دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي على المذهب الجعفري - ج ١

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي على المذهب الجعفري - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الفقه للطباعة والنشر
المطبعة: برهان
الطبعة: ٢
ISBN: 964-499-035-8
ISBN الدورة:
964-499-048-X

الصفحات: ٥٧٦

وبناء على هذا يلزم ضيق محل الطواف من جانب الحجر بعد اعتبار الطواف خارجه بيد انه لا بدّ من حمل الرواية على بيان الأفضلية بقرينة صحيحة الحلبي : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الطواف خلف المقام ، قال : ما أحبّ ذلك وما أرى به بأسا فلا تفعله الا ان لا تجد بدا» (١) الواضحة في جواز الطواف خلف المقام.

هذا كلّه بقطع النظر عن ضعف سند الأولى بياسين الضرير والا فالأمر أوضح.

وبذلك تتّضح وجاهة ما ينسب الى الصدوق من الجواز مطلقا ولو اختيارا.

ولعل وجه النسبة ايراده لصحيحة الحلبي في كتابه (٢) الذي قال في مقدمته : «ولم اقصد فيه قصد المصنفين في ايراد جميع ما رووه بل قصدت إلى ايراد ما افتي به وأحكم بصحته واعتقد فيه انه حجة فيما‌

__________________

فالطواف يكون بهما معا وليس بخصوص البيت ، ثم بعد ذلك وفي عهد الخليفة الثاني غيّر المقام إلى ما هو عليه اليوم. وحدّ المكان الذي يلزم ايقاع الطواف فيه واحد في كلا الزمانين.

وقد روى الشيخ الصدوق بسنده الصحيح إلى زرارة : «... وكان موضع المقام الذي وضعه إبراهيم عليه‌السلام عند جدار البيت فلم يزل هناك حتى حوّله أهل الجاهلية الى المكان الذي هو فيه اليوم ، فلما فتح النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مكّة ردّه إلى الموضع الذي وضعه إبراهيم عليه‌السلام ، فلم يزل هناك الى ان ولي عمر فسأل الناس من منكم يعرف المكان الذي كان فيه المقام فقال له رجل : أنا قد كنت أخذت مقداره بنسع فهو عندي فقال ائتني به فأتاه فقاسه ثم ردّه الى ذلك المكان» من لا يحضره الفقيه ٢ : ١٥٨. والنسع بالكسر سير ينسج عريضا ليشد به الرحل.

وفي صحيحة إبراهيم بن أبي محمود : «قلت للرضا عليه‌السلام : أصلّى ركعتي طواف الفريضة خلف المقام حيث هو الساعة أو حيث كان على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟ قال : حيث هو الساعة» وسائل الشيعة الباب ٧١ من أبواب الطواف الحديث ١.

(١) وسائل الشيعة الباب ٢٨ من أبواب الطواف الحديث ٢.

(٢) من لا يحضره الفقيه ٢ : ٢٤٩.

٤٦١

بيني وبين ربي» (١).

هذا في غير حالة عسر الطواف في المقدار المذكور والا فالجواز خارجه لا ينبغي التأمّل فيه لعدم احتمال ان الشريعة تفرض على الطائفين التجمّع جميعا في المقدار المذكور. هذا مضافا الى وضوح صحيحة الحلبي في ذلك.

ركعتا الطواف‌

يلزم لكل طواف واجب الإتيان بعده بلا فاصل عرفي بركعتين خلف المقام أو أحد جانبيه مخيّرا في قراءتهما بين الجهر والاخفات.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما أصل وجوب صلاة الطواف‌ فمن الضروريات بين المسلمين. وتدلّ عليه مضافا الى ذلك السيرة المتوارثة على الاتيان بها بنحو الوجوب لدى جميع المسلمين.

بل ان قوله تعالى : (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى) (٢) دليل واضح على ذلك بعد الجزم بإرادة صلاة الطواف كما يستفاد من سياق الآية والروايات الكثيرة (٣).

ويمكن ان يضاف إلى ذلك النصوص الدالّة على لزوم الاتيان بها عند تذكر عدم الاتيان بها ، ففي صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «رجل طاف طواف الفريضة ونسي الركعتين حتى طاف‌

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه ١ : ٣.

(٢) البقرة : ١٢٥.

(٣) وسائل الشيعة الباب ٧٢ ، ٧٤ من أبواب الطواف.

٤٦٢

بين الصفا والمروة ثم ذكر ، قال : يعلّم ذلك المكان ثم يعود فيصلّي الركعتين ثم يعود الى مكانه» (١).

٢ ـ واما اعتبار عدم الفاصل العرفي‌ فلصحيحة محمّد بن مسلم : «سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن ركعتي طواف الفريضة ، فقال : وقتهما إذا فرغت من طوافك ...» (٢) وغيرها.

