دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي على المذهب الجعفري - ج ١

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي على المذهب الجعفري - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الفقه للطباعة والنشر
المطبعة: برهان
الطبعة: ٢
ISBN: 964-499-035-8
ISBN الدورة:
964-499-048-X

الصفحات: ٥٧٦

والمستند في ذلك :

١ ـ اما عدم جواز ستر الوجه‌ فلصحيحة عبد الله بن ميمون عن جعفر عن أبيه عليهما السّلام : «المحرمة لا تتنقّب لان احرام المرأة في وجهها واحرام الرجل في رأسه» (١) وغيرها. وبالتعليل يتعدّى الى كلّ ما يستر الوجه وان لم يكن نقابا.

٢ ـ واما استثناء الاسدال من الستر المحرم‌ فلصحيحة حريز : «قال أبو عبد الله عليه‌السلام : المحرمة تسدل الثوب على وجهها إلى الذقن» (٢) وغيرها.

٣ ـ واما عدم جواز لبس القفازين والحرير‌ فلصحيحة العيص المتقدّمة في لبس المخيط.

واما التقييد بالخلوص فلموثقة سماعة عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «المحرمة تلبس الحرير؟ فقال : لا يصلح ان تلبس حريرا محضا لا خلط فيه ...» (٣) وغيرها.

متى الاحلال؟

بالاحرام يحرم جميع ما تقدّم. وبالحلق أو التقصير يحل الجميع عدا ثلاثة :

النساء والطيب والصيد.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما حلية ما عدا الثلاثة بما ذكر‌ فمن المسلّمات. وفي صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «إذا ذبح الرجل وحلق فقد أحلّ من‌

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ٤٨ من أبواب تروك الاحرام الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة الباب ٤٨ من أبواب تروك الاحرام الحديث ٥.

(٣) وسائل الشيعة الباب ٣٣ من أبواب الاحرام الحديث ٧.

٥٤١

كل شي‌ء أحرم منه الا النساء والطيب ، فإذا زار البيت وطاف وسعى بين الصفا والمروة فقد أحلّ من كلّ شي‌ء أحرم منه الا النساء ، فإذا طاف طواف النساء فقد أحلّ من كلّ شي‌ء أحرم منه الا الصيد» (١) وغيرها.

٢ ـ واما النساء فتحلّ بطواف النساء. وهو من المسلّمات ـ بل سمّي بذلك لذلك ـ وتدل عليه الصحيحة السابقة وغيرها.

٣ ـ واما الطيب‌ فقد دلّت بعض الروايات ، كصحيحة يونس بن يعقوب عن أبي الحسن موسى عليه‌السلام : «جعلت فداك رجل أكل فالوذج فيه زعفران بعد ما رمى الجمرة ولم يحلق ، قال : لا بأس» (٢) على حليته ـ قبل الحلق ـ بالرمي.

وبعضها دلّ على حليّته بعد طواف الحج ، كصحيحة معاوية السابقة.

والطائفة الأولى لهجرانها بين الأصحاب وعدم العامل بها ساقطة عن الحجّيّة. على ان بالإمكان حملها على صورة الجهل.

وبقطع النظر عن ذلك تتعارض مع صحيحة معاوية ، والمرجع بعد التساقط إطلاق ما دلّ على تحريم المحرّمات بالاحرام ، فإنّه يلزم التمسّك به ما لم يثبت التحليل.

ومع التنزل وعدم تمامية الاطلاق المذكور يكون المرجع هو استصحاب التحريم ، والنتيجة واحدة.

أجل بناء على عدم جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية‌

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ١٣ من أبواب الحلق والتقصير الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة الباب ١٣ من أبواب الحلق والتقصير الحديث ١٢.

٥٤٢

يلزم الرجوع إلى البراءة في مورد الشكّ في الجعل الزائد ، ومعه تختلف النتيجة.

