منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٣

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٣

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: مطبعة غدير
الطبعة: ٦
الصفحات: ٧٨٣

لا يخفى أن ما به التخلص (١) عن فعل الحرام أو ترك الواجب انما يكون حسناً عقلا ومطلوباً شرعاً (٢) بالفعل وان كان قبيحاً ذاتاً إذا لم يتمكن المكلف من التخلص بدونه (٣) ، ولم يقع بسوء اختياره (٤) اما في الاقتحام في ترك الواجب أو (٥) فعل الحرام ،

______________________________________________________

الوجوب الغيري من ذي المقدمة على المقدمة المحرمة ، بل يترشح على خصوص المباحة كما مر سابقاً.

(١) كالخروج عن المغصوب الّذي هو مقدمة لفعل واجب وهو التخلص عن الغصب ، أو ترك حرام وهو البقاء.

(٢) أي : وجوباً مقدمياً وان كان قبيحاً ذاتاً ، أي : مع الغض عن مقدميته لفعل واجب أو ترك حرام.

(٣) أي : بدون ما به التخلص عن فعل الحرام أو ترك الواجب ، وقوله : «انما يكون حسناً» إشارة إلى الشرط الأول الّذي بيناه بقولنا : «أحدهما انحصار المقدمة».

ثانيهما : أن لا يكون الاضطرار إلى المقدمة المحرمة بسوء اختياره ، وإلّا لم يترشح الوجوب المقدمي على المقدمة المحرمة ، بل تبقى على حرمتها إلى ما بعد الاضطرار أيضا.

(٤) هذا إشارة إلى الشرط الثاني المذكور بقولنا : «ثانيهما ان لا يكون ... إلخ»

(٥) معطوف على «ترك» والغرض منه : أن الوقوع بسوء الاختيار يكون بأحد أمرين :

الأول : الاقتحام في ترك الواجب ، كما إذا اختار البقاء في المكان المغصوب ، حيث ان البقاء ترك للتخلص الواجب ، أو الاقتحام في فعل الحرام كالبقاء ، حيث

١٦١

واما (١) في الإقدام على ما هو قبيح وحرام لو لا (٢) أن به التخلص بلا كلام كما هو (٣) المفروض في المقام ، ضرورة تمكنه (٤) منه قبل اقتحامه فيه بسوء اختياره.

وبالجملة (٥) :

______________________________________________________

انه حرام ، لكونه غصباً ، فالبقاء يمكن أن يكون اقتحاماً في ترك الواجب أو اقتحاماً في فعل الحرام ، لكونه مصداقاً للغصب ، فيكون ترك الواجب أو فعل الحرام على البدل ذا المقدمة.

الثاني : الإقدام على ما هو قبيح عقلا وحرام شرعاً ، أعني به : المقدمة المحرمة كالخروج الّذي هو مقدمة للواجب ـ وهو التخلص عن الحرام ـ فان الخروج لو لم يكن مقدمة للتخلص المزبور كان حراماً ، لكونه غصباً.

(١) هذا عدل قوله : «اما في الاقتحام» وهذا هو الأمر الثاني المذكور بقولنا : «الثاني الإقدام على ... إلخ» ، والمراد بقوله : «ما هو قبيح وحرام» هو المقدمة المحرمة ، كالخروج عن المغصوب.

(٢) قيد لقوله : «قبيح وحرام» وكذا قوله : «بلا كلام» ، يعني : لا كلام من الخصم في حرمة الخروج ان لم يتوقف عليه عنوان التخلص.

(٣) قيد لقوله : «يتمكن» يعني : كما أن الوقوع في أحد الأمرين المزبورين بسوء الاختيار هو المفروض في المقام.

(٤) يعني : ضرورة تمكن المكلف من التخلص عن الحرام قبل اقتحامه فيه فقوله : «ضرورة» تعليل لكون الوقوع بسوء الاختيار.

(٥) هذا ناظر إلى رد ما ذكره المستشكل من : «أنه لو لم يدخل لما كان متمكناً».

وحاصل الرد : أن التمكن المشروط به التكليف أعم من المقدور بلا واسطة

١٦٢

كان قبل ذلك (١) متمكناً من التصرف خروجاً كما يتمكن منه دخولا ، غاية الأمر يتمكن منه بلا واسطة ، ومنه (٢) بالواسطة. ومجرد (٣) عدم التمكن منه الا بواسطة (٤) لا يخرجه عن كونه (٥) مقدوراً ،

______________________________________________________

ومعها ، ومن المعلوم كون الخروج بتوسط الدخول مقدورا ، وهذا المقدار من القدرة كاف في صحة توجه النهي إليه ، فيصير الخروج ـ للقدرة عليه بتوسط الدخول ـ منهياً عنه.

(١) أي : الاقتحام في الحرام متمكناً من التصرف الخروجيّ ، كما يتمكن من التصرف الدخولي.

(٢) أي : الخروج ، وغرضه أن جميع التصرفات في المغصوب حرام ، حيث ان جميعها مقدورة لمريد الغصب ، غاية الأمر أن التصرف الدخولي قبل الاقتحام في المغصوب مقدور بلا واسطة ، والتصرف الخروجيّ مقدور له بواسطة الدخول.

(٣) هذا رد قول المستشكل : «لأنه لو لم يدخل لما كان متمكناً من الخروج وتركه».

