تاريخ مدينة دمشق - ج ١٧

أبي القاسم علي بن الحسن ابن هبة الله بن عبد الله الشافعي [ ابن عساكر ]

تاريخ مدينة دمشق - ج ١٧

المؤلف:

أبي القاسم علي بن الحسن ابن هبة الله بن عبد الله الشافعي [ ابن عساكر ]


المحقق: علي شيري
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٧٠
الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٢ الجزء ٣٣ الجزء ٣٤ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١ الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠

وأنبأنا أبو الفضائل ، وأبو تراب ، قالا : نا أبو بكر ، أنا أبو الحسن ، أنا عثمان ، وأحمد ، فالا : أنا الحسن ، أنا إسماعيل ، قال : وأنا إسحاق عن عبد الله بن زياد بن سمعان ، قال : بلغني عن بعض مؤمني أهل الكتاب أن ذا القرنين عاش ثلاثة آلاف (١) سنة وذلك انه ولد بالروم حين تولّى (٢) سام الروم فكان هو من القرن الأول ، والله أعلم.

وبلغني من وجه آخر : أن ذا القرنين مات وله ست وثلاثون سنة ، وقيل اثنتان وثلاثون ، وبلغني أن من ملك داود إلى ملك الاسكندر سبع مائة وأربعون سنة ، ومن آدم إلى ملك الإسكندر خمسة آلاف ومائة وإحدى وثمانون سنة ، وكان ملك الإسكندر ست عشرة سنة (٣).

٢١٠٧ ـ ذو القرنين بن ناصر الدولة أبي محمّد الحسن

ابن عبد الله بن حمدان

أبو المطاع التغلبي المعروف بوجيه الدولة الشاعر (٤)

كان أديبا فاضلا شاعرا سائسا مدبرا ولي إمرة دمشق بعد لؤلؤ البشراوي (٥) في سنة إحدى وأربعمائة.

حدّثنا أبو الحسن علي بن المسلّم الفرضي ، قال : دفع إليّ مجير الكتامي ـ شيخ من جند المصريين ـ ورقة فيها أسماء الولاة بدمشق فكان فيها : ثم ولي الأمير أبو المطاوع بن حمدان سنة اثنتين وأربع مائة ، ثم ولي وجيه الدولة ابن حمدان سنة اثنتي عشرة ، ثم ولي ابن حمدان ولايته الثالثة سنة ست عشرة.

__________________

(١) البداية والنهاية ٢ / ١٢٩.

(٢) في مختصر ابن منظور : نزل شام الروم.

(٣) نقل الخبر ابن كثير في البداية والنهاية ٢ / ١٢٩ نقلا عن ابن عساكر ، وفي مروج الذهب : مات ابن ست وثلاثين سنة وكان عمره لما ملك إحدى وعشرين سنة وكان ملكه خمس عشرة سنة.

وفي الطبري : مات في طريقه بشهرزور ، وكان عمره ستا وثلاثين سنة في قول بعضهم ، وحمل إلى أمّه بالإسكندرية.

قال : وأما الفرس فتزعم أن ملك الإسكندر كان أربع عشرة سنة.

(٤) ترجمته في وفيات الأعيان ٢ / ٤٤ معجم الأدباء ١١ / ١١٩ النجوم الزاهرة ٥ / ٢٧ الوافي بالوفيات ١٤ / ٤٢ سير الأعلام ١٧ / ٥١٦ و ٥٣٧.

(٥) عن الوافي ومختصر ابن منظور : «البشراوي» وسيأتي صوابا ، وبالأصل البشهاوي.

٣٦١

قال : أنا أبو محمّد بن الأكفاني ، وفي يوم عيد النحر وهو يوم الجمعة على العدد سنة إحدى وأربعمائة بعد صلاة العيد وصل السجل من مصر إلى الأمير أبي المطاع ذي القرنين بن ناصر الدولة بن حمدان بولاية دمشق وتدبير العساكر ، وخلع عليه وقرأ الشريف القاضي الحسيني النصيبي السجل ، وعزل لؤلؤ البشراوي ، فكان جميع ما أقام واليا ستة أشهر وثلاثة أيام ، وسير الأمير أبو المطاع الأمير لؤلؤا مقيدا في يوم السبت لثمان بقين من ذي الحجة سنة إحدى وأربعمائة إلى مصر ، وورد الأمير لؤلؤ البشراوي الملقب بمنتخب الدولة على يد ابن الأمير أبي المطاع ثم عزله عنها بمحمّد بن نزال (١) في جمادى الأولى سنة اثنتين وأربعمائة ، ثم ولي الأمير أبو المطاع دمشق مرة أخرى في صفر سنة اثنتي عشرة وأربعمائة الملقب بالظاهر بعد ولي العهد ، ثم ولي بعده سختطين (٢) وعزل عنها في جمادى الآخرة سنة اثنتي عشرة وأربعمائة ، ووليها مرة ثالثة في يوم الأربعاء لتسع خلون من شهر ربيع الأول سنة خمس عشرة ، ويقال في شهر ربيع الآخر سنة ست عشرة وأربعمائة إلى أن عزل عنها في سنة تسع عشرة بالدّزبري (٣).

قرأت بخط أبي محمّد بن الأكفاني مما نقله من خط عبد الوهاب الميداني وجاءت الولاية إلى ذي القرنين بن حمدان وكان شاعرا ولقب بوجيه الدولة وبرز إلى المزّة يوم السبت لست خلون من جمادى الآخرة من سنة اثنتي عشرة وأربعمائة ، وسار في عد هذا اليوم ـ يعني معزولا ـ إلى مصر ، وقدم وجيه الدولة يوم الأربعاء لتسع خلون من شهر ربيع الأول سنة خمس عشرة فنزل في المزّة ودخل في عد هذا اليوم يوم الخميس لعشر خلون من شهر ربيع الأول فنزل في القصر.

أخبرنا أبو العز أحمد بن عبيد الله السلمي ، أنا أبو محمّد الجوهري ، قال : أنشدني الأمير أبو المطاع بن ناصر الدولة (٤) :

لو كنت أملك صبرا أنت تملكه

عني لجازيت منك التيه بالصلف

وبتّ تضمر وجدا بتّ أضمره

جزيتني كلفا عن شدة الكلف

تعمّد الرفق بي يا حبّ محتسبا

فليس يبعد ما تهواه من تلفي

__________________

(١) وفي سير الأعلام : ابن بزّال.

(٢) الوافي وسير الأعلام : سختكين.

(٣) مهملة بالأصل بدون نقط ، ورسمها وإعجامها مضطربان في م والمثبت عن الوافي وسير الأعلام.

(٤) الأبيات في الوافي بالوفيات ١٤ / ٤٣.