والطائفة الثانية معارضة بما دلّ على حليّة الطيب بالحلق وان المحرّم بعده خصوص النساء ، كما في صحيحة سعيد بن يسار : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المتمتع ، قلت : إذا حلق رأسه يطليه بالحناء؟ قال : نعم الحناء والثياب والطيب وكل شي‌ء الا النساء ، رددها عليّ مرّتين أو ثلاثا» (١).

ويمكن الجمع بحمل الاولى على الكراهة. أجل لو لم يكن الجمع المذكور مقبولا عرفا في المقام يحصل التعارض والتساقط ويلزم الرجوع الى الاطلاق السابق ، وتكون النتيجة بقاء الحرمة بعد الحلق عكس نتيجة الجمع العرفي.

ولو فرض عدم تمامية الاطلاق فالمرجع هو الاستصحاب ، وتبقى النتيجة كما هي.

نعم بناء على عدم جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية يلزم الرجوع الى البراءة ، وتكون النتيجة متقاربة مع الجمع العرفي.

٤ ـ واما الصيد‌ فمقتضى صحيحة معاوية السابقة حليته من حيث الاحرام بعد الحلق الا أنّ مقتضى روايته الاخرى عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «من نفر في النفر الأوّل متى يحل له الصيد؟ قال : إذا زالت الشمس من اليوم الثالث» (٢) بقاء الحرمة الى زوال الشمس من اليوم الثالث.

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ١٣ من أبواب الحلق والتقصير الحديث ٧.

(٢) وسائل الشيعة الباب ١١ من أبواب العود الى منى الحديث ٤.

٥٤٣

ولكن حيث لا يعرف عامل بهذه الرواية ـ بل هي ضعيفة في كلا طريقيها بالحكم بن مسكين ـ فالمناسب التنزل الى الاحتياط بترك الصيد الى زوال الثالث عشر.

ولو لا ذلك لكان المناسب ان تكون الرواية المذكورة مقيّدة لإطلاق مفهوم الصحيحة الاولى لمعاوية.

هذا على تقدير عرفية التقييد المذكور والا حصل التعارض والتساقط ولزم الرجوع الى الاطلاق المتقدّم ـ ان كان ـ أو الاستصحاب ، والنتيجة واحدة على جميع التقادير. وانما تختلف لو رجعنا الى البراءة على فرض عدم جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية.

٥٤٤

كتاب الجهاد‌

١ ـ وجود الجهاد

٢ ـ أحكام مرتبطة بالجهاد

٣ ـ أحكام مرتبطة بالأراضي‌

٥٤٥
٥٤٦

١ ـ وجوب الجهاد‌

جهاد الكفّار واجب مع وجود الإمام عليه‌السلام حتى يسلموا أو يعطوا الجزية إن كانوا من أهل الكتاب أو حتى يسلموا إن كانوا من غيرهم. وقيل بلزوم ذلك في عصر الغيبة أيضا.

والوجوب المذكور كفائيّ. وشرطه التكليف والذكورة والقدرة. هذا في الجهاد.

وأمّا الدفاع إذا دهم المسلمين عدوّ يخشى منه على بيضة الإسلام ، فواجب بشرط القدرة لا غير اتفاقا.

وهكذا إذا كان المسلم في أرض المشركين وغشاه عدوّ خاف منه على نفسه.

وإذا اقتتلت طائفتان من المسلمين وجب الإصلاح بينهما فإن لم يجد وجب قتال الباغية حتى تفي‌ء إلى أمر الله سبحانه.

ويحرم الجهاد في الأشهر الحرم أو في الحرم إلاّ أن يبدأ الخصم بذلك.

٥٤٧

والمستند في ذلك :

١ ـ أمّا وجوب الجهاد في الجملة‌ فهو من ضروريات الدين. ويدلّ عليه أيضا قوله تعالى : (وَقاتِلُوهُمْ حَتّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّهِ) (١) ، (فَلْيُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ) (٢) وغيرهما من الآيات الكثيرة. والروايات في ذلك فوق حدّ الإحصاء (٣).

