منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٣

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٣

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: مطبعة غدير
الطبعة: ٦
الصفحات: ٧٨٣

فافهم (*).

ثم لا يخفى عليك (١) أن المراد بكونه في مقام بيان تمام مراده مجرد (٢)

______________________________________________________

(١) هذا إشارة إلى توهم ودفعه ، أما التوهم الناشئ من عبارة التقريرات «وانما حمل على الإطلاق والإشاعة بواسطة عدم الدليل ، فالإطلاق بمنزلة الأصول العملية في قبال الدليل» فحاصله : أن مقتضى الظاهر عدم جواز التمسك بالمطلقات بعد الظفر بمقيد منفصل ، لكشف المقيد عن عدم كون المتكلم بصدد بيان تمام مراده ، وأنه كان في مقام الإهمال أو الإجمال ، مع أن السيرة استقرت على التمسك بها بعد الظفر بالمقيد.

بل ربما يقال : بأنه يشكل التمسك بالإطلاق مع وجود الظن الغالب بوجود المقيد بالنسبة إلى الإطلاقات المتعارفة.

(٢) هذا إشارة إلى دفع التوهم ، وحاصله : أن البيان على وجهين : أحدهما : بيان المراد الجدي الواقعي ، وهو المقصود في قاعدة قبح تأخير البيان عن وقت الحاجة.

ثانيهما : ما هو أعم من بيان المراد الواقعي ، بأن يظهر الواقع وان لم يكن

__________________

(*) إشارة إلى أنه لو كان بصدد بيان أنه تمامه ما أخل ببيانه بعد عدم نصب قرينة على إرادة تمام الافراد ، فانه بملاحظته يفهم أن المتيقن تمام المراد ، وإلّا كان عليه نصب القرينة على إرادة تمامها ، وإلّا قد أخل بغرضه. نعم لا يفهم ذلك إذا لم يكن إلّا بصدد بيان أن المتيقن مراد ، ولم يكن بصدد بيان أن غيره مراداً وليس بمراد قبالا للإجمال أو الإهمال المطلقين ، فافهم ، فانه لا يخلو عن دقة.

٧٢١

بيان ذلك (١) ، وإظهاره وافهامه ولو (٢) لم يكن عن جد ، بل قاعدة وقانوناً (٣) لتكون حجة فيما لم تكن حجة أقوى على خلافه (٤) ، لا البيان (٥) في قاعدة قبح تأخير البيان عن وقت الحاجة ، فلا (٦) يكون

______________________________________________________

مراداً جدياً له ، بل يظهره ويلقيه إلى المخاطب بصورة القانون ليكون حجة ومرجعاً عند الشك في التقييد ما لم تقم حجة أقوى على خلافه ، وهي دليل التقييد. والمراد بالبيان في المقام هو هذا المعنى. وعليه ، فلا يكون المقيد المنفصل كاشفاً عن عدم كون المتكلم في مقام البيان حتى لا يصح التمسك بالإطلاق ، لكشف المقيد عن عدم كون المتكلم في مقام البيان ، بل في مقام الإهمال أو الإجمال ، فما جرت عليه السيرة من التمسك بالإطلاقات بعد الظفر بمقيد منفصل في غاية المتانة.

(١) أي : تمام مراده ، وضميرا «إظهاره ، افهامه» راجعان إلى تمام مراده.

(٢) كلمة «لو» وصلية ، يعني : ولو لم يكن بيان تمام المراد وإظهاره عن جد بل كان إظهاره من باب القاعدة والقانون ، وجعله حجة في الافراد المشكوكة ، فلو قال : «أعتق رقبة» وكان مراده الجدي خصوص المؤمنة ، فلا مانع من التمسك بإطلاق الرقبة فيما إذا شك في تقيده بقيد حتى يقوم دليل على التقييد.

(٣) بل كان بيانه وإظهاره لأجل القاعدة ليرجع إليه في موارد الشك ، كغالب العمومات والإطلاقات ، والبيان بهذا الوجه الثاني هو المراد في مقدمات الحكمة.

(٤) وهو دليل التقييد ، فانه أقوى من دليل الإطلاق لا معارض له.

(٥) هذا هو الوجه الأول من البيان الّذي بيناه بقولنا : «أحدهما ... إلخ».

(٦) هذا تعريض بالتقريرات ، وقد عرفته آنفاً بقولنا : «هذا إشارة إلى توهم

٧٢٢

الظفر بالمقيد ولو كان مخالفاً (*) كاشفاً (١) [لو كان كاشفاً] عن عدم كون المتكلم في مقام البيان (٢) ،

______________________________________________________

ودفعه» وتفريع على كون المراد بالبيان إظهار تمام مراده ولو لم يكن عن جد. وقد ظهر تقريب التفريع بقولنا : «وعليه فلا يكون المقيد المنفصل كاشفاً عن عدم كون المتكلم في مقام ... إلخ».

(١) خبر «يكون» يعني : لا يكون الظفر بالمقيد كاشفاً.

(٢) قد اتضح مما تقدم ـ من أن المراد بالبيان مجرد إظهار تمام المراد حتى يكون حجة ظاهراً في الافراد المشكوكة حتى تقوم حجة أقوى على خلافه ـ

__________________

(*) هذا هو الموجود في نسختنا ، والظاهر أنه مستدرك ، حيث ان مورد الكلام هو القيد المخالف للإطلاق ، لأنه القادح في البيان ، ولذا فسر بالبيان القانوني ، فلا وجه لجعل القيد المخالف فرداً خفياً بكلمة «ولو» فالمناسب أن تكون العبارة هكذا «فلا يكون الظفر بالمقيد كاشفاً».

