منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٣

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٣

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: مطبعة غدير
الطبعة: ٦
الصفحات: ٧٨٣

إحداها (١) : أنه لا ريب في أن الأحكام الخمسة متضادة في مقام فعليتها ، وبلوغها (٢) إلى مرتبة البعث والزجر ، ضرورة (٣) ثبوت المنافاة والمعاندة التامة بين البعث نحو واحد (٤) في زمان والزجر عنه في ذلك الزمان (٥)

______________________________________________________

تضاد الأحكام الخمسة

(١) غرضه من تمهيد هذه المقدمة إثبات التضاد بين الأحكام الخمسة ، وأن البناء على اجتماع اثنين منها في فعل واحد مساوق لجواز اجتماع الضدين ، ومن المعلوم أنه في الاستحالة كاجتماع النقيضين.

وحاصل ما أفاده : أن التضاد بين الأحكام ليس في جميع المراتب من الاقتضاء والإنشاء وغيرهما ، بل في خصوص مرتبة فعليتها ، إذ البعث والزجر الفعليان المترتبان على انقداح الإرادة والكراهة متضادان ، ضرورة امتناع تعلق الإرادة بإيجاد شيء والزجر عنه في آن واحد ، فان مقتضى البعث والزجر الفعليين ـ وهو الفعل والترك ـ متناقضان ، فنفس البعث والزجر المقتضيين لهما أيضا متنافيان ، ويستحيل اجتماعهما. لا أنهما يكونان من التكليف بغير المقدور حتى يندرجا في التكليف بالمحال الّذي هو جائز عند الأشاعرة.

والحاصل : أن التضاد انما هو في مقام الفعلية دون الاقتضاء والإنشاء ، إذ لا مانع من كون شيء ذا مصلحة من جهة وذا مفسدة من أخرى. وكذا لا مانع من إنشاء حكم بمجرد وجود مقتضية ولو مع اقترانه بالمانع ، فان الإنشاءات المجردة عن الإرادة والكراهة لا تنافي بينها ، فتجتمع كاجتماع مقتضياتها.

(٢) أي : بلوغ الأحكام ، وهو معطوف على «فعليتها» ومفسر لها.

(٣) تعليل للتضاد بين الأحكام الفعلية ، وقد مر توضيحه آنفاً.

(٤) أي : شيء واحد.

(٥) أي : زمان البعث.

٨١

وان لم يكن بينهما (١) مضادة ما لم تبلغ إلى تلك المرتبة (٢) ، لعدم (٣) المنافاة والمعاندة بين وجوداتها الإنشائية (٤) قبل البلوغ إليها (٥) كما لا يخفى. فاستحالة (٦) اجتماع الأمر والنهي في واحد لا تكون من باب التكليف بالمحال (٧) ، بل من جهة أنه بنفسه محال ، فلا يجوز

______________________________________________________

(١) أي : بين البعث والزجر.

(٢) أي : مرتبة الفعلية.

(٣) تعليل لعدم التضاد بين الحكمين ما لم يبلغا مرتبة الفعلية.

(٤) الأحكام الإنشائية هي الأحكام المجعولة على ما تقتضيها ملاكاتها وان كانت مقرونة بالمانع ، فعلى هذا يمكن إنشاء الوجوب والحرمة لشيء واحد إذا كان فيه مصلحة ومفسدة وان كان الحكم الفعلي أحدهما أو غيرهما ، لأن الحكم الفعلي تابع للملاك الّذي يكون داعياً إلى تشريعه.

وبالجملة : فلا منافاة بين الحكمين الإنشائيين التابعين لمجرد وجود المقتضي لهما ولو مع وجود المانع.

(٥) أي : إلى الفعلية ، فان التنافي بين الحكمين انما يكون في هذه المرتبة دون مرتبة الإنشاء والاقتضاء.

(٦) هذا متفرع على تضاد الأحكام في مرتبة الفعلية.

(٧) يعني : أن اجتماع الأمر والنهي الفعليين بنفسه محال ، لكونه من اجتماع الضدين الّذي هو محال في نفسه ، لا أن الاجتماع المذكور يكون من التكليف بغير المقدور ، لعدم قدرة العبد على الجمع بين الفعل والترك حتى يكون من التكليف بالمحال الّذي هو جائز عند بعض.

٨٢

عند من يجوز التكليف بغير المقدور أيضا (١).

ثانيتها (٢) : أنه لا شبهة في أن متعلق الأحكام [انما] هو فعل المكلف

______________________________________________________

(١) يعني : أن القائلين بجواز التكليف بغير المقدور يعترفون أيضا بعدم جواز اجتماع الأمر والنهي الفعليين ، لكونه بنفسه محالا.

تعلق الأحكام بالمعنونات

(٢) الغرض من تمهيد هذه المقدمة : تعيين متعلق الحكم سواء كان أمراً أم نهياً ، وأنه ليس إلّا نفس المعنون الّذي هو فعل المكلف ، وتوضيحه منوط ببيان أمرين :

الأول : أن الحكم تابع لملاكه ، فكل ما فيه الملاك يكون متعلقاً للحكم ، لأن تعلقه بغير ما يقوم به الملاك ينافي ما عليه مشهور العدلية من تبعية الأحكام للملاكات الثابتة في متعلقاتها ، فتعلق الحكم بغير ما يقوم به الملاك يكون جزافاً.

