منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٣

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٣

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: مطبعة غدير
الطبعة: ٦
الصفحات: ٧٨٣

كما (١) يمكن أن يكون بسبب حصول منقصة في الطبيعة المأمور بها لأجل تشخصها في هذا القسم (٢) بمشخص غير ملائم لها ، كما في الصلاة في الحمام ، فان (٣)

______________________________________________________

لا يؤالفها ولا يخالفها كالصلاة في الدار وغيرها من الأمكنة المباحة تبقى مصلحة الطبيعة بحالها ، ولا تزيد ولا تنقص ، فالمشخصات ثلاثة ، والنهي المتعلق بالطبيعة المتشخصة بمشخص غير ملائم لها يكون إرشاداً إلى المنقصة الحاصلة من تشخص الطبيعة به.

وعلى هذا ، فلا يكون النهي مولوياً حتى يقال باجتماع الكراهة والوجوب أو الاستحباب.

(١) هذا إشارة إلى الوجه الثاني الّذي بيناه بقولنا : «ثانيهما ان النهي عن الصلاة ... إلخ».

(٢) وهو ما تعلق النهي بذات العبادة ، وكان لها بدل ، وضمير «تشخصها» راجع إلى الطبيعة ، وكذا ضمير «لها» في قوله : «غير ملائم لها».

(٣) تعليل لنقصان المصلحة بسبب تشخص وقوع الطبيعة بمشخص غير ملائم لها ، وحاصل التعليل : أن الطبيعة بتشخصها بالمشخص غير الملائم تسقط عن قابليتها للمعراجية ، كوقوعها في الحمام وان لم يكن نفس الكون فيه ذا حزازة ومنقصة ، بل ربما كان راجحاً ، كالدخول فيه للغسل والتنظيف ، أو الكون فيه للتعرق مع الحاجة إليه أو غير ذلك. بخلاف الصلاة في مواضع التهمة ، فان في نفس الكون فيها حزازة وكراهة. كما أنه قد تحصل للصلاة لتخصصها بخصوصية شديدة الملاءمة لها مزية ، كالصلاة في المسجد والمشاهد المشرفة ، فتكثر بها المصلحة.

١٢١

تشخصها بتشخص وقوعها فيه لا يناسب كونها (١) معراجاً وان لم [ان لم] يكن نفس الكون في الحمام [في الصلاة] بمكروه ، ولا حزازة فيه أصلا ، بل كان راجحاً ، كما لا يخفى. وربما يحصل لها (٢) لأجل تخصصها بخصوصية شديدة الملاءمة معها مزية فيها (٣) كما في الصلاة في المسجد والأمكنة الشريفة ، وذلك (٤) لأن الطبيعة المأمور بها في حد نفسها إذا كان (*) [كانت] مع تشخص لا يكون له شدة الملاءمة ، ولا عدم

______________________________________________________

(١) أي : كون الصلاة معراجاً ، وضميرا «تشخصها ، وقوعها» راجعان إلى الصلاة ، وضمير «فيه» راجع إلى الحمام.

(٢) أي : للطبيعة المأمور بها. وهذا إشارة إلى دفع إشكال اجتماع الوجوب والاستحباب في العبادات المستحبة.

(٣) أي : في الطبيعة ، وضميرا «تخصصها ، معها» راجعان إلى الماهية.

(٤) تقريب لوجه زيادة المصلحة ونقصانها ، وبيان لما يقاس إليه زيادة المصلحة ونقصانها ، أما الزيادة والنقيصة فمنشؤهما اختلاف المشخصات في الملاءمة وعدمها. وأما المقيس عليه ، فهي مصلحة الطبيعة المتشخصة بما لا يلائمها ولا ينافرها.

__________________

(*) العبارة لا تخلو عن الاضطراب من غير فرق بين اقتران «كان» بالتاء كما في بعض النسخ وعدمه كما في أكثرها ، إذ على الأول يلزم خلو الجزاء عن الفاء مع كونه من موارد لزوم اقترانه به ، إذ مع وجود التاء يكون اسم كان ضميراً مستتراً فيه راجعاً إلى الطبيعة ، وقوله : «مع تشخص» خبره ، وجملة «لها مقدار» جواب «إذا» ومن المعلوم لزوم اقتران الجزاء ـ إذا كان جملة اسمية ـ بالفاء ، كما قال ابن مالك في الخلاصة :

١٢٢

الملاءمة لها (١) مقدار من المصلحة والمزية ، كالصلاة في الدار مثلا وتزداد تلك المزية فيما كان تشخصها (٢) [بشخصه] بماله شدة الملاءمة وتنقص فيما إذا لم [فيما لم] تكن له ملائمة ، ولذلك (٣) ينقص ثوابها

______________________________________________________

(١) أي : للطبيعة ، وقوله : «لها» خبر «كان» ، و «مقدار» اسمه.

(٢) أي : تشخص الطبيعة بمشخص له شدة الملاءمة ، كالصلاة في المسجد.

(٣) يعني : ولأجل زيادة المصلحة ونقصانها بالمشخص الملائم والمنافر ينقص ثوابها تارة ويزيد أخرى.

