تاريخ مدينة دمشق - ج ١٧

أبي القاسم علي بن الحسن ابن هبة الله بن عبد الله الشافعي [ ابن عساكر ]

تاريخ مدينة دمشق - ج ١٧

المؤلف:

أبي القاسم علي بن الحسن ابن هبة الله بن عبد الله الشافعي [ ابن عساكر ]


المحقق: علي شيري
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٧٠
الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٢ الجزء ٣٣ الجزء ٣٤ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١ الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠

من عامر لا يضران ولا ينفعان ، ثم قال : أين مالك؟ قالوا : هذا مالك ، فدعا له فقال : يا مالك إنك تقاتل رجلا كريما ، وقد أصبحت رئيس قومك ، وإن هذا اليوم كائن له ما بعده من الأيام ، يا مالك ما لي أسمع رغاء البعير ونهاق الحمير وخوار البقرة وبكاء الصغير وثغاء (١) الشاة؟ قال مالك : سقت مع الناس أموالهم وأبناءهم ونساءهم ، قال دريد : ولم؟ قال مالك : [أردت](٢) أن أجعل خلف كل رجل أهله وماله وولده ونساءه حتى يقاتلوا عنهم ، قال : فأنفض بيده ، ثم قال : راعي ضأن ، ما له وللحرب؟ وهل يرد المنهزم شيء؟ إنها إن كانت لك لم ينفعك إلّا رجل بسيفه ورمحه ، وإن كانت عليك فضحت في أهلك ومالك ، ثم قال : ما فعلت كعب وكلاب؟ قالوا : لم يشهدها منهم أحد ، قال : غاب الجد والحد ، ولو كان يوم رفعة وعلاء لم تغب عنه كعب ولا كلاب ، يا مالك إنك لم تصنع بتقديم بيضة هوازن إلى نحور الخيل شيئا ، فإذا صنعت ما صنعت فلا تعصني في هذه الخطة ارفعهم إلى ممتنع بلادهم وعلياء قومهم وعزهم ثم الق القوم على متون الخيل ، فإن كان لك لحق بك من ورائك وكان أهلك لا فوت عليهم ، وإن كانت عليك ألفاك ذلك وقد أحرزت أهلك ومالك ، فغضب مالك من قوله وقال : والله لا أفعل ، ولا أغير أمرا صنعته ، إنك قد كبرت وكبر علمك ، وحدث بعدك من هو أبصر بالحرب منك ، قال دريد : يا معشر هوازن ، والله ما هذا لكم برأي ، هذا فاضحكم في عورتكم وممكّن منكم عدوكم ، ولا حق بحصن ثقيف وتارككم فانصرفوا واتركوه قال : فسلّ مالك سيفه ثم نكسه ، ثم قال : يا معشر هوازن والله لتطيعنني (٣) أو لأتكئنّ على السيف حتى يخرج من ظهري. وكره مالك أن يكون لدريد فيها ذكر أو رأي فمشى بعضهم إلى بعض فقالوا : والله إن عصينا مالكا ، وهو شاب. ليقتلنّ نفسه ونبقى مع دريد ، شيخ كبير لا قتال فيه ، ابن ستين ومائة سنة ، فأجمعوا رأيهم مع مالك ، فلما رأى ذلك دريد أنهم قد خالفوه قال : هذا يوم لم أشهده ولم أغب عنه.

يا ليتني فيها جذع

أخب فيها وأضع

وكان دريد قد ذكر بالفروسية والشجاعة. ولم يكن له عشرون سنة ، وكان سيد بني

__________________

(١) بالأصل : «ويغار» والمثبت عن الواقدي.

(٢) زيادة لازمة عن مغازي الواقدي.

(٣) عن مغازي الواقدي وبالأصل : ليطيعني.

٢٤١

جشم وأوسطهم نسبا. ولكن السن أدركته حتى فني فناء وهو دريد بن الصّمّة بن بكر بن علقمة ، وذكر الحديث في انهزام هوازن.

وقال (١) : فبعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خيلا تتبع من سلك نخلة (٢) ولم تتبع من سلك الثنايا ، ويدرك ربيعة بن رفيع بن وهبان (٣) بن ثعلبة بن ربيعة بن يربوع بن سمّال (٤) بن عوف بن امرئ القيس من بني سليم دريد بن الصّمّة فأخذ بخطام جمله وهو يظن أنه امرأة وذلك أنه كان في شجار له فإذا هو رجل فأناخ به وهو شيخ كبير ابن ستين ومائة سنة فإذا هو دريد ولا يعرفه الغلام فقال [له دريد : ما تريد؟ قال : أقتلك ، قال : وما تريد إلى المرعش الكبير الفاني الأدرد (٥) قال](٦) الفتى : ما أريد إلى غيره ممن هو على مثل دينه ، قال له دريد : من أنت؟ قال : أنا ربيعة بن رفيع السلمي ، قال : فضربه بسيفه فلم يغن شيئا ، قال دريد : بئس ما سلّحتك أمك! خذ سيفي من وراء الرحل في الشّجار فاضرب به ، وارفع عن العظام (٧) واخفض عن الدماغ ، فإني كنت كذلك أقتل الرجال ، ثم إذا أتيت أمك فأخبرها أنك قتلت دريد بن الصّمّة ، فرب يوم قد منعت فيه نساءك ، زعمت بنو سليم أن ربيعة لما ضربه تكشف للموت عجانه ، وبطون فخذيه مثل القراطيس من ركوب الخيل ، فلما رجع ربيعة إلى أمه أخبرها بقتله إياه ، فقالت : والله لقد أعتق أمهات لك ثلاثا في غداة واحدة ، وجزّ ناصية أبيك ، قال الفتى لم أشعر.

أخبرنا أبو القاسم بن السّمرقندي ، أنبأ أبو الحسين بن النّقّور ، أنبأ أبو طاهر المخلّص ، أنا رضوان بن أحمد ، أنبأ أحمد بن عبد الجبار ، ثنا يونس بن بكير ، عن محمّد بن إسحاق ، قال : فقالت عمرة ابنة دريد في قتل ربيعة دريدا (٨) :

__________________

(١) انظر مغازي الواقدي ٣ / ٩١٤ وما بعدها.

(٢) الأصل : «نحلة» والصواب عن الواقدي.

(٣) الواقدي : أهبان.

(٤) بالأصل «سهل» وفي أصل مغازي الواقدي «سهيل» وقد صوّبها محققه كما أثبتناه ، وقد مرّ.

(٥) الأدرد : الذي ليس في فمه سن (اللسان).

(٦) ما بين الرقمين سقط من مغازي الواقدي.

(٧) الواقدي : الطعام.

(٨) الأبيات في سيرة ابن هشام ٤ / ٩٦ والأغاني ١٠ / ٣٣.