وحاصل الرد : ما تقدم آنفاً : من أن المقدور بالواسطة مقدور يصح تعلق التكليف به ، كصحة تعلقه بالمقدور بلا واسطة ، ولا يعتبر في صحة التكليف كون متعلقه مقدوراً بلا واسطة ، والمفروض كون الخروج قبل الدخول مقدوراً بتوسط الدخول.

(٤) وهي الدخول ، حيث ان التمكن من الخروج مترتب عليه.

(٥) هذا الضمير وضميرا «منه ، لا يخرجه» راجع إلى «الخروج».

١٦٣

كما هو الحال (١) في البقاء ، فكما يكون تركه (٢) مطلوباً في جميع الأوقات (٣) ، فكذلك الخروج ، مع (٤) أنه مثله في الفرعية على الدخول ،

______________________________________________________

(١) يعني : ما ذكر في الخروج من كونه مقدوراً بتوسط القدرة على الدخول ، وأن هذا المقدار من القدرة مصحح لتوجه النهي إلى الخروج جار بعينه في البقاء الّذي اعترف الخصم بحرمته بقوله : «ان قلت : ان التصرف في أرض الغير بدون اذنه بالدخول والبقاء حرام بلا إشكال» ضرورة أن البقاء ـ وهو استمرار الغصب ـ متفرع على أصل الغصب كتفرع الخروج عليه ، فلو لم تكفِ القدرة بالواسطة في صحة توجه التكليف لم تكفِ في كل من الخروج والبقاء ، لعدم الفرق بينهما في كونهما مقدورين مع الواسطة ، وفي تفرع كليهما على الدخول. فقوله : «كما هو الحال» جواب نقضي ، كما أن قوله (قده) : «إذا لم يتمكن المكلف من التخلص بدونه ولم يقع بسوء اختياره» جواب حلي ، فلاحظ وتدبر.

(٢) أي : ترك البقاء الّذي هو مقدور باعتراف المستشكل ومطلوب ، فكذلك الخروج. وغرضه إثبات التساوي بين البقاء والخروج في المقدورية المترتبة في كليهما على الدخول في المغصوب ، فكما لا تكون الفرعية على الدخول في البقاء مانعة عن تعلق النهي به قبل الدخول وبعده ، فكذلك الخروج من دون تفاوت بينهما.

(٣) يعني : قبل الدخول وبعده.

(٤) يعني : مع أن البقاء مثل الخروج في اشتراكهما في الفرعية على الدخول وترتبهما عليه لا تكون الفرعية مانعة عن تعلق النهي به ، فلا بد أن لا تكون الفرعية مانعة عن تعلق النهي بالخروج أيضا ، لاشتراكهما في الفرعية على الدخول.

١٦٤

فكما لا تكون الفرعية مانعة عن مطلوبيته (١) قبله وبعده ، كذلك لم تكن مانعة عن مطلوبيته (٢) وان كان العقل يحكم بلزومه (٣) إرشاداً إلى اختيار أقل المحذورين وأخف القبيحين.

ومن هنا (٤) ظهر حال شرب الخمر علاجاً وتخلصاً عن المهلكة ، وأنه (٥) انما يكون مطلوباً على كل حال (٦) لو لم يكن الاضطرار إليه بسوء

______________________________________________________

(١) يعني : عن مطلوبية البقاء قبل الدخول وبعده.

(٢) يعني : عن مطلوبية الخروج.

(٣) أي : بلزوم الخروج ، وغرضه إثبات رجحان اختيار الخروج مع كونه حراماً كالبقاء ، وحاصل وجه الرجحان : أن الخروج لما كان أخف محذوراً من البقاء ، لحصول التخلص به عن الغصب المحرم دون البقاء ، بل يزيد به الحرام ، حكم العقل بلزومه واختياره على البقاء.

(٤) يعني : ومن اعتبار عدم تمكن المكلف من التخلص عن الحرام في مطلوبية المقدمة المحرمة ظهر حال شرب الخمر تخلصاً عن المهلكة ، وأن مطلوبيته منوطة بعدم كون الاضطرار بسوء الاختيار ، إذ معه لا يتصف شرب الخمر بالمطلوبية.

(٥) معطوف على «حال» يعني : وظهر أن شرب الخمر انما يكون مطلوباً شرعاً في كل حال ، من غير فرق بين ما قبل الاضطرار وما بعده بشرط أن لا يكون الاضطرار إليه بسوء الاختيار ، وإلّا فشرب الخمر باقٍ على الحرمة ، ولا تتبدل حرمته بالوجوب بالاضطرار الناشئ عن سوء الاختيار.

(٦) يعني : في حال الاضطرار إلى الشرب للنجاة من المهلكة وغيره.