__________________

واقرن بفا حتماً جواباً لو جعل

شرطاً لأن أو غيرها لم ينجعل

وعلى الثاني ، يلزم خلو الشرط عن الجزاء ، لأن قوله : «لها مقدار» اسم «كان» وخبرها ، فكأنه قيل : «إذا كان لها مقدار من المصلحة مع تشخص» وليس حينئذ في العبارة ما يصلح لأن يكون جواب الشرط.

وبالجملة : فيلزم أحد المحذورين : اما خلو الجزاء عن الفاء ، واما خلو الشرط عن الجزاء. هذا كله بناء على جعل «إذا» شرطاً.

ويمكن أن تكون ظرفاً غير مفتقر إلى الجواب ، فلا يلزم محذور خلو الشرط عن الجزاء ، وعلى هذا التقدير يكون «لها مقدار» خبراً لـ «أن» فكأنه قيل : «لأن الطبيعة المأمور بها ـ زمان تشخصها بمشخص غير ملائم ولا منافر ـ لها مقدار من المصلحة» فاسم «كانت» حينئذ ضمير راجع إلى الطبيعة ، وخبرها «مع تشخص» ولو لم يكن الضمير اسم «كان» لم يبق في العبارة ما يصلح لأن يكون اسماً لها.

ومن هنا يظهر : أن احتمال ظرفية «إذا» لا يتأتى مع خلو «كان» عن التاء ، لما عرفت من استلزام ذلك خلوها عن الاسم ، فتأمل في العبارة حقه.

١٢٣

تارة ويزيد أخرى (*) ، ويكون النهي فيه (١) لحدوث نقصان في مزيتها فيه إرشاداً إلى ما لا نقصان فيه (**) من سائر الافراد ، ويكون (٢) أكثر ثواباً منه.

وليكن (٣) [ولعل] هذا مراد من قال : ان الكراهة في العبادة بمعنى

______________________________________________________

(١) هذا الضمير وضمير «فيه» راجعان إلى «ما» الموصول ، وضمير «مزيتها» راجع إلى الطبيعة.

والمراد بالموصول في قوله : «فيما إذا لم تكن له ملائمة» المشخص غير الملائم ، وقوله : «لحدوث نقصان ... إلخ» جملة معترضة بين اسم «يكون» وهو «النهي» وبين خبرها وهو «إرشاداً».

(٢) معطوف على «ما لا نقصان» يعني : ويكون النهي إرشاداً إلى ما لا نقصان فيه ، وإلى ما يكون أكثر ثواباً من الفرد المتشخص بالمشخص غير الملائم.

(٣) يعني : وليكن نقصان الطبيعة من حيث المزية الناشئ من تشخصها بمشخص غير ملائم للطبيعة مراد من قال : بأن معنى الكراهة في العبادة كونها أقل ثواباً ، فما يضاف إليه الأقلية والأكثرية هو الثواب المترتب على نفس الطبيعة مع الغض عن مشخصاتها الملاءمة أو المنافرة ، فلو فرض أن لطبيعة الصلاة حصة من المصلحة وأتى بها المكلف مشخصة بما لا يلائمها كإتيانها في مكان مكروه كالحمام ، فينقص من الحصة مقدار ، فالأقلية تضاف إلى الحصة.

__________________

(*) الحق عدم تبعية الثواب والعقاب لمراتب المصلحة والمفسدة ، بل هما تابعان لمراتب الانقياد والتجري.

(**) بل النهي في الشخص غير الملائم إرشاد إلى الفرد الناقص ليؤتى بالطبيعة في الافراد التي لا نقصان فيها ، وليس إرشاداً إلى غير متعلقه. نعم لازم ذلك البعث إلى ما لا نقصان فيه من الافراد.

١٢٤

أنها تكون أقل ثواباً. ولا يرد عليه (١) بلزوم اتصاف العبادة التي تكون أقل ثواباً من الأخرى بالكراهة. ولزوم (٢) اتصاف ما لا مزية فيه ولا منقصة بالاستحباب ، لأنه (٣) أكثر ثواباً مما فيه المنقصة ، لما (٤)

______________________________________________________

(١) الراد صاحب الفصول «قده» ، وحاصل رده : أن الكراهة بمعنى أقلية الثواب تستلزم أمرين لا يمكن الالتزام بهما.

أحدهما : ما أشار إليه المصنف (قده) بقوله : «بلزوم اتصاف العبادة ... إلخ» وحاصله : لزوم اتصاف كل عبادة تكون أقل ثواباً من أخرى بالكراهة ، مثلا إذا كان ثواب الصلاة أكثر من ثواب الصوم لزم أن يكون الصوم مكروهاً. وكذا الحال بالنسبة إلى أفراد طبيعة واحدة مع تشخصها بمشخصات مختلفة من حيث الملاءمة وعدمها ، فتكره الصلاة في السوق بالإضافة إلى صلاة القبيلة ، وهكذا.

ثانيهما : ما أشار إليه بقوله «ولزوم اتصاف ما لا مزية فيه» وحاصله : أن تفسير الكراهة في العبادة بأقلية الثواب يستلزم استحباب العبادة المكتنفة بما لا يلائمها ولا ينافرها ، كالصلاة في الدار بالإضافة إلى الصلاة في الحمام ، ونحوه من المشخصات المنافرة للطبيعة ، لكون الصلاة في الدار أكثر ثواباً من الصلاة في الحمام.