وفي بعض النسخ كحاشية العلامة الرشتي (قده) : «فلا يكون الظفر بالمقيد لو كان كاشفاً» وهو أولى من سابقه ، لسلامته من ذلك الإشكال ، لكن قوله : «لو كان» أيضا مستدرك ، لأن كلمة «الظفر» تدل على وجدان المقيد ـ بالكسر ـ يعني : فلا يكون وجدان دليل التقييد كاشفاً. وعليه يكون المعنى مع وجود «لو كان» هكذا : «فلا يكون وجدان القيد لو وجد كاشفاً» وهو كما ترى ، إذ لا معنى لوجدان القيد لو وجد.

ثم ان كلمة «كان» ـ على تقدير وجودها ـ تامة ، والعبارة على كلتا النسختين لا تخلو من الاضطراب ، فتأمل فيها.

٧٢٣

ولذا (١) لا ينثلم به إطلاقه ، وصحة (٢) التمسك به أصلا ، فتأمل جيداً.

وقد انقدح بما ذكرنا (٣) أن النكرة في دلالتها على الشياع والسريان أيضا (٤) تحتاج فيما لا يكون هناك دلالة حال أو مقال إلى (٥) مقدمات الحكمة ، فلا تغفل.

______________________________________________________

عدم كون دليل التقييد كاشفاً عن عدم كون المتكلم في مقام البيان ، ولذا لا ينثلم بالظفر بالمقيد إطلاق المطلق وصحة التمسك به ، فلو قال : «أعتق رقبة» ثم ورد «لا تعتق رقبة كافرة» لا يكشف هذا التقييد عن عدم كون المتكلم في مقام البيان ، ولذا يصح التمسك بالإطلاق في غير مورد التقييد ، فلو شك في تقييده بغير الإيمان أيضا يتمسك في نفيه بالإطلاق بلا إشكال.

(١) يعني : ولأجل عدم كون المراد بالبيان في المقام بيان المراد الجدي.

(٢) معطوف على «إطلاقه» وضمير «به» راجع إلى الظفر ، وضمير «إطلاقه» راجع إلى المطلق المستفاد من العبارة ، وضمير «به» الآتي راجع إلى الإطلاق في غير مورد التقييد.

(٣) من كون النكرة هي الطبيعة المقيدة بالوحدة المفهومية ، وخروج الشيوع عن مفهومها ظهر : أن دلالتها على الشيوع لا بد أن تستند إلى قرينة حالية أو مقالية أو حكمية ان تمت مقدمات الحكمة ، فان النكرة وان كانت دالة على الشيوع ، لكنه بدلي لا عرضي ، فدلالتها على الشيوع العرضي لا بد أن تكون بالقرينة.

(٤) يعني : كاسم الجنس الّذي وضع للماهية المهملة ، فلا يدل على الشياع إلّا بالقرينة.

(٥) متعلق بقوله : «تحتاج».

٧٢٤

بقي [هنا] شيء (١) ، وهو : أنه لا يبعد أن يكون الأصل فيما إذا شك في كون المتكلم في مقام بيان تمام المراد هو كونه بصدد بيانه (٢) وذلك (٣) لما جرت عليه سيرة أهل المحاورات (*) من التمسك

______________________________________________________

تأسيس الأصل عند الشك في أن المتكلم في مقام البيان

(١) الغرض من بيانه : أنه لما كان من مقدمات الحكمة التي يتوقف عليها الإطلاق كون المتكلم في مقام بيان تمام مراده ، وكان إحرازه بالعلم في جل الموارد في غاية الصعوبة ، صار بصدد إثبات ذلك في موارد الشك في كون المتكلم في مقام البيان.

وحاصل ما أفاده في ذلك : أن مقتضى الأصل كونه في مقام البيان فيما إذا شك في ذلك ، وهذا أصل عقلائي جرت عليه سيرة أبناء المحاورة ، حيث انهم يتمسكون بالإطلاقات مع عدم علمهم بكون المتكلم في مقام البيان إذا لم تكن منصرفة إلى جهة خاصة ، بحيث يكون انصرافها إلى تلك الجهة مانعاً عن التمسك بإطلاقها.

(٢) يعني : بيان تمام المراد ، وضمير «كونه» راجع إلى المتكلم.

(٣) تعليل لقوله : «لا يبعد» وغرضه : أن دليل هذا الأصل العقلائي سيرة أبناء المحاورة على التمسك بالإطلاقات مع عدم العلم بكون المتكلم في مقام البيان.

__________________

(*) قال في التقريرات : «وهل هناك أصل يرجع إليه عند الشك في ورود المطلق في مقام البيان ، قد يقال : إذ أغلب موارد استعمال المطلقات انما هو ذلك ، فعند الشك تحمل عليه ، وليس بذلك البعيد ، فتأمل». وظهور هذه العبارة في

٧٢٥

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

عدم تسلم السيرة المزبورة مما لا ينكر.