٣٦٢

قال : وأنشدني أبو المطاع لنفسه (١) :

لو كنت ساعة بيننا ما بيننا

وشهدت حين نكرر (٢) التوديعا

أيقنت أن من الدموع محدثا

وعلمت أنّ من الحديث دموعا

قال : وأنشدني أبو المطاع لنفسه (٣) :

ومفارق ودّعت عند فراقه

ودّعت صبري عنه في توديعه

ورأيت منه مثل لؤلؤ عقده

من ثغره وحديثه ودموعه

أنشدنا أبو الحسين أحمد بن محمّد بن محمّد الفقيه السمناني المعروف بالعالم سمنان ، قال : أنشدنا أبو سعيد عبد الواحد بن عبد الكريم ، أنشدنا الشريف أبو الحسن عمران بن موسى المغربي لأمير أبي المطاع (٤) :

أفدي الذي زرته بالسيف مشتملا

ولحظ عينيه أمضى من مضاربه

فما خلعت نجادي للعناق له

حتى (٥) لبست نجادا من ذوائبه

فبات أسعدنا في نيل بغيته

من كان في الحب أشقانا بصاحبه

أنشدنا أبو شجاع ناصر بن محمّد بن أحمد بن محمّد النوقاني القاضي بها ، أنشدنا الإمام أبو سعيد عبد الواحد بن عبد الكريم إملاء بنيسابور ، أنشدنا الشريف أبو الحسن عمران بن موسى المغربي ، قال : كتب ابن أخي الأمير أبي المطاع بن حمدان إليه لا أحب مخاطبتك ولا مكاتبتك فقال (٦) :

يا غانيا عن خلّتي

أنا عنك إن فكرت أغنا

إنّ التقاطع والعقوق

هما أزالا الملك عنا

وأظن أن لن يتركا

في الأرض مؤتلفين منا

يفنى الذي وقع التنازع

بيننا فيه ونفنى (٧)

__________________

(١) الوافي ١٤ / ٤٢ ومعجم الأدباء ١١ / ١٢٠ وسير الأعلام ١٧ / ٥٣٧.

(٢) تقرأ بالأصل : «تكدر» والمثبت عن المصادر السابقة.

(٣) البيتان في الوافي ١٤ / ٤٢.

(٤) الأبيات في معجم الأدباء ١١ / ١٢١ وسير الأعلام ١٧ / ٥٣٧ والأول والثاني في الوالي ١٤ / ٤٥.

(٥) سير الأعلام : «إلّا لبست» والنجاد : علاقة السيف.

(٦) الأبيات ما عدا الأول في معجم الأدباء ١١ / ١٢٠.

(٧) الأصل : ويفنا.

٣٦٣

ووجدت هذه الأبيات من غير هذه الرواية لوجيه الدولة على غير هذا الوجه :

يا من أقام على الصدود

لغير جرم كان منا

أخطر بقلبك عند ذكرك

كيف نحن وكيف كنا

لم يغن عني صاحب

إلّا وعنه كنت أغنا

وإذا أساء فلست أحمل

في الضمير عليه ضغنا

يفنى الذي وقع التنازع

بيننا فيه ونفنى (١)

أخبرنا أبو القاسم الحسين بن الحسن بن محمّد ، أنبأ أبو الفرج سهل بن بشر بن أحمد ، أنبأ أبو الحسن علي بن عبيد الله الهمداني إجازة ، قال لوجيه الدولة ذي القرنين وأجاز لي أن أرويه عنه (٢) :

بأبي من هويته فافترقنا

وقضى الله بعد ذلك اجتماعا

وافترقنا حولا فلما التقينا (٣)

كان تسليمه عليّ وداعا

وله (٤) :

من كان يرضى بذلّ في ولايته

خوف الزوال فإني لست بالراضي

قالوا : فتركب أحيانا ، فقلت لهم :

تحت الصليب ولا في موكب القاضي

ومن مستحسن شعره قوله (٥) :

موعدي بالبين ظنّا

أنني بالبين أشقى

ما أرى بين مماتي

وفراقي لك فرقا

لا تهددني ببين

لست منه أتوقّا

إنما يشقى ببين

منك من بعدك يبقا

قال : أنا أبو محمّد بن الأكفاني : توفي الأمير وجيه الدولة ذو القرنين أبو المطاع بن حمدان والي دمشق في صفر سنة ثمان وعشرين وأربعمائة ، وكان شاعرا ، وذكر ابن الأكفاني في موضع آخر : أنه مات بمصر.

__________________

(١) الأصل : ويفنا.

(٢) البيتان في معجم الأدباء ١١ / ١٢٠ والوافي ١٤ / ٤٥.

(٣) الوافي : اجتمعنا.

(٤) البيتان في معجم الأدباء ١١ / ١٢٠ والوافي ١٤ / ٤٥.

(٥) الأبيات في الوافي ١٤ / ٤٥.

٣٦٤

[ذكر من اسمه :](١) ذو قربات

٢١٠٨ ـ ذو قربات (٢) الحميري (٣)

يقال إنه صحب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

روى عنه شعيب بن الأسود المعافري ، وهانئ بن جدعان اليحصبي ، ويزيد بن قودر.

أنبأنا أبو عبد الله محمّد بن أحمد بن إبراهيم بن أحمد الرازي ، أنبأ محمّد بن أحمد بن عيسى السعدي ، أنا أبو عبد الله بن بطة ، قال : قرئ على أبي القاسم البغوي ، حدّثني محمّد بن هارون ، حدّثني محمّد بن يحيى بن معاوية الكلبي الحرّاني ، نا عثمان بن عبد الرّحمن ، عن سعيد بن عبد العزيز ، عن ذي قربات ، قال : لما توفي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قيل : يا قربات من بعده؟ قال : الأمين يعني أبا بكر ، قيل : فمن بعده؟ قال : قرن من حديد ، يعني عمر ، قيل : فمن بعده؟ قال : يعني عثمان ، قيل : فمن بعده؟ قال : الوضاح الأزهر المنصور ـ يعني معاوية ـ قال البغوي وهذا الحديث ، رواه عثمان بن عبد الواحد وهو ضعيف الحديث : ولا أحسب سعيد بن عبد العزيز أدرك ذا قربات ولا أحسب ذا قربات سمع من النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٤).

أخبرنا أبو القاسم الواسطي ، أنا أبو بكر الخطيب ، أنا أبو الفتح علي بن

__________________

(١) زيادة منا للإيضاح.

(٢) قربات ، بفتحات كما في الإصابة.

(٣) ترجمته في الإصابة ١ / ٤٨٧ أسد الغابة ٢ / ٢٤ ، وفيه : ذو قرنات.

(٤) نقله ابن حجر في الإصابة ١ / ٤٨٧.

٣٦٥

الفضل بن طاهر بن الفرات الدمشقي ، أنا عبد الوهاب بن الحسن الكلابي ، أنبأ أحمد بن عمير بن يوسف ، قال : سمعت محمود بن إبراهيم بن سميع يقول في تسمية الطبقة الأولى من تابعي أهل الشام : ذو قربات جابر بن أزد المقرائي (١) ، كذا ذكر الخطيب اسم ذي قربات جابر بن أزد لأنه لم يكن في كتابه بينهما فاصلة ، وجابر غير ذي قربات.

أخبرنا أبو غالب بن البنّا ، أنبأ أبو الحسين بن الآبنوسي ، أنا عبد الله بن عتّاب ، أنا أبو الحسن بن جوصا إجازة.

وأخبرنا أبو القاسم بن السّوسي ، أنا أبو عبد الله بن أبي الحديد ، أنا علي بن الحسن ، أنبأ عبد الوهاب بن الحسن ، أنبأ أبو الحسن بن جوصا ، قال : سمعت أبا الحسن بن سميع يقول في تسمية من روى عن عمر ، وأبي عبيدة ، ومعاذ ، وبلال ممن أدرك الجاهلية : ذو قربات (٢).

في نسخة ما شافهني به أبو عبد الله الخلال ، أنا أبو القاسم بن مندة ، أنا حمد بن عبد الله إجازة ، قال : وأنا أبو طاهر بن سلمة ، أنا علي بن محمّد ، قالا : أنا أبو محمّد بن أبي حاتم (٣) ، قال : ذو قربات صاحب الملاحم والفتن قرأ كتب الأوائل ، روى معاوية بن صالح عن مرثد بن سميّ عنه.

