دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي على المذهب الجعفري - ج ١

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي على المذهب الجعفري - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الفقه للطباعة والنشر
المطبعة: برهان
الطبعة: ٢
ISBN: 964-499-035-8
ISBN الدورة:
964-499-048-X

الصفحات: ٥٧٦

١
٢

٣
٤

٥
٦

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‌

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الخلق محمد

وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين

لا اعتقد ان فكرة الحاجة إلى تجديد النظر في كتبنا الدراسية ممّا يختلف فيها اثنان من طلاّب حوزاتنا وبالأخص في المجال الفقهي.

فالطالب ينهي مرحلة السطوح ولا يشعر من نفسه اجتياز نصف الشوط أو ربعه إلى مرحلة الاجتهاد. والسبب واضح لان ما يدرسه من كتب لم يشيد لزرع روح الاجتهاد في نفس الطالب. فهو يبقى مهما كرّرها وأمثالها سنوات بعيدا عن المقصود الأساسي ، بل ان تلك الكتب لم يوضع الحجر الأساس فيها لتكون محورا للدراسة. وتبقى ألفاظها المطلسمة عائقا عن تلقي الفكرة بوضوح ليعود الذهن قادرا على هضمها والتأمّل في صحّتها وسقمها فهو بعد ان يصطادها ويحل الطلاسم يعود منهكا عاجزا عن التأمّلات التي تنبغي لطالب العلم والتي بها يأخذ بالتطوّر والتقدّم خطوات إلى الإمام.

٧

ولا أظن ان الأفكار الدقيقة التي توصّل إليها علماؤنا الأبرار بحاجة إلى تعقيد أكثر من خلال الألفاظ والرموز.

وإلى جانب ذلك يدخل طالب الحوزة مرحلة السطوح ويخرج ولا يجد أمامه ما يمثّل ذلك القسم الهائل من الروايات الذي يواجهه في مرحلة الخارج. فهو لا يعرف صورة واضحة عنها ولا يعرف كيف العلاج حالة التعارض بالرغم من ان المجتهد لا يكون مجتهدا إلاّ بذلك. وهو لا يعرف لاستصحاب العدم الأزلي وكيفية تطبيقه رسما ولا اثرا بل الاصول العملية بشكل عام لا يعرف كيفية تطبيقها.

وبتعبير شامل لا يعرف ربط ما قرأه في علم الاصول بما يحتاج إلى استنباطه من أحكام في الفقه. ويبقى التلاقح بين الفقه والاصول خفيّا عليه إلى ان يجتاز فترة طويلة في بحوث الخارج.

لهذه الأسباب وغيرها عادت فكرة النظر في مناهج الدراسة قضية ضرورية ، ولكن الفكرة بقدر ما هي ضرورية صعبة المنال والطريق إليها ذو أشواك ، فمن الذي يتصدّى وكيف يتصدّى وكيف يقبل منه وكيف وكيف وكيف ....

ان قوّة الاخلاص التي تسلّح بها أمثال الشهيد الثاني والشيخ الأعظم ليس لها نظير ، وهي كما نعلم ذات دور فعّال في فوزهما ونجاحهما. فالكاتب مهما أوتي من قوى علمية وجودة في الكتابة يبقى بحاجة ماسة إلى التوفيق الإلهي لقبول عمله وانجازه وسدّه الفراغ بشكل جيّد ، وذلك لا يتمّ إلاّ بالإخلاص والعمل لله سبحانه لا غير.

وانطلاقا من قاعدة الميسور لا يسقط بالمعسور اخذت تلك الفكرة التي عاشت معنا فترة من الزمن قوّة تنبثق إلى عالم الفعلية من خلال‌

٨

هذا الكتاب الذي كتب ليكون بمنزلة دروس تمهيدية في الفقه الاستدلالي يدرسها الطالب بعد اجتيازه دراسة بعض المتون الفقهية.

وبعد ان تمّت كتابة بعض فصول الكتاب عرضتها على بعض الاخوة فلاحظ عليها وجود دقّة في بعض المواضع التي قد لا تتناسب وافتراض الطالب في مراحله الاولى. ومن هنا حاولنا تجريده من تلك المواضع الدقيقة فنشأ من ذلك القسم الأوّل وكان هذا هو القسم الثاني.

وحاول الكتاب تأكيد نقاط اشير من بينها إلى :

١ ـ عرض مقدار غير قليل من الروايات في كلّ مسألة ليكون الطالب على أهبة الاستعداد لمواجهة ذلك الكم العظيم من الروايات في مرحلة الخارج.

٢ ـ عرض الروايات المتعارضة وتوضيح طريقة علاجها.

٣ ـ تأكيد ربط أحكام الفقه بقواعد الاصول لتتضح بذلك فائدة علم الاصول ومقدار الحاجة إليه.

٤ ـ الإشارة الى بعض النكات الرجالية ليستعد الطالب لمواجهة التفاصيل في مرحلة الخارج وليتفاعل معها في وقت أقرب.

٥ ـ حاول الكتاب ان لا يجود بالألفاظ ولا يشح بها ويضغط بعض الأفكار العميقة في عبارات صغيرة حفاظا على العلاقة بين التلميذ واستاذه.

٦ ـ عملية عرض الأحكام الفقهية والاستدلال عليها لم تتم إلاّ في بعض قليل ممّا أشار إليه فقهاؤنا الأبرار لأنّ مقصودنا تدريب الطالب على عملية الاجتهاد وتقديم رأس الخيط له ، وذلك لا يتوقّف على استعراض جميع الأحكام والاستدلال عليها بل ان ذلك التوسّع يوجب‌

٩

التشويش على الطالب وعدم الوصول إلى المقصود.

٧ ـ طريقة الاستدلال لم تقم على أساس رأي فقيه معين بل نلاحظ ما هو الأنسب لتدريب الطالب.

ونرجو من الأساتذة الكرام في المواضع الميسرة التي لا تكلف التلاميذ شيئا توجيههم إلى بعض التمرينات ؛ فنحن نشير في كل مسألة إلى رواية واحدة من بين مجموع روايات ان كانت ، وبإمكان الأساتذة مطالبة التلاميذ بالفحص عن رواية اخرى صحيحة السند وعرضها عليهم.

كما اننا التزمنا الإشارة إلى كون الرواية صحيحة أو موثّقة والمناسب للأساتذة الكرام توضيح ذلك من خلال بيان حال كل راو واقع في السند ليتم تعرّف الطالب على حال رجال أحاديثنا الأمر الذي سوف يسهّل عليه كثيرا ممّا يواجهه في مرحلة الخارج.

ويبقى الكتاب كمحاولة لا أكثر تحتاج في سدّ فجواتها واصلاح ما فيها من خلل إلى بذل محاولات اخرى من قبل أساتذة أكثر كفاءة ، واليد الواحدة إذا لم تتمكن من حمل الثقيل فبتعاون الأيدي يتيسر كل عسير. وآخر دعوانا ان الحمد لله ربّ العالمين ونسأل جميع اخواننا الدعاء بالقبول والتوفيق الالهي.

باقر الايرواني

٣ / صفر المظفر / ١٤١٧ ه‍

قم المشرّفة‌

١٠

التكليف وشروطه‌

١ ـ شرائط التكليف

٢ ـ علامات البلوغ‌

١١
١٢

١ ـ شرائط التكليف‌

لا يثبت التكليف إلاّ بشروط : العقل والقدرة والبلوغ. وفي شرطية الإسلام خلاف.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما شرطية العقل‌ فلحكم العقل القطعي وصحيح محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام : «لما خلق الله العقل استنطقه ، ثم قال له : أقبل فأقبل ، ثم قال له : أدبر فأدبر ، ثم قال : وعزّتي وجلالي ما خلقت خلقا هو أحبّ إليّ منك ولا أكملتك إلاّ في من أحب. اما اني اياك آمر واياك أنهى واياك اعاقب وإيّاك اثيب» (١) وغيره.

٢ ـ واما شرطية القدرة‌ فلحكم العقل القطعي وقوله تعالى : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَها) (٢).

٣ ـ واما شرطية البلوغ‌ على تقدير التمييز فيمكن التمسك لها‌

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ٣ من أبواب مقدمة العبادات الحديث ١.

(٢) البقرة : ٢٨٦.

١٣

بحديث رفع القلم الوارد في موثقة عمار الساباطي عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «سألته عن الغلام متى تجب عليه الصلاة؟ قال : إذا أتي عليه ثلاث عشرة سنة ، فان احتلم قبل ذلك فقد وجبت عليه الصلاة وجرى عليه القلم. والجارية مثل ذلك إن اتي لها ثلاث عشرة سنة أو حاضت قبل ذلك فقد وجبت عليها الصلاة وجرى عليها القلم» (١) ، وفي رواية ابن ظبيان المتقدّمة (٢).

والموثقة وإن كانت تامّة سندا إلاّ انها تدل على ما لا يلتزم به ، وهو بلوغ الذكر بثلاث عشرة سنة ، وهو موهن لها.

ودعوى انها تدل على مطلبين : أصل شرطية البلوغ وتحققه بثلاث عشرة سنة ، وسقوطها عن الحجّية بلحاظ الثاني لا يستلزم سقوطها عنها بلحاظ الأوّل مدفوعة بانه تفكيك بين مدلولي الفقرة الواحدة وهو ليس عرفيا وليس تفكيكا بين فقرة واخرى.

ورواية ابن ظبيان ضعيفة سندا لاشتمالها على عدّة مجاهيل ، ولا يمكن الحكم بحجّيتها إلاّ بناء على كبرى الجابرية بفتوى المشهور.

وعلى تقدير انكار الكبرى المذكورة فبالامكان الاستعانة لإثبات الشرطية باستصحاب عدم توجه التكاليف ـ الثابت حالة فقدان التمييز ـ بناء على ترجيح الاستصحاب على التمسّك بعموم العام عند الدوران بينهما فيما إذا خرج فرد من العام في زمان معيّن وشك في حاله بعد ذلك ، وإلاّ كان المناسب التمسّك بإطلاق أدلّة التكاليف.

٤ ـ واما بالنسبة إلى شرطية الإسلام‌ فقد ذهب المشهور إلى‌

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ٤ من أبواب مقدمة العبادات الحديث ١٢.

(٢) القسم الأول من الكتاب ١ : ٤١.

١٤

عدمها تمسكا بإطلاق الأدلّة من قبيل قوله تعالى : (وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ ...) (١) ، بل وخصوص بعضها من قبيل قوله تعالى : (وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ* الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ) (٢).

أجل إذا أسلم الكافر لا يجب عليه القضاء لقاعدة «الإسلام يجبّ ما قبله» الثابتة بالسيرة القطعية في زمان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على العفو عمّا سلف ، وبمثل قوله تعالى : (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ) (٣).

بل لا يمكن توجه الأمر بالقضاء إليه في العبادات لما أشار إليه صاحب المدارك من ان التكليف بالقضاء بشرط الإسلام خلف قاعدة الإسلام يجبّ ما قبله ، والتكليف لا بشرطه خلف اشتراط قصد القربة (٤).

٢ ـ علامات البلوغ‌

يثبت البلوغ لدى المشهور بما يلي : خروج المني ، ونبات الشعر الخشن على العانة ، واكمال خمس عشرة سنة قمرية في الذكر وتسع في الانثى ، والشاك في بلوغه يبني على عدمه.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما تحقّق البلوغ بما ذكر‌ فلم ينسب فيه الخلاف إلاّ الى الشيخ‌

__________________

(١) آل عمران : ٩٧.

(٢) فصلت : ٦ ـ ٧.

(٣) الأنفال : ٣٨.

(٤) مدارك الأحكام ٤ : ٢٨٩.

١٥

وابن حمزة حيث ذهبا إلى تحقّقه في الانثى بعشر وإلى ابن الجنيد حيث نسب له تحقّقه في الذكر بأربع عشرة سنة (١).

وتدلّ عليه رواية حمران : «سألت أبا جعفر عليه‌السلام قلت له : متى يجب على الغلام ان يؤخذ بالحدود التامّة ويقام عليه ويؤخذ بها؟ قال : إذا خرج عنه اليتم وأدرك. قلت : فلذلك حدّ يعرف به؟ فقال : إذا احتلم أو بلغ خمس عشرة سنة أو أشعر أو أنبت قبل ذلك اقيمت عليه الحدود التامّة واخذ بها واخذت له. قلت : فالجارية متى تجب عليها الحدود التامّة وتؤخذ بها ويؤخذ لها؟ قال : ان الجارية ليست مثل الغلام ، ان الجارية إذا تزوجت ودخل بها ولها تسع سنين ذهب عنها اليتم ودفع اليها مالها وجاز أمرها في الشراء والبيع ...» (٢).

بيد انها ضعيفة السند بحمزة وعبد العزيز لعدم ورود توثيق في حقهما ، ولئن أمكن توثيق حمزة باعتبار رواية صفوان وابن أبي عمير عنه إلاّ ان المشكلة تبقى من ناحية عبد العزيز على حالها.

ورواية يزيد الكناسي عن أبي جعفر عليه‌السلام : «الجارية إذا بلغت تسع سنين ذهب عنها اليتم ...» (٣) ضعيفة بالكناسي أيضا.

وليس في المقام رواية تامّة الدلالة والسند تدل على مختار المشهور بكامله إلاّ بناء على كبرى الجابرية لمن يراها.

أجل لإثبات تحقّق بلوغ الذكر بإكمال خمس عشرة سنة يمكن التمسّك باستصحاب عدم توجه الأحكام إليه قبل ذلك ـ بناء على المبنى‌

__________________

(١) الحدائق الناضرة ٢٠ : ٣٤٩.

(٢) وسائل الشيعة الباب ٤ من أبواب مقدمة العبادات الحديث ٢.

(٣) وسائل الشيعة الباب ٦ من أبواب مقدمات الحدود وأحكامها العامة الحديث ١.

١٦

المتقدّم ـ بعد فرض عدم احتمال توقف توجهها على أزيد من ذلك.

وهكذا الحال في الانثى لو فرض عدم احتمال توقف توجهها على أكثر من بلوغ التسع.

وتبقى علامية الاحتلام قد يستدل عليها بقوله تعالى : (وَإِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) (١).

إلاّ انه قابل للتأمّل باعتبار احتمال الخصوصية للاستئذان من بين بقية الأحكام.

والاولى الاستدلال لها بما رواه الصدوق بسنده إلى صفوان عن إسحاق بن عمّار : «سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن ابن عشر سنين يحجّ ، قال : عليه حجّة الإسلام إذا احتلم وكذلك الجارية عليها الحج إذا طمثت» (٢) فان ايجاب حج الإسلام عند الاحتلام يدل على تحقق البلوغ عند ذلك.

والمقصود من صفوان هو ابن يحيى دون ابن مهران الجمال لان الراوي كثيرا عن إسحاق هو ابن يحيى بخلاف ابن مهران فانه لم تعهد روايته عنه.

وسند الصدوق إلى الجمال وان أمكن التأمّل فيه من ناحية موسى بن عمر إلاّ انه إلى ابن يحيى صحيح لا خدشة فيه.

واما نبات الشعر على العانة فيبقى بلا دليل إلاّ الرواية السابقة بناء على كبرى الجابرية.

ثمّ ان في المقام روايات تدل على تحقق البلوغ في الذكر بأربع عشرة سنة أو بثمان سنين ، وفي الانثى بثلاث عشرة سنة ـ وقد تقدّمت‌

__________________

(١) النور : ٥٩.

(٢) وسائل الشيعة الباب ١٢ من أبواب وجوب الحج الحديث ١.

١٧

الإشارة إلى بعضها ـ أو بسبع ، فان تحقّق هجران الأصحاب لها سقطت عن الحجيّة بذلك وإلاّ كان المرجع هو الاستصحاب لو فرضت حجيّة كلّ واحد من المتعارضين في نفسه وتساقطهما بالمعارضة.

٢ ـ واما ان الشاك في بلوغه يبني على العدم‌ فلاستصحاب عدم تحقّق البلوغ الذي هو استصحاب موضوعي. وبقطع النظر عنه يجري استصحاب عدم توجه الأحكام ، وبقطع النظر عنه تجري البراءة.

هذا لو كان الشك بنحو الشبهة الموضوعية.

واما إذا كان بنحو الشبهة المفهومية فلا يجري استصحاب عدم تحقّق البلوغ ككل شبهة مفهومية ـ لانتفاء الشك وتردد الأمر بين اليقين بالبقاء واليقين بالارتفاع ـ ويتعيّن المصير الى استصحاب عدم توجه الأحكام ، وبقطع النظر عنه فإلى البراءة.

١٨

العبادات‌

١ ـ الطهارة

٢ ـ الصلاة

٣ ـ الصوم

٤ ـ الزكاة

٥ ـ الخمس

٦ ـ الحجّ‌

١٩

كتاب الطّهارة‌

١ ـ أقسام المياه وأحكامها

٢ ـ أحكام التخلي

٣ ـ الوضوء

٤ ـ الغسل

٥ ـ التيمم

٦ ـ النجاسات

٧ ـ المطهّرات‌

٢٠