(٢) معطوف على «لزوم» ، وهذا إشارة إلى الأمر الثاني الّذي أوضحناه بقولنا : «وحاصله ان تفسير الكراهة ... إلخ».

(٣) أي : لأن ما لا مزية ولا منقصة فيه أكثر ثواباً من الفرد المتشخص بما فيه المنقصة.

(٤) تعليل لقوله : «ولا يرد عليه» وقد عرفت توضيحه عند شرح كلام المصنف : «وذلك لأن الطبيعة المأمور بها في حد نفسها ... إلخ» وملخصه : أن أكثرية الثواب وأقليته انما تضافان إلى نفس الطبيعة المتشخصة بمشخص

١٢٥

عرفت من أن المراد من كونه أقل ثواباً انما هو بقياسه إلى نفس الطبيعة المتشخصة بما لا يحدث معه مزية لها ، ولا منقصة من المشخصات ، وكذا كونه أكثر ثواباً (١).

______________________________________________________

لا يوجب مزية ولا منقصة ، فإذا كان لنفس الطبيعة من حيث هي مقدار حصة من المصلحة ، واختلاف المشخصات في الملاءمة وعدمها يوجب زيادة الثواب وقلتها ، كما أن الفرد المكروه خصوص العبادة التي يكون ثوابها ـ لاحتفافها بما لا يلائمها ـ أقل من ثواب الفرد المتشخص بما لا يلائمه ولا ينافره ، كالصلاة في الدار ونحوها من الأمكنة المباحة ، فلا يتصف غير هذا الفرد من أفراد الطبيعة بالكراهة ، كما لا تتصف الصلاة في الدار ونحوها من الأمكنة المباحة ـ التي لا توجب زيادة ولا نقصاناً في مصلحة الطبيعة ـ بالاستحباب بالإضافة إلى الصلاة الواقعة في مكان مكروه كالحمام ، لأكثرية ثواب الصلاة في الدار من ثواب الصلاة في الحمام.

(١) هذا ناظر إلى رد اللازم الثاني الّذي أشار إليه المصنف بقوله : «ولزوم اتصاف ما لا مزية فيه ولا منقصة بالاستحباب لأنه أكثر ثوابا ... إلخ».

وقد عرفت تقريب الرد : بأن الأكثرية تلاحظ بالقياس إلى نفس الطبيعة مع الغض عن تشخصها بالمشخص الملائم أو المنافر. وعليه ، فلا يصح أن يقال : ان الصلاة في المكان المباح كالدار مستحبة بالإضافة إلى الصلاة في الحمام ، لأن الأكثرية كما عرفت تضاف إلى مصلحة نفس الطبيعة ، ومن المعلوم أن مصلحة الصلاة في المكان المباح ليست بأكثر من مصلحة نفس الطبيعة حتى تتصف بالاستحباب.

وبالجملة : المقيس عليه في الأقلية والأكثرية هو خصوص الفرد الّذي لا يحدث بسبب تشخصه مزية ولا منقصة ، لا طبيعة أخرى ، كما في الإيراد الأول ، ولا مطلق الافراد من نفس تلك الطبيعة كما هو مبنى الإيراد الثاني ، حيث انه جعل المقيس عليه هو الفرد الّذي يحدث بسبب تشخصه منقصة ، ولذا

١٢٦

ولا يخفى أن النهي في هذا القسم (١) لا يصح إلّا للإرشاد (٢) ، بخلاف القسم الأول ، فانه يكون فيه مولوياً وان كان حمله على الإرشاد (٣) بمكان من الإمكان.

______________________________________________________

توهم أن الصلاة في المكان المباح بالنسبة إلى الصلاة في الحمام مستحبة.

لكن قد عرفت أنه ليس هو المقيس عليه.

(١) أي القسم الثاني ، وهو : كون النهي متعلقاً بذات العبادة وعنوانها مع وجود البدل لها.

(٢) إلى فرد آخر يكون بدلا عن الفرد المنهي عنه ، إذ المفروض وجود البدل للفرد المنهي عنه.

ثم ان الحمل على الإرشاد يختص بالتوجيه المختص به ، وهو كون النهي لأجل حصول منقصة في الطبيعة المأمور بها ، دون التوجيه المشترك بينه وبين القسم الأول من كون متعلق النهي عنواناً ذا مصلحة منطبقاً على العبادة ومتحداً معها ، أو ملازماً لها.

ووجه عدم صحة حمل النهي في هذا القسم الثاني على غير الإرشاد هو : أن النهي المولوي ولو تنزيهياً منوط بثبوت مفسدة في متعلقه ، أو مصلحة في نقيضه مزاحمة لمصلحته ، وهو مفقود في المقام ، لوضوح وجود المصلحة في متعلقه ، وعدم مصلحة في نقيضه. بخلاف القسم الأول ، لوجود المصلحة في متعلقه وفي تركه ، ولذا صار أرجح من فعله ، فلا بد من كون النهي في هذا القسم الثاني إرشاداً إلى منقصة حاصلة في الطبيعة بواسطة تشخصها بغير الملائم ككون الصلاة في الحمام.

(٣) إلى الترك الّذي هو أرجح من الفعل ، لا الإرشاد إلى فعل آخر من تلك الطبيعة ، إذ المفروض كونه مما لا بدل له كصوم يوم عاشوراء.