٢ ـ وأمّا كون الوجوب ثابتا مع وجود الإمام عليه‌السلام‌ فلأنّه القدر المتيقّن من أدلّة وجوب الجهاد.

٣ ـ وأمّا التخيير بين الأمرين في أهل الكتاب‌ فلقوله تعالى : (قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ) (٤).

٤ ـ وأمّا تعيّن القتال حتى يتحقق الإسلام في غير أهل الكتاب‌ فلان الآية الكريمة المتقدّمة الدالّة على أخذ الجزية مختصّة بأهل الكتاب ويبقى إطلاق الآيات المتقدّمة الدالة على وجوب القتال حتى تحقق الإسلام على حاله بالنسبة إلى غيرهم. هذا مضافا إلى دلالة جملة من الروايات على ذلك (٥).

٥ ـ وأمّا وجه القول بشمول الوجوب لعصر الغيبة أيضا‌ فيكفي فيه‌

__________________

(١) الأنفال : ٣٩.

(٢) النساء : ٧٤.

(٣) وسائل الشيعة الباب ١ وما بعده من أبواب جهاد العدوّ.

(٤) التوبة : ٢٩.

(٥) وسائل الشيعة الباب ٥ من أبواب جهاد العدوّ.

٥٤٨

إطلاق الآيات الكريمة المتقدّمة. ولا دليل على التقييد سوى أحد أمور ثلاثة :

أ ـ صحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «كلّ راية ترفع قبل قيام القائم فصاحبها طاغوت يعبد من دون الله عزّ وجلّ» (١) وغيرها ممّا دلّ على حرمة الخروج بالسيف قبل قيام القائم عجل الله تعالى فرجه الشريف.

والجواب عنها واضح لعدم نظرها إلى قتال الكفار للدعوة إلى الإسلام بل إمّا إلى الثورات الداخلية التي كان يقوم بها بعض العلويين ضد السلطة العباسية بدوافع خاصّة غير إسلامية ، أو إلى بعض الحركات التي كانت تقوم تحت شعار المهدويّة.

ويؤيّد ذلك رواية زكريا : «ومن رفع راية ضلال فصاحبها طاغوت» (٢).

ب ـ رواية أو صحيحة بشير عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «قلت له : إني رأيت في المنام أني قلت لك : ان القتال مع غير الإمام المفترض طاعته حرام مثل الميتة والدم ولحم الخنزير فقلت لي : نعم هو كذلك. فقال أبو عبد الله : هو كذلك هو كذلك» (٣) ونحوها غيرها. إلاّ انها لو تمّت سندا قاصرة دلالة لكونها ناظرة إلى الخروج مع الظالم والقتال معه.

ج ـ التمسك بالإجماع المدّعى على الشرطيّة. وهو ـ لو كان ثابتا حقا ـ محتمل المدرك ، وبالإمكان استناده إلى الروايات التي تقدّم ضعف دلالتها. وقد صرّح صاحب الجواهر بما ذكر وانه لو لا الإجماع فبالإمكان‌

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ١٣ من أبواب جهاد العدوّ الحديث ٦.

(٢) الكافي ٨ : ٢٩٧ الحديث ٤٥٦.

(٣) وسائل الشيعة الباب ١٢ من أبواب جهاد العدوّ الحديث ١.

٥٤٩

المناقشة في الشرطية لعموم أدلة الجهاد ، ويظهر منه الميل إلى نفي الشرطية بل اختيار ذلك (١).

ومن خلال ما ذكرناه يتّضح ان القول المذكور هو المناسب لما يقتضيه إطلاق الأدلة.

٦ ـ وأمّا ان الوجوب كفائي‌ فلان الغرض ما دام يتأتّى بقيام جماعة به فلا وجه للعينية. أجل عند عدم قيام من به الكفاية يصير عينيا.

٧ ـ وأمّا اشتراطه بالتكليف والقدرة‌ فلكونهما من الشرائط العامّة على ما تقدّم.