١٦٥

الاختيار ، وإلّا (١) فهو على ما هو عليه من الحرمة وان كان العقل يلزمه إرشاداً إلى ما هو أهم وأولى بالرعاية من تركه ، لكون (٢) الغرض فيه أعظم ، فمن (٣) ترك الاقتحام فيما يؤدي إلى هلاك النّفس أو شرب الخمر لئلا يقع في أشد المحذورين منهما (٤) فيصدق (٥) أنه تركهما [تركها] ولو بتركه ما لو فعله لأدى لا محالة إلى أحدهما (٦) ، كسائر

______________________________________________________

(١) يعني : وان كان الاضطرار إلى شرب الخمر بسوء الاختيار ، فهذا الشرب باق على ما هو عليه من الحرمة ، ولم يخرج عن عموم دليل حرمة شرب الخمر ، ولم يصر مطلوباً بسبب توقف نجاة النّفس عن الهلاك عليه ، لكون الاضطرار إليه بسوء الاختيار ، فحرمة شرب الخمر أو الخروج من المكان المغصوب باقية على حالها ، وأن حكم العقل بلزوم اختيارهما من باب أقل المحذورين ، فلا منافاة بين حرمته ومبغوضيته ، وبين حكم العقل بلزوم اختياره.

(٢) تعليل للأهمية والأولوية ، وضميرا «تركه ، فيه» راجعان إلى الأهم.

(٣) هذا متفرع على كون المقدور بالواسطة كالخروج الّذي هو مقدور بتوسط القدرة على الدخول كالمقدور بلا واسطة في صحة توجه التكليف إلى المكلف ، ورد على كلام الخصم : «فمن لم يشرب الخمر لعدم وقوعه في المهلكة التي يعالجها به مثلا لم يصدق عليه إلّا أنه لم يقع في المهلكة ... إلخ.» (٤) أي : من شرب الخمر وهلاك النّفس.

(٥) هذا جزاء «فمن ترك» يعني : أن من ترك الاقتحام فيما يؤدي إلى هلاك النّفس أو شرب الخمر كما إذا لم يعرض نفسه للهلاك الّذي لا يندفع إلّا بشرب الخمر يصدق عليه أنه تارك للهلاك وتارك لشرب الخمر.

(٦) أي : هلاك النّفس أو شرب الخمر كسائر الأفعال التوليدية في كونها

١٦٦

الأفعال التوليدية (*) ، حيث يكون العمد إليها بالعمد إلى أسبابها ، واختيار تركها (١) بعدم العمد إلى الأسباب ، وهذا (٢) يكفي في استحقاق

______________________________________________________

تحت القدرة ، لكونها مقدورة بتوسط أسبابها ، فشرب الخمر والخروج عن المغصوب مقدوران بسبب القدرة على تعريض النّفس في المهلكة والدخول في المغصوب.

(١) هذا الضمير وضميرا «إليها ، أسبابها» راجعة إلى الأفعال.

(٢) أي : كون الأفعال التوليدية مقدورة بتوسط القدرة على أسبابها تكفي في توجه التكليف إلى تلك الأفعال التوليدية المترتبة على أسبابها ، واستحقاق العقاب على تلك الأفعال ، وعليه فيستحق العقاب على شرب الخمر من أوقع

__________________

(*) في كون الشرب والخروج من الأفعال التوليدية منع ، لأن الفعل التوليدي عبارة عما يكون سببه فقط تحت قدرة المكلف ، لترتب المسبب عليه قهراً ، كحصول الطهارة الحدثية الصغرى بالغسلتين والمسحتين ، والكبرى بغسل جميع البدن ، والإحراق بالإلقاء في النار ، ونحوها مما لا يتوسط بين الأثر والفعل إرادة فاعل مختار. وهذا بخلاف الشرب والخروج ، فانهما لا يترتبان قهراً على اختيار الدخول في المغصوب ، وإيجاد ما يؤدي إلى المرض المهلك الّذي يتوقف النجاة منه على شرب الخمر ، بل ترتبهما عليهما انما يكون بالإرادة والاختيار.

اللهم إلّا أن يقال : ان المراد ترتب التصرف الخروجيّ على الدخولي ، وترتب الشرب المنجي من الهلاك على المرض المؤدي إليه ، لكن تسمية ذلك بالفعل التوليدي خلاف الاصطلاح ، فالأولى أن يقال : «انهما مقدوران بالواسطة نظير الأفعال التوليدية».

١٦٧

العقاب على الشرب للعلاج وان كان (١) لازماً عقلا للفرار عما هو أكثر عقوبة.

ولو سلم (٢) عدم الصدق إلّا بنحو السالبة المنتفية بانتفاء الموضوع فهو غير ضائر بعد تمكنه من الترك ولو على نحو هذه السالبة (٣) ، ومن الفعل (٤)

______________________________________________________

نفسه في المرض المؤدي إلى الهلاك لو لم يشرب الخمر ، والموجب لاستحقاقه هو قدرته على الشرب المزبور ولو بتوسط قدرته على إيجاد سببه وهو المرض.

(١) يعني : وان كان الشرب للعلاج لازما عقلا ، وهذا إشارة إلى دفع التنافي بين حكم العقل بلزوم الشرب للعلاج أو الخروج عن المكان المغصوب ، وبين استحقاق العقوبة عليه ، إذ مع لزوم الارتكاب كيف يعاقب عليه؟

ومحصل دفعه : أن الحكم بلزوم الارتكاب ليس لأجل مصلحة في نفسه موجبة للزوم الفعل ، بل لأجل كون الشرب أو الخروج موجباً للفرار من العقوبة الزائدة في ترك الشرب أو الخروج.

(٢) هذا إشارة إلى رد ما ذكره المستشكل بقوله : «وترك الخروج بترك الدخول رأساً ليس في الحقيقة الا ترك الدخول ... إلخ».