١٢٧

وأما القسم الثالث (١) ، فيمكن أن يكون النهي فيه عن العبادة المتحدة مع ذلك العنوان أو الملازمة (٢) له بالعرض والمجاز (٣) وكان المنهي عنه به حقيقة ذاك العنوان (٤) ، ويمكن أن يكون على الحقيقة إرشاداً إلى غيرها (٥) من سائر الافراد مما (*) لا يكون متحداً معه ،

______________________________________________________

(١) وهو ما تعلق به النهي لا بذاته ، بل بما هو مجامع معه وجوداً ، أو ملازم له خارجاً.

(٢) معطوف على «المتحدة».

(٣) خبر «يكون» ، وتوضيح ما أفاده في الجواب عن القسم الثالث : أنه يمكن أن يكون النهي فيه مولوياً وأن يكون إرشادياً. وعلى الأول لا يسند النهي إلى العبادة حقيقة ، بل عرضاً ، إذ المنهي عنه هو ذلك العنوان المتحد مع العبادة أو الملازم لها ، فالمنهي عنه حقيقة هو ذلك العنوان ، لا العبادة ، واسناد النهي إليها اسناد إلى غير ما هو له ، فيكون مجازاً.

(٤) خبر قوله : «وكان» و «حقيقة» منصوب ، و «المنهي عنه» اسم «كان».

(٥) أي : غير العبادة المنهي عنها من سائر الافراد التي لا تكون متحدة مع العنوان ولا ملازمة له.

وحاصل المراد : أن النهي حينئذ إرشاد إلى منقصة حاصلة في مصلحة الطبيعة

__________________

(*) الظاهر الاستغناء عن «ما» الموصولة ، لأن سائر الافراد غير الفرد المنهي عنه هي التي لا تتحد مع العنوان ، ولا تلازمه ، فحق العبارة أن تكون هكذا : «إرشاداً إلى غيرها من الافراد التي لا تكون متحدة معه ولا ملازمة له».

فقوله : «غيرها» لا يحتاج إلى مفسرين : أحدهما «من سائر» والآخر «مما».

١٢٨

أو ملازماً له ، إذ (١) المفروض التمكن من استيفاء مزية العبادة بلا ابتلاء بحزازة ذاك العنوان أصلا. هذا (٢) على القول بجواز الاجتماع.

وأما على الامتناع ، فكذلك (٣) في صورة الملازمة.

______________________________________________________

المأمور بها ، وإلى سائر الافراد السليمة عن الحزازة ، كالصلاة في الدار والمسجد وتركها في مواضع التهمة.

(١) تعليل لكون النهي إرشاداً إلى سائر الافراد ، حاصله : أنه لما كان الإتيان بالافراد السليمة عن الحزازة الواجدة للمزية ممكناً أمكن أن يكون النهي إرشاداً إلى تلك الافراد ، هذا. وضميرا «معه ، له» راجعان إلى العنوان.

(٢) يعني : أن ما ذكرناه ـ من كون المأمور به حقيقة هي العبادة والمنهي عنه كذلك هو ذلك العنوان ، وأن إضافة النهي إلى العبادة تكون بالعرض والمجاز ـ مبني على القول بجواز الاجتماع ، لكفاية تعدد العنوان في إمكان اجتماع الأمر والنهي ، فعنوان العبادة هو المأمور به ، والعنوان المتحد الملازم هو المنهي عنه ، والتنافي بين الأمر والنهي يرتفع بتعدد العنوان.

(٣) يعني : بناء على الامتناع يكون المنهي عنه العنوان الملازم ، والمأمور به عنوان العبادة ، هذا في صورة كون العنوان المنهي عنه ملازماً للعبادة.

وأما في صورة اتحاد العنوان المنهي عنه مع العبادة وانطباقه عليها وترجيح جانب الأمر كما هو المفروض ، إذ المفروض صحة العبادات المكروهة بالإجماع كما أشار إليه المصنف (قده) في صدر البحث ، فيكون حال النهي في هذا القسم الثالث حال النهي في القسم الثاني ، بل هو يرجع إليه بالدقة ، وذلك لأن اتحاد العنوان المنهي عنه مع العبادة يوجب تشخصها بمشخص غير ملائم للطبيعة المأمور بها ، فينقص بسببه مقدار من مصلحتها ، فالنهي إرشاد إلى تلك المنقصة حتى يأتي العبد بالطبيعة في فرد آخر فاقد للحزازة والمنقصة.

١٢٩

وأما (١) في صورة الاتحاد وترجيح جانب الأمر (*) كما هو المفروض حيث انه (٢) صحة العبادة ، فيكون حال النهي فيه (٣) حاله في القسم الثاني ، فيحمل (٤) على ما حمل عليه فيه طابق النعل بالنعل ، حيث انه (٥) بالدقة يرجع إليه ، إذ (٦) على الامتناع ليس الاتحاد مع العنوان الآخر (٧)

______________________________________________________

(١) قد بيناه بقولنا : «واما في صورة اتحاد العنوان المنهي عنه ... إلخ».

(٢) أي : المفروض صحة العبادة على ما أشار إليه بقوله في أول البحث : «اما القسم الأول فالنهي تنزيهاً عنه بعد الإجماع على أنه يقع صحيحاً» ، وضمير «هو» راجع إلى «ترجيح».