٢٤٢

جزى عنا الإله بني سليم

وأعقبهم (١) بما فعلوا عقاق (٢)

وأسقانا إذا قدنا (٣) إليهم

دماء خيارهم عند التلاقي

فربّ عظيمة دافعت عنهم

وقد بلغت نفوسهم التراقي

وربّ كريمة أعتقت منهم

وأخرى قد فككت من الوثاق

وربّ منوّه بك من سليم

أجبت وقد دعاك بلا رماق (٤)

فكان جزاؤنا منهم عقوقا

وهما ماع فيه مخّ ساقي

عفت آثار خيلك بعد أين

بذي بقر (٥) إلى فيف النهاق (٦)

لعمرك ما خشيت على دريد

ببطن شعيرة (٧) جيش العناق

وقالت عمرة ابنة دريد أيضا (٨) :

قالوا : قتلنا دريدا ، قلت : قد صدقوا

وظل دمعي على (٩) السّربال ينحدر

لو لا الذي قهر الأقوام كلّهم

رأت سليم وكعب كيف تأتمر

إذا لصبّحهم (١٠) غبّا وظاهرة

حيث استقرت نواهم جحفل ذفر (١١)

٢٠٨٢ ـ درّي بن عبد الله المستنصري

الملقب بشهاب الدولة (١٢)

ولي إمرة دمشق في أيام الملقب بالمستنصر ، فقدمها في العشر الأخير من ذي

__________________

(١) السيرة : وعقّتهم.

(٢) وعقاق على وزن فعال ، بالبناء على الكسر ، بكسر اللام ، من العقوق.

(٣) الأغاني : سرنا.

(٤) المنوه : الذي يناديك بأشهر أسمائك. والرماق : بقية الحياة.

(٥) بالأصل : «إلى نغر» وتقرأ «إلى نفر» والمثبت عن سيرة ابن هشام وذو بقر : موضع. والفيف.

(٦) الفيف : القفر ، والنهاق : موضع ، وأين : موضع.

(٧) السيرة : «سميرة» ، وهو واد قرب حنين قتل فيه دريد.

(٨) الأبيات في سيرة ابن هشام ٤ / ٩٧ والأغاني ١٠ / ٣٣.

(٩) الأغاني : على الخدين يبتدر.

(١٠) غير واضحة الرسم والإعجام بالأصل ، والمثبت عن السيرة والأغاني.

(١١) تقرأ بالأصل «زنر» والمثبت عن السيرة.

(١٢) ترجمته في الوافي بالوفيات ١٤ / ٨.

٢٤٣

القعدة سنة ست وخمسين وأربعمائة بعد عزل حيدرة بن منزو ، وانصرف عنها في بقية هذه السنة وولي الرملة فتوجه إليها ، وقتل بها في شهر ربيع الآخر سنة ستين وأربعمائة ، وخلت دمشق بعده من الولاة مدة إلى أن أعيد إليها المعروف بأمير الجيوش واليا لها ولايته الثانية سنة ثمان وخمسين في شعبان.

قرأت ذلك بخط شيخنا أبي محمّد هبة الله بن أحمد الأكفاني سوى ذكر حيدرة بن منزوا.

٢٤٤

[ذكر من اسمه](١) دعبل

٢٠٨٣ ـ دعبل بن علي بن رزين بن عثمان بن عبد الله بن بديل

ابن ورقاء ، ويقال دعبل بن علي بن رزين بن سليمان بن تميم

ابن بهز بن دوّاس بن خلف بن عبد بن دعبل

ابن أنس بن مالك بن خزيمة بن مالك بن مازن

ابن الحارث بن سلامان بن أسلم بن أفصى

ابن عامر بن قمعة بن إلياس بن مضر ، ويقال : ابن تميم

ابن نهشل ، وقيل : بهنس بن حراس بن خالد بن عبد

ابن دعبل بن أنس بن خزيمة بن سلامان بن أسلم بن أفصى

ابن حارثة بن عمرو بن عامر مزيقيا

أبو علي الخزاعي (٢)

الشاعر المشهور ، له شعر رائق وديوان مجموع وصنّف كتابا في طبقات الشعراء. يقال إن أصله من الكوفة ، ويقال من قرقيسياء (٣) وكان أكثر مقامه ببغداد ، ويسافر إلى غيرها من البلاد ، قدم دمشق ومدح بها نوح بن عمرو بن حويّ السكسكي بعدة قصائد ، ذكر في بعضها قصيدة إليه ورحلته نحوه وخرج منها إلى مصر ، ومدح بها.

ويقال : إن اسمه محمّد وكنيته أبو جعفر ودعبل لقب ، ويقال : الدعبل البعير المسن ، ويقال : الشيء القديم.

__________________

(١) ما بين معكوفتين زيادة منا.

(٢) في نسبه اختلاف ، انظر ترجمته وأخباره ونسبه في الأغاني ٢٠ / ١٢٠ تاريخ بغداد ٨ / ٣٨٢ معجم الأدباء ١١ / ٩٩ الشعر والشعراء ص ٥٣٩ الوافي بالوفيات ١٤ / ١٢ سير أعلام النبلاء ١١ / ٥١٩ وانظر بالحاشية فيهما ثبتا بأسماء مصادر أخرى ترجمت له.

(٣) بلد على نهر الخابور قرب رحبة مالك بن طوق (معجم البلدان).

٢٤٥

حدّث عن المأمون ، ومالك بن أنس ، ويقال إنه حدث عن يحيى بن سعيد الأنصاري وشعبة بن الحجاج ، وسفيان الثوري ، وسالم بن نوح العطار ، وخزيمة بن حازم الأزدي ، والحكم بن عبد الملك البصري ، ومحمّد بن عمر الواقدي ، وموسى بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي ، وعبيد الله بن كلثوم الخزاعي البصري ، وأبي سفيان بن العلاء أخي أبو عمرو المقرئ ، وشريك بن عبد الله النّخعي.

روى عنه : أحمد بن أبي دؤاد (١) ، ومحمّد بن موسى بن حمّاد البربري ، وأخوه إسماعيل بن علي بن رزين.

أخبرنا أبو الحسن بن قبيس ، ثنا أبو بكر الخطيب (٢) ، نا هلال بن محمّد الحفّار ، نا إسماعيل بن علي بن علي بن رزين الخزاعي بواسط ، نا أبي علي بن علي ، ثنا أخي دعبل بن علي ، وقتيبة بن سعيد البغلاني ، قالا : نا مالك بن أنس ، عن أبي الزبير ، عن جابر ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «نعم الإدام الخلّ» ، رواه الدارقطني عن إسماعيل أتم منه [٤١٢٥].

