تاريخ مدينة دمشق - ج ١٧

أبي القاسم علي بن الحسن ابن هبة الله بن عبد الله الشافعي [ ابن عساكر ]

تاريخ مدينة دمشق - ج ١٧

المؤلف:

أبي القاسم علي بن الحسن ابن هبة الله بن عبد الله الشافعي [ ابن عساكر ]


المحقق: علي شيري
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٧٠
الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٢ الجزء ٣٣ الجزء ٣٤ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١ الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠

هيهات كلّ امرئ رهن بما كسبت

يداه (١) حقا ، فخذ ما شئت أو فذر

قال العباس : والقبران (٢) : اللذان ذكرهما بطوس : قبر هارون والآخر قبر الرضا علي بن موسى (٣). فو الله ما كافأه وكان سبب نعمته بعد الله عزوجل ، فهذه واحدة يا ضبّي ، وأما الثانية فإنه لما استخلف المأمون جعل يطلب دعبلا إلى أن كان من أمره مع إبراهيم بن شكلة (٤) وخروجه مع أهل العراق يطلب الخلافة فأرسل إليه دعبلا بشعر يقول فيه (٥) :

علم وتحكيم وشيب مفارق

طلّسن (٦) ريعان الشباب الرائق

وإمارة من دولة ميمونة

كانت على اللّذّات أشغب عائق

فالآن لا أغدو ، ولست برائح

في كبر معشوق وذلّة عاشق

أنّى يكون وليس ذاك بكائن

يرث الخلافة فاسق عن فاسق

نفر (٧) ابن شكلة بالعراق وأهلها

فهفا إليه كلّ أطلس (٨) مائق

إن كان إبراهيم مضطلعا بها (٩)

فلتصلحن من بعده لمخارق

فضحك المأمون وقال : قد غفرنا لدعبل كلّ ما هجانا به بهذا البيت :

إن كان إبراهيم مضطلعا بها

فلتصلحن من بعده لمخارق (١٠)

قال : فكتب إلى أبي طاهر أن يطلب له دعبلا حيث كان ، ويعطيه الأمان ، قال : فكتب أبي إليه وكان واثقا بناحيته فأقرأه كتاب أمير المؤمنين ، وحمله وخلع عليه وأجازه بالكثير وأشار عليه بالمصير إلى المأمون قال : فتحمل دعبل إلى المأمون.

__________________

(١) الديوان : له يداه ، فخذ.

(٢) بالأصل : «قال القبران والعباس» وفوق اللفظتين علامتا تحويل إلى أن تبدل وفيهما تقديم وتأخير.

(٣) كذا والمحفوظ المشهور أن الرضا قتل بدس السمّ له في ولاية المأمون بعد أن جعله ولي عهده.

(٤) هو إبراهيم بن المهدي عم المأمون ، وكان قد بويع له بالخلافة خلال وجود وإقامة المأمون بخراسان ، وشكلة هي أمه ، جارية سوداء ، كان كثير الشبه بها.

(٥) الشعر في ديوانه ص ٢٤٤ والأغاني ٢٠ / ١٨١ وابن العديم ٧ / ٣٥٠٨.

(٦) الأصل : «طليس» والمثبت عن الديوان ، وفي الأغاني : طمّسن وطلّس : محاه أو عفّاه.

(٧) الديوان : نعر.

(٨) يريد به الأسود أو الأمرد ، وأصل الأطلس : الذئب في لون غبرة إلى السواد ، والمائق : الأحمض.

(٩) يعني بالخلافة.

(١٠) وهو مخارق بن يحيى بن ناوس الجزار ، من موالي الرشيد وكان مغنيا.

٢٦١

قال : وثبت في الخلافة المأمون وضرب الدنانير باسمه ، وأقبل يجمع الآثار في فضائل آل (١) رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : فتناهى إليه فيما تناهى من فضائلهم قول دعبل (٢) :

مدارس آيات خلت من بلاده

ومنزل وحي مقفر القرعات (٣)

لآل رسول الله بالخيف من منى

وبالرّكن والتعريف والجمرات

فما زالت تردد في صدر المأمون حتى قدم عليه دعبل فقال : أنشدني ولا بأس عليك ، ولك الأمان من كل شيء فيها ، فإني أعرفها وقد رويتها إلّا أني أحب أن أسمعها من فيك ، قال : فأنشده حتى صار إلى هذا الموضع :

ألم تر أنّي مذ ثلاثون حجة (٤)

أروح وأغدو دائم الحسرات

أرى فيئهم في غيرهم (٥) متقسّما

وأيديهم من فيئهم صفرات

وآل رسول الله نحف جسومها (٦)

وآل زياد غلّظ القصرات

بنات زياد في الخدور (٧) مصونة

وبنت رسول الله في الفلوات

إذا وتروا مدّوا إلى واتريهم

أكفّا عن الأوتار منقبضات

فلو لا الذي أرجوه في اليوم أو غد

تقطّع قلبي إثرهم حسرات

قال : فبكى المأمون حتى اخضلّت لحيته ، وجرت دموعه على نحره ، وكان دعبل أول داخل إليه وآخر خارج من عنده ، فو الله إن شعرنا بشيء إلّا وقد عتب على المأمون وأرسل إليه بشعر يقول فيه (٨) :

ويسومني المأمون خطّة ظالم (٩)

أوما رأى بالأمس رأس محمّد؟

توفي على هام الخلائق مثل ما

توفي الجبال على رءوس القردد

__________________

(١) بالأصل : «إلى» والمثبت عن ابن العديم.

(٢) ديوانه ص ١٣١ وابن العديم ٧ / ٣٥٠٩ والأول في الأغاني ٢٠ / ١٨١.

(٣) الديوان : من تلاوة ... العرصات.

(٤) الديوان ص ١٤١ من ثلاثين حجة.

(٥) عن الديوان ، وبالأصل : وغيرهم.

(٦) الديوان : جسومهم.

(٧) الديوان : في الصدور مصونة

وآل رسول الله في الفلوات.

(٨) ديوانه ص ١٧٥ ـ ١٧٦.

