منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٣

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٣

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: مطبعة غدير
الطبعة: ٦
الصفحات: ٧٨٣

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

عرض قائم بمن استولى على المال ، والاذن عرض قائم بالمالك ، وقد قرر في محله : عدم إمكان اتصاف عرض بعرض جوهر آخر ، كامتناع اتصاف أحد الجوهرين بالآخر. وعليه ، فيكون توصيف التصرف بغير المأذون فيه صورياً غير حاك عن الواقع ، حيث ان التصرف قائم بغير المالك ، فكيف يوصف بعدم الاذن القائم بالمالك.

فالنتيجة : أن الضمان في اليد المشكوك فيها يكون على طبق القاعدة ، فان المتحصل بعد تخصيص عموم على اليد : أن اليد المأذون فيها لا توجب الضمان ، واليد غير المأذون فيها توجبه ، وعدم الاذن يثبت بالأصل ، فيثبت الضمان ، فتدبر.

والإشكال على الموضوع المركب بما أفاده سيدنا الأستاذ الشاهرودي (قده) في مجلس درسه الشريف من «أن اجتماع أجزاء المركب من جوهرين أو عرضين لمحلين أو جوهر وعرض لجوهر آخر ان كان له دخل في الحكم ، فلازمه اعتبار عنوان الاجتماع في الزمان فيه ، كدخل عنوان السبق واللحوق في موضوع الحكم ، ومن المعلوم عدم إمكان إحرازه بالأصل الا على القول بحجية الأصول المثبتة ، فلو جرى استصحاب عدم اذن المالك لا يثبت عنوان التقارن بينه وبين استيلاء الغير على ماله ، كعدم إثبات استصحاب ركوع الإمام إلى زمان ركوع المأموم وقوع ركوعه قبل رفع الإمام رأسه عن الركوع ، حيث ان إثبات هذه القبلية بالاستصحاب مبني على الأصل المثبت. والحاصل : أنه بناء على دخل عنوان اجتماع أجزاء الموضوع المركب في الزمان يلزم عدم إمكان إحراز بعض أجزائه بالأصل ، فاستصحاب عدم اذن المالك لا يثبت مقارنته لاستيلاء الغير عليه ، فلا يصح الحكم بالضمان استناداً إلى هذا الاستصحاب ، بل تجري أصالة

٥٢١

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

البراءة في الضمان ، فيكون دعوى الضمان على خلاف الأصل. وان لم يكن لعنوان الاجتماع في الزمان دخل في الحكم ، لزم ترتب الحكم على وجود الجزءين في الخارج وان لم يتقارنا في الزمان ، كما إذا فرض ترتب وجوب التصدق على مجيء زيد وفقر عمرو ، وزال فقره ثم جاء زيد ، فان اللازم حينئذ وجوب التصدق ، إذ المفروض عدم دخل اجتماعهما زماناً في الحكم ، وهو كما ترى مما لا يظن التزام أحد به.

وبالجملة : هذا الإشكال يهدم أساس الموضوعات المركبة».

مندفع بأن المراد بالموضوع مطلقاً سواء أكان بسيطاً أم مركباً هو الّذي رتب عليه الحكم في لسان الدليل ، لأن بيان حدود الموضوع ـ كبيان نفس الحكم ـ انما هو من وظائف الشارع ، كغيره من جاعلي الأحكام والقوانين. وأما العنوان الّذي ينتزع من وجود الموضوع بأجزائه وشرائطه في زمان تحقق الحكم ـ وهو عنوان الاجتماع ـ فليس دخيلا في الموضوع حتى لا يثبت بالأصل الا على القول بالأصول المثبتة. بل الموضوع ذوات أجزاء الموضوع وشرائطه ، والأصل يثبت ذلك.

نعم لما كان الموضوع والحكم بمنزلة العلة والمعلول في امتناع انفكاكهما كان وجود الموضوع بما له من الاجزاء والشرائط حين تحقق الحكم ضرورياً سواء وجدت دفعة أم تدريجاً ، مع بقاء ما وجد منها سابقاً إلى زمان تحقق غيره مما له دخل في الموضوع ، فلا بد من وجود جميع ما يعتبر شطراً وشرطاً في الموضوع حين وجود الحكم ، لئلا يلزم الانفكاك بين الموضوع والحكم

٥٢٢

هذا (١) [كله] إذا كان المخصص لفظياً. وأما إذا كان لبياً ، فان كان مما يصح أن يتكل عليه المتكلم إذا كان بصدد البيان في مقام

______________________________________________________

(الفرق بين المخصص اللفظي واللبي)

(١) يعني : أن ما ذكر من حكم الشبهات المصداقية من جواز التمسك فيها بالعامّ مطلقاً ، أو عدم جوازه كذلك ، أو التفصيل بين المخصص المتصل والمنفصل حسبما تقدم مفصلا انما هو فيما إذا كان المخصص لفظياً. أما إذا كان لبياً كالإجماع أو السيرة ، أو غيرهما مما ليس بلفظ ، بحيث لا يكون في الكلام الا العام ، لكن علم من الخارج أن المتكلم لا يريد بعض أفراد العام ، فالمنسوب

__________________

وتأثير العدم في الوجود. لكنه لا يوجب اعتبار عنوان الاجتماع شرعاً في موضوع الحكم حتى يمتنع إثباته بالأصل ، لكونه لازماً عقلياً لوجود أجزاء الموضوع في زمان الحكم إلّا بناء على القول بالأصل المثبت.