الثاني : أن الملاكات لا تقوم بالأمور الاعتبارية التي لا تأصل لها في الخارج بل تقوم بالموجودات الخارجية المتأصلة. وعليه ، فالعنوان الاعتباري المأخوذ متعلقاً للتكليف في ظاهر الخطاب ليس متعلقاً له حقيقة ، بل هو عنوان مشير إلى ما هو المتعلق واقعاً وحاكٍ عنه ، فالمتعلق هو المعنون والمسمى ، دون العنوان والاسم اللذين ينتزعان عن المعنون والمسمى ، ولا يكون لهما ما يحاذيهما في الخارج ، كما هو شأن الخارج المحمول كالزوجية والرقية والحرية ونحوها من الاعتباريات التي لا وجود لها في الخارج ، وتكون من الخارج المحمول ، وتؤخذ آلة للحاظ متعلقات الأحكام.

إذا عرفت هذين الأمرين تعرف : أن متعلق الحكم هو الفعل الخارجي الصادر من المكلف ، لأنه مركب الملاك الّذي يتبعه الحكم ، لا اسمه وعنوانه ، ففي

٨٣

وما هو في الخارج يصدر عنه و [ما] هو (١) فاعله وجاعله ، لا ما هو اسمه (٢) ، وهو واضح ، ولا ما هو عنوانه (٣) مما قد انتزع عنه ، بحيث لو لا انتزاعه تصوراً واختراعه ذهناً (٤) لما كان بحذائه شيء خارجاً ، ويكون (٥) خارج المحمول كالملكية والزوجية والرقية والحرية

______________________________________________________

الصلاة مثلا يتعلق البعث بنفس ما يقع في الخارج من الركوع والسجود والقراءة وغيرها من الأفعال والأقوال ، دون عنوانه كالصلاة. وكذا الغصب ، فان النهي يتعلق بنفس التصرف الخارجي في مال الغير بدون رضاه ، وعنوان الغصب معرف له ، ومشير إليه.

(١) أي : المكلف فاعله وموجده.

(٢) أي : اسم الفعل كالصلاة التي هي اسم لأفعال خاصة.

(٣) أي : عنوان الفعل من العناوين المنتزعة عنه ، ولا يكون لها ما يحاذيها شيء في الخارج ، ويكون عروضها لمتعلق الحكم في الذهن ، كعنوان المغصوبية العارض للتصرف في مال الغير الّذي هو متعلق الحكم.

(٤) إشارة إلى : أن عروض العنوان لمتعلق الحكم يكون في الذهن ، لأن عروض المغصوبية للموجود الخارجي المتعلق للحكم ـ وهو التصرف في مال الغير بدون رضاه ـ ليس كعروض السواد والبياض وغيرهما من الاعراض الخارجية لمعروضاتها ، ضرورة أن ظرف العروض في الاعراض الخارجية هو الخارج. بخلاف الملكية والزوجية والمغصوبية ونحوها من الأمور الاعتبارية ، فان ظرف عروضها هو الذهن ، إذ لا يحاذيها شيء في الخارج حتى يكون الخارج ظرف عروضها.

(٥) معطوف على قوله : «قد انتزع» ، يعني : ومما يكون خارج المحمول ... إلخ.

٨٤

والمغصوبية إلى غير ذلك من الاعتبارات والإضافات ، ضرورة (١) أن البعث ليس نحوه ، والزجر لا يكون عنه ، وانما يؤخذ (٢) في متعلق الأحكام آلة للحاظ متعلقاتها ، والإشارة (٣) إليها بمقدار الغرض منها والحاجة (٤)

______________________________________________________

والخارج المحمول هو ما يخرج عن حاق المعروض ويحمل عليه من دون أن يكون له ما يحاذيه في الخارج ، كالوحدة ، والتشخص ، والوجوب ، والامتناع ، والإمكان ، ونحوها مما لا وجود لها في الخارج ، ويكون عروضها لمعروضاتها في الذهن ، نظير الكلية والجزئية وغيرهما من المعقولات الثانية. وعليه ، فعنوان الصلاتية ، والغصبية ، والملكية ونحوها من الخارج المحمول ، لعدم تأصلها في الوجود الخارجي.

(١) تعليل لعدم تعلق التكليف بالاسم والعنوان ، وقد تقدم تفصيله. وملخصه : أن الحكم تابع للملاك ، فما يقوم به الملاك هو متعلق الحكم لا غيره ، ومن المعلوم عدم قيام الملاك بالأمر الانتزاعي ، وانما هو قائم بالموجود الخارجي أعني الفعل الصادر من المكلف.

فمحصل هذه المقدمة : أن متعلق التكليف نفس الفعل ، لا اسمه وعنوانه حتى يقال : ان متعلق الأمر عنوان غير عنوان تعلق به النهي ، فيجوز الاجتماع.

(٢) الضمير المستتر فيه وكذا ضميرا «نحوه» و «عنه» راجعة إلى كل من الاسم والعنوان ، يعني : وانما يؤخذ الاسم والعنوان ـ كالصلاة والغصب ـ في متعلق الحكم آلة وطريقاً للحاظ متعلقاتها.

(٣) معطوف على «لحاظ» يعني : وآلة للإشارة إلى متعلقاتها.