(٩) الديوان :

أيسومني المأمون خطة جاهل

٢٦٢

لا تحسبنّ جهلي كحكم أبي فما

حكم المشايخ (١) مثل جهد الأمرد

إني من القوم الذين سيوفهم

قتلت أخاك وشرّفتك بمقعد

سادوا بذكرك بعد طول خموله

واستنقذوك من الحضيض الأبعد (٢)

فلما سمع هذا المأمون قال : كذب عليّ متى كنت خاملا وإني لخليفة وابن خليفة وأخو خليفة ومتى كنت خاملا فرفعني دعبل ، فو الله ما كافأه ولا كافئ أبي ما أسدى إليه ، وذلك أنه لما توفي أنشأ يقول (٣) :

وأبقى طاهر فينا خلالا (٤)

عجائب تستخفّ لها الحلوم

ثلاثة إخوة (٥) لأب وأم

تمايز عن ثلاثتهم أروم

فبعضهم يقول : قريش قومي

ويدفعه الموالي والصميم

وبعض في خزاعة منتماه

ولاء ، غير مجهول ، قديم

وبعضهم يهش لآل كسرى

ويزعم أنه علج لئيم

لقد كثرت مناسبهم علينا

فكلّهم على حال زنيم (٦)

فهذه الثالثة يا ضبّي ، أما الرابعة فإنه لما استخلف المعتصم بالله ، دخل عليه دعبل ذات يوم فأنشده قصيدة ، فقال : أحسنت والله يا دعبل فاسألني ما أحببت. قال : مائة بدرة (٧) ، قال : نعم على أن تمهلني مائة سنة وتضمن لي أجلي معها ، قال : قد أمهلتك ما شئت ، وخرج مغضبا من عنده ، فلقي خصيا قد كان عوّده أن يدخل مدائحه إلى أمير المؤمنين ، ويجعل له سهما من الجائزة إذا قبضها فقال : ويحك إني كنت عند أمير المؤمنين وأغفلت حاجة لي أن أذكرها له ، فأذكرها في أبيات وتدخلها إليه؟ قال : نعم ، ولي نصف الجائزة؟ فماكسه ساعة ثم أجابه إلى أن يجعل له نصف الجائزة ، فأخذ الرقعة فكتب فيها (٨) :

__________________

(١) الديوان : كحلم أبي فما حلم المشايخ.

(٢) الديوان : شادوا ... الأوهد.

(٣) الشعر في ديوانه ص ٢٧٣ والأغاني ٢٠ / ١٥٦ وبغية الطلب ٧ / ٣٥١٠.

(٤) الديوان والأغاني : ثلاثا.

(٥) الديوان والأغاني : أعبد.

(٦) الزنيم : الدعيّ ، والمستلحق فيمن ينتمي إليهم وليس منهم ولا حاجة بهم إليه.

(٧) بدرة : كيس فيه ألف أو عشرة آلاف درهم أو سبعة آلاف دينار ، جمع بدور وبدر (القاموس).

(٨) ديوانه ص ٣٠٧ وابن العديم ٧ / ٣٥١١.

٢٦٣

بغداد دار الملوك كانت

حين دهاها الذي دهاها

ما غاب عنها سرور ملك

أعاره (١) بلدة سواها

ما (٢) سرّ من را بسرّ من را

بل هي بؤس لمن يراها

عجّل ربي لها خرابا

برغم أنف الذي ابتناها

وختمها ودفعها إلى الخصي ، فأدخلها إلى المعتصم فلما نظر إليها قال للخصي : من صاحب هذه الرقعة؟ قال : دعبل يا أمير المؤمنين ، وقد جعل لي يا أمير المؤمنين نصف الجائزة ، فطلب فكأن الأرض انطوت عليه فلم يعرف له خبر قال : فقال المعتصم : أخرجوا الخصيّ فأجيزوه بألف سوط ، فإنه زعم أن له نصف الجائزة ، فقد أردنا أن نجيز دعبلا بألفي سوط ، قال : ثم لم يلبث أن كتب إليه من قمّ أبياتا وهي هذه (٣) :

ملوك بني العباس في الكتب سبعة

ولم يأتنا في ثامن (٤) منهم الكتب

كذلك أهل الكهف في الكهف سبعة

عداة (٥) ثووا فيه وثامنهم كلب

وإني لأزهي (٦) كلبهم عنك رغبة

لأنك ذو ذنب وليس لهم ذنب

كأنك إذ (٧) ملكتنا لشقائنا

عجوز عليها التاج والعقد والإتب (٨)

فقد ضاع أمر الناس (٩) حين يسوسهم

وصيف وأشناس وقد عظم الخطب

وإني لأرجو أن يرى من مغيبها

مطالع شمس قد يغصّ بها الشّرب

وهمّك تركي عليه مهانة

فأنت له أمّ ، وأنت له أبّ

__________________

(١) الديوان : عاد إلى بلدة.

(٢) صدره في الديوان :

ليس سرور بسرمن رأى

(٣) الأبيات في ديوانه ص ١٠٢ وابن العديم ٧ / ٣٥١١ ـ ٣٥١٢ وبعضها في الأغاني ٢٠ / ١٤٤.

(٤) يريد أنه لا يعترف بملك المعتصم ولا بخلافته ، فالمعتصم هو الخليفة العباسي الثامن.

(٥) عجزه في الديوان :

كرام إذا عدوا ، وثامنهم كلب

(٦) الديوان والأغاني : لأعلي.

(٧) الأصل : إذا.

(٨) الإتب : برد يشق فتلبسه المرأة من غير جيب ولا كمين.

(٩) الديوان والأغاني : إذ ساس ملكهم.

ووصيف وأشناس : غلامان من الأتراك ، صارا فيما بعد من قوّاد المعتصم المتنفذين والحاكمين.

٢٦٤

وأما الخامسة فإن ابن أبي دؤاد (١) كان يعطيه الجزيل من ماله ، ويقسم له على أهل عمله ، فعتب عليه فقال فيه (٢) :

أبا عبد الإله أصخ لقولي

وبعض القول يصحبه السّداد

يرى طسما تعود بها الليالي

إلى الدّنيا كما رجعت إياد

قبائل جذّ أصلهم فبادوا

وأودى ذكرهم زمنا فعادوا

وكانوا غرّزوا في الرمل بيضا

فأمسكه ، كما غرز الجراد

فلمّا أن سقوا درجوا ودبّوا

وزادوا حين جادهم العهاد (٣)

هم بيض الرماد يشق منهم

وبعض البيض يشبهه الرّماد

غدا تأتيك إخوتهم جديش

وجرهم قصّرا ، وتعود عاد

فتعجز عنهم الأمصار ضيفا

وتمتلئ المنازل والبلاد

فلم أر مثلهم بادوا فعادوا

ولم أر مثلهم قلّوا (٤) فعادوا

توغّل فيهم سفك وخوز

وأوباش فهم لهم مداد

وأنباط السواد قد استحالوا

بها عربا فقد خرب السواد

فلو شاء الإمام أقام سوقا

فباعهم كما بيع السّماد

وقال فيه وقد تزوج في بني عجل (٥) :

أيا للناس من خبر طريف

تفرّد (٦) ذكره في الخافقين :

أعجل أنكحوا ابن أبي دواد (٧)

ولم يتأمّلوا فيه اثنتين

أرادوا نقد عاجلة فباعوا

رخيصا عاجلا نقدا بدين

بضاعة خاسر بارت عليه

فباعك بالنّواة التمرتين

ولو غلطوا بواحدة لقلنا

يكون الوهم بين الغافلين (٨)

__________________

(١) الأصل وم : داود.

(٢) ديوانه ص ١٦٦ ـ ١٦٧ وبغية الطلب ٧ / ٣٥١٢.

(٣) العهاد : المفرد عهد وعهدة : أول مطر الربيع.

(٤) عن الديوان ، وبالأصل «فلوا».

(٥) الأبيات في ديوانه ص ٢٩٧ وبغية الطلب ٧ / ٣٥١٣.

(٦) الديوان : يغرد.

(٧) الأصل : داود ، والمثبت عن الديوان.

(٨) الديوان : العاقلين.

٢٦٥

ولكن شفع واحدة بأخرى

تدلّ على فساد المنصبين

لحا الله المعاش بفرج أنثى

ولو زوّجتها من ذي رعين

ولما أن أفاد ظريف مال

وأصبح رافلا في الحلّتين

تكنّى وانتمى لأبي دواد (١)

وقد كان اسمه ابن الفاعلين

فردّوه إلى فرج أبيه

وزرياب ، فألأم والدين

وهجاه بغير قصيدة. وقال في الحسن بن وهب ، وكان على برد الآفاق (٢) :

ألا أبلغا عني الإمام رسالة (٣)

رسالة ناي عن جنابيه شاحط

بأن ابن وهب حين يشحج شاحج

يمرّ على القرطاس أقلام غالط

وقال عنه أيضا (٤) :

من مبلغ عني إمام الهدى

قا فية للستر (٥) هتاكه

هذا جناح المسلمين الذي

قد قصّه تولية الحاكه

وهؤلاء أهل قمّ (٦) ، كانوا يعطونه الكثير من أموالهم ويمنعون الخلفاء منهم فكافأهم بأن قال فيهم (٧) :

تلاشى أهل قمّ فاضمحلّوا

تحلّ المخزيات بحيث حلّوا

وكانوا شيّدوا في الفقر مجدا

فلما جاءت الأموال ملّوا

وقال فيهم أيضا (٨) :

ظلت بقمّ مطيتي يعتادها

همان : غربتها وبعد المدلج

ما بين علج قد تعرّب ، فانتمى

أو بين آخر معرب مستعلج

__________________

(١) الأصل : داود ، والمثبت عن الديوان.

(٢) ديوانه ص ٢٢٣ وبغية الطلب ٧ / ٣٥١٣.

(٣) صدره في الديوان :

ألا أبلغ أمير المؤمنين محمّدا

(٤) ديوانه ص ٢٥٠ وبغية الطلب ٧ / ٣٥١٤.

(٥) الديوان : للعرض.

(٦) بين قم وساوة اثنا عشر فرسخا ، ومثل ذلك تبعد عن قاشان.

(٧) ديوانه ص ٢٥٧ وبغية الطلب ٧ / ٣٥١٤.

(٨) ديوانه ص ١٦٠ وبغية الطلب ٧ / ٣٥١٤.

٢٦٦

قال وهجاهم بغير قصيدة.

قال : وهذا علي بن عيسى الأشعري قد دل بعض شعره على أنه قد أخذ منه ألوفا ، وذلك في قوله لعلي بن عيسى (١) :

فلا تفسدن خمسين ألفا وهبتها

وعشرة أحوال (٢) وحقّ تناسب

وشكرا تهاداه الرجال تهاديا

إلى كلّ مصر بين جائي وذاهب

بلا زلّة كانت ، وإن تك زلّة

فإنّ عليك العفو ضربة لازب

فما كان بين هذا القول وبين أن هجاه إلّا أياما قلائل حتى قال فيه هذه الأبيات (٣) :

كنت من أرفض خلق الله إذ كنت صبيا

فتواليت (٤) أبا بكر وأرجأت الوليّا

وتجنبت عليا إذ تسمّيت عليا

قال : وهذه خزاعة هجاهم ، وهي قبيلته فقال (٥) فيهم (٦) :

أخزاع غير الكرام فأقصروا

وضعوا القلم (٧) على الأفواه

الراتقين ولات حين مراتق

والفاتقين شرائع (٨) الأستاه

فدعوا الفخار فلستم من أهله

يوم الفخار ففخركم بسياه

قال : وهذا المطّلب بن عبد الله الخزاعي ، قال فيه يمتدحه ، وكان يعطيه الجزيل فقال (٩) :

إن كاثرونا جئنا بأسرته

أو واحدونا جئنا بمطّلب

__________________

(١) ديوانه ص ١١٧ وبغية الطلب ٧ / ٣٥١٤.

(٢) جمع حول وهي السنة.

(٣) ديوانه ص ٣٠٩ وبغية الطلب ٧ / ٣٥١٥.

(٤) ديوانه : فتولّيت.

(٥) الأصل : يقال.

(٦) ديوانه ص ٣٦١.

(٧) ديوانه : أخزاعة ... أكفكم.

(٨) ديوانه : شرائج.

(٩) ديوانه ص ١١٩.

٢٦٧

أبعد مصر وبعد مطّلب

نرجو الغنا إنّ ذا من العجب

وقال فيه يهجوه (١) :

شعارك في الحرب يوم الوغا

بفرسانك (٢) الأول الأول

فأنت (٣) إذا أقبلوا آخر

وأنت إذا أدبروا أول

فمنك الرؤس غداة اللقاء

وممّن يحاربك المفصل (٤)

فذلك ذاتكما إذ يموت

من القوم بينكما الأعجل

قال : وهذا الحسن بن رجاء وابنا هشام ودينار بن عبد الله ، ويحيى بن أكثم ، وكان ينزلون المخرّم (٥) ببغداد ، فقال فيهم يهجوهم كلّهم (٦) :

ألا فاشتروا مني ملوك المخرّم (٧)

أبع حسنا وابني هشام بدرهم

وأعطي رجاء بعد ذاك زيادة

وأغلط (٨) بدينار بغير تندّم

فإن ردّ من عيب عليّ جميعهم

فليس يردّ العيب يحيى بن أكثم

وقال أيضا في يحيى بن أكثم يهجوه (٩) :

رفع الكلب فاتّضع

ليس في الكلب مصطنع

بلغ الغاية التي

دونها كل مرتفع

إنما قصر كل شيء

إذا طار أن يقع

قيل ليحيى بن أكثم

: إنّ ما خفت قد وقع

لعن الله نخوة

كان من بعدها ضرع

__________________

(١) ديوانه ٢٥٤ وبغية الطلب ٧ / ٣٥١٥.

(٢) عجزه في الديوان :

إذا انهزموا عجّلوا عجّلوا

(٣) روايته في الديوان :

فأنت لأولهم آخر

وأنت لآخرهم أول

(٤) الديوان : المنصل.

(٥) محلة كانت ببغداد بين الرصافة ونهر المعلى (انظر ياقوت).

(٦) ديوانه ص ٣٥٣ وبغية الطلب ٧ / ٣٥١٦ والأغاني ٢٠ / ١٥٦.

(٧) الأغاني : المخزم.

(٨) الديوان والأغاني : وأسمح.

(٩) ديوانه ص ٢٣٣ ـ ٢٣٤ وبغية الطلب ٧ / ٣٥١٦.

٢٦٨

قال : وهؤلاء بنو أهبان مكلّم الذئب ، وهم بنو عمه دنية هجاهم ، فقال فيهم (١) :

تهتم علينا بأن الذئب كلّمكم

فقد لعمري أبيكم (٢) كلّم الذئبا

فكيف لو كلّم الليث الهصور إذا

جعلت (٣) الناس مأكولا ومشروبا

هذا السّنيديّ لا يسوء أتاوته

يكلّم الذئب تصعيدا وتصويبا

فاذهب إليك فإني لا أرى أبدا

بباب دارك طلّابا ومطلوبا

قال : وهذا الهيثم بن عثمان الغنوي قد دل شعره على أنه قد كان إليه محسنا إذ يقول فيه (٤) :

يا هيثما يا ابن عثمان الذي افتخرت

به المكارم ، والأيام تفتخر

أضحت ربيعة والأحياء من يمن

تيها (٥) بنجدته لا وحدها مضر

وقال فيه يهجوه (٦) :

سألت أبي وكان أبي عليما

بساكنة الجزيرة والسواد

فقلت : أهيثم من حي قيس؟

فقال : نعم كأحمد من دواد (٧)

فإن يك هيثم من حي قيس

فأحمد غير شكّ من إياد

وقال في أخيه رزين بن علي الخزاعي يهجوه (٨) :

مهدت له ودّي صغيرا ونصرتي

وقاسمته مالي ، وبوّأته حجري

وقد كان يكفيه من العيش كله

رجاء ويأس يرجعان إلى فقر

وفيه عيوب ليس يحصى عدادها

فأصغرها عيبا يجلّ عن الفكر

__________________

(١) بغية الطلب ٧ / ٣٥١٦.

(٢) ابن العديم : أبو كم.

(٣) ابن العديم : جعلتم.

(٤) ديوانه ص ١٨٧ وبغية الطلب ٧ / ٣٥١٦.

(٥) ديوانه : «تبهى».

(٦) ديوانه ص ٣٣٠ وبغية الطلب ٧ / ٣٥١٧.

(٧) في الديوان :

فقلت له : أهيثم من غنيّ

فقال : كأحمد بن أبي دواد

(٨) ديوانه ص ٢٠١ وبغية الطلب ٧ / ٣٥١٧.

٢٦٩

ولو أنّني أبديت للناس بعضها

لأصبح من بصق الأحبة في بحر

فدونك عرضي فاهج حيا وإن أمت

فأقسم إلّا ما خريت على قبري

وقال في امرأته يهجوها (١) :

يا ركبتي خزز (٢) وساق نعامة

وزنبيل كنّاس ورأس بعير

يا من أشبهها بحمّى نافض

قطّاعة للظهر ذات زئير

صدغاك قد شمطا ونحرك يابس

والصدر منك كجؤجؤ الطنبور (٣)

يا من معانقها يبيت كأنه

في محبس قمل ، وفي ساجور (٤)

قبّلتها فوجدت طعم (٥) لثاتها

فوق اللثام كلسعة الزنبور

وله هجاء قبيح في امرأته عالية وله في جاريته غزال يهجوها (٦) :

رأيت غزالا وقد أقبلت

فأبدت لعينيّ عن مبصقة

قصيرة الخلق دحداحة (٧)

تدحرج في المشي كالبندقة

كأن ذراعا على كفها

إذا حسرت ذنب الملعقة

تخطّط حاجبها بالمداد

وتربط في عجزها مرفقة

وأنف على وجهها ملصق

قصير المناخر كالفستقة

وثديان ؛ ثدي كبلوطة

وآخر كالقربة المفهقة (٨)

وصدر نحيف كثير العظام

تقعقع من فوقه المخنقة (٩)

وثغر إذا كسرت (١٠) خلجته

نحانح (١١) فامية مغلقة

__________________

(١) ديوانه ص ٢٠٢ وبغية الطلب ٧ / ٣٥١٧.

(٢) مهملة بالأصل والمثبت عن الديوان ، والخزز : ولد الأرنب والزبيل : وعاء ، والقفة.

(٣) الطنبور : آلة طرب معروفة ذات عنق طويل ، فارسية (اللسان).

(٤) الساجور : خشبة تعلق في عنق الكلب.

(٥) الديوان : لدغة ريقها فوق اللسان.

(٦) ديوانه ص ٢٤٠ ـ ٢٤١ وبغية الطلب ٧ / ٣٥١٧ ـ ٣٥١٨ وفيهما اسم الجارية : غزال وهو ما أثبتناه وبالأصل «غربال».

(٧) الدحداحة : القصيرة.

(٨) المفهقة : الواسعة الممتلئة.

(٩) المخنقة : القلادة.

(١٠) الديوان : «كشرت» وفي ابن العديم : «كشفت».

(١١) الديوان : تخالج فانية.

٢٧٠

ثم قال عبد الله بن طاهر لضبّي : فعلى من بقي هذا ، ويحك يا ضبي ما أحسبه إلّا كما قلت فبقيت من حفظه لهذه الأشياء متعجبا.

قال : فلقيت دعبلا بعد ذلك فخفت أن أذكر له شيئا فضحكت فقال لي : ويلي عليك قد تحاماني الناس وأنا عندك موضع مطنزة وسخرية ، قلت : لا ولكني إنما ضحكت استبشارا بالنظر إليك ، قال : ثم لقيته من بعد فضحكت فقال : ويلك أنت على ذاك الذي عهدت فالتفت إلي غلامه نفنف فقال : خذ برجله ابن كذى وكذا قال : قلت : يا أبا علي إن هجرتني وصلتك وإن وصلتني وددتك وإن جفوتني زرتك ولا سبيل إلى إخبارك بهذا الذي أنا فيه ، فلم يزل كذلك حينا حتى توفي عبد الله بن طاهر.

قال : فلقيت دعبلا يوما بكرخ بغداد فضحكت ، فقال : ليس لضحكك هذا آخر يا ابن الفاعلة ، قال : فقلت له : امض بنا فقد فرج الله عني وعنك ، فذهبت به إلى منزلي فطعمنا وأخبرته الخبر على جهته ، فقال : ويلي على ابن العوراء الفاعلة ، والله لو أعلمتني قبل وفاته لأعلمتك كيف كانت تكون حاله ، قال : قلت : هو والله كان أبصر منك ، وأعرف بك إذ أخذ عليّ في أمرك ما أخذ ، ثم أمسك متعجبا.

