أبي القاسم علي بن الحسن ابن هبة الله بن عبد الله الشافعي [ ابن عساكر ]
المحقق: علي شيري
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٦
قال محمّد بن جبير :
فجئت ابن الزبير فكلمته بنحو ما كلمت به ابن الحنفية ، فقال : أنا رجل قد اجتمع عليّ وبايعني الناس ، وهؤلاء أهل خلاف. فقلت : إن خيرا لك الكفّ. فقال : أفعل.
ثم جئت نجدة الحروري فأجده في أصحابه وأجد عكرمة غلام ابن عباس عنده. فقلت : استأذن لي على صاحبك ، قال : ؛ فدخل فلم ينشب أن أذن لي ، فدخلت فعظّمت عليه وكلمته بما كلمت به الرجلين ، فقال : أما أن أبتدئ أحدا بقتال فلا ، ولكن من بدأنا بقتال قاتلناه. قلت : فإني رأيت الرجلين لا يريدان قتالك.
ثم جئت شيعة بني أمية فكلمتهم بنحو مما كلمت به القوم ، فقالوا : نحن على لوائنا لا نقاتل أحدا إلّا أن يقاتلنا. فلم أر في تلك الألوية أسكن ولا أسلم دفعة من أصحاب ابن الحنفية.
قال محمّد بن جبير :
وقفت تلك العشية إلى جنب محمّد بن الحنفية ، فلما غابت الشمس التفت إليّ فقال : يا أبا سعيد ادفع ، فدفع ودفعت معه ، فكان أول من دفع.
أنبأنا أبو الغنائم بن النرسي ، أنبأنا محمّد بن علي بن الحسن الحسني ، أنبأنا محمّد بن جعفر التميمي ـ مناولة ـ أنبأنا عبد العزيز بن يحيى ـ إجازة ـ حدّثني أحمد بن عمرو ، ثنا عبد الله بن عمر بن عبد الرّحمن ، ثنا الحكم بن زبالة ، ثنا خالد بن يزيد ـ يعني القربي ـ ثنا عمّار ابن أبي معاوية الدهني عن أبي جعفر قال : لما فتن عبد الله بن الزبير أرسل إلى من كان بحضرته من بني هاشم فجمعهم في شعب أبي طالب وأراد أن يحرقهم بالنار ، فبلغ ذلك ناسا من أهل الكوفة ، فخرجوا ينصرونهم ، حتى إذا كانوا ببعض الطريق إلى ابن الحنفيّة سمعوا هاتفا يهتف وهو يقول :
يا أيّها الركب إلى المهديّ |
|
على عناجيج من المطيّ |
أعناقها كالقضب الخطيّ |
|
لتنصروا عاقبة النبيّ |
محمّدا خير بني علي |
فدخلوه على محمّد بن الحنفيّة فأخبروه بما سمعوا من الهاتف ، فقال : ذاك بعض مسلمي الجن.
قرأت على أبي غالب بن البنّا ، عن أبي محمّد الجوهري ، أنبأنا أبو عمر ، أنبأنا أحمد ، ثنا الحسين ، ثنا ابن سعد (١) ، أنبأنا محمّد بن عمر ، حدّثني جعفر بن محمّد بن خالد بن الزبير ، عن عثمان بن عروة ، عن أبيه.
قال : وأنبأنا إسحاق بن يحيى بن طلحة وغيرهما قالوا : كان المختار لما قدم الكوفة كان أشدّ الناس على ابن الزبير ، وأعيبه له ، وجعل يلقي إلى الناس أنّ ابن الزبير كان يطلب هذا الأمر لأبي القاسم ـ يعني ـ ابن الحنفيّة ثم ظلمه إياه ، وجعل يذكر ابن الحنفيّة وحاله وورعه ، وأنه بعثه إلى الكوفة يدعو له ، وأنه كتب له كتابا فهو لا يعدوه إلى غيره ، ويقرأ ذلك الكتاب على من يثق به ، وجعل يدعو الناس إلى البيعة لمحمّد بن الحنفيّة فيبايعونه له سرا ، فشكّ قوم ممن بايعه في أمره وقالوا : أعطينا هذا الرجل عهودنا أن زعم أنه رسول ابن الحنفيّة ، وابن الحنفيّة بمكة ليس منا ببعيد ، ولا مستتر ، فلو شخص منا قوم إليه عمّا جاءنا به هذا الرجل ، فإن كان صادقا نصرناه وأعناه على أمره ، فشخص منهم قوم ، فلقوا ابن الحنفيّة بمكة فأعلموه أمر المختار وما دعاهم إليه ، فقالوا : نحن حيث ترون محبسون (٢) وما أحبّ أنّ لي سلطان الدنيا بقتل مؤمن بغير حق ، ولوددت أن الله انتصر لنا بمن شاء من خلقه ، فاحذروا الكذابين ، وانظروا لأنفسكم ودينكم ، فانصرفوا على هذا ، وكتب المختار كتابا على لسان محمّد بن الحنفيّة إلى إبراهيم بن الأشتر ، وجاء فاستأذن عليه ، وقيل المختار أمين آل محمّد ورسولهم (٣) ، فاذن له وحيّاه ورحّب به وأجلسه معه على فراشه ، فتكلم المختار ، وكان مفوها ، فحمد الله وأثنى عليه ، وصلّى على النبي صلىاللهعليهوسلم ثم قال : إنّكم أهل بيت قد أكرمكم الله بنصرة آل محمّد ، وقد ركب منهم ما قد علمت ، وحرموا ، ومنعوا حقهم وصاروا إلى ما رأيت ، وقد كتب إليك المهدي كتابا ، وهؤلاء الشهود عليه ، فقال يزيد بن أنس الأسدي ، وأحمر بن شميط البجلي ، وعبد الله بن كامل الشاكري ، وأبو عمرة كيسان مولى بجيلة : نشهد أن هذا كتابه قد شهدناه حين دفعه إليه ، فقبضه إبراهيم وقرأه ثم قال : أنا أوّل من يجيب ، قد أمرنا بطاعتك ومؤازرتك ، فقل ما بدا لك ، وادع إلى من شئت.
ثم كان إبراهيم يركب إليه في كل يوم فزرع ذلك في صدور الناس ، وورد الخبر على
__________________
(١) طبقات ابن سعد ٥ / ٩٨ ـ ٩٩ ومن طريق الواقدي روى في سير أعلام النبلاء ٤ / ١٢١.
(٢) في طبقات ابن سعد : «محتسبون» وفي سير أعلام النبلاء : «محبوسون».
(٣) في طبقات ابن سعد : ورسوله.
ابن الزبير فتنكر لمحمّد بن الحنفيّة ، وجعل أمر المختار يغلظ في كل يوم ويكثر تبعه ، فجعل يتتبع قتلة الحسين ومن أعان عليه ، فيقتلهم ، ثم بعث إبراهيم بن الأشتر في عشرين ألفا إلى عبيد الله بن زياد فقتله وبعث برأسه إلى المختار ، فعهد إليه المختار ، فجعله في جونة ، ثم بعث به إلى محمّد بن الحنفيّة ، وعلي بن الحسين وسائر بني (١) هاشم ، فلمّا رأى علي بن الحسين رأس عبيد الله ترحّم على الحسين وقال : أتي عبيد الله بن زياد برأس الحسين وهو يتغدى وأتينا برأس عبيد الله ونحن نتغدى ، ولم يبق من بني هاشم أحد إلّا قام بخطبة في الثناء على المختار ، والدعاء له ، وجميل القول فيه. وكان ابن الحنفيّة يكره أمر المختار وما يبلغه عنه ، ولا يحب كثيرا ممّا يأتي به ، وكان ابن عبّاس يقول : بثأرنا وأدرك وغمنا وآثرنا ووصلنا ، فكان يظهر الجميل فيه للعامّة ، فلما اتّسق الأمر للمختار كتب لمحمّد (٢) بن علي المهدي : من المختار ابن أبي عبيد الطالب بثأر آل محمّد ، أما بعد ، فإنّ الله لم ينتقم من قوم حتى يعذر إليهم ، وإنّ الله قد أهلك الفسقة وأشياع الفسقة ، وقد بقيت بقايا فأرجو أن يلحق آخرهم (٣) بأوّلهم.