(٤) معطوف على «الغرض» يعني : وبمقدار الحاجة ، وكل من عطفي «الإشارة والحاجة» من عطف التفسير.

٨٥

إليها (١) ، لا بما هو هو وبنفسه ، وعلى استقلاله (٢) وحياله.

ثالثتها (٣) : أنه لا يوجب تعدد الوجه والعنوان تعدد المعنون ، ولا ينثلم به (٤) وحدته ، فان (٥) المفاهيم المتعددة والعناوين الكثيرة

______________________________________________________

(١) هذا الضمير وضميرا «منها ، إليها» راجعة إلى متعلقاتها ، وضمير «متعلقاتها» راجع إلى الأحكام.

(٢) يعني : يؤخذ الاسم آلة للحاظ متعلقات الأحكام ، لا أنه يؤخذ بما هو هو وبنفسه وعلى استقلاله.

عدم إيجاب تعدد الوجه لتعدد المعنون

(٣) الغرض من هذه المقدمة : إثبات عدم كون صدق عناوين كثيرة ذاتية كانت أم عرضية على شيء واحد موجباً لتعدد المعنون ولانثلام وحدته ، وذلك لأن شأن صدق عنوان على شيء هو الحكاية عنه والإشارة إليه ، فلا مانع حينئذ من حكاية عناوين متكثرة عن أمر واحد ، غاية الأمر أن العناوين الذاتيّة ـ بمعنى كون مبادئها عين الذات كالناطق ـ لا تحتاج في حكايتها عن الذات إلى فرض شيء آخر ، بخلاف العناوين غير الذاتيّة من العرضية كالعالم والعادل والأبيض والأسود ، والاعتبارية كالزوجية والملكية ، فان صدقها منوط بأمر زائد على الذات ، وهو نفس المبدأ في العرضية ، ومنشأ اعتبار المبدأ في الاعتبارية.

(٤) يعني : ولا ينثلم بتعدد الوجه والعنوان وحدة المعنون.

(٥) هذا تعليل لعدم كون مجرد تعدد الوجه موجباً لتعدد المعنون ، وحاصله : شهادة الوجدان بذلك ، كوضوح صدق مفهوم العالم والعادل والهاشمي على زيد مثلا ، مع كونه واحداً حقيقة ، فمجرد تعدد العنوان لا يوجب تعدد المعنون.

٨٦

[المتكثرة] ربما تنطبق (١) على الواحد ، وتصدق على الفارد الّذي لا كثرة فيه من جهة (٢) ، بل بسيط من جميع الجهات ليس فيه حيث غير حيث وجهة مغايرة لجهة (٣) أصلا كالواجب تبارك وتعالى ، فهو (٤) على بساطته ووحدته وأحديته (٥) تصدق عليه مفاهيم الصفات الجلالية والجمالية

______________________________________________________

(١) كما إذا لم يكن بين مبادئ تلك العناوين مضادة ، وربما لا ينطبق على واحد ، كما إذا كان بينها مضادة ، كالأسود والأبيض ، والعالم والجاهل ، فانها لا تنطبق على واحد ، لتضاد مباديها.

(٢) يعني : لا كثرة فيه من جهة من الجهات ، بل بسيط من كل جهة.

(٣) يعني : المغايرة من حيث الوجود ، وإلّا فلا إشكال في تغاير كل جهة لأخرى مفهوماً ، فان مفهوم العلم غير مفهوم القدرة ، وهكذا.

(٤) أي : الواجب تبارك وتعالى على بساطته وعدم تركبه تصدق عليه مفاهيم الصفات الجمالية ـ أي الثبوتية ـ والجلالية ـ أي السلبية ـ مع أن جميع تلك الصفات حاكية عن الذات البسيطة غاية البساطة ، إذ لا منشأ لانتزاع صفاته جل وعلا إلّا نفس ذاته المقدسة ، بخلاف صفاتنا ، فانها منتزعة عن ذواتنا باعتبار تلبسها بمبادئ تلك الصفات كالعلم والعدالة وغيرهما.

(٥) الظاهر أن المراد بهذه الألفاظ الثلاثة هنا واحد ، وهو نفي التركيب وان كان المتبادر في بادئ النّظر من الوحدة هو نفي الشريك عنه تعالى شأنه ، لكن المناسب للمقام لما كان نفي التركيب حتى لا يتوهم كون صدق كل عنوان باعتبار جزء من الاجزاء هو إرادة البساطة من الوحدة.

٨٧

له الأسماء الحسني والأمثال العليا (١) ، لكنها (٢) بأجمعها حاكية عن ذلك الواحد الفرد الأحد (*).

عباراتنا شتى وحسنك واحد

وكل إلى ذاك الجمال يشير

رابعتها (٣) : أنه لا يكاد يكون للموجود بوجود واحد إلّا ماهية (**)

______________________________________________________

(١) وهي الصفات العليا.

(٢) يعني : لكن تلك الصفات بأجمعها مع تعددها حاكية عن الذات البسيطة غاية البساطة.

فملخص هذه المقدمة : أن مجرد تعدد العنوان لا يوجب تعدد المعنون وجوداً ، ولا ينثلم به وحدته أصلا.