وأمّا اشتراطه بالذكورة فلانعقاد السيرة القطعيّة زمن الرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على عفو النساء عن ذلك. على ان بالإمكان استفادة ذلك من بعض الروايات الخاصّة (٢).

٨ ـ وأمّا وجوب الدفاع في الحالة المتقدّمة‌ فلضرورة وجوب الحفاظ على بيضة الإسلام على الجميع مع القدرة.

٩ ـ وأمّا لزوم ذلك على المسلم في أرض المشركين‌ فلوجوب الحفاظ على النفس من الهلاك لقوله تعالى : (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) (٣). مضافا إلى دلالة صحيحة طلحة بن زيد عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «سألته عن رجل دخل أرض الحرب بأمان فغزا القوم الذين دخل عليهم قوم آخرون ، قال : على المسلم أن يمنع نفسه ويقاتل عن حكم الله وحكم‌

__________________

(١) جواهر الكلام ٢١ : ٤١.

(٢) وسائل الشيعة الباب ٤ من أبواب جهاد العدوّ الحديث ١.

(٣) البقرة : ١٩٥.

٥٥٠

رسوله ، وأمّا أن يقاتل الكفار على حكم الجور وسنّتهم فلا يحلّ له ذلك» (١).

وطلحة وإن لم يوثق إلاّ انه يكفي للاعتماد على رواياته تعبير الشيخ عن كتابه بكونه معتمدا (٢).

١٠ ـ وأمّا حكم الطائفتين المقتتلتين من المسلمين‌ فيدل عليه قوله تعالى : (وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتّى تَفِي‌ءَ إِلى أَمْرِ اللهِ) (٣).

١١ ـ وأمّا حرمة القتال في الأشهر الحرم‌ فلقوله تعالى : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ) (٤) ، (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ) (٥).

١٢ ـ وأمّا جوازه مع بدء الخصم‌ فلانه آنذاك دفاع تقتضيه الضرورة ولقوله تعالى : (الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ) (٦).

١٣ ـ وأمّا حرمته في الحرم إلاّ مع البدأة‌ فلقوله تعالى : (وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ) (٧) بعد ضمّ عدم القول بالفصل في حرمة القتال بين كونه في المكان القريب من المسجد الحرام والبعيد عنه ما دام ذلك في الحرم ، هذا‌

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ٦ من أبواب جهاد العدوّ الحديث ٣.

(٢) فهرست الشيخ الطوسي : ٨٦ ، رقم ٣٦٢.

(٣) الحجرات : ٩.

(٤) البقرة : ٢١٧.

(٥) التوبة : ٥.

(٦) البقرة : ١٩٤.

(٧) البقرة : ١٩١.

٥٥١

مضافا إلى نكتة الدفاع المتقدمة.

٢ ـ أحكام الجهاد‌

الجهاد كما يجب بالنفس كفاية ، فكذلك بالمال فيجبان كفاية معا على القادر. ومع التمكّن من أحدهما فقط كان هو الواجب.

والفرار من الزّحف محرّم إلاّ لتحرّف في القتال أو تحيّز إلى فئة (١).

والهجرة من بلد الكفر واجبة لمن يضعف عن اقامة واجبات الإسلام إلاّ لمن لا يتمكن من ذلك وهو المستضعف من الرّجال والنّساء والولدان.

وتستحب المرابطة لحفظ الثغور إلاّ إذا كانت البلاد الاسلامية في معرض الخطر فتجب.

والمستند في ذلك :

١ ـ أمّا وجوب الجهاد بالمال أيضا‌ فلقوله تعالى : (انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالاً وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (٢) وغيره من الآيات الكريمة. على ان الدعوة إلى الإسلام لمّا كانت واجبة بالضرورة كان ما تتوقّف عليه واجبا بالضرورة أيضا.

__________________

(١) التحرّف هو من الحرف بمعنى الطرف والجانب ، والمراد : الابتعاد عن وسط المعركة إلى جانبها ليمكن الكرّ على العدو بشكل أقوى.