أخبرنا أبو محمّد حمزة بن العباس بن علي ، وأبو الفضل أحمد بن محمّد بن الحسن في كتابيهما ، وحدّثني أبو بكر اللفتواني ، أنا أبو الفضل ، قالا : أنا أبو بكر الباطرقاني ، أنا أبو عبد الله بن مندة ، قال : وأنبأني أبو عمرو (٤) بن مندة ، عن أبيه ، قال : قال : أنا أبو سعيد بن يونس : ذو قربات الحميري صاحب أخبار الملاحم ، يقال إن له صحبة ، روى عنه شعيب بن الأسود المعافري ، وهانئ بن جدعان اليحصبي ، ويزيد بن قودر وغيرهم.

أخبرنا أبو عبد الله محمّد بن غانم بن أحمد الحداد ، أنبأ عبد الرّحمن بن

__________________

(١) نسبة إلى مقرى ، من قرى دمشق.

(٢) الإصابة ١ / ٤٨٧.

(٣) الجرح والتعديل ١ / ٢ / ٤٤٨.

(٤) بالأصل «رو» وباقي اللفظة ممحو والمثبت عن م.

٣٦٦

محمّد بن إسحاق ، أنبأ أبي أبو عبد الله ، قال : ذو قربات اختلف في صحبته ، روى عنه يونس بن ميسرة بن حلبس (١) مرفوعا.

أخبرنا أبو سهل محمّد بن إبراهيم المزكي ، أنبأ أبو الفضل عبد الرّحمن بن أحمد بن الحسن ، أنبأ جعفر بن عبد الله ، نا محمّد بن هارون الرّوياني ، ثنا أحمد ـ يعني ابن أخي ابن وهب ـ ثنا عمي ، ثنا سعيد بن عبد الرّحمن بن نافع أنه سمع أباه يذكر أن معاوية بن أبي سفيان قال لكعب : دلني على أعلم الناس ، فقال : ما أعلمه إلا ذو قربات وهو باليمن يا أمير المؤمنين ، قال : فبعث إليه معاوية فأتى به ومعاوية يومئذ بالغوطة ـ غوطة دمشق ـ قد نصبت الأبنية والأروقة والفساطيط ، فتلقاه كعب فلما لقي الحبر اليهودي وضع رأسه الحبر لكعب ووضع كعب رأسه للحبر كما فعل ، فبلغ ذلك معاوية بن أبي سفيان قبل أن يدخلا عليه ، فبعث إلى كعب وحبس الحبر فقال : يا كعب أكفرت بعد إيمانك؟ قال : لا لم أفعل ، قال : أولم يبلغني أنك سجدت للحبر اليهودي ، قال : لم أفعل ولم أكفر ولكنها تحية ، حياني بتحية فحييته بمثلها يقول الله عزوجل : (وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها)(٢) قال : وأخبرني أبا إسحاق أقبح منها بلغني أنك تضاهي إلى اليهودية وأنك تبدأ بالتوراة قبل القرآن إذا قرأت ، قال : نعم إني لأبدأ بها بدأ الله بالتوراة قبل القرآن ، ثم أقرأ ما علّمني الله من القرآن ، قال له معاوية : ما أراك تنجو مما أقول لك ، ثم خرج كعب إلى الحبر اليهودي فلما غشينا منزل معاوية ورأى الأبنية والأروقة والفساطيط بكى الحبر فقال له : ما أبكاك؟ قال : ذكرت بعض الأمراء أنشدك بالله وبالتوراة التي أنزلت على موسى ، إن أنا أخبرتك ما أبكاك أتخبرني أنت؟ [قال :] نعم ، قال كعب أنشدك الله ، أتجد في كتاب الله أن موسى عليه‌السلام نظر في التوراة ، إني أجد أمة مرحومة ، خير أمة أخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ، ويؤمنون بالكتاب الأول ، ويؤمنون بالكتاب الآخر ، ويقتلون أهل الضلالة حتى يقاتلوا الأعور الدجال؟ قال موسى : يا رب اجعلهم أمتي ، قال : يا موسى هم أمة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟ فقال الحبر : نعم ، قال كعب : أنشدك الله أتجد في كتاب الله المنزل أن موسى نظر في التوراة فقال : ربّ إني أجد أمة هم الحامدون رعاة الشمس والقمر هم

__________________

(١) بالأصل : «جليس» خطأ وفي م : حليس ، والصواب ما أثبت وقد مرّ التعريف به.

(٢) سورة النساء ، الآية : ٨٦.

٣٦٧

المحكمون إذا أرادوا أن يفعلوا أمرا قالوا : نفعل إن شاء الله ، قال موسى : ربّ اجعلهم أمتي ، قال : هم أمة محمّد يا موسى ، قال الحبر : نعم ، قال كعب : أنشدك الله أتجد في كتاب الله المنزل أن موسى نظر في التوراة فقال : رب إني أجد أمة إذا أشرف أحدهم على شرف كبر الله ، وإذا هبط واديا حمد الله ، الصعيد لهم طهورا ، والأرض حيث ما كانوا لهم مسجدا ، يتطهرون من الجنابة طهورهم بالصعيد كطهورهم بالماء حيث لا يجدون الماء غرّ محجّلون من أثر الطهور ، قال موسى : ربّ اجعلهم أمتي ، قال لموسى : هم أمة محمّد ، قال الحبر : اللهم نعم ، قال كعب : أنشدك الله أتجد في كتاب الله المنزل أن موسى نظر في التوراة فقال ربّ إني أجد في التوراة أمة إذا همّ أحدهم بحسنة ولم يعملها كتبت له حسنة مثلها ، وإذا عملها ضعفت له عشر أمثالها إلى سبع مائة ضعف ، وإذا همّ بسيئة ولم يعملها لم تكتب عليه وإذا عملها كتبت سيئة بمثلها ، قال موسى : ربّ اجعلهم أمتي ، قال : هم أمة محمّد يا موسى. قال الحبر : نعم ، قال كعب : أنشدك بالله أتجد في كتاب الله المنزل أن موسى نظر في التوراة فقال : ربّ إني أجد أمة يأكلون كفاراتهم وصدقاتهم في بطونهم يكفر الرجل عن يمينه فيطعم اليتيم والمسكين والأرملة وذا الحاجة ، وكان الأولون يحرقونها بالنار لا ينتفعون بها غير أن موسى كان يجمع صدقات بني إسرائيل فلا يجد عبدا مملوكا ولا أمة إلّا اشتراها من تلك الصدقات وما فضل حفر له بئرا عميقة القعر فألقاه فيها ثم دفنه فيه لا يرجعوا (١) في صدقاتهم وهم المستجيبون والمستجاب لهم والشافعون المشفعون ، قال موسى : ربّ اجعلهم أمتي ، قال : هم أمة أحمد يا موسى ، قال الحبر : نعم ، قال كعب : أنشدك الله أتجد في كتاب الله المنزل أن موسى نظر في التوراة فقال : إني أجد أمة مرحومة ضعفى يرثون الكتاب الذين اصطفيناهم فمنهم ظالم لنفسه ومنهم سابق بالخيرات فلا أجد أحدا منهم إلّا مرحوما يقول الله تعالى : (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا ، فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ ، وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ ، وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ)(٢) ، قال موسى : رب اجعلهم أمتي ، قال : هم أمة محمّد ، قال الحبر : نعم ، قال كعب : أنشدك الله أتجد في كتاب الله المنزل أن موسى نظر في التوراة فقال : ربّ إني أجد أمة ، مصاحفهم في صدورهم أهل قباب بيض

__________________

(١) كذا بالأصل وم.

(٢) سورة فاطر ، الآية : ٣٢.