٣ ـ واما لزوم الاتيان بهما خلف المقام أو أحد جانبيه‌ فقد يستدلّ له بصحيح معاوية بن عمّار : «قال أبو عبد الله عليه‌السلام : إذا فرغت من طوافك فأت مقام إبراهيم عليه‌السلام فصلّ ركعتين واجعله اماما واقرأ في الاولى منهما سورة التوحيد وفي الثانية قل يا أيّها الكافرون ثم ...» (٣) ، فان الأمر بجعله اماما يدل على لزوم الصلاة خلفه.

الا ان اشتمال السياق على بعض المستحبات يمنع استفادة الوجوب منها الا بناء على مسلك حكم العقل في استفادة الوجوب.

والاولى التمسك بقوله تعالى : (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى) (٤) فان اتخاذه مصلى لا يكون الا بالصلاة خلفه أو الى أحد جانبيه.

أجل إذا لم تمكن الصلاة كذلك لشدّة الزحام جاز التأخّر لعدم احتمال سقوط الصلاة رأسا.

٤ ـ واما التخيير في كيفية القراءة‌ فللبراءة من وجوب أحد‌

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ٧٧ من أبواب الطواف الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة الباب ٧٦ من أبواب الطواف الحديث ٧.

(٣) وسائل الشيعة الباب ٧١ من أبواب الطواف الحديث ٣.

(٤) البقرة : ١٢٥.

٤٦٣

النحوين بخصوصه بعد عدم الدليل على تعينه.

السعي‌

وهو واجب في العمرة والحج سبعة أشواط يبتدئ الشوط الأوّل وكل شوط فرد بالصفا وينتهي بالمروة والبقية بالعكس.

وتعتبر فيه النيّة دون ستر العورة والطهارة.

ولم يعتبر المشهور الموالاة بين أشواطه.

ولا يعتبر فيه المشي راجلا. أجل يعتبر السير من الطريق المتعارف وان لا يكون بنحو القهقرى أو على اليسار أو اليمين.

ويجوز تأخير السعي عن الطواف وصلاته الى الليل لا إلى الغد.

والزيادة في السعي عن عمد مبطلة له دون ما إذا كانت عن جهل.

والشكّ في عدد الأشواط مبطل الا إذا كان بعد الفراغ.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما وجوب السعي في العمرة والحج‌ فمتسالم عليه. وتقتضيه السيرة القطعية المتوارثة يدا بيد على فعله فيهما بنحو الوجوب.

ويحتمل استفادة ذلك أيضا من قوله تعالى : (فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما) (١).

وإذا كان في دلالتها على الوجوب قصور فبضم صحيحة زرارة ومحمّد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «... أو ليس قال الله عزّ وجلّ : (إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ

__________________

(١) البقرة : ١٥٨.

٤٦٤

يَطَّوَّفَ بِهِما) ، ألا ترون ان الطواف بهما واجب مفروض لان الله عزّ وجلّ قد ذكره في كتابه وصنعه نبيّه» (١) يرتفع ذلك.

وإذا كان في طريق الصدوق الى محمّد بن مسلم تأمّل فليس مثل ذلك في طريقه إلى زرارة. ويكفي في صحّة الرواية عنهما صحّة طريقه الى أحدهما.

٢ ـ واما ان البداية من الصفا والختم بالمروة دون العكس‌ فقد يستدلّ له بصحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «... ثمّ امش وعليك السكينة والوقار فاصعد عليها حتى يبدو لك البيت فاصنع عليها كما صنعت على الصفا ثم طف بينهما سبعة أشواط تبدأ بالصفا وتختم بالمروة» (٢).

بيد ان اشتمال السياق على بعض الآداب الشرعيّة المستحبة يمنع من الظهور في الوجوب الا بناء على مسلك حكم العقل في استفادة الوجوب ، وهو قابل للتأمّل.

والأنسب التمسّك بما دلّ على ان من بدأ سعيه بالمروة يعيده ، كما في صحيح معاوية بن عمّار الآخر عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «من بدأ بالمروة قبل الصفا فليطرح ما سعى ويبدأ بالصفا قبل المروة» (٣) وغيره.

واما ان الأشواط سبعة فهو من الضروريات بين المسلمين. ويدلّ عليه صحيح معاوية بن عمّار الأوّل : «ثم طف بينهما سبعة أشواط».

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ١ من أبواب السعي الحديث ٧.

(٢) وسائل الشيعة الباب ٦ من أبواب السعي الحديث ١.

(٣) وسائل الشيعة الباب ١٠ من أبواب السعي الحديث ١.