(٣) أي : في القسم الثالث حال النهي في القسم الثاني ، وهو تعلق النهي بنفس العبادة مع ثبوت بدل لها.

(٤) يعني : فيحمل النهي في القسم الثالث على ما حمل عليه في القسم الثاني من كون النهي متعلقاً بعنوان راجح ينطبق على الترك ، أو بعنوان ملازم له ، أو كون النهي إرشاداً إلى منقصة حاصلة في الطبيعة المأمور بها ، فلاحظ.

(٥) أي : القسم الثالث يرجع إلى القسم الثاني بالدقة.

(٦) تعليل لرجوعه إلى القسم الثاني ، وحاصله : ما تقدم في قولنا : «وذلك لأن اتحاد العنوان المنهي عنه مع العبادة ... إلخ» من ورود نقص على مصلحة الطبيعة ، لتشخصها بما لا يلائمها.

(٧) وهو العنوان المنهي عنه.

__________________

(*) وأما على الامتناع وتغليب جانب النهي ، فالعبادة باطلة ، لاقتضاء النهي عن العبادة فسادها. ولما كان هذا خارجاً عن مفروض البحث ـ وهو صحة العبادات المكروهة إجماعاً ـ لم يتعرض له المصنف قدس‌سره.

١٣٠

الا من مخصصاته ومشخصاته التي تختلف الطبيعة المأمور بها في المزية زيادة ونقيصة بحسب اختلافها (١) في الملاءمة كما عرفت (٢).

وقد انقدح بما ذكرناه (٣) : أنه لا مجال أصلا لتفسير الكراهة في

______________________________________________________

(١) أي : اختلاف المخصصات والمشخصات.

(٢) أي : في القسم الثاني ، حيث قال : «لأن الطبيعة المأمور بها في حد نفسها إذا كانت مع تشخص لا يكون له شدة الملاءمة ... إلخ».

(٣) في معنى أقلية الثواب ، وأنها تضاف إلى المصلحة الخاصة القائمة بأصل الطبيعة : أن حمل النهي على الإرشاد إلى أقلية الثواب لا مجال له في القسم الأول الّذي لا بدل له أصلا. وجه عدم المجال : أنه لا يتصور أقلية الثواب في مثل صوم يوم عاشوراء ، والنوافل المبتدئة وغيرهما مما لا بدل له ، وتنحصر الطبيعة في فرد واحد حتى يكون النهي إرشاداً إلى الافراد التي لا منقصة فيها ، إذ ليس لصوم يوم عاشوراء فرداً آخر حتى يحمل النهي عنه على الإرشاد إلى إتيان الطبيعة في ضمن هذا الفرد الآخر منها.

ومجرد أرجحية الترك ـ لانطباق عنوان ذي مصلحة عليه أو ملازمته للترك ـ لا يسوغ حمل النهي عن صوم يوم عاشوراء على الكراهة ، ضرورة أن مصلحة الترك لأجل ذلك العنوان وان كانت أرجح من مصلحة الفعل ، ولذا يكون تركه أرجح من فعله ، إلّا أنه ليس من الكراهة بمعنى أقلية الثواب على النحو الّذي ذكرناه ، إذ الأقلية لا بد وأن تكون في بعض أفراد الطبيعة ، كالصلاة في الحمام بالنسبة إلى البعض الآخر من أفراد نفس هذه الطبيعة ، كالصلاة في غيره ، ولا تلاحظ الأقلية بين طبيعتين ، كأقلية مصلحة الصوم مثلا من مصلحة الصلاة.

وفي القسم الأول من العبادات المكروهة يكون العنوان المتحد أو الملازم

١٣١

العبادة بأقلية الثواب في القسم الأول مطلقاً (١) ، وفي هذا القسم (٢)

______________________________________________________

أرجح من الفعل ، ومن المعلوم مغايرة ذاك العنوان للعبادة ، فهما من قبيل الطبيعتين ، لا فردين من طبيعة واحدة ، كما هو مورد حمل النهي على أقلية الثواب ، فمصلحة صوم يوم عاشوراء باقية على حالها ، ولا ينقص منها شيء ، غاية الأمر أنه يزاحمها مصلحة أقوى منها ، وهذا غير نقصان مصلحة الطبيعة لأجل تشخصها بمشخص غير ملائم لها.

نعم قد تقدم في القسم الأول إمكان حمل النهي فيه على الإرشاد إلى ترك طبيعة صوم عاشوراء لانطباق عنوان راجح عليه ، لكنه غير حمله على الإرشاد إلى أقلية الثواب بالمعنى المذكور ، أعني الإرشاد إلى ترك فرد من الطبيعة فيه حزازة ومنقصة ، والإتيان بفرد آخر منها لا حزازة فيه ولا منقصة.

(١) يعني : سواء بنينا على الجواز أم الامتناع ، أما على الأول ، فلعدم المقتضي لحمل النهي على الإرشاد بعد إمكان حمله على المولوي ، لتعدد متعلق الأمر والنهي. وأما على الثاني ، فلعدم بدل للعبادة كصوم عاشوراء حتى يكون النهي إرشاداً إلى سائر أفراد الطبيعة المأمور بها مما لا منقصة فيه ، كما لا يخفى.