فتلخص : أن الموضوع المركب كالبسيط موجود ، والأصل يحرز أجزاءه من دون لزوم إشكال الإثبات أصلا.

فما عن المشهور «من الحكم بالضمان في اليد المشكوكة» متين جداً ، ولكن لم يذكروا وجه هذه الفتوى ، ولذا وجهها بعض بأنه التمسك بالعامّ في الشبهة المصداقية. وآخر بأنه قاعدة المقتضي والمانع ، ببيان : أن اليد مقتضية للضمان ، وأمانيتها مانعة عنه. وثالث : بأنه قاعدة الأخذ بضد الحكم الترخيصي المعلق على أمر وجودي حتى يحرز ذلك الأمر الوجوديّ. ورابع بأنه استصحاب عدم اذن المالك. وقد عرفت أن هذا هو الّذي ينبغي الاستناد إليه في الحكم بالضمان. وأما سائر الوجوه المزبورة ، فلا تخلو من المناقشات التي لا يسعها المقام.

٥٢٣

التخاطب ، فهو (١) كالمتصل حيث لا يكاد ينعقد معه ظهور للعام إلّا في الخصوص. وان لم يكن كذلك (٢) ، فالظاهر بقاء العام في المصداق

______________________________________________________

إلى شيخنا الأعظم «قده» وجماعة جواز التمسك بالعامّ في الشبهات المصداقية. لكن المصنف «قده» فصل في ذلك ، واختار الجواز في صورة وعدمه في أخرى.

وحاصل ذلك التفصيل : أن الخاصّ اللبي على قسمين :

أحدهما : ما أشار إليه بقوله : «فان كان مما يصح» من أن الخاصّ اللبي ان كان مما يصح عرفاً أن يعتمد عليه المتكلم بأن يكون حكماً عقلياً ضرورياً بحيث يعد عرفاً من القرائن المتصلة المانعة عن انعقاد ظهور للعام في العموم ، والموجبة لظهوره في الخاصّ من أول الأمر ، فهو كالخاص المتصل اللفظي في عدم انعقاد ظهور للعام ابتداء الا في الخاصّ. وعليه ، فلا يجوز التمسك بالعامّ في هذا القسم من المخصص اللبي لإحراز حكم الفرد المشكوك.

(١) أي : المخصص اللبي المانع عن انعقاد الظهور للعام في العموم ، وضمير «معه» راجع إلى المتصل.

(٢) يعني : وان لم يكن المخصص اللبي كالقرينة المتصلة المانعة عن انعقاد ظهور للعام في العموم. وهذا هو القسم الثاني من المخصص اللبي ، وحاصله : أن اللبي إذا لم يكن حكماً عقلياً ضرورياً بأن كان نظرياً متوقفاً على أمور جاز التمسك فيه بالعامّ ، لأن ظاهر الكلام الصادر من المتكلم في مقام الكشف عن مراده الجدي حجة ما لم يعلم بخلافه ، فإذا قال لعبده : «أكرم جيراني» وعلم من الخارج أنه لا يريد إكرام عدوه منهم ، وشك في عداوة واحد منهم بنحو الشبهة المصداقية جاز التمسك بالعامّ لإثبات وجوب إكرام هذا الفرد المشكوك

٥٢٤

المشتبه على حجيته كظهوره [لظهوره] فيه (١). والسر في ذلك (٢) أن الكلام الملقى من السيد حجة (٣) ليس إلّا ما اشتمل على العام [العام على اللفظ] الكاشف بظهوره عن إرادته للعموم ، فلا بد من اتباعه ما لم يقطع بخلافه (٤) ، مثلا إذا قال المولى : «أكرم جيراني» وقطع

______________________________________________________

في عداوته ، وذلك لأن العام ظاهر في كل فرد من أفراده ، وهذا الظاهر حجة ما لم تقم قرينة على خلافه ، فإذا علم بعداوة بعضهم كان ذلك العلم مانعاً عن حجية العام فيه ، للقطع بعدم إرادته منه. وأما احتمال العداوة ، فلا يمنع عن حجية العام.

(١) أي : في المصداق المشتبه ، وضميرا «حجيته وظهوره» راجعان إلى العام.

(٢) أي : في بقاء العام على حجيته في المصداق المشتبه ، وقد مر توضيحه آنفاً.

(٣) بالنصب حال لقوله : «الملقى» و «ليس» وما بعده خبر «ان» يعنى : أن الملقى من السيد في المخصص اللبي ليس إلّا كلاماً واحداً ، وحجة كذلك ، فيجب اتباع ظهوره إلى أن يعلم بخلافه. بخلاف العام المخصص بالمخصص اللفظي ، فان الملقى هناك كلامان وحجتان ، فإذا قدم الخاصّ على العام صار موضوع العام مقيداً بقيد وجودي ـ وهو العالمية ـ وعدمي وهو عدم الفاسقية مثلا ، فالفرد المشتبه لا يندرج تحت العام ولا الخاصّ. وهذا بخلاف المخصص اللبي ، فان ظهور العام وحجيته في غير معلوم الخروج عنه باقيان على حالهما.

(٤) هذا الضمير وضمير «اتباعه» راجعان إلى الظهور ، وضمير «إرادته» راجع إلى السيد ، وضمير «بظهوره» راجع إلى العام.