٤٦٥

واما ان الذهاب شوط والاياب شوط وليس المجموع واحدا فلصحيحة هشام بن سالم : «سعيت بين الصفا والمروة انا وعبيد الله بن راشد فقلت له : تحفّظ عليّ ، فجعل يعدّ ذاهبا وجائيا شوطا واحدا ... فأتممنا أربعة عشر شوطا فذكرنا لأبي عبد الله عليه‌السلام فقال : قد زادوا على ما عليهم ليس عليهم شي‌ء» (١). بل يمكن استفادة ذلك من صحيح معاوية الأوّل.

٣ ـ واما اعتبار النيّة‌ ، بمعنى قصد الفعل وكونه عن قربة فلما تقدّم في الطواف.

٤ ـ واما عدم اعتبار ستر العورة‌ فللبراءة بعد عدم الدليل.

٥ ـ وهكذا بالنسبة الى الطهارة بقسميها‌. وهذا بخلافه في الطواف فان الدليل قد دلّ على اعتبار ذلك فيه.

بل إضافة إلى ذلك قد دلّ الدليل هنا على عدم اعتبار الطهارة ، ففي صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «لا بأس ان تقضي المناسك كلّها على غير وضوء الا الطواف فان فيه صلاة ، والوضوء أفضل» (٢) وغيرها دلالة على عدم اعتبار الوضوء في شي‌ء من أعمال الحج عدا الطواف وصلاته.

وإذا قيل : ان صحيحة علي بن جعفر عن أخيه عليه‌السلام : «الرجل يصلح ان يقضي شيئا من المناسك وهو على غير وضوء؟ قال : لا يصلح الا على وضوء» (٣) دلّت على اعتبار الطهارة.

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ١١ من أبواب السعي الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة الباب ١٥ من أبواب السعي الحديث ١.

(٣) وسائل الشيعة الباب ١٥ من أبواب السعي الحديث ٨.

٤٦٦

قلنا : لا بدّ من حملها على بيان الأفضلية جمعا بينها وبين ما تقدّم.

وإذا قيل : ان موثقة ابن فضال عن أبي الحسن عليه‌السلام : «لا تطوف ولا تسعى الا بوضوء» (١) نهت عن الطواف والسعي بلا وضوء ، ولا يمكن حمل النهي على التنزيه بقرينة الطواف.

قلنا : يمكن حمله على مطلق طلب الترك الجامع بين التحريم والكراهة ، كما في قولنا : لا تصل ولا تقرأ القرآن بلا وضوء ، بالرغم من علمنا بلزوم الوضوء في الصلاة دون قراءة القرآن.

٦ ـ واما عدم اعتبار الموالاة‌ فاحسن ما يمكن الاستدلال له إطلاق الدليل أو ما دلّ على جواز الجلوس في اثنائه ، كما في صحيح الحلبي : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يطوف بين الصفا والمروة أيستريح؟ قال : نعم ان شاء جلس على الصفا والمروة وبينهما فليجلس» (٢) وغيره.

بيد ان الإطلاق لو عثرنا عليه فيمكن الجواب عنه بأن السعي عمل واحد لا يتحقّق عرفا الا مع الحفاظ على هيئته الاتصالية التي تختل بالفاصل الكبير.

واما ما دلّ على جواز الجلوس فغير نافع لان الجلوس الذي يتحقّق عادة بربع ساعة أو نصفها لا يضرّ عرفا بالهيئة الاتصالية.

وعليه فالمناسب اعتبار الموالاة التي تحفظ معها الهيئة الاتصالية العرفية.

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ١٥ من أبواب السعي الحديث ٧.

هكذا ورد في نسخ الحديث. والمناسب : لا تطف ولا تسع ....

(٢) وسائل الشيعة الباب ٣٠ من أبواب السعي الحديث ١.

٤٦٧

٧ ـ واما عدم اعتبار المشي راجلا‌ فللإطلاق ان كان والا فالبراءة من الاشتراط. هذا مضافا الى صحيح معاوية بن عمّار عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «الرجل يسعى بين الصفا والمروة راكبا ، قال : لا بأس ، والمشي أفضل» (١) وغيره.

٨ ـ واما اعتبار السير من الطريق المتعارف وعدم اجزاء الذهاب والاياب من المسجد الحرام مثلا‌ فلانصراف الطواف بهما المستفاد اعتباره من قوله تعالى : (إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما) (٢) عن مثل ذلك. أجل لا يلزم ان يكون السير على نحو الخط المستقيم.

٩ ـ واما اعتبار ان لا يكون المشي بنحو القهقرى‌ ونحو ذلك فلما تقدّم من الانصراف نفسه. أجل لا يضرّ الالتفات بالوجه لعدم الانصراف بلحاظه فيتمسّك بالإطلاق.