نعم المتيقن من بناء العقلاء على كون المتكلم في مقام بيان تمام مراده هو ما إذا جرت عادة المتكلم على الركون إلى القرائن المتصلة بحيث يبين تمام مرامه في مجلس واحد ، ولا يعتمد في بيان مراده على القرائن المنفصلة ، فحينئذ إذا احتملنا عدم كون المطلق تمام الموضوع للحكم ـ كالرقبة ـ وأن الطبيعة جزء الموضوع ، فلا بأس بالتمسك بالأصل العقلائي المزبور ، والبناء على أن المطلق تمام مراده.

وأما إذا جرى دأب المتكلم على الاعتماد على القرائن المنفصلة لمصالح توجب ذلك ، فبناء العقلاء على جريان الأصل المذكور حينئذ غير ثابت والشك فيه يوجب التوقف عن إجرائه ، بل لا بد في الأخذ بالإطلاق من الوثوق والاطمئنان بكون المتكلم في مقام بيان تمام مراده بهذا الكلام.

ثم ان الظاهر أن منشأ سيرة أبناء المحاورة التي أشار إليها في المتن هو التحفظ على حكمة الوضع وفائدته ، وهي الحكاية عن المعنى الموضوع له للتفهيم والتفهم ، حيث ان المتكلم العاقل لا يصدر عنه التكلم الّذي هو فعل اختياري له إلّا بداعي غايته الطبيعية وهي تفهيم المعاني بالألفاظ الموضوعة لها ، بحيث يكون إلقاء الكلام بدون إرادة معناه إهمالا لتلك الفائدة من دون قرينة على هذا الإهمال ، فكونه مريداً لمعنى الكلام الّذي جعل قالباً له مما يحكم به العقلاء ، ويحتجون عليه بظاهر كلامه ، ولذا لو ادعى إرادة خلافه لا تسمع دعواه. وهذا أصل عقلائي جرت عليه سيرتهم قديماً وحديثاً ، فهذا الأصل من

٧٢٦

بالإطلاقات فيما إذا لم يكن هناك ما يوجب صرف وجهها (١) إلى جهة خاصة ، ولذا (٢) [ولذلك] ترى أن المشهور لا يزالون يتمسكون بها (٣) مع عدم إحراز كون مطلقها (٤) بصدد البيان ، وبُعد (٥) كونه لأجل ذهابهم

______________________________________________________

(١) يعني : صَرف وجه الإطلاقات إلى جهة خاصة ، كانصراف إطلاق «ما لا يؤكل لحمه» إلى غير الإنسان من سائر الحيوانات التي لا يؤكل لحمها.

(٢) أي : ولأجل هذه السيرة.

(٣) أي : بالإطلاقات مع عدم إحراز كون المتكلم بصدد بيان تمام مراده.

(٤) بصيغة اسم الفاعل ـ أي المتكلم ـ والضمير راجع إلى الإطلاقات.

(٥) بضم الباء وسكون العين وكسر الدال معطوف على «عدم» يعني : ومع بُعد كون تمسك المشهور بالإطلاقات لأجل ذهابهم إلى أنها موضوعة للشياع والسريان.

والغرض من قوله : «وبعد» دفع توهم ، وهو : أنه يمكن أن يوجه تمسك المشهور بالإطلاقات بذهابهم إلى وضع المطلق للشيوع والسريان ، فلا يكون تمسكهم بالإطلاقات مستنداً إلى الأصل المزبور حتى يكون شاهداً على صحة الأصل. ودفع هذا التوهم بقوله : «وبعد» ، وحاصله : أن هذا التوجيه بعيد وغير وجيه ، لما مر سابقاً من وضع المطلق للماهية المهملة التي لم يلاحظ معها

__________________

الأمارات العقلائية التي تكون مثبتاتها حجة ، وليس من الأصول العملية التي لم تثبت حجية مثبتاتها.

وبالجملة : فهذه الطريقة العقلائية أوجبت حمل الألفاظ على معانيها الحقيقية عند عدم القرينة على إرادة خلافها ، إذ الحمل على ذلك بدون القرينة إهمال لتلك الطريقة العقلائية والفائدة الوضعيّة بلا مسوغ.

٧٢٧

إلى أنها (١) موضوعة للشياع والسريان ، وان كان ربما نسب ذلك (٢) إليهم ، ولعل وجه النسبة ملاحظة أنه لا وجه للتمسك بها بدون الإحراز (٣) والغفلة (٤) عن وجهه (٥) ، فتأمل جيداً (٦).

______________________________________________________

شيء أصلا ، فالشيوع خارج عن معناه. ولعل وجه نسبة وضع المطلق للمعنى المقرون بالشياع إلى المشهور ملاحظة عدم الوجه في التمسك بالإطلاقات بدون إحراز كون المتكلم في مقام البيان. وقد بينا أن الوجه فيه هو سيرة العقلاء.

(١) أي : الإطلاقات ، وضمير «ذهابهم» راجع إلى المشهور ، وضمير «كونه» إلى التمسك.

(٢) أي : نسب وضع المطلق للشياع والسريان إلى المشهور.

(٣) أي : بدون إحراز كون المتكلم في مقام البيان ، وضمير «بها» راجع إلى الإطلاقات ، وضمير «انه» للشأن.