٥٢٥

بأنه لا يريد إكرام من كان عدواً له منهم كان أصالة العموم باقية على الحجية بالنسبة إلى من لم يعلم بخروجه (١) عن عموم الكلام ، للعلم بعداوته ، لعدم (٢) حجة أخرى بدون ذلك على خلافه (٣). بخلاف ما إذا كان المخصص لفظياً ، فان قضية تقديمه (٤) عليه هو كون الملقى إليه

______________________________________________________

(١) الضمير راجع إلى «من» الموصول ، يعني : أن العام حجة في جميع أفراده الا ما علم بخروجه عنه ، ففي مثال المتن يكون جميع الجيران واجب الإكرام الا من علم بعداوته منهم ، فان المانع عن حجية العام في مشكوك العداوة مفقود إذ المانع عنها هو العلم بالعداوة ، وذلك مفقود في محتمل العداوة ، وقوله : «للعلم» متعلق بـ «لم يعلم بخروجه».

(٢) متعلق بقوله : «باقية» وتعليل له ، يعني : أن أصالة العموم باقية على الحجية في الفرد المحتمل خروجه عن العام ، لعدم حجة أخرى غير العلم بالخروج ، فالعام حجة الا مع العلم بخروج بعض الافراد عنه ، ومن المعلوم أن الفرد المشكوك غير معلوم الخروج ، فيرجع فيه إلى العام.

(٣) أي : العموم ، والمشار إليه في «ذلك» هو العلم ، يعني : لعدم حجة أخرى غير العلم بالخروج على خلاف العموم ، فالخاص ليس إلّا العلم بالعداوة فمن شك في عداوته داخل في العام ، ومحكوم بحكمه ، إذ الخارج عن حيز العام هو معلوم العداوة فقط ، فمشكوك العداوة لم يخرج عن حيزه.

(٤) أي : تقديم الخاصّ على العام ، وقوله : «فان قضية تقديمه» تعليل لبيان الفرق بين المخصص اللبي واللفظي ، وحاصله : أنه في المخصص اللفظي قد ألقى السيد إلى عبده حجتين ، وهما العام والخاصّ ، ونسبة الفرد المشتبه إليهما متساوية ، ولا مرجح لاحتمال فرديته لأحدهما بالخصوص ، فلا يصح

٥٢٦

كأنه (١) كان من رأس لا يعم الخاصّ ، كما كان كذلك (٢) حقيقة (٣) فيما إذا كان الخاصّ متصلا. والقطع (٤)

______________________________________________________

التمسك بأحدهما لاندراجه تحته. وهذا بخلاف المخصص اللبي ، فان الحجة الملقاة من المولى واحدة وهي العام ، والقطع بعدم إرادة بعض أفراد العام ـ وهو العدو ـ حجة عقلية أجنبية عن الحجة الملقاة من السيد ، فالمخصص بحكم العقل هو العلم بالعداوة ، فمشكوك العداوة لا يندرج في الخاصّ ، بل هو داخل في العام ومحكوم بحكمه.

وبالجملة : فظهور العام في العموم ، وكذا حجيته في المخصص اللبي لم ينثلما ، بل هما باقيان على حالهما. بخلاف المخصص اللفظي ، فان الفرد المشتبه غير معلوم الاندراج تحت العام أو الخاصّ ، ولذا لا يمكن إحرازه بشيء منهما ، وقد تقدم هذا التقريب بقولنا : «ان الملقى من السيد في المخصص اللبي ليس إلّا ... إلخ».

(١) أي : كأن الملقى إلى العبد ـ وهو العام ـ لا يعم الخاصّ من رأس ، لسقوط حجية ظهوره في أفراد الخاصّ وان كان نفس الظهور باقياً.

(٢) أي : لا يعم الخاصّ من رأس ، والضمير المستتر في «كان» راجع إلى العام.

(٣) لعدم انعقاد ظهور للعام في العموم في المخصص المتصل ، فالعام من أول الأمر لا يشمل الخاصّ المتصل.

(٤) يعني : وتوهم عدم حجية العام المخصص باللبي في الفرد المشتبه كالمخصص باللفظي ، بتقريب : أنه مخصص بالقطع ، فيسقط العام عن الحجية في الفرد المشتبه ، كسقوطه عنها فيه عند تخصيصه باللفظ (مدفوع) بقوله : «لا يوجب».

٥٢٧

بعدم إرادة العدو لا يوجب (١) انقطاع حجيته الا فيما (*) قطع أنه عدوه ،

______________________________________________________

(١) خبر «والقطع» ودفع التوهم المزبور ، وحاصله : أن الخاصّ اللبي وهو القطع لا يمنع عن حجية ظهور العام الا في الافراد التي علم انطباق الخاصّ عليها ، فهو في الافراد المشتبه حجة بلا مانع ، إذ الخاصّ هو العلم. وضمير «حجيته» راجع إلى العام ، وضمير «انه» إلى الموصول ، وضمير «عدوه» إلى المولى ، وضمير «فيه» إلى «ما» الموصول في قوله : «لا فيما شك فيه».

__________________

(*) هذا وجيه بناء على كون الخارج عن حيز العام معلوم العداوة ، بحيث يكون العلم دخيلا في موضوع الخاصّ ، فكأنه قيل : «أكرم جيراني الا من علمت عداوته لي» ومن المعلوم أن العام حينئذ يقتضي وجوب إكرام كل فرد من أفراد الجيران سواء كان معلوم الصداقة أم مشكوك العداوة ، إذ لا مانع عن حجية العام حينئذ في جميع أفراده الا معلوم العداوة ، بل يخرج مشكوك العداوة موضوعاً عن المشتبه بالشبهة المصداقية للخاص ، للعلم بكونه من مصاديق العام وعدم مصداقيته للخاص وهو معلوم العداوة ، فلا ينبغي الارتياب حينئذ في لزوم التمسك بالعامّ ، لأنه لم يخصص الا بمعلوم العداوة ، وغيره داخل في حيزه ، ولم يدل دليل على خروج غيره عنه حتى يزاحمه في الحجية ، إذ لم يقيد مصب العموم الا بمعلوم العداوة.