أخبرنا أبو عبد الله الفراوي ، وأبو القاسم المستملي ، قالا : أنا أبو عثمان البحيري ، قراءة عليه ، أنبأ أبو بكر محمّد بن علي بن عمران العطار ، نا أبو عمر محمّد بن الحسين بن عمران ، نا إسماعيل بن علي بن رزين الخزاعي بواسط ، نا أخي (٣) دعبل بن علي ، قال : سمعت مالك بن أنس فقيه المدينة يحدث هارون الرشيد قال : يا أمير المؤمنين حدّثنا صدقة بن يسار أبو محمّد عن سعيد بن المسيّب ، عن أبي هريرة ، قال : لم يزل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يتختم في يمينه حتى قبضه الله عزوجل إليه [٤١٢٦].

أخبرنا أبو نصر زاهر بن محمّد بن القاسم المغازلي ، وأبو عمرو عبد الرزاق بن أحمد بن حمد الأبهري المؤدب ، وأبو الفتح إسماعيل بن محمّد بن عبد الواحد الطّرسوسي ، وأبو إبراهيم عبد الكريم بن عمر بن أحمد الجهبذ بأصبهان ، قالوا : أنبأ أبو عبد الله القاسم بن الفضل بن محمود الثقفي ، نا هلال بن محمّد ، نا إسماعيل بن

__________________

(١) بالأصل : «داود».

(٢) الحديث في تاريخ بغداد ٦ / ٣٠٧ في ترجمة إسماعيل بن علي ابن أخي دعبل.

(٣) كذا ، وإسماعيل ابن أخي دعبل ، كما مرّ في الحاشية السابقة ، فثمة انقطاع في السند سببه سقط في الكلام لعله : «حدثنا أبي علي» كما تقدم في السند السابق.

٢٤٦

علي بن علي بن رزين بواسط ، نا أبي علي بن علي ، نا أخي دعبل بن علي ، نا شعبة بن الحجاج ، عن علقمة بن مرثد ، عن سعد بن عبيدة ، عن البراء بن عازب ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في قول الله عزوجل : (يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ)(١) قال : في القبر إذا سئل المؤمن.

أخبرنا أبو بكر محمّد بن عبد الباقي ، أنا أبو محمّد الجوهري ، أنا أبو بكر محمّد بن عبيد الله بن الشخير الصّيرفي ، نا أبو بكر أحمد بن إسحاق الملحمي ، نا أبو عمير عبد الكبير بن محمّد الأنصاري بمصر ، حدّثني الحسن بن الخضر بن علي الأزدي ، قال : سمعت أحمد بن أبي دواد (٢) يقول : خرج دعبل بن علي إلى خراسان فنادم عبد الله بن طاهر فأعجب به ، فكان في كل يوم ينادمه فيه يأمر له بعشرة آلاف درهم ، وكان ينادمه في الشهر خمسة عشر يوما ، وكان ابن طاهر يصله في كل شهر بمائة وخمسين ألف درهم ، فلما كثرت صلاته له توارى عنه دعبل يوم منادمته في بعض الخانات فطلبه فلم يقدر عليه فشق ذلك عليه ، فلما كان من الغد كتب (٣) :

هجرتك لم أهجرك من كفر نعمة

وهل ترتجا فيك الزّيادة بالكفر

ولكنني لما أتيتك (٤) زائرا

فأفرطت في بري عجزت عن الشّكر

فملآن (٥) لا آتيك إلّا معذّرا

أزورك في الشهرين يوما وفي الشهر

فإن زدت في برّي تزيّدت جفوة

ولم نلتقي حتى القيامة والحشر (٦)

وقد حدّثني أمير المؤمنين المأمون عن أمير المؤمنين الرشيد عن المهدي ، عن المنصور ، عن أبيه ، عن جده ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من لا يشكر الناس لا يشكر الله عزوجل ، ومن لا يشكر القليل لا يشكر الكثير» فوصله بثلاثمائة ألف درهم ، وانصرف [٤١٢٧].

__________________

(١) سورة إبراهيم ، الآية : ٢٧.

(٢) بالأصل : «داود».

(٣) لم أجد الأبيات التالية في ديوان دعبل ط دار الكتاب اللبناني ـ بيروت وهي في الأغاني منسوبة لعلي بن جبلة ٢٠ / ٢٤ قالها في أبي دلف.

(٤) عن الأغاني ، وبالأصل : أشك.

(٥) في الأغاني ، فها أنا لا آتيك إلّا مسلما.

(٦) روايته في الأغاني :

فإن زدتني برّا تزايدت جفوة

ولم تلقني طول الحياة إلى الحشر

٢٤٧

كتب إليّ أبو الحسن بن العلّاف ، وحدّثني أبو المعمر الأنصاري عنه.

وأخبرنا أبو القاسم بن السّمرقندي ، أنبأ أبو علي بن أبي جعفر ، وأبو الحسن بن العلّاف ، قالا : أنا عبد الملك بن محمّد بن بشران ، أنا أحمد بن إبراهيم الكندي ، أنا محمّد بن جعفر الخرائطي ، نا الحسين بن أيوب العكبراني ، نا أبو عبد الله بن أسباط ، حدّثني دعبل ، قال : كنت بالثغر فنودي بالنفير فخرجت مع الناس فإذا أنا بفتى يجرّ رمحه بين يدي ، فالتفتّ فنظر إليّ فقال لي : أنت دعبل؟ قلت : نعم ، قال : اسمع مني بيتين ، فأنشدني :

أنا في أمري رشاد

بين غزو وجهاد

بدني يغزو عدوي

والهوى يغزو فؤادي

ثم قال : كيف ترى؟ قلت جيد. قال : والله ما خرجت إلّا هاربا من الحب ، ثم (١) التقينا فكان أول قتيل (٢).

كتب إليّ أبو زكريا يحيى بن عبد الوهاب بن مندة ، وحدّثني أبو بكر اللفتواني عنه ، أنا عمي أبو القاسم ، عن أبيه أبي عبد الله ، قال : قال أنا أبو سعيد بن يونس : دعبل بن علي بن رزين بن عثمان بن عبد الله بن يزيد بن ورقاء الخزاعي من أهل قرقيسيا قدم مصر هاربا من المعتصم لهجو هجاه به وخرج منها إلى المغرب إلى الأغلب وكان يجالس بمصر جماعة من أهل الأدب منهم محمّد بن يحيى بن أبي المغيرة ، وكان محمّد بن يحيى بن أبي المغيرة يحكي عنه حكايات وإنشادات (٣).

أخبرنا أبو الحسن بن سعيد ، وأبو النجم بدر بن عبد الله ، قالا : قال : أنا أبو بكر الخطيب (٤) : دعبل بن علي بن رزين بن عثمان بن عبد الله بن بديل بن ورقاء. أبو علي الخزاعي الشاعر ، أصله من الكوفة ـ ويقال من قرقيسا ـ وكان ينتقل في البلاد ، وأقام ببغداد مدة ثم خرج منها هاربا من المعتصم لما هجاه ، وعاد إليها بعد ذلك ، وكان خبيث اللسان قبيح الهجاء ، وقد روي عنه أحاديث مسندة عن مالك بن أنس وعن غيره ، وكلها

__________________

(١) بالأصل «من» والمثبت عن بغية الطلب.