(٢) أي : القسم الثالث على القول بجواز الاجتماع ، يعني : وقد ظهر مما ذكرنا : أنه لا مجال لحمل النهي على أقلية الثواب في القسم الثالث أيضا على القول بجواز الاجتماع ، إذ على هذا القول يتعدد متعلق الأمر والنهي ، ويستريح القائل بالجواز من دفع الإشكال ، فيبقى ظهور النهي على حاله ، ولا داعي إلى ارتكاب التأويل فيه بحمله على الإرشاد أو غيره من التأويلات. وكذا الحال على القول بالامتناع في صورة الملازمة ، لتعدد متعلق الأمر والنهي وجوداً أيضا.

نعم على القول بالامتناع والاتحاد تنقص مصلحة الطبيعة ، لتشخصها

١٣٢

على القول بالجواز. كما انقدح حال اجتماع الوجوب والاستحباب فيها (١) وأن (٢) الأمر الاستحبابي يكون على نحو الإرشاد إلى أفضل الافراد مطلقاً (٣)

______________________________________________________

بما لا يلائمها ، فيحمل النهي عنها على الإرشاد إلى نقصان المصلحة ، والإتيان بالطبيعة في ضمن سائر الافراد التي لا تتحد مع ذلك العنوان الموجب للحزازة.

(١) أي : في العبادات.

(٢) معطوف على قوله : «حال» وقوله : «كما انقدح» إشارة إلى الجواب عن اجتماع الوجوب والاستحباب في العبادات ـ كالصلاة في المسجد ـ الّذي تعرض له أوائل الاستدلال على الجواز بقوله : «اجتماع الوجوب أو الاستحباب مع الإباحة أو الاستحباب في مثل الصلاة في المسجد أو الدار».

وحاصل الجواب : أن الأمر الاستحبابي بالصلاة جماعة أو في المسجد مثلا يمكن حمله على الإرشاد إلى أفضل الافراد ، كحمل النهي في القسم الثاني والثالث على الإرشاد إلى منقصة حاصلة في مصلحة الطبيعة المتشخصة بمشخص غير ملائم للطبيعة ، فلا يكون في مثل صلاة الجماعة أمر استحبابي ووجوبي حتى يلزم اجتماع الحكمين الفعليين المولويين.

(٣) يعني : على كلا القولين من الجواز والامتناع ، لأن محل النزاع في مسألة اجتماع الأمر والنهي هو الحكمان المولويان ، لا كل حكمين ولو لم يكن أحدهما أو كلاهما مولوياً ، فالحكمان المولوي والإرشادي لا إشكال في جواز اجتماعهما ، فلا بأس بكون الأمر بإتيان الصلاة جماعة إرشادياً.

وعلى هذا ، فلا يكون مثل الصلاة جماعة ـ مما اجتمع فيه حكمان مولوي بأصل الطبيعة وإرشادي إلى الفرد الأفضل منها ـ دليلا على جواز اجتماع حكمين فعليين حتى يستدل به على جواز اجتماع الأمر والنهي في مسألتنا.

١٣٣

على نحو الحقيقة (١) و [ويكون] مولوياً اقتضائياً كذلك (٢) ، وفعلياً (٣) بالعرض والمجاز فيما (٤) كان ملاكه ملازمتها لما هو مستحب ،

______________________________________________________

(١) يعني : أن الأمر الإرشادي يتعلق بنفس العبادة ، فهي المأمور بها بالأمر الإرشادي حقيقة ، لا عنوان آخر متحد معها أو ملازم لها حتى تكون العبادة مأموراً بها بالعرض والمجاز.

(٢) أي : على نحو الحقيقة ، وحاصله : أنه يمكن حمل الأمر الاستحبابي على المولوي الاقتضائي الّذي يراد به وجود مصلحة الاستحباب ، لا الاستحباب المولوي الفعلي حتى يجتمع الحكمان الفعليان. وبه يندفع الإشكال أيضا على كلا القولين ، لأن محل النزاع في مسألة الاجتماع هو : اجتماع الحكمين الفعليين ، لا الحكمين اللذين يكون أحدهما فعليا والآخر اقتضائياً ، ولا يقدح اجتماعهما مطلقاً سواء قلنا بجواز الاجتماع أم لا ، فيجتمع الأمر الاستحبابي الاقتضائي والوجوبيّ الفعلي.

(٣) معطوف على «اقتضائيا» يعني : ويمكن حمل الأمر الاستحبابي على المولوي الفعلي لكن مجازاً لا حقيقة ، بأن يكون عروض الاستحباب الفعلي للعبادة بالعرض والمجاز ، ويكون معروض الاستحباب حقيقة عنواناً ملازماً للصلاة جماعة ، كما إذا فرض أن المستحب الشرعي هو اجتماع المسلمين في مكان واحد لفوائد شتى تترتب على اجتماعهم ، فإذا كانت الصلاة جماعة ملازمة لهذا العنوان اتصفت بالاستحباب الفعلي المولوي مجازاً.

(٤) يعني : في مورد كان ملاك الأمر الاستحبابي ملازمة العبادة لعنوان مستحب أو اتحاد العبادة معه ، فضمير «ملازمتها» راجع إلى العبادة ، وضمير «معه» راجع إلى «ما» الموصولة المراد بها العنوان.