المتحد وجوداً متحد ماهية

(٣) الغرض من بيان هذه المقدمة دفع توهمين يظهران من عبارة الفصول :

__________________

(*) قد يتوهم الاستغناء عن هذه المقدمة بما ذكره في المقدمة الثانية من كون العنوان مشيراً إلى ما هو متعلق الحكم من دون أن يكون للعنوان دخل في متعلقه ، كما لا يكون دخيلا في ملاكه.

وحاصل التوهم : أنه بعد أن علم في المقدمة الثانية عدم كون العنوان موضوعاً صح أن يقال : ان العنوان وان لم يكن موضوعاً للحكم بل مشيراً إلى متعلقه ، إلّا أن تعدد العنوان يمكن أن يكون حاكياً عن تعدد المعنون ، بحيث يكون محكي كل عنوان مغايراً لمحكي عنوان آخر ، فتعدد العنوان كاشف عن تعدد متعلق الحكم ، فيتجه حينئذ القول بالجواز ، لتعدد متعلق الأمر والنهي.

هذا محصل التوهم ، وقد دفعه المصنف بالمقدمة الثالثة ، وهي : أن تعدد العنوان بمجرده لا يوجب تعدد المعنون ، فلاحظ.

(**) المراد بالماهية هنا أعم من الماهيات المتأصلة المقولة في جواب

٨٨

.................................................................................................

______________________________________________________

أحدهما : ابتناء القول بالامتناع على أصالة الوجود ، لكون عدم استلزام تعدد العنوان لتعدد المعنون مبنياً عليها ، والقول بالجواز على أصالة الماهية ، لكون العنوانين ماهيتين متعددتين متصادقتين على واحد.

ثانيهما : ابتناء القول بالجواز على تعدد وجود الجنس والفصل في الخارج ، والقول بالامتناع على عدم تعدده.

وحاصل دفع التوهم الأول هو : أن الموجود بوجود واحد ليس له إلّا ماهية واحدة تقع في جواب السؤال عن حقيقته بما هو ، لما تقرر في محله من عدم تعقل جنسين قريبين وفصلين كذلك لموجود واحد ، فلا يعقل أن يكون لموجود واحد ماهيتان ، بحيث تكون كل واحدة منهما عين ذلك الموجود الواحد ، كما هو شأن كل طبيعي وفرده. ولا تفاوت فيما ذكرناه من أن الموجود الواحد ليس له إلّا ماهية واحدة بين القول بأصالة الوجود وأصالة الماهية ، وذلك لأن المفروض كون الموجود واحداً ، فالماهية النوعية الصادقة عليه واحدة لا محالة سواء كان الأصل في التحقق هو الوجود أم الماهية. أما على الأول ، فلان الوجود المتحقق في الخارج على القول بأصالته واحد لا يتثنى.

وأما على الثاني ، فلكون الماهية المتحققة خارجاً على القول بأصالتها واحدة أيضا ، لعدم تعقل ماهيتين لموجود واحد ، إذ لازمه تجنسه بجنسين عرضيين ، وتفصله بفصلين كذلك ، وهو غير معقول.

__________________

«ما» الحقيقية ، ومن الماهيات العرضية ، فيندرج في المقام مطلق العناوين الكلية سواء كانت منتزعة عن مقام الذات أم من مقام العرضيات ، كما يظهر من تمثيلهم لمسألة الاجتماع بالصلاة والغصب.

٨٩

واحدة وحقيقة فاردة لا يقع في جواب السؤال عن الحقيقة [حقيقته] بما هو الا تلك الماهية ، فالمفهومان (١) المتصادقان على ذلك (٢) [ذاك] لا يكاد يكون كل منهما (٣) ماهية وحقيقة ، وكانت (*) عينه في الخارج كما هو شأن الطبيعي وفرده [وأفراده] ، فيكون الواحد وجوداً واحداً ماهية وذاتاً (٤) لا محالة ، فالمجمع (٥) وان تصادق [تصادقا] عليه متعلقا الأمر

______________________________________________________

(١) هذا متفرع على أنه ليس لموجود واحد الا ماهية واحدة.

(٢) أي : الموجود بوجود واحد.

(٣) أي : من المفهومين المتصادقين على الموجود بوجود واحد ماهية نوعية وحقيقة على حدة غير ماهية الآخر وحقيقته.

(٤) هذا عطف تفسيري للماهية.

(٥) كالصلاة في المكان المغصوب ، فانه وان تصادق عليه متعلقا الأمر والنهي ـ وهما الصلاة والغصب ـ إلّا أن وحدة وجودها تستلزم وحدة ماهيتها ، فلا يكون متعلقا الأمر والنهي ماهيتين للمجمع ، بل يكونان من العناوين العرضية المحمولة عليه. فالحركات الخاصة التي قيل انها من مقولة الفعل (**) ذاتاً لا تخرج عن هذه

__________________

(*) الأولى إسقاطه ليكون «عينه» معطوفاً على «ماهية» يعني : ولا يكاد يكون كل من المفهومين ماهية وعينه في الخارج. أو تبديل «وكانت» بـ «وتكون» ليصير معطوفاً على «يكون».

(**) لا يخفى أن الصلاة ليست من مقولة الفعل الاصطلاحي المقابلة لمقولة الانفعال ، لأن مقولة الفعل هي حالة التأثير التجددي للمؤثر ، كما أن مقولة الانفعال هي حالة التأثر التجددي للمتأثر ، كحالتي النار والماء في التأثير في السخونة والتأثر بها ، فالنار ما دامت مشغولة بإيجاد السخونة في الماء كان لها حالة

٩٠

.................................................................................................