(٤) معطوف على «ملاحظة» ، وغرضه : أن الداعي إلى نسبة وضع المطلق للماهية المقيدة بالشياع إلى المشهور أمران :

أحدهما : ملاحظة تمسكهم بالإطلاقات مع عدم إحراز كون المتكلم في مقام البيان ، مع لزوم إحرازه في التمسك بها.

ثانيهما : الغفلة عن وجه تمسكهم بها ، وهو الأصل العقلائي المزبور. فهذان الأمران أوجبا التوجيه المزبور ـ أعني نسبة وضع المطلق للمشروط بالشياع إلى المشهور ـ لكنك قد عرفت وجه تمسكهم بالمطلقات ، فالتوجيه المزبور غير سديد.

(٥) أي : وجه تمسك المشهور وهو سيرة أهل المحاورات ، وقد تقدم بيانها.

(٦) لعله إشارة إلى ضعف التوجيه المزبور ، وأنه كيف يمكن نسبة وضع

٧٢٨

ثم انه قد انقدح بما عرفت ـ من توقف حمل المطلق على الإطلاق فيما لم يكن هناك قرينة حالية أو مقالية على قرينة الحكمة المتوقفة على المقدمات المذكورة (١) ـ أنه (٢)

______________________________________________________

المطلق للمقيد بالشياع إلى المشهور ، وجعله وجها لتمسكهم بالإطلاقات ، مع أن فيهم من ينكر وضع المطلق له ، ويلتزم بكون الموضوع له نفس الماهية المهملة المعراة عن كل قيد من الشيوع وغيره ، كالسلطان ومن تبعه ، ومع ذلك يتمسك بالإطلاقات مع عدم العلم بكون المتكلم في مقام بيان تمام مراده.

الانصراف وأنواعه

(١) وهي المقدمات الثلاثة المعروفة بمقدمات الحكمة التي منها عدم قرينة على تعيين المراد ، وقوله : «على قرينة» متعلق بـ «توقف».

(٢) فاعل «انقدح» ، والغرض من قوله : «انقدح» بيان الانصراف الّذي يكون قرينة مانعة عن الإطلاق ، وحاصله : أنه إذا كان هناك للإطلاق انصراف إلى جهة خاصة ، فهو على أنواع :

أحدها : الانصراف الخطوري الناشئ عن غلبة الوجود الموجبة لانصراف المطلق إليه ، كخطور ماء الفرات في ذهن من في سواحله ، وهذا الانصراف لا يقيد المطلق ، للقطع بعدم كون المنصرف إليه مراداً قبل التأمل وبعده ولا يزول بالتأمل.

ثانيها : الانصراف البدوي الموجب للشك في إرادة المنصرف إليه الزائل بالتأمل ، ومنشأ هذا الانصراف البدوي غلبة استعمال المطلق في المنصرف إليه الموجبة لأُنس الذهن به ، وهذا الانصراف أيضا لا يقيد المطلق كسابقه ، لكنه

٧٢٩

.................................................................................................

______________________________________________________

لا يزول بالتأمل. والفرق بينهما : أن هذا يوجب الشك البدوي في إرادة المنصرف إليه من المطلق ، ويزول بالتأمل. بخلاف سابقه ، فانه لا يوجب الشك البدوي في إرادته منه ، ولا يزول بالتأمل ، كما تقدم ، فهما مشتركان في عدم تقييد المطلق ومفترقان في استقرار الأول وزوال الثاني.

ثالثها : الانصراف الناشئ عن التشكيك في الماهية في متفاهم العرف ، وهو على نحوين : الأول : أن يكون التشكيك بمثابة يحكم العرف بخروج الفرد المنصرف عنه عن مصاديق المطلق ، كانصراف لفظ «ما لا يؤكل لحمه» عن الإنسان ، وعدم شموله له بنظرهم ، وصيرورة لفظ «ما لا يؤكل» ظاهراً في غير الإنسان ، ولذا جوز الفقهاء الصلاة في شعره وظفره وبصاقه. ولا إشكال في كون هذا الانصراف مقيداً للإطلاق بغير المنصرف عنه ، لكون المطلق مع هذا التشكيك كاللفظ المحفوف بالقرينة اللفظية المتصلة في المنع عن انعقاد الظهور للمطلق في الإطلاق ، وموجب لظهوره في المنصرف إليه.

الثاني : أن يكون التشكيك بمثابة يشك العرف في خروج الفرد المنصرف عنه عن مصاديق المطلق ، كانصراف لفظ «الماء» عن ماء الزاج والنفط. وهذا الانصراف وان لم يكن موجباً لظهور اللفظ في المنصرف إليه كما في الفرض السابق ، إلّا أنه من قبيل اللفظ المحفوف بما يصلح للقرينية ، ومعه لا يكون اللفظ ظاهراً في الإطلاق ، لفقدان شرط الإطلاق وهو عدم احتفاف الكلام بالقرينة وبالصالح للقرينية ، فالانصراف في هذين الفرضين مانع عن التمسك بالإطلاق ، غاية الأمر أن المطلق في الفرض الأول ظاهر في المنصرف إليه ، وفي الثاني مجمل ، فيؤخذ بالمنصرف إليه من باب القدر المتيقن ، لا من باب الظهور اللفظي كما في سابقه.