أخبرنا أبو الحسن علي بن الحسن بن سعيد ، قال : ثنا وأبو النجم بدر بن عبد الله ، أنبأ أبو بكر الخطيب (١) ، أخبرني عبيد الله بن [أبي](٢) الفتح ، أنا محمّد بن العباس الخزّاز ، نا محمّد بن خلف بن المرزبان المحولي ، حدّثني إسحاق بن محمّد بن أبان ، قال : كنت قاعدا مع دعبل بن علي بالبصرة ، وعلى رأسه غلام يقال له نفنف فمر به أعرابي يرفل في ثياب خزّ فقال لغلامه : ادع هذا الأعرابي إلينا ، فأومأ الغلام إليه فجاء ، فقال له دعبل : ممن الرجل؟ فقال : رجل من بني كلاب ، قال : من أي بني كلاب؟ قال : من ولد أبي بكر ، قال : أتعرف الذي يقول (٣) :

ونبّئت كلبا من كلاب يسبّني

ومحض كلاب يقطع الصّلوات

فإن أنا لم أعلم كلابا بأنها

كلاب ، وأني باسل النقمات

__________________

(١) الخبر في تاريخ بغداد ٨ / ٣٨٣ والأغاني ٢٠ / ١٤٢ ـ ١٤٣ وبغية الطلب ٧ / ٣٤٩٩ ـ ٣٥٠٠.

(٢) الزيادة عن تاريخ بغداد.

(٣) ديوان دعبل ص ١٥٤ وتاريخ بغداد وبغية الطلب.

٢٧١

فكان إذا من قيس عيلان والدي

وكانت إذا أمي من الحبطات (١)

يعني بني تميم وهم أعدى الناس لليمن ، قال أبو يعقوب : وهذا الشعر لدعبل في عمرو بن عاصم الكلابي ، فقال له الأعرابي : ممن أنت؟ فكره أن يقول له من خزاعة ، فقال : أنا أنتمي إلى القوم الذين يقول فيهم الشاعر :

أناس عليّ الخير منهم وجعفر

وحمزة والسجاد ذو الثّفنات

إذا افتخروا يوما أتوا بمحمّد

وجبريل والقرآن والسورات (٢)

وهذا الشعر أيضا له ، قال : فوثب الأعرابي وهو يقول : محمّد وجبريل والقرآن والسورات ما إلى هؤلاء مرتقى ما إلى هؤلاء مرتقى.

أنبأنا أبو القاسم علي بن إبراهيم ، وأبو الوحش سبيع بن المسلّم ، عن أبي الحسن رشأ بن نظيف ، أنا أبو الحسن محمّد بن جعفر النهدي بالكوفة ، أنا أبو [بكر] الصولي ، أخبرني أبو عبد الله الألوسي ، أخبرني أبو محمّد الخزاعي المكي صاحب كتاب مكة ، عن الأزرقي ، قال : بلغ دعبلا أن أبا تمام قد هجاه عند قوله قصيدته التي ردّ فيها على الكميت وهي :

أفيقي من ملامك يا ظعينا

كفاك الشيب مرّ الأربعينا (٣)

فقال أبو تمام (٤) :

نقضنا للحطيئة ألف بيت

فذاك الحي يغلب ألف ميت

كذلك دعبل يرجوا شفاها

وحمقا أن ينال مدى الكميت

إذا ما الحيّ ناقض حثو رمس

فذلكم ابن فاعلة بزيت

فقال دعبل (٥) :

__________________

(١) الحبطات هم أولاد الحارث بن مالك بن عمرو بن تميم ، سمي بالحبط كسبب ، لأنه أكل شيئا فورم بطنه فأصابه منه مثل الحبط.

(٢) البيتان ليسا في ديوانه ، وهما في المصادر السابقة.

(٣) ديوان دعبل ص ٢٩١ وفيه : كفاك اللوم.

(٤) لم أجد الأبيات في ديوانه ط بيروت ، وهي في الأغاني ٢٠ / ١٢٣ منسوبة لأبي سعد المخزومي قالها في دعبل باختلاف واضح.

(٥) الأبيات في ديوانه ص ٣٥٥ قالها : «في هجاء الخاركي البصري أو أبي تمام» وهي في الأغاني ٢٠ / ١٣٠ باختلاف ، هجا الخاركي النصري.

٢٧٢

يا (١) عجبا من شاعر مفلق

آباؤه في طيئ تنمي

أتيته يشتم من جهله

أمّي (٢) وما أصبح من همّي

فقلت : لكن (٣) حبّذا أمّه

طاهرة زاكية علمي

كذبت والله على أمّه

ككذبه أيضا على أمّي

قال : أنا الصولي : وقد رويت الأبيات الثانية لأبي سعد المخزومي ورويت أيضا لغير دعبل في أبي تمام.

أخبرنا أبو السعادات أحمد بن أحمد المتوكلي ، أنبأ أبو بكر الخطيب ، أنا أبو علي المقرئ ، أنا محمّد بن جعفر التميمي ، أنشدنا أبو علي المنصوري لدعبل بن علي :

قوم إذا أكلوا أخفوا كلامهم

واستوثقوا من لزوم الباب والدار

لا يقبس الجار منهم فضل نارهم

ولا تكف يد عن حرمة الجار

أخبرنا أبو القاسم الحسين بن الحسن بن محمّد ، أنا أبو البركات بن طاوس ، أنا علي بن المحسّن التنوخي ، أنبأ أبو عمر بن حيّوية ، أنا أبو بكر محمّد بن خلف بن المرزبان إجازة ، قال : أنشد لدعبل بن علي الخزاعي (٤) :

عدوّ راح في ثوب الصديق

شريك في الصّبوح وفي الغبوق

له وجهان : ظاهره ابن عم

وباطنه ابن زانية (٥) عتيق

يسرك مقبلا ويسوؤك غيبا

كذلك يكون أولاد الطريق

أخبرنا أبو الحسن بن سعيد ، نا وأبو النجم الشّيحي ، أنا أبو بكر الخطيب (٦) ، أخبرني أبو عبد الله محمّد بن عبد الواحد ، أنا محمّد بن العباس ، أنا محمّد بن خلف بن

__________________

(١) رواية الديوان والأغاني :

وشاعر عرض لي نفسه

لخارك آباؤه تنمي

(٢) الديوان : يشتم عرضي عند ذكري وما أمسى.

(٣) الديوان والأغاني :

لا بل حبذا أمه

خيرة طاهرة علمي

(٤) ديوانه ص ٣٤٧ وبغية الطلب ٧ / ٣٥٢٧.

(٥) الأصل : «وابنه» والمثبت عن الديوان.

(٦) تاريخ بغداد ٨ / ٣٨٥ وبغية الطلب ٧ / ٣٥٢٥.

