دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي على المذهب الجعفري - ج ١

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي على المذهب الجعفري - ج ١

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الفقه للطباعة والنشر
المطبعة: برهان
الطبعة: ٢
ISBN: 964-499-035-8
ISBN الدورة:
964-499-048-X

الصفحات: ٥٧٦

عدم ضمانها وتحقّق التلف من الجهة.

وإذا قيل : ان المناسب ضمان المالك مطلقا لأنّ المال المعزول ملك للجهة فدفع غير المالك المال الى شخص بدون اذن المالك لا يسقط الضمان بل يكون صاحب المال والمدفوع إليه ضامنين ، غايته إذا دفع صاحب المال الى الجهة البديل أمكنه الرجوع على المدفوع إليه ان لم يكن مغررا من قبله.

قلنا : ان ولي الجهة بعد ان اذن في العزل وبقاء المعزول امانة ودفعه على طبق حجّة معتبرة فما معنى الضمان؟!

هذا كلّه مع افتراض العزل وإلاّ فضمان صاحب المال واضح حتى مع سلوكه الحجّة المعتبرة.

٦ ـ واما عدم الإجزاء مع اعتقاد الوجوب واتّضاح العدم‌ فلعدم الموجب له.

واما جواز الاسترجاع فواضح لعدم تحقّق الانتقال.

واما جواز المطالبة بالبدل مع العلم بواقع الحال فلقاعدة على اليد.

٧ ـ واما انه لا يجب البسط‌ فلعدم احتمال ذلك بل عدم امكانه إذ الفقراء والمساكين و ... جمع محلى باللام الدالة على الاستغراق ، والدفع بنحو الاستغراق لجميع الأصناف لو أمكن فهو غير محتمل في نفسه. والدفع الى واحد من كل صنف لا شاهد عليه.

على ان وجوب البسط لا شاهد له سوى دعوى ظهور اللام في الملك ، وهذا الظهور لو سلم فهو يتم لو كانت داخلة على جميع الأصناف ولو تقديرا والأمر ليس كذلك لإباء ثلاثة أو أربعة منها عن ذلك.

٣٦١

على ان البسط لو كان لازما لاشتهر وذاع لشدّة الابتلاء بالمسألة والحال انه لم ينسب الخلاف في ذلك إلاّ الى بعض العامّة.

هذا كلّه لو قطعنا النظر عن الروايات وإلاّ فالأمر أوضح ، ففي صحيحة أحمد بن حمزة : «قلت لأبي الحسن عليه‌السلام : رجل من مواليك له قرابة كلّهم يقول بك وله زكاة أيجوز له أن يعطيهم جميع زكاته؟ قال : نعم» (١).

٨ ـ واما عدم وجوب دفعها الى الفقيه‌ فلعدم الدليل على ذلك خلافا للشيخ المفيد حيث نسب إليه ذلك تمسّكا بظاهر قوله تعالى : (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ ...) (٢) الدال على وجوب الدفع الى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالملازمة ، وحيث ان الفقيه نائب الامام عليه‌السلام وبمنزلته وهو بمنزلة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيثبت الحكم له أيضا (٣).

وفيه : ان الأمر بالأخذ لا يقصد منه معناه المطابقي ليدل بالالتزام على وجوب الدفع ، فإنّه كناية عن تشريع وجوب الزكاة ، وإلاّ فلا يحتمل وجوب أخذه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بما هو أخذ ، وهل يحتمل ان توزيع المالك ضريبة ماله لا يجوز ولو كان باستئذان منه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟!

هذا لو قطعنا النظر عن الروايات وإلاّ فمراجعتها في الأبواب المختلفة يوجب قطع الفقيه بعدم اشتراط ذلك.

ثم ان هذا كلّه لو لم يطالب بها الفقيه ، واما لو طالب بها لمصلحة خاصّة فمن اللازم دفعها إليه لوجوب إطاعته.

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ١٥ من أبواب المستحقين للزكاة الحديث ١.

(٢) التوبة : ١٠٣.

(٣) مستمسك العروة الوثقى ٩ : ٣١٣.

٣٦٢

والفارق بين سهم الامام عليه‌السلام حيث يجب دفعه الى الفقيه وبين الزكاة حيث لا يجب دفعها إليه ان الخمس ملك منصب الإمامة أو شخص الامام عليه‌السلام فيلزم انتقاله الى الفقيه الذي هو نائب الامام عليه‌السلام بخلاف الزكاة فانها ليست كذلك.

٩ ـ واما جواز نقلها‌ فيدلّ عليه مضافا الى الأصل عدّة روايات كصحيح أحمد بن حمزة : «سألت أبا الحسن الثالث عليه‌السلام عن الرجل يخرج زكاته من بلد الى بلد آخر ويصرفها في اخوانه فهل يجوز ذلك؟ قال : نعم» (١) وغيره.

١٠ ـ واما انها من العبادات‌ فلقضاء ارتكاز المتشرّعة بذلك. على ان كونها من الأركان المبني عليها الإسلام قد يستفاد منه ذلك.

٩ ـ زكاة الفطرة وشرائط وجوبها‌

تجب زكاة الفطرة على البالغ العاقل الغني الحرّ غير المغمى عليه طيلة وقت الوجوب.

واعتبر المشهور اجتماع الشرائط قبل الغروب من ليلة العيد آنا ما حتى تحقّقه.

والمستند في ذلك :

١ ـ الزكاة على نحوين : زكاة مال ـ وهي ما تقدّم ـ وزكاة فطرة. ولا إشكال في وجوبها. والنصوص بذلك كثيرة. وقد فسّرت الزكاة في‌

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ٣٧ من أبواب المستحقين للزكاة الحديث ٤.

٣٦٣

قوله تعالى : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكّى* وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلّى) (١) بذلك ، كما في بعض الأخبار (٢).

والفطرة اما بمعنى الافطار حيث تجب يوم الفطر ، أو بمعنى الدين فتكون زكاة الإسلام ، أو بمعنى الخلقة ، حيث تحفظ صاحبها من الموت ، ففي الحديث عن الامام الصادق عليه‌السلام : «اذهب فاعط عن عيالنا الفطرة وعن الرقيق أجمعهم ولا تدع منهم أحدا فإنّك ان تركت منهم إنسانا تخوّفت عليه الفوت. قلت : وما الفوت؟ قال : الموت» (٣).

٢ ـ واما اشتراط وجوبها بالبلوغ والعقل‌ فيكفي لإثباته القصور في المقتضي ، مضافا الى حكومة حديث رفع القلم (٤) بالبيان المتقدّم في زكاة المال.

ويمتاز المقام ببعض الأخبار الخاصّة ، ففي صحيح محمد بن القاسم بن الفضيل : «انه كتب الى أبي الحسن الرضا عليه‌السلام يسأله عن الوصي يزكي زكاة الفطرة عن اليتامى إذا كان لهم مال فكتب عليه‌السلام : لا زكاة على يتيم» (٥). وحيث لا تحتمل الخصوصيّة لليتيم ـ المختص بغير البالغ ـ فيتعدّى الى غيره.

هذا فيما إذا لم يعل بهما أحد وإلاّ وجبت على المعيل.

٣ ـ واما اعتبار الغنى ـ ملك قوت السنة‌ فلم ينسب فيه الخلاف‌

__________________

(١) الأعلى : ١٤ ـ ١٥.

(٢) وسائل الشيعة الباب ١ من أبواب زكاة الفطرة الحديث ٥.

(٣) وسائل الشيعة الباب ٥ من أبواب زكاة الفطرة الحديث ٥.

(٤) وسائل الشيعة الباب ٤ من أبواب مقدمة العبادات.

(٥) وسائل الشيعة الباب ٤ من أبواب زكاة الفطرة الحديث ٢.

٣٦٤

إلى أحد. ويدل عليه صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «سئل عن رجل يأخذ من الزكاة ، عليه صدقة الفطرة؟ قال : لا» (١) وغيره.

وفي مقابل ذلك صحيح زرارة : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الفقير الذي يتصدّق عليه هل عليه صدقة الفطرة؟ فقال : نعم يعطى ممّا يتصدّق به عليه» (٢).

وقد يجمع بحمل الثاني على الاستحباب ، وهو ان تمّ عرفا وإلاّ استقرت المعارضة ولزم طرح الثاني لهجران الأصحاب له.

٤ ـ واما اشتراط الحرية‌ فلا مستند له سوى التسالم. أجل بناء على انه لا يملك يكون الحكم على طبق القاعدة لكونه فقيرا.

هذا في غير المكاتب ، واما فيه فالمنسوب الى الشيخ الصدوق (٣) الحكم بالوجوب استنادا الى صحيح علي بن جعفر عن أخيه عليه‌السلام : «المكاتب هل عليه فطرة شهر رمضان أو على من كاتبه؟ وتجوز شهادته؟ قال : الفطرة عليه ولا تجوز شهادته» (٤).

ولأجل اشتمال الحديث على الحكم بعدم جواز شهادة المكاتب الذي لا يقول به الأصحاب وحذرا من مخالفة مشهور الأصحاب يكون المناسب التنزل من الفتوى بالوجوب الى الاحتياط.

٥ ـ واما اعتبار عدم الاغماء‌ فهو المشهور ولكن لا دليل عليه فتشمله اطلاقات الأدلّة. أجل مع استيعابه لتمام وقت الوجوب يكون‌

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ٢ من أبواب زكاة الفطرة الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة الباب ٣ من أبواب زكاة الفطرة الحديث ٢.

(٣) مستمسك العروة الوثقى ٩ : ٣٨٩.

(٤) وسائل الشيعة الباب ١٧ من أبواب زكاة الفطرة الحديث ٣.

٣٦٥

السقوط وجيها لأنه ما دام كذلك لا يكون مكلّفا بالاداء ، والخطاب بالقضاء بعد ذلك يحتاج الى دليل وهو لفقدانه تجري البراءة عنه.

وإذا قيل : أو ليس يلزم اجتماع الشرائط قبيل الغروب.

قيل : المفروض عدم ثبوت شرطية عدم الاغماء بعد.

٦ ـ واما اعتبار اجتماع الشرائط قبل الغروب‌ فيدل عليه ما رواه الصدوق بإسناده عن علي بن أبي حمزة (١) عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «المولود يولد ليلة الفطر ، واليهودي والنصراني يسلم ليلة الفطر ، قال : ليس عليهم فطرة ، وليست الفطرة إلاّ على من أدرك الشهر» (٢) فإنّه يدل بوضوح على لزوم ادراك شهر رمضان من دون خصوصية للمورد. ومن هنا اعتبر المشهور لزوم تحقّق الشروط قبل الغروب بآن واستمرارها إليه ليصدق إدراك الشهر ولا يكفي تحققها بعده.

أجل إذا حصل إدراك الشروط مقارنا للغروب فالاحتياط يقتضي لزوم الفطرة لاحتمال صدق الادراك عرفا بذلك.

هذا بناء على عدم المناقشة في سند الرواية من ناحية محمّد بن علي ما جيلويه والبطائني باعتبار شيخوخة الاجازة في الأوّل ورواية الأعاظم ووكالة الامام عليه‌السلام في الثاني وإلاّ فلا بدّ من الرجوع الى القاعدة وهي تقتضي كفاية تحقّق الشروط ولو بعد الغروب ما دام لم ينته وقت الوجوب. أجل يستثنى من ذلك المولود أو من أسلم بعد الغروب فإنّه‌

__________________

(١) في وسائل الشيعة : علي بن حمزة. وهو اشتباه. والصواب كما في المصدر الأصلي : علي بن أبي حمزة.

(٢) وسائل الشيعة الباب ١١ من أبواب زكاة الفطرة الحديث ١.

٣٦٦

لا تجب الفطرة عليه أو اخراجها عنه لصحيح معاوية بن عمّار : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن مولود ولد ليلة الفطر عليه فطرة؟ قال : لا ، قد خرج الشهر. وسألته عن يهودي أسلم ليلة الفطر عليه فطرة؟ قال : لا» (١).

وقت الوجوب‌

المشهور ابتداء وقت الوجوب بغروب ليلة العيد وانتهاؤه بزوال يومه لمن لم يصلّ صلاة العيد.

وقيل بأن الابتداء طلوع الفجر.

ومع عزلها في الوقت المذكور يجوز تأخير دفعها لغرض عقلائي.

ومع عدم الدفع والعزل الى الزوال تدفع بعد ذلك بنيّة القربة المطلقة.

ويجوز تقديم دفعها من بداية الشهر.

ومع عزلها تتعيّن.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما بالنسبة الى وقت الوجوب‌ فهناك امور ثلاثة ينبغي التفرقة بينها إذ :

تارة يبحث متى يلزم اجتماع شرائط الوجوب؟ هل عند الغروب أو عند طلوع الفجر؟

واخرى يبحث متى يبتدئ الوجوب؟ هل يبتدئ عند الغروب أو عند الطلوع؟ وتظهر الثمرة في من مات ما بين الفترتين ، فعلى الغروب يلزم اخراجها عنه بخلافه على الطلوع.

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ١١ من أبواب زكاة الفطرة الحديث ٢.

٣٦٧

وثالثة يبحث متى يلزم دفعها الى مصرفها؟ هل يجوز ذلك ليلا أو يلزم أن يكون في النهار أو يجوز التأخير طيلة شوال؟

اما بالنسبة الى البحث الأوّل فالمدار على الغروب كما تقدّم.

واما بالنسبة الى البحث الثالث فيأتي التعرّض له إن شاء الله تعالى.

وعليه فالكلام هو في البحث الثاني.

والمشهور كون البداية الغروب.

ويمكن الاستدلال له بحديثي معاوية المتقدّمين ، فان اعتبار اجتماع الشرائط قبيل الغروب وان كان لا يلازم كون وقت الوجوب ذلك بل يحتمل كونه طلوع الفجر ، بأن يتعلّق الوجوب عند الطلوع لمن جمع الشرائط قبيل الغروب إلاّ أن ذلك لا ينفي الظهور العرفي في كون وقت الوجوب هو الغروب عند السكوت عن تحديد وقت آخر له وإلاّ لما جعل المدار عليه في اجتماع الشرائط.

٢ ـ واما القول الثاني فوجهه صحيحة العيص بن القاسم : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الفطرة متى هي؟ فقال : قبل الصلاة يوم الفطر. قلت : فان بقي منه شي‌ء بعد الصلاة؟ قال : لا بأس ، نحن نعطي عيالنا منه ثم يبقى فنقسمه» (١) فان اليوم بما انه يبدأ من طلوع الفجر فيلزم تحقّق الوجوب من بدايته إذ ذلك مصداق ما قبل الصلاة من يوم الفطر.

وفيه : ان من المحتمل نظرها الى تحديد وقت الدفع دون وقت الوجوب. ومعه يبقى وجه القول السابق بلا معارض فيتعيّن الأخذ بمقتضاه.

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ١٢ من أبواب زكاة الفطرة الحديث ٥.

٣٦٨

٣ ـ واما استمرار وقتها الى الزوال‌ فلا دليل واضح عليه من الروايات بيد انه هو المعروف بين الفقهاء. وتحقيق ذلك غير مهم بعد لزوم اخراجها بعد الزوال أيضا ، ففي صحيح زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «رجل اخرج فطرته فعزلها حتى يجد لها أهلا ، فقال : إذا أخرجها من ضمانه فقد برئ وإلاّ فهو ضامن لها حتى يؤديها الى أربابها» (١).

وانما كان الاحتياط يقتضي دفعها بنيّة القربة المطلقة بعد الزوال لما دلّت عليه بعض الروايات من ان زكاة الفطرة تصدق على المدفوع قبل صلاة العيد بخلاف المدفوع بعده فهو صدقة ، ففي صحيح عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «واعطاء الفطرة قبل الصلاة أفضل وبعد الصلاة صدقة» (٢).

واما ان من يصلّي صلاة العيد يخرجها قبل الصلاة فيمكن استفادته من بعض الروايات كصحيحة العيص السابقة على احتمال وموثقة إسحاق بن عمّار الآتية.

٤ ـ واما ان من عزلها في وقتها يجوز له التأخير لغرض عقلائي‌ فقد دلّت عليه موثقة إسحاق بن عمّار : «سألته عن الفطرة ، فقال : إذا عزلتها فلا يضرّك متى أعطيتها قبل الصلاة أو بعد الصلاة» (٣) وغيرها.

والموثقة وان كانت بطريق الشيخ مضمرة إلاّ انها بطريق الصدوق ليست كذلك.

واما اعتبار الغرض العقلائي في التأخير فلأجل أن لا يتحقّق‌

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ١٣ من أبواب زكاة الفطرة الحديث ٢.

(٢) وسائل الشيعة الباب ١٢ من أبواب زكاة الفطرة الحديث ١.

(٣) وسائل الشيعة الباب ١٣ من أبواب زكاة الفطرة الحديث ٤.

٣٦٩

التهاون في أداء الواجب.

والاحتياط يقتضي الاسراع في دفعها لاحتمال كون المقصود من بعدية الصلاة هو البعدية العرفية.

٥ ـ واما جواز تقديمها من بداية الشهر‌ فلصحيحة الفضلاء عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السّلام : «... وهو في سعة أن يعطيها من أوّل يوم يدخل من شهر رمضان الى آخره» (١).

٦ ـ واما عدم جواز تبديلها بعد العزل‌ فلان ظاهر ما دل على العزل تعيّنها به ، ولا دليل على الولاية على التبديل بعد ذلك.

أحكام عامّة‌

يجب اخراج زكاة الفطرة على كلّ مكلّف عن نفسه وعن كل من يعول به وعن الضيف مع صدق العيلولة دون من دعي الى الافطار.

والواجب صاع من القوت الغالب وهو ثلاثة كيلوات تقريبا. ويجزئ دفع القيمة.

ولا يلزم اتحاد المخرج عن نفسه وعياله بل يجوز الاختلاف بلحاظ افراد العيال أيضا.

ولا يجوز نقلها الى بلد آخر إلاّ مع عدم المستحق أو سفر من عليه الزكاة إليه.

ومصرفها مصرف زكاة المال.

ولا يلزم المؤسسات والشركات دفع الفطرة عن العاملين فيها.

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ١٢ من أبواب زكاة الفطرة الحديث ٤.

٣٧٠

والمستند في ذلك :

١ ـ اما دوران الوجوب مدار العيلولة‌ فمما لا خلاف فيه. وتدل عليه صحيحة عمر بن يزيد : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يكون عنده الضيف من اخوانه فيحضر يوم الفطرة. فقال : نعم الفطرة واجبة على كلّ من يعول من ذكر أو انثى صغير أو كبير حرّ أو مملوك» (١) وغيرها.

٢ ـ ومنه يتّضح الحال في الضيف وان وجوب دفع الفطرة عنه منوط بصدق كونه يعوله‌ ، فإذا كان شخص ضيفا على غيره قبل حضور يوم الفطرة ثم حضر يوم الفطرة لزمت فطرته على المضيف فيما إذا صدق انه يعوله. فصدق عنوان الضيف وحده لا يكفي ، كما لا يلزم بقاؤه طيلة شهر رمضان أو في النصف الأخير منه وغير ذلك من الأقوال في المسألة.

وهل يلزم نزول الضيف قبل دخول ليلة العيد أو يكفي نزوله بعد ذلك؟ انه بناء على كون وقت الوجوب هو الغروب يلزم ان يكون نزوله قبل ذلك ، واما بناء على استمرار وقت الوجوب الى الزوال فيكفي دخوله بعد ذلك ما دام يصدق عليه كونه من العيال في الفترة المذكورة.

٣ ـ كما يتّضح من خلال هذا ان من دعا غيره الى الافطار ليلة العيد‌ فلا تلزمه فطرته لعدم صدق انه يعوله عرفا.

٤ ـ واما ان الفطرة صاع‌ فلا خلاف فيه. وتدلّ عليه صحيحة معاوية بن وهب : «سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول في الفطرة : جرت السنّة‌

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ٥ من أبواب زكاة الفطرة الحديث ٢.

٣٧١

بصاع من تمر أو صاع من زبيب أو صاع من شعير ، فلما كان زمن عثمان وكثرت الحنطة قوّمه الناس فقال : نصف صاع من بر بصاع من شعير» (١) وغيرها.

وهناك روايات دلّت على ان الفطرة نصف صاع ، من قبيل صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «صدقة الفطرة ... عن كلّ إنسان نصف صاع من حنطة أو شعير أو صاع من تمر أو زبيب لفقراء المسلمين» (٢) وغيرها.

ولا يمكن حملها على التقيّة ـ خلافا للشيخ ـ لأنّ ذلك ممكن في الحنطة دون غيرها إذ فيها جعل عثمان الفريضة نصف صاع دون غيرها.

والمناسب سقوطها عن الحجيّة لهجرانها لدى الأصحاب.

٥ ـ واما المدار على القوت الغالب‌ ـ بالرغم من ان الوارد في بعض الروايات الغلات الأربع أو بإضافة غيرها كالأقط ـ فلصحيحة زرارة وابن مسكان جميعا عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «الفطرة على كل قوم ممّا يغذون عيالهم من لبن أو زبيب أو غيره» (٣) وغيرها ، فإنّه لأجلها يلزم حمل ما ورد فيه عنوان الغلاّت الأربع ونحوها على المثالية. ويؤكّد ذلك اختلاف الروايات في عدد المذكور فيها.

ثم انه مع التنزل والتسلم بالمعارضة تكون النتيجة هي هي حيث يلزم الرجوع الى اصالة البراءة عن الخصوصية بناء على ما هو‌

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ٦ من أبواب زكاة الفطرة الحديث ٨.

(٢) وسائل الشيعة الباب ٦ من أبواب زكاة الفطرة الحديث ١١.

(٣) وسائل الشيعة الباب ٨ من أبواب زكاة الفطرة الحديث ١.

٣٧٢

الصحيح من جريانها في موارد الدوران بين الأقل والأكثر الارتباطيين.

٦ ـ واما ان مقدار الصاع ما ذكر‌ فلأن الصاع يساوي أربعة أمداد ، والمدّ ثلاثة أرباع الكيلو تقريبا على ما قيل.

٧ ـ واما اجزاء القيمة فممّا لا خلاف فيه‌ لموثقة إسحاق بن عمّار الصيرفي : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : جعلت فداك ما تقول في الفطرة يجوز أن أؤديها فضة بقيمة هذه الأشياء التي سمّيتها؟ قال : نعم ، إن ذلك أنفع له يشتري ما يريد» (١) وغيرها.

وهل يلزم أن تكون القيمة بالنقود أو يجزئ غيرها؟ قد يقال بالاجزاء لموثقة إسحاق بن عمّار الاخرى عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «لا بأس بالقيمة في الفطرة» (٢).

ويمكن الجواب بانصراف كلمة القيمة الى النقود. ومع التنزل يكون التعليل في الموثقة السابقة مقيّدا.

هذا على تقدير احتمال تعدّد الرواية وإلاّ فحيث لا يعلم الصادر فينبغي الاقتصار على المتيقن وهو ما تقتضيه الموثقة الاولى والنتيجة هي هي.

٨ ـ واما جواز اختلاف المخرج‌ فلإطلاق الروايات ، ومع التنزل وعدم كونها في مقام البيان من هذه الناحية فيكفي الأصل.

٩ ـ واما نقل الفطرة‌ فالمشهور جوازه كما في زكاة المال إلاّ أن مقتضى موثقة الفضيل عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «... ولا تنقل من أرض الى‌

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ٩ من أبواب زكاة الفطرة الحديث ٦.

(٢) وسائل الشيعة الباب ٩ من أبواب زكاة الفطرة الحديث ٩.

٣٧٣

أرض ...» (١) وغيرها عدم الجواز.

واما جواز نقلها مع عدم المستحق فلعدم احتمال سقوط وجوب ايصالها إلى مصرفها.

واما جواز دفعها في البلد الآخر مع السفر فلعدم صدق نقلها.

١٠ ـ واما ان مصرفها مصرف زكاة المال‌ فلأنّها مصداق للزكاة والصدقة فيشملها اطلاق آية الزكاة الواردة لبيان مصرفها.

ولا معارض سوى صحيحة الحلبي السابقة حيث ورد فيها انها لفقراء المسلمين وصحيحة الفضيل عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «قلت له : لمن تحل الفطرة؟ قال : لمن لا يجد» (٢).

بيد انهما ليستا واضحتين في الحصر ليصلحا للتقيد. هذا مضافا الى هجران الأصحاب لمضمون الصحيحة الاولى على ما تقدّم وورود سهل في سند الثانية. ويبقى الاحتياط أمرا مناسبا.

١١ ـ واما عدم لزوم دفع الفطرة عن العاملين في الشركات‌ فلعدم صدق العيلولة عرفا وانصراف نصوص العيلولة الى الشخص دون الجهة حتى بناء على كونها مالكة.

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ١٥ من أبواب زكاة الفطرة الحديث ٣.

(٢) وسائل الشيعة الباب ١٤ من أبواب زكاة الفطرة الحديث ٤.

٣٧٤

كتاب الخمس‌

١ ـ ما يجب فيه الخمس

٢ ـ أحكام خاصة بفاضل المؤونة

٣ ـ كيف يقسم الخمس؟

٣٧٥
٣٧٦

١ ـ ما يجب فيه الخمس‌

يجب الخمس في سبعة أشياء : غنائم الحرب إذا كانت بإذن الامام عليه‌السلام ، وإلاّ كانت بأجمعها له لو كانت الحرب في عصر الظهور. هذا في غير الأرض واما هي فمحل للخلاف.

والمعادن إذا بلغت عشرين دينارا. ومع الشك في بلوغها ذلك لا يجب التخميس ولا الاختبار. ومن أخرج معدنا من أرض غيره بدون إذنه ملكه ولزمه الخمس إذا لم يكن من توابعها عرفا. والخمس لا يتعلّق إلاّ بالباقي بعد استثناء مئونة التحصيل إذا كان المجموع بقطع النظر عن الاستثناء بالغا حدّ النصاب.

والكنز إذا بلغ عشرين دينارا وكان من الذهب أو الفضة المسكوكين دون مطلق الجواهر فضلا عمّا يعمّ غيرها وإن قيل بذلك. والكلام في استثناء المؤونة هو الكلام في المعدن.

وما اخرج من الماء بالغوص إذا بلغ دينارا بعد استثناء المؤونة.

والمال المختلط بالحرام إذا لم يتميّز ولم يعرف صاحبه ولا مقداره.

٣٧٧

ومصرفه كغيره.

والأرض التي اشتراها الذمّي من مسلم.

وما يفضل من مئونة السنة.

والمستند في ذلك :

١ ـ اما أصل وجوب الخمس‌ فهو من ضروريات الدين. وقد دلّ عليه قوله تعالى : (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ...) (١).

نعم وقع الخلاف بيننا وبين غيرنا في عموم الحكم لغير غنائم الحرب ، فقال غيرنا بالاختصاص وبذلك لا يبقى مورد للخمس في زماننا أو يقل في حين ان المعروف بيننا العموم لوجهين :

الأوّل : ان الغنيمة لغة تعمّ مطلق الفائدة دون خصوص غنائم الحرب (٢) كما ورد ذلك في قوله تعالى : (تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ) (٣).

والسياق لا يدلّ على الاختصاص لا مكان أن يكون ذلك من باب تطبيق الكلّي على بعض مصاديقه.

الثاني : الروايات الخاصّة الآتية فيما بعد ان شاء الله الدالة على ثبوت الخمس في موارد اخرى غير غنائم الحرب.

__________________

(١) الأنفال : ٤١.

(٢) ففي القاموس في مادة غنم : «غنم بالكسر ... الفوز بالشي‌ء بلا مشقّة». وفي لسان العرب : «الغنم : الفوز بالشي‌ء من غير مشقّة». وفي كتاب العين ٤ : ٤٢٦ : «الغنم : الفوز بالشي‌ء في غير مشقّة».

(٣) النساء : ٩٤.

٣٧٨

٢ ـ واما ثبوته في غنائم الحرب‌ فهو القدر المتيقن من الآية الكريمة بل ذلك موردها.

٣ ـ واما اعتبار اذن الامام عليه‌السلام‌ فلانه بدونه تكون بأجمعها له عليه‌السلام. وتدلّ عليه صحيحة معاوية بن وهب : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : السرية يبعثها الامام فيصيبون غنائم كيف تقسم؟ قال : ان قاتلوا عليها مع أمير أمره الامام عليهم أخرج منها الخمس لله وللرسول وقسّم بينهم أربعة أخماس ، وان لم يكونوا قاتلوا عليها المشركين كان كل ما غنموا للإمام يجعله حيث أحبّ» (١) ، فان الشرطيّة الاولى تدلّ بمفهومها على المطلوب.

٤ ـ واما التقييد بعصر الظهور‌ فلان القدر المتيقن من صحيحة معاوية السابقة عصر الظهور ولا إطلاق لها لغيره ومعه فيتمسّك بإطلاق آية الغنيمة في عصر الغيبة.

٥ ـ واما الأرض‌ فالمشهور ان حكمها حكم غيرها. ويمكن مناقشة ذلك باعتبار قصور إطلاق الآية الكريمة عن شمولها بتقريب ان الأرض المفتوحة عنوة ملك لجميع المسلمين الى يوم القيامة وليست ملكا شخصيّا لكل فرد ليصدق انها غنيمة له ومن ثمّ يجب عليه تخميسها.

٦ ـ واما المعادن‌ فلا إشكال في وجوب الخمس فيها لصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام : «سألته عن المعادن ما فيها؟ فقال : كل ما كان ركازا ففيه الخمس» (٢) وغيرها ممّا هو كثير. على ان إطلاق آية الغنيمة كاف. أجل بناء على التمسّك بالإطلاق المذكور لا يعتبر النصاب الخاص‌

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ١ من أبواب الأنفال الحديث ٣.

(٢) وسائل الشيعة الباب ٣ من أبواب ما يجب فيه الخمس الحديث ٣.

٣٧٩

بخلافه بناء على التمسّك بالروايات الخاصّة.

٧ ـ واما اعتبار بلوغها عشرين دينارا‌ فلصحيحة أحمد بن محمد بن أبي نصر : «سألت أبا الحسن عليه‌السلام عمّا أخرج المعدن من قليل أو كثير هل فيه شي‌ء؟ قال : ليس فيه شي‌ء حتى يبلغ ما يكون في مثله الزكاة عشرين دينارا» (١).

إلاّ انها معارضة بروايته الاخرى عن محمّد بن علي بن أبي عبد الله عن ابي الحسن عليه‌السلام : «سألته عمّا يخرج من البحر من اللؤلؤ والياقوت والزبرجد وعن معادن الذهب والفضة هل فيها زكاة؟ فقال : إذا بلغ قيمته دينارا ففيه الخمس» (٢).

وقد ترد بضعفها بجهالة الراوي لها فإنّه لم يوثق بل لم يرد اسمه في الروايات إلاّ هنا وفي مورد ثان.

ويمكن دفع ذلك برواية البزنطي عنه الذي هو أحد الثلاثة بل من أصحاب الإجماع بناء على كفاية مثل ذلك.

وبعد تمامية الروايتين سندا وتمامية المعارضة بينهما قد يجاب بحمل الثانية على الاستحباب والاولى على الوجوب ، فان تمّ مثل ذلك ولم يناقش فيه باختصاصه بالأحكام التكليفية أخذنا به وإلاّ طرحنا الثانية لشذوذها وعدم نسبة العمل بها إلاّ الى أبي الصلاح الحلبي.

٨ ـ واما عدم الوجوب مع الشك‌ فلاستصحاب عدم بلوغ النصاب بنحو العدم النعتي إذا كان الاخراج تدريجيا أو بنحو العدم الأزلي ـ بناء‌

__________________

(١) وسائل الشيعة الباب ٤ من أبواب ما يجب فيه الخمس الحديث ١.

(٢) وسائل الشيعة الباب ٣ من أبواب ما يجب فيه الخمس الحديث ٥.

٣٨٠