وحاصل الرد : أنه لو سلمنا عدم صدق تارك الخروج على من لم يدخل بعد إلّا بنحو السالبة المنتفية بانتفاء الموضوع ، فنقول : انه لا ضير في ذلك بعد فرض تمكنه من الترك بسبب ترك الدخول ، ومن فعله بالقدرة على الدخول الّذي هو من قبيل الموضوع للدخول ، وهذا المقدار كاف في صحة النهي.

(٣) أي : المنتفية بانتفاء الموضوع.

(٤) معطوف على «الترك» يعني : بعد تمكنه من الترك والفعل.

١٦٨

بواسطة (١) تمكنه مما هو من قبيل الموضوع (٢) في هذه السالبة ، فيوقع (٣) نفسه بالاختيار في المهلكة ، أو يدخل الدار ، فيعالج بشرب الخمر ، ويتخلص بالخروج ، أو يختار (٤) ترك الدخول والوقوع (٥) فيهما لئلا يحتاج إلى التخلص والعلاج.

ان قلت (٦) : كيف يقع مثل الخروج والشرب ممنوعاً عنه شرعاً

______________________________________________________

(١) متعلق بقوله : «تمكنه من الترك».

(٢) وهو الدخول ، حيث انه من قبيل الموضوع للخروج ، وليس نفس الموضوع له ، بداهة عدم ترتب الخروج قهراً على الدخول حتى يكون الدخول موضوعاً له ، لوضوح كون ترتب الخروج على الدخول بالإرادة والاختيار.

(٣) غرضه بيان كيفية التمكن من الفعل والترك. أما الأول ، فباختيار المهلكة الملجئة إلى شرب الخمر ، أو باختيار دخول الدار المغصوبة الموجب للتخلص عنها بالخروج.

وأما الثاني ، فباختيار ترك الدخول في المكان المغصوب ، وترك الوقوع في المهلكة المتوقف علاجها على شرب الخمر.

(٤) معطوف على «يوقع» وهذا بيان القدرة على الترك.

(٥) معطوف على «الدخول» وضمير «فيهما» راجع إلى المهلكة والدار ، يعني : يختار ترك الدخول في الدار وترك الوقوع في المهلكة لئلا يحتاج إلى التخلص عن الغصب بالخروج وعن المهلكة بالعلاج.

(٦) هذا إشكال من ناحية شيخنا الأعظم (قده) ومن يقول بمقالته من كون الخروج مأموراً به على المصنف وغيره ممن يقول بحرمة الخروج والشرب.

وحاصل الإشكال : أن الالتزام بالحرمة يوجب ارتفاع الوجوب عن ذي المقدمة

١٦٩

ومعاقباً عليه (*) عقلا مع بقاء ما (١) يتوقف عليه على وجوبه ، لسقوط (٢)

______________________________________________________

وهو التخلص عن الغصب وحفظ النّفس ، حيث ان المقدمة ـ وهي الخروج والشرب ـ ممنوعة شرعاً ، وموجبة لاستحقاق العقوبة عقلا ، ومن المقرر كون الممنوع شرعاً كالممتنع عقلا ، فالتكليف بذي المقدمة مع امتناع مقدمته الوجودية تكليف بغير مقدور ، إذ لا يمكن الجمع بين حرمة المقدمة ووجوب ذيها ، فلا بد اما من سقوط الوجوب عن ذي المقدمة وهو التخلص وحفظ النّفس ، لكونه مع حرمة المقدمة تكليفاً بغير مقدور. واما من سقوط حرمة المقدمة ، فلا يكون الخروج والشرب محرمين. والالتزام بسقوط الوجوب كما ترى ، إذ لم يلتزم أحد بسقوط وجوب حفظ النّفس ووجوب التخلص عن المغصوب ، فلا محيص عن الالتزام بسقوط الحرمة عن المقدمة وهي الخروج والشرب وهو المطلوب.

(١) المراد بالموصول ذو المقدمة كالتخلص عن الغصب وحفظ النّفس عن الهلاك ، وضمير «وجوبه» راجع إلى الموصول ، يعني : كيف تكون المقدمة كالخروج والشرب حراماً شرعاً مع بقاء ذي المقدمة على الوجوب ، كما يقول به المصنف وغيره في مقابل الشيخ القائل بوجوب الخروج والشرب.

(٢) تعليل لعدم إمكان اجتماع حرمة المقدمة كما يقول بها القائل بحرمة الخروج والشرب كالمصنف مع وجوب ذي المقدمة.

__________________

(*) الأولى أن يقال : «ومستحقاً عليه العقاب عقلا» لأن العقل يحكم باستحقاق العقاب. وأما العقوبة الفعلية التكوينية فهي فعل الشارع دون العقل ، لما عرفت من أن فعله هو حكمه بالاستحقاق ، وهذا أيضا مراد المصنف (قده) لكن العبارة قاصرة عن تأديته.

١٧٠

[ووضوح سقوط] الوجوب مع امتناع المقدمة المنحصرة ولو كان بسوء الاختيار ، والعقل قد استقل بأن الممنوع شرعاً كالممتنع عادة أو عقلا.

قلت (١) أولا : انما كان الممنوع كالممتنع إذا لم يحكم العقل بلزومه (٢) إرشاداً إلى ما هو أقل المحذورين. وقد عرفت (٣) لزومه

______________________________________________________

وتقريب التعليل : أن الامتناع الشرعي كالعقلي ، فالمقدمة الممنوعة شرعاً كالممنوعة عقلا في عدم القدرة على الإتيان بها ، وبامتناعها يمتنع بقاء ذي المقدمة على الوجوب المشروط بالقدرة على إيجاد متعلقه.