أخبرنا أبو السعود أحمد بن علي بن المجلي ، ثنا أبو الحسين بن المهتدي الخطيب ، أنبأنا أبو الفضل محمّد بن الحسن بن المأمون ، ثنا أبو بكر محمّد بن القاسم الأنباري ، أنبأنا أبي ، أنبأنا أحمد بن عبيد ، أنبأنا الأصمعي قال : حدّثنا أن محمّد بن الحنفيّة أراد أن يقدم الكوفة أيام المختار ـ يعني ـ ليكذبه ، فقال المختار حين بلغه : إنّ في المهدي علامة يضربه رجل في السّوق ضربة بالسّيف فلا يضره ، فلمّا بلغ ذلك محمّدا أقام يعني أنه أخاف أن يجرب فيه فيموت.
رواها الخطيب عن ابن المهتدي.
أخبرنا أبو علي الحسن بن أحمد في كتابه ، أنبأنا أبو نعيم الحافظ (٤) ، ثنا أحمد بن محمّد بن عبد الوهّاب ، ثنا محمّد بن إسحاق ، ثنا حاتم بن الليث (٥) ، ثنا هوذة بن خليفة ، ثنا عوف الأعرابي عن ميمون ، عن وردان قال : كنت في العصابة الذين انتدبوا (٦) إلى محمّد بن
__________________
(١) بالأصل : «بنو».
(٢) غير واضحة بالأصل ، والمثبت عن د ، و «ز» ، وابن سعد.
(٣) بالأصل : أولهم بأولهم ، وفوق اللفظتين ضبتان ، والتصويب عن د ، و «ز» ، وابن سعد.
(٤) رواه أبو نعيم الحافظ في حلية الأولياء ٣ / ١٧٤.
(٥) صحفت في الحلية إلى : اللبيب.
(٦) في الحلية : ابتدروا.
[علي بن](١) الحنفيّة ، وكان ابن الزبير يمنعه أن يدخل مكة حتى يبايعه ، وأراد الشام أن يدخلها فمنعه عبد الملك بن مروان أن يدخلها حتى يبايعه ، فأبى ، فسرنا معه ، ولو أمرنا بالقتال لقاتلنا معه ، فجمعنا يوما يقسم فينا (٢) شيئا وهو يسير ، ثم حمد الله وأثنى عليه ، وقال : الحقوا برجالكم واتقوا الله ، وعليكم بما تعرفون ، ودعوا ما تنكرون ، وعليكم بخاصة أنفسكم ، ودعوا أمر العامة ، واستقروا في أمرنا كما استقرّ [ت](٣) السماء والأرض ، فإنّ أمرنا إذا جاء كان كالشمس الضّاحية.
قال (٤) : وحدّثنا أبو حامد بن حبلة ، ثنا أبو العباس الثقفي ، ثنا محمّد بن الصّبّاح (٥) ، ثنا جرير ، عن عمرو يعني : ابن ثابت ـ قال : قال محمّد بن الحنفيّة : ترون أمرنا؟ لهو أبين من هذه الشمس ، فلا تعجلوا ولا تقتلوا أنفسكم.
قال : (٦) وحدّثنا أبو حامد ، ثنا أبو العبّاس ، ثنا علي بن سعيد البغدادي ، ثنا ضمرة بن ربيعة ، عن سعيد بن الحسن (٧) قال : قال محمّد بن الحنفيّة : رحم الله من كفّ يده ولسانه ، وجلس في بيته ، فإن ذنوب بني أميّة أسرع إليهم من سيوف المسلمين.
قرأت على أبي غالب بن البنّا ، عن أبي محمّد الجوهري ، أنبأنا أبو عمر بن حيّوية ، أنبأنا أحمد بن معروف ، أنبأنا الحسين بن الفهم ، ثنا محمّد بن سعد (٨) ، أنبأنا مالك بن إسماعيل أبو غسّان النّهدي ، ثنا عمر بن زياد الهذلي ، عن الأسود بن قيس حدّثه قال :
لقيت بخراسان رجلا من عنزة (٩) ، قال : قلت للأسود : ما اسمه؟ قال : لا أدري ، قال : ألا أعرض عليك خطبة ابن الحنفية؟ قال : قلت : بلى ، قال : انتهيت إليه وهو في رهط يحدّثهم ، فقلت : السّلام عليك يا مهدي ، قال : وعليك السّلام ، قال : قلت : إنّ لي إليك حاجة ، قال : أسرّ هي أم علانية؟ قال : قلت : بل سرّ ، قال : اجلس ، فجلست ، وحدّث القوم ساعة ثم قام فقمت معه ، فلمّا أن دخل دخلت معه بيته ، قال : قل لحاجتك؟ قال : فحمدت
__________________
(١) «علي بن» كتبا بين السطرين فوق الكلام بالأصل.
(٢) في حلية الأولياء : فيئا.
(٣) زيادة عن حلية الأولياء.
(٤) القائل : أبو نعيم الحافظ ، والخبر في حلية الأولياء ٣ / ١٧٥.
(٥) صحفت بالأصل إلى : «الصياح» وفي «ز» إلى : «الصاخ» والمثبت عن د ، والحلية.
(٦) حلية الأولياء ٣ / ١٧٥.
(٧) في الحلية : سعيد بن الحسين.
(٨) رواه ابن سعد في الطبقات الكبرى ٥ / ٩٥.
(٩) صحفت في ابن سعد إلى : عزه.
الله وأثنيت عليه ، وشهدت أن لا إله إلّا الله وشهدت أنّ محمّدا عبد الله ورسوله ، ثم قلت : أمّا بعد ، فو الله ما كنتم أقرب قريش إلينا قرابة فنحبّكم على قرابتكم ، ولكن كنتم أقرب قريش إلى نبيّنا قرابة فلذلك أحببناكم على قرابتكم من نبيّنا ، فما زال بنا الشين (١) في حبّكم حتى ضربت عليه الأعناق وأبطلت الشهادات ، وشرّدنا في البلاد ، وأوذينا حتى لقد هممت أن؟؟؟ أذهب في الأرض ، قفرا فأعبد الله حتى ألقاه ، لو لا أن يخفى علي أمر آل محمّد ، ولقد هممت أن أخرج مع قوم شهادتنا وشهادتهم (٢) واحدة على أمرائنا فيخرجون فيقاتلون ونغنم (٣) ، قال عمر : يعني الخوارج ، وقد كانت تبلغ عنك أحاديث من وراء وراء فأحببت أن أشافهك بالكلام ، فلا أسأل عنك أحدا ، وكنت أوثق الناس في نفسي وأحبّ إليّ أن أفتدي به ، فأرى برأيك ، وكيف المخرج. أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ، قال : فحمد الله محمّد بن علي وأثنى عليه ، وشهد أن لا إله إلّا الله ، وشهد أن محمّدا عبده ورسوله ، ثم قال : أمّا بعد ، فإيّاكم وهذه الأحاديث ، فإنها عيب عليكم ، وعليكم بكتاب الله فإنه به هدي أوّلكم وبه يهدي آخركم ، ولعمري لئن أوذيتم لقد أوذي من كان خيرا منكم. لقد هممت أن أذهب في الأرض قفرا فأعبد الله حتى ألقاه ، أو أجتنب أمور الناس لو لا أن يخفى عليّ أمر آل محمّدا ، فلا تفعل ، فإذن ذلك البدعة الرهبانية ، ولعمري لأمر آل محمّد أبين من طلوع هذه الشمس ، وأمّا قيلك لقد هممت أن أخرج مع أقوام شهادتنا وشهادتهم واحدة على أمرائنا فيخرجون فيقاتلون ونغنم (٤) فلا تفعل ، ولا تفارق الأمة ، اتق هؤلاء القوم بتقيّتهم ، قال عمر ويعني : بني أمية ، ولا تقاتل معهم ، قال : قلت : وما تقيّتهم؟ قال : تحضرهم وجهك عند دعوتهم ، فيدفع الله بذلك عنك عن دمّك ودينك وتصيب من مال الله الذي أنت أحقّ به منهم ، قال : قلت : أرأيت إن أطاف بي قتال ليس لي منه بدّ؟ قال : تبايع بإحدى يديك الأخرى (٥) لله ، [وتقاتل لله](٦) فإن الله سيدخل أقواما بسرائرهم الجنة ، وسيدخل أقواما بسرائرهم النار ، وإنّي أذكّرك الله أن تبلغ عني ما لم تسمع مني أو أن تقول عليّ ما لم أقل ، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
قال : وحدّثنا محمّد بن سعد (٧) ، أنبأنا محمّد بن عبد الله الأسدي ، ثنا الوليد بن
__________________
(١) الأصل ود ، و «ز» : التسنن ، والمثبت عن ابن سعد.
(٢) بالأصل : «شهادتنا وشهادتنا» والمثبت عن د ، و «ز» ، وابن سعد.
(٣) كذا بالأصل ود ، و «ز» ، وعند ابن سعد : ونقيم.