٢٧٣

المرزبان ، أخبرني أحمد بن منصور ، قال : أهدى بعض العمال إلى دعبل بن علي برذونا فوجده زمنا فردّه وكتب إليه (١) :

وأهديته زمنا فانيا

فلا للركوب ولا للثمن (٢)

حملت على زمن شاعرا (٣)

فسوف تكافأ بشعر زمن

وقال محمّد بن خلف : أخبرني عبد الرّحمن بن حبيب ، قال : قدم صديق لدعبل من الحج فوعده أن يهدي له نعلا فأبطأت عليه ، فكتب إليه (٤) :

وعدت النعل ثم صدفت عنها

كأنها تبتغي شتما وقذفا

فإن لم تهد لي نعلا فكنها

إذا أعجمت بعد النون حرفا

أخبرنا أبو القاسم بن السّمرقندي ، وأبو الفضل أحمد بن الحسن بن هبة الله ، قالا : أنا أبو الخطاب عبد الملك بن أحمد بن عبد الله الخطيب ، أنا أبو عبد الله الحسين بن محمّد بن جعفر الجائع ، أنا سليمان بن أحمد الطّبراني ، أنشدنا أبو العباس المبرّد ، أنشدنا دعبل لنفسه ح.

وأخبرنا أبو السعادات المتوكلي ، أنا أبو بكر أحمد بن علي ، أنا أبو علي الحسن بن علي بن عبد الله المقرئ ، أنا أبو الحسن محمّد بن جعفر التميمي الكوفي ، أنشدنا أبو بكر الصولي لدعبل بن علي الخزاعي (٥) :

رأيت أبا عمران يبذل عرضه

وخبز أبي عمران في أحرز الحرز

يحن إلى جاراته بعد شبعه (٦)

وجاراته غرثى تحنّ إلى الخبز

أنبأنا أبو طالب الحسين بن محمّد الزينبي ، وحدّثنا عمي رحمه‌الله لفظا ، أنا أبو طالب الزينبي قراءة ، أنبأ أبو القاسم عبيد الله بن أحمد بن عثمان الأزهري ، أنا أبو

__________________

(١) البيتان في ديوانه ص ٣٠٥ وتاريخ بغداد ، والأغاني ٢٠ / ١٣٣ كتبهما إلى عبد الرحمن بن خاقان ، وبغية الطلب ٧ / ٣٥٢٥.

(٢) الأصل : «للتمني» والمثبت عن المصادر السابقة.

(٣) الأغاني : ظالع ... بشكر زمن.

(٤) البيتان في ديوانه ص ٢٣٨ وتاريخ بغداد وبغية الطلب.

(٥) البيتان في ديوانه ص ٢١٠ والكامل للمبرد ص ١٠٧١.

(٦) الأصل : «سبعه» والمثبت عن الديوان.

٢٧٤

عمر بن حيّوية الخزاز ، نا أبو مزاحم موسى بن عبيد الله بن خاقان ، قال : قال الحارث ـ يعني ابن أبي أسامة ـ وأنشدني ـ يعني محمّد بن يحيى ـ لدعبل ـ يعني ابن علي ـ (١) :

شهدت الزطاطي (٢) في مجلس

وقد كان عندي بغيضا مقيتا

فقال : اقترح بعض ما تشتهي

فقلت : اقترحت عليك السكوتا

أخبرنا أبو العز أحمد بن عبيد الله بن كادش ـ فيما قرأ علي إسناده ، وناولني إياه ، وقال اروه عني ـ أنبأ محمّد بن الحسن ، أنبأ أبو الفرج المعافا بن زكريا القاضي (٣) ، نا محمّد بن يحيى ، حدّثني عون بن محمّد ، قال : لما هجا دعبل المطّلب بن عبد الله بن مالك الخزاعي فقال (٤) :

اضرب ندى طلحة الطلحات متئدا

ببخل (٥) مطّلب فينا وكن حكما

تخرج خزاعة من لؤم ومن كرم

فلا تعدّلها لؤما : ولا كرما

ويروى : «تسلم خزاعة» فدعاه بعد ذلك المطّلب ، فلما دخل عليه قال : والله لأقتلنك لهجائك لي ، فقال له : فأشبعني إذا ولا تقتلني جائعا ، فقال : قبحك الله هذا أهجا من الأول ، ثم وصله فحلف أنه يمدحه ما عاش فقال فيه (٦) :

سألت الندى لا عدمت الندى

وقد كان منا زمانا عزب

فقلت له ؛ طال عهد اللقاء

فهل غبت بالله أم لم تغب

فقال : بلى ، لم أزل غائبا

ولكن قدمت مع المطلب

قال القاضي : وفي هذا الخبر ما دلّ [على](٧) دهاء دعبل ولطف حيلته ، وأنبأ عن ذكاء المطّلب ودقة فطنته ، وقد روي مثل هذا عن معن بن زائدة ، وأتي بجماعة قد عاثوا في عمله فأمر بقتلهم ، فقال له أحدهم : أعيذك بالله أن تقتلنا عطاشا ، فأمر بإحضار ماء

__________________

(١) ديوانه ص ٣٢٧ وانظر تخريجهما فيه.

(٢) الديوان : الرقاشي.

(٣) الخبر في الجليس الصالح الكافي ٣ / ١٥٤ ـ ١٥٥ ونقله عن المعافى ابن العديم في بغية الطلب ٧ / ٣٥٢٣ ـ ٣٥٢٤ وكتب محققه بالهامش أنه «ليس في المطبوع من الجليس الصالح».

(٤) البيتان في مصدري الخبر ، وفي الأغاني ٢٠ / ١٥٢ و ١٦١ وديوانه ص ٢٧٨.

(٥) الديوان والأغاني : بلؤم.

(٦) الأبيات في ديوانه ص ١٢١ وبغية الطلب ٧ / ٣٥٢٤.

(٧) زيادة عن الجليس الصالح.

٢٧٥

يسقونهم فأحضر فلما شربوا قال : أيها الأمير لا تقتل أضيافك ، فقال : أولى لك ، وأمر بتخليتهم.

قال : وأنا المعافا ، نا محمّد بن يحيى الصولي ، نا عون ، أنشدني دعبل لنفسه يرثي المطّلب (١) :

مات الثلاثة لما مات مطّلب

مات الحياء ومات الرعب والرّهب

لله أربعة قد ضمها كفن

أضحى يعزى بها الإسلام والعرب

يا يوم مطّلب أصحبت أعيننا

دمعا يدوم لها ما دامت الحقب

هذي خدود بني قحطان قد لصقت

بالتّرب منذ استوى من فوقك الترب

قال القاضي : قول دعبل في شعره في الخبر المتقدم : «اضرب ندى طلحة الطلحات» اسكن اللام في قوله الطّلحات للضرورة وحقها التحريك ، والعرب تقول طلحة الطّلحات وحمزة وحمزات وتمرة وتمرات وجمرة وجمرات ومثله الرّكعات والسّجدات بفتح عين الفعل من فعلات في الأسماء من هذا الباب ، ما لم تكن العين واوا أو ياء أو ألفا وقد أسكن الراجز العين من الاسم في الباب الذي وصفت فقال :

على (٢) صروف الدهر أو دلاتها

تديلنا اللّمة من لماتها

فتستريح النفس من زفراتها

بعث إليّ أبو الغيث منقذ بن مرشد بن علي بن المقلد كتابا كان لأبيه أبي سلامة جمعه أبو غالب همّام بن الفضل بن جعفر بن علي بن المهذب المضري في التواريخ فكان فيه سنة عشرين ومائتين فيها قتل المعتصم بالله دعبل بن علي الخزاعي لهجائه له ، وكان قد استجار بغير الرشيد بطوس فلم يجره كذا ذكر هذا المعري ولا أدري عمن أخذ ذلك ، والصحيح في هلاكه غير ذلك.