(١) هذا أول الجوابين اللذين أجاب بهما المصنف (قده) عن الإشكال المزبور ، وحاصله : أن حرمة المقدمة انما ترفع وجوب ذيها فيما إذا لم يحكم العقل بلزوم فعل المقدمة ، وأما مع حكمه بلزومه ، فلا بأس ببقاء وجوب ذي المقدمة بحاله ، إذ لا يكون التكليف به حينئذ من التكليف بالممتنع وغير المقدور بعد وضوح حكم العقل بلزوم المقدمة ، لكون مخالفتها أخف المحذورين ، وأقل القبيحين ، فلا منافاة بين وجوب ذي المقدمة كالتخلص عن المغصوب وبين كون الخروج الّذي هو مقدمته ممنوعاً عنه شرعاً بالنهي السابق الساقط بالامتناع بسوء الاختيار ، ومستحقاً عليه العقاب ، وليس المدعى الا ذلك.

(٢) أي : الممنوع شرعاً كالخروج عن المكان الغصبي ، فان الخروج وان كان مصداقاً للغصب المحرم لكنه أقل محذوراً من البقاء ، لحصول التخلص عن الحرام به.

(٣) حيث قال قبل صفحة تقريباً : «وان كان العقل يحكم بلزومه إرشاداً إلى اختيار أقل المحذورين وأخف القبيحين». وقال أيضا بعد هذه العبارة بسطرين :

١٧١

بحكمه ، فانه مع لزوم الإتيان بالمقدمة عقلا (١) لا بأس في (*) بقاء ذي المقدمة على وجوبه ، فانه (٢) حينئذ ليس من التكليف بالممتنع كما (٣) إذا كانت المقدمة ممتنعة.

وثانياً (٤) : لو سلم فالساقط انما هو الخطاب فعلا بالبعث

______________________________________________________

«وان كان العقل يلزمه إرشاداً إلى ما هو أهم وأولى بالرعاية من تركه ... إلخ».

(١) قيد لقوله : «لزوم» وضمير «لزومه» راجع إلى الممنوع شرعاً ، وضمير «بحكمه» راجع إلى العقل ، وضمير «فانه» للشأن.

(٢) يعني : فان وجوب ذي المقدمة حين حكم العقل بلزوم مقدمته ليس من التكليف بالممتنع.

(٣) قيد للمنفي ، يعني : ليس بقاء ذي المقدمة على وجوبه من التكليف بالممتنع كصورة امتناع المقدمة عقلا.

(٤) هذا ثاني الجوابين عن الإشكال ، ومحصله : أنه لو سلمنا سقوط وجوب ذي المقدمة ، لكونه منافياً لحرمة مقدمته حتى في صورة حكم العقل بلزومها ، فنقول : ان الساقط هو فعلية البعث والإيجاب بحفظ النّفس عن الهلاك ، والتخلص عن الغصب. وأما حكم العقل بلزومهما لتنجز التكليف بهما قبل الاضطرار ، فهو باق على حاله ، ومع هذا الحكم العقلي لا حاجة إلى الخطاب الفعلي الشرعي. وعليه فحرمة المقدمة مانعة عن فعلية وجوب ذي المقدمة دون ملاكه ، لتماميته وعدم قصور فيه ، ولذا يحكم العقل بلزوم استيفائه ، فيجب التخلص عن الغصب وحفظ النّفس عن الهلاك بالخروج وشرب الخمر بحكم العقل وان لم يكن وجوب فعلي شرعاً بحفظ النّفس والتخلص عن الغصب ، لكفاية حكم العقل في ذلك.

__________________

(*) الأولى تبديل «في» بالباء بأن يقال : «لا بأس ببقاء ذي المقدمة».

١٧٢

والإيجاب (*) لا لزوم (١) إتيانه عقلا ، خروجاً (٢) عن عهدة ما تنجز عليه سابقاً (٣) ، ضرورة (٤) أنه لو لم يأت به لوقع في المحذور الأشد ، ونقض الغرض الأهم ، حيث (٥) انه الآن (٦) كما كان عليه من الملاك والمحبوبية بلا حدوث قصور أو طروء فتور فيه أصلا ، وانما كان

______________________________________________________

(١) يعني : أن الساقط هو الخطاب الفعلي ، لا لزوم الإتيان بالمقدمة عقلا.

(٢) تعليل للزوم الإتيان عقلا.

(٣) يعني : قبل الاضطرار ، وحاصله : أنه يجب بحكم العقل الإتيان بالحرام المضطر إليه بسوء الاختيار لأجل الخروج عن عهدة التكليف الّذي تنجز عليه قبل الاضطرار.

(٤) تعليل لعدم سقوط الوجوب العقلي ، وحاصله : أنه لو لم يأت بالحرام المضطر إليه كالخروج عن المغصوب وشرب الخمر للتخلص عن الغصب ، وحفظ النّفس عن التلف لوقع في المحذور الأشد ، وهو تلف النّفس والبقاء في الغصب.

(٥) تعليل للوقوع في المحذور الأشد ، وضمير «انه» راجع إلى ذي المقدمة.

(٦) يعني : بعد الاضطرار ، وحاصله : أن حفظ النّفس عن الحرام ـ كالهلكة والبقاء في المغصوب ـ باق على ما كان عليه قبل الاضطرار من الملاك والمحبوبية ، ولم يحدث فيه بسبب الاضطرار قصور أصلا. نعم سقط خطابه لأجل المانع وهو حرمة مقدمته كالخروج وشرب الخمر ، فالمقدمة باقية على حرمته التي

__________________

(*) لا يخفى أنه مع انحصار طريق إحراز الملاك بالخطاب المشتمل على الطلب الفعلي ينسد باب إحرازه بسقوط الخطاب ، فيشكل حينئذ تصحيح العبادة به.

١٧٣

سقوط الخطاب لأجل المانع (١) ، وإلزام (٢) العقل به لذلك إرشاداً كاف لا حاجة معه إلى بقاء الخطاب بالبعث إليه والإيجاب له فعلا (٣) ، فتدبر جيداً.

وقد ظهر مما حققناه (٤) فساد القول بكونه مأموراً به مع إجراء

______________________________________________________

كانت ثابتة له قبل الاضطرار ، فيعاقب عليها لذلك وان ألزمه العقل بإتيانها ، لكونها أخف القبيحين.

وبالجملة : فالمقدمة باقية على حرمتها ، وذو المقدمة باق على محبوبيته الثابتة له قبل حدوث الاضطرار ، ولم يسقط عنه إلّا فعلية الإيجاب.

(١) وهو : حرمة المقدمة المنافية لوجوب ذيها.

(٢) مبتدأ وخبره «كاف» يعني : وإلزام العقل بالإتيان بالمقدمة المحرمة كالخروج وشرب الخمر للخروج عن عهدة ما تنجز عليه سابقاً من باب الإرشاد كاف في لزوم الإتيان ، ولا حاجة مع هذا الحكم العقلي إلى بقاء الخطاب الفعلي البعثي ، فقوله : «لذلك» إشارة إلى الخروج عن العهدة.

(٣) قيد للبعث والإيجاب ، وضمير «معه» راجع إلى إلزام العقل ، وضميرا «إليه ، له» راجعان إلى ذي المقدمة كالتخلص عن الهلاك والغصب.

فتلخص من جميع ما أفاده المصنف (قده) : أن المقدمة المحرمة المنحصرة المضطر إليها بسوء الاختيار ـ كالخروج عن المكان المغصوب وشرب الخمر لحفظ النّفس عن الهلاك ـ باقية على حرمتها ، ولا ترفع حرمتها وجوب ذيها أولا ، وعلى فرض تسليم ارتفاع وجوبه يكفي حكم العقل بلزوم التخلص عن الغصب والهلاك ، ولا حاجة معه إلى الإيجاب الفعلي الشرعي ثانياً.

(٤) من بقاء المضطر إليه بسوء الاختيار على حكمه من الحرمة ظهر فساد

١٧٤

حكم المعصية (١) عليه نظراً (٢) إلى النهي السابق ، مع ما فيه (٣) من لزوم اتصاف فعل واحد بعنوان واحد بالوجوب والحرمة (*). ولا يرتفع غائلته (٤)

______________________________________________________

القول ... إلخ.

(١) المراد بحكم المعصية استحقاق العقوبة.

(٢) قيد لإجراء حكم المعصية عليه ، والمراد بالنهي السابق هو الساقط بالاضطرار قبل الخروج ، ولذا كان الخروج معصية حكماً لا حقيقة.

(٣) هذا إشكال آخر على هذا القول ، وحاصل الإشكال الأول : أنه قد ظهر مما بيناه في القول المختار من بقاء النهي المتعلق بالمقدمة ـ كالخروج ـ على حاله ، وعدم صيرورتها مأموراً بها بالاضطرار : فساد القول بكون الخروج مأموراً به مع جريان حكم المعصية عليه ، للنهي السابق الساقط بحدوث الاضطرار ، وذلك لأن النهي باقٍ والخروج حرام حتى بعد حدوث الاضطرار ، غاية الأمر أن العقل إرشاداً إلى أقل المحذورين يحكم بلزوم الخروج ، هذا.

وحاصل الإشكال الثاني : أن لازم هذا القول اجتماع الضدين ـ وهما الوجوب والحرمة ـ في فعل واحد بعنوان واحد ، حيث ان الخروج حرام ، لكونه تصرفاً في مال الغير بدون اذنه ، وواجب ، لكونه مقدمة للتخلص الواجب.

(٤) أي : غائلة اتصاف فعل واحد بعنوان واحد بالوجوب والحرمة.

__________________

(*) لا يخفى أنه لا يرد هذا الإشكال على صاحب الفصول (قده) ، لأنه لا يقول بكون الخروج معصية حقيقية حتى يكون حراماً كي يلزم اتصافه بالوجوب والحرمة ، ويحتاج إلى الدفع ، بل يقول بأنه في حكم المعصية يعني في استحقاق العقوبة ، كما يظهر من عبارته التي ننقلها في التعليقة الآتية إن شاء الله تعالى.