______________________________________________________

المقولة الصادقة عليها ذاتاً بطروّ عنواني الصلاة والغصب عليها ، لأنهما من الخصوصيات الخارجة عن حقيقة تلك المقولة ، ولذا تصدق هذه المقولة على تلك الحركات سواء وقعت بعنوان الصلاة أم لا ، وسواء وقعت في مكان غصباً وعدواناً أم لا ، وهذا الصدق كاشف عن عدم كون عنواني الصلاة والغصب من العناوين الذاتيّة لتلك الحركات.

__________________

التأثير التجددي ، وللماء حالة التأثر التجددي ، وأما نفس السخونة التي هي الأثر فهي من مقولة الكيف. والتعبير المناسب لهذا المعنى من الفعل والانفعال هو مقولة : «أن يفعل وأن ينفعل» كما عبر بذلك غير واحد ، وهو أولى من التعبير بالفعل والانفعال ، لما أفاده غير واحد كالمتأله السبزواري «قده» في حاشية شرح المنظومة من : أن الفعل المضارع يدل على الاستمرار التجددي ، وحيث ان التدرج اعتبر فيهما يكون التعبير بما يدل عليه أولى. فالفعل هو إيجاد الأثر تدريجاً ، والانفعال قبول الأثر كذلك ، ولذا قالوا في تفسير أن يفعل : «انه تأثير الشيء في غيره على اتصال غير قار» ، وأن ينفعل : «انه تأثر الشيء عن غيره على اتصال غير قار» ، فما لم ينته الأثر إلى حد ، ولم يستقر عليه يطلق على التأثير أن يفعل ، وعلى التأثر أن ينفعل ، لأن هيئة المضارع تدل على الاتصال غير القار ، وبعد تمامية الصدور والقبول واستقرار الأثر يطلق عليهما الفعل والانفعال.

نعم يصدق الفعل على الصلاة باعتبار صدورها من الفاعل ، فهي فعل عرفي ، لا مقولي ، إذ ليس كل فعل عرفي فعلا مقولياً.

وقد ظهر مما ذكرنا : فساد ما يتوهم من : أن الصلاة من مقولة الفعل ، فلا يعقل أن تكون أجزاؤها من مقولة الوضع ، لتباين المقولات.

وجه الفساد ما عرفته : من عدم كون الصلاة من مقولة الفعل الاصطلاحي ،

٩١

والنهي ، إلّا أنه كما يكون واحداً وجوداً يكون واحداً ماهية وذاتاً ولا يتفاوت فيه (١) القول بأصالة الوجود أو أصالة الماهية.

ومنه (٢) ظهر عدم ابتناء القول بالجواز والامتناع في المسألة (٣) على القولين في تلك المسألة (٤) كما توهم في الفصول (٥).

______________________________________________________

(١) أي : في الموجود الواحد الّذي ليس له إلّا ماهية واحدة القول بأصالة الوجود أو أصالة الماهية ، فكما أن الوجود المتحقق في الخارج أصالة عند القائلين بأصالته ليس إلّا واحداً ، فكذلك الماهية المتحققة في الخارج أصالة عند القائلين بها لا تكون الا ماهية واحدة.

(٢) أي : ومن عدم تعدد ماهية الموجود الواحد. وهذا إشارة إلى التوهم الأول ، وهو : ابتناء القول بالامتناع على أصالة الوجود ، والقول بالجواز على أصالة الماهية.

(٣) أي : مسألة اجتماع الأمر والنهي.

(٤) يعني : مسألة تأصل الوجود أو الماهية.

(٥) بتخيل إمكان تصادق ماهيات متعددة على شيء واحد ، قال في الفصول بعد ذكر الدليل الأول للامتناع : «واعلم ان هذا الدليل يبتني على أصلين :

__________________

وانما هي فعل عرفي باعتبار صدورها من الفاعل ، والفعل بهذا المعنى لا ينافى كون الصلاة مركبة من مقولات عديدة منها الكيف المسموع كالقراءة والأذكار.

ومنها الكيف النفسانيّ كالنية ، ومنها الوضع كهيئة الراكع والساجد والقائم والقاعد ، وحيث ان المقولات أجناس عاليات ومباينات بالذات بحيث يمتنع أن يكون المركب منها مقولة برأسها ، لاستحالة اتحاد مقولة مع مقولة أخرى ، فلا محالة تكون وحدة الصلاة اعتبارية ، إذ لا مطابق لها في الخارج الا هذه المقولات المتباينة.

٩٢

كما ظهر (١) عدم الابتناء على تعدد وجود الجنس والفصل في الخارج ، وعدم تعدده ، ضرورة (٢) عدم كون العنوانين المتصادقين عليه

______________________________________________________

أحدهما : عدم التمايز بين الجنس والفصل ولواحقهما العرضية في الخارج كما هو المعروف ، وأما لو قلنا بالتمايز لم يتحد المتعلق ، فلا يتم الدليل.