والتحيّز من الحيّز بمعنى المكان ، والمراد : الذهاب إلى مكان آخر فيه جماعة من المسلمين تمكن الاستعانة بهم.

(٢) التوبة : ٤١.

٥٥٢

وأمّا كون ذلك بنحو الكفاية أيضا فلتأتّي الغرض بذلك.

وأمّا وجوب أحدهما عند القدرة عليه دون الآخر فلكونه مقتضى استقلاليّة وجوب كل واحد منهما.

٢ ـ وأمّا حرمة الفرار إلاّ في الحالتين‌ فلقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ* وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاّ مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) (١).

٣ ـ وأمّا وجوب الهجرة من بلد الكفر في الحالة المتقدّمة‌ فلقوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَساءَتْ مَصِيراً* إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ ...) (٢). والروايات في ذلك كثيرة (٣).

٤ ـ وأمّا استحباب المرابطة‌ فهو من الامور المسلّمة. ويدلّ عليه ما رواه محمد بن مسلم وزرارة عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليه‌السلام : «الرباط ثلاثة أيام ، وأكثره أربعون يوما ، فإذا كان ذلك فهو جهاد» (٤) وغيره.

وأمّا وجوبه في حالة المعرضية للخطر فلوجوب الحفاظ على الإسلام وأرضه.

__________________

(١) الأنفال : ١٥ ـ ١٦.

(٢) النساء : ٩٧ ـ ٩٨.

(٣) وسائل الشيعة الباب ٣٦ من أبواب جهاد العدوّ.

(٤) وسائل الشيعة الباب ٦ من أبواب جهاد العدوّ الحديث ١.

٥٥٣

٣ ـ أحكام مرتبطة بالأراضي‌

الأرض المفتوحة عنوة إذا كانت محياة حالة الفتح فهي ملك لجميع المسلمين. وأمرها بيد وليّ الأمر ، فله تقبيلها مقابل الخراج بما يراه صلاحا. ولا يجوز بيع رقبتها ولا وقفها ولا هبتها.

ويصرف وليّ الأمر الخراج في المصالح العامّة للمسلمين. وذلك معنى ملكية جميع المسلمين لها.

وإذا كانت ميّتة فهي لمن أحياها ، وهكذا كلّ أرض ميّتة.

والمستند في ذلك :

١ ـ أمّا ملكية الأرض المفتوحة عنوة لجميع المسلمين‌ فتدلّ عليها صحيحة محمد الحلبي الواردة في أرض السواد : (١) «سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن السواد ما منزلته؟ فقال : هو لجميع المسلمين لمن هو اليوم ولمن يدخل في الإسلام بعد اليوم ولمن لم يخلق بعد. فقلت : الشراء من الدهاقين (٢) ، قال : لا يصلح إلاّ أن تشتري منهم على أن يصيّرها للمسلمين ، فإذا شاء وليّ الأمر أن يأخذها أخذها ...» (٣) وغيرها.

٢ ـ وأمّا ان أمرها بيد وليّ الأمر‌ فلان ذلك مقتضى ملكيّتها لجميع المسلمين ، على ان الصحيحة السابقة واضحة في ذلك. ومن ذلك يتّضح‌

__________________

(١) وهي أرض العراق المفتوحة عنوة زمن الخليفة الثاني.

(٢) الدهقان ـ بكسر الدال وضمّها ـ يطلق على رئيس القرية والتاجر ، ومن له مال وعقار ، وهو اسم اعجمي مركب من (ده) و (قان).

(٣) وسائل الشيعة الباب ٢١ من أبواب عقد البيع الحديث ٤.

٥٥٤

الوجه في عدم جواز بيعها وما شاكله. نعم يجوز بيع الحق لعدم المانع من ذلك.