٣٦٨

يلبسون اللواث (١) ، يصفون في صلاتهم صفوف الملائكة ، أصواتهم في مساجدهم كدويّ النحل ، لا يدخل النار منهم أحد إلّا من هو يرى من الحسنات مثل ما الحجر يرى من الورق ورق الشجر وهي هذه الكتائب التي تكتب حين نظرت إليها ، قال موسى : اللهم اجعلهم أمتي ، قال هم أمة أحمد يا موسى ، قال الحبر : نعم ، فلما أن عجب موسى من الخير الذي أعطاه الله محمّدا وأمته ، يجد صفتهم في التوراة قبل أن يخرجوا بألفي سنة قال : يا ليتني من أمة محمّد ، قال : فأوحى الله إليه ثلاث آيات يرضيه بهن قال : (يا مُوسى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي) إلى آخر (٢) الآية ، (وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ) إلى آخر الآية (٣) ، ثم قال (وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ)(٤) قال : فرضي موسى كل الرضا (٥).

ولا أرى هذا الحديث صحيحا ، لأن كعبا لم يدرك خلافة معاوية (٦) ، وإنما مات في خلافة عثمان.

__________________

(١) كذا رسمها بالأصل وم.

(٢) سورة الأعراف ، الآية : ١٤٤.

(٣) سورة الأعراف ، الآية : ١٤٥.

(٤) سورة الأعراف ، الآية : ١٥٩.

(٥) باختصار شديد نقله ابن حجر في الإصابة ١ / ٤٨٧.

(٦) صوّب ابن حجر قول ابن عساكر.

٣٦٩

٢١٠٩ ـ ذو الكفل (١)

قيل اسمه شبر ، ويقال : بشر بن أيوب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقد ذكرت الخلاف في نسب أبيه في ترجمته ، كان مع أبيه نذير أيوب ، وتنبّأه الله بعد أبيه أيوب على ما ذكره أبو جعفر الطبري في تاريخه (٢) ، ويقال : إن ذا الكفل هو إلياس ، ويقال : يوشع ، ويقال : أليسع.

أخبرنا أبو عبد الله محمّد بن الفضل الفقيه ، أنبأ أبو بكر البيهقي ، أنبأ أبو عبد الله الحافظ ، قال : سمعت أبا زكريا يحيى بن محمّد العنبري يقول : قال الخليل بن أحمد : خمسة من الأنبياء ذو اسمين : محمّد وأحمد نبينا صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وعيسى والمسيح عليه‌السلام ، وإسرائيل ويعقوب ، ويونس وذو النون ، وإلياس وذو الكفل.

أنبأنا أبو الفضائل الكلابي ، وأبو تراب الأنصاري ، وأبو الحسن علي بن بركات ، قالوا : حدّثنا أبو بكر أحمد بن علي ، أنا محمّد بن أحمد بن محمّد ، نا أبا عثمان بن أحمد ، وأحمد بن سندي ، قالا : نا الحسن بن علي ، نا إسماعيل بن عيسى ، أنا إسحاق بن بشر ، عن جويبر ، عن الضحاك ، عن ابن عباس : أن الخضر كان اسمه أليسع وإنما سمّي لأنه هجم على عين من عيون الجنة فشرب منها وتوضّأ منها وكان بعد ذلك لا يضع قدمه بالأرض إلّا اخضرّ موضع قدمه ، فلذلك سمّي الخضر.

قال ابن عباس : ومن الأنبياء خمسة لهم اسمان : أليسع وهو الخضر ، ويونس

__________________

(١) انظر خبره في الطبري ١ / ٣٢٥ الكامل لابن الأثير ١ / ١٣٦ والبداية والنهاية بتحقيقنا ١ / ٢٥٩.

والكفل : قال الزجاج : الكفل في اللغة ، الكساء الذي يجعل على عجز البعير ، والكفل أيضا النصيب.

(٢) انظر تاريخ الطبري ١ / ٣٢٥.

٣٧٠

وهو (١) ذو الكفل ، ويعقوب وهو إسرائيل ، وإنما سمّي إسرائيل لأنه أسري به في سبع سماوات ، وإنما سمّي يوشع ذو الكفل لأنه يكفل على جبار مترف من ملوك الأرض إن هو تاب وراجع أن يدخله الله الجنة ، فوفى الله عزوجل له بذلك ، ويونس وهو ذو النون وإنما سمّي ذا النون لأنه كان في بطن النون أربعين يوما ، وعيسى وهو المسيح وإنما سمّي المسيح لأنه كان سياحا في الأرض ، فهو فضل محمّد صلى‌الله‌عليه‌وسلم عليهم فاسمه في القرآن محمّد وفي الإنجيل أحمد ، وفضل أحيد (٢) واسمه في التوراة أحيد.

أنبأنا أبو تراب الأنصاري ، نا أحمد بن علي ، أنا محمّد بن أحمد ، نا أحمد بن سندي ، قال : أنا الحسن ، نا إسماعيل ، نا إسحاق ، قال : وحدثت عن ابن سمعان عن بعض أهل العلم بالكتب : أن ذا (٣) الكفل كان أليسع بن خطوب (٤) الذي كان مع الناس وليس أليسع الذي ذكره الله جل وعز في القرآن وأليسع وذا الكفل ، ويقال : كان غيرهما ، والله أعلم ، ولكنه كان قبل داود عليه‌السلام ، وذلك أن ملكا جبارا يقال له كنعان وكان من العماليق ويقال بل كان من بني إسرائيل وكان لا يطاق في زمانه لظلمه وطغيانه ، وكان ذو الكفل يعبد الله عزوجل سرا منه ويكتم إيمانه وهو في مملكته فقيل للملك إنّ في مملكتك رجلا يفسد عليك أمرك ويدعو الناس إلى غير عبادتك فبعث إليه ليقتله فأتى به ، فلما دخل عليه قال له الملك : ما هذا الذي بلغني عنك أنك تعبد غيري؟ فقال له ذو الكفل : اسمع مني ولا تعجل وتفهّم ولا تغضب ، فإن الغضب عدو للنفس ، يحول بينها وبين الحق ويدعوها إلى هواها ، وينبغي لمن قدر أن لا يغضب فإنه قادر على ما يريد. قال : تكلم ، قال : فبدأ ذو الكفل وافتتح الكلام بذكر الله عزوجل والحمد لله ثم قال له : تزعم أنك إله ، فإله من يملك ، أو إله جميع الخلق؟ فإن كنت إله من تملك فإن لك شريكا فيما لا تملك وإن كنت إله الخلق فمن إلهك؟ فقال له : ويحك ، فمن إلهي؟ قال : إله السماء والأرض وهو خالقهما ، وهذه الشمس والقمر والنجوم ، فاتّق الله واحذر عقوبته ، فإن أنت عبدته ووحّدته رجوت لك ثوابه ، والخلود في جواره ، قال له

__________________

(١) كذا بالأصل وم ويبدو أن سقطا في الكلام بعد لفظة «وهو ...» باعتبار ما يأتي في الفقرة التالية.

(٢) اللفظتان : وفضل أحيد ، كذا وردتا بالأصل ويبدو أنهما مقحمتان وفي م : وفضل باحيد.

(٣) بالأصل : ذو والمثبت عن م.

(٤) في مختصر ابن منظور ٨ / ٢٣١ حطوب بالحاء المهملة.