(٢) الخبر نقله ابن العديم في بغية الطلب ٧ / ٣٤٩٩.

(٣) المصدر السابق ص ٧ / ٣٥٢٨.

(٤) تاريخ بغداد ٨ / ٣٨٢ ـ ٣٨٣.

٢٤٨

باطلة ، نراها (١) من وضع ابن أخيه إسماعيل بن علي الدعبلي ، فإنها لا تعرف إلّا من جهته ، وروى عنه قصيدته التي أولها : مدارس آيات (٢) وغيرها من شعره ، أحمد بن القاسم أخو أبي الليث الفرائضي. وزعم أحمد بن القاسم أن دعبلا لقب واسمه الحسن ، وقال ابن أخيه : اسمه عبد الرّحمن ، وقال غيرهما : اسمه محمّد وكنيته أبو جعفر ، فالله أعلم.

قرأت على أبي محمّد السّلمي ، عن أبي نصر بن ماكولا ، قال (٣) : دعبل بن علي بن رزين بن سليمان بن نهشل ، وقيل بهنس بن خراش بن خالد بن عبد بن دعبل (٤) بن أنس بن خزيمة بن سلامان بن أسلم بن أفصى بن حارثة بن عمرو بن عامر مزيقيا ، شاعر محسن واسمه محمّد وكنيته أبو جعفر ، ودعبل لقب وهو البعير المسن.

ثم قال في موضع آخر (٥) : وأمّا دعبل أوله دال مهملة ثم عين ساكنة مهملة وباء معجمة بواحدة (٦) مكسورة فهو دعبل بن علي الخزاعي الشاعر المشهور ، روى عن مالك بن أنس وغيره ، روى عنه أخوه علي بن علي ، وله كتاب في الشعراء تقدم نسبته في حرف الباء (٧).

أخبرنا أبو الحسن بن سعيد ، ثنا وأبو النجم بدر بن عبد الله ، قال : أنا أبو بكر الخطيب (٨) ، أخبرني الأزهري ، نا أحمد بن إبراهيم بن الحسن ، قال : سمعت أبا بكر أحمد بن القاسم أخا أبي الليث يقول : كان دعبل بن علي أطروش (٩) ، وكان في قفاه

__________________

(١) الأصل يراها ، والمثبت عن تاريخ بغداد.

(٢) كذا ، والبيت في قصيدة رقمه ٣٠ وتمامه :

مدارس آيات خلت من تلاوة

ومنزل وحي مقفر العرصات

من قصيدة مطلعها :

تجاوبن بالإرنان والزفرات

نوائح عجم اللفظ والنطقات

ديوانه ط بيروت ص ١٢٤ و ١٣١.

(٣) الاكمال لابن ماكولا ١ / ٣٧٧ باب بهنس.

(٤) عن الاكمال وبالأصل خزعيل.

(٥) الاكمال لابن ماكولا ٤ / ٨٠.

(٦) الأصل : «واحدة» والمثبت عن الاكمال.

(٧) يعني في باب بهنس.

(٨) تاريخ بغداد ٨ / ٣٨٣.

(٩) كذا ، والأطروش : الأصم.

٢٤٩

سلعة ، وكان يجيء إلى علويّ وكان بالقرب منا قد سماه ، وعنده كان ينشدنا وأسمع منه.

أنبأنا أبو الحسن سعد الخير بن محمّد الأنصاري ، أنا أبو الحسين بن الطّيّوري ، أنا عبد العزيز بن علي الأزجي ، أنا أبو عبد الله الحسين بن محمّد بن عبيد العسكري ، نا أبو عبد الله إبراهيم بن محمّد بن عرفة النحوي ، أخبرني بعض أصحابنا عن أبي عبد الله بن أبي داود ، قال : استنشد المأمون يوما عبد الله بن طاهر بن الحسين من شعر دعبل بن علي قوله (١) :

سقيا ورعيا لأيام الصّبابات

أيام أرفل في أثواب لذّاتي

أيام غصني رطيب ، من لدونته

أصبو إلى غير كنّاتي وجاراتي (٢)

دع عنك ذكر زمان فات مطلبه

واقذف برجلك عن متن الجهالات

واقصد بكلّ مديح أنت قائله

نحو الهداة بني بيت الكرامات

فلما أتى على القصيدة قال المأمون : لله دره ما أغوصه وأنصفه وأنصفه وأوصفه ، ثم قال : إنه وجد والله مقالا فقال : ونال من بعيد ذكرهم ما من غيرهم لا ينال.

قرأت بخط أبي الحسن رشأ بن نظيف ، وأنبأنيه أبو القاسم علي بن إبراهيم ، وأبو الوحش سبيع بن المسلّم عنه ، نا أبو محمّد بن أحمد ، قال : أنشد الحسن بن إسماعيل المصري بها ، نا عبد العزيز بن محمّد بن إسحاق ، نا الحسين بن القاسم ، حدّثني محمّد بن أحمد ، قال : أنشد المأمون أبا دلف شعرا لدعبل قاله في بعض عبثاته (٣)(٤) :

وقائلة لما استمرت بها النوى

ومحجرها فيه دم ودموع

ترى (٥) لقض للسّفر الذين تحملوا

إلى بلد فيه الشجيّ رجيع

فقلت : ولم أملك سوابق عبرة (٦)

نطقن بما ضمت عليه ضلوع

__________________

(١) الأبيات في ديوانه ص ١٤٦ والأغاني ٢٠ / ١٥٢ ـ ١٥٣.

(٢) الديوان : جاراتي وكنات.

(٣) في بغية الطلب : غنياته.

(٤) الأبيات في ديوانه ٢٢٦ ـ ٢٢٧ وبغية الطلب ٧ / ٣٥٢٢ والأغاني ٢٠ / ١٥٣ وفيها باختلاف.

(٥) روايته في الديوان والأغاني :

ألم يأن للسفر الذين تحملوا

إلى وطن قبل الممات رجوع

(٦) الأصل : «غيره يطفن» والمثبت عن الديوان والأغاني.

٢٥٠

تبين (١) فكم دار تفرّق شملها

وشمل شتيت عاد وهو جميع

كذاك الليالي صرفهنّ كما ترى

لكلّ أناس جدبة وربيع

قال : ثم قال : يا قاسم ما عزمت على سفر قط إلّا هيأت هذه الأبيات مخاطبة لي ، ونصبا بين عيني رعدة في أوبتي ومسلية لي في فرقتي ، أن الفهم إذا فهم المعنى استحسنه ، والمستغلق إذا لم يفهمه استبرمه.