١٠ ـ واما عدم جواز تأخير السعي الى الغد‌ فلصحيحة العلاء بن رزين عن أحدهما عليهما السّلام : «سألته عن رجل طاف بالبيت فأعيا أيؤخّر الطواف بين الصفا والمروة إلى غد؟ قال : لا» (٣).

واما جواز التأخير الى الليل فلا يحتاج الى دليل بل هو مقتضى أصل البراءة ان لم يكن إطلاق على ان الدليل ثابت وهو صحيحة محمّد بن مسلم : «سألت أحدهما عن رجل طاف بالبيت فأعيا أيؤخّر الطواف‌

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ١٦ من أبواب الطواف الحديث ٢.

(٢) البقرة : ١٥٨.

(٣) وسائل الشيعة الباب ٦٠ من أبواب الطواف الحديث ٣.

٤٦٨

بين الصفا والمروة؟ قال : نعم» (١).

وهل جواز التأخير الى الليل مشروط بالعذر كالإعياء؟ كلا ، لان مورد صحيحة ابن مسلم وان كان ذلك الا انه مذكور في كلام السائل دون الامام عليه‌السلام ليثبت له المفهوم ، ومعه فيتمسك بالأصل.

١١ ـ واما ان الزيادة عن عمد مبطلة‌ فلصحيحة عبد الله بن محمّد المتقدّمة في زيادة الطواف.

واما انها إذا كانت عن جهل فلا تكون مبطلة فلصحيحة هشام بن سالم المتقدّمة في اثبات ان عدد الأشواط سبعة.

١٢ ـ واما ان الشكّ في عدد الأشواط مبطل‌ فلم يعرف فيه خلاف ، ويمكن ان يستفاد من صحيح سعيد بن يسار : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل متمتع سعى بين الصفا والمروة ستّة أشواط ثم رجع الى منزله وهو يرى انه قد فرغ منه وقلّم أظافيره واحلّ ، ثم ذكر انه سعى ستّة أشواط ، فقال لي : يحفظ انه قد سعى ستّة أشواط؟ فان كان يحفظ انه قد سعى ستّة أشواط فليعد وليتم شوطا وليرق دما. فقلت : دم ما ذا؟ قال : بقرة. قال : وان لم يكن حفظ انه قد سعى ستّة فليعد فليبتدئ السعي حتى يكمل سبعة أشواط ، ثم ليرق دم بقرة» (٢) ، فان ذيله يدل على ذلك. ولا يحتمل الخصوصية للمورد ، بل يعمّ ذلك ما إذا كان الشكّ بشكل آخر.

واما ان الشكّ بعد الفراغ لا يعتنى به فلقاعدة الفراغ المستفادة من موثق محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام : «كل ما شككت فيه ممّا قد‌

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ٦٠ من أبواب الطواف الحديث ٢.

(٢) وسائل الشيعة الباب ١٤ من أبواب السعي الحديث ١.

٤٦٩

مضى فامضه كما هو» (١).

ولا إشكال في تحقّق الفراغ فيما إذا قصر المحرم ثم شكّ.

واما إذا شكّ قبل التقصير وبعد الانصراف عن المسعى أو قبل ذلك فقد يقال بكونه من الشكّ بعد الفراغ أيضا.

وهو وجيه على تقدير فوات الموالاة المعتبرة بين أشواط السعي ، واما إذا فرض عدم فواتها فالشكّ شكّ في المحل فيكون مبطلا.

التقصير‌

يجب في عمرة التمتّع بعد السعي التقصير من شعر الرأس أو غيره أو الاظفار بآلة أو بغيرها. ولا يكفي الحلق ولا النتف.

ولا تجب المبادرة الى فعله بعد السعي. وليس له محل خاص. وبه تحل جميع محرّمات الاحرام ما عدا الحلق. وتجب فيه نيّة القربة كسائر الأجزاء.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما أصل وجوب التقصير في عمرة التمتّع‌ فمن ضروريات الدين. وهكذا كونه بعد السعي. وتدل عليه أيضا صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «إذا فرغت من سعيك وأنت متمتع فقصّر من شعرك من جوانبه ولحيتك وخذ من شاربك وقلّم أظفارك وابق منها لحجّك ، فإذا فعلت ذلك فقد أحللت من كلّ شي‌ء ...» (٢) وغيرها.

وهي وإن كانت ظاهرة في اعتبار التقصير من جميع ما ذكر الا انّه لا بدّ من حمل ذلك على الأفضلية لصحيحة جميل بن دراج وحفص‌

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ٢٣ من أبواب الخلل في الصلاة الحديث ٣.