١٧٥

باختلاف زمان التحريم والإيجاب قبل الدخول وبعده (١) كما في الفصول مع اتحاد زمان الفعل المتعلق لهما ، وانما المفيد (٢) اختلاف زمانه ولو مع اتحاد زمانهما ، وهذا أوضح من أن يخفى ، كيف (٣) ولازمه

______________________________________________________

ثم انه إشارة إلى ما تفطنه صاحب الفصول من إشكال الاجتماع المزبور.

ودفعه باختلاف زمان التحريم ـ وهو ما قبل الدخول في المغصوب ـ وزمان الإيجاب وهو ما بعد الدخول ، وأن المستحيل هو اجتماعهما في زمان واحد ، وهو مفقود هنا.

وحاصل ما أفاده المصنف (قده) في رده : أن اختلاف زماني الإيجاب والتحريم لا يجدي في ارتفاع غائلة اجتماعهما ما لم يختلف زمان الفعل المتعلق لهما ، كما إذا قال في زمان واحد : «يجب الجلوس في المحل الكذائي يوم الجمعة ويحرم يوم الخميس» فانه لا إشكال في صحة ذلك مع وحدة زمان إنشاء الإيجاب والتحريم. وأما إذا قال صباح يوم الخميس : «يجب الجلوس في المكان الفلاني يوم الجمعة» وفي مسائه : «يحرم الجلوس فيه يوم الجمعة» فلا إشكال في عدم الصحة ، للزوم اجتماع الحكمين مع اختلاف زمان إنشائهما ، فالمدار في ارتفاع غائلة الاجتماع على اختلاف زمان متعلق الحكمين ، لا اختلاف زمان إنشائهما.

(١) الأول زمان إنشاء التحريم ، والثاني ـ وهو بعد الدخول ـ زمان إنشاء الوجوب.

(٢) في ارتفاع الغائلة اختلاف زمان الفعل المتعلق ولو مع اتحاد زمان الحكمين.

(٣) يعني : كيف يرتفع غائلة الاجتماع باختلاف زماني الإيجاب والتحريم والحال أن لازمه وقوع الخروج بعنوانه إطاعة وعصياناً ، ومحبوباً ومبغوضاً.

١٧٦

وقوع الخروج بعد الدخول عصياناً للنهي السابق وإطاعة للأمر اللاحق فعلا (١) ومبغوضاً ومحبوباً كذلك (٢) بعنوان واحد (٣) ، وهذا (٤) مما لا يرضى به القائل بالجواز فضلا عن القائل بالامتناع.

كما لا يجدي (٥) في رفع هذه الغائلة كون النهي مطلقاً وعلى كل

______________________________________________________

أما الإطاعة والمحبوبية الفعليتان فللأمر اللاحق المتعلق بالخروج بعد الدخول. وأما العصيان والمبغوضية ، فللنهي السابق الساقط بالاضطرار.

(١) قيد «للأمر اللاحق» إذ المفروض كون الخروج بعد الدخول مأموراً به فعلا.

(٢) أي : محبوباً فعلا كفعلية الأمر به.

(٣) وهو التصرف الخروجيّ ، فانه بهذا العنوان حرام ، لكونه بدون اذن المالك ، وواجب ، لتوقف ترك الغصب عليه ، وقد تقدم سابقاً أن المقدمية جهة تعليلية ، فمعروض الوجوب المقدمي هو ذات المقدمة أعني الخروج ، فهو المتصف بالوجوب والحرمة.

(٤) أي : اتصاف الخروج بالوجوب والحرمة والمحبوبية والمبغوضية مما لا يرضى به القائل بجواز اجتماع الأمر والنهي ، لأنه يرى إجراء تعدد العنوان فيه فضلا عن القائل بالامتناع ، كما لا يخفى.

(٥) إشارة إلى وجه آخر لدفع غائلة اجتماع الوجوب والحرمة في الخروج ، وحاصله : أن النهي عن التصرف في مال الغير مطلق يشمل الدخول والبقاء والخروج ، والأمر بالخروج مشروط بالدخول ، إذ لا يصح الأمر به قبل الدخول ، ولكون أحد الحكمين ـ وهو النهي ـ مطلقاً والآخر مقيداً يرتفع التنافي بينهما.

١٧٧

حال ، وكون الأمر مشروطاً بالدخول (*) ، ضرورة (١) منافاة حرمة

______________________________________________________

(١) إشارة إلى عدم إجداء الإطلاق والتقييد في ارتفاع الغائلة.

وملخص وجه عدم الإجداء : أن النهي لما لم يكن مقيداً بزمان ، فلا محالة يكون في زمان القيد موجوداً ، فالخروج منهي عنه ومأمور به ، فاجتمع فيه الوجوب والحرمة ، ولم ترتفع غائلة الاجتماع.

