ ثلاثمائة ، فإذا بلغت ثلاثمائة ففيها مثل ذلك ثلاث شياه ، فإذا زادت واحدة ففيها أربع شياه حتى تبلغ أربعمائة ، فإذا تمّت أربعمائة كان على كل مائة شاة ...» (٢).

هذا ولكن في صحيحة محمّد بن قيس : انها إذا بلغت ثلاثمائة‌

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ٤ من أبواب زكاة الأنعام الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة الباب ٦ من أبواب زكاة الانعام الحديث ١.

٣٣٥

وكثرت الغنم ففي كلّ مائة شاة (١).

ولازم ذلك كون النصب أربعة وانكار النصاب الخامس. والى ذلك ذهب جماعة من الأصحاب.

والتعارض ان استقر ولم يمكن الجمع بينهما فالمناسب طرح الصحيحة الثانية لموافقتها للجمهور.

وهناك اشكال مشهور وهو انه ما الفائدة من النصاب الخامس بعد ان كانت الفريضة عليه وعلى النصاب الرابع واحدة.

وأجاب المحقّق في شرائع الإسلام بقوله : «وتظهر الفائدة في الوجوب وفي الضمان» (٢).

والمقصود : ان الأربعمائة بناء على كونها نصابا مستقلاّ فمحل الوجوب هو الاربعمائة ، ولازم ذلك عدم جواز ذبح بعضها قبل اخراج الفريضة ، وهذا بخلاف ما لو كان عنده ثلاثمائة وتسعون مثلا فإنّه يجوز ذبح بعضها ما دام قد بقي ثلاثمائة وواحدة.

وأيضا إذا تلفت واحدة من الأربعمائة بلا تفريط ، فإنّه يسقط من الفريضة جزء من مائة جزء من شاة واحدة من الشياه الأربع ، وهذا بخلاف ما لو كان عنده ثلاثمائة وتسعون مثلا فإنه لا يسقط من الفريضة شي‌ء.

٤ ـ واما اعتبار السوم‌ فعليه اتفاق المسلمين. وتدلّ عليه صحيحة الفضلاء عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السّلام : «ليس على العوامل من الابل‌

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ٦ من أبواب زكاة الانعام الحديث ٢.

(٢) شرائع الإسلام ١ : ١٠٨ ، انتشارات استقلال.

٣٣٦

والبقر شي‌ء وانما الصدقات على السائمة المرعية ...» (١) وغيرها.

وطريق الشيخ الى الحسين بن سعيد صحيح. وبقية أفراد السند ثقات.

٥ ـ واما علفها وقتا قليلا كيوم خلال السنة‌ فقيل ينتفي معه الوجوب. وقيل ان المدار على ملاحظة أكثر أيام السنة ، فإذا كانت في خمسة أشهر معلوفة وفي سبعة سائمة وجبت الزكاة وإذا انعكس الأمر لم تجب.

والمناسب كون العبرة بالصدق العرفي كما هو الحال في بقيّة المفاهيم ، فإذا كان علفها خمسة أيّام لا يضرّ عرفا بصدق عنوان كونها سائمة وجبت ، وإذا فرض عدم صدقه لم تجب.

وفي مورد الشكّ في الصدق العرفي تجب تمسّكا بإطلاق وجوب الزكاة على الأنعام لأن المخصص المنفصل إذا كان مجملا مفهوما ودار أمره بين الأقل والأكثر يلزم الرجوع في مورد الشك الى الاطلاق.

أجل إذا كان إجمال المخصص مصداقيا فلا يجوز التمسك بالإطلاق لعدم جوازه في الشبهة المصداقية. بل يجب الرجوع الى استصحاب الحالة السابقة ان كانت ، ومع عدمها فإلى استصحاب العدم الأزلي لعنوان السائمة بناء على حجيّته وإلاّ فإلى أصل البراءة.

٦ ـ واما انه يلزم أن لا تكون عوامل‌ فللصحيحة المتقدّمة وغيرها.

إلاّ انه هنا يوجد معارض وهو موثق إسحاق بن عمّار : «سألت أبا إبراهيم عليه‌السلام عن الإبل العوامل عليها زكاة؟ فقال : نعم عليها زكاة» (٢).

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ٧ من أبواب زكاة الأنعام الحديث ٥.

(٢) وسائل الشيعة الباب ٧ من أبواب زكاة الانعام الحديث ٨.

٣٣٧

والجمع بالحمل على الاستحباب ان لم يكن عرفيا فلا بدّ من طرح المعارض اما لهجرانه بين الأصحاب وعدم قائل به أو لحمله على التقيّة.

والكلام فيما إذا كانت عوامل في بعض الحول هو الكلام المتقدم في السوم.

٧ ـ واما اعتبار مرور الحول‌ فللصحيحة المتقدّمة حيث ورد في ذيلها : «وكل ما لم يحل عليه الحول عند ربه فلا شي‌ء عليه فيه ، فإذا حال عليه الحول وجب عليه» (١) وغيرها.

٤ ـ شرائط الوجوب في النقدين‌

يلزم لوجوب الزكاة في النقدين ـ مضافا الى الشرائط العامّة ـ توفر :

أ ـ النصاب. وهو في الذهب عشرون مثقالا ، ومن ثمّ أربعة أربعة.

والفريضة ربع عشر. وفي الفضة مائتا درهم ، ومن ثمّ أربعون أربعون.

والفريضة كذلك.

ب ـ الضرب بسكة المعاملة.

ج ـ مضي حول.

والمشهور وجوب الزكاة في المغشوش إذا كان الخالص يبلغ النصاب.

ومع الشك لا يجب الاختبار.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما ان نصاب الذهب ما ذكر‌ فلروايات كثيرة تتجاوز العشر‌

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ٨ من أبواب زكاة الانعام الحديث ١.

٣٣٨

كموثق علي بن عقبة وعدّة من أصحابنا عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السّلام : «ليس فيما دون العشرين مثقالا من الذهب شي‌ء فإذا كملت عشرين مثقالا ففيها نصف مثقال الى أربعة وعشرين ، فإذا أكملت أربعة وعشرين ففيها ثلاثة أخماس دينار الى ثمانية وعشرين فعلى هذا الحساب كلّما زاد أربعة» (١) وغيرها.

والدينار الشرعي يعادل مثقالا واحدا بوزن ١٨ حمصة. وربع عشر العشرين نصف دينار ، وبضم الأربعة تكون الفريضة ثلاثة أخماس دينار.

وبإزاء الروايات المذكورة صحيحة الفضلاء عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السّلام : «في الذهب في كل أربعين مثقالا مثقال ... وليس في أقل من أربعين مثقالا شي‌ء» (٢). ومثلها صحيحة زرارة (٣).

والجمع بالحمل على الاستحباب ان لم يكن عرفيا فالمناسب الأخذ بالطائفة الاولى لأنها لكثرتها تشكّل عنوان السنّة القطعية ، وبذلك يصدق على الطائفة الثانية عنوان المخالف للسنّة القطعية فيلزم طرحها ، فان المخالف للكتاب الكريم انما يطرح لكونه مخالفا للدليل القطعي ـ وذلك صادق على المخالف للسنّة القطعية ـ ولا خصوصية لعنوان الكتاب الكريم ومخالفته.

٢ ـ واما ان نصاب الفضة ما ذكر‌ فلم ينقل فيه خلاف. ويدل عليه موثق زرارة وبكير ابني اعين حيث سمعا أبا جعفر عليه‌السلام يقول : «في‌

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ١ من أبواب زكاة الذهب والفضة الحديث ٥.

(٢) وسائل الشيعة الباب ١ من أبواب زكاة الذهب والفضة الحديث ١٣.

(٣) وسائل الشيعة الباب ١ من أبواب زكاة الذهب والفضة الحديث ١٤.

٣٣٩

الزكاة ... ليس في أقل من مائتي درهم شي‌ء ، فإذا بلغ مائتي درهم ففيها خمسة دراهم ، فما زاد فبحساب ذلك. وليس في مائتي درهم وأربعين درهما غير درهم إلاّ خمسة الدراهم ، فإذا بلغت أربعين ومائتي درهم ففيها ستّة دراهم ، فإذا بلغت ثمانين ومائتي درهم ففيها سبعة دراهم ، وما زاد فعلى هذا الحساب ...» (١) وغيره.

ومحمّد بن إسماعيل المذكور في السند هو الزعفراني ـ الذي هو ثقة عين ـ حيث يروي ابن فضال عنه.

٣ ـ واما اعتبار الضرب بسكّة المعاملة‌ فممّا لا خلاف فيه. وتدلّ عليه صحيحة علي بن يقطين عن أبي ابراهيم عليه‌السلام : «يجتمع عندي الشي‌ء الكثير قيمته فيبقى نحوا من سنة أنزكيه؟ فقال : لا ، كل ما لم يحل عليه الحول فليس عليك فيه زكاة. وكل ما لم يكن ركازا فليس عليك فيه شي‌ء. قلت : وما الركاز؟ قال : الصامت المنقوش. ثم قال : إذا أردت ذلك فاسبكه فإنّه ليس في سبائك الذهب ونقار الفضة شي‌ء من الزكاة» (٢) وغيرها.

والمراد بالمنقوش ما كان كذلك بسكة المعاملة وإلاّ فالسبيكة قد يكون فيها نقش أيضا.

ويمكن التمسّك أيضا بما دلّ على نفيها في الحلي كصحيحة هارون بن خارجة عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «... ليس على الحلي زكاة» (٣) وغيرها.

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ٢ من أبواب زكاة الذهب والفضة الحديث ١٠.

(٢) وسائل الشيعة الباب ٨ من أبواب زكاة الذهب والفضة الحديث ٢.

(٣) وسائل الشيعة الباب ٩ من أبواب زكات الذهب والفضة الحديث ٢.

٣٤٠