١٣٤

أو متحد (*) معه على القول بالجواز (١).

______________________________________________________

فحاصل الجواب عن اجتماع الوجوب والاستحباب يرجع إلى وجوه ثلاثة :

الأول : حمل الأمر الاستحبابي على الإرشادي الّذي هو أمر حقيقة من غير فرق فيه بين القول بجواز الاجتماع والقول بامتناعه.

الثاني : حمله على المولوي الاقتضائي ، وهو أمر أيضا حقيقة ، لكنه في مرحلة الاقتضاء ، لا الفعلية ، وهو يكون فيما إذا كان ملاك الأمر اتحاد العبادة مع عنوان مستحب كالكون في مسجد.

الثالث : حمله على المولوي الفعلي ، لكن تعلقه بالعبادة يكون بالعرض والمجاز ، لكون متعلق الأمر حقيقة العنوان الملازم للصلاة جماعة ، كاجتماع المسلمين في مكان. لكن هذا الوجه مبني على جواز الاجتماع ، لتعلق كل من الأمر الوجوبيّ والندبي بعنوان يخصه.

(١) قيد لـ «متحد» ضرورة أنه على الامتناع يستحيل اجتماع الوجوب والاستحباب الفعليين ، لتضادهما.

__________________

(*) كالكون في المسجد المتحد مع الصلاة. ثم ان العبارة لا تخلو عن اضطراب ، لأن قوله : «متحد» معطوف على «ملازمتها» ليكون المراد به مولوية الأمر الندبي اقتضاء حقيقة كي يصير مثالا لقوله : «ومولوياً اقتضائياً كذلك» ، فالصواب حينئذ تبديل «متحد» بـ «اتحاد».

والحاصل : أن حق العبارة أن تكون هكذا : «وفعليا بالعرض والمجاز فيما كان ملاكه ملازمتها أو اتحادها مع ما هو مستحب».

ثم ان قوله : «فيما كان ملاكه ... إلى قوله ... معه» من اللف والنشر المشوش ، لأن قوله : «ملازمتها» مثال لفعلية الأمر الندبي المولوي مجازاً ، وقوله : «أو متحد» مثال لمولويته الاقتضائية الحقيقية ، فتأمل في العبارة حقه.

١٣٥

ولا يخفى أنه لا يكاد يأتي (*) القسم الأول (١) هاهنا (٢) ، فان (٣) انطباق عنوان راجح على الفعل الواجب الّذي لا بدل له انما يؤكد

______________________________________________________

(١) من العبادات المكروهة ، وهو : كون الترك لانطباق عنوان ذي مصلحة عليه ، أو ملازمته له أرجح من الفعل مع عدم بدل له.

وحاصل ما أفاده : أن ما ذكر في القسم الأول من العبادات المكروهة من كون الترك فيها متحداً أو ملازماً له لا يجري في اجتماع الوجوب والاستحباب كالصلاة في المسجد ، أو جماعة.

وجه عدم الجريان : وضوح الفرق بين المقامين ، حيث ان العنوان في القسم الأول من العبادات المكروهة كصوم يوم عاشوراء ينطبق على الترك أو يلازمه ، فيصير كل من الفعل والترك مستحباً. وفي المقام ينطبق العنوان الراجح على نفس الفعل ، فموضوع الوجوب والاستحباب واحد ، ولا بد من التأكد ، وصيرورة الوجوب أكيداً ناشئاً عن مصلحة أكيدة ، وإلّا لزم اجتماع الضدين ، فلا تتصف الصلاة في المسجد مثلا بالاستحباب الشرعي الا على القول بالجواز ، إذ بناء عليه تكون الصلاة بعنوان الكون في المسجد الّذي ينطبق عليها مستحبة شرعاً ، وبعنوان الصلاتية واجبة ، فيتعدد موضوع الوجوب والاستحباب ، فيمتنع التأكد ، لعدم وحدة موضوع المصلحة الوجوبية والاستحبابية ، والتأكد فرع الاتحاد.

(٢) أي : في اجتماع الوجوب والاستحباب ، كالصلاة في المسجد أو جماعة.

(٣) هذا تقريب عدم جريان ما ذكره في القسم الأول من العبادات المكروهة ، وقد تقدم بيانه آنفاً بقولنا : «وجه عدم الجريان وضوح الفرق ... إلخ».

__________________

(*) الظاهر أنه حذف هنا جملة «ما ذكر» فالصواب أن يقال : «لا يكاد يأتي ما ذكر في القسم الأول هاهنا».

١٣٦

إيجابه ، لا أنه يوجب استحبابه أصلا ولو بالعرض والمجاز (١) الا على القول بالجواز (٢) ، وكذا (٣) فيما إذا لازم مثل هذا العنوان ، فانه (٤) لو لم يؤكد الإيجاب لما يصحح الاستحباب الا اقتضائياً (٥) (*) بالعرض والمجاز فتفطن.

______________________________________________________

(١) لاستحالة اجتماع الضدين في موضوع واحد حقيقي ولو بعنوانين ، كما لا يخفى.