(٢) وسائل الشيعة الباب ١ من أبواب التقصير الحديث ٤.

٤٧٠

بن البختري وغيرهما عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «محرم يقصر من بعض ولا يقصر من بعض ، قال : يجزيه» (١).

٢ ـ واما الاجتزاء بالتقصير من أي أقسام الشعر‌ فلإطلاق صحيحة جميل وحفص.

واما التعميم للأدلة وغيرها فللإطلاق أيضا.

٣ ـ واما عدم كفاية الحلق والنتف‌ فلأنهما غير المأمور به ، واجزاؤهما عنه يحتاج إلى دليل ، وهو مفقود. بل الدليل على عدم الاجزاء موجود ، كصحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «... وليس في المتعة الا التقصير» (٢).

وإذا قيل : ان أوّل الحلق تقصير فيلزم اجزاؤه.

قلنا : ان العرف يرى المغايرة بينهما.

٤ ـ واما عدم وجوب المبادرة وعدم المحل الخاص له‌ فللإطلاق. وبقطع النظر عنه يمكن التمسّك بالبراءة.

٥ ـ واما حليّة جميع المحرّمات‌ فللتصريح بذلك في صحيحة معاوية السابقة.

واما استثناء الحلق فلصحيحة جميل بن دراج عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «متمتع حلق رأسه بمكّة ، قال : ان كان جاهلا فليس عليه شي‌ء ، وان تعمّد ذلك في أول شهور الحج بثلاثين يوما فليس عليه شي‌ء ، وان تعمّد بعد الثلاثين يوما التي يوفر فيها الشعر للحج فان عليه دما يهريقه» (٣).

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ٣ من أبواب التقصير الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة الباب ٤ من أبواب التقصير الحديث ٢.

(٣) وسائل الشيعة الباب ٤ من أبواب التقصير الحديث ٥.

٤٧١

وهي إذا كانت ضعيفة بطريق الكليني من جهة علي بن حديد فبطريق الصدوق المذكور في المشيخة صحيحة.

ودلالتها ظاهرة ، فان وجوب التكفير ـ بعد مضي ثلاثين يوما من أوّل شوال الذي هو أوّل أشهر الحج ـ يلازم عرفا الحرمة. ومعه تكون مخصصة لصحيحة معاوية السابقة.

هذا ولكن المختار لدى المشهور جواز الحلق أيضا بعد التقصير. وفتواهم هذه على خلاف الرواية مع وجودها بين أيديهم تقف حائلا دون الجزم بالفتوى بالتحريم وتجعل الفقيه يعدل الى الاحتياط.

٦ ـ واما لزوم قصد القربة‌ فلما تقدّم في الطواف‌

الوقوف بعرفات‌

يجب ـ بعد الاحرام لحج التمتع من داخل مكة على ما تقدّم ، وبكيفية احرام العمرة نفسها الا بفارق النيّة ـ الحضور في عرفات بالوقوف أو الجلوس أو بغير ذلك عن قصد.

واعتبر المشهور كونه من ظهر التاسع ذي الحجّة إلى الغروب. والركن من ذلك المسمى.

والموقف الاختياري ما ذكر ، والاضطراري لذوي الاعذار المسمّى ليلة العيد.

وتحرم الافاضة قبل الغروب. وعلى من تعمّد ذلك بدنة.

وتلزم متابعة القاضي إذا حكم بالهلال ولو مع العلم بالمخالفة ويسقط به الوجوب.

والمستند في ذلك :

٤٧٢

١ ـ اما أصل وجوب الحضور في عرفات في الجملة‌ فممّا تقتضيه السيرة القطعية المتوارثة بين المسلمين والمتصلة بزمن الرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على فعل ذلك بنحو اللزوم. وفي صحيح معاوية بن عمّار عن أبي عبد الله عليه‌السلام الحاكي لكيفية حجّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «... ثم مضى الى الموقف فوقف به فجعل الناس يبتدرون اخفاف ناقته يقفون إلى جنبها فنخاها ففعلوا مثل ذلك ، فقال : أيّها الناس انّه ليس موضع اخفاف ناقتي بالموقف ، ولكن هذا كلّه موقف ، وأومأ بيده الى الموقف فتفرّق الناس وفعل مثل ذلك بمزدلفة فوقف حتى وقع القرص قرص الشمس ثم أفاض ...» (١).

ويمكن استفادة الوجوب من الروايات الآتية الدالة على حرمة الافاضة من عرفات قبل الغروب.

ثم ان المتمتع يبقى بالخيار في الاحرام للحج ما دام بإمكانه ادراك الموقف في عرفات ، ففي صحيحة جميل بن دراج عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «المتمتع له المتعة الى زوال الشمس من يوم عرفة ، وله الحج إلى زوال الشمس من يوم النحر» (٢).

