منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٣

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٣

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: مطبعة غدير
الطبعة: ٦
الصفحات: ٧٨٣

في جواز التخصيص بالمفهوم المخالف (١) مع الاتفاق على الجواز بالمفهوم الموافق (٢) على قولين ، وقد استدل لكل منهما بما لا يخلو عن قصور (٣).

______________________________________________________

التخصيص بالمفهوم المخالف

(١) أي : المخالف للمنطوق في السلب والإيجاب ، كمفهوم «إذا بلغ الماء قدر كر لم ينجسه شيء» وهو «إذا لم يبلغ الماء قدر كر ينجسه شيء» فانه يخصص العام أعني به «الماء كله طاهر».

(٢) أي : الموافق للمنطوق في السلب والإيجاب ، كحرمة تزويج ذات البعل التي هي المفهوم الموافق بالأولوية لقوله عليه الصلاة والسلام : «والّذي يتزوج المرأة في عدتها وهو يعلم لا تحل له أبداً» (١) ، إذ لا إشكال في أولوية حرمة تزويج ذات البعل من نكاح المعتدة ، وهذا المفهوم يخصص عموم قوله تعالى : «وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ» بعد ذكر حرمة نكاح عدة من النساء كالأُم ، والبنت والأُخت ، والعمة ، والخالة وغيرهن.

وبالجملة : يخصص عموم «وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ» بالمفهوم الموافق المزبور ، فكأنه قيل : «وأحل لكم ما وراء المذكورات الا ذات البعل».

(٣) كاستدلال المجوزين بـ «أنهما دليلان تعارضا ، وتخصيصه به طريق جمع بينهما ، فيتعين ، لكونه أولى من الطرح» ورد المنكرين له بـ «أن الجمع كما يمكن بإلغاء العموم ، كذلك يمكن بإلغاء المفهوم ، فلا بد في ترجيح الأول

__________________

(١) الوسائل ج ١٤ ، الباب ١٧ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، الحديث ١.

٦٢١

وتحقيق المقام (١) : أنه إذا ورد العام وما له المفهوم في كلام أو

______________________________________________________

من مرجح ، ومجرد كونه طريق الجمع لا يصلح مرجحاً». وكاستدلال المنكرين بـ «أن المنطوق وان كان عاماً ، لكنه أقوى دلالة من المفهوم وان كان خاصاً ، فلا يصلح لمعارضته ، فان الخاصّ انما يقدم على العام إذا كان أقوى دلالة منه». وان أردت الوقوف على كلماتهم هنا مفصلا ، فراجع الكتب المبسوطة كالفصول.

(١) غرضه : أن المقام كسائر موارد التعارض من حيث لزوم الأخذ بالأظهر من المتعارضين ان كان أحدهما أظهر ، وإلّا فالتساقط والرجوع إلى الأصل العملي في مادة المعارضة. وأن المفهومية ليست من موجبات الوهن وضعف الدلالة. توضيح ذلك : أنه إذا ورد عام وما له مفهوم يصلح لتخصيص العام ، وكان كل منهما صالحاً لأن يكون قرينة على التصرف في الآخر ، كما إذا كانا في كلام واحد ، أو في كلامين يعدان بنظر العرف بمنزلة كلام واحد ، فتارة يكون منشأ الدلالة والظهور في كل منهما الوضع ، وأخرى الإطلاق الناشئ عن مقدمات الحكمة ، وثالثة باختلافهما ، بأن يكون أحدهما بالوضع ، والآخر بالإطلاق. ففي الصورتين الأوليين لا مفهوم ولا عموم ، أما في الثانية ، فلعدم تمامية مقدمات الحكمة في شيء منهما ، لتوقف تماميتها في كل واحد منهما على عدم الآخر ، فلا يبقى منشأ للظهور في كل منهما.

وأما في الأولى ، فلتزاحم الظهورين ، وعدم اعتبار كليهما إلّا إذا كان أحدهما أظهر من الآخر ، كما إذا فرض كثرة استعمال أحدهما في معناه الحقيقي ، والآخر في معناه المجازي ، ولذا يكون الأول أظهر في معناه الحقيقي من الثاني ، فيقدم الأظهر على غيره ان كان العام وما له المفهوم في كلام واحد ، كقوله تعالى : «إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ» فان مفهومه عدم وجوب التبين في خبر العادل ، وتلقيه بالقبول. ومقتضى عموم شناعة إصابة القوم بجهالة

٦٢٢

كلامين (١) ، ولكن على نحو يصلح (٢) أن يكون كل منهما قرينة متصلة للتصرف في الآخر ، ودار (٣) الأمر بين تخصيص العموم أو (*) إلغاء المفهوم ، فالدلالة على كل منهما ان كانت بالإطلاق بمعونة مقدمات الحكمة (٤)

______________________________________________________

كون إصابتهم كذلك أمراً مرغوباً عنه ولو من ناحية خبر العادل ، ولعدم استقرار الظهور بعد انعقاده في غير الأظهر ان كانا ـ أي العام وما له المفهوم ـ في كلامين كهذا المفهوم بالنسبة إلى عموم الآيات الناهية عن العمل بالظن.

وفي الصورة الثالثة ـ أعني ما إذا كان ظهور العام بالوضع وظهور المفهوم بالإطلاق بمقدمات الحكمة أو بالعكس ـ لا إشكال في تقدم ما ظهوره بالوضع على ما ظهوره بمقدمات الحكمة ، لأن الظهور إذا كان بالوضع كان صالحاً لأن يكون بياناً مانعاً عن الظهور بالإطلاق الناشئ من مقدمات الحكمة التي منها عدم البيان ، فيقدم عليه ، هذا. ولم يتعرض المصنف (قده) لهذه الصورة الثالثة وقد ذكرناها في التعليقة فراجع.

(١) قد تقدم آنفاً مثال كل من : «كلام أو كلامين».

(٢) يخرج به مثل : «أكرم العلماء ان كانوا عدولا» فان التقييد بالمنطوق يقتضي تخصيص العام بالمفهوم.

(٣) معطوف على قوله : «ورد» يعني : ودار الأمر بين تخصيص العموم وإلغاء المفهوم.

(٤) كالنكرة في سياق النهي والنفي بناء على كون دلالتها على الإطلاق بمعونة مقدمات الحكمة ، وكمفهوم الشرط بناء على كونه كذلك ، فدلالة كل من النكرة والمفهوم تكون بالإطلاق. وضمير «منهما» راجع إلى العموم والمفهوم.

__________________

(*) الأولى تبديله بالواو.

٦٢٣

أو بالوضع (١) ، فلا يكون هناك (٢) عموم ، ولا مفهوم ، لعدم (٣) تمامية مقدمات الحكمة في واحد منهما (٤) لأجل المزاحمة (٥) ، كما في مزاحمة ظهور أحدهما وضعاً (٦) لظهور الآخر كذلك (٧) (*) ،

______________________________________________________

(١) كلفظة «كل» ونحوها من الألفاظ الموضوعة للعموم ، وأداة الحصر ونحوها مما هي موضوعة للمفهوم.

(٢) يعني : فيما إذا كانت الدلالة في كل من العموم والمفهوم بالإطلاق أو بالوضع لا عموم ولا مفهوم ، وقد تقدم آنفاً توضيح عدم تحققهما.

(٣) تعليل لعدم العموم والمفهوم فيما إذا كانت الدلالة فيهما بمقدمات الحكمة.

(٤) أي : من العموم والمفهوم لأجل المزاحمة بين الظهورين ، لتوقف تمامية مقدمات الحكمة في كل واحد منهما على عدم الآخر ، فلا ينعقد ظهور لشيء منهما.

(٥) يعني : والعلم الإجمالي بإرادة خلاف الظاهر في أحدهما.

(٦) أي : العموم والمفهوم في الظهور الوضعي ، يعني : كما أن الظهور لا يحصل للعموم والمفهوم فيما إذا كان منشأ الظهور مقدمات الحكمة ، كذلك لا يحصل لهما إذا كان منشأ الظهور فيهما الوضع ، كما عرفت تقريبه مفصلا.

(٧) أي : وضعاً.

__________________

(*) الأولى في استقصاء الصور أن يقال : ان الظهور في العام والمفهوم يكون تارة وضعياً ، وأخرى إطلاقياً ، وقد مر مثالهما في التوضيح. وثالثة مختلفاً كمفهوم الشرط الّذي يكون ظهوره بالإطلاق. ولفظ كل ونحوه من الألفاظ التي تكون دلالتها على العموم بالوضع. وعلى التقادير يكون تارة ما يدل على العموم والمفهوم في كلام واحد كآية النبأ ، وأخرى في كلامين مستقلين.

٦٢٤

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

فان كانا متحدين وضعا أو إطلاقاً وكانا في كلام واحد ، فلا إشكال في تساقطهما ، لصيرورتهما مجملين حقيقة.

وان كانا متحدين كذلك وكانا في كلامين ، يعامل معهما معاملة المجمل وان لم يكونا من المجمل حقيقة ، لأنه مع انفصالهما وكونهما في كلامين ينعقد لكل منهما ظهور ، لكن لا يكون حجة ، للمزاحمة والعلم الإجمالي بإرادة خلاف الظاهر في أحدهما ، وعدم مرجح لأحدهما ، ولا يستقر ظهور لهما ، ويسقطان عن الحجية إلّا إذا كان أحدهما أظهر ، ومورد الأظهرية هو ما إذا وقع ما له المفهوم وما يدل على العموم في كلامين ، لما مر من أن الانفصال يوجب الظهور البدوي في كل منهما ، فلو كان أحدهما أظهر قدم على الآخر ، لكونه قرينة على التصرف فيه عرفاً ، بحيث يعد ذلك جمعاً عرفياً بينهما ، وان لم يكن أحدهما أظهر تساقطا ، كما مر آنفاً.

وأما إذا وقعا في كلام واحد ، فلا يتصور لهما ظهور حتى يكون أحدهما أظهر ، ولو فرض ظهور لأحدهما بمعونة الجهات الخارجية ، فهو وان كان حجة ، لكنه ليس من تقديم الأظهر على الظاهر.

والحاصل : أن فرض الأظهرية مختص بوقوع ما يدل على العموم وما له المفهوم في كلامين ، ولا يتمشى في كلام واحد ، فلو كان لكلام المصنف (قده) : «لو لم يكن في البين أظهر وإلّا فهو المعول» إطلاق يشمل الكلام والكلامين ، فلا بد من حمله على الكلامين ، لما مر آنفاً ، فلا تغفل.

٦٢٥

فلا بد من العمل بالأصول العملية فيما دار [الأمر] فيه بين العموم والمفهوم (١) إذا لم يكن مع ذلك (٢) أحدهما أظهر ، وإلّا (٣) كان مانعاً عن انعقاد الظهور ، أو استقراره (٤) في الآخر.

______________________________________________________

(١) يعني : في مورد اجتماع العام والمفهوم كالغنم المعلوفة ، فان مقتضى عموم ما دل على أن «في الغنم زكاة» وجوب الزكاة في المعلوفة ، ومقتضى مفهوم «في الغنم السائمة زكاة» عدم وجوبها في المعلوفة ، فيرجع حينئذ إلى الأصل العملي وهو في المقام أصالة البراءة عن الوجوب ، فلا تجب الزكاة في المعلوفة.

(٢) أي : مع كون الظهور فيهما وضعياً ، يعني : أن الرجوع إلى الأصول العملية مشروط بعدم كون العام أو المفهوم أظهر من الآخر ، فالظهور في كليهما وان كان وضعياً ، لكنه يمكن أن يكون في أحدهما ـ لكثرة الاستعمال أو غيرها ـ أظهر من الآخر ، وحينئذ يقدم الأظهر على غيره.

(٣) يعني : وان كان أحدهما أظهر كان مانعاً عن انعقاد الظهور في الآخر فيما إذا كان الظهور مستنداً إلى مقدمات الحكمة ، أو مانعاً عن استقراره بعد انعقاده فيما إذا كان الظهور مستنداً إلى الوضع ، لأن الوضع يوجب ظهور كل من العام والمفهوم بدواً ، وأظهرية أحدهما تمنع عن استقرار ظهور الآخر.

(٤) أي : استقرار الظهور. هذا في الظهور الوضعي ، وقوله : «انعقاد الظهور» في الظهور الإطلاقي المستند إلى مقدمات الحكمة.

__________________

وان كانا مختلفين ، بأن يكون الظهور في أحدهما وضعياً ، وفي الآخر إطلاقياً ، فلا إشكال في تقدم الوضعي على الإطلاقي ، لوضوح أنه يصلح لأن يكون بياناً مانعاً عن الإطلاق المنوط بعدم البيان. وان شئت فقل : ان الظهور الوضعي تنجيزي ، والإطلاقي تعليقي.

٦٢٦

ومنه (١) قد انقدح الحال فيما إذا لم يكن بين ما دل [ما يدل] على العموم وما له المفهوم ذلك [ذاك] الارتباط والاتصال (٢) ، وأنه (٣) لا بد أن يعامل مع كل منهما (٤) معاملة المجمل لو لم يكن في البين أظهر ، وإلّا (٥) فهو المعول ، والقرينة (٦) على التصرف في الآخر بما (٧) لا يخالفه بحسب العمل.

______________________________________________________

(١) أي : ومن تزاحم الظهورين الوضعيّين في الحجية بعد انعقادهما ظهر الحال فيما إذا لم يكن بين ما يدل على العموم وبين ما له المفهوم ذلك الارتباط الموجب لصلاحية كل منهما للقرينية على الآخر ، فان الظهور الوضعي في كل منهما وان انعقد بدواً ، إلّا أنهما يسقطان عن الاعتبار لأجل التعارض ، فيجري عليهما حكم المجمل ، وهو الرجوع إلى الأصول العملية وان لم يكونا من المجمل موضوعاً لفرض وجود الظهور في كليهما.

(٢) أي : الارتباط الموجب لقرينية أحدهما على الآخر.

(٣) معطوف على «الحال» والضمير للشأن.

(٤) أي : ما دل على العموم وما دل على المفهوم لو لم يكن في البين أظهر.

(٥) يعني : وان كان في البين أظهر ، فهو المعول ، لما قرر في محله من تقدم الأظهر على الظاهر ، لكونه جمعاً عرفياً.

(٦) معطوف على «المعول» يعني : والأظهر قرينة على التصرف في الآخر.

(٧) أي : بتصرف لا يخالف الأظهر بحسب العمل ، كالحمل على الكراهة في مثل قولهم : «يجوز إكرام الشعراء وأكرم الشعراء العدول» فان مفهومه وهو «لا تكرم الشعراء الفساق» يحمل على الكراهة حتى لا ينافي العام وهو «يجوز إكرام الشعراء» بحسب العمل. وضمير «يخالفه» راجع إلى الأظهر.

٦٢٧

فصل

الاستثناء (*) المتعقب لجمل متعددة (**) [للجمل المتعددة]

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

(*) لا يخفى عدم اختصاص البحث بالاستثناء ، وجريانه في سائر التوابع من النعت والحال وغيرهما. وأما المخصص المنفصل ، فهو يسقط الجميع عن الحجية ، للعلم الإجمالي بتخصيص إحداها.

(**) الأولى تبديلها بـ «المتعاطفة» لدلالة «الجمل» على التعدد فلا تحتاج إلى التصريح بها ، بخلاف التعاطف ، فان لفظ «الجمل» لا يدل عليه مع أن مفروض البحث هو الجمل المتعاطفة ، إذ في غيرها ينفصل البيان ، وتكون نسبة الخاصّ إلى كل واحدة منها واحدة ، فلو كان للخاص ظهور في العموم كان مخصصاً للجميع ، وإلّا فيصير مجملا ، ولا يرجع إلى أصالة العموم في شيء من الجمل ، لأنه وان انعقد لكل منها ظهور في العموم مع الانفصال وانقطاع البيان ، لكنه للعلم الإجمالي بتخصيص بعضها أو كلها لا تجري أصالة العموم في شيء منها ، فإذا ورد «أكرم العلماء ، أكرم الصلحاء ، أكرم الشعراء» ثم ورد «لا تكرم الفاسق» فان كان للخاص ظهور في العموم أو الإطلاق ، فلا إشكال في كونه معارضاً لكل منها معارضة العموم من وجه.

وان لم يكن له ظهور كذلك صار مجملا ، ولإجماله لا يصلح لأن يكون مخصصاً ، بعد انعقاد ظهور لكل من الجمل المذكورة في العموم ، لانفصال الخاصّ عن جميعها ، وعدم ارتباطه بها ، لعدم كونه من التوابع والملابسات ، وتساوي نسبته إلى الجميع ، فيسقط حينئذ أصالة العموم عن الحجية ، للعلم الإجمالي المزبور

٦٢٨

هل الظاهر هو رجوعه إلى الكل (١) أو خصوص الأخيرة ، أو لا ظهور له في واحد منهما (٢) ، بل لا بد في التعيين من قرينة (٣)؟ [فيه] أقوال (٤) والظاهر أنه لا خلاف ولا إشكال (*) في رجوعه إلى الأخيرة على

______________________________________________________

الاستثناء المتعقب لجمل

(١) أي : كل واحد منها بنحو العام الاستغراقي ، بحيث يكون ذلك ظاهر الاستثناء المزبور ، وإرادة خلافه منوطة بالقرينة.

(٢) أي : لا ظهور للاستثناء في رجوعه إلى الكل أو خصوص الأخيرة.

(٣) إذ المفروض إجمال الكلام حينئذ ، فلا بد في تعيين المراد من قرينة.

(٤) الأول : رجوعه إلى الكل ، وهو المنسوب إلى الشيخ والشافعية.

الثاني : رجوعه إلى خصوص الأخيرة ، وهو المعزي إلى أبي حنيفة وأتباعه.

الثالث : أنه مشترك بينهما ، فلا بد في التعيين من نصب قرينة معينة ، وهو المنسوب إلى السيد قدس‌سره.

الرابع : التوقف ، وهو المنسوب إلى الغزالي.

__________________

فمحل النزاع هو الكلام الواحد الّذي يمكن أن يرجع فيه الخاصّ إلى الكل أو الأخيرة بحسب القواعد العربية ، بأن يكون من التوابع ويصلح للقرينية وليس هذا إلّا مع العطف ، وكون الخاصّ من الملابسات.

فالمتحصل : أن إضافة «المتعاطفة» إلى الجمل لازمة.

(*) حتى عند أهل الوقف ، لكن لأجل القدر المتيقن ، لا لأجل الظهور ، إذ لو كان الرجوع إلى الأخيرة لأجله ، كان منافياً لمذهب أهل الوقف.

٦٢٩

أي حال (١) ، ضرورة أن رجوعه (٢) إلى غيرها بلا قرينة خارج عن طريقة أهل المحاورة. وكذا (٣) في صحة رجوعه إلى الكل وان كان المتراءى من كلام صاحب المعالم رحمه‌الله حيث مهد مقدمة (*) لصحة (**)

______________________________________________________

(١) لأن رجوعه إلى غير الأخيرة بدون القرينة خارج عن طريقة أبناء المحاورة.

(٢) أي : رجوع الاستثناء إلى غير الأخيرة.

(٣) يعني : وكذا لا إشكال في صحة رجوعه إلى الكل ، وغرضه : أنه يعتبر في محل النزاع إمكان رجوع الاستثناء إلى الكل ، بأن تشتمل كل جملة من تلك الجمل على المستثنى ، كما إذا ورد «أكرم العلماء وأضف الشعراء واعطف الفقراء الا زيداً» وفرض وجود مسمى بزيد في كل من العلماء والشعراء والفقراء فاعتبار اشتمال كل واحد من هذه العمومات على هذا المستثنى ـ أعني زيداً ـ في هذا المبحث من الواضحات ، إذ مع عدم اشتمال بعضها عليه لا يصح رجوع الاستثناء إلى الجميع ، بل يصح بالنسبة إلى خصوص الجمل المشتملة على المستثنى.

__________________

(*) الظاهر أن غرض صاحب المعالم (ره) من تمهيد المقدمة إثبات كيفية الرجوع إلى الكل ، لا إثبات أصل صحته ، إذ من الأقوال صحة الرجوع إلى الكل للاشتراك اللفظي ، فتصدى لبيان أن الرجوع إلى الكل ليس مبنياً على الاشتراك اللفظي ، بل يمكن ذلك وان لم نقل بالاشتراك اللفظي ، فراجع المعالم وتأمل.

(**) حق العبارة بناء على التعليقة المتقدمة أن يقال : «لكيفية رجوعه إليه» بدلا عن قوله : «لصحة رجوعه» كما هو واضح.

٦٣٠

رجوعه (١) إليه : أنه (٢) محل الإشكال والتأمل ، وذلك (٣) ضرورة أن تعدد المستثنى منه كتعدد المستثنى لا يوجب تفاوتاً أصلا في ناحية الأداة بحسب المعنى ، كان الموضوع له في الحروف عاماً أو خاصاً ، وكان (٤) المستعمل فيه الأداة فيما كان المستثنى منه متعدداً هو المستعمل

______________________________________________________

(١) أي : رجوع الاستثناء إلى الكل ، وغرضه (قده) من قوله : «وان كان المتراءى من كلام صاحب المعالم» هو : أن ما ذكرناه من نفي الإشكال عن اعتبار صحة رجوع الاستثناء إلى الكل ربما ينافي ما يتراءى من صاحب المعالم (قده) من أن اعتبار صحة الرجوع إلى الكل محل الإشكال ، ولذا مهد مقدمة طويلة لدفع الإشكال عنه.

(٢) أي : الرجوع إلى الكل محل الإشكال.

(٣) تعليل لقوله : «وكذا في صحة رجوعه إلى الكل». توضيحه : أن تعدد المستثنى والمستثنى منه ووحدتهما لا يوجبان اختلافاً في ناحية أدوات الاستثناء بحسب المعنى وهو الإخراج ، سواء كان الموضوع له في الحروف كالوضع عاماً أم خاصاً ، ضرورة أن أداة الاستثناء تستعمل دائماً في معناها ـ أعني الإخراج ـ ولا يتفاوت هذا المعنى بين تعدد المخرج والمخرج عنه ووحدتهما ، فلو كان الموضوع له في الأدوات خاصاً لما كان تعدد المستثنى والمستثنى منه مضراً بالإخراج الشخصي ، حيث ان نسبة الإخراج شخصية ، لكنها باعتبار تعدد أطرافها تنحل إلى نسب ضمنية ، إذ جزئية النسبة لا تنافي انحلالها. وعليه ، فلا مانع من صحة رجوع الاستثناء إلى الكل ولو قيل بوضع الأدوات لجزئيات النسبة الإخراجية.

(٤) الظاهر أنه معطوف على «ان تعدد» فيؤول بالمصدر ، فكأنه قيل :

٦٣١

فيه فيما كان (١) واحداً ، كما هو الحال في المستثنى (٢) بلا ريب ولا إشكال. وتعدد المخرج أو المخرج عنه (٣) خارجاً لا يوجب تعدد ما استعمل فيه أداة الإخراج مفهوماً (٤)

وبذلك (٥) يظهر أنه لا ظهور لها في الرجوع إلى الجميع ، أو

______________________________________________________

«ضرورة أن تعدد المستثنى منه ... وضرورة كون المستعمل فيه الأداة في صورة تعدد المستثنى منه هو المستعمل فيه في صورة وحدة المستثنى منه».

(١) يعني : كان المستثنى منه واحداً.

(٢) يعني : في عدم الفرق بين وحدة المستثنى وتعدده.

والحاصل : أن أداة الاستثناء تستعمل في نسبة الإخراج سواء كانت هذه النسبة بين متحدين مثل «أكرم العلماء الا زيداً» حيث ان كلا من المستثنى والمستثنى منه واحد ، أم بين متعددين مثل «أكرم العلماء والصلحاء الا الفساق والشعراء» أم بين مختلفين مثل «أكرم العلماء الا النحويين والصرفيين والفلاسفة».

(٣) وهو المستثنى منه ، والمراد بـ «المخرج» هو المستثنى.

(٤) يعني : تعدد المستثنى والمستثنى منه خارجاً ـ كالأمثلة المتقدمة ـ لا يوجب تعدد النسبة الإخراجية التي تستعمل فيها أداة الاستثناء بحسب المفهوم ولا يصادم جزئيتها كما تقدم آنفاً ، بل مفهوم الأداة ـ وهي النسبة الإخراجية ـ واحد ، سواء اتحد المستثنى والمستثنى منه ، أم تعددا ، أم اختلفا. وقد عرفت أمثلة الكل.

(٥) أي : وبعدم تفاوت في ناحية الأداة بين تعدد المستثنى والمستثنى منه ووحدتهما يظهر : أنه لا ظهور لأداة الاستثناء في الرجوع إلى الجميع أو خصوص الأخيرة ، إذ بعد وضوح صحة الرجوع إلى الجميع وإلى خصوص الأخيرة

٦٣٢

خصوص الأخيرة وان كان الرجوع إليها متيقناً على كل تقدير (١) نعم (٢) غير الأخيرة أيضا (٣) من الجمل لا يكون ظاهراً في العموم ،

______________________________________________________

لا بد في إثبات ظهور الأداة في الرجوع إلى أحدهما من قرينة ، لأن مجرد صلاحية الرجوع كذلك لا يثبت الظهور.

(١) يعني : سواء قلنا بظهور أداة الاستثناء في الرجوع إلى الجميع أم لا. ووجه تيقن الرجوع إلى الأخيرة اتصالها بالأداة ، بحيث لو لم يكن غيرها من الجمل لم يكن ريب في الرجوع إلى الأخيرة ، فلو كان الجميع مراداً كانت الأخيرة داخلة فيه. وان كان المراد غير الجميع كانت الأخيرة مرادة أيضا. والحاصل : أن الأخيرة مرادة قطعاً. وضمير «لها» راجع إلى أداة ، وضمير «إليها» إلى الأخيرة.

(٢) يعني : لا يكون تيقن الأخيرة موجباً لظهور غيرها في العموم ، بل هي كالأخيرة في عدم الظهور ، فأصالة العموم في غير الأخيرة أيضا لا تجري ، لاحتفافه بما يصلح للقرينية ، ومعه لا ينعقد ظهور لغير الأخيرة أيضا في العموم ، فلو كان المستثنى زيداً مثلا ، وكان في كل من العمومات من يسمى بزيد ، فكون زيد في الجملة الأخيرة متيقن الخروج عن الحكم لا يوجب سلامة أصالة العموم فيما عدا الأخيرة من العمومات حتى يصح التمسك بها للحكم بعدم خروج زيد عنها ، إذ المفروض احتفافها بما يصلح للقرينية ، وهذا مانع عن جريان أصالة العموم فيها.

والحاصل : أنه لا يحكم بظهور ما عدا الأخيرة من الجمل في العموم ، كما لا يحكم بظهور الأخيرة فيه وان كان المتيقن تخصيص الأخيرة.

(٣) يعني : كما لا ظهور للجملة الأخيرة في العموم وان كان رجوع الاستثناء إليها متيقناً ، كذلك لا ظهور لغير الجملة الأخيرة في العموم.

٦٣٣

لاكتنافه (١) بما لا يكون معه ظاهراً فيه ، فلا بد في مورد الاستثناء فيه (٢) من الرجوع إلى الأصول.

اللهم (٣) إلّا أن يقال بحجية أصالة الحقيقة تعبداً ، لا من باب الظهور ، فيكون المرجع عليه (٤) أصالة العموم إذا كان وضعياً (٥) ، لا ما

______________________________________________________

(١) تعليل لعدم ظهور ما عدا الجملة الأخيرة في العموم ، يعني : لاكتناف ما عدا الجملة الأخيرة بما لا يكون معه ظاهراً في العموم.

(٢) أي : في غير الأخيرة ، فيرجع في حكم زيد في المثال إلى الأصول العملية.

(٣) غرضه إمكان إجراء أصالة الحقيقة في غير الجملة الأخيرة بالبناء على أن هذا الأصل حجة تعبداً ، بمعنى أنها تجري في غير صورة العلم بالخلاف وعدم إرادة المعنى الحقيقي وان اكتنف الكلام بما يصلح للقرينية ، فحينئذ لا مانع من جريان أصالة الحقيقة في غير الجملة الأخيرة ، والحكم بعموم ما عداها.

فالنتيجة : أن زيداً الّذي هو مورد الاستثناء في غير الجملة الأخيرة محكوم بحكم العمومات ، ولا يجري فيه الأصول العملية.

(٤) أي : بناء على القول بحجية أصالة الحقيقة تعبداً ، لا من باب الظهور حتى يقال : بعدم انعقاد الظهور في العموم مع الاحتفاف بما يصلح للمخصصية.

(٥) أي : إذا كان العموم وضعياً ، وغرضه : أن أصالة العموم انما تجري إذا كان العموم وضعياً ، لا ما إذا كان إطلاقياً ناشئاً عن مقدمات الحكمة ، إذ لا تجري حينئذ أصالة العموم ، ضرورة أن من مقدمات الحكمة عدم القرينة ، وكذا عدم ما يصلح لها ، ومع وجودهما لا تتم تلك المقدمات. ومن المعلوم أن

٦٣٤

إذا كان بالإطلاق ومقدمات الحكمة ، فانه لا يكاد تتم تلك المقدمات (١) مع صلوح الاستثناء للرجوع إلى الجميع فتأمل (*).

فصل

الحق جواز تخصيص الكتاب بخبر الواحد المعتبر بالخصوص (٢) (*)

______________________________________________________

الاستثناء صالح للرجوع إلى الجميع وتخصيص الكل به. فالنتيجة : أن العموم المترتب على مقدمات الحكمة لا يتحقق مع صلاحية الاستثناء للرجوع إلى جميع الجمل.

(١) أي : مقدمات الحكمة التي يترتب عليها العموم.

تخصيص العام الكتابي بخبر الواحد

(٢) أي : بالدليل الخاصّ كآية النبأ على تقدير دلالتها على اعتبار خبر الواحد ، لا بدليل الانسداد.

__________________

(*) إشارة إلى أنه يكفي في منع جريان المقدمات صلوح الاستثناء لذلك لاحتمال اعتماد المطلق حينئذ في التقييد عليه ، لاعتقاد أنه كاف فيه.

اللهم إلّا أن يقال : ان مجرد صلوحه لذلك بدون قرينة عليه غير صالح للاعتماد ما لم يكن بحسب متفاهم العرف ظاهراً في الرجوع إلى الجميع ، فأصالة الإطلاق مع عدم القرينة محكمة ، لتمامية مقدمات الحكمة ، فافهم.

(*) هذا التقييد انما يصح بناء على كون نتيجة مقدمات الانسداد التبعيض في الاحتياط أو الحكومة ، إذ لا يكون خبر الواحد حينئذ حجة شرعية حتى يصلح لتخصيص الحجة أعني العام الكتابي ، وأما بناء على كونها حجية الظن كشفاً ، فالظاهر جواز تخصيص العام الكتابي بخبر الواحد المفيد للظن.

٦٣٥

كما جاز [تخصيصه] بالكتاب (١) أو [و] بالخبر المتواتر أو المحفوف بالقرينة القطعية من خبر الواحد بلا (٢) ارتياب (*) ، لما (٣) هو الواضح من سيرة الأصحاب على العمل بأخبار الآحاد في قبال عمومات الكتاب إلى زمن الأئمة عليهم‌السلام (٤). واحتمال (٥)

______________________________________________________

(١) يعني : كما جاز تخصيص الكتاب بالكتاب ، وبالخبر المتواتر المفيد للقطع بالصدور ، وبخبر الواحد المحفوف بالقرينة القطعية الموجبة للقطع بصدوره.

(٢) متعلق بقوله : «جاز» وقد استدل المصنف على مدعاه بوجهين آتيين.

(٣) تعليل لقوله : «الحق» وهذا أول الوجهين اللذين استدل بهما ، وتوضيحه : أنه قد استقرت سيرة الأصحاب على العمل بأخبار الآحاد غير العلمية مع مخالفتها لعمومات الكتاب بالعموم والخصوص ـ لا بالتباين ـ مع اتصال هذه السيرة بزمان الأئمة عليهم‌السلام الكاشفة عن رضاهم صلوات الله عليهم بذلك ، فلا وجه للمناقشة فيها.

(٤) غرضه : أن هذه السيرة ـ لاتصالها بزمانهم عليهم الصلاة والسلام ـ من الكواشف القطعية عن رضاهم سلام الله تعالى عليهم بعمل الأصحاب.

(٥) هذه مناقشة في السيرة ، وحاصلها : أنه يحتمل أن يكون عملهم بتلك الاخبار غير العلمية في قبال عمومات الكتاب لأجل القرائن القطعية إلحاقه بتلك الاخبار الموجبة للقطع بصدورها ، وكون التخصيص بالخبر القطعي الصدور وتلك القرائن كانت معلومة عندهم وان خفيت علينا.

__________________

(*) لكن خالف فيه الشيخ وجماعة ، وعليه السيد علم الهدى.

٦٣٦

أن يكون ذلك (١) بواسطة القرينة واضح البطلان (٢) [فانه تعويل على ما يعلم خلافه بالضرورة]. مع (٣) أنه لولاه لزم إلغاء الخبر بالمرة (*) أو ما بحكمه (٤) ،

______________________________________________________

(١) أي : عملهم بتلك الروايات.

(٢) إذ لو كان عملهم بأخبار الآحاد لأجل القرينة لبان ذلك ، لكثرة موارد العمل بها في قبال عمومات الكتاب مع عدم ظهور قرينة واحدة في مورد واحد ، وهذا مما يصح أن يقال فيه : «عدم الوجدان دليل قطعي على عدم الوجود». فالنتيجة : أن عملهم بتلك الاخبار ليس للقرينة ، بل لحجية خبر الواحد.

(٣) هذا ثاني الوجهين اللذين أقيما على جواز تخصيص الكتاب بخبر الواحد.

وتوضيحه : أنه لو لا العمل بخبر الواحد غير العلمي في قبال عمومات الكتاب لزم إلغاء الخبر عن الاعتبار بالمرة ، أو ما بحكم الإلغاء ، ضرورة أن خبر الواحد الّذي لا يكون مخالفاً لعموم الكتاب إما معدوم وإما نادر ، وهو كالمعدوم.

(٤) أي : بحكم الإلغاء في كونه محذوراً لا يمكن الالتزام به. وضمير «أنه» للشأن ، وضمير «لولاه» راجع إلى العمل.

__________________

(*) هذا الوجه وسابقه مذكوران في تقريرات شيخنا الأعظم (قده) قال في تقريب هذا الوجه الثاني ما لفظه : «واستدل بعض الأفاضل على المطلب بأنه لولاه لزم إلغاء الخبر بالمرة ، إذ ما من خبر الا وهو مخالف لعموم الكتاب ، ولا أقل من عموم ما دل على أصل البراءة». وفيه ما لا يخفى ، فان الخبر المخالف لأصل البراءة لا يعقل أن يكون مخصصاً للعموم كما قرر في محله ، وستعرفه بعد ذلك من عدم ورود الدليل والأصل في مورد واحد.

٦٣٧

ضرورة (١) ندرة خبر لم يكن على خلافه عموم الكتاب لو سلم (٢) وجود ما لم يكن كذلك (٣).

وكون (٤) العام الكتابي قطعياً صدوراً وخبر الواحد ظنياً سنداً لا يمنع (٥)

______________________________________________________

(١) تعليل لكونه بحكم الإلغاء ، وقد عرفت تقريبه بقولنا : «توضيحه أنه لو لا العمل ... إلخ».

(٢) يعني : لو سلم وجود خبر لم يكن على خلافه عموم الكتاب ، وحاصله : أنه لو سلمنا وجود الخبر غير المخالف لعموم الكتاب كان ذلك في غاية الندرة والاقتصار في حجية الخبر على خصوص ما لا يخالفه عموم الكتاب يكون كإلغاء دليل حجيته عن الاعتبار. وضمير «خلافه» راجع إلى الخبر.

(٣) أي : وجود خبر لم يكن على خلافه عموم الكتاب ، ولا أقل من عموم ما دل على الحل.

(٤) هذا أحد وجوه استدل بها المانعون ، فان المصنف (قده) بعد إثبات جواز تخصيص الكتاب بخبر الواحد شرع في أدلة المانعين. وحاصل هذا الوجه الأول : أن العام الكتابي قطعي الصدور ، وخبر الواحد ظني الصدور والدلالة ، فلا يصلح لتخصيص القطعي. وقد أجاب عنه بوجهين نقضي وحلي.

(٥) خبر «وكون» وهذا هو الجواب النقضي ، وحاصله : أنه لو كانت قطعية صدور العام الكتابي مانعة عن تصرف الخبر الظني الصدور في دلالة العام الكتابي التي هي ظنية لزم عدم جواز تخصيص الخبر المتواتر الّذي هو كالعام الكتابي قطعي الصدور بخبر الواحد الّذي هو ظني الصدور أيضا ، مع أن جوازه مجمع عليه ومسلم عند من ينكر تخصيص العام الكتابي بخبر الواحد. وهذا يدل على أن قطعية الصدور لا تصلح لمنع التخصيص بظني الصدور.

٦٣٨

عن التصرف في دلالته (١) غير القطعية قطعاً (٢) ، وإلّا (٣) لما جاز تخصيص المتواتر به (٤) أيضا ، مع أنه (٥) جائز جزماً. والسر (٦) :

______________________________________________________

(١) أي : دلالة العام الكتابي التي ليست هي بقطعية.

(٢) قيد لقوله : «لا يمنع».

(٣) هذا بيان مورد النقض ، يعني : وان كانت ظنية سند الخبر مانعة عن التصرف في دلالة العام الكتابي التي ليست هي بقطعية لزم عدم جواز تخصيص الخبر المتواتر به ، مع أنه جائز من غير شبهة.

(٤) أي : بخبر الواحد الظني السند.

(٥) أي : مع أن تخصيص المتواتر بالظني الصدور جائز قطعاً ، فقوله : «مع أنه» ليس جوابا على حدة ، بل هو جزؤه ، كما ظهر من التقريب.

(٦) يعني : والسر في تحكيم خبر الواحد الظني على العام الكتابي. وهذا هو الجواب الحلي ، وتوضيحه : أن الدوران والتعارض يقع في الحقيقة بين أصالة العموم في العام الكتابي وبين دليل حجية الخبر ، لا دلالته ، لأن الخاصّ أقوى دلالة من العام ، فلا شبهة في تقديمه عليه دلالة ، فالكلام في حجية الخاصّ ، إذ بدونها لا وجه لتقديمه على العام ولو كان نصاً ، إذ لا بد أولا من إثبات صدوره حتى تكون دلالته معتبرة ، حيث ان ظاهر كلام المعصوم حجة لا كلام غيره.

والحاصل : أن طرفي المعارضة : أصالة العموم في العام الكتابي ، ودليل حجية الخبر ، فان ثبتت حجيته فلا ينبغي الإشكال في تقديمه على العام ، لكونه أقوى دلالة منه ، وان لم تثبت حجيته ، فمقتضى أصالة العموم في العام الكتابي سقوط الخاصّ عن الاعتبار. فالنتيجة : أنه لا مانع عن جواز تخصيص العام

٦٣٩

أن الدوران في الحقيقة بين أصالة العموم ودليل سند الخبر ، مع (١) أن الخبر بدلالته وسنده صالح للقرينية على التصرف فيها ، بخلافها ، فانها (٢) غير صالحة لرفع اليد عن دليل اعتباره (٣). ولا ينحصر (٤) الدليل

______________________________________________________

الكتابي بخبر الواحد بعد إثبات حجيته بأدلتها من الكتاب والسنة وبناء العقلاء ، لأن جريان أصالة العموم منوط بعدم دليل على خلافها ، وأدلة حجية خبر الواحد تكون على خلافها ، فتقدم عليها.

والحاصل : أن أصالة العموم حجة مع عدم بيان على خلافها ، وخبر الواحد ـ بعد حجيته بأدلتها ـ يكون بياناً على خلاف أصالة العموم ، ومخصصاً للعام.

(١) ليس هذا اعتراضاً على حدة ، بل هو بيان للجواب الحلي ، يعني : أن الدوران في الحقيقة يقع بين أصالة العموم ودليل سند الخبر ، لكن الخبر بدلالته وسنده صالح عرفاً للقرينية على التصرف في أصالة العموم. بخلاف أصالة العموم ، فانها لا تصلح لرفع اليد عن دليل اعتبار الخبر ، لأن اعتبار أصالة العموم منوط بعدم قرينة على خلافها ، والمفروض أن الخبر بدلالته وسنده يصلح لذلك ، فلا مجال لأصالة العموم ـ كسائر الأصول اللفظية المرادية ـ مع القرينة على خلافها.

(٢) هذا الضمير وضميرا «فيها وبخلافها» راجعة إلى أصالة العموم.

(٣) أي : اعتبار الخبر ، ووجه عدم الصلاحية ما مر آنفاً من إناطة حجية أصالة العموم بعدم قرينة على خلافها. وهي هنا موجودة كما عرفت.

(٤) هذا جواب عن ثاني الوجوه التي استدل بها المانعون ، وهذا الوجه الثاني هو المحكي عن المحقق (قده) في المعارج ، وحاصله : أن دليل حجية

٦٤٠