(٢) المبني على كفاية تعدد العنوان ولو في مورد عدم المندوحة ، كما في المقام ، إذ المفروض انحصار الطبيعة في فرد ، وعدم إمكان استيفاء مزية العبادة بفرد آخر منها.

(٣) يعني : وكذا لا يوجب العنوان الراجح استحباب الفعل إذا كان ذلك العنوان ملازماً للعبادة مطلقاً سواء قلنا بالجواز أم الامتناع ، لعدم سراية حكم أحد المتلازمين إلى الآخر.

(٤) أي : ذلك العنوان الملازم لو لم يؤكد الإيجاب لأجل تعدد مركب المصلحتين ، حيث ان مصلحة الإيجاب تقوم بنفس العبادة ، ومصلحة الاستحباب تقوم بالعنوان الملازم لها ، فلا يصحح الاستحباب الفعلي أصلا ، لما مر من عدم سراية حكم أحد المتلازمين إلى الآخر.

(٥) بناء على الامتناع. وأما بناء على الجواز ، فيكون الاستحباب فعلياً بالعرض والمجاز.

__________________

(*) بل فعلياً بالعرض والمجاز ، لجواز طلب أحد المتلازمين استحباباً مع طلب الآخر إيجاباً.

١٣٧

ومنها (١) : أن (*) أهل العرف يعدون من أتى بالمأمور به في ضمن الفرد المحرم مطيعاً وعاصياً من وجهين (٢) ، فإذا أمر المولى عبده بخياطة ثوب ونهاه عن الكون في مكان خاص كما مثل به الحاجبي والعضدي ، فلو خاطه في ذاك المكان عد مطيعاً لأمر الخياطة وعاصياً للنهي عن الكون في ذلك المكان.

وفيه (٣) : مضافاً إلى المناقشة في المثال بأنه ليس من باب

______________________________________________________

(١) يعني : ومن أدلة المجوزين : عد أهل العرف بما هم عقلاء من أتى بالمأمور به في ضمن الفرد المحرم مطيعاً من جهة وعاصياً من جهة أخرى ، كما إذا نهاه المولى عن الكون في مكان خاص وأمره بخياطة ثوبه ، فخاطه في ذلك المكان.

وهذا الحكم من العقلاء يكشف عن حكم العقل بجواز الاجتماع ، وإلّا فلا بد أن يكون مطيعاً أو عاصياً كما لا يخفى.

(٢) أما كونه مطيعاً ، فلإتيانه بالمأمور به كخياطة الثوب في المثال. وأما كونه عاصياً ، فللإتيان به في المكان الّذي نهاه المولى عن الكون فيه.

(٣) قد أجاب المصنف عن الاستدلال المزبور بوجهين :

أحدهما : عدم كون مثال الخياطة مطابقاً للممثل ، إذ يعتبر في مسألة اجتماع الأمر والنهي أن يكون العنوانان المتعلقان للأمر والنهي متصادقين على المجمع بحيث يكون مصداقاً لهما ، وهذا المثال ليس كذلك ، ضرورة أن المنهي عنه ـ وهو الكون ـ من مقولة الأين ، والمأمور به ـ وهو الخياطة ـ من مقولة

__________________

(*) ذكر هذا الوجه في تقريرات شيخنا الأعظم (قده) ثالث حجج المجوزين ، ولكن لم يذكر فيه مثال المتن ، بل المذكور فيه المثال الّذي نتعرض له في التعليقة الآتية إن شاء الله تعالى.

١٣٨

الاجتماع ، ضرورة (١) أن الكون المنهي عنه غير متحد (٢) مع الخياطة وجوداً أصلا ، كما لا يخفى (*) المنع (٣) الا عن صدق أحدهما : اما الإطاعة بمعنى الامتثال فيما غلب جانب الأمر ، أو العصيان فيما غلب جانب النهي ، لما عرفت من البرهان (٤) على الامتناع.

______________________________________________________

الفعل ، لأنها بمعناها المصدري «إدخال الخيط بتوسط الإبرة في الثوب وإخراجه عنه بكيفية خاصة» ومن المعلوم تباين المقولتين ، وعدم اتحادهما ، كما قرر في محله. وكذا الحال إذا أريد بالخياطة معنى اسم المصدر ، وهو : الصفة الخاصة الحاصلة للثوب القائمة به ، فكيف تتحد مع الكون في المكان؟ (١) تعليل لخروج مثال الخياطة عن مسألة الاجتماع.

(٢) قد عرفت وجه عدم اتحاد الخياطة بكلا معنييها وجوداً مع الكون.

(٣) هذا ثاني الوجهين اللذين أجاب بهما المصنف (قده) عن الاستدلال المزبور ، وحاصله : ـ بعد الغض عن الوجه الأول الراجع إلى المناقشة في المثال ـ عدم تسليم صدق الإطاعة والعصيان معاً ، بل المسلم صدق أحدهما اما الإطاعة بناء على ترجيح جانب الأمر ، واما العصيان بناء على ترجيح جانب النهي ، لأنه مقتضى التضاد بين الأمر والنهي ، وعدم كون تعدد الجهة مجدياً في دفع التضاد.

(٤) وهو التضاد بين الأمر والنهي.

__________________

(*) ولذا ذكر في تقريرات شيخنا الأعظم (قده) مثال آخر ، وهو : «ما إذا أمر المولى بالمشي ونهