دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي على المذهب الجعفري - ج ١

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي على المذهب الجعفري - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الفقه للطباعة والنشر
المطبعة: برهان
الطبعة: ٢
ISBN: 964-499-035-8
ISBN الدورة:
964-499-048-X

الصفحات: ٥٧٦

وصحيحة محمّد بن مسلم : «سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : لا يضرّ الصائم ما صنع إذا اجتنب ثلاث خصال : الطعام والشراب ، والنساء ، والارتماس في الماء» (١) وغيرها. ولا يضرّ عدم صحّة طريق الصدوق الى ابن مسلم بعد صحّة بعض طرق الشيخ في الرواية المذكورة.

٤ ـ واما التعميم للمعتاد وغيره‌ فلان حذف المتعلّق يدل على العموم. واحتمال الاختصاص بالمعتاد ـ كما ينسب إلى السيّد المرتضى وابن الجنيد منّا والحسن بن صالح وأبي طلحة الأنصاري من غيرنا (٢) ـ لم يعرف له وجه سوى ان الطعام والشراب الواردين في الصحيحة المتقدّمة لا يصدق على غير المعتاد لكنه مندفع باحتمال كون المراد منهما المعنى المصدري لا الذوات الخارجية ليستفاد الاختصاص ، ومع الاحتمال تصير مجملة لا تصلح للوقوف امام المطلقات كالآية الكريمة.

٥ ـ واما التعميم من الناحيتين الأخيرتين‌ فللإطلاق.

٦ ـ واما عدم جواز ابتلاع ما وصل إلى الفم من الرأس أو الصدر‌ فلصدق الأكل أو الشرب عليه. أجل مع عدم وصوله إليه لا يصدق عليه ذلك ولا أقل من الشك فيتمسّك بالبراءة.

٧ ـ واما جواز الابرة والقطرة‌ فلعدم صدق الأكل والشرب عليهما فتجري البراءة.

٨ ـ واما جواز ابتلاع البصاق‌ فلانصراف اطلاقات النهي عن الأكل والشرب عن مثل ذلك. ويؤكّد ذلك سيرة المتشرّعة الجارية عليه.

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ١ من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث ١.

(٢) مصباح الفقيه ١٤ : ٣٦٤.

٣٠١

٩ ـ واما جواز ترك التخليل‌ فلان ما يصل الى الجوف ـ على تقدير تركه ـ حالة النوم أو غيرها لا يكون عن عمد ـ بعد ما كان مقتضى الاستصحاب عدم وصوله الى الجوف ـ حتى يكون مفطرا بل تركه كوضع الطعام الى جنب الصائم إذا احتمل تناوله له حالة نومه. أجل مع العلم بالوصول يكون مصداقا للتعمّد.

١٠ ـ واما مفطرية الجماع‌ فهي من الضروريات ، ويدل عليها قوله تعالى : (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ ... حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ) (١) وصحيحة ابن مسلم المتقدّمة وغيرها.

١١ ـ واما التعميم من الجهتين‌ فلإطلاق ما سبق.

١٢ ـ واما ان الشاك في الدخول أو بلوغ مقدار الحشفة يجب عليه القضاء‌ فلقصده ارتكاب المفطر. واما عدم وجوب الكفارة فلأصالة عدم تحقّق موجبها.

ثم انه لا اشكال في ان الجماع الموجب للغسل ليس الا ما كان بمقدار الحشفة لصحيحة محمد بن اسماعيل بن بزيع : «سألت الرضا عليه‌السلام عن الرجل يجامع المرأة قريبا من الفرج فلا ينزلان متى يجب الغسل؟ فقال : إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل. فقلت : التقاء الختانين هو غيبوبة الحشفة؟ قال : نعم» (٢) وغيرها. واما الجماع المحرم على الصائم والموجب لبطلان صومه فلا دليل على تقيده بذلك الا اذا استفدنا من الروايات ان المحرّم في باب الصوم هو الجماع‌

__________________

(١) البقرة : ١٨٧.

(٢) وسائل الشيعة الباب ٦ من أبواب الجنابة الحديث ٢.

٣٠٢

الموجب للجنابة والغسل.

١٣ ـ واما عدم وجوب القضاء على من تحقّق الدخول منه مع قصده التفخيذ‌ فلعدم تعمّده.

١٤ ـ واما مفطرية انزال المني‌ فهي متسالم عليها. ويدل عليها صحيح عبد الرحمن بن الحجاج : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يعبث بأهله في شهر رمضان حتى يمني. قال : عليه من الكفارة مثل ما على الذي يجامع» (١) فان وجوب الكفارة يدل بالالتزام على المفطرية ووجوب القضاء. وهو ان اختص بالعبث بالأهل إلاّ أنّه يمكن التعدّي منه إلى سائر الأسباب بالأولوية.

ويؤكد التعميم صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «سئل عن رجل يمسّ من المرأة شيئا أيفسد ذلك صومه أو ينقضه؟ فقال : ان ذلك ليكره للرجل الشاب مخافة أن يسبقه المني» (٢) فانه يمكن أن يستفاد منه ان نزول المني بما هو وبقطع النظر عن السبب مفطر.

١٥ ـ واما انه لا شي‌ء إذا نزل بلا قصد‌ فلان المفطر هو الفعل الاختياري إذ بعد قصور المقتضي يتمسّك في غيره بالبراءة.

ومنه يتّضح عدم مفطرية الاحتلام. على انه ورد في صحيحة عبد الله بن ميمون عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «ثلاثة لا يفطرن الصائم : القي‌ء والاحتلام والحجامة ...» (٣).

كما يتّضح ان المحتلم يجوز له في النهار الاستبراء وان علم‌

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ٤ من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة الباب ٣٣ من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث ١.

(٣) وسائل الشيعة الباب ٣٥ من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث ١.

٣٠٣

بوجود بقايا من المني في المجرى فان نزوله من نتائج الاحتلام السابق الذي حكم بأنّه لا يفطر الصائم.

أجل خصوص قضاء شهر رمضان يضر فيه الاصباح جنبا وان لم يكن عن تعمّد لصحيحة عبد الله بن سنان : «سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يقضي شهر رمضان فيجنب من أوّل الليل ولا يغتسل حتى يجي‌ء آخر الليل وهو يرى ان الفجر قد طلع. قال : لا يصوم ذلك اليوم ويصوم غيره» (١) وغيرها.

١٦ ـ واما مفطرية تعمّد البقاء على الجنابة‌ فهي المشهور ـ ونسب الخلاف الى الصدوق والداماد والأردبيلي (٢) ـ لموثق أبي بصير عن عبد الله عليه‌السلام : «رجل أجنب في شهر رمضان بالليل ثمّ ترك الغسل متعمّدا حتى أصبح. قال : يعتق رقبة أو يصوم شهرين متتابعين أو يطعم ستّين مسكينا ...» (٣) وغيره. ووجوب الكفارة يدل بالالتزام على المفطرية ووجوب القضاء.

نعم في مقابل ذلك صحيح حبيب الخثعمي عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يصلّي صلاة الليل في شهر رمضان ثمّ يجنب ثم يؤخر الغسل متعمّدا حتى يطلع الفجر» (٤) وصحيح العيص بن القاسم : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل أجنب في شهر رمضان في أوّل الليل‌

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ١٩ من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث ١.

(٢) الحدائق الناضرة ١٣ : ١١٣ ـ ١١٤.

(٣) وسائل الشيعة الباب ١٦ من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث ٢.

(٤) وسائل الشيعة الباب ١٦ من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث ٥.

٣٠٤

فأخّر الغسل حتى طلع الفجر ، فقال : يتم صومه ولا قضاء عليه» (١).

ويرد الأوّل عدم إمكان تصديق مضمونه ، خصوصا مع ملاحظة التعبير ب «كان» الدالة على الشأنية فلا بدّ من حمله على بعض المحامل.

والثاني مطلق لا بدّ من حمله على غير حال العمد لصراحة الموثق في النظر إلى العمد.

وإذا تمّ الجمع العرفي بما ذكر وإلاّ يستقر التعارض ويتعيّن الأخذ بالموثق لموافقة الثاني للتقيّة.

١٧ ـ واما مفطرية الكذب على من ذكر‌ فقد ذهب إليها كثير. وتدلّ عليها موثقة أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «ان الكذب على الله وعلى رسوله وعلى الأئمة عليهم‌السلام يفطر الصائم» (٢) وغيرها.

هذا ولكن المناسب حمل ذلك على الاخلال بمرتبة القبول والكمال لا على الفساد حقيقة بقرينة حصر المفطر في صحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة في ثلاث.

وإذا قيل : ان دلالة الصحيحة على نفي وجود مفطر آخر بالإطلاق فيقيّد.

كان الجواب : ان لسانها يأبى قبول التقييد كما هو واضح.

وممّا يؤكّد عدم كون الناقضية حقيقية موثّقة أبي بصير : «سمعت أبا عبد الله يقول : الكذبة تنقض الوضوء وتفطر الصائم. قال : قلت له : هلكنا. قال : ليس حيث تذهب ، انما ذلك الكذب على الله وعلى رسوله‌

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ١٣ من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث ٤.

(٢) وسائل الشيعة الباب ٢ من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث ٤.

٣٠٥

وعلى الأئمّة عليهم‌السلام» (١) فان ناقضية الكذب للوضوء ما دامت ليست حقيقية فبقرينة وحدة السياق يثبت كون المقصود ذلك في مفطريته للصوم أيضا.

وعليه فالحكم بمفطرية الكذب لا ينبغي أن يكون إلاّ على مستوى الاحتياط تحفّظا من مخالفة المشهور.

١٨ ـ واما الغبار‌ فقيل بإيجابه للقضاء والكفارة. وقيل بإيجابه القضاء فقط. كما اختلف في تقييده بالغليظ وعدمه. والمستند في المسألة رواية سليمان بن حفص المروزي : «سمعته يقول : إذا تمضمض الصائم في شهر رمضان أو استنشق متعمّدا أو شمّ رائحة غليظة أو كنس بيتا فدخل في أنفه وحلقه غبار فعليه صوم شهرين متتابعين ، فان ذلك مفطر مثل الأكل والشرب والنكاح» (٢).

هذا والمناسب حملها على الرجحان والاستحباب ـ ان كانت قابلة لذلك ـ بقرينة وحدة السياق مع المضمضة والاستنشاق وشمّ الرائحة التي هي ليست من المفطرات جزما.

والتفكيك في السياق الواحد لو قبلناه بناء على مسلك حكم العقل في استفادة الوجوب فإنّما نقبله لو اشتمل على أمرين مثلا ـ حيث يقال ان مدلولهما الطلب فقط فلا يلزم من إرادة الوجوب من أحدهما والاستحباب من الآخر تفكيك في المدلول الوضعي ـ دون مثل جملة «فان ذلك مفطّر» التي مدلولها الوضعي ثبوت المفطرية.

هذا مضافا الى ان الرواية المذكورة معارضة بموثقة عمرو بن‌

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ٢ من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث ٢.

(٢) وسائل الشيعة الباب ٢٢ من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث ١.

٣٠٦

سعيد عن الرضا عليه‌السلام : «سألته عن الصائم يتدخن بعود أو بغير ذلك فتدخل الدخنة في حلقه فقال : جائز لا بأس. قال : وسألته عن الصائم يدخل الغبار في حلقه. قال : لا بأس» (١) وبصحيحة ابن مسلم المتقدّمة الحاصرة للمفطرات في ثلاثة والتي لسانها آب عن التقييد كما تقدّم.

وعليه يتعيّن حمل رواية المروزي على الاستحباب ان كانت قابلة لذلك والا يتم التعارض والتساقط والرجوع الى البراءة.

هذا بقطع النظر عن السند وإلاّ فبالامكان المناقشة تارة من ناحية المروزي حيث لم يثبت توثيقه إلاّ من خلال كامل الزيارات لمن يرى ذلك واخرى من ناحية الاضمار بعد عدم كون المضمر من أجلة الرواة. واثبات الشيخ والصفار لها في كتابيهما (٢) غير نافع فإنّه تبجح باجتهادهما. والأنسب التمسّك بالبيان المتقدّم في أبحاث سالفة لإثبات حجّيّة كلّ رواية مضمرة.

ومن كل هذا يتّضح عدم الوجه في الحكم بمفطرية الغبار.

١٩ ـ واما رمس الرأس‌ فالمشهور مفطريته ـ وقيل بحرمته التكليفيّة فقط ـ لصحيحة ابن مسلم : «سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : لا يضرّ الصائم ما صنع إذا اجتنب ثلاث خصال : الطعام والشراب ، والنساء ، والارتماس في الماء» (٣). إلاّ أن في مقابلها موثقة إسحاق بن عمّار : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل صائم ارتمس في الماء متعمّدا عليه‌

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ٢٢ من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث ٢.

(٢) تهذيب الاحكام ٤ : ٢١٤.

(٣) وسائل الشيعة الباب ١ من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث ١.

٣٠٧

قضاء ذلك اليوم؟ قال : ليس عليه قضاؤه ولا يعودن» (١).

وقد يجمع بحمل الاولى على الحرمة التكليفيّة بقرينة نفي وجوب القضاء في الثانية.

وفيه : ان لازم هذا حمل الاضرار على الاضرار بالصائم بما هو مكلّف وليس على الاضرار بحيثية الصوم. وهو بعيد جدّا.

وقد يجمع بحمل الاولى على الكراهة الوضعية والمرتبة الضعيفة من البطلان ويكون المقصود من النهي عن العود النهي الكراهتي.

وفيه : ان لازم ذلك التفكيك في السياق الواحد للصحيحة. وهو بعيد جدّا أيضا.

وقد يقال : ان التعارض بينهما مستقر وتحمل الثانية على التقية.

وفيه : انه وجيه لو لم يمكن تفسير الثانية بما يرتفع به التعارض بأن يقال : ليس المقصود من الارتماس عمدا ارتماس المكلف وهو عالم بحرمة الارتماس وبكونه صائما وانما المقصود انه بالرغم من التفاته الى كونه صائما ارتمس لجهله بحرمة الارتماس وأجاب عليه‌السلام بنفي القضاء تطبيقا لقانون : «أي رجل ركب أمرا بجهالة فلا شي‌ء عليه» (٢).

والنتيجة من كل هذا الحكم بمفطرية الارتماس لا من جهة ترجيح الصحيحة لمخالفتها للتقية بعد استقرار التعارض بل لما ذكر.

٢٠ ـ واما الاحتقان بالمائع‌ فلا إشكال في حرمته التكليفيّة ـ ولم ينسب الخلاف إلاّ إلى ابن الجنيد (٣) ـ لصحيحة ابن أبي نصر عن أبي‌

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ٦ من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة الباب ٤٥ من أبواب تروك الاحرام الحديث ٣.

(٣) الحدائق الناضرة ١٣ : ١٤٤.

٣٠٨

الحسن عليه‌السلام : «الرجل يحتقن تكون به العلّة في شهر رمضان ، فقال : الصائم لا يجوز له أن يحتقن» (١) ، وهي وإن كانت ضعيفة بسهل في طريق الكليني لكنّها صحيحة بأحد الطريقين الآخرين.

والاحتقان إذا لم يحكم بانصرافه الى المائع فلا بدّ من تقييده بذلك لموثقة الحسن بن فضال : «كتبت الى أبي الحسن عليه‌السلام ما تقول في التلطف بالاشياف (٢) يستدخله الإنسان وهو صائم؟ فكتب : لا بأس بالجامد» (٣). وهي إذا كانت ضعيفة بطريق الكليني فليست كذلك بطريق الشيخ.

وهل يحكم بالمفطرية أيضا؟ لا يبعد ذلك ، لقرب ظهور النهي في باب المركبات عرفا في الارشاد الى المانعية والفساد على تقدير المخالفة.

وممّا يؤكّد ذلك ان السائل قد فرض الحاجة الى الاحتقان ومعه لا معنى للجواب بالحرمة التكليفيّة بل لا بدّ ان يكون ناظرا للإرشاد إلى الفساد.

٢١ ـ واما جواز الاحتقان مع الشك في كونه بالمائع أو الجامد‌ فلانه مع كون الشبهة مفهومية يشك في سعة النهي عن الاحتقان للمشكوك ويكون المورد من الشبهة الحكمية التحريمية والأصل فيها البراءة. ومع كونها موضوعية فحيث لا يمكن التمسّك بالعام ـ لكون الشبهة مصداقية ـ فيتمسّك بالبراءة.

أجل هذا يتم بناء على انصراف الاحتقان الى المائع. واما بناء‌

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ٥ من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث ٤.

(٢) التلطف : ادخال الشي‌ء في الفرج. والاشياف : جمع شيف نوع من الدواء.

(٣) وسائل الشيعة الباب ٥ من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث ٢.

٣٠٩

على عمومه والتقييد بالموثقة فاللازم الاجتناب.

اما على تقدير كون الشبهة مفهومية فللزوم التمسّك بالعام في مورد المخصص المنفصل المجمل مفهوما.

واما على تقدير كونها موضوعية فلان الموضوع للنهي هو الاحتقان وان لا يكون بالجامد ، والجزء الأوّل محرز بالوجدان والثاني ان لم يمكن احرازه بالاستصحاب النعتي ـ لعدم احراز حالته السابقة ـ فبالامكان احرازه باستصحاب العدم الأزلي بناء على جريانه.

نعم بناء على عدم جريانه يكون المورد مجرى للبراءة لعدم إمكان التمسّك بالعموم لكون الشبهة مصداقية.

هذا إذا كنّا نرفض القاعدة الميرزائية القائلة : ان «الترخيص المعلّق على عنوان وجودي متى ما استثني من حكم لزومي فلا يثبت الترخيص إلاّ مع إحراز العنوان الوجودي» (١) وإلاّ فالمناسب لزوم الاجتناب أيضا.

٢٢ ـ واما تعمّد القي‌ء‌ فالمشهور مفطريّته ـ خلافا لابن إدريس فاختار حرمته التكليفيّة فقط (٢) ـ لصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «إذا تقيّأ الصائم فقد أفطر ، وإن ذرعه من غير أن يتقيّأ فليتم صومه» (٣) وغيرها.

واما صحيحة عبد الله بن ميمون عن أبي عبد الله عن أبيه عليهما السّلام :

__________________

(١) اجود التقريرات ٢ : ١٩٥. فوائد الاصول ٣ : ٣٨٤.

(٢) السرائر ١ : ٣٧٨.

(٣) وسائل الشيعة الباب ٢٩ من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث ١.

٣١٠

«ثلاثة لا يفطرن الصائم : القي‌ء والاحتلام والحجامة» (١) فلا بدّ من حملها على من ذرعه لما سبق.

٢ ـ شرائط صحّة الصوم‌

يشترط في صحّة الصوم : الإسلام والعقل والخلو من الحيض والنفاس والسفر الموجب للقصر ـ إلاّ السفر مع الجهل أو من الوطن وما بحكمه بعد الزوال أو إليه أو إلى المحل الذي يعزم فيه على الإقامة قبل الزوال ـ والمرض المضر. ويكفي الخوف لإحرازه. ولا تعتبر فعليّته. ويكفي خوف مطلق الضرر. وقول الطبيب الحاذق حجّة.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما اعتبار الإسلام‌ فمتسالم عليه. وهو واضح بناء على عدم شمول الخطاب بالتكاليف للكفّار فإنّ صحّة العمل فرع شمول الخطاب. واما بناء على شموله فقد استدلّ بجملة من الآيات الكريمة كقوله تعالى : (وَما مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقاتُهُمْ إِلاّ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ) (٢) فانه بضم الاولوية تعمّ سائر الموارد ، وبالنصوص الدالة على اعتبار شرطية الولاية المفقودة لدى الكافر ، كصحيحة عبد الحميد بن أبي العلاء عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «... وكذلك هذه الامة العاصية المفتونة بعد نبيّها صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبعد تركهم الامام الذي نصبه نبيّهم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لهم فلن يقبل الله لهم عملا ولن يرفع لهم حسنة حتّى يأتوا الله من حيث‌

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ٢٩ من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث ٨.

(٢) التوبة : ٥٤.

٣١١

أمرهم ويتولوا الامام الذي أمروا بولايته ويدخلوا من الباب الذي فتحه الله ورسوله لهم» (١) وغيرها.

ومنه يتضح اعتبار شرطية الايمان أيضا.

هذا وبالإمكان مناقشة النصوص المذكورة بكونها ناظرة الى القبول الذي يعني ارتفاع العمل إلى ساحة القدس وهو مغاير للصحّة بمعنى تحقّق الامتثال وفراغ الذمّة. قال تعالى : (إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) (٢) وفي حديث الصلاة : «... فإن قبلت قبل سائر عمله ، وإذا ردّت رد عليه سائر عمله» (٣). وفي صحيحة حفص بن البختري عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «من قبل الله عزّ وجلّ منه صلاة واحدة لم يعذبه ، ومن قبل منه حسنة لم يعذبه» (٤) وفي صحيحة العيص بن القاسم : «قال أبو عبد الله عليه‌السلام : «والله انه ليأتي على الرجل خمسون سنة ما قبل الله منه صلاة واحدة فأي شي‌ء أشدّ من هذا. والله انكم لتعرفون من جيرانكم وأصحابكم من لو كان يصلّي لبعضكم ما قبلها منه لاستخفافه بها. ان الله لا يقبل إلاّ الحسن فكيف يقبل ما استخف به» (٥). وفي صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام : «ان العبد ليرفع له من صلاته نصفها أو ثلثها أو ربعها أو خمسها فما يرفع له إلاّ ما أقبل عليه منها بقلبه. وانما أمرنا بالنافلة ليتمّ لهم بها ما نقصوا من الفريضة» (٦).

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ٢٩ من أبواب مقدّمة العبادات الحديث ٥.

(٢) المائدة : ٢٧.

(٣) وسائل الشيعة الباب ٨ من أبواب اعداد الفرائض الحديث ١٠.

(٤) وسائل الشيعة الباب ٨ من أبواب اعداد الفرائض الحديث ٧.

(٥) وسائل الشيعة الباب ٦ من أبواب اعداد الفرائض الحديث ٢.

(٦) وسائل الشيعة الباب ١٧ من أبواب اعداد الفرائض الحديث ٣.

٣١٢

وعليه فمهم المستند هو التسالم.

٢ ـ واما شرطية العقل‌ فلعدم تأتي النيّة بدونه. على ان الخطاب بالتكليف إذا لم يكن شاملا للمجنون فلا يبقى دليل على الصحة بعد ذلك.

٣ ـ واما الخلو من الحيض والنفاس‌ فلصحيحة العيص بن القاسم : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن امرأة تطمث في شهر رمضان قبل أن تغيب الشمس. قال : تفطر حين تطمث» (١) وغيرها. وهي صحيحة بطرقها الثلاث. وصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج : «سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن المرأة تلد بعد العصر أتتم ذلك اليوم أم تفطر؟ قال : تفطر وتقضي ذلك اليوم» (٢) وهي صحيحة بطريقيها بناء على كفاية شيخوخة الاجازة.

هذا ولكن في صحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «ان عرض للمرأة الطمث في شهر رمضان قبل الزوال فهي في سعة أن تأكل وتشرب ، وان عرض لها بعد زوال الشمس فلتغتسل ولتعتدّ بصوم ذلك اليوم ما لم تأكل وتشرب» (٣). وليس في السند من يتوقف من ناحيته إلاّ الأحمر ولكن الشيخ المفيد قد عدّه في رسالته العددية من الأمناء على الحلال والحرام عند تعرضه لشهر رمضان وانه قد ينقص أو يزيد (٤). إلاّ أن الرواية مهجورة لدى الأصحاب ولم يعرف عامل بها‌

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ٢٥ من أبواب من يصح منه الصوم الحديث ٢.

(٢) وسائل الشيعة الباب ٢٦ من أبواب من يصح منه الصوم الحديث ١.

(٣) وسائل الشيعة الباب ٢٨ من أبواب من يصح منه الصوم الحديث ٤.

(٤) الدر المنثور للشيخ علي حفيد صاحب المعالم ١ : ١٣١.

٣١٣

فتسقط بذلك عن الاعتبار.

٤ ـ واما شرطية عدم السفر‌ فهي من المسلّمات ـ ولم ينسب الخلاف إلاّ الى المفيد في غير شهر رمضان (١) ـ ويدل عليها قوله تعالى : (وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ) (٢) وموثقة سماعة : «سألته عن الصيام في السفر قال : لا صيام في السفر قد صام ناس على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسمّاهم العصاة ، فلا صيام في السفر إلاّ الثلاثة أيّام التي قال الله عزّ وجلّ في الحجّ» (٣) وغيرها.

٥ ـ واما اعتبار إيجاب السفر للقصر‌ فلصحيحة معاوية بن وهب عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «... إذا قصرت أفطرت وإذا أفطرت قصرت» (٤) وغيرها.

٦ ـ واما استثناء المسافر الجاهل بلزوم الافطار‌ فلصحيحة العيص بن القاسم عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «من صام في السفر بجهالة لم يقضه» (٥) وغيرها.

واطلاقها يشمل الجاهل بأصل الحكم أو ببعض الخصوصيّات ، كلزوم الافطار على من سافر قبل الزوال وعاد بعده.

وإذا قيل : هي معارضة بصحيحة معاوية بن عمّار : «... إذا صام الرجل رمضان في السفر لم يجزه ، وعليه الإعادة» (٦) ، فإنّها بإطلاقها‌

__________________

(١) الحدائق الناضرة ١٣ : ١٨٥.

(٢) البقرة : ١٨٥.

(٣) وسائل الشيعة الباب ١١ من أبواب من يصح منه الصوم الحديث ١.

(٤) وسائل الشيعة الباب ٤ من أبواب من يصح منه الصوم الحديث ١.

(٥) وسائل الشيعة الباب ٢ من أبواب من يصح منه الصوم الحديث ٥.

(٦) وسائل الشيعة الباب ٢ من أبواب من يصح منه الصوم الحديث ١.

٣١٤

تشمل الجاهل أيضا.

قلنا : ان تلك صالحة لتقييد هذه فتقيدها بالعالم بمقتضى قانون الإطلاق والتقييد.

أجل يلزم أن لا يحصل العلم بالحكم أثناء النهار وإلاّ لم يصح الصوم لأنه يصدق آنذاك انه صام بعلم لا بجهالة.

كما يختص الحكم بالجاهل دون الناسي ، إذ صحيحة العيص اخرجت الجاهل فقط فيبقى الناسي مشمولا لإطلاق صحيحة معاوية.

٧ ـ واما استثناء السفر بعد الزوال‌ فهو رأي مشهور حيث قيل بإيجاب السفر قبل الزوال للإفطار بخلاف ما كان بعده. وقيل ان المدار على النية فمن بيّتها ليلا أفطر وإلاّ أتمّ. وقيل بايجاب مطلق السفر للإفطار بلا تقييد. وقيل بأن المدار في الافطار على التبييت والخروج قبل الزوال وبانتفاء أحدهما يجب الصوم. وقيل غير ذلك. ومنشأ ذلك اختلاف النصوص. والمهم منها طائفتان :

الاولى : ما دلّ على ان الخروج قبل الزوال موجب للإفطار بخلاف ما كان بعده. وتتمثل هذه في ثلاث أو أربع روايات منها صحيح عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «الرجل يسافر في شهر رمضان يصوم أو يفطر؟ قال : ان خرج قبل الزوال فليفطر ، وان خرج بعد الزوال فليصم ...» (١).

الثانية : ما دل على ان من بيّت النيّة يفطر دون من لم يبيت. وتتمثّل هذه في خمس روايات تقريبا. والمعتبر منها موثقة علي بن‌

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ٥ من أبواب من يصح منه الصوم الحديث ٣.

٣١٥

يقطين عن أبي الحسن موسى عليه‌السلام : «الرجل يسافر في شهر رمضان أيفطر في منزله؟ قال : إذا حدّث نفسه في الليل بالسفر أفطر إذا خرج من منزله ، وان لم يحدّث نفسه في الليل بالسفر أفطر إذا خرج من منزله ، وان لم يحدّث نفسه من الليلة ثم بدا له في السفر من يومه أتمّ صومه» (١).

والتعارض ثابت بينهما في موردين : السفر قبل الزوال بدون نيّة مسبقة ، والسفر بعده مع النية.

وبعد استقرار التعارض يمكن ترجيح الاولى من جهة مخالفتها للتقيّة على ما قيل ، وبذلك يثبت الرأي الأوّل المشهور.

وإذا تمّ هذا وإلاّ فالمناسب التساقط في مادتي المعارضة والرجوع إلى إطلاق الكتاب الكريم الدالّ على لزوم الافطار فيهما. ويبقى احتياط الفقيه في فتواه أمرا مناسبا.

٨ ـ واما المسافر العائد إلى وطنه‌ فالمشهور التفصيل فيه بين قدومه قبل الزوال فعليه الصوم ان لم يكن قد أفطر وما بعده فليس له ذلك لموثق أبي بصير : «سألته عن الرجل يقدم من سفر في شهر رمضان ، فقال : ان قدم قبل زوال الشمس فعليه صيام ذلك اليوم ويعتدّ به» (٢) وغيره. أجل هو قبل الوصول الى وطنه بالخيار لصحيح محمّد بن مسلم : «سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن الرجل يقدم من سفر في شهر رمضان فيدخل أهله حين يصبح أو ارتفاع النهار ، قال : إذا طلع الفجر وهو خارج ولم يدخل أهله فهو بالخيار ان شاء صام وإن شاء أفطر» (٣) وغيره.

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ٥ من أبواب من يصح منه الصوم الحديث ١٠.

(٢) وسائل الشيعة الباب ٦ من أبواب من يصح منه الصوم الحديث ٦.

(٣) وسائل الشيعة الباب ٦ من أبواب من يصح منه الصوم الحديث ٣.

٣١٦

٩ ـ واما الداخل بلدا يعزم فيه على الإقامة فعليه صومه ان وصله قبل الفجر وله ذلك ان وصله قبل الزوال‌ لصحيح محمّد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «... فإذا دخل أرضا قبل طلوع الفجر وهو يريد الإقامة بها فعليه صوم ذلك اليوم ، وان دخل بعد طلوع الفجر فلا صيام عليه وان شاء صام» (١). هذا ولكن المعروف وجوب الصوم عليه متى ما وصل قبل الزوال بدون تفرقة بين ما قبل الفجر وما بعده.

١٠ ـ واما اعتبار عدم المرض المضرّ‌ فيدل عليه كتاب الله العزيز (وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ) (٢) والنصوص الشريفة.

واما اعتبار استلزامه للضرر فللانصراف إليه والتصريح به في صحيح محمّد بن مسلم : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : ما حدّ المريض إذا نقه في الصيام؟ فقال : ذلك إليه هو أعلم بنفسه إذا قوي فليصم» (٣) وغيره.

١١ ـ واما كفاية الخوف‌ فلأن ذلك طريق عقلائي في باب تشخيص الضرر ، وحيث لم يرد ردع عنه فيكون حجّة. هذا مضافا الى التصريح به في صحيح حريز عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «الصائم إذا خاف على عينيه من الرمد أفطر» (٤) ، ولا تحتمل الخصوصيّة للمورد.

١٢ ـ واما عدم اعتبار فعلية المرض بل يكفي خوف حدوثه بالرغم من اقتضاء ظاهر الآية الكريمة اعتبار فعليته‌ فلعدم احتمال‌

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ٦ من أبواب من يصح منه الصوم الحديث ١.

(٢) البقرة : ١٨٥.

(٣) وسائل الشيعة الباب ٢٠ من أبواب من يصح منه الصوم الحديث ٣.

(٤) وسائل الشيعة الباب ١٩ من أبواب من يصح منه الصوم الحديث ١.

٣١٧

اعتبار ذلك بل النكتة هي الخوف من المرض المستقبلي بلا خصوصيّة لوجوده الفعلي. على أن في صحيحة حريز السابقة دلالة كافية.

١٣ ـ واما التعدّي إلى مطلق الضرر ـ كمن به جرح يخاف طول برئه‌ ـ فلفهم العرف المثالية من ذكر المرض في الآية الكريمة.

١٤ ـ واما حجّيّة قول الطبيب الحاذق‌ فلانه طريق عقلائي لا ردع عنه فيلزم الأخذ به وان لم يحصل خوف. أجل مع حصول العلم بخطئه أو الاطمئنان فلا حجيّة له لأنه كسائر الحجج التي يختص جعلها بحالة الشكّ. وبهذا يتّضح ان الحجّة في باب المرض اما الخوف الوجداني من الضرر أو قول الطبيب.

٣ ـ أحكام عامّة للصوم‌

لا يتحقّق الافطار ووجوب القضاء بما سبق إلاّ مع العمد والاختيار ـ فيما عدا البقاء على الجنابة ـ بلا فرق بين رمضان وغيره. والجاهل بالمفطرية كالعالم عامد لدى المشهور.

وكفارة الإفطار مخيّرة بين الخصال الثلاث. والعاجز يكفيه الاستغفار. وإذا تمكّن بعد ذلك وجبت عليه.

والشاك في طلوع الفجر يجوز له البقاء على ارتكاب المفطر. ولو انكشف طلوعه فعليه القضاء فقط مع عدم المراعاة. ولو بقي على حالة الشكّ فلا شي‌ء عليه. والشاك في الغروب لا يجوز له ارتكاب المفطر ، ولو فعل فعليه القضاء والكفارة إلاّ إذا اتّضح دخوله.

والناوي لارتكاب المفطر بدون تحقّقه الفعلي يجب عليه القضاء فقط.

٣١٨

ولا يصح الصوم الندبي ممّن عليه القضاء.

والشيخ والشيخة إذا شق عليهما الصوم فلهما الإفطار بل لا يحق لهما الصوم ويتعيّن عليهما الفداء وهو مدّ من طعام. والحكم نفسه يجري على من به داء العطش والمرضعة ذات اللبن القليل والحامل المقرب التي يضرّ بها أو بحملها الصوم إلاّ ان عليهما القضاء.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما اعتبار العمد في تحقّق الافطار‌ فللقصور في المقتضي وصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «رجل نسي فأكل وشرب ثمّ ذكر. قال : لا يفطر ، انما هو شي‌ء رزقه الله فليتم صومه» (١) وغيرها. وبالتعليل يمكن التعدي الى غير الأكل والشرب.

بل يمكن استفادة ذلك من صحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة : «لا يضرّ الصائم ما صنع إذا اجتنب ثلاث خصال : الطعام والشراب ، والنساء ، والارتماس في الماء» (٢) فان الاجتناب صادق مع الارتكاب لا عن عمد.

ولربّما يستفاد ذلك من قاعدة : «كل ما غلب الله عليه فليس على صاحبه شي‌ء» المنصوص عليها في أكثر من حديث (٣) ، ومن حديث رفع النسيان (٤) بناء على عدم اختصاصه برفع العقوبة الاخروية.

٢ ـ واما استثناء البقاء على الجنابة‌ فلوجوب القضاء في النومة‌

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ٩ من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة الباب ١ من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث ١.

(٣) وسائل الشيعة الباب ٢٤ من أبواب من يصح منه الصوم.

(٤) وسائل الشيعة الباب ٥٦ من أبواب جهاد النفس الحديث ١.

٣١٩

الثانية لصحيح معاوية بن عمّار : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجل يجنب في أوّل الليل ثم ينام حتى يصبح في شهر رمضان. قال : ليس عليه شي‌ء. قلت : فإنّه استيقظ ثم نام حتى أصبح ، قال : فليقض ذلك اليوم عقوبة» (١).

٣ ـ واما عدم الفرق بين رمضان وغيره‌ فلإطلاق صحيحة الحلبي المتقدّمة وغيرها ، ولا يضر اختصاص بعض النصوص برمضان.

٤ ـ واما ان الجاهل بالمفطرية كالعالم فعلّل بأنّه عامد وقاصد غايته لا يعلم بالمفطرية‌ فتشمله اطلاقات أدلّة المفطرية.

وفيه : ان في المقام روايتين تدلاّن على نفي القضاء فضلا عن الكفارة :

احداهما : موثقة زرارة وأبي بصير : «سألنا أبا جعفر عليه‌السلام عن رجل أتى أهله في شهر رمضان وأتى أهله وهو محرم وهو لا يرى إلاّ ان ذلك حلال له. قال : ليس عليه شي‌ء» (٢).

وطريق الشيخ الى ابن فضال وان كان مشتملا على الزبيري الذي لم يوثق إلاّ أنّه لكونه من مشايخ الإجازة يسهل الأمر فيه.

وعلى تقدير عدم الاكتفاء بشيخوخة الاجازة فقد يقال في التغلّب على الإشكال من ناحيته بأنّ طريق النجاشي والشيخ الى ابن فضال يبتدئ بابن عبدون ، غايته ان ابن عبدون في طريق الشيخ يحدّث عن الزبيري عن ابن فضال بينما في طريق النجاشي لا يحدّث عن الزبيري بل طريقه الى ابن فضال صحيح ، وبما انه لا يحتمل ان ما حدّث به ابن‌

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ١٥ من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة الباب ٩ من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث ١٢.

٣٢٠