أخبرنا أبو الحسن بن سعيد ، ثنا وأبو النجم بدر بن عبد الله ، أنبأ أبو بكر الخطيب (٣) ، أنا بشرى بن عبد الله الرومي ، نا عمر بن أحمد بن يوسف الوكيل ، حدّثني

__________________

(١) ديوانه ص ٣٢٠ وبغية الطلب ٧ / ٣٥٢٤.

(٢) الجليس الصالح : علّ.

(٣) تاريخ بغداد ٨ / ٣٨٥.

٢٧٦

محمّد بن القاسم المعروف بابن أخي السوس ، قال : قال أبو القاسم إسماعيل بن علي الخزاعي : ولد دعبل سنة ثمان وأربعين ومائة ، ومات سنة ست وأربعين ومائتين ـ بالطّيب (١) ـ فعاش سبعا وتسعين سنة وشهورا من سنة ثمان ، ويكنى أبا علي ، واسمه عبد الرّحمن بن علي ، وإنما لقبته دايته لدعابة كانت فيه ، فأرادت ذعبلا فقلبت الذال دالا.

وبلغني أن سبب وفاته أنه هجا مالك بن طوق التّغلبي ، فبعث إليه رجلا ضمن له عشرة آلاف درهم ، وأعطاه سمّا فلم يزل يطلبه حتى وجده قد نزل في قرية بنواحي السّوس (٢) ، فاغتاله في وقت من الأوقات بعد صلاة العتمة فضرب ظهر قدمه بعكازة لها زجّ مسموم فمات من غد ، ودفن بتلك القرية ، وقيل : بل حمل إلى السّوس فدفن بها (٣).

٢٠٨٤ ـ دعلج بن أحمد بن دعلج بن عبد الرّحمن

أبو محمّد السختياني (٤) الفقيه الثقة ، نزيل بغداد (٥)

سمع بدمشق أبا (٦) الحسن بن جوصا ، وبمكة : علي بن عبد العزيز البغوي ، وبخراسان : محمّد بن إبراهيم البوشنجي (٧) ، وجعفر بن محمّد بن الحسين الترك ، ومحمّد بن عمرو الحرسي كشمرد (٨) ، وأبا بكر بن خزيمة ، ومحمّد بن إسحاق بن راهوية ، وعبد الله بن محمّد بن شيرويه (٩) ، والحسن بن سفيان ، وأبا العباس أحمد بن خالد الدامغاني ، وأحمد بن محمّد بن مهدي الهروي ، وبالري : علي بن الحسين بن الجنيد ، ومحمّد بن أيوب ، وبالعراق : العباس بن الفضل الأسفاطي (١٠) ،

__________________

(١) بلدة بين واسط وخوزستان (ياقوت).

(٢) بلدة بخوزستان (ياقوت).

(٣) بغية الطلب ٧ / ٣٥٣٠.

(٤) في مصادر ترجمته : السجستاني.

(٥) ترجمته في تاريخ بغداد ٨ / ٣٨٧ تذكرة الحفاظ ٣ / ٨٨١ بغية الطلب ٧ / ٣٥٣١ الوافي بالوفيات ١٤ / ١٧ سير الأعلام ١٦ / ٣٠ وبالحاشية فيهما ثبت بأسماء مصادر أخرى ترجمت له.

(٦) بالأصل : أنا.

(٧) بالأصل : البوسنجي ، بالسين المهملة ، خطأ.

(٨) سير الأعلام : قشمرد.

(٩) الأصل : سيرويه ، والمثبت عن تاريخ بغداد.

(١٠) بالأصل : الأسقاطي ، بالقاف ، والمثبت عن تاريخ بغداد وسير الأعلام وم.

٢٧٧

وهشام بن علي السّدوسي ، وعبد العزيز بن معاوية ، وأبا المثنى الحسن بن مثنى بن معاذ العنبري ، وأحمد بن علي الأبّار ، وبشر بن موسى ، وعبد الله بن أحمد بن حنبل ، ومحمّد بن سليمان بن الحارث الواسطي ، وابنه محمّد بن محمّد بن سليمان ، ويوسف بن يعقوب القاضي ، وأبا مسلم إبراهيم بن عبد الله الكجّي ، ومحمّد بن غالب بن حرب التمتام ، وموسى بن هارون الحمّال (١) ، وعبد الله بن أحمد بن الحسن الحرّاني ، وأحمد بن الحسن بن عبد الجبار الصوفي ، وجعفر بن محمّد بن الحسن الفريابي ، وأحمد بن إبراهيم بن ملحان ، وأبوي بكر بن أبي داود ، وعبد الله بن محمّد بن إياد ، وأبا القاسم البغوي ، وخلقا غيرهم.

روى عنه : أبو عمر بن حيّوية ، وأبو الحسن الدارقطني ، والحاكم أبو عبد الله الحافظ ، وأبو أحمد عبيد الله بن محمّد بن أحمد بن أبي مسلم الفرضي ، وأبو الحسين بن جميع الصّيداوي ، وأبو الفضل أحمد بن أبي عمران الهروي ، وأبو محمّد الحسن بن إسماعيل الضّرّاب ، وأبو عبد الله أحمد بن عمر بن محمّد الحيري ، وأبو علي بن شاذان ، ومحمّد بن أحمد بن روق البزّار ، وأبو الحسين بن الفضل القطان ، وعلي وعبد الملك ابنا بشران ، وعلي بن أحمد الرزاز ، وأحمد بن علي البادا (٢) وغيرهم.

كتب إليّ أبو الحسن علي بن محمّد بن يوسف بن العلّاف المقرئ ، وأخبرني أبو طاهر محمّد بن محمّد بن عبد الله السنجي بمرو عنه ، أنبأ أبو الحسن بن الحمّامي ، أنبأ دعلج بن أحمد بن دعلج ، نا موسى بن إبراهيم ، وأنا سألته ، نا الحارث بن عبد الله الهمذاني بهمذان (٣) ، نا هشيم ، عن عاصم بن كليب ، عن علقمة بن وائل ، عن أبيه ، قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا ركع فرج أصابعه ، وإذا سجد ضم أصابعه الخمس [٤١٢٨].