وأما بناء على كون الخارج عن حيز العام العدو الواقعي الموجب لتقيد المصب به ، بحيث يصير موضوع وجوب الإكرام مركباً من الجار والصديق ، أو الجار وغير العدو ، فلا وجه للتمسك بالعامّ في حكم الفرد الّذي لا يعلم عداوته ولا صداقته ، لأنه بعد تقيد مصبه وتركب موضوع حكمه لا يتكفل لحال الفرد المشتبه ، كتقييد سائر الإطلاقات ، فإذا قيدت الرقبة بالايمان ، واشتبه فرد

٥٢٨

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

منها بين المؤمنة والكافرة فهل يجوز التمسك بـ «أعتق رقبة» لوجوب عتقها كما لا يخفى.

ومما ذكرنا يظهر ما في إطلاق كلام المصنف (قده) : «كما يظهر صدق هذا من صحة مؤاخذة المولى لو لم يكرم واحداً من جيرانه لاحتمال عداوته له» من الإشكال ، لأنه متجه فيما إذا كان الخاصّ معلوم العداوة ، ضرورة أن أصالة العموم في العام محكمة ، فليس للعبد الاعتذار عن عدم الإكرام باحتمال العداوة ، إذ المفروض كون محتمل العداوة من أفراد العام ، فلو لم يكرمه بهذا الاحتمال لم يكن معذوراً ، حيث انه خالف الحجة وهي أصالة العموم بلا مسوغ.

وأما إذا كان الخاصّ العدو الواقعي ، فليس ترك إكرام محتمله مخالفة للحجة حتى تحسن مؤاخذته ، لعدم ظهور للعام فيما يحتمل فرديته له حتى يكون حجة فيه.

كما ظهر أيضا ما في تفصيله (قده) بين اللبي المتصل والمنفصل ، وجعل العام في الثاني ظاهراً وحجة في الفرد المشتبه من الغموض ، حيث ان اللبي الضروري إذا كان كالمخصص اللفظي المتصل في المنع عن انعقاد الظهور للعام في العموم ، فلا بد أن يكون اللبي غير الضروري كالمخصص اللفظي المنفصل أيضا في المنع عن حجية الظهور مع وجوده ، وقد مر منه عدم جواز التمسك بالعامّ المخصص بالمخصص اللفظي المنفصل في المصداق المشتبه.

وبالجملة : فالتخصيص ان كان موجباً لتعنون العام ، فلا فرق فيه بين اللفظي واللبي بقسميه ، وان لم يكن موجباً له ، فلا بد من الالتزام به في الجميع.

٥٢٩

لا فيما شك فيه ، كما يظهر صدق (*)

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

فتفكيك المصنف بين المخصص اللفظي واللبي بجواز التمسك بالعامّ في الشبهة المصداقية في الثاني ، وعدم جوازه في الأول في غاية الغموض ، إذ لا فرق بين قول المولى : «لا تكرم أعدائي» وبين حكم العقل به ، بعد فرض حجية كليهما ، وعدم الفرق بينهما في الاعتبار. فكما يقدم الخاصّ اللفظي ، لأقوائيته على العام ، فكذلك اللبي بقسميه.

كما أن تفصيل شيخنا الأعظم (قده) على ما في تقرير بحثه الشريف بين المخصص الّذي له عنوان ، وبين المخصص الّذي لا عنوان له بعدم جواز التمسك بالعامّ في الشبهة المصداقية في الأول ، وجوازه في الثاني ، وأن الأكثر تحقق القسم الأول في المخصصات اللفظية ، والقسم الثاني في المخصصات اللبية ، لا يخلو أيضا من الغموض ، إذ فيه أولا : أن المخصص الّذي ليس له عنوان جامع لا يتصور له شبهة مصداقية ، إذ المنطبق على المصاديق هو الكلي والمفروض عدمه ، فيخرج عن بحث التمسك بالعامّ في الشبهة المصداقية ، ويندرج في الشك في قلة التخصيص وكثرته.

وثانياً : أن المخصص لبياً كان أم لفظياً لا بد أن يكون ذا عنوان جامع ، لأن التخصيصات الشرعية أنواعية ، والتخصيص الأفرادي منحصر بخصائص النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله.

والحاصل : أن تفصيل الشيخ بين المخصص ذي العنوان الجامع وبين غيره وتفصيل المصنف بين اللبي الضروري وغيره محل النّظر ، فتأمل جيداً.

(*) قد عرفت آنفاً في التعليقة حال هذا البرهان ، فراجع.

٥٣٠

هذا (١) من صحة مؤاخذة المولى لو لم يكرم واحداً من جيرانه ، لاحتمال عداوته له ، وحسن (٢) عقوبته على مخالفته ، وعدم (٣) صحة الاعتذار عنه بمجرد احتمال العداوة ، كما لا يخفى على من راجع الطريقة المعروفة والسيرة المستمرة المألوفة بين العقلاء التي هي ملاك حجية أصالة الظهور (٤).

وبالجملة : كان بناء العقلاء على حجيتها (٥) بالنسبة إلى المشتبه

______________________________________________________

(١) أي : كون العام حجة في الفرد الّذي يحتمل انطباق الخاصّ اللبي عليه ، وحاصله : أن صحة مؤاخذة المولى على مخالفة العبد له في عدم إكرام بعض جيرانه باحتمال كونه عدواً للمولى ، وعدم صحة اعتذار العبد عن هذه المخالفة بمجرد احتمال العداوة يشهدان بحجية العام في الفرد المشتبه ، ضرورة أن مخالفة غير الحجة لا توجب حسن المؤاخذة ، كما لا يخفى.

(٢) معطوف على «صحة» وضميرا «جيرانه ، له» راجعان إلى المولى ، وضمير «عداوته» إلى واحد ، وضميرا «عقوبته ، مخالفته» راجعان إلى العبد.

(٣) معطوف على «صحة» يعني : ومن عدم صحة اعتذار العبد عن عدم إكرام واحد من الجيران بمجرد احتمال عداوته للمولى ، وضمير «عنه» راجع إلى «عدم الإكرام» المفهوم من قوله : «لو لم يكرم».

(٤) فان السيرة المألوفة بين العقلاء قد استقرت على حجية أصالة الظهور مع احتمال إرادة خلاف الظاهر ، وعدم رفع اليد عنها بمجرد احتمال إرادة خلافه. وعليه ، فتكون أصالة العموم في المقام في مشكوك العداوة في المثال هي المرجع.

(٥) أي : حجية أصالة الظهور بالنسبة إلى الفرد المشتبه كمحتمل العداوة.

٥٣١

هاهنا [هنا] بخلاف هناك (١). ولعله لما أشرنا إليه (٢) من التفاوت بينهما (٣) بإلقاء حجتين هناك (٤) تكون قضيتهما (٥) بعد تحكيم الخاصّ وتقديمه على العام كأنه (٦) لم يعمه حكماً من رأس ، وكأنه (٧) لم يكن بعام. بخلاف هاهنا (٨) ، فان الحجة (٩) الملقاة ليست إلّا واحدة (١٠ ، والقطع بعدم إرادة إكرام العدو في «أكرم جيراني» مثلا لا يوجب رفع اليد عن

______________________________________________________

(١) أي : الخاصّ اللفظي الّذي اشتبه مصداقه ، والمراد بقوله : «هنا» المخصص اللبي.

(٢) هذا الضمير راجع إلى «ما» الموصول ، وضمير «لعله» راجع إلى بناء العقلاء. يعني : ولعل بناء العقلاء على حجية أصالة الظهور بالنسبة إلى المشتبه هنا دون هناك ، لما أشرنا إليه.

(٣) أي : المخصص اللفظي واللبي ، وقوله : «من التفاوت» بيان لـ «ما» الموصول.

(٤) أي : في الخاصّ اللفظي ، وقوله : «بإلقاء» متعلق بـ «التفاوت».

(٥) أي : قضية حجتين ، وقوله : «تكون قضيتهما» نعت لـ «حجتين».

(٦) خبر «تكون» وضميره راجع إلى العام ، وضمير «يعمه» راجع إلى الخاصّ.

(٧) أي : وكأن العام لم يكن بعام يشمل الخاصّ.

(٨) أي : المخصص اللبي.

(٩) هذا وجه مخالفة المخصص اللبي للمخصص اللفظي ، وقد تقدم توضيحه بقولنا : «وحاصله أنه في المخصص اللفظي قد ألقى السيد ... إلخ» فراجع.

(١٠) وهي العام ، كقوله : «أكرم كل جيراني» ، والعلم بعدم إرادة إكرام عدوه منهم لا يصادم ظهور العام ولا حجيته ، فيكون العام حجة فيمن احتمل كونه عدواً للمولى ، فعدم حجية العام مختص بمن علم عداوته له.

٥٣٢

عمومه الا فيما قطع (*) بخروجه من [عن] تحته ، فانه (١) على الحكيم إلقاء كلامه على وفق غرضه ومرامه ، فلا بد من اتباعه ما لم تقم حجة أقوى على خلافه (٢). بل (٣) يمكن أن يقال : ان قضية عمومه للمشكوك أنه ليس فرداً لما علم بخروجه من حكمه بمفهومه ، فيقال في مثل «لعن الله بني أمية قاطبة» ان فلاناً وان شك في إيمانه يجوز لعنه.

______________________________________________________

(١) الضمير للشأن ، وضميرا «عمومه وتحته» راجعان إلى العام ، وضمير «خروجه» راجع إلى «ما» الموصول. وغرضه من قوله : «فانه» بيان حجية العام في الفرد المشتبه في المخصص اللبي ، وحاصله : أن غرض الحكيم ان كان حجية ظاهر كلامه الا مع العلم بخلافه ، فله إلقاء كلامه على وفق هذا الغرض ، وحينئذ لا بد من اتباع ظاهره إلّا إذا قامت حجة على خلافه ، ومن المعلوم عدم قيام حجة على خلاف ظاهر العام في الفرد المشتبه ، فلا بد من اتباع ظاهره في الفرد المشتبه وهو شموله له.

(٢) هذا الضمير وضمير «اتباعه» راجعان إلى كلامه ، وضمائر «كلامه وغرضه ومرامه» راجعة إلى الحكيم ، والمفروض أنه في الفرد المشتبه لم تقم حجة على خلاف العام ، فيتبع فيه ظهوره في الفرد المشكوك.