٣٧١

الملك : اختر ثم أخبرني (١) من عبد إلهك ما جزاؤه؟ قال : الجنة إذا مات ، قال : فما الجنة؟ قال : دار خلقها الله بيده فجعلها مسكنا لأوليائه يبعثهم يوم القيامة شبابا مردا أبناء ثلاث وثلاثين سنة ، فيدخلهم الجنة في نعيم وخلود ، شباب لا يهرمون مقيمين لا يظعنون أحياء لا يموتون ، في نعيم وسرور وبهجة ، قال : فما جزاء من لم يعبده وعصاه؟ قال : النار ، مقرونين مع الشياطين ، مغلغلين بالأصفاد ، لا يموتون أبدا في عذاب مقيم ، وهوان طويل ، تضربهم الزبانية بمقامع الحديد ، طعامهم الزّقّوم (٢) والضريع (٣) ، وشرابهم الحميم ، قال : فرقّ الملك وبكى لما كان قد سبق له ، فقال : إن أنا آمنت بالله فما لي؟ قال : الجنة ، قال : فمن لي بذلك؟ قال : أنا لك الكفيل على الله جل وعز. وأكتب لك على الله كتابا ، فإذا أتيته تقاضيته ما في كتابك وفى لك فإنه قادر قاهر ، يوفيك ويزيدك ، ففكر الملك في ذلك ، وأراد الله به الخير ، فقال له : اكتب لي على الله كتابا ، فكتب :

بسم الله الرّحمن الرحيم. هذا كتاب كتبه فلان الكفيل على الله لكنعان الملك ، ثقة منه بالله أن لا يضيع أجر من أحسن عملا ، ولكنعان على الله بكفالة فلان إن تاب ورجع ، وعبد الله أن يدخله الجنة ويبوئه منها حيث يشاء ، وأنّ له على الله ما لأوليائه ، وأن يجيره من عذابه ، فإنه رحيم بالمؤمنين واسع الرحمة ، سبقت رحمته غضبه.

ثم ختم على الكتاب ودفعه إليه ثم قال له الملك : أرشدني كيف أصنع؟ قال : قم فاغسل والبس ثيابا جددا ففعل ، ثم أمره أن يتشهد بشهادة الحق وأن يبرأ من الشرك ففعل ؛ ثم قال : كيف أعبد ربي؟ فعلّمه الشرائع والصلاة ، ثم قال له : يا ذا الكفل استر هذا الأمر ولا تظهره حتى ألحق بالنّسّاك قال : فخلع الملك وخرج سرا فلحق بالنّسّاك فجعل يسيح في الأرض. ولحق بالنساك وفقده أهل مملكته وطلبوه فلما لم يقدروا عليه قال : اطلبوا ذا الكفل فإنه هو الذي غرّ آلهتنا قال : فذهب قوم في طلب الملك وتوارى

__________________

(١) بالأصل : «اخترني» والمثبت عن م وانظر مختصر ابن منظور ٨ / ٢٣٢.

(٢) الزقوم : شجرة بجهنم (القاموس) قال تعالى فيها في سورة الصافات (إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ ، طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ).

(٣) الضريع : الشبرق ، أو يبيسه ، أو نبات رطبه يسمى شبرقا ويسمى يابسه ضريعا لا تقربه دابة لخبثه.

(القاموس).

٣٧٢

ذو الكفل فقدروا على الملك على مسيرة شهر من بلادهم ، فلما نظروا إليه قائم يصلي خرّوا له سجّدا فانصرف إليهم فقال : اسجدوا لله ، ولا تسجدوا لأحد من الخلق ، فإني آمنت برب السموات والأرض والشمس والقمر. فوعظهم وخوّفهم قال : فعرض له وجع وحضره الموت فقال لأصحابه : لا تبرحوا فإن هذا آخر عهدي بالدنيا فإذا متّ فادفنوني ، وأخرج كتابه فقرأه عليهم ، حتى حفظوه وعلموا ما فيه. وقال لهم : هذا كتاب كتب لي أستوفي منه ما فيه ، فادفنوا هذا الكتاب معي ، قال : فمات ، فجهّزوه ووضعوا الكتاب على صدره ودفنوه. فبعث الله عزوجل ملكا فجاء به إلى ذي الكفل فقال : يا ذا الكفل إنّ ربك قد وفى لكنعان بكفالتك ، وهذا الكتاب الذي كتبته له ، وإن الله يقول : إني هكذا أفعل بأهل طاعتي ، فلما أن جاءه الملك بالكتاب ظهر للناس ، أخذوه فقالوا : أنت غررت ملكنا وخدعته ، فقال لهم : لم أغرّه ولم أخدعه ، ولكن دعوته إلى الله وتكفّلت له بالجنة ، وقد مات ملككم اليوم في ساعة كذى ، وكذا ودفنه أصحابكم وهذا الكتاب الذي كنت كتبته له على الله بالوفاء ، وقد أوفاه الله حقه ، وهذا الكتاب تصديق لما أقول لكم ، فانتظروا حتى يرجع أصحابكم ؛ فحبسوه حتى قدم أصحابهم ، فسألوهم فقصّوا عليهم القصة وقالوا لهم : تعرفون الكتاب الذي دفنتموه معه؟ قالوا : نعم ، فأخرجوا الكتاب فقرءوه فقالوا : هذا الكتاب الذي كان معه ودفناه في يوم كذا وكذا ، فنظروا وحسبوا فإذا ذو الكفل كان قد قرأ عليهم الكتاب وأعلمهم بموت الملك في اليوم الذي مات فيه ، فآمنوا به واتّبعوه فبلغ من آمن به مائة ألف وأربعة وعشرين ألفا ، وتكفّل لهم مثل الذي تكفّل لملكهم على الله ، فسماه الله ذا الكفل.

أخبرنا أبو محمّد هبة الله بن أحمد البغدادي ، أنبأ أبو الحسين [عاصم](١) بن الحسن بن محمّد العاصمي ، أنا أبو الحسين علي بن محمّد بن عبد الله بن بشران ، أنا أبو علي الحسين بن صفوان ، نا عبد الله بن محمّد بن عبيد بن سفيان ، نا إسحاق بن إسماعيل ، نا قبيصة ، نا سفيان ، عن الأعمش ، عن المنهال بن عمرو ، عن عبد الله بن الحارث في ذي الكفل ، قال : قال نبي من الأنبياء لمن معه : هل منكم من يكفل لي لا يغضب ويكون معي في درجتي ويكون بعدي ، قال شاب من القوم : أنا ، ثم أعاد عليه ، فقال الشاب : أنا ، ثم أعاد عليه ، فقال الشاب : أنا ، فلما مات قام بعده في مقامه فأتاه

__________________

(١) زيادة لازمة ، انظر ترجمته في سير الأعلام ١٨ / ٥٩٨.

٣٧٣

إبليس وقد قال ليغضبه يستعديه فقال لرجل : اذهب معه فجاء فأخبره أنه لم ير شيئا ثم أتاه فأرسل معه آخر فجاء فقال : لم أر شيئا ، ثم أتاه فقام معه فأخذ بيده فانفلت منه ، فسمّي الكفل لأنه كفل بالغضب أن لا يغضب.