(٤) راجع الحاشية السابقة.
(٥) بالأصل كررت اللفظة.
(٦) الزيادة عن د ، و «ز» ، وابن سعد.
(٧) طبقات ابن سعد ٥ / ٩٧.
جميع ، عن أبي الطفيل ، عن محمّد بن الحنفيّة أنه قال له :
الزم هذا المكان ، وكن حمامة من حمام الحرم حتى يأتي أمرنا ، فإنّ أمرنا إذا جاء فليس به خفاء ، كما ليس بالشمس إذا طلعت خفاء ، وما يدريك إن قال لك الناس تأتي من الشرق ويأتي الله بها من المغرب ، وما يدريك إن قال لك الناس تأتي من المغرب ويأتي الله بها من المشرق ، وما يدريك لعلنا سنؤتى بها كما يؤتى بالعروس.
أخبرنا أبو القاسم بن السّمرقندي ، أنبأنا أبو الفضل بن البقّال ، أنبأنا أبو الحسين بن بشران ، أنبأنا عثمان بن أحمد ، ثنا حنبل بن إسحاق ، ثنا الحميدي (١) ، ثنا سفيان (٢) ، ثنا أبو الجحّاف ، وكان من الشيعة ، عن رجل من أهل البصرة ، قال : أتيت محمّد بن عليّ بن الحنفيّة حين خرج المختار ، فقلت : إن هذا يعني المختار قد خرج علينا ، وانه يدعو إليكم ، فإن كان من أمركم اتبعناه ، فإنّي سآمرك بما كنت آمر به (٣) ابني هذا إنّا أهل بيت لا نبتز هذه الأمة أمرها ولا نأتيها من غير وجهها ، وإنّ عليا قد كان يرى أنه له ولكنه لم يقاتل حتى جرت له بيعة.
قال : وحدّثنا حنبل ، حدّثنا الحميدي (٤) ، ثنا سفيان (٥) ، ثنا ليث بن أبي سليم ، عن منذر الثوري ، عن ابن الحنفيّة قال : سمعت أبا هريرة يقول : لا حرج إلّا في دم امرئ [مسلم](٦) ، قال : فقيل لابن الحنفيّة : تطعن على أبيك قال : إنّي لست أطعن على أبي ، بايعه أولو الأمر ، فنكث ناكث فقاتله ، وإنّ ابن الزبير يحسدني على مكاني هذا ، ودّ أني ألحد في الحرم كما ألحد.
أخبرنا أبو القاسم بن السّمرقندي ، أنبأنا [عاصم](٧) ابن الحسن ، أنبأنا أبو عمر بن مهدي ، أنبأنا أبو العبّاس بن عقدة ، ثنا أحمد بن يحيى الصوفي ، ثنا عبد الرّحمن بن شريك ، ثنا أبي ، ثنا ليث بن أبي سليم ، عن منذر الثوري ، عن محمّد بن علي ، عن أبي هريرة عن
__________________
(١) كذا بالأصل ود ، وفي «ز» : الجنيدي.
(٢) من طريق سفيان بن عيينة روي الخبر في سير أعلام النبلاء ٤ / ١٢٢.
(٣) أقحم بعدها بالأصل : «أمري به».
(٤) بالأصل : «الحميد» والمثبت عن د ، و «ز».
(٥) من طريق سفيان بن عيينة روي الخبر في سير أعلام النبلاء ٤ / ١٢٢.
(٦) زيادة للإيضاح عن سير أعلام النبلاء.
(٧) زيادة للإيضاح عن د ، و «ز».
النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلّا الله ، فإذا فعلوها حرمت عليّ دماؤهم وأموالهم إلّا بحقّها وحسابهم على الله» [فقال رجل لمحمّد : إنك لتزرى على أبيك ، فقال : لست أزري على أبي ، إن أبي بايعه أهل الأمر ، فنكث ناكث](١) فقاتله ومرق مارق فقاتله ، ولست كأبي ليست لي بيعة في أعناق الناس ، فأقاتل ، وقد كان قيل له : ألا تخرج.
أنبأنا أبو علي محمّد بن سعيد ، أنبأنا أبو علي الحسن بن أحمد بن إبراهيم بن شاذان ، أنبأنا عثمان بن أحمد الدقاق ، ثنا يحيى بن جعفر ، أنبأنا عبد الرّحمن بن علقمة المروزي ، ثنا عبد الله بن المبارك ، أنبأنا أبو جعفر الرازي ، عن ليث ، عن منذر الثوري ، عن محمّد بن الحنفية ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لا حرج إلّا في قتل مسلم» ثلاثا يقولها [١١٥٢٣] ، وقال ابن الحنفية : لو أنّ الناس بايعوني إلّا رجل لم يشتد سلطاني إلّا به ما قتلته.
قرأت على أبي غالب بن البنّا ، عن أبي محمّد الحسن بن علي ، أنبأنا محمّد بن العبّاس ، أنبأنا أحمد بن معروف ، ثنا الحسين ، ثنا ابن سعد (٢) ، أنبأنا قبيصة بن عقبة ، ثنا سفيان ، عن الحارث الأزدي ، قال : قال ابن الحنفيّة : رحم الله امرأ أغنى نفسه ، وكفّ يده ، وأمسك لسانه ، وجلس في بيته ، له ما احتسب ، وهو مع من أحبّ ، ألا إنّ أعمال بني أميّة أسرع فيهم من سيوف المسلمين ، ألا إنّ لأهل الحق دولة يأتي بها الله إذا شاء ، فمن أدرك ذلك منكم ومنا كان عندنا في السنام (٣) الأعلى ، ومن يمت فما عند الله خير وأبقى.
قرأنا على أبي غالب ، وأبي عبد الله ، عن أبي الحسن محمّد بن محمّد بن مخلد ، أنبأنا عليّ بن محمّد بن خزفة (٤) ، ثنا محمّد بن الحسين ، ثنا ابن [أبي] خيثمة ، ثنا عفّان بن مسلم ، ثنا أبو عوانة ، ثنا أبو جمرة (٥) قال (٦) : كانوا يسلمون على محمّد بن علي : سلام عليك يا مهدي ، فقال : أجل ، أنا مهدي ، أهدي إلى الرشد والخير ، اسمي اسم نبي الله ، وكنيتي كنية نبي الله ، فإذا سلّم أحدكم فليقل : سلام عليك يا محمّد ، سلام عليك يا أبا القاسم.
__________________
(١) الزيادة بين معكوفتين لتقويم المعنى ورفع الخلل ، عن د ، و «ز».
(٢) رواه ابن سعد في الطبقات الكبرى ٥ / ٩٧ ، ومن طريق سفيان الثوري في سير الأعلام ٤ / ١٢٣.
(٣) في سير الأعلام : السهم الأعلى.
(٤) صحفت في «ز» إلى خزقة.
(٥) بالأصل و «ز» ود : «حمزة» والمثبت عن سير أعلام النبلاء. وهو نصر بن عمران الضبعي.
(٦) سير أعلام النبلاء ٤ / ١٢٣.
قال : وحدّثنا ابن أبي خيثمة ، ثنا محمّد بن عمران الأخنسي ، ثنا محمّد بن فضيل ، ثنا سالم بن أبي حفصة ، عن منذر الثوري قال : رأيت محمّد بن الحنفيّة يتلو على فراشه وينفخ ، فقالت له امرأته : ما يكربك (١) يا مهدي.
أخبرنا أبو الحسن الفرضي ، أنبأنا أبو عبد الله محمّد بن أبي نعيم النسوي ، أنبأنا أبو محمّد بن أبي نصر ، أنبأنا عمي أبو علي محمّد بن القاسم ، ثنا عليّ بن بكر ، عن أحمد بن الخليل قال : قال عمر بن عبيد عبيدة وقال كثير بن كثير السّهمي :
ألا إنّ الأئمة من قريش |
|
ولاة الحقّ أربعة سواء |
عليّ والثلاثة من بنيه |
|
هم الأسباط ليس بهم خفاء |
فسبط سبط إيمان وبرّ |
|
وسبط غيّبته كربلاء |
وسبط لا يذوق الموت حتى |
|
يقود الخيل يقدمها اللواء |
توارى لا يرى عنهم سنينا |
|
برضوى عنده عسل وماء |
وقيل : قيل إن هذه الأبيات لكثير عزّة وقد تقدمت في أول الترجمة.