أخبرنا أبو سعد محمّد بن أحمد بن محمّد بن الخليل الطوسي بنوقان (٢) ، نا أبو بكر أحمد بن علي بن عبد الله بن خلف (٣) قال انشدونا لدعبل (٤) :

لا تعجبي يا هند (٥) من رجل

ضحك المشيب برأسه فبكا

لا تأخذوا بظلامتي أحدا

عيني وقلبي (٦) في دمي اشتركا

كذا قال يا هند ، والمحفوظ : يا سلم.

أخبرنا أبو الحسن بن سعيد ، نا وأبو النجم بدر بن عبد الله أنبأ أبو بكر الخطيب (٧) ، أنبأ الحسن بن أبي بكر ، أنبأ أبو جعفر أحمد بن يعقوب بن يوسف الأصبهاني ، أنشدنا أبو طالب الدعبلي ، أنشدنا علي بن الجهم ـ وليست له ـ وجعل يعيدها ويستحسنها :

لما رأت شيبا يلوح بمفرقي

صدّت صدود مفارق متجمّل

فظللت أطلب وصلها بتذلّل

والشيب يغمزها بأن لا تفعلي

قال أبو طالب : ومن أحسن ما قيل في هذا قول جدي :

لا تعجبي يا سلم من رجل

ضحك المشيب برأسه فبكا

أين الشباب وأية سلكا

لا أين يطلب؟ ضلّ بل هلكا

__________________

(١) عن الديوان والأغاني ، وبالأصل : تان.

(٢) نوقان إحدى مدينتي طوس.

(٣) ترجمته في سير الأعلام ١٨ / ٤٧٨.

(٤) البيتان في ديوانه ص ٢٤٩ وبغية الطلب ٧ / ٣٥٠٧ و ٣٥٢٠ والأول في الأغاني ٢٠ / ١٥٣.

(٥) ديوانه : «يا سلم» وسينبه المصنف إلى هذا.

(٦) ديوانه : لا تأخذا .. قلبي وطرفي.

(٧) الخبر والشعر في تاريخ بغداد ٨ / ٣٨٤.

٢٥١

لا تأخذي بظلامتي أحدا

طرفي وقلبي في دمي اشتركا

قال : وقرأت على الحسن بن علي الجوهري ، عن أبي عبيد الله المرزباني ، أخبرني محمّد بن يحيى ، نا محمّد بن يزيد النحوي ، قال : حدّثني من سمع دعبلا يقول : أنشدت أبا نواس شعري :

أين الشباب وأيّة سلكا

لا أين يطلب [ضل](١) بل هلكا

لا تعجبي يا سلم من رجل

ضحك المشيب برأسه فبكا

فقال : أحسنت ملء فيك وأسماعنا قال : وكان والله فصيحا.

أخبرنا خالي أبو المعالي محمّد بن يحيى القاضي ، أنبأ سهل بن بشر ، أنبأ محمّد بن الحسين بن أحمد بن السري ، أنا الحسن بن رشيق ، نا يموت بن المزرّع نا أبو هفّان قال : أنشدني دعبل لنفسه (٢) :

وداعك مثل وداع الحياة (٣)

وفقدك مثل افتقاد الدّيم

عليك السلام فكم من وفاء

أفارق منك ، وكم من كرم

فقلت له : قد أحسنت غير أنك سرقت البيت الأول [من](٤) الربعيين. النصف الأول من القطامي :

ما للكواعب ودعن الحياة بأن

ودعيني واتّخذن الشيب ميعادي

والنصف الثاني من ابن بجرة حيث يقول :

عليك سلام الله وقفا فإنني

أرى الموت وقاعا بكلّ شريف (٥)

فقال لي : بل الطائي والله سرق هذا البيت بأسره من ابن بجرة في قصيدته التي تعرف بالمسروقة رثى بها محمّد بن حميد الطوسي وأولها :

__________________

(١) زيادة للوزن عن الديوان ص ٢٤٩ وتاريخ بغداد ٨ / ٣٨٥.

(٢) البيتان في ديوانه ص ٢٨٦ قالها في الوداع.

(٣) الديوان : الربيع.

(٤) الزيادة عن بغية الطلب ٧ / ٣٥٢٥.

(٥) البيت في بغية الطلب ٧ / ٣٥٢٦ وانظر تخريجه في مختصر ابن منظور ٨ / ١٧٥.

٢٥٢

كذا فليجلّ الخطب أو يقدح الأمر

وليس لعين لم ينص ماؤها عذر (١)

إلى قوله :

عليك سلام الله وقفا فإنني

رأيت الكريم الحرّ ليس له عمر (٢)

أخبرنا أبو بكر محمّد بن الحسين ، أنبأ أبو منصور محمّد بن محمّد بن أحمد بن الحسين العكبري ، أنا أبو الحسن أحمد بن محمّد بن الصلت ، نا أبو الفرج علي بن الحسين بن محمّد الأصبهاني (٣) ، أخبرني محمّد بن يزيد ، حدّثني الحسين بن دعبل بن علي الخزاعي ، حدّثني أبي قال : بينا أنا جالس على باب دار كنت أنزلها في الكرخ إذ مرت بي غصن جارية بن الأحدب وكانت شاعرة مغنية يبلغني خبرها ، ولم أكن شاهدتها فرأيت وجها جميلا وقدا حسنا ، وقواما وشكلا ، وهي تخطر في مشيتها وينظر في أعطافها فقلت لها :

دموع عيني بها انبساط

ونوم عيني به انقباض

فقالت مسرعة :

ذاك قليل لمن دهته

بلحظها الأعين المراض

فقلت :

فهل لمولاتي عطف قلب

أم للذي في الحشاء انقراض

فقالت :

إن كنت تهوى الوداد منا

فالودّ في ديننا قراض

فما دخل أذني كلام أحلى من كلامها ، ولا رأت [عيني](٤) أنضر وجها منها ، فعدلت بها عن ذلك الروي فقلت :

أترى الزمان يسرّنا بتلاق

ويضم مشتاقا إلى مشتاق

__________________

(١) البيت من قصيدة لأبي تمام الطائي ديوانه ص ٣٥٥ وروايته :

كذا فليجلّ الخطب وليفدح الأمر

فليس لعين لم يفض ...

(٢) ديوانه ص ٣٥٧.

(٣) الخبر والشعر في الأغاني ١٩ / ٤٧ ـ ٤٨ في أخبار مسلم بن الوليد ، وبغية الطلب ٧ / ٣٥٢٦ ـ ٣٥٢٧.

(٤) الزيادة عن بغية الطلب ، وفي الأغاني : ولا رأيت أنضر.