٧٣٠

لا إطلاق له فيما كان له (١) الانصراف إلى خصوص بعض الافراد أو الأصناف ، لظهوره (٢) فيه ، أو كونه (٣) متيقناً منه ولو (٤)

______________________________________________________

رابعها : الانصراف الناشئ عن بلوغ غلبة الاستعمال في فرد خاص حد المجاز المشهور عند تعارضه مع الحقيقة المرجوحة ، لكنه يحكم في المجاز بالتوقف ، وفي المقام بالتقييد ، لما مر في سابقه من فقدان شرط الإطلاق.

(١) أي : للإطلاق ، وضمير «له» راجع إلى المطلق.

(٢) أي : لظهور المطلق في خصوص بعض الافراد أو الأصناف ، وقوله : «لظهوره» تعليل للانصراف ، يعني : أن علة الانصراف إما ظهور المطلق في الفرد المنصرف إليه ، وإما كون المنصرف إليه متيقناً من المطلق ، فقوله (قده) «لظهوره فيه» إشارة إلى النحو الأول من نحوي النوع الثالث من الانصراف ، وقوله : «أو كونه متيقناً منه» إشارة إلى النحو الثاني منهما.

(٣) معطوف على «ظهوره» وعدل له ، يعني : أو لكون خصوص بعض الافراد أو الأصناف متيقناً من المطلق ، فضمير «كونه» راجع إلى خصوص ، وضمير «منه» إلى المطلق.

(٤) كلمة «لو» وصلية ، يعني : ولو لم يكن المطلق ظاهراً في خصوص بعض الافراد كما هو الحال في ثاني نحوي التشكيك في الماهية على ما مر آنفاً ، كما أن قوله : «لظهوره» إشارة إلى أول نحوي التشكيك.

خامسها : الانصراف الناشئ عن بلوغ شيوع المطلق وغلبة استعماله في المنصرف إليه حد اشتراك لفظه بين المعنى الحقيقي الإطلاقي وبين المعنى المنصرف إليه ، قيل : بأنه لا يحمل على أحدهما إلّا بالقرينة المعينة ، فهذا الانصراف يمنع أيضا عن الأخذ بالإطلاق ، كما إذا فرض أن «الصعيد» وضع لمطلق وجه

٧٣١

لم يكن ظاهراً فيه (١) بخصوصه حسب اختلاف مراتب الانصراف. كما أنه [أن] منها (٢) ما لا يوجب ذا ولا ذاك (٣) ، بل يكون بدوياً زائلا بالتأمل. كما أنه [أن] منها (٤) ما يوجب الاشتراك أو النقل.

______________________________________________________

الأرض ، ثم استعمل كثيراً في خصوص التراب الخالص بحيث صار مشتركاً بينهما ، فإذا قال المولى : «تيمم بالصعيد» لا يحمل على المطلق إلّا بالقرينة. لكن فيه أنه يحمل على المنصرف إليه ـ وهو التراب الخالص ـ لأن كثرة الاستعمال قرينة ، أو صالحة للقرينية على الحمل على المعنى المنصرف إليه ، لما تقدم من توقف الإطلاق على عدم ما يصلح للقرينية.

سادسها : الانصراف الناشئ عن بلوغ كثرة الاستعمال حد النقل ، ومهجورية المعنى المطلق ، وحمل اللفظ على المعنى المنصرف إليه في هذه الصورة أولى من السابقة ، كما لا يخفى. هذه هي الأنواع الستة للانصراف ، وقد عرفت ان أيا منها يقيد المطلق ، وأيا منها لا يقيده وان كان فيما ذكرناه خلاف.

(١) أي : في خصوص بعض الافراد أو الأصناف ، والضمير المستتر في «يكن» راجع إلى المطلق.

(٢) أي : من مراتب الانصراف ما لا يوجب الظهور ، ولا كونه متيقناً من المطلق.

(٣) أي : المتيقن من المطلق ، والمراد بـ «ذا» الظهور كما عرفته ، وقوله : «كما أنه منها» إشارة إلى الانصراف البدوي الّذي جعلناه ثاني أنواع الانصراف.

(٤) أي : من مراتب الانصراف ما يوجب الاشتراك أو النقل ، وهذا إشارة إلى النوعين الأخيرين ، وهما الخامس والسادس.

٧٣٢

لا يقال : كيف يكون ذلك (١)؟ وقد (٢) تقدم أن التقييد لا يوجب التجوز في المطلق أصلا.

فانه يقال (٣) :

______________________________________________________

(١) أي : كيف يكون الانصراف موجباً لحصول الاشتراك أو النقل؟ وهذا إشكال على الانصراف الموجب للاشتراك والنقل ، وهو مذكور في التقريرات ، وحاصله : أنه كيف يوجب الانصراف إلى بعض الافراد الاشتراكَ أو النقل؟ مع توقف الوضع التعيني الّذي به يتحقق الاشتراك أو النقل على كثرة الاستعمال وغلبته ، فقبل تحقق الغلبة يكون الاستعمال في المعنى المنصرف إليه مجازاً ، والمجازية تنافي ما تقدم من كون استعمال المطلق في المقيد حقيقة لا مجازاً ، فالانصراف المؤدي إلى الاشتراك أو النقل مجرد فرض له لا تحقق له خارجاً.

(٢) يعني : والحال أنه قد تقدم أن التقييد لا يوجب التجوز في المطلق ، مع أن الاشتراك والنقل المسببين عن الغلبة موقوفان على التجوز ، كما عرفت آنفاً ، هذا.