(٣) غرضه الترقّي من إخراج المشتبه عن حكم الخاصّ بسبب التمسك بالعامّ إلى إخراجه عن موضوعه ومصداقيته له ، بأن يقال : ان العام في مثل : «لعن

__________________

(*) ما قطع بخروجه عن عموم وجوب إكرام الجيران هو العدو الواقعي لا العدو المعلوم ، لأن الألفاظ موضوعة للمعاني الواقعية ، دون المعلومة ، فالفرد المشتبه بين العدو والصديق بالشبهة المصداقية مشكوك الاندراج تحت العموم ، فلا يصح التمسك به لإحراز حكمه ، وقد تقدم في بعض التعاليق بيان ذلك مفصلا.

٥٣٣

لمكان المعلوم (١) ، وكل من جاز لعنه لا يكون مؤمناً ، فينتج أنه ليس بمؤمن ، فتأمل جيداً (*).

______________________________________________________

الله بني أمية قاطبة» يدل على جواز لعن من شك في إيمانه منهم ، ومن المعلوم عدم جواز لعن المؤمن ، فلا بد أن يكون جائز اللعن غير مؤمن ، فالعام كاشف عن عدم كون الفرد المشتبه من أفراد الخاصّ وهو المؤمن ، فيصح تأليف قياس ينتج عدم كون المشتبه مصداقاً للخاص ، بأن يقال : ان فلاناً جاز لعنه ، وكل من جاز لعنه ليس بمؤمن ، ففلان ـ أي مشكوك الإيمان ـ ليس بمؤمن ، ويترتب عليه أحكام عدم فرديته للخاص.

(١) وهو «لعن الله بني أمية قاطبة» في المثال.

__________________

(*) لا يخفى أن التأمل يشهد بعدم الفرق بين المخصص اللفظي واللبي بناء على رجوع التخصيص إلى التقييد ، كما هو شأن القضايا الحقيقية التي منها القضايا الشرعية ، حيث ان التخصيص فيها أنواعي لا أفرادي ، ومن المعلوم عدم الفرق في التقييد المزبور بين كون المخصص لفظياً ولبياً. وعليه ، فيقيد موضوع وجوب الإكرام في «أكرم جيراني» مثلا بالصداقة ، أو عدم العداوة. وكذا موضوع جواز اللعن في «لعن الله بني أمية» مقيد بعدم الإيمان ، فكأنه قيل : «يجوز لعن غير المؤمن من بني أمية ويحرم لعن المؤمن منهم» فإذا اشتبه حال فرد منهم من حيث الإيمان وعدمه ، فكيف يجوز التمسك لجواز لعنه بعموم «لعن الله بني أمية».

ودعوى كون الخاصّ لبياً ـ أعني العلم بالايمان في المثال ـ وهو الحجة على خلاف العام ، فبدون العلم بالايمان لا حجة على خلافه ، ويجوز التمسك به حتى يعلم الإيمان ، ففي الفرد المشتبه يجوز الرجوع إلى العام لإثبات حكمه

٥٣٤

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

أعني جواز اللعن ، إذ لا مانع من جريان أصالة العموم. وهذا بخلاف الخاصّ اللفظي ، فانه حجة على حد حجية العام ، وحيث ان الفرد المشتبه محتمل الاندراج تحت كل واحدة من هاتين الحجتين ، فلا يجوز التشبث بشيء منهما لإحراز حكمه (غير مسموعة) لأن العلم ان كان مأخوذاً على نحو الموضوعية ، بأن يكون الخارج عن عموم جواز اللعن معلوم الإيمان لا المؤمن الواقعي ، كان لجواز التمسك بالعامّ وجه ، لأن الخاصّ حينئذ هو معلوم الإيمان ، وبدون العلم به يعلم بعدم فردية المشتبه له ، بل يعلم بفرديته للعام ، إذ الخارج عن حيزه خصوص معلوم الإيمان ، فمشكوكه باق تحته قطعاً ، ويكون محكوماً بحكمه جزماً ، إذ لا مانع عن حجية العام فيه ، إلّا أنه أجنبي عن التمسك بالعامّ في الشبهة المصداقية ، وخارج عنه موضوعاً ، للعلم بعدم فرديته للخاص ، والمعتبر في المشتبه مصداقاً عدم العلم بفرديته لأحد الأمرين ، لكن لا أظن أحداً يدعي موضوعية العلم هنا ، إذ لا موجب لحرمة اللعن الا الإيمان ، لا العلم به ، فانه طريق محض ومنجز لها ، ولذا لو ثبت إيمان شخص بالإقرار أو البينة كان ذلك أيضا موجباً لحرمة لعنه ، كالعلم به.

وان كان العلم طريقاً محضاً ـ كما هو الظاهر ـ وكان الخاصّ هو المؤمن الواقعي ، فجواز اللعن الّذي يكون مفاد العام أعني «لعن الله بني أمية» مقيد بعدم كون الملعون مؤمناً واقعاً ، فالمشتبه مصداقاً بين العام والخاصّ وان كان متصوراً هنا دون الفرض السابق وهو دخل العلم بالايمان في موضوع حكم الخاصّ ، لكنه لا يصح التمسك بالعامّ المزبور لجواز لعنه ، لأن الدليل انما يتكفل

٥٣٥

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

بيان الحكم لموضوعه من دون تعرض لوجوده وعدمه ، ضرورة أن المتحصل بعد التخصيص جواز لعن غير المؤمن وحرمة لعن المؤمن ، ومن المعلوم أن العام بعد هذا التخصيص لا يكون حجة في حكم من لا يعلم إيمانه.