قرأت على أبي غالب ، عن أبي [محمّد](٢) الحسن بن علي (٣) ، أنبأنا أبو عمر ، أنبأنا أحمد ، أنبأ الحسين ، ثنا ابن سعد (٤) ، أنبأنا الفضل بن دكين ، ثنا أبو العلاء الخفاف ، عن المنهال بن عمرو قال : جاء رجل إلى ابن الحنفيّة فسلّم عليه ، فردّ عليهالسلام ، فقال : كيف أنت؟ فحرّك يده ، فقال : [كيف](٥) أنتم ، أما آن لكم أن تعرفوا كيف نحن ، إنّما مثلنا في هذه الأمة مثل بني إسرائيل في آل فرعون ، كان يذبّح أبناءهم ويستحيى نساءهم وإنّ هؤلاء يذبّحون أبناءنا وينكحون نساءنا بغير أمرنا ، فزعمت العرب أنّ لها فضلا على العجم ، فقالت العجم : وما ذاك؟ قالوا : كان محمّد [عربيا ، قالوا : صدقتم ، قالوا : وزعمت قريش أن لها فضلا على العرب ، فقالت العرب : وبم ذا؟ قالوا : قد كان محمّد](٦) قرشيا ، فإن كان القوم صدقوا فلنا فضل على الناس.
قرأنا على أبي غالب ، وأبي عبد الله ، عن أبي الحسن محمّد بن محمّد ، أنبأنا عليّ بن
__________________
(١) صحفت في «ز» إلى : يكرثك.
(٢) زيادة لازمة منا للإيضاح ، والسند معروف.
(٣) أقحم بعدها بالأصل : أنبأنا أبو علي.
(٤) الطبقات الكبرى لابن سعد ٥ / ٩٥.
(٥) زيادة للإيضاح عن ابن سعد.
(٦) ما بين معكوفتين سقط من الأصل ، واستدرك للإيضاح عن د ، و «ز» ، وابن سعد.
محمّد بن خزفة (١) ، أنبأنا محمّد بن الحسين ، ثنا ابن [أبي](٢) خيثمة ، ثنا محمّد بن الصلت ، ثنا الربيع بن منذر ، عن أبيه قال : قال ابن الحنفيّة : لوددت لو فديت شيعتنا هؤلاء ببعض دمي ، ثم وضع يده اليمنى على يده اليسرى ثم قال : لحديثهم الكذب ، وأذاعتهم السرّ حتى لو كانت أم أحدهم التي ولدته لأغرى بها حتى تقتل (٣).
قال : وحدّثنا ابن أبي خيثمة ، ثنا أبي ، ثنا جرير ، عن ليث عن (٤) منذر الثوري أبي يعلى أو غيره عن ابن الحنفيّة قال : ما من هذه الأمة أحد أشهد عليه بالنجاة بعد رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، قالوا : ولا أبوك؟ قال : ولا أبي الذي ولدني.
قرأت على أبي غالب الجريري ، عن أبي محمّد الجوهري ، أنبأنا محمّد بن العبّاس ، أنبأنا أبو الحسن أحمد بن معروف ، ثنا الحسين بن الفهم ، ثنا محمّد بن سعد (٥) قال : قالوا :
وقتل المختار ابن أبي عبيد في سنة ثمان وستين ، فلمّا دخلت سنة تسع وستين أرسل عبد الله بن الزبير عروة بن الزبير إلى محمّد بن الحنفيّة : إنّ أمير المؤمنين يقول لك إنّي غير تاركك أبدا حتى تبايعني أو أعيدك في الحبس ، وقد قتل الله الكذّاب الذي كنت تدعي نصرته ، وأجمع أهل العراقين (٦) عليّ فبايع ، وإلّا فهي الحرب بيني وبينك إن امتنعت ، فقال ابن الحنفية لعروة : ما أسرع أخاك إلى قطع الرحم والاستخفاف بالحقّ ، وأغفله عن تعجيل عقوبة الله ، ما يشك أخوك في الخلود وإلّا فقد كان أحمد للمختار وهديه مني ، والله ما بعثت المختار داعيا ولا ناصرا ، وللمختار كان إليه أشدّ انقطاعا منه إلينا ، فإن كان كذّابا فطال ما قرّبه على كذبه ، وإن كان على غير ذلك فهو أعلم به ، وما عندي خلاف ، ولو كان خلاف ما أقمت في جواره ، ولخرجت إلى من يدعوني ، فأبيت ذلك عليه ، ولكن هاهنا والله لأخيك قرينا يطلب مثل ما يطلب أخوك ، كلاهما يقاتلان على الدنيا (٧) : عبد الملك بن مروان ؛ والله لكأنك بجيوشه قد أحاطت برقبة أخيك ، وإنّي لأحسب أن جوار عبد الملك خير لي من جوار أخيك ، ولقد كتب إليّ يعرض عليّ ما قبله وتدعوني إليه ، قال عروة : فما يمنعك من ذلك؟ قال : أستخير الله ، وذلك أحبّ إلى صاحبك ، قال : أذكر ذلك له ، فقال بعض أصحاب محمّد
__________________
(١) في «ز» : خزقه ، تصحيف.
(٢) زيادة عن د ، و «ز».
(٣) سير أعلام النبلاء ٤ / ١٢٣.
(٤) بالأصل : «بن» تصحيف ، والمثبت عن د ، و «ز».
(٥) طبقات ابن سعد ٥ / ١٠٥ ـ ١٠٦ ومن طريق ابن سعد رواه الذهبي في سير الأعلام ٤ / ١٢٣ ـ ١٢٤.
(٦) في سير الأعلام : العراق.
(٧) في المختصر : الدماء.
ابن الحنفيّة [والله لو أطعتنا لضرب عنقه ، فقال ابن الحنفية](١) وعلى ما أضرب عنقه؟ جاءنا برسالة من أخيه وجاورنا فجرى بيننا وبينه كلام ، فرددناه إلى أخيه ، والذي قلتم غدر ، وليس في الغدر خير ، لو فعلت الذي تقولون لكان القتال بمكة ، وأنتم تعلمون أنّ رأيي لو اجتمع الناس عليّ كلهم إلّا إنسان واحد لما قاتلته ، فانصرف عروة ، فأخبر ابن الزبير بكلّ ما قال له محمّد بن الحنفيّة ، وقال : والله ما أرى أن تعرض له ، دعه فليخرج عنك ويغيّب وجهه ، عبد الملك أمامه ولا يتركه يحل بالشام حتى يبايعه ، وابن الحنفية لا يبايعه أبدا حتى يجتمع الناس عليه ، فإن صار كفاكه ، إمّا حبسه ، وإمّا قتله ، فتكون أنت قد برئت من ذلك ، فأفثأ ابن الزبير عنه.
قال : وأنبأنا محمّد بن سعد (٢) ، أنبأنا موسى بن إسماعيل ، حدّثنا أبو عوانة ، عن أبي جمرة (٣) قال : كنت مع محمّد بن علي فسرنا من الطائف إلى أيلة بعد موت ابن عبّاس بزيادة على أربعين ليلة ، قال : وكان عبد الملك قد كتب لمحمّد عهدا على أن يدخل في أرضه هو وأصحابه حتى يصطلح الناس على رجل ، فإذا اصطلحوا على رجل بعهد من الله وميثاق كتبه عبد الملك ، فلمّا قدم محمّد الشام بعث إليه عبد الملك : إمّا أن تبايعني وإمّا أن تخرج من أرضي ، ونحن يومئذ معه سبعة آلاف ، فبعث إليه محمّد بن علي : على أن تؤمن أصحابي ، ففعل ، فقام محمّد ، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : إنّ الله وليّ الأمور كلّها ، وحاكمها ، ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ، كلّ ما هو آت قريب ، عجلتم بالأمر قبل نزوله ، والذي نفسي بيده إنّ في أصلابكم لمن يقاتل مع آل محمّد [ما يخفى على أهل الشرك أمر آل محمّد وأمر آل محمّد مستأخر ، والذي نفس محمّد بيده ليعودن فيكم](٤) كما بدأ ، الحمد لله الذي حقن دماءكم وأحرز دينكم! من أحبّ منكم أن يأتي مأمنه إلى بلده آمنا محفوظا فليفعل ، فبقي معه تسع مائة رجل ، فأحرم بعمرة ، وقلّد هديا ، فعمدنا إلى البيت ، فلمّا أردنا أن ندخل الحرم تلقتنا خيل ابن الزبير ، فمنعتنا أن ندخل ، فأرسل إليه محمّد : لقد خرجت وما أريد أن أقاتلك ، ورجعت ما أريد أن أقاتلك ، دعنا فلندخل فلنقض نسكنا ثم لنخرج عنك ، فأبى ، ومعنا البدن قد قلّدناها ، فرجعنا إلى المدينة ، فكنا بها حتى قدم الحجّاج فقتل ابن الزبير ، ثم صار إلى البصرة والكوفة ، فلمّا سار مضينا فقضينا نسكنا ، وقد رأيت القمل يتناثر من محمّد
__________________
(١) الزيادة للإيضاح عن د ، و «ز» ، وابن سعد.