قال أبو محمّد دعلج : حدّثنا عبد الله بن علي بن الجارود ، نا محمّد بن إسحاق بن خزيمة ، حدّثني موسى بن هارون ، قال الجارودي : ثم لقيت موسى بن هارون ، فحدّثني به.

__________________

(١) الحمال بالمهملة كما في تقريب التهذيب ، وفي بغية الطلب : الجمال.

(٢) في سير الأعلام : البادي.

(٣) بالأصل : الهمداني ، بهمدان ، بإهمال الدال في اللفظتين.

٢٧٨

قال أبو محمّد دعلج ، وحدّثناه ابن خزيمة ، قال : حدّثني موسى بن هارون ، قال أبو محمّد : ثم لقيت موسى بن هارون فحدّثني به.

أنبأنا أبو المظفّر بن القشيري عن محمّد بن علي بن محمّد ، أنا أبو عبد الرّحمن السّلمي ، أنا أبو الحسن الدارقطني ، قال : سمعت دعلج بن أحمد يقول : دخلت دمشق وكتب لي عن ابن جوصا جزء.

كتب إلي أبو زكريا يحيى بن عبد الوهاب بن مندة ، وحدّثني أبو بكر اللفتواني عنه ، أنبأ عمي أبو القاسم عن أبيه أبي عبد الله ، قال : قال : أنا أبو سعيد بن يونس : دعلج بن أحمد بن دعلج ، يكنى أبا محمّد سجستاني سكن بغداد وقدم منها إلى مصر ، وحدّث بها عن أهل خراسان وعن أهل بغداد ، وكان ثقة (١).

كتب إليّ أبو نصر بن القشيري ، أنا أبو بكر البيهقي ، أنا أبو عبد الله الحافظ ، قال : دعلج بن أحمد بن دعلج الفقيه أبو محمّد السّجزي شيخ أهل الحديث في عصره ، له صدقات جارية على أهل الحديث بمكة وبغداد وسجستان ، وكان أول رحلة له إلى نيسابور ثم انصرف مرة أخرى بعد دخوله العراق إلى نيسابور ، فسمع المصنفات من أبي بكر بن خزيمة ، وكان يفتي على مذهبه ، سمعته يقول ذلك ، ثم إنه سكن مكة وجاور بها ثم انتقل إلى بغداد (٢).

أخبرنا أبو الحسن بن سعيد ، ثنا وأبو النجم بدر بن عبد الله ، أنبأ أبو بكر الخطيب ، قال (٣) : دعلج بن أحمد بن دعلج بن عبد الرّحمن أبو محمّد السّجستاني المعدل ، سمع الحديث ببلاد خراسان ، وبالري ، وحلوان ، وبغداد ، والبصرة ، والكوفة ، ومكة ، وكان من ذوي اليسار والأحوال ، وأحد المشهورين بالبر والإفضال ، وله صدقات جارية ، ووقوف محبسة على أهل الحديث ببغداد ، وبمكة ، وسجستان ، وكان جاور بمكة زمانا ، ثم سكن بغداد واستوطنها ، وحدث بها عن محمّد بن عمرو الحرشي ، ومحمّد بن النضر الجارودي ، وجعفر بن محمّد الترك ، وعبد الله بن شيرويه

__________________

(١) انظر سير الأعلام ١٦ / ٣١.

(٢) المصدر نفسه.

(٣) تاريخ بغداد ٨ / ٣٨٧.

٢٧٩

النيسابوريين ، وعن عثمان بن سعيد الدارمي ، وعلي بن محمّد بن عيسى الجكّاني (١) الهرويين (٢) ، وعن محمّد بن إبراهيم البوشنجي (٣) ، والحسن بن سفيان النّسوي ، ومحمّد بن أيوب ، وعلي بن الحسين بن الجنيد الرازيين ، وإبراهيم بن زهير الحلواني ، ومحمّد بن رمح البزّاز ، ومحمّد بن أحمد بن البراء العبدي ، وأحمد بن القاسم بن المساور ، ومحمّد بن شاذان الجوهريين ، ومحمّد بن سليمان الباغندي ، ومحمّد بن غالب التمتام ، وبشر بن موسى الأسدي ، وعلي بن الحسن بن بنان (٤) الباقلاني ، وإسحاق بن الحسن الجرمي (٥) ، وعبد الله بن أحمد بن حنبل ، وأحمد بن علي الأبّار ، وموسى بن هارون الحافظ ، ومعاذ بن المثنى العنبري ، وأبي مسلم الكجّي ، وعبيد الله بن موسى الإصطخري ، ومحمّد بن يحيى بن المنذر القزاز البصري ، وعباس بن الفضل الاسفاطي (٦) ، وعبد العزيز بن معاوية القرشي ، وأحمد بن موسى الحمّار (٧) الكوفي ، ومحمّد بن عبد الله الحضرمي ، وعلي بن عبد العزيز البغوي ، ومحمّد بن علي بن زيد الصائغ المكي ، وخلق كثير سوى هؤلاء ، روى عنه أبو عمر بن حيّوية ، وأبو الحسن الدارقطني ، وحدّثنا عنه أبو الحسن بن رزقويه ، وأبو الحسين بن الفضل ، وعلي وعبد الملك ابنا بشران ، وعلي بن أحمد الرزاز ، وأحمد بن علي البادا ، وأحمد بن عبد الله بن المحاملي ، وغيلان بن محمّد السمسار ، وأبو علي بن شاذان وغيرهم ، وكان ثقة ثبتا ، قبل الحكام شهادته ، وأثبتوا عدالته وجمع له المسند ، وحديث شعبة ومالك وغير ذلك ، وبلغني أنه بعث بكتابه المسند إلى أبي العباس بن عقدة لينظر فيه ، وجعل في الأجزاء بين كل ورقتين دينارا ، وكان أبو الحسن الدارقطني هو الناظر في أصوله والمصنف له كتبه ، فحدّثني القاضي أبو العلاء الواسطي عن الدارقطني ، قال : صنفت لدعلج المسند الكبير ، فكان إذا شك في حديث ضرب عليه ، ولم أر في مشايخنا

__________________

(١) هذه النسبة إلى جكان بالفتح ثم التشديد محلة على باب مدينة هراة (ياقوت ، ذكره ممن انتسب إليها وترجم له).

(٢) في تاريخ بغداد : القزويني.

(٣) الأصل وتاريخ بغداد «البوسنجي» بالسين المهملة خطأ.

(٤) عن تاريخ بغداد ، وإعجامها غير واضح بالأصل وتقرأ «يبان» أو «بيان».

(٥) تاريخ بغداد : الحربي.

(٦) عن تاريخ بغداد ، وبالأصل «الاسقاطي» بالقاف.

(٧) الحمّار هذه النسبة إلى بيع الحمير (انظر اللباب).

٢٨٠