فالمتحصل : أن العام حجة فيما إذا كان العلم دخيلا في الموضوع ، إذ مشكوك الإيمان فرد للعام قطعاً ، فيكون حجة فيه ، لكنه أجنبي عن بحث التمسك بالعامّ في الشبهة المصداقية ، لعدم تردد المشكوك فيه حينئذ بين العام والخاصّ ، بل يعلم بفرديته للعام ، وعدم فرديته للخاص. ولا يكون العام حجة فيما إذا لم يكن العلم دخيلا في الموضوع ، بل أخذ طريقاً وان كان تردد المشكوك فيه بين العام والخاصّ ثابتا حينئذ ، لكن لا وجه للتشبث بالعامّ في حكمه ، لعدم إمكان إحراز الصغرى بالكبرى ، قال «قده» في الدرر بعد المنع عن التمسك بالعامّ ما لفظه : «نعم لو ظهر من حال المتكلم أن تكلمه بالعموم مبني على الفحص عن حال أفراده ، ووضوح أنه ليس من بينها ما ينطبق عليه عنوان الخاصّ صح التمسك بالعموم ، واستكشاف أن الفرد المشكوك ليس داخلا في الخاصّ ، وهذا في المخصصات اللبية غالباً ، وقد يتحقق في اللفظية أيضا ، لكن بشرط كون النسبة بين الدليلين عموماً من وجه ، نظير الدليل على جواز لعن بني أمية والأدلة الدالة على حرمة سب المؤمن. وأما إذا كان المخصص الأخص مطلقاً فلا مجال لما ذكرنا قطعاً ، ضرورة أنه لو كان حال أفراد العام مكشوفة لدى المتكلم وأنه لا ينطبق على أحد منها عنوان المخصص لكان التكلم بالدليل الخاصّ لغواً.

ومما ذكرنا يظهر أنه ليس المعيار في عدم جواز التمسك كون المخصص لفظياً

٥٣٦

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

كما أنه ليس المعيار في الجواز كونه لبياً ، بل المعيار ما ذكر ، فتأمل فيه».

وفيه أولا : أن هذا مجرد فرض لا دليل على وقوعه في الشرعيات ، وهو غير كاف في جواز التمسك بالعامّ مع احتمال كون المشتبه مندرجاً تحت الخاصّ.

وثانياً : أنه انما يصح في القضايا الخارجية التي يكون الملحوظ فيها خصوصيات الافراد ، دون القضايا الحقيقة التي يكون الملحوظ فيها العناوين الكلية ويثبت الأحكام للافراد بسبب الانطباق ، والمفروض أن الأحكام الشرعية من القضايا الحقيقية ، لا الخارجية.

وثالثا : أنه خارج عن موضوع البحث ـ وهو تردد الفرد بين كونه مصداقاً للخاص وعدمه ـ وذلك لأنه مع ظهور حال أفراد العام عند المتكلم والمخاطب والعلم بعدم انطباق عنوان الخاصّ على أحدهم لا يبقى شك في عدم انطباق الخاصّ على شيء منها ، لعدم تخصيص العام حينئذ بمخصص يحتمل انطباقه على فرد بنحو الشبهة المصداقية. ومع عدم ظهور حال أفراد العام عند المخاطب وتردد الفرد بين كونه مصداقاً للخاص وعدمه بنحو الشبهة المصداقية وان كان غير خارج عن موضوع البحث ، لكن قد عرفت عدم جواز التمسك بالعامّ فيه. ولا فرق فيما ذكرناه في ظهور حال أفراد العام بين كون النسبة عموماً من وجه كعموم جواز لعن بني أمية ، وما دل على حرمة سب المؤمن ، وأخص مطلقاً كحرمة إكرام الفلاسفة بالنسبة إلى العلماء ، وذلك للزوم اللغوية من ذكر الخاصّ في الصورتين قطعاً ، إذ المفروض بقاء العام على عمومه ، وعدم ورود مخصص عليه ، فذكر الخاصّ بعنوان كونه مخصصاً للعام لغو ، كما لا يخفى.

٥٣٧

إيقاظ (١) لا يخفى أن الباقي تحت العام بعد تخصيصه بالمنفصل (٢)

______________________________________________________

(إحراز المشتبه بالأصل الموضوعي)

(١) الغرض من بيانه فتح باب لإجراء حكم العام في الفرد المشتبه في الخاصّ اللفظي المجمل مصداقا الّذي اختار المصنف فيه عدم جواز التمسك بالعامّ لإحراز حكم المشتبه بالشبهة المصداقية ، دون الخاصّ اللبي المنفصل الّذي اختار فيه جواز الرجوع إلى العام في الفرد المشتبه. ومن هنا يظهر : أن الأنسب ذكر هذا الإيقاظ عقيب المخصص اللفظي المجمل مصداقاً الّذي لا يكون العام حجة فيه.

(٢) كقوله : «لا تكرم النحويين» عقيب «أكرم العلماء».

__________________

فالمتحصل : عدم جواز التمسك بالعامّ في الشبهة المصداقية مطلقاً ، سواء كان المخصص لفظياً أم لبياً بقسميه من العقل الضروري وغيره بعد وضوح حجيتهما وتخصيصهما للعام كالخاص اللفظي ، غاية الأمر أن الضروري منه كالخاص اللفظي المتصل ، وغيره كاللفظي المنفصل ، فلا بد في إحراز حكم الفرد المشتبه من الرجوع إلى الأصول العملية. هذا إذا كان التخصيص أنواعياً.