ويمكن توجيه الإشكال من ناحية أخرى ، وهي : لزوم تعدد المعنى حتى يصير المعنى الثاني ـ وهو المنصرف إليه ـ بسبب كثرة الاستعمال حقيقة مع بقاء المعنى الأول ليلزم الاشتراك ، أو هجره حتى يلزم النقل ، وكلاهما مفقود ، لأن المعنى المنصرف إليه ليس مغايراً لما وضع له لفظ المطلق حتى يلزم المجاز وتعدد المعنى.

(٣) هذا جواب الإشكال وهو مذكور في التقريرات أيضا ، وذلك ينحل إلى وجهين : الأول : ما أشار إليه بقوله : «مضافاً» وحاصله : أن ما تقدم من أن التقييد لا يوجب التجوز يراد به نفي استلزام التجوز ، لا نفي إمكانه ،

٧٣٣

مضافاً إلى أنه (*) انما قيل (١) لعدم استلزامه له ، لا عدم إمكانه ، فان استعمال المطلق في المقيد (٢)

______________________________________________________

فمعنى أن التقييد لا يوجب التجوز في المطلق : أن استعمال المطلق وإرادة المقيد منه لا يستلزم التجوز فيه ـ أي كون المقيد مجازاً ـ لا أن استعماله وإرادة المقيد منه يمتنع أن يكون على نحو التجوز ، بل يمكن فيه كل من الاستعمال الحقيقي والمجازي ، فلو أريد المقيد من المطلق بتعدد الدال والمدلول كـ «أعتق رقبة» كان الاستعمال على وجه الحقيقة ، ولو أريد المقيد من المطلق ـ مع عدم تعدد الدال والمدلول ـ كان الاستعمال على وجه المجاز. فلا وجه للإشكال المزبور ، لأنه مبني على عدم إمكان المجاز الموجب لحصول التنافي بين الاشتراك والنقل ، وبين عدم كون إرادة المقيد من المطلق مجازاً. وأما مع إمكان المجاز فلا مانع من تحقق الاشتراك والنقل بالانصراف إذا استعمل المطلق في المقيد بلحاظ الخصوصية ، كإرادة المقيد كـ «الرقبة المؤمنة» من نفس الرقبة مجازاً.

(١) يعني : انما قيل بعدم التجوز بمعنى أن التقييد لا يستلزم التجوز بحيث لا ينفك تقييد المطلق عن المجازية ، فالمنفي هو الاستلزام ، لا الإمكان ، فيجوز أن يكون تقييد المطلق مجازاً كما عرفت. وضمير «استلزامه» راجع إلى التقييد وضميرا «له وإمكانه» راجعان إلى التجوز.

(٢) بأن يراد من المطلق المقيد مع عدم دالّين يكون أحدهما دالاً على

__________________

(*) الضمير للشأن ، ويحتمل أن يرجع إلى ما يستفاد من العبارة من : عدم إيجاب التقييد التجوز ، والأنسب على التقديرين ذكر «به» بعد قوله : «قيل».

٧٣٤

بمكان من الإمكان ـ أن (١) كثرة إرادة المقيد لدى إطلاق المطلق ولو بدال آخر ربما تبلغ بمثابة توجب له (٢)

______________________________________________________

المطلق والآخر على المقيد كالرقبة المؤمنة ، بل كان الدال على مجموع الطبيعة والقيد لفظ المطلق وهو الرقبة فقط ، وهذا الاستعمال مجاز ولا مانع عنه ، لكن مع القرينة على ذلك كسائر المجازات المحتاجة إلى القرائن.

(١) هذا ثاني الوجهين اللذين ذكرهما في التقريرات لدفع الإشكال ، وحاصله : منع توقف الاشتراك والنقل على المجازية ، لأن كثرة إرادة المقيد من المطلق ولو من باب تعدد الدال والمدلول مثل «أعتق رقبة مؤمنة» ربما توجب مزية أنس للمقيد مع استعمال اللفظ فيه مجازاً ، ويشتد هذا الأنس بالاستعمالات تدريجاً إلى أن يصل إلى حد الحقيقة ، فيصير لفظ المطلق مشتركاً بين معناه الأصلي وبين معناه الثانوي الحاصل بالاستعمالات التدريجية الحقيقية لفرض تعدد الدال والمدلول ، فان هجر معناه الأول وبقي الثاني صار منقولا.

(٢) أي : للمقيد ، يعني : أن كثرة إرادة المقيد من المطلق بتعدد الدال بأن يكون للقيد دال على حدة كقوله : «أعتق رقبة مؤمنة» توجب للمقيد مزية أنس ، كما يحصل الأنس بسبب القرينة في المجاز المشهور ، كما إذا استعمل لفظ الصلاة كثيراً مع القرينة في الأركان المخصوصة ، وصارت كثرة الاستعمال مع القرينة موجبة للأنس ، بحيث صار لفظ الصلاة مجازاً مشهوراً في الأركان ، وكلفظ الدّابّة الموضوع لمطلق ما يدب على الأرض ، ثم استعمل كثيراً في الفرس مع القرينة المعينة حتى صار منقولا.

والحاصل : أن الوجدان حاكم بتحقق الأُنس بواسطة الاستعمالات الواقعة بنحو تعدد الدال والمدلول ، ثم يشتد ويصل إلى مرتبة الاشتراك أو النقل.