الثاني : أن للوجود حقائق خارجية ينتزع منها هذا المفهوم الاعتباري ، كما هو مذهب أكثر الحكماء وبعض محققي المتكلمين. وأما إذا قلنا بأنه مجرد هذا المفهوم الاعتباري ينتزعه العقل من الماهيات الخارجية ، ولا حقيقة له في الخارج أصلا ، كما هو مذهب جماعة ، فلا يتم الدليل أيضا» انتهى موضع الحاجة من كلامه. وصريح عبارته ابتناء الدليل الأول على الأصلين المذكورين في كلامه ، لا ابتناء الخلاف في المسألة عليهما ، ولذا قال بعد ذلك : «ولنا أن نقرر الدليل على وجه لا يبتني على هذا الأصل أي الأصل الثاني».

(١) هذا أيضا تعريض بالفصول ، وإشارة إلى التوهم الثاني ، وهو : ابتناء القول بالجواز وعدمه على تعدد وجود الجنس والفصل في الخارج وعدمه.

ووجه اندفاع هذا التوهم هو : أن الممنوع تصادق ماهيتين نوعيتين على موجود واحد ، لا عنوانين عرضيين انتزاعيين كما في المقام ، ومن المعلوم عدم كون العنوانين المتصادقين على المجمع فيما نحن فيه من قبيل الجنس والفصل حتى يكون أحدهما متعلقاً للأمر ، والآخر متعلقاً للنهي ، إذ الحركة التي هي من مقولة الفعل مثلا لا تختلف حقيقتها هذه بتصادق عنواني الصلاة والغصب عليها وعدمه ، فلو لم يصدق شيء من هذين العنوانين على الحركة المزبورة لم يقدح في صدق حقيقتها ـ وهي مقولة الفعل ـ عليها.

(٢) تقريب لعدم ابتناء جواز الاجتماع وعدمه على تعدد وجود الجنس والفصل في الخارج ووحدته. وان شئت فقل : ان جواز اجتماع الأمر والنهي

٩٣

من قبيل [تصادق] الجنس والفصل [له (١)] ، وأن (٢) مثل الحركة (*) في دار من أي مقولة كانت لا يكاد يختلف حقيقتها وماهيتها ويتخلف ذاتياتها (٣) وقعت (٤) جزءاً للصلاة أو لا ، كانت تلك الدار مغصوبة

______________________________________________________

وعدمه ليسا مبنيين على كون التركيب بين الجنس والفصل انضمامياً أو اتحادياً حتى يقال بالجواز على الأول ، وبالامتناع على الثاني.

(١) هذا الضمير وضمير «عليه» راجعان إلى المجمع.

(٢) معطوف على «عدم» في قوله : «عدم كون العنوانين ... إلخ».

(٣) يعني : ولا يكاد يتخلف ذاتياتها ، فتخلف الصلاتية والغصبية عن الحركة يكشف عن عدم دخلهما في ماهياتها وذاتياتها. وضمائر «حقيقتها ، ماهيتها ، ذاتياتها» راجعة إلى الحركة.

(٤) يعني : سواء وقعت الحركة جزءاً للصلاة أم لا ، وسواء كانت تلك الدار مغصوبة أم لا.

وبالجملة : فالقول بتعدد الجنس والفصل وجوداً وعدمه أجنبي عن العناوين العرضية كالصلاة والغصب ، ولا يوجب تعدد متعلق الأمر والنهي في المقام.

__________________

(*) لا يخفى أن صاحب الفصول (قده) لم يخصص نزاع تعدد الوجود ووحدته بالجنس والفصل ، بل عممه للعناوين العرضية ، حيث قال في كلامه المتقدم : «ولواحقهما العرضية» ، فلا يرد عليه إشكال المصنف (قده) بأن ذلك النزاع أجنبي عما نحن فيه ، لعدم كون العنوانين المتصادقين في مفروض البحث من قبيل الجنس والفصل ، فلاحظ.

٩٤

أو لا (*).

إذا عرفت ما مهدناه عرفت : أن المجمع حيث كان واحداً وجوداً وذاتاً (١) كان تعلق الأمر والنهي به محالا ولو كان تعلقهما به (٢) بعنوانين ، لما عرفت (٣) من كون فعل المكلف بحقيقته وواقعيته الصادرة عنه متعلقاً للأحكام لا بعناوينه الطارئة عليه ، وأن (٤) غائلة اجتماع الضدين فيه

______________________________________________________

(تقرير دليل الامتناع)

(١) أي : ماهية ، كما هو مقتضى المقدمة الرابعة.

(٢) أي : بالمجمع.

(٣) يعني : في المقدمة الثانية.

(٤) معطوف على «كون» يعني : ومن أن غائلة. وهذا إشارة إلى بعض أدلة المجوزين.

وحاصله : أن الأحكام متعلقة بالطبائع المقيدة بالوجود بنحو يكون التقيد داخلا والقيد خارجاً ، إذ بدون التقيد بالوجود لا تصلح الطبائع لأن تتعلق بها الأحكام ، إذ ليست الماهيات من حيث هي منشأ للآثار التي منها الأحكام الشرعية ، لوضوح عدم قيام المصالح والمفاسد بها ، بل باعتبار وجودها ، فحينئذ لا تتحد الطبيعتان

__________________

(*) وقد عرفت أن صدق العناوين المتعددة لا يكاد تنثلم به وحدة المعنون لا ذاتاً ولا وجوداً ، غايته أن يكون له خصوصية بها يستحق الاتصاف بها ومحدوداً بحدود موجبة لانطباقها عليه كما لا يخفى ، وحدوده ومخصصاته لا توجب تعدده بوجه أصلا ، فتدبر جيداً.