٢ ـ واما عدم تعيّن الحضور في كيفية خاصة‌ فللسيرة القطعية المتوارثة ولأنه لو كان الواجب كيفية خاصة لاشتهر ذلك وذاع بعد شدّة الابتلاء بالمسألة بين جميع المسلمين. بل يمكن التمسّك بالاطلاق المقامي لصحيحة معاوية السابقة بعد وضوح كون المقصود من الوقوف الكينونة وليس في مقابل الجلوس.

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ٢ من أبواب أقسام الحج الحديث ٤.

(٢) وسائل الشيعة الباب ٢٠ من أبواب أقسام الحج الحديث ١٥.

٤٧٣

هذا وقد ورد في صحيح حمّاد بن عيسى : «رأيت أبا عبد الله جعفر بن محمّد عليه‌السلام بالموقف على بغلة رافعا يده إلى السماء ...» (١). بل ان صحيح معاوية السابق ظاهر في أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان جالسا على ناقته.

وبقطع النظر عن كل ذلك يكفينا أصل البراءة.

وعليه فاستشكال الفاضل الهندي في الاكتفاء بغير الوقوف من ناحية عدم صدق الوقوف عليه لغة ولا عرفا (٢) واضح التأمّل.

٣ ـ واما اعتبار القصد‌ وعدم الاكتفاء بالنوم أو الاغماء طيلة الفترة فلان ذلك كباقي أفعال الحج التي يعتبر فيها القصد عن قربة ، ومع فرض النوم والاغماء المستوعب لا يمكن تحقّق ذلك.

أجل لا محذور من تحقّق القصد المذكور بداية الوقت ثم النوم لما تقدّم من عدم اعتبار تحقّق الكون ضمن كيفية خاصة.

٤ ـ واما وقت الواجب من حيث المنتهى‌ فلم يقع فيه خلاف. وتدلّ عليه صحيحة مسمع بن عبد الملك عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «رجل أفاض من عرفات قبل غروب الشمس ، قال : إن كان جاهلا فلا شي‌ء عليه ، وإن كان متعمّدا فعليه بدنة» (٣) وغيرها.

واما من حيث المبدأ فالمشهور كونه زوال يوم التاسع. ولكنّه لا يستفاد من النصوص ، بل المستفاد كونه بعد الزوال بمقدار اداء الغسل والصلاتين بل وأكثر ، ففي صحيحة معاوية بن عمّار «... فلما زالت الشمس خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومعه قريش وقد اغتسل وقطع‌

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ١٢ من أبواب احرام الحج والوقوف بعرفة الحديث ١.

(٢) كشف اللثام ١ : ٣٥٦.

(٣) وسائل الشيعة الباب ٢٣ من أبواب احرام الحج والوقوف بعرفة الحديث ١.

٤٧٤

التلبية حتى وقف بالمسجد فوعظ الناس وأمرهم ونهاهم ثمّ صلّى الظهر والعصر بأذان واحد واقامتين ثم مضى الى الموقوف فوقف به ...» (١).

والاحتياط ـ تحفّظا من مخالفة المشهور ـ يقتضي الابتداء به من الزوال خصوصا لمن لا يريد الاشتغال بالغسل ونحوه.

٥ ـ واما ان الركن من الوقوف الذي يبطل الحج بتركه عمدا هو المسمّى دون المجموع وان كان ذلك واجبا‌ فهو مورد تسالم الأصحاب. وقد يستفاد من صحيحة مسمع المتقدّمة كلا الحكمين : وجوب الوقوف إلى الغروب والا لم تستقر البدنة على من أفاض قبله ، وكون الركن هو المسمّى والا لبطل الحج بالإفاضة قبل الغروب.

ولكن أقصى ما يستفاد منها ان المجموع ليس ركنا ولا يستفاد منها ان الركن يتحقّق بلحظة ، فان السؤال عن الافاضة قبل الغروب ناظر الى ما هو المتداول لدى العامّة من افاضتهم قبل الغروب بفترة قصيرة وليس إلى الافاضة قبل الغروب بساعات.

وعليه فإثبات ركنية المسمّى لا يمكن الا من خلال تسالم الأصحاب.

٦ ـ واما ان الموقف الاضطراري لعرفات هو المسمّى ليلة العيد‌ فهو مورد تسالم الأصحاب أيضا. ويستفاد من صحيحة الحلبي : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يأتي بعد ما يفيض الناس من عرفات ، فقال : ان كان في مهل حتّى يأتي عرفات من ليلته فيقف بها ثم يفيض‌

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ٢ من أبواب أقسام الحج الحديث ٤.