٧٣٥

مزية أنس [مزيد أنس] كما في المجاز المشهور ، أو تعيناً (١) واختصاصاً به ، كما في المنقول بالغلبة ، فافهم (٢).

تنبيه (٣) وهو : أنه يمكن أن يكون للمطلق جهات عديدة كان وارداً

______________________________________________________

(١) معطوف على «مزية» ، يعني : أن كثرة إرادة المقيد توجب مزية أنس بالمقيد كما في المجاز المشهور ، أو تعيناً واختصاصاً به كما في المنقول بالغلبة والظاهر من عبارة المتن كون الانصراف البالغ حد المجاز الراجح والاشتراك والنقل مقيداً للإطلاق ، ومانعاً عن التمسك به ، وكذا إذا كان الانصراف للتيقن الخطابي.

(٢) لعله إشارة إلى الفرق بين التقييد بالانصراف في المجاز المشهور ، وبين التوقف فيه وعدم الحمل على المجاز. وجه الفرق : أن الحمل على الإطلاق منوط بعدم القرينة ، وما يصلح للقرينية ، والانصراف صالح لذلك ، فيقيد به الإطلاق. وهذا بخلاف الحمل على المجاز ، فانه منوط بعدم جريان أصالة الحقيقة ، فتدبر.

إذا كان للمطلق جهات عديدة

(٣) غرضه : أنه إذا كان للمطلق جهات ، فان كان المتكلم في مقام بيان تمام الجهات ، فلا بد من التمسك بالإطلاق في جميعها كالنصوص المفسرة للاستطاعة ، فانها مطلقة بالنسبة إلى اذن الوالد والزوج بالنسبة إلى الولد والزوجة ، وبالنسبة إلى اعتبار الرجوع إلى الكفاية ان لم تنهض النصوص الخاصة على اعتباره ، فان إطلاق النصوص المفسرة للاستطاعة ثابت ، لكون المعصوم عليه‌السلام في مقام بيان جميع ما له دخل في الاستطاعة.

٧٣٦

في مقام البيان من جهة منها (١) ، وفي [ووارداً في مقام] الإهمال أو الإجمال من أخرى (٢) ، فلا بد في حمله على الإطلاق بالنسبة إلى جهة من كونه بصدد البيان من تلك الجهة ، ولا يكفي كونه بصدده (٣) من

______________________________________________________

وان كان المتكلم في مقام بيان بعض الجهات والإهمال في الجهات الأخرى فلا يجوز التمسك بالإطلاق في غير تلك الجهة ، كالتشبث بإطلاق قوله تعالى : «فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ» لطهارة موضع العض ، وذلك لأنه ليس في مقام بيان الطهارة والنجاسة حتى يصح التمسك بالإطلاق للطهارة ، وانما هو في مقام بيان الحلية فقط ، خلافاً لما نسب إلى شيخ الطائفة (قده) من استدلاله على الطهارة بهذه الآية الشريفة ، كما في التقريرات. وقد نبه في التقريرات على هذا التنبيه بعنوان «تذنيب».

(١) كالمثال المزبور ، حيث ان إطلاق الآية الشريفة سيق لبيان الحلية ، وأن الكلب المعلم من آلات الصيد ، وأن ما يصطاده حلال ، فالاستدلال بها على طهارة موضع العض غير سديد ، لعدم كون الآية مسوقاً لبيان طهارة موضع العض ونجاسته.

(٢) كنجاسة موضع عضّ الكلب وطهارته في الآية الشريفة ، فلا يصح التمسك بها للطهارة ، وكجواز الصلاة في القلنسوة المتنجسة ، فانه لا يستفاد منه جواز الصلاة فيها وان كانت من الحرير ، أو المغصوب ، أو مما لا يؤكل لحمه ، إذ لا إطلاق له بالنسبة إلى هذه الجهات. ومثل ما دل على العفو عما دون الدرهم من الدم في الصلاة ، فانه ناظر إلى العفو من حيث النجاسة ، فلا إطلاق له يدل على جواز الصلاة فيه إذا كان مما لا يؤكل لحمه.

(٣) أي : بصدد البيان ، وضمير «كونه» الأول والثاني راجع إلى المتكلم.

٧٣٧

جهة أخرى (١) إلّا إذا كان بينهما (٢) ملازمة عقلا (٣) ، أو شرعاً (٤) ، أو عادة (٥) كما لا يخفى.

______________________________________________________

(١) فان كون المتكلم بصدد البيان من جهة ـ كالنجاسة في الأمثلة المزبورة ـ لا يكفي في الحمل على الإطلاق من الجهات الأخرى التي لم يكن المتكلم بصدد بيانها ، كالغصبية ، والحريرية ، وعدم المأكولية في الأمثلة المتقدمة.

(٢) أي : إلّا إذا كان بين الجهتين ملازمة بحيث يكون البيان من إحداهما ملازماً لثبوت الحكم من الجهة الأخرى التي هي غير مقصودة بالبيان. فيكون الكلام حجة في كلتا الجهتين ، لأن الحجة على أحد المتلازمين حجة على الآخر.