٢٥٣

فقالت :

ما للزمان يقال فيه وإنما (١)

أنت الزمان فسرّنا بتلاق

أخبرنا أبو العز أحمد بن عبيد الله ـ إذنا ومناولة ، وقرأ عليّ إسناده ـ أنبأ أبو علي محمّد بن الحسين ، أنا المعافا بن زكريا (٢) ، نا محمّد بن يحيى الصولي ، نا عون (٣) بن محمّد ، قال : قال دعبل لإبراهيم بن العباس : أريد أن أصحبك إلى خراسان ، فقال له إبراهيم : حبذا أنت صاحبا مصحوبا ، إن كنا على شريطة بشار قال : وما شريطة بشار (٤) قال قوله

أخ خير من آخيت أحمل ثقله

ويحمل عني حين يفدحني ثقلي

أخ إن نبا دهر به كنت دونه

وإن كان كون كان لي ثقة مثلي

أخ ما له لي لست أرهب بخله

وما لي له لا ترهب الدهر من بخلي

قال : ذلك لك ومزية فاصطحبا.

كتب إليّ أبو نصر عبد الرحيم بن عبد الكريم ، أنا أبو بكر البيهقي ، أنا أبو عبد الله الحافظ ، أنشدنا أبو عمرو الزردي ، وهو أحمد بن محمّد بن عبد الله الأديب الإسفرايني ـ والزرد (٥) : قرية من قرى أسفراين ، قال : أنشدني بعض الأدباء لدعبل بن علي الخزاعي (٦)

العلم ينهض بالخسيس إلى العلى

والجهل يقعد بالفتى المنسوب

وإذا الفتى نال العلوم بفهمه

وأعين بالتشذيب والتهذيب

جرت الأمور له فبرّز سابقا

في كل محضر مشهد ومغيب (٧)

__________________

(١) الأغاني : ما للزمان وللتحكم بيننا.

(٢) الخبر في الجليس الصالح الكافي ٢ / ٣٦٥ ونقله عن المعافي ابن العديم في بغية الطلب ٧ / ٣٥١٩ ـ ٣٥٢٠.

(٣) الجليس الصالح : عوف.

(٤) عن الجليس الصالح وبالأصل : «يسار».

(٥) قيدها ياقوت بفتح أوله وسكون ثانيه ودال مهملة ، ومعناها بالفارسية الأصفر. من قرى أسفرايين من أعمال نيسابور.

(٦) الأبيات في ديوانه ص ١١٧ قالها في العلم.

(٧) الأصل : «ومعيب» والصواب عن الديوان.

٢٥٤

أخبرنا أبو العز بن كادش ، أنبأ أبو يعلى ، أنبأ أبو يعلى بن الفراء ، أنبأ أبو القاسم إسماعيل بن سعيد بن إسماعيل بن محمّد بن سويد المعدّل ، نا أبو علي الحسين بن القاسم بن جعفر الكوكبي ، أنشدنا أبو العباس المبرّد لدعبل (١) :

أخ لك عاداه الزمان فأصبحت

مذمّمة فيما لديه العواقب

متى ما تحذره (٢) التجارب صاحبا

من الناس تردده إليك التجارب

قرأت على أبي القاسم زاهر بن طاهر ، عن أبي بكر البيهقي ، أنا أبو عبد الله الحافظ ، نا أبو زكريا يحيى بن محمّد العنبري ، قال (٣) : كان علي بن القاسم الخوافي مدح أبا عمرو أحمد بن نصر ، وتردد إليه بعد أن مدحه ، ولم يخرج الجواب كما أحبّه ، فكتب إليه رقعة يقول فيها : قال علي بن الجهم في مثل ما نحن فيه (٤) :

يا من يوقّع «لا» في قصتي أبدا

ما ذا يضرّك لو وقّعت لي «نعما»

وقّع «نعم» ثم تنوي الوفاء بها

إن كنت من قوله باللفظ محتشما

أولا فوقع «عسى» كيما تعلّلني

فإن قولك «لا» يبكي العيون دما

قال : وكتب في رقعته : ومن أحسن ما يذكر لعبد الله بن طاهر :

افعل الخير ما استطعت وإن

كان قليلا فلن تحيط بكلّه

ومتى تفعل الكثير من الخير

إذا كنت تاركا لأقلّه

قال : وكتب في رقعته أن دعبل بن علي كتب في رقعة إلى عبد الله بن طاهر (٥) :

ما ذا أقول إذا انصرفت وقيل لي

ما ذا أخذت من الجواد المفضل (٦)

إن قلت : أعطاني ، كذبت وإن أقل

ضن الأمير بماله لم يجمل (٧)

__________________

(١) البيتان في ديوانه ص ١٠٤ قالهما في الاخوان.

(٢) الديوان : تذوقه.

(٣) الخبر نقله ابن العديم في بغية الطلب ٧ / ٣٥٢٧ ـ ٣٥٢٨.

(٤) الأبيات ليست في ديوان علي بن الجهم ، وهي في بغية الطلب.

(٥) الأبيات في ديوانه ص ٢٦٧ وانظر تخريجها فيه ، ونقلها ابن العديم ٧ / ٣٥٢٨.

(٦) روايته في الديوان :

ما ذا أقول إذا أتيت معاشري

صفرا يداي من الجواد المجزل

(٧) أثبت عجزه عن الديوان ، وبالأصل : «من الحق ادعى له لمن يحمل».

٢٥٥

فاحتل لنفسك كيف شئت فإنني

لا بدّ مخبرهم ، وإن لم أسأل

أخبرنا أبو الحسن بن سعيد ، ثنا وأبو النجم الشّيحي (١) ، أنا أبو بكر الخطيب (٢) ، أخبرني القاضي أبو الطيب طاهر بن عبد الله الطبري ، أنا المعافا بن زكريا ، نا أحمد بن إبراهيم الطبري ، حدّثني محمّد بن يحيى الحنفي ، حدّثني أبو كعب الخزاعي ، قال : وفد دعبل بن علي الخزاعي إلى عبد الله بن طاهر فلما وصل إليه قام تلقاء وجهه ثم أنشأ يقول (٣)

أتيت مستشفعا بلا سبب

إليك إلّا بحرمة الأدب

فاقض ذمامي فإنني رجل

غير ملحّ عليك في الطلب

فانتعل عبد الله ودخل [إلى الحرم](٤) ، ووجه إليه برقعة معها ستون (٥) ألف درهم ، وفي الرقعة بيتان فكانا (٦) :

أعجلتنا فأتاك أول (٧) برّنا

قلّا ولو أخرته لم يقلل

فخذ القليل فكن كمن (٨) لم يقبل

ونكون نحن كأننا لم نفعل

أخبرنا أبو عبد الله محمّد بن المفضل بن يسار الدهان بهراة ، أنا أبو سهل يحيى بن ميمون بن سهل بن علي الواسطي ، أنا أبو علي منصور بن عبد الله بن خالد بن أحمد بن خالد الخالدي ، أنشدني إسماعيل بن علي بن علي الدعبلي ، أنشدني أبي ، أنشدني أخي دعبل بن علي (٩) :

هدايا الناس بعضهم لبعض

تولّد في قلوبهم الوصالا

وتوزع في الضمير هوى وودّا

وتكسوهم إذا حضروا جمالا

__________________

(١) بالأصل : «الشيخي» والصواب ما أثبت نسبة إلى شيخة ، من قرى حلب.

(٢) الخبر في تاريخ بغداد ٨ / ٣٨٤ ونقله ابن العديم في بغية الطلب ٧ / ٣٥٢٣.

(٣) ديوانه ص ١١٩ وتخريجهما فيه.

(٤) الزيادة عن الأغاني ٢٠ / ١٨٤.

(٥) في الأغاني : «ألف درهم» فقط.

(٦) البيتان في الأغاني ٢٠ / ١٨٤.

(٧) في الأغاني :

عاجل برنا

ولو انتظرت كثيرة لم يقلل.

(٨) الأغاني : كأنك لم تسل.

(٩) ديوانه ص ٢٦٠ قالهما في الهدايا وتأثيرها في الناس.

٢٥٦

قال : وأنشدني دعبل بن علي (١) :

أرى منا قريبا بيت زور

وزور لا يزور ولا يزار

ولا يهدي ولا يهدى إليه

وليس كذاك في العرب الحوار

قرأت بخط أبي الحسن رشأ بن نظيف ، وأنبأنيه أبو القاسم علي بن إبراهيم العلوي ، وأبو الوحش المقرئ عنه ، أنا أبو الفتح إبراهيم بن علي بن إبراهيم سيبخت ، نا أبو بكر محمّد بن يحيى بن العباس الصولي ، أنشدني ثعلب ، قال : أنشدني أبو عمرو الشيباني ، أنشدني عمرو بن عثمان لدعبل بن علي الخزاعي (٢) :

أهملته حين لم أملك مقادته

ثمّ انقبضت بودي عنه وانقبضا

وقلت للنفس : عدّيه فتى (٣) نزحت

به النوى أو من القرن الذي انقرضا

فما بكيت عليه حين فارقني

ولا وجدت له بين الحشا مضضا

قال رشأ : وأخبرني أبو الحسن عبد الرّحمن بن أحمد بن معاذ ، أنبأ أبو العباس أحمد بن محمّد الكاتب ، أنا أبو الطيب محمّد بن إسحاق بن يحيى بن الوشّاء النحوي ، قال : وقال دعبل بن علي :

كيف اختيالي لبسط الضيف من حصر

عند الطعام فقد ضاقت به حيلي

أخاف يزداد قولي : كل ، فأحشمه

والكفّ يحمله مني على البخل (٤)

أخبرنا أبو القاسم علي بن إبراهيم العلوي ، أنبأ رشأ بن نظيف ، أنا الحسن بن إسماعيل ، أنبأ أحمد بن مروان ، قال : سمعت ابن قتيبة يقول (٥) : سمعت دعبلا يقول : أدخلت على المعتصم فقال لي : يا عدو الله أنت الذي يقول في بني العباس إنهم في الكتب سبعة وأمر بضرب عنقي ، وما كان في المجلس إلّا من كان عدوا لي وأشدهم

__________________

(١) ديوانه ص ١٨٨.

(٢) الأبيات في ديوانه ص ٢١٦ ـ ٢١٧.

(٣) بالأصل : «عدبه» والمثبت عن الديوان ، «وفتى» عن الديوان وبالأصل مهملة وغير مقروءة ورسمها «سى».

(٤) البيتان ليسا في ديوانه ط بيروت دار الكتاب اللبناني.

(٥) الخبر نقله ابن العديم في بغية الطلب ٧ / ٣٥١٩.

٢٥٧

عليّ بن شكلة فقام قائما فقال : يا أمير المؤمنين : أنا الذي قلت هذا ونميته إلى دعبل فقال له : وما أردت بهذا؟ قال : لما يعلم بيني وبينه من العداوة فأردت أن أشيط بدمه ، قال : فقال : أطلقوه ، فلما كان بعد مدة قال لابن شكلة : سألتك بالله أنت الذي قلته؟ فقال : لا والله يا أمير المؤمنين وما نظرة أنظر أبغض إليّ من دعبل ، فقال له : فما الذي أردت بهذا؟ قال : علم أن ماله في المجلس عدو أعدى مني (١) فنظر إليّ بعين العداوة ونظرت إليه بعين الرحمة ، قال : فجزاه خيرا أو نحو ذلك.

أنبأنا أبو الفرج غيث بن علي وقرأته من خطه ، أنبأ أبو بكر أحمد بن علي الخطيب بقراءتي عليه ، أنبأ أبو علي الحسن بن علي بن عبد الله المقرئ العطار ، أنبأ أبو الحسن محمّد بن جعفر التميمي الكوفي المعروف بابن النجار ، أنبأ أبو بكر بن الأنباري قراءة ، ثنا أبي قال : قرأت على أبي جعفر أحمد بن عبيد (٢) ، قال : قال ضبّي (٣) وهو أحمد بن عبد الله راوية كلثوم بن عمرو العتّابي ، وكان سميرا لعبد الله بن طاهر : إن عبد الله بن طاهر بينا هو معه ذات ليلة إذ تذاكرا (٤) الأدب وأهله وشعراء الجاهلية والإسلام إلى أن صار إلى المحدثين فذكرا دعبل بن علي الخزاعي ، فقال له عبد الله بن طاهر : ويحك يا ضبّيّ (٥) إني أريد أن أوعز إليك بشيء تستره عليّ أيام حياتي ، قال : قلت : أصلح الله الأمير أنا عبدك وأنا عندك في موضع تهمة؟ فقال : لا ولكن أطيب لنفسي أن توثق لي بالأيمان لأركن إليها ، ويسكن قلبي عندها فأخبرك ، قال : قلت : أصلح الله الأمير إن كنت عندك في هذه الحال فلا حاجة بك إلى إفشاء سرك إليّ واستعفيته مرارا فلم يعفني فاستحييت من مراجعته فقلت : ليرى الأمير رأيه ، فقال : يا ضبّي (٦) ، قل والله ، فقلت : والله فأمرها عليّ غموسا ووكدها بالبيعة والطلاق وكلما يحلف به مسلم ، ثم قال : ويحك يا ضبّي (٧) أشعرت أني أظن أن دعبلا مدخول النسب ، وأمسك. قال : قلت : أصلح الله الأمير أفي هذا أخذت عليّ الأيمان والعهود والمواثيق؟ قال : أي والله ، قلت : ولم ذاك؟ قال : لأني رجل لي في نفسي حاجة ، ودعبل رجل قد حمل جذعه على عنقه ولا يجد من يصلبه عليه فأتخوف إن بلغه أن يلقي عليّ من الخزي

__________________

(١) بالأصل : في المجلس «عداوتي» والمثبت عن ابن العديم.

(٢) الخبر بطوله نقله ابن العديم في بغية الطلب ٧ / ٣٥٠٥ الأغاني ٢٠ / ١٧٨ وما بعدها.

(٣) بغية الطلب : «صيني» خطأ والصواب ما أثبت واسمه : محمّد بن موسى الضبي.

(٤) بالأصل : «تذاكر» والمثبت عن ابن العديم ، وفي الأغاني : يذاكرنا.

(٥) بغية الطلب : «صيني» خطأ والصواب ما أثبت واسمه : محمّد بن موسى الضبي.

(٦) بغية الطلب : «صيني» خطأ والصواب ما أثبت واسمه : محمّد بن موسى الضبي.

(٧) بغية الطلب : «صيني» خطأ والصواب ما أثبت واسمه : محمّد بن موسى الضبي.

٢٥٨

ما يبقى عليّ الدهر ، وقصاراي (١) إن أنا ظفرت به وأمكنني ذلك وأسلمته اليمن ، وما أراها تسلمه لأنه لسانها وشاعرها والذابّ عنها والمحامي دونها أن أضربه مائة سوط وأثقله حديدا وأصيره فيّ مطبق (٢) باب الشام وليس فيّ ذلك عوضا مما سار فيّ من الهجاء ، وفي عقبي من بعدي.

قلت : أتراه كان يفعل ويقدم عليك؟ قال : يا عاجز أهون عليه مما لم تكن تراه أقدم على سيدي هارون ومولاي المأمون وعلى أبي نضر الله وجهه ولم يكن يقدم علي؟ قال : قلت : إذا كان الأمر على ما وصف الأمير فقد وفق فيما أخذ عليّ قال : وكان دعبل لي صديقا فقلت : هذا قد عرفته ولكن من أين؟ قال الأمير : إنه مدخول النسب فو الله لعلمته في البيت الرفيع من خزاعة وما أعلم فيها بيتا أكرم من بيته إلّا بيت أهبان مكلم الذئب وهم بنو عمه دنية.

قال : ويحك كان دعبل غلاما خاملا أيام ترعرع لا يؤبه له ، وكان خلّه لا يدرك بقله ، وكان بينه وبين مسلم بن الوليد إزار لا يملكان غيره شيئا ، فإذا أراد دعبل الخروج جلس مسلم بن الوليد في البيت عاريا وإذا أراد الخروج فعل دعبل مثل ذلك ، وكانا إذا اجتمعا لدعوة يتلاصقان يطرح هذا شيئا منه عليه والآخر الباقي ، وكانا يعبثان بالشعر إلى أن قال دعبل بن علي هذا الشعر (٣) :

أين الشباب وأيّة سلكا

لا ، أين يطلب؟ ضلّ بل هلكا

لا تعجبي يا سلم من رجل

ضحك الشيب برأسه فبكا

قصر الغواية عن هوى قمر

وجد السبيل إليه مشتركا

وغدا بأخرى عزج مطلبها

صبّا يطامن دونها الحسكا

يا ليت شعري كيف نومكما

يا صاحبيّ إذا دمي سفكا

لا تأخذا بظلامتي أحدا

قلبي فطر في دمي اشتركا

إلى آخرها (٤) قال : فثقف أوله بعض المغنين فغنّى به هارون الرشيد فاستحسنه جدا واستجاد قوله :

__________________

(١) بالأصل : «قصاياي» والمثبت عن بغية الطلب.

(٢) المطبق : السجن تحت الأرض.

(٣) الشعر في ديوانه ص ٢٤٩ وقد تقدم بعضه قريبا.

(٤) كذا ولم يذكر غيرها في ديوانه.

٢٥٩

ضحك المشيب برأسه فبكا

فقال للمغني : لمن هذا الشعر ويحك؟ قال : لبعض أحداث خزاعة ممن لا يؤبه له يا أمير المؤمنين ، قال : ومن هو؟ قال : دعبل بن علي الخزاعي ، قال : يا غلام أحضرني عشرة آلاف درهم وحلّة من حللي ومركبا من مراكبي خاصة يشبه هذا ، فأحضر ما أمره ، قال : ادع لي فلانا فدعاه له ، فقال له : اذهب بهذا حتى توصله إلى دعبل ، وأجاز المغني بجائزة عظيمة ، وتقدم إلى الرجل الذي بعثه إلى دعبل أن يعرض عليه المصير إلى هارون فإن صار وإلّا أعفاه من ذلك ، فانطلق الرسول حتى أتى دعبلا في منزله ، وخبره كيف كان السبب في ذكره ، وأشار عليه بالمصير إليه قال : فانطلق دعبل معه فلما مثل بين يديه سلّم فرد عليه هارون السلام وقرّبه ورحّب به حتى سكن رعبه ، واستنشده الشعر فأنشده وأعجب به وأقام عنده يمتدحه ، وأجرى عليه الرشيد أجزل جراية وأسناها ، وكان الرشيد أول من ضرّاه (١) على قول الشعر وبعثه عليه فو الله ما كان إلّا بعد ما غيّب هارون في حفرته إذ أنشأ يمتدح آل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ويهجو الرشيد فمن ذلك قوله (٢) :

وليس حيّ من الأحياء يعرفه (٣)

من ذي يمان ولا بكر ولا مضر

إلّا وهم شركاء في دمائهم

كما يشارك أيسار على جزر

قتل وأسر وتحريق ومنهبة (٤)

فعل الغزاة بأهل الروم والخزر

أرى أمية معذورين إن قتلوا

ولا أرى لبني العباس من عذر

أبناء حرب (٥) ومروان وأسرتهم

بنو معيط ولاة الحقد والوغر

قوم قتلتم على الإسلام أولهم

حتى إذا استمكنوا جازوا على الكفر

أربع بطوس على القبر الزكي به

إن كنت تربع من دين على وطر

قبران في طوس : خير الناس كلهم

وقبر شرّهم ، هذا من العبر

ما ينفع النجس (٦) من قرب الزكيّ ولا

على الزكي بقرب النجس (٧) من ضرر

__________________

(١) ضراه : عوّده ، وفي الأغاني : حرّضه.

(٢) الأبيات من قصيدة في ديوانه ص ١٩٧ والأغاني ٢٠ / ١٨٠ وابن العديم ٧ / ٣٥٠٨.

(٣) الديوان والأغاني : نعلمه.

(٤) الألفاظ الأربع في الديوان منصوبة.

(٥) الأصل : «حرث» والمثبت عن الديوان.

(٦) في الديوان والأغاني : «الرجس» وفي ابن العديم : النحس.

وبالأصل «بقرت» والمثبت : «بقرب» عن المصادر المذكورة.

(٧) في الديوان والأغاني : «الرجس» وفي ابن العديم : النحس.

وبالأصل «بقرت» والمثبت : «بقرب» عن المصادر المذكورة.

٢٦٠