٤٧٥

فيدرك الناس في المشعر قبل ان يفيضوا فلا يتمّ حجّه حتى يأتي عرفات. وإن قدم رجل وقد فاتته عرفات فليقف بالمشعر الحرام فإن الله تعالى أعذر لعبده فقد تمّ حجّه إذا أدرك المشعر الحرام قبل طلوع الشمس وقبل ان يفيض الناس ، فان لم يدرك المشعر الحرام فقد فاته الحج فليجعلها عمرة مفردة ، وعليه الحج من قابل» (١) وغيرها.

وسند الشيخ الى موسى بن القاسم صحيح في المشيخة ، وهكذا منه الى الحلبي كما يظهر بالمراجعة.

ودلالتها على كفاية المسمّى من الوقوف الاضطراري واضحة.

٧ ـ واما حرمة الافاضة قبل الغروب ووجوب البدنة على من تعمّد ذلك‌ فقد دلّت عليه صحيحة مسمع المتقدّمة.

وهل على من أفاض قبل الغروب ورجع قبله أيضا نادما الكفارة؟ قيل : نعم لإطلاق النصّ. وقيل : لا لعدم صدق الافاضة قبل الغروب ما دام هو في عرفات حين الغروب.

والمناسب التفصيل بين من أفاض وسط الفترة وعاد فلا بدنة عليه لانصراف النص عنه ، وبين من أفاض قبيل الغروب وعاد بسرعة فتستقر عليه لإطلاق النص.

٨ ـ واما لزوم متابعة قاضي العامة إذا حكم بالهلال تكليفا ولو مع العلم بمخالفته للواقع‌ فذلك من المسلّمات للنصوص الكثيرة الآمرة بالتقية ، ففي صحيحة معمّر بن خلاد : «... قال أبو جعفر عليه‌السلام : التقية من ديني ودين آبائي. ولا ايمان لمن لا تقية له» (٢) وغيرها.

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ٢٢ من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث ٢.

(٢) وسائل الشيعة الباب ٢٤ من أبواب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الحديث ٤.

٤٧٦

وانّما الكلام في الاجزاء. ومقتضى القاعدة هو العدم لأنه مع الشك في تحقّق يوم عرفة يكون مقتضى الاستصحاب عدم تحقّقه ، ومن ثمّ لا يحرز تحقّق الواجب وهو الوقوف في عرفات يوم التاسع بل أحرز بمقتضى الاستصحاب عدمه.

وعليه فالاجزاء يحتاج إلى دليل نخرج به عن مقتضى القاعدة بعد ما كانت مثل صحيحة معمر ناظرة الى الحكم التكليفي لا أكثر وما يمكن التمسّك به أمران :

أ ـ صحيحة أبي الجارود عن أبي جعفر عليه‌السلام : «... الفطر يوم يفطر الناس ، والأضحى يوم يضحي الناس ، والصوم يوم يصوم الناس» (١).

وهي تدل بوضوح على ذوق الشارع في القضايا العامة وانه يلزم متابعة الجمهور بما في ذلك يوم عرفة وان لم يكن مذكورا في الرواية. بل ان لزوم المتابعة في الأضحى تدل عرفا على لزوم المتابعة في عرفة أيضا.

وهي باطلاقها أيضا تشمل حالة العلم بالخلاف.

وسندها تام الا من ناحية أبي الجارود حيث لم يوثق في كتب الرجال. الا انه يمكن التغلّب على المشكلة من ناحيته باعتبار ان الشيخ المفيد في رسالته العددية عدّه من جملة الرؤساء المأخوذ عنهم الحلال والحرام الذين لا مطعن عليهم (٢).

ب ـ ان المسألة ابتلائية بشكل كبير منذ عهد الأئمة عليهم‌السلام ولم يصدر منهم حكم بعدم الاجزاء وبوجوب الوقوف في اليوم الآخر.

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ٥٧ من أبواب ما يمسك عنه الصائم الحديث ٧.

(٢) والرسالة مذكورة في كتاب الدر المنثور ١ : ١٢٢ للشيخ علي حفيد صاحب المعالم.

٤٧٧

وإذا قيل : لعل عدم صدور ذلك لأجل التقيّة والحفاظ على دماء شيعتهم.

قلنا : ان عدم إمكان الوقوف ولو بنحو المرور في اليوم الثاني ولا لواحد من شيعتهم أمر لا يقبل التصديق.

وإذا قيل : ان السيرة المتقدّمة دليل لبّي ، وحيث إنّه لا إطلاق له فينبغي الاقتصار فيه على القدر المتيقن ، وهو حالة عدم العلم بالمخالفة.

قلنا : ان السيرة المذكورة بعد ما صارت طبعا للمتشرّعة فمن المحتمل ان يسيروا عليها حتى مع العلم بالخلاف. وينبغي للشارع حفاظا على أغراضه الوقوف دون امتدادها الى مثل الحالة المذكورة ، وحيث لم يصدر منه ردع فذلك يكشف عن قبوله لها بما لها من امتداد متوقّع.

هذا كلّه مضافا الى ان سماحة الشريعة وتساهلها مع اتباعها بالشكل الذي يلمسه الفقيه واضحا لدى مراجعته للنصوص يبعّد من احتمال وجوب إعادة الحج من قابل عند العلم بالخلاف لمن لا يتمكّن من الوقوف في اليوم الثاني.

الوقوف في المزدلفة‌

بعد إفاضة الحاج من عرفات يلزمه الحضور قبل طلوع شمس اليوم العاشر في المزدلفة ويلبث حتى طلوعها.

والمشهور في البداية طلوع الفجر ، بل قيل بوجوب المبيت أيضا.

والركن هو المسمّى ما بين الطلوعين بل في فرض الجهل هو المسمّى‌

٤٧٨

ولو قبل طلوع الفجر.

وقد رخص للنساء والضعفاء الوقوف ليلا والإفاضة قبل طلوع الفجر الى منى لرمي جمرة العقبة.

والموقف الاختياري في المزدلفة ما ذكر. والاضطراري لذوي الأعذار المسمّى من طلوع الشمس إلى زوال يوم العيد. وللنساء والضعفاء المسمّى ليلا كما تقدّم.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما أصل وجوب الحضور في المزدلفة ـ المشعر الحرام ، جمع‌ ـ فممّا تقتضيه السيرة القطعية المتوارثة. ويدل عليه أيضا قوله تعالى : (فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ) (١) ، وصحيحة الحلبي السابقة : «... فان لم يدرك المشعر الحرام فقد فاته الحج» وغيرها.

٢ ـ واما وجوب البقاء حتى طلوع الشمس‌ فلم ينقل فيه خلاف. ويمكن استفادته من صحيحة هشام بن الحكم عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «لا تجاوز وادي محسر حتى تطلع الشمس» (٢) ، فان وادي محسر حيث انه من حدود المشعر الحرام فالنهي عن تجاوزه قبل الطلوع يدلّ على لزوم المكث في المشعر الحرام حتى الطلوع.

وإذا قيل : ان الوارد في موثقة إسحاق بن عمّار : «سألت أبا إبراهيم عليه‌السلام : أي ساعة أحبّ إليك ان أفيض من جمع؟ قال : قبل ان تطلع الشمس بقليل فهو أحبّ الساعات إليّ. قلت : فان مكثنا حتى تطلع‌

__________________

(١) البقرة : ١٩٨.

(٢) وسائل الشيعة الباب ١٥ من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث ٢.

٤٧٩

الشمس؟ قال : لا بأس» (١) ، وهي تدلّ على جواز الخروج قبل الطلوع.

قلنا : ان الافاضة تعني الشروع في الخروج ، وهو يحتاج الى وقت كبير خصوصا مع افتراض الزحام ، ومن ثمّ يلزم تحقّق الخروج بعد طلوع الشمس.

٣ ـ واما بداية وقت الواجب فالمشهور انه طلوع الفجر. وقد يستدل له :

بصحيح معاوية بن عمّار عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «أصبح على طهر بعد ما تصلّي الفجر فقف ان شئت قريبا من الجبل ، وان شئت حيث شئت فإذا وقفت فاحمد الله عزّ وجلّ واثن عليه ... ثم ليكن من قولك : اللهمّ ربّ المشعر الحرام ...» (٢) ، فان الأمر بالاصباح في المشعر الحرام يدل على عدم جواز التأخّر عن طلوع الفجر.

وبالروايات المجوزة للنساء والصبيان بالافاضة ليلا (٣) ، حيث تدلّ على ان ما بعد الليل ـ الذي بدايته طلوع الفجر ـ هو بداية وقت الوجوب.

وكلاهما قابل للتأمّل.

اما صحيح معاوية فلاشتمال سياقه على المستحبّات المانع من الظهور في الوجوب الا على مسلك حكم العقل ، وهو قابل للتأمّل.

واما روايات الإفاضة ليلا فهي تتلاءم أيضا وكون بداية وقت الوجوب ما بعد طلوع الفجر بساعة أو قبله بساعة مثلا ولا يختص تلاؤمها مع كون البداية طلوع الفجر فقط.

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ١٥ من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة الباب ١١ من أبواب الوقوف بالمشعر الحديث ١.

(٣) وسائل الشيعة الباب ١٧ من أبواب الوقوف بالمشعر.

٤٨٠