(٢) رواه ابن سعد في الطبقات الكبرى ٥ / ١٠٨ ـ ١٠٩ والذهبي في سير أعلام النبلاء ٤ / ١٢٤ ـ ١٢٥.
(٣) بالأصل ود ، و «ز» ، وابن سعد : «أبي حمزة» والمثبت عن سير الأعلام.
(٤) ما بين معكوفتين سقط من الأصل واستدرك عن د ، و «ز» ، وابن سعد.
ابن علي ، فلمّا قضينا نسكنا رجعنا إلى المدينة فمكث ثلاثة أشهر ثم توفي.
قال : وأنبأنا ابن سعد (١) ، أنبأنا محمّد بن عمر ، حدّثني عبد الله بن جعفر ، عن صالح ابن كيسان ، عن الحسن بن محمّد بن علي قال : لم يبايع أبي الحجّاج لمّا قتل ابن الزبير بعث الحجاج إليه فجاء ، فقال : قد قتل الله عدو الله ، فقال ابن الحنفيّة : إذا بايع الناس بايعت ، قال : والله لأقتلنك ، قال : أولا تدري ، قال : والله لأقتلنك ، قال : أولا تدري (٢) إنّ لله في كل يوم ثلاثمائة وستين لحظة ، في كلّ لحظة ثلاثمائة وستون قضية ، فلعله أن يكفيناك في قضية من قضاياه.
قال : فكتب بذلك الحجّاج إلى عبد الملك ، فأتاه كتابه ، فأعجبه ، وكتب به إلى صاحب الروم ، وذلك أن صاحب الروم كتب إليه يتهدده أنه قد جمع إليه جموعا كثيرة ، فكتب عبد الملك بذلك الكلام إلى صاحب الروم ، وكتب : قد عرفنا أن محمّدا ليس عنده خلاف وهو يأتيك ويبايعك ، فارفق به ، فلما اجتمع الناس على عبد الملك ، وبايع ابن عمر قال ابن عمر لابن الحنفيّة : ما بقي شيء فبايع. فكتب ابن الحنفيّة إلى عبد الملك : بسم الله الرّحمن الرحيم ، لعبد الملك أمير المؤمنين من محمّد بن علي ، أمّا بعد ، فإنّي لما رأيت الأمة قد اختلفت اعتزلتهم ، فلمّا أفضى هذا الأمر إليك ، وبايعك الناس كنت كرجل منهم أدخل في صالح ما دخلوا فيه ، فقد بايعناك وبايعت الحجّاج لك ، وبعثت إليك ببيعتي ، ورأيت الناس قد اجتمعوا عليك ، ونحن نحب أن تؤمننا وتعطينا ميثاقنا على الوفاء ، فإن الغدر لا خير فيه ، فإن أبيت فأرض الله واسعة ، فلمّا قرأ عبد الملك الكتاب قال قبيصة بن ذؤيب [وروح](٣) بن زنباع ما لك عليه سبيل ، ولو أراد فتقا لقدر عليه ، ولقد سلّم وبايع فنرى أن نكتب إليه بالعهد والميثاق بالأمان له ولأصحابه ، ففعل ، فكتب إليه عبد الملك : إنك عندنا محمود ، أنت أحبّ إلينا ، وأقرب بنا رحما من ابن الزبير ، فلك العهد والميثاق ، وذمة الله ، وذمة رسوله أن لا تهاج ولا أحد من أصحابك بشيء تكرهه ، ارجع إلى بلدك ، واذهب حيث شئت ، ولست أدع صلتك (٤) وعونك ما حييت ، وكتب إلى الحجّاج يأمره بحسن جواره وإكرامه ، فرجع ابن الحنفيّة إلى المدينة.
__________________
(١) طبقات ابن سعد ٥ / ١١٠ ـ ١١١.
(٢) كذا كررت الجملة بالأصل ود ، و «ز» ، ولم تكرر عند ابن سعد.
(٣) زيادة عن د ، و «ز» ، وابن سعد للإيضاح.
(٤) بالأصل : «صلاتك» والمثبت عن د ، و «ز» ، وابن سعد.
أخبرنا أبو العزّ أحمد بن عبيد الله ـ إذنا ومناولة ـ وقرأ عليّ إسناده ، أنبأنا محمّد بن الحسين ، أنبأنا المعافي بن زكريا (١) ، ثنا الحسين بن القاسم الكوكبي ، ثنا أبو محمّد عبد الله ابن عمرو (٢) بن بشر الورّاق ، ثنا أبو زكريا يحيى بن خليفة الدارمي ، حدّثني محمّد بن هشام السعدي التميمي قال :
خرج الحجّاج بن يوسف وابن الحنفيّة من عند عبد الملك بن مروان ، فلمّا صارا في الطريق قال الحجّاج لمحمّد بن الحنفيّة : لقد بلغني أن أباك كان إذا فرغ من القنوت يقول كلاما حسنا أحببت أن أعرفه ، فتحفظه؟ قال : لا ، قال : سبحان الله ، ما أوحش لقاءكم ، وأفظع لفظكم ، وأشدّ خنزوانتكم ، ما تعدّون الناس إلّا عبيدا ، ولقد خضتم الفتنة خوضا ، وقللتم (٣) المهاجرين والأنصار ، فنظر إليه ابن الحنفية وأنكر لفظه وأحفظه ، فوقف وسار الحجّاج ، ورجع ابن الحنفيّة إلى باب عبد الملك فقال للآذن : استأذن لي ، فقال : ألم تكن عنده وخرجت آنفا ، فما ردّك وقد ارتفع أمير المؤمنين؟ قال : لست أبرح حتى ألقاه ، فكره الآذن غضب الخليفة فدخل عليه فقال : يا أمير المؤمنين ، هذا محمّد بن الحنفيّة يستأذن عليك ، فقال : ألم يكن عندي قبيل؟ قال : لقد رده أمر ، ائذن له ، فلما دخل عليه تحلحل عن مجلسه كما كان يفعل ، فقال : يا أمير المؤمنين هذا الحجاج أسمعني كلاما تكمشت (٤) له ، وذكر أبي بكلام تقمعت له ، وما أحرت حرفا ، قال : فما قال لك حتى أعمل على حبسه (٥)؟ قال : وكأنما تفقأ في وجهه الرمان ونخسه شوك ، فخبره عما سأله عنه ، فقال لصاحب شرطه عليّ بالحجاج الساعة. فأتاه في منزله حين خلع ثيابه فحمله حملا عنيفا ، وانصرف ابن الحنفية ، فجاء الحجاج فوقفه بالباب طويلا ثم قال : ائذن له. فدخل ، فسلّم عليه ، فقال له عبد الملك :
لا أنعم الله بعمرو عينا |
|
تحية السخط إذا التقينا (٦) |
يا لكع وهراوة البقار ، ما أنت ومحمّد بن الحنفيّة؟ قال : يا أمير المؤمنين ، ما كان إلّا
__________________
(١) رواه القاضي المعافي بن زكريا في الجليس الصالح الكافي ٤ / ١٩٠ وما بعدها.
(٢) بالأصل : «عمر» والمثبت عن د ، و «ز» ، والجليس الصالح الكافي.
(٣) في الجليس الصالح : «وقتلتم».
(٤) أي تقبضت ، يقال : تكمش الجلد : تقبض.
(٥) بالأصل : «حسابه» وفي «ز» : «حسبه» والمثبت عن الجليس الصالح.
(٦) «إذا التقينا» ليس في «ز».
خير (١) ، قال : كذبت والله لهو أصدق منك وأبرّ. ذكرته وذكرت أباه ، فو الله ما بين لابتيها أفضل من أبيه ؛ وما جرى بينك وبينه؟ قال : سألته يا أمير المؤمنين عن شيء بلغني كان أبوه يقوله بعد القنوت ، قال : لا أعرفه. فعلمت أن ذاك مقت منه لنا ولدولتنا ، فأجبته بالذي بلغك. قال له عبد الملك : أسأت ولؤمت (٢). والله لو لا أبوه وابن عمه لكنا حيارى ضلّالا ، وما أنبت الشعر على رءوسنا إلّا الله وهم ، وما أعزنا بما ترى إلّا رحمهم وريحهم الطيبة ، والله لا كلمتك كلمة أبدا ، أو تجيئني بالرضا منه ، وتسلّ سخيمته. قال : فمضى الحجاج من فوره ، فألفاه وهو يتغدى مع أصحابه ، قال : فاستأذن فأبى أن يأذن له ، فقال بعض أصحابه : إنه أتى برسالة أمير المؤمنين ، فأذن له ، فقال : إن أمير المؤمنين أرسلني أن أسلّ سغيمتك ، وأقسم أن لا يكلمني أبدا حتى آتيه بالرضي منك ، وأنا أحب ، برحمك من رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلّا عفوت عني عما كان ، وغفرت ذنبا إن كان. قال : قد فعلت على شريطة فتفعلها ، قال : نعم ، قال : على صرم الدهر. قال : ثم انصرف الحجاج ، فدخل على عبد الملك ، فقال ما صنعت؟ قال جئت برضاه وسللت سخيمته وأجاب إلى ما أحب وهو أهل ذلك. قال : فأبى شيء آخر ما كان بينك وبينه؟ قال : رضي على شريطة ، على صرم الدهر ، فقال : شنشنة أعرفها من أخزم (٣) ، انصرف.
فلما كان من الغد دخل ابن الحنفية على عبد الملك فقال له : أتاك الحجاج؟ قال : نعم يا أمير المؤمنين ، قال : فرضيت وأجبته؟ قال : نعم يا أمير المؤمنين ، قال ثم مال إليه فقال : هل تحفظ ما سألك عنه؟ قال : نعم يا أمير المؤمنين ، وما منعني أن أبثه إياه إلّا مقتى له فإنه من بقية ثمود. فضمك عبد الملك ثم قال يا سليمان ـ لغليم له ـ هات دواة وقرطاسا ، قال : فكتب بخطه :
بسم الله الرّحمن الرحيم ، كان أمير المؤمنين رضياللهعنه إذا فرغ من وتره رفع يديه (٤) إلى السماء [وقال :](٥) اللهمّ حاجتي العظمى التي إن قضيتها لم يضرّني ما منعتني ، [وإن منعتني](٦) لم ينفعني ما أعطيتني ، فكّاك الرقاب ، فكّ رقبتي من النار ، ربّ ما أنا إن تقصد
__________________
(١) في الجليس الصالح : خيرا.
(٢) بالأصل ود ، و «ز» : ولمت. والمثبت عن الجليس الصالح.
(٣) مثل. تقدم الكلام عليه.
(٤) في الجليس الصالح : يده.
(٥) زيادة عن د ، و «ز» ، والجليس الصالح.
(٦) زيادة عن د ، و «ز» ، والجليس الصالح.
قصدي بغضب منك يدوم عليّ ، فو عزتك ما يحسّن ملك إحساني ، ولا تقبّحه إساءتي ، ولا ينقص من خزائنك غنائي ، ولا يزيد فيها فقري ، يا من هو هكذا ، اسمع دعائي وأجب ندائي ، وأقلني عثرتي ، وارحم غربتي ، ووحشتي ، ووحدتي في قبري ، ها أنا ذا يا رب برمتي ، ويأخذ بتلابيبه [ثم](١) يركع ، فقال عبد الملك : حسن والله ، رضياللهعنه.
قال القاضي : قول محمّد بن الحنفيّة : أسمعني كلاما تكمشت له أي انقبضت ، يقال لما تقبّض (٢) وتشنّج من الفاكهة وغيرها : قد تكمّش ، فهو متكمّش.
وقوله : وذكر أبي بكلام تقمّعت له ، يقال : قد تقمّع الرجل وانقمع إذا انخذل (٣) وانكسر ، وقول عبد الملك للحجّاج : يا لكع ، يريد يا عبد أو يا لئيم. وقوله : وهراوة البقار ؛ يعني عصا الراعي التي يذود بها البقر ، يريد لا تصلح إلّا لأداني الأمور.
وما رواه محمّد بن الحنفيّة من قول أمير المؤمنين عليهالسلام في دعائه : ها أنا ذا يا ربّ برمّتي ، العرب تقول : أخذ فلان كذا وكذا برمّته ، يريدون أخذه كله ، واستوفاه ، ولم يغادر شيئا منه ، وكذلك قولهم : أخذه بأسره ، والأسر : القيد (٤) وبه سمي الأسير أسيرا ، وهو الأخيذ (٥) بمعنى المأخوذ ، وكانوا يشدونه بالقدّ إذا أسروه ، فأمّا الرمّة فالحبل البالي كانوا يشدون الأمتعة به ، ومنه قول ذي الرّمّة :
أشعت باقي رمة التقليد (٦)
وقيل : إنّما سمّي ذا الرّمّة لقوله هذا ، وهو غيلان بن عقبة ، وأمّا الرمّة بالكسر فالعظم البالي يقال : رمّ العظم يرم ، وهو رميم ، ومنه قول الشاعر : (٧)
والنيب إن تعرفني رمة خلقا |
|
بعد الممات فإنّي كنت أثّئر (٨) |
وهذا من أبيات المعاني ، ومعناه [أن النيب ، وهو جمع ناب ، وهي الناقة المسنة ، قيل
__________________
(١) زيادة عن د ، و «ز».
(٢) في الجليس الصالح : «تغضّن» ومثله في «ز» ، ود.
(٣) في د ، و «ز» ، والجليس الصالح : انخزل.
(٤) بالأصل ود : القد ، وفي «ز» : الغد.
(٥) في الجليس الصالح : الآخذ.
(٦) ديوان ذي الرمة ص ١٥٥ وصدره فيه : وغير مرضوخ القفا موتود.
(٧) البيت للبيد ، ديوانه ص ٥٧ (ط. بيروت).
(٨) أثئر : أخذ بالثأر.
لها ذلك فإنها لم يبن منها مرّ السنين عليها إلّا نابا ،](١) إني كما يقال فلان رأس وفلان بطن ، ومن الناب قول جرير (٢) :
لقد سرني ألا تعدّ مشاجع |
|
من المجد إلّا عقر ناب بصوأر |
وقال أيضا (٣) :
تعدون عقر النّاب (٤) أفضل مجدكم |
|
بني ضوطرى (٥) لو لا الكميّ المقنّعا |
قال : كانت تأكل عظام الموتى طلبا لملوحتها ، فقال هذا الشاعر : إن تعر مني رمة خلقا ، يريد إن تأكل عظامي بعد موتي ، فإنّي كنت أتّئر آخذ منها بثأري سالفا في حياتي ـ يعني ـ انه كان ينحرها للأضياف ، وقوله : اتئر من الثأر ، وأصله : اثتأر فقلبت الثاء تاء ، وأدغمت في التي بعدها ، وكذلك مذكر أصله مذتكر ، ومظلم أصله مظتلم (٦) ، ولما وصفنا من القلب علة هي مرسومة في موضعها ومن العرب من يقول : أثئر بالثاء ، ومذكر بالذال ، ومطّلم بالطاء (٧) إلّا أن المختار الأفصح الأوضح في القياس ، والأشهر من الرواية مدّكر ومتئر ومظّلم ، ومثله مذخر (٨) ، ومدّخر.
قال زهير بن أبي سلمى يمدح هرم بن سنان (٩) :
هل الجواد الذي يعطيك نائلة |
|
عفوا ويظلم أحيانا فيظلم |
يروى على الوجهين ، والطاء (١٠) أشهرهما ، والمشهور من القراءة في قول الله عزوجل : (فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ)(١١) الدال ، وكذلك قوله : (وَما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ)(١٢).
أخبرنا أبو الحسن عليّ بن محمّد ، أنبأنا أبو منصور محمّد بن الحسن ، أنبأنا أبو العبّاس أحمد بن الحسين ، أنبأنا عبد الله بن محمّد بن عبد الرّحمن ، ثنا محمّد بن إسماعيل ،
__________________
(١) ما بين معكوفتين سقط من الأصل واستدرك للإيضاح عن د ، و «ز» والجليس الصالح.
(٢) ديوان جرير ص ٢٠٢ (ط. بيروت).
(٣) ديوان جرير ص ٢٥٤ (ط. بيروت).
(٤) في الديوان : النيب.
(٥) بالأصل : «ضوطر» والمثبت عن د ، و «ز» ، والجليس الصالح ، والديوان.
(٦) بالأصل ود ، و «ز» : «ويظلم من تظلم» والمثبت عن الجليس الصالح.
(٧) بالأصل ود ، و «ز» : ومظلم بالظاء ، والمثبت عن الجليس الصالح.
(٨) بالأصل : «مد نمر» وفوقها ضبة ، وفي د : مدمر ، وفي «ز» : مدخر ، والمثبت عن الجليس الصالح.
(٩) شرح ديوان زهير ص ١٥٢.
(١٠) في الجليس الصالح : والظاء.
(١١) سورة القمر ، الآية : ١٥.
(١٢) سورة آل عمران ، الآية : ٤٩.
ثنا موسى ، ثنا أبو عوانة ، ح وأنبأنا أبو الغنائم محمّد بن علي ، ثم حدّثنا أبو الفضل السلامي ، أنبأنا أبو الحسين ، وأبو الغنائم ، واللفظ له ، قالا : أنبأنا أبو أحمد ، أنبأنا أحمد بن عبدان ، أنبأنا محمّد بن سهل ، أنبأنا البخاري (١) قال : قال لنا موسى بن إسماعيل عن أبي عوانة ، عن أبي حمزة (٢) قال : قضينا نسكنا حين قتل ابن الزبير ، ورجعنا إلى المدينة مع محمّد ، فمكث ثلاثة أيام ثم توفي.
أخبرنا أبو البركات الأنماطي ، أنبأنا أبو الفضل بن خيرون ، أنبأنا القاضي أبو العلاء محمّد بن علي الواسطي ، أنبأنا أبو بكر محمّد بن أحمد بن محمّد بن موسى البابسيري ، أنبأنا أبو أمية الأحوص بن المفضل القاضي ، أنبأنا أبي المفضل بن غسّان ، ثنا أحمد بن حنبل ، قال : وحدّثنا أبو نعيم قال : سمعت قيس بن الربيع يقول : [ابن الحنفية](٣) سنة ثمانين يعني مات.
أخبرنا أبو البركات أيضا ، أنبأنا أبو الفضل بن خيرون ، أنبأنا أبو القاسم عبد الملك بن محمّد ، أنبأنا أبو عليّ بن الصّوّاف ، ثنا محمّد بن عثمان بن أبي شيبة قال : قال أبي.
ح وأخبرنا أبو الفضل الفضيلي ، أنبأنا أبو القاسم الخليلي ، أنبأنا أبو القاسم الخزاعي ، أنبأنا الهيثم بن كليب قال : سمعت أبا عبد الله محمّد بن صالح يقول : سمعت عثمان بن أبي شيبة يقول : سمعت أبا نعيم يقول : مات ابن الحنفيّة سنة ثمانين.
أخبرنا أبو الحسن الخطيب ، أنبأنا محمّد (٤) بن الحسن ، أنبأنا أحمد بن الحسن ، أنبأنا عبد الله بن محمّد بن إسماعيل قال : وقال أبو نعيم : مات محمّد بن الحنفيّة سنة ثمانين.
أخبرنا أبو الحسن الفرضي ، ثنا عبد العزيز الكتّاني ، أنبأنا أبو خازم (٥) بن الفرّاء ، أنبأنا يوسف بن عمر ، ثنا محمّد بن مخلد ، ثنا عباس بن محمّد ، ثنا أبو نعيم.
ح وأخبرنا أبو سعد إسماعيل بن أبي صالح ، وأبو الحسن مكي بن أبي [طالب قالا :
__________________
(١) التاريخ الكبير ١ / ١ / ١٨٢.
(٢) كذا بالأصل ود ، و «ز» ، والتاريخ الكبير ، وهو عمران بن أبي عطاء القصاب وقد روى أبو عوانة الوضاح بن عبد الله ستين حديثا ، وروى أبو عوانة أيضا عن أبي جمرة نصر بن عمران بن عصام ، حديثا واحدا. (راجع ترجمة أبي جمرة في تهذيب الكمال ١٩ / ٧٠).
(٣) زيادة عن د ، و «ز».
(٤) سقطت من «ز».
(٥) بالأصل ود ، و «ز» : حازم ، تصحيف.
أنا أبو بكر بن خلف ، أنا أبو عبد الله الحافظ ، أنا عبد الله محمّد بن عبد الله الصغار ، أنا أبو إسماعيل](١) الترمذي ، قال : سمعت أبا نعيم ، ح وأنبأنا أبو سعد المطرز ، وأبو علي الحدّاد ، وأبو القاسم غانم بن محمّد بن عبيد الله ، ح ثم أخبرنا أبو المعالي عبد الله بن أحمد بن محمّد ، أنبأنا أبو علي ، قالوا : أنبأنا أبو نعيم ، ثنا أبو بكر أحمد بن جعفر ، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، حدّثني أبي [نا أبو](٢) نعيم.
ح وأخبرنا أبو القاسم بن السّمرقندي ، أنبأنا أبو الفضل بن البقّال ، أنبأنا أبو الحسين بن بشران ، أنبأنا أبو عمرو بن السّمّاك ، ثنا حنبل بن إسحاق ، ثنا أبو نعيم قال : وابن الحنفيّة ـ يعني ـ مات سنة ثمانين.
قرأت على أبي محمّد السّلمي ، عن أبي محمّد التميمي ، أنبأنا مكي بن محمّد ، أنبأنا أبو سليمان بن زبر قال : قال أبو نعيم : ومات محمّد بن الحنفيّة سنة ثمانين ، قال المدائني : وفيها مات السائب بن يزيد الكندي ، وعبيد الله بن أبي بكرة ، ومحمّد بن الحنفيّة ، وسويد بن غفلة ، وذكر ابن زبر : أن الهروي أخبره عن إسحاق عن سيار ، عن أبي نعيم ؛ وأن أباه أخبره عن أحمد بن عبيد بن ناصح عن المدائني.
أخبرنا أبو البركات الأنماطي ، أنبأنا أبو الفضل بن خيرون ، أنبأنا محمّد بن علي الواسطي ، أنبأنا محمّد بن أحمد بن محمّد ، أنبأنا أبو أميّة القاضي ، أنبأنا أبي (٣) المفضل بن غسّان ، ثنا أحمد بن حنبل ، قال : وابن الحنفيّة سنة ثمانين ـ يعني ـ مات.
[أخبرنا أبو الفضل بن ناصر](٤) أخبرنا أبو الفضل بن خيرون أنبأنا أبو العلاء محمّد بن عليّ بن يعقوب ، أنبأنا عليّ بن الجراحي (٥) الجراحي ، قال ابن خيرون : وأنبأنا الحسن بن الحسين بن العبّاس ، أنبأنا جدي لأبي إسحاق بن محمّد ، قالا : أنبأنا عبد الله بن إسحاق المدائني ، حدّثنا أبو عمرو قعنب بن المحرر الباهلي قال : مات محمّد بن الحنفيّة سنة ثمانين بين الشام والمدينة.
أخبرنا أبو بكر اللفتواني ، أنبأنا أبو عمرو بن مندة ، أنبأنا أبو محمّد الحسن بن محمّد ،
__________________
(١) ما بين معكوفتين سقط من الأصل ، واستدرك لتقويم السند عن د ، و «ز».
(٢) الزيادة لازمة للإيضاح عن د ، و «ز».
(٣) في «ز» : «أبو» تصحيف.
(٤) الزيادة لازمة لتقويم السند عن د ، و «ز».
(٥) بالأصل : الحسين ، تصحيف ، والمثبت عن د ، و «ز».
أنبأنا أحمد بن محمّد بن عمر ، ثنا ابن أبي الدنيا ، أنبأنا محمّد بن سعد (١) ، أنبأنا محمّد بن عمر ، ثنا عليّ بن عمر بن عليّ بن حسين ، عن عبد الله بن محمّد بن عقيل قال : سمعت محمّد بن الحنفيّة يقول : سنة الجحاف حين دخلت إحدى وثمانين هذه لي خمس وستون سنة قد جاوزت سن أبي ، قلت : كم كانت سنه يوم قتل؟ قال : ثلاث وستون.
قال : ومات أبو القاسم في تلك السنة (٢).
قال : وأنبأنا محمّد بن عمر ، أنبأنا زيد بن السائب قال : سألت أبا هاشم عبد الله بن محمّد بن الحنفية : أين دفن أبوك؟ قال : بالبقيع ، قلت : أيّ سنة ، قال : [سنة](٣) إحدى وثمانين ، وهو ابن خمس وستين سنة لم يستكملها ولا نعلمه روى عن عمر شيئا.