__________________

(*) قال في الفصول في الثلث الأخير من مبحث اجتماع الأمر والنهي ما لفظه : «وتوضيح المقام : أن ترك الغصب مراد من المكلف بجميع أنحائه التي يتمكن من تركه إرادة فعلية مشروطاً بقاؤها ببقاء تمكنه منه ، وحيث انه قبل الدخول يتمكن من ترك الغصب بجميع أنحائه دخولا وخروجاً ، فترك الجميع مراد منه قبل دخوله ، فإذا دخل فيه ارتفع تمكنه من تركه بجميع أنحائه مقدار ما يتوقف التخلص عليه ، وهو مقدار خروجه مثلا ، فيمتنع بقاء إرادة تركه كذلك ، وقضية ذلك أن لا يكون بعض أنحاء تركه حينئذ مطلوبا ، فيصح أن يتصف بالوجوب ، لخلوه عن المنافي ، والعقل والنقل قد تعاضدا على أن ليس ذلك إلّا التصرف بالخروج ، فيكون للخروج بالقياس إلى ما قبل الدخول وما بعده حكمان متضادان أحدهما مطلق وهو النهي عن الخروج ، والآخر مشروط بالدخول وهو الأمر به ، وهما غير مجتمعين فيه ليلزم الجمع بين الضدين ، بل يتصف بكل في زمان ، ويلحقه حكمهما من استحقاق العقاب والثواب باعتبار الحالين. ولو كانت مبغوضية شيء في زمان مضادة لمطلوبيته في زمان آخر لامتنع البداء في حقنا مع وضوح جوازه ، وانما لا يترتب هنا أثر الأول لرفع البداء له بخلاف المقام» انتهى موضع الحاجة من كلامه زيد في علو مقامه.

وأنت خبير بما في كلامه من القرائن الدالة على عدم إرادة اجتماع الوجوب

١٧٨

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

والحرمة في الخروج ، بل تدل على تخصيص حرمة أنحاء التصرف وإخراج الخروج بعد الدخول عن حيز عموم الحرمة.

منها : قوله : «مشروطاً بقاؤها ببقاء تمكنه منه ... إلخ» لدلالته على انتفاء إرادة ترك الخروج ، لعدم تمكنه من ترك الغصب حينئذ ، فلا يتصف بالحرمة.

ومنها : قوله : «وهما غير مجتمعين فيه ... إلى قوله : بل يتصف بكل في زمان ... إلخ» فانه كالصريح في اختلاف زمان اتصاف المتعلق بالوجوب والحرمة ، لا اختلاف زمان إنشائهما ليقال : انه غير مانع عن اجتماعهما.

ومنها : قوله : «ولو كانت مبغوضية شيء في زمان مضادة ... إلخ» فانه أيضا كالصريح في اختلاف زمان الفعل المتصف بالمبغوضية والمطلوبية ، لوضوح تعدد زمان محبوبية شيء ومبغوضيته في البداء ، ولو كان منشأ المحبوبية أو المبغوضية الجهل بخصوصيات الموضوع ، كما لا يخفى.

وقد ظهر مما ذكرنا : عدم ورود شيء من إشكالات المصنف على صاحب الفصول «قدهما» من لزوم اتصاف فعل واحد بعنوان واحد بالوجوب والحرمة ، لما عرفت من عدم لزومه أصلا ، إذ المفروض سقوط النهي عقلا بالاضطرار ، ولا يبقى إلّا أثره ، وهو استحقاق العقوبة. وأما نفس الفعل ، فلا يكون حراماً بل هو واجب فقط. ولا منافاة بين الوجوب واستحقاق العقوبة كالجهر في موضع الإخفات وبالعكس جهلا ، حيث ان الصلاة صحيحة ومأمور بها ، ومع ذلك يستحق العقوبة عليها.

ومن وقوع الخروج بعد الدخول عصياناً للنهي السابق وإطاعة للأمر اللاحق ، لما ظهر من كلام الفصول من سقوط النهي عن الخروج ، فلا يكون

١٧٩

شيء كذلك (١) مع وجوبه في بعض الأحوال (٢).

وأما القول بكونه مأموراً به ومنهياً عنه (٣) ، ففيه مضافاً (٤) إلى ما عرفت : من امتناع الاجتماع فيما إذا كان بعنوانين فضلا (٥) عما إذا

______________________________________________________

(١) أي : مطلقاً وعلى كل حال.

(٢) وهو الخروج بعد الدخول.

مختار المحقق القمي والمناقشة فيه

(٣) وهو مختار المحقق القمي (قده) ، والمنسوب إلى ظاهر الفقهاء ، وقد أورد عليه المصنف (قده) بوجوه نذكرها عند شرح كلماته.

(٤) هذا أول تلك الوجوه ، وحاصله : أنه قد تقدم في بيان مختاره امتناع اجتماع الأمر والنهي في شيء واحد بعنوانين ، فراجع.

(٥) هذا ثاني تلك الوجوه ، وملخصه : أنه بعد تسليم جواز الاجتماع نقول : ان مورده هو تعدد العنوان ، وذلك مفقود في المقام ، ضرورة أن متعلق الأمر والنهي ـ وهو الخروج الشخصي ـ واحد ، وهو بعنوانه الأولي ـ أعني التصرف في مال الغير بدون اذنه ـ قد تعلق به الحكمان المتضادان لجهتين تعليليتين إحداهما عدم اقترانه بإذن المالك الموجب لتعلق النهي به ، والأخرى توقف التخلص عن الحرام عليه الموجب لتعلق الأمر به ، ومن المعلوم أن الجهات

__________________

عصياناً ، بل بحكم المعصية من استحقاق العقوبة ، فليس الدخول عصيانا وإطاعة.

ومن عدم إجراء إطلاق النهي ، واشتراط الأمر في دفع غائلة الاجتماع ، لما عرفت من عدم التزام الفصول بالاجتماع ، وعدم إرادته من الإطلاق العموم بل مراده الإطلاق في مقابل الاشتراط ، فتدبر.

١٨٠