٩٥

لا تكاد ترتفع بكون الأحكام تتعلق بالطبائع لا الافراد ، فان غاية تقريبه أن يقال : ان الطبائع من حيث هي هي وان كانت ليست إلّا هي ، ولا يتعلق بها الأحكام الشرعية كالآثار العادية والعقلية ، إلّا أنها مقيدة (١) بالوجود بحيث كان [يكون] القيد خارجاً (٢) والتقيد داخلا صالحة (٣) لتعلق الأحكام بها ، ومتعلقا [ومتعلق] الأمر والنهي على هذا (٤) لا يكونان

______________________________________________________

المتعلقتان للأمر والنهي ، إذ المفروض عدم كون الوجود جزءاً للمتعلقين حتى يتحدا بسبب الوجود كي يلزم اجتماع الضدين المستحيل ، بل المتعلقان متعددان في مقام الجعل ، فلا يلزم إشكال اجتماع المصلحة والمفسدة ، وكذا الإرادة والكراهة والبعث والزجر. وكذا في مقام الامتثال والعصيان ، إذ المفروض تعدد متعلقي الأمر والنهي ، وعدم وحدتهما ، فموضوع الأمر غير موضوع النهي ، ولذا يمتثل الأمر بإيجاد متعلقه ، ويتحقق العصيان بمخالفة النهي ، فلا يجتمع الحكمان في واحد في شيء من المقامين.

(١) منصوب على الحالية ، أي : حال كون تلك الطبائع مقيدة بالوجود.

(٢) إذ لو كان القيد ـ وهو الوجود ـ أيضا داخلا في المتعلق لزم اتحاد متعلقي الأمر والنهي وجوداً ، واجتماع الأمر والنهي في موجود واحد ، وهو محال. وأما مع كون الوجود خارجاً عن دائرة المتعلق قيداً وداخلا فيه تقيداً ، فلا يلزم اتحاد متعلقي الأمر والنهي أصلا ، فلا مانع من القول بالجواز بناء على تعلق الأحكام بالطبائع مقيدة بالوجود.

(٣) خبر قوله : «انها» يعني : ان الطبائع بعد تقيدها بالوجود بنحو يكون القيد خارجاً والتقيد داخلا صالحة لتعلق الأحكام بها.

(٤) أي : على خروج الوجود عن الطبائع قيداً ودخوله فيها تقيداً

٩٦

متحدين أصلا ، لا في مقام تعلق البعث والزجر (١) ، ولا في مقام عصيان النهي وإطاعة الأمر (٢) بإتيان المجمع بسوء الاختيار.

أما في المقام الأول ، فلتعددهما (٣) بما هما متعلقان لهما وان كانا متحدين فيما هو خارج عنهما بما هما كذلك (٤).

وأما في المقام الثاني (٥) ، فلسقوط أحدهما بالإطاعة والآخر

______________________________________________________

لا يكون متعلقا الأمر والنهي متحدين أصلا حتى يلزم اجتماعهما في واحد. ولا يخفى أن الأنسب أن يقال : «فمتعلقا الأمر والنهي» بتبديل الواو بالفاء.

(١) يعني : مقام التشريع الراجع إلى المولى.

(٢) يعني : مقام الإطاعة والعصيان الراجع إلى العبد.

(٣) أي : المتعلقين بما هما متعلقان للأمر والنهي وان كانا متحدين في الوجود الّذي هو خارج عن المتعلقين بما هما متعلقان للأمر والنهي ، فمتعلق الأمر والنهي متعدد ، واتحادهما يكون بحسب الوجود الّذي هو خارج عن المتعلقين ، وعارض عليهما.

(٤) أي : بما هما متعلقان للأمر والنهي.

(٥) وهو مقام إطاعة الأمر وعصيان النهي. ووجه عدم اتحاد المتعلقين في هذا المقام هو : حصول الإطاعة والعصيان بالإتيان بالمجمع ، ولا بد من تعدد موضوع الإطاعة والعصيان ، لامتناع الامتثال بالمبعد المنهي عنه ، وعدم إمكان صيرورته عبادة.

وبالجملة : فلا يجتمع الأمر والنهي في واحد أصلا ، لا في مقام التشريع ولا في مقام الامتثال ، فلا محيص عن الحكم بجواز الاجتماع.

٩٧

بالعصيان بمجرد الإتيان ، ففي أي مقام (١) اجتمع الحكمان في واحد؟

وأنت خبير بأنه (٢) لا يكاد يجدي بعد ما عرفت من أن تعدد العنوان لا يوجب تعدد المعنون ، لا وجوداً ولا ماهية ، ولا تنثلم به (٣) وحدته أصلا ، وأن (٤) المتعلق للأحكام هو المعنونات لا العنوانات ، وأنها (٥) انما تؤخذ في المتعلقات بما هي حاكيات كالعبارات ،

______________________________________________________

(١) هذا استفهام إنكاري ، يعني : فلم يجتمع الأمر والنهي في شيء من المقامين.

(٢) أي : تعلق الأحكام بالطبائع لا يجدي في جواز الاجتماع ، ولا يكون دليلا على الجواز بعد ما عرفت في المقدمة الثالثة : من أن تعدد العناوين العرضية لا يوجب تعدد المعنون ، لا وجوداً ، ولا ماهية ، لإمكان تصادقها على معنون واحد.