٣ ـ وأمّا صرف الحاصل فيما ذكر‌ فلان ذلك معنى ملكية جميع المسلمين لها ، ولا يتصور معنى صحيح لها غير ذلك ، على ان بعض الروايات قد دلت عليه كمرسلة حمّاد بن عيسى عن بعض أصحابه (١).

٤ ـ وأمّا ان الأرض الميّتة حالة الفتح ملك لمن أحياها‌ فلصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من أحيا أرضا مواتا فهي له» (٢) وغيرها ، فانها باطلاقها تشمل الموات من المفتوحة عنوة.

لا يقال : ان الإطلاق المذكور معارض بإطلاق ما دلّ على ان الأرض المفتوحة عنوة لجميع المسلمين بما في ذلك الموات حالة الفتح ، فلما ذا الترجيح للأول؟

فإنه يقال : لم يثبت الإطلاق الثاني ، فان صحيحة الحلبي واردة في أرض السواد وهي محياة حالة الفتح ، ولا توجد رواية اخرى يمكن التمسّك بإطلاقها.

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ٤١ من أبواب جهاد العدوّ الحديث ٢.

(٢) وسائل الشيعة الباب ١ من أبواب احياء الموات الحديث ٦.

٥٥٥
٥٥٦

كتاب

لأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر‌

٥٥٧
٥٥٨

الأمر بالمعروف

و

النهي عن المنكر

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبان أكيدان ـ بنحو الكفاية ـ إذا كان المعروف بالغا حدّ الوجوب. ولا يختصّ ذلك بصنف.

وشرط الوجوب معرفتهما واحتمال التأثير والإصرار وتنجّزهما وعدم لزوم الضّرر على الآمر أو غيره.

ولهما مراتب ثلاث : الإنكار بالقلب ثم باللسان ثم باليد. ولا ينتقل إلى اللاحقة مع إجداء السابقة.

وفي جواز الانتقال إلى الجرح أو القتل خلاف.

ويتأكّد الوجوب على المكلف بالنسبة إلى أهله.

والمستند في ذلك :

١ ـ أمّا أصل وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر‌ فمتسالم عليه بل هو بالغ حدّ الضرورة. ويمكن استفادته من قوله تعالى : (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ

٥٥٩

وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (١) ، (يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ ...) (٢) ، (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ ...) (٣) بعد ضم قاعدة الاسوة المستفادة من قوله تعالى : (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) (٤).

وفي رواية محمد بن عرفة : «سمعت أبا الحسن الرضا عليه‌السلام يقول : لتأمرنّ بالمعروف ولتنهنّ عن المنكر أو ليستعملنّ عليكم شراركم فيدعو خياركم فلا يستجاب لهم» (٥).

وفي روايته الاخرى : «إذا أمّتي تواكلت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فليأذنوا بوقاع من الله» (٦).

بل قيل بالوجوب عقلا بقطع النظر عن ورود الشرع به وإن أمكنت المناقشة بعدم حكم العقل بالإلزام بل بالرجحان.

٢ ـ وأمّا كون الوجوب بنحو الكفاية‌ فقد وقع محلا للخلاف فقيل بكونه عينيّا تمسّكا بالأصل وظاهر الخطابات المتوجّهة إلى الجميع.

لكن ذلك مدفوع بعدم المعنى للعينية بعد إمكان تأتّي الغرض بفعل البعض ، ومعه لا يبقى مجال للتمسّك بالأصل.

كما ان التمسّك بظاهر الخطابات لا وجه له بعد كون الخطاب في الكفائي عاما أيضا ، حيث يتوجّه التكليف في البداية إلى الجميع ولكنه يسقط بفعل البعض.

__________________

(١) آل عمران : ١٠٤.

(٢) لقمان : ١٧.

(٣) الأعراف : ١٩٩.

(٤) الأحزاب : ٢١.

(٥) وسائل الشيعة الباب ١ من أبواب الأمر والنهي الحديث ٤.

(٦) وسائل الشيعة الباب ١ من أبواب الأمر والنهي الحديث ٥.

٥٦٠