وأما إذا كان أفرادياً ، كما إذا خصص العام ـ كالعلماء ـ بزيد مثلا ، وتردد بسبب الأمور الخارجية بين شخصين مسميين بزيد ، فكذا لا يجوز أيضا التمسك بالعامّ لإحراز حكمه ، اما لعدم ظهور للعام كما إذا كان المخصص متصلا ، واما لعدم حجيته ، كما إذا كان منفصلا ، للعلم الإجمالي بالتخصيص المانع عن الرجوع إلى أصالة العموم ، فلا بد من الرجوع إلى الأصل العملي ، فتأمل جيداً.

٥٣٨

أو كالاستثناء (١)

______________________________________________________

(١) مما يكون التخصيص فيه بلسان الإخراج عن العام كالغاية والشرط ، فالاستثناء مثل «أكرم العلماء إلّا أن يقبلوا على الدنيا» والغاية مثل «أكرم العلماء إلى أن يقبلوا على الدنيا» والشرط مثل «أكرم العلماء ان لم يقبلوا على الدنيا» دون مثل الوصف مما يوجب تعنون العام بعنوان الخاصّ مثل «أكرم العلماء الزاهدين في الدنيا» أو «أكرم العلماء الذين لا يقبلون على الدنيا» إذ لا شك في أن العام يتعنون بالوصف بعنوان وجودي موافق لعنوان الخاصّ ، كما في المثال الأول ، فان موضوع العام فيه هو العالم الزاهد. أو عدمي موافق له كما في المثال الثاني ، فان موضوع العام فيه هو العالم اللامقبل على الدنيا ، وحينئذ فإذا شك في تحقق عنوان العام كالعلم أو الزهد أو عدم الإقبال على الدنيا في مورد ، فان أمكن إحراز المشكوك فيه بأصل موضوعي وجودي يحكم به بوجود المشكوك فيه في ذلك المورد ليحكم به بثبوت حكم العام له ، أو عدمي يحكم به بنفيه فيه ليحكم به بنفي حكم العام عنه ، تعين الرجوع إليه كما إذا كان العلم أو الزهد أو عدم الإقبال على الدنيا في ذلك المورد مسبوقا بالوجود ، فانه يستصحب وجوده ، ويحكم عليه بحكم العام ، أو مسبوقاً بالعدم فانه يستصحب عدمه وينفي عنه حكم العام. وان لم يمكن إحراز المشكوك فيه بأصل موضوعي ، فالمرجع هي الأصول العملية.

وعلى أي تقدير لا يمكن التمسك بالعامّ لإثبات حكمه في ذلك الفرد المشكوك تحقق عنوان العام فيه ، وكأن هذا مما لا إشكال فيه ، وهو من صغريات عدم جواز التمسك بالعامّ في الشبهات المصداقية ، كما لا يمكن التمسك بالأصل لإحراز فردية المشتبه للعام لإجراء الحكم عليه ، لعدم إمكان إحراز العناوين

٥٣٩

من المتصل لما كان غير معنون بعنوان خاص (١) ، بل بكل عنوان (٢)

______________________________________________________

الخاصة بالأصل الا على القول بالأصل المثبت. وهذا واضح ، ولعله لذا لم يتعرض له المصنف قدس‌سره ، انما الإشكال في المخصص المنفصل أو ما يكون كالاستثناء من المتصل حسبما ذكره في المتن. فغرضه من قوله : «أو كالاستثناء» تعميم الحكم الآتي لكل مخصص يكون بلسان الإخراج.

(١) يعني : عنواناً خاصاً وجودياً مقابلا لعنوان المخصص ، ومقصوده : أن الباقي تحت العام بعد تخصيصه بالمنفصل أو كالاستثناء من المتصل لا يتعنون بعنوان خاص ، بل هو باق على ما كان عليه العام قبل التخصيص من اللاعنوانية ، فكل عنوان كالهاشمية والغنى والفقر والعربية والعجمية وغيرها مما إذا كان ثابتاً للعام ـ كالعلماء ـ قبل التخصيص من غير دخل لها في الموضوع ـ وهو العالم ـ فهو باق على حاله ، ولم يصر الباقي تحت العام معنوناً بعنوان غير الخاصّ.

وعلى هذا ، فيكفي في إثبات حكم العام للفرد المشكوك نفي الخاصّ بالأصل وليس هذا تمسكاً بالعامّ في الشبهة المصداقية ، كما هو واضح. هذا بالنسبة إلى تعنون العام بخاص وجودي في مقابل المخصص.

وأما تعنونه بعنوان خاص عدمي ، وهو عدم عنوان المخصص فمما لا بد منه فإذا خصص العلماء في قوله : «أكرم العلماء» بمثل «لا تكرم النحويين» فيعنون الباقي تحت العام بالعلماء غير النحويين ، فيتركب موضوع وجوب الإكرام من العالم غير النحوي بعد أن كان بسيطاً وهو العالم فقط ، وحينئذ ففي الفرد المشكوك أنه غير نحوي أو لا ، يحرز وجود هذا الخاصّ العدمي بالأصل أيضا وبه يبقى تحت العام ، ويترتب عليه حكمه كما في الخاصّ الوجوديّ.

(٢) يعني : بل كان الباقي معنوناً بكل عنوان ثبت للعام قبل التخصيص كالهاشمية والعربية وغيرهما من العناوين ، ولم ينثلم شيء من تلك العناوين

٥٤٠