أخبرنا أبو تراب حيدرة بن أحمد المقرئ في كتابه ، نا أبو بكر أحمد بن علي ، أنا أبو الحسن بن رزقويه ، أنا أحمد بن سندي ، نا الحسن بن علي ، نا إسماعيل بن عيسى ، أنا علي بن عاصم ، عن الحريري ، عن أبي نضرة ، قال : كان نبي في بني إسرائيل ، فأرسل إليهم أن اجتمعوا عندي ، فاجتمعوا عنده فقال : إني لا أحسبني إلّا قد احتضر أجلي ، فالتمسوا لي رجلا يصوم النهار ويقوم الليل ويقضي بين [بني](١) إسرائيل ، ولا يغضب ، فلما سمع ذلك المشيخة سكتوا وقام غلام من بني إسرائيل ، فقال : أنا لك بهذا ، فقال : ألا أراك غلاما فاجلس قال : ثم أرسل إليهم أن اجتمعوا إليّ فاجتمعوا ، فقال لهم مثل ذلك ، فسكت المشيخة وقام الغلام فقال : أنا لهذا ، فقال : ألا أراك غلاما فاجلس ، قال : فأرسل إليهم أن اجتمعوا إليّ فقال لهم مثل ذلك ، فسكت المشيخة وقام الغلام فقال : أنا لك بهذا ، قال : تصوم النهار وتقوم الليل وتقضي بين بني إسرائيل ، ولا تغضب؟ قال : نعم ، قال : قد ولّيتك أمر بني إسرائيل بعدي ، قال : ومات نبيهم قال : فجعل ذو الكفل يصوم النهار ويقوم الليل ويقضي بين بني إسرائيل ، فإذا انتصف النهار وقام فأوى إلى بيته ، فقال : ثم يخرج فيقضي بينهم ، قال : قال إبليس لعنه الله لجنوده : احتالوا أن تغضبوه ، فأرادوه بكل شيء فجعلوا لا يقدرون على أن يغضبوه ، فلما رأى ذلك إبليس قال : أنا صاحبه فجاءه في صورة شيخ كبير ، يمشي على عصا له حتى قعد حيث يراه ، فجعل ذو الكفل ينظر إليه ويرق له ، ويحسب أنه لا يستطيع الزحام ، فلما كانت الساعة التي يقوم فيها للقائلة (٢) قام حتى قعد بين يديه فقال : شيخ كبير مظلوم ، ظلمني بنو فلان ، قال له ذو الكفل : فهل لا قمت إليّ قبل هذه الساعة؟ قال : شيخ كبير لم أستطع الزحام ، قال : فأخذه بخدعته حتى مضت ساعته ، فالتفت ذو الكفل فإذا ساعته التي يقيل فيها قد مضت فقال : يا شيخ منعتني من القائلة ، قال : إني شيخ كبير ملهوف ، قال : فكتب معه ، قال : فأخذ الكتاب فرمى به ثم تحيّنه (٣) من الغد ، فأتاه في الساعة التي

__________________

(١) زيادة لازمة عن م.

(٢) القائلة : نوم منتصف النهار.

(٣) إعجامها مضطرب بالأصل وفي م : ثم تجنّبه والمثبت عن مختصر ابن منظور.

٣٧٤

أتاه فيها فقعد بحياله فجعل ذو الكفل ينظر إليه ولا يقوم فيها للقائلة فقام فقعد بين يديه فقال : قد أخبرتك (١) أن القوم لا يلتفتون إلى كتابك ، طردوني ولم يجيبوني ، وأخذه بخدعته حتى ذهبت ساعته ، فالتفت فإذا ساعته قد ذهبت ، فقال : يا شيخ منعتني أمس واليوم من القائلة وإنما أنام هذه السويعة قال : شيخ كبير مظلوم ضعيف ، قال : فكتب معه وشدّد عليهم فقال : إنهم لا يلتفتون إلى كتابك قال : وكل ذلك يريد أن يغضبه ـ قال : فكتب معه وتشدد على القوم. قال : فانطلق فمزق الكتاب وخمش وجهه ، ومزق ثيابه ، ثم تحيّن الساعة التي يقوم فيها قام فقعد بين يديه ، قال : فقال : هذا ما لقيت منك ، ضربوني ومزقوا عليّ ثيابي وقد أخبرتك أنهم لا يجيبوك وأخذه بخدعته حتى مضت ساعته ، فالتفت ذو الكفل فإذا ساعته قد ذهبت فقال : أول من أمس وأمس واليوم اللهم إنما أنا بشر لا أستطيع ألّا أغضب قال : فرفع يده فطرف لإبليس ، فساخ (٢) الخبيث فذهب ، فسماه الله ذا الكفل لأنه كفل بشيء فوفى (٣) به (٤).

أخبرنا أبو الحسن بن قبيس ، أنبأ أبو الحسن بن أبي الحديد ، أنبأ جدي أبو بكر ، أنا أبو عبد الله محمّد بن يوسف بن بشر الهروي ، نا محمّد بن إسماعيل بن سالم ، نا عفان ، نا حمّاد.

وأخبرنا أبو البركات الأنماطي ، أنا أحمد بن الحسن بن خيرون ، أنا أبو القاسم بن بشران ، أنبأ أبو علي بن الصّوّاف ، نا محمّد بن عثمان بن أبي شيبة ، نا أبي ، نا عون ، نا حمّاد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أبي موسى : أن ذا الكفل إنما سمي ذا الكفل أن رجلا كان يصلي كل يوم مائة صلاة فتكفل بها فسمّي ذا الكفل.

أنبأنا أبو القاسم علي بن إبراهيم العلوي ، وأبو الحسن علي بن الحسن الموازيني ، قالا : أنا أبو الحسن بن أبي الحديد ، أنبأ جدي ، أنبأ محمّد بن يوسف بن بشر ، أنبأ محمّد بن حمّاد ، أنا عبد الرزاق ، أنبأ معمر ، عن قتادة في قوله : (وَذَا الْكِفْلِ)(٥) قال : قال أبو موسى الأشعري : لم يكن ذو الكفل نبيا ولكنه يكفل بصلاة

__________________

(١) بالأصل : «اخترتك» وفي م : أجرتك والصواب عن المختصر.

(٢) ساخ الشيء : رسب ، وساخت الأرض بهم : انخسفت (القاموس).

(٣) غير مقروءة بالأصل وفي م : فوافاه والمثبت عن المختصر.

(٤) انظر قصص الأنبياء لابن كثير ١ / ٢٧٧ والبداية والنهاية ١ / ٢٦٠.

(٥) من الآية ٨٦ من سورة الأنبياء.

٣٧٥

رجل كان يصلّي كل يوم مائة صلاة فتوفي ، فكفل بصلاته فلذلك سمّي ذا الكفل (١).

أنبأنا أبو تراب حيدرة بن أحمد ، نا أبو بكر أحمد بن علي ، أنا محمّد بن أحمد بن محمّد ، أنبأ أحمد بن سندي ، حدّثنا الحسن بن علي ، نا إسماعيل ، أنبأ إسحاق بن بشر ، أنبأ أبو إلياس ، عن وهب بن منبّه ، قال : كانت قبل إلياس وقبل داود أحداث وأمور في بني إسرائيل وأنبياء منهم أليسع صاحب إلياس وذو الكفل ، وكان عيلون مستخلفا خلافة نبوة ، ولم تكن له نبوة ، غير أن بني إسرائيل كانوا يسمون خليفة النبي نبيا وكان فيهم من جمع التوراة يسمونهم أنبياء ، ومنهم من كان نبيا في منامه ، وكان إسمويل (٢) بعده ، وكان ذو الكفل يكتب الكفالات على الله بالوفاء لمن آمن به. فكان من شأنه أنهم كانوا ثلاثة إخوة عبّاد تواخوا في الله حين عظمت الأحداث في بني إسرائيل ، فخرجوا عنهم واعتزلوهم وتعبّدوا في موضع لا يعرفون ، حتى إذا اشتد البلاء في بني إسرائيل وكادوا (٣) أن يتفانوا ، وضيّعت فيهم الأحكام والسّنن والشرائع ، فلما أن خاف القوم الهلاك طلبوا الثلاثة ليملّكوا أحدهم على أنفسهم ليقيم فيهم الحدود والأحكام ويجمع ألفتهم ، قال : فقدروا عليهم ، فخيّروهم بين القتل وبين أن يكون أحدهم عليهم ، فاختاروا القتل وكان أصغرهم أعبدهم وأشدّهم اجتهادا ، فقال اثنان منهم للثالث وهو أصغرهم سنا : أنت أحدثنا سنا وأقوانا ، فهل لك أن تحتسب بنفسك عليهم فتقيم لهم أحكامهم وشرائعهم؟ فقال : أفعل بشرط أن لا تقرباني ولا تنظرا إليّ ، ولا أنظر إليكما حتى يبلغكما أني عدلت عن الحق ، فقالا : نعم.