ومحصل ما أفاده في رد الدليل المذكور على جواز الاجتماع ، بقوله : «وأنت خبير ... إلخ» هو : أنه ـ بعد وضوح عدم تعلق الأوامر والنواهي بالطبائع بما هي هي ، بل بوجودها ، ووضوح قيام الملاكات الداعية إلى تشريع الأحكام بالمعنونات ، ووضوح عدم تعدد المعنون بالعناوين لا وجوداً ولا ماهية ـ يمتنع تعلق حكمين متضادين على موجود واحد وجوداً وماهية.

والحاصل : أن الحركة التي ينطبق عليها عنوانا الصلاة والغصب واحدة ، فيمتنع أن تكون محكومة بحكمين متضادين.

(٣) يعني : لا تنثلم بتعدد العنوان وحدة المعنون.

(٤) معطوف على «ان تعدد».

(٥) معطوف أيضا على «ان تعدد» يعني : وأن العنوانات انما تؤخذ بما أنها حاكية عن المعنونات ، كالعبارات الحاكية عن المعاني الفانية فيها صورها.

٩٨

لا بما هي على حيالها واستقلالها (١).

كما ظهر مما حققناه : أنه لا يكاد يجدي أيضا (٢) كون الفرد مقدمة

______________________________________________________

(١) كما يدعيه القائل بالجواز.

(٢) يعني : كعدم إجراء الدليل المتقدم في إثبات جواز اجتماع الأمر والنهي. وهذا إشارة إلى دليل آخر من أدلة المجوزين ، وهو ما ذكره المحقق القمي «قده» ، وهذا الدليل مركب من أمور :

الأول : كون الأحكام متعلقة بالطبائع.

الثاني : كون الفرد مقدمة لوجود الكلي ، لا عينه.

الثالث : جواز اجتماع الأمر الغيري والنهي.

الرابع : عدم قدح المقدمة المحرمة في امتثال الأمر النفسيّ المتعلق بذي المقدمة.

إذا عرفت هذه الأمور تعرف تقريب هذا الدليل ، حيث ان المجمع ـ أعني الصلاة في الدار المغصوبة ـ ليس بنفسه مأموراً به بالأمر النفسيّ ، بل متعلق الأمر النفسيّ هو طبيعة الصلاة ، لا هذا الفرد ، فهذا الفرد مقدمة محرمة للواجب النفسيّ أعني الطبيعة ، ولا تقدح حرمة المقدمة مع عدم انحصارها بالحرام في صحة الواجب إذا لم يكن انحصارها به من ناحية العبد. نظير قطع طريق الحج بالمركوب المغصوب ، حيث ان الحج صحيح حينئذ بلا إشكال. نعم مع انحصار المقدمة بالحرام يقبح من الشارع الأمر بذيها ، بل لا بد حينئذ اما من سقوط الأمر ان كانت مفسدة النهي أقوى ، واما من سقوط النهي ان كانت مصلحة الأمر أقوى ، إلّا إذا كان الانحصار بسوء الاختيار ، فان ذا المقدمة حينئذ فاسد مع عدم سقوط الأمر به.

٩٩

لوجود الطبيعي المأمور به أو المنهي عنه (١) ، وأنه (٢) لا ضير في كون المقدمة محرمة في صورة عدم الانحصار (٣) بسوء (٤) الاختيار ، وذلك (٥) مضافاً إلى وضوح فساده ، وأن الفرد [هو] عين الطبيعي في الخارج ، كيف (٦) والمقدمية تقتضي الاثنينية بحسب الوجود ، ولا تعدد

______________________________________________________

(١) هذا إشارة إلى الأمرين الأولين ، وهما : تعلق الأحكام بالطبائع المشار إليه بقوله : «لوجود الطبيعي المأمور به أو المنهي عنه» ، وكون الفرد مقدمة لوجود الكلي لا عينه ، المشار إليه بقوله : «وكون الفرد مقدمة».

(٢) معطوف على «كون» وهذا إشارة إلى الأمر الثالث والرابع.

(٣) إذ في صورة الانحصار لا بسوء الاختيار لا بد من سقوط الأمر أو النهي.

(٤) متعلق بـ «كون».

(٥) بيان لقوله : «كما ظهر» وهذا جواب الاستدلال المزبور ، وقد ذكرجوابين :

أحدهما : ما أشار إليه بقوله : «مضافا» وهو غير الجواب الّذي ظهر مما مر.

وحاصل هذا الجواب : منع الأمر الثاني ـ أعني مقدمية الفرد لوجود الكلي وأن الفرد عين الكلي لا مغاير له ـ وذلك لما ذكره بقوله : «كيف والمقدمية» من أن المقدمية تقتضي تعدد المقدمة وذيها وجوداً ، ضرورة تعدد العلة والمعلول وجوداً ، ومن المعلوم انتفاء هذا التعدد بين الكلي وفرده ، فحديث المقدمية أجنبي عن الفرد.

(٦) يعني : كيف يكون الفرد مقدمة والحال أن المقدمية تقتضي الاثنينية بحسب الوجود ، وهي مفقودة في الفرد ، لأنه عين الكلي وجوداً وان كان يغايره مفهوماً.

١٠٠