(٣) مثل ما ورد في صحة الصلاة في ثوب فيه عذرة ما لا يؤكل لحمه من حيث النجاسة عند الجهل بها أو نسيانها بناء على جزئية العذرة للحيوان ، فانه يدل عقلا على صحة الصلاة في أجزاء ما لا يؤكل لحمه عند الجهل أو النسيان لأنه ـ بناء على جزئية العذرة ـ لا فرق في نظر العقل في الحكم بصحة الصلاة بين الاجزاء من العذرة وغيرها وان كان الكلام مسوقاً لبيان حكم العذرة.

(٤) كما إذا دل دليل على وجوب قصر الصلاة على المسافر في مورد ، فانه يدل على وجوب الإفطار عليه في ذلك المورد أيضا ، للملازمة الشرعية بينهما الثابتة بمثل قول أبي عبد الله عليه‌السلام : «إذا قصرت أفطرت ، وإذا أفطرت قصرت» (١) فالدليل على أحدهما دليل على الآخر الا في موارد خاصة خرجت بالدليل.

(٥) مثل ما ورد في طهارة سؤر الهرة ، مع أن الغالب عدم خلو موضع السؤر عن النجاسة ، فان إطلاق ما دل على طهارة سؤر الهرة وان كان ناظراً

__________________

(١) الوسائل ج ٧ ، الباب الرابع من أبواب من يصح منه الصوم ، الحديث ١.

٧٣٨

فصل

إذا ورد مطلق ومقيد متنافيين (١) ، فاما يكونان [أن يكونا] مختلفين في الإثبات والنفي ، واما يكونان [أن يكونا] متوافقين.

فان كانا مختلفين مثل «أعتق رقبة ولا تعتق رقبة كافرة» فلا إشكال في التقييد (٢)

وان كانا متوافقين (٣) ،

______________________________________________________

إلى حكم الهرة من حيث ذاتها كما يظهر من النصوص ، إلّا أن النجاسة العرضية الحاصلة بملاقاة الميتة لما كانت مقارنة لموضع السؤر غالباً كان إطلاق دليل الطهارة مقتضياً لطهارة السؤر مطلقاً ولو كان موضع السؤر قبل الملاقاة ملاقياً للنجاسة ، وإلّا لوجب التنبيه على نجاسته ، هذا. ثم ان هذه الملازمات الثلاثة مذكورة في التقريرات.

المطلق والمقيد المتنافيان

(١) ضابط التنافي : أن لا يمكن الجمع بينهما مع حفظ أصالة الظهور فيهما.

(٢) لأن حكم العقل بالتخيير بين الافراد منوط بتساوي أقدامها بالنسبة إلى الطبيعة ، ومع النهي عن بعضها ـ كعتق الرقبة الكافرة ـ لا يحكم العقل بالتخيير ، لعدم إحراز التساوي المزبور المقوم للحكم بالتخيير ، فلا يكون عتق الرقبة الكافرة في نظر العقل كعتق المؤمنة في الاجزاء ، فلا بد من تقييد الرقبة بالايمان.

(٣) مثل «أعتق رقبة وأعتق رقبة مؤمنة».

٧٣٩

فالمشهور فيهما الحمل والتقييد (١) ، وقد استدل بأنه (٢) جمع بين الدليلين (*)

______________________________________________________

(١) كالمختلفين في النفي والإثبات ، فيحمل المطلق على المقيد ، ويقال : ان المراد الجدي هو المقيد ، فالمطلوب هو عتق الرقبة المؤمنة ، لا كل رقبة.

(٢) أي : أن الحمل والتقييد جمع بين الدليلين ، وقد قيل : «ان الجمع بين الدليلين مهما أمكن أولى من الطرح». وأما كون التقييد جمعاً بين المطلق والمقيد فلأنه يؤخذ بكل منهما ، حيث ان المطلق يصير جزء الموضوع ، ففي «أعتق رقبة» الظاهر في كون الرقبة تمام الموضوع لوجوب العتق يجعل الرقبة جزء

__________________

(*) بل طرح لدليل المطلق ، لأن نتيجة هذا الجمع ـ وهي تركب الموضوع من جزءين أحدهما المطلق والآخر القيد ـ مما يدل عليه دليل المقيد مع الغض عن دليل المطلق ، فان تركب موضوع وجوب العتق من الرقبة والإيمان هو مدلول المقيد ، بحيث لو لم يكن دليل المطلق لكان دليل المقيد كافياً في إثبات هذا الموضوع المركب ، فلا بد أن يراد بالجمع الجمع بينهما في الثبوت لا الإثبات ، بأن يقال : ان المطلق لم يرد في مقام بيان المراد الواقعي الجدي ، بل كان مراداً صورياً اقتضت المصلحة إبرازه وإخفاء القيد وتأخير بيانه إلى زمان يقتضي الصلاح إظهاره فيه كالعمومات الواردة عليها التخصيصات بعد مضي زمان ، فانها تكشف عن عدم تعلق إرادة المولى جداً بتلك العمومات ، بل كانت إرادتها صورية. وإلّا فالجمع في مقام الإثبات بمعنى حفظ أصالة الظهور في كلا الدليلين ممتنع ، بل لا بد من التصرف في أحد الأصلين ، هذا في المقيدات المنفصلة.

وأما المقيدات المتصلة ، فلا ينعقد لمطلقاتها ظهور في الإطلاق ، لوضوح توقف الإطلاق على مقدمات الحكمة التي منها عدم القرينة ، وما يصلح للقرينية ، وفي صورة اتصال المقيد تنتفي هذه المقدمة.

٧٤٠