فمضى مع القوم فتوّجوه وأقعدوه (٤) على سرير الملك فأقام فيهم الحق وأحيا فيهم السّنن ، وحسنت حال بني إسرائيل واغتبطوا به ، فجاءه الشيطان من قبل النساء ، فلم يزل حتى واقع النساء ، ثم أتاه من قبل الشراب فلم يزل به حتى خالط الناس في الشراب ، ولم يزل به حتى ركب المعاصي وضيّع الحدود ، وانتهك المحارم ، وخالط الدماء فبلغ أخويه فجاءا حتى دخلا عليه ، فأمر بهما فحبسا ، فلما أمسى دعا بهما ، فقالا له : أي عدوّ الله غررتنا بدينك ، وطلبت الدنيا بعمل الآخرة ، فقال لهما : فدعاني عنكما ، فقد ارتكبت ما

__________________

(١) انظر البداية والنهاية ١ / ٢٦٠ ـ ٢٦١.

(٢) في مختصر ابن منظور : أشموئيل.

(٣) بالأصل : «وكانوا» والصواب عن المختصر وم.

(٤) بالأصل : «فعدوه» والصواب عن المختصر وم.

٣٧٦

بلغكما وأنا غير مقصر ، وقد أصبت الدنيا ، وقد علمت علما يقينا أن لا آخرة لي ، فدعاني أتمتع (١) من دنياي ، فقال له أحدهما يقال (٢) له عايوذا كان وأخاه في الله عزوجل : أفلا خير من ذلك؟ قال : وما ذاك؟ قال : ترجع وتتوب إلى الله ، وأتكفّل لك بالمغفرة والرحمة والجنة ، قال : أتفعل؟ قال : نعم ، فقال : اكتب لي على ربك كتابا بالوفاء ، فكتب له ؛ ثم خلع الملك وعاد إلى ما كان ولحق بالعبّاد ، وقال لهما : لا تصحباني. وكان عبّاد بني إسرائيل حين عظمت الأحداث فيهم اعتزلوهم ولحقوا بالجبال والسواحل ، يعبدون الله فلحق هذا بشعب العبّاد ، فانتهى إلى رجل قائم يصلي إلى جنب شجرة جرداء ليس عليها ورق ، كثيرة الشوك ، فقام إلى جنبه يصلّي ، وكانت تلك الشجرة تحمل كل عشية رمانة عند إفطار العابد ، فهي [رزقه إلى](٣) مثلها من القابلة ، فلما أمسى قال في نفسه : إني أطوي ليلتي هذه وأجعل رزقي لضيفي هذا ، قال : فحملت الشجرة رمّانتين فدفع إحداهما إلى الفتى وأكل الأخرى ، فقال له الفتى : هل أمامك من العبّاد أحد؟ قال : امض أمامك ، قال : فلما أصبح مضى حتى انتهى إلى رجل قائم يصلّي على صخرة ، عليه برنس له من مسوح (٤) ، فقام إلى جنبه يصلّي ، وكان له كل ليلة إناء من ماء ، عليها رغيف وهو رزقه ، فلما أمسى جعل في نفسه أن يجعل رزقه لضيفه ويمسك عن نفسه فأتاه الله بإناءين على كل واحد منهما رغيف ، فأطعم أحدهما الفتى وأكل الآخر وشربا ، فلما أصبح الفتى قال له : هل في الوادي من هو أعبد منك؟ قال : امض أمامك قال : فمضى فانتهى إلى رجل قائم على تل بغير حذاء ولا قلنسوة في يوم شديد الحرّ ، عليه إزار من مسوح ، وجبّة من مسوح ، قائم يصلي ، فقام إلى جنبه ، وكانت وعلة سخّرها الله عزوجل ، تجيء في كل ليلة من الجبل ، فتقوم بين يديه ، وتفرج بين رجليها وضرعها ، يدرّ لبنا ، وعنده قعبة (٥) له فيحلب من الوعلة ملء فعبته فذلك طعامه وشرابه ، فقال في نفسه : أجعل رزقي لضيفي هذا وأمسك عن نفسي ، فلما أمسى جاءت الوعلة حتى وقفت ، فقام العابد إليها فحلبها وسقى الفتى وهي واقفة وضرعها يدرّ

__________________

(١) إعجامها مضطرب بالأصل وم ، والصواب عن المختصر.

(٢) بالأصل وم : فقال.

(٣) ما بين معكوفتين استدرك عن هامش الأصل وبجانبه كلمة صح.

(٤) جمع مسح ، كساء من شعر.

(٥) القعبة : شبه حقة للمرأة ، أو حقة مطبقة للسويق (القاموس).

٣٧٧

لبنا وهي تومئ إلى العابد أن احتلب ، قال : فاحتلب حتى ملأ قعبته وانصرفت الوعلة فلما أصبح قال له الفتى : هل في الوادي من هو أعبد منك؟ قال : امض أمامك قال : فمضى حتى انتهى إلى شيخ في أعلى الجبل ، قائم يعبد الله عزوجل منذ مائة وثمانين سنة اعتزل الناس ، طعامه عشب الأرض ، وله عين تجري ، إذا أمسى جرت تلك العين بما تكفيه لشرابه ووضوئه ، وتعشب الأرض حول عينه وهو على صخرة كقدر ما يغنيه ، فلما أمسى جعل في نفسه ، أن يجعل رزقه لضيفه ويمسك عن نفسه ، فلما أمسى فجر الله عينين ، وأعشب الأرض حولهما ، فقال للفتى : هذا طعامي وهذا شرابي ، وهذا رزق ساقه الله إليك على قدر رزقي ، ولا يكلف الله نفسا إلّا طاقتها ، وليس عندنا إلّا ما ترى ، قد رضينا من الدنيا بهذا وهذا من الله عزوجل ، إن رزقنا القناعة والرضا ، فقال الفتى : قد رضيت بهذا ولا أريد بهذا بدلا ، فأقام معه يتعبد حتى أدركه الموت فقال للشيخ : قد صحبتك فأحسنت صحبتي ، ورزقني الله بصحبتك الخير والفضل ، ولي عندك حاجة ، قال : وما هي؟ قال : أن تحفر لي وتدفنّي ، ثم أخرج الكتاب فدفعه إليه وقال : ضع هذا الكتاب بين كفني وصدري ، فقال له الشيخ : فكيف لي بأن (١) أحفر لك؟ قال : قل أنت نعم إن شاء الله ، فإن الله سيهيئ ذلك لك ، فقال الشيخ : نعم ، فمات الفتى فقام الشيخ ليحفر له لما وعده فلم يصل. إنما هو يحفر بيده حتى تقطعت أنامله إذ بعث الله أسدا ، له مخاليب من حديد ، فحفر له قبرا ، فلما أن رأى العابد ذلك اشتد سروره بذلك ، فدفن الفتى وأهال عليه. ووضع الكتاب بين صدره وكفنه ، فبعث الله إليه ملكا فأخذ الكتاب وكتب : إنّ الله عزوجل قد وفى له بشرطك وتمّت كفالتك ونفذ كتابك. فجاء بالكتاب حتى دفعه إلى عايوذا ، وهو الذي كان كتب له الكفالة ، وكان بعد ذلك يكتب الكفالات على نفسه لله عزوجل فسمي ذا الكفل ، فالله أعلم أيّ ذلك كان مما قالوا.

أخبرنا أبو بكر محمّد بن الحسين المقرئ ، نا أبو الحسين بن المهتدي ، أنا أبو أحمد عبيد الله بن محمّد بن أبي مسلم ، أنا أبو عمرو عثمان بن أحمد بن السماك ، نا إسحاق بن إبراهيم بن سنين الختّلي ، حدّثني اليمان بن عيسى أبو سهل الحذاء ، أنا أسباط بن محمّد قال : كان في بني إسرائيل رجل يقال له ذو الكفل وكان لا يتورع عن ذنب عمله فأتته امرأة فسألته فأبى أن يعطيها إلّا أن تمكّنه من نفسها ، فلما جلس معها

__________________

(١) بالأصل : «باب» والصواب عن م وانظر مختصر ابن منظور.

٣٧٨

ارتعدت وبكت فقال لها : ما يبكيك؟ قالت : إنّ هذا عملا ما عملته قط وما حملني عليه إلّا الحاجة قال : فتركها وسلم لها الدنانير ولم يصب منها ، فمات من ليلته فأصبح مكتوب على بابه اشهدوا جنازة ذي الكفل إنّ الله قد غفر له ، كذا رواه اليمان منقطعا ، وقد رواه غيره عن أسباط فأسنده إلّا أنه قال : الكفل لم يقل ذا الكفل.

أخبرنا أبو عبد الله الفراوي ، وأبو المظفّر القشيري ، قالا : أنا أبو سعد محمّد بن عبد الرّحمن ، أنا أبو عمرو بن حمدان ح.

وأخبرناه أبو عبد الله الخلال ، أنا إبراهيم بن منصور ، أنبأ أبو بكر بن المقرئ ، قالا : أنا أبو يعلى ، نا أبو خيثمة.

وأخبرناه أبو القاسم بن الحصين ، قال : نا أبو علي بن المذهب ـ لفظا ، ـ أنبأ أحمد بن جعفر ، نا عبد الله بن أحمد (١) ، حدّثني أبي ، قالا :

حدّثنا أسباط بن محمّد ، نا الأعمش ، عن عبد الله بن عبد الله ، عن سعد مولى طلحة ، عن ابن عمر قال : سمعت ـ وقال أحمد : لقد سمعت ـ من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حديثا لو لم أسمعه إلّا مرة أو مرتين حتى عدّ سبع مرار (٢) ولكن قد سمعته أكثر من ذلك ، قال : كان الكفل من بني إسرائيل لا يتورع من ذنب عمله فأتته امرأة فأعطاها ستين دينارا على أن يطأها فلما قعد منها مقعد الرجل ، ـ ، زاد أحمد : من امرأته ، فقالا : ـ أرعدت ، ـ وقال أبو خيثمة : ارتعدت ـ وبكت فقال : ما يبكيك أكرهتك ، قالت : لا ولكن هذا عمل لم أعمله قط وإنما حملني عليه الحاجة ، قال : فتفعلين هذا ولم تفعليه قط ، قال : ثم نزل فقال : اذهبي والدنانير (٣) لك ، ثم قال : والله لا يعصي الله الكفل أبدا ، فمات من ليلته فأصبح مكتوبا على بابه قد غفر الله للكفل.

وكذا رواه عبد الرزاق بن منصور ، عن أسباط ، وكذا رواه محمّد بن فضيل الضّبّي الكوفي ، والفضل بن موسى الشيباني ، وشيبان بن عبد الرّحمن ، عن الأعمش.

فأما حديث ابن فضيل :

__________________

(١) مسند الإمام أحمد ٢ / ٢٣ ونقله عنه ابن كثير في البداية والنهاية ١ / ٢٦١ وفي قصص الأنبياء ١ / ٣٧٩.

(٢) مرار بالكسر ، واحدتها مرة ، وتجمع أيضا على «مرّ ومرر» ومرور.

(٣) في المسند : «فالدنانير لك» وفي البداية والنهاية وقصص الأنبياء : بالدنانير لك.

٣٧٩

فأخبرناه أبو البركات عمر بن إبراهيم بن محمّد ، أنا أبو الفرح محمّد بن أحمد بن محمّد بن علّان الخازن (١) ، أنا القاضي أبو عبد الله محمّد بن عبد الله بن الحسين الجعفي (٢) ، أنبأ أبو جعفر محمّد بن جعفر بن محمّد بن رياح الأشجعي ، نا علي بن المنذر ، نا محمّد بن فضيل ، نا الأعمش ، عن عبد الله بن عبد الله ، عن سعد مولى طلحة ، عن عبد الله بن عمر قال : سمعت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يحدث حديثا لو لم أسمعه إلّا مرة أو مرتين لم أحدث به ، ولكن قد سمعته أكثر من سبع مرات قال : كان في بني إسرائيل رجل يقال له الكفل لا يتورع من ذنب عمله ، فاتبع امرأة فأعطاها [] سبعين دينارا على أن تعطيه نفسها ، فلما قعد منها مقعد الرجل من المرأة ارتعدت وبكت ، فقال : ما شأنك؟ فقالت : إن هذا العمل ما عملته قط ، فقال : أكرهتك؟ قالت : لا ، ولكن حملتني عليه الحاجة ، قال : فقال : اذهبي فهي لك ، ثم قال : والله لا أعصي الله أبدا ، قال : فمات من ليلته ، فقيل : مات الكفل فوجد على باب داره مكتوب : إن الله قد غفر للكفل.

وأما حديث الفضل بن موسى :

فأخبرناه أبو محمّد الحسن بن أبي بكر بن أبي الرضا ، أنا أبو عاصم الفضيل بن يحيى الفضيلي ، أنبأ أبو محمّد عبد الرّحمن بن أحمد بن محمّد بن أبي شريح (٣) ، أنا [أبو](٤) عبد الله محمّد بن عقيل بن الأزهر بن عقيل البلخي ، نا علي بن خشرم (٥) ، نا الفضل بن موسى ، نا الأعمش ، عن عبد الله بن عبد الله ، عن سعد مولى طلحة ـ أو سعيد ، ـ شك علي قال : سمعت ابن عمر يقول : كان رجل في بني إسرائيل ، يقال له الكفل يعمل بالمعاصي ويقطع الطريق ويغصب الأموال فأعجبته امرأة فراودها فأبت عليه فرضيت بعد أن يجعل لها ستين دينارا ، فجلس منها مجلس الرجل من امرأته فأرعدت فقال لها : ما شأنك ، أكرهتك؟ قالت (٦) : لا ولكن هذا شيء لم أفعله قط وما حملني

__________________

(١) ترجمته في سير الأعلام ١٨ / ٤٥١.

(٢) ترجمته في سير الأعلام ١٧ / ١٠١.

(٣) ترجمته في سير الأعلام ١٦ / ٥٢٦.

(٤) زيادة لازمة عن م ، انظر ترجمة محمّد بن عقيل في سير الأعلام ١٤ / ٤١٥.

(٥) بالأصل وم : حشرم بالحاء المهملة والصواب ما أثبت ، انظر ترجمته في سير الأعلام ١١ / ٥٥٢.

(٦) بالأصل : قال وفي م : فارتعدت فقال لها : ما يبكيك أكرهتك؟ قال : لا.

٣٨٠