قرأت على أبي غالب بن البنّا ، عن أبي محمّد الجوهري ، أنبأنا أبو عمر ، أنبأنا أحمد ، ثنا الحسين ، ثنا ابن سعد (٤) ، أنبأنا محمّد بن عمر (٥) ، حدّثني زيد بن السائب قال : سمعت أبا هاشم عبد الله بن محمّد بن الحنفيّة يقول : وأشار إلى ناحية من البقيع : فقال : هذا قبر أبي القاسم ، يعني أباه ، مات في المحرم سنة إحدى وثمانين ، وهي سنة الجحاف ، سيل أصاب أهل مكة جحف الحاجّ؟ قال : فلمّا وضعناه في البقيع جاء أبان بن عثمان بن عفان وهو الوالي يومئذ على المدينة لعبد الملك بن مروان ليصلي (٦) عليه ، فقال أخي : ما ترى؟ فقلت : لا يصلي (٧) عليه أبان إلّا أن يطلب ذلك إلينا ، فقال أبان : أنتم أولى بجنازتكم ، من شئتم ، فقدّموا [من](٨) يصلّي عليه ، فقلنا : تقدم فصلّ ، فتقدم فصلّى عليه ، قال محمّد بن عمر (٩) : فحدّثت زيد بن السائب فقلت : إن عبد الملك بن وهب أخبرني عن سليمان بن عبد الله بن عويمر الأسلمي أن أبا هاشم قال يومئذ : نحن نعلم [أن](١٠) الإمام أولى بالصلاة ولو لا ذلك ما قدمناك. فقال زيد بن السّائب : هكذا سمعت أبا هاشم يقول ، فتقدم فصلى عليه.
قرأت على أبي محمّد السّلمي ، عن عبد العزيز [بن] أحمد التميمي ، أنبأنا مكي ، أنبأنا
__________________
(١) الخبر برواية ابن أبي الدنيا ليس في الطبقات الكبرى الكبرى المطبوع لابن سعد.
(٢) سير أعلام النبلاء ٤ / ١٢٨ وراجع طبقات ابن سعد ٥ / ١١٥.
(٣) زيادة عن «ز» ، ود.
(٤) طبقات ابن سعد ٥ / ١١٦.
(٥) بالأصل : «أحمد بن عمار» تصحيف ، والمثبت عن د ، و «ز» ، وابن سعد.
(٦) بالأصل : «ليصل».
(٧) بالأصل : «يصل».
(٨) زيادة لازمة عن د ، و «ز» ، وابن سعد.
(٩) طبقات ابن سعد ٥ / ١١٦.
(١٠) زيادة لازمة عن د ، و «ز» ، وابن سعد.
أبو سليمان قال : وقال الواقدي وعمرو بن نمير : فيها ـ يعني سنة إحدى وثمانين ـ مات محمّد ابن الحنفيّة في المحرّم ، يكنى أبا القاسم ، وهو ابن خمس وستين.
وذكر ابن زبر : أن أباه أخبره عن إبراهيم بن عبد الله عن محمّد بن سعد ، عن الواقدي وأن مصعب بن إسماعيل أخبره عن محمّد بن أحمد بن ماهان عن عمرو ، وأن الهروي أخبره عن محمّد بن عبد الله بن سليمان عن ابن نمير بذلك.
أخبرنا أبو الأعز قراتكين بن الأسعد ، أنبأنا أبو محمّد الجوهري ، أنبأنا أبو الحسن علي ابن محمّد بن أحمد بن نصير ، أنبأنا محمّد بن الحسين بن شهريار ، ثنا أبو حفص الفلاس قال : ومات محمّد بن الحنفيّة سنة إحدى وثمانين ، ويكنى أبا القاسم ، ومات ابن خمس وستين.
أخبرنا أبو القاسم بن السّمرقندي ، أنبأنا أبو القاسم عليّ بن أحمد بن محمّد ، أنبأنا أبو طاهر المخلص ـ إجازة ـ ثنا عبيد الله بن عبد الرّحمن ، أخبرني عبد الرّحمن (١) بن محمّد بن المغيرة ، أخبرني أبي ، حدّثني أبو عبيد القاسم بن سلّام قال : مات محمّد بن الحنفيّة بالمدينة وصلى عليه أبان بن عثمان في سنة إحدى وثمانين.
قرأنا على أبي غالب ، وأبي عبد الله ابني البنّا ، عن أبي الحسن بن مخلد ، أنبأنا أبو الحسن بن خزفة (٢) ، أنبأنا محمّد بن الحسين الزعفراني ، ثنا ابن أبي خيثمة قال : قال المدائني : مات ابن الحنفية سنة ثلاث وثمانين ، وإبراهيم بن هشام على المدينة.
أخبرنا أبو القاسم بن السّمرقندي ، أنبأنا أبو بكر محمّد بن هبة الله ، أنبأنا أبو الحسين بن بشران ، أنبأنا أبو الحسين بن بشران ، أنبأنا عثمان بن أحمد ، ثنا محمّد بن أحمد بن البراء قال : قال عليّ بن المديني : مات محمّد بن الحنفيّة سنة ثنتين وتسعين أو ثلاث.
٦٧٩٨ ـ محمّد بن عليّ بن طرخان بن عبد الله بن جبّاش (٣)
أبو بكر ـ ويقال : أبو عبد الله ـ البلخي ثم البيكندي (٤)
أحد القراء.
__________________
(١) قوله : «أخبرني عبد الرحمن» سقط من «ز» ، فاختل السند.
(٢) في «ز» : حزقه.
(٣) بالأصل : «حياش» وفي «ز» : «جياش» والمثبت عن د ،.
(٤) ترجمته في معجم البلدان (بلخ) ، وتذكرة الحفاظ ٢ / ٦٩٤ وراجع الأنساب (الطرخاني) وتبصير المنتبه.
سمع بدمشق وغيرها محمّد بن الخليل البلاطي الخشني ، ومحمّد بن الفضل ، وقتيبة بن سعيد ، ومحمّد بن سليمان لوينا ، وهشام بن عمّار ، وزياد بن أيّوب ، والحسن بن محمّد الزعفراني ، وأحمد بن أبي بزّة المكي.
روى عنه : أبو علي الحسن بن عليّ بن نصر بن منصور الطوسي ، وأبو محمّد عبد الرّحمن بن أحمد بن الحسن الفارسي ، وابنه أبو بكر عبد الله بن محمّد بن علي ، وأبو المفضل أحمد بن محمّد بن محمود بن نور (١) البلخي ، وأبو حرب محمّد بن أحمد الحافظ.
أخبرنا أبو عبد الله الفراوي ، أنبأنا أبو عثمان الصابوني ، أنبأنا أبو المذكر أحمد بن محمّد بن حمدان الدّهّان البلخي قدم علينا حاجا ، أنبأنا أبو حرب محمّد بن أحمد (٢) بن أبي عيسى الحافظ ، ثنا محمّد بن علي ـ يعني ابن طرخان ـ ثنا محمّد بن يحيى بن أبي عمر (٣) ، ثنا سفيان بن عيينة ـ قال : وأنبأنا ابن المقرئ : عن ابن عيينة ـ عن أبي الزناد ، عن الأعرج عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إنّ لله تسعة وتسعين اسما ، مائة إلّا واحدا (٤) ، من أحصاها دخل الجنّة ، إنه ، وتر يحبّ الوتر» [١١٥٢٤].
أخبرنا أبو القاسم زاهر بن طاهر ، أنبأنا أبو الحسن عبيد الله بن محمّد بن إسحاق بن مندة ، أنبأنا أبو الفضل العاصمي (٥) ، أنبأنا أبو محمّد عبد الرّحمن بن أحمد بن الحسن الفارسي ، ثنا محمّد بن عليّ بن طرخان ، ثنا محمّد بن الخليل الخشني البلاطي ـ بدمشق ـ ثنا سويد بن عبد العزيز عن أبي عجلان ، عن سعيد المقبري ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم :
«إن الله تبارك وتعالى ليدخل الجنّة بلقمة الخبز ، وقبضة التمر ، ومثله ما ينفع به المسكين (٦) ثلاثة : صاحب البيت الآمر به ، والزوجة ، والخادم الذي يناول المسكين» [١١٥٢٥].
وقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «الحمد لله الذي لم ينس خادمنا» [١١٥٢٦].
قال : وأنبأنا العاصمي ، أنبأنا الفارسي ، حدّثنا أبو عبد الله محمّد بن عليّ بن طرخان ، ثنا محمّد بن إبراهيم ، ثنا سعيد بن عنبسة (٧) ، ثنا الهيثم بن عدي قال : عدنا مريضا من القرّاء
__________________
(١) بدون إعجام بالأصل ود ، والمثبت عن «ز».
(٢) في د ، و «ز» : بن أحمد بن أحمد بن أبي عيسى.
(٣) في «ز» : بن أبي عثمان.
(٤) بالأصل ود ، و «ز» : واحدة.
(٥) كذا رسمها بالأصل ود ، وفي «ز» : القاضي.
(٦) في «ز» : المسلمين.
(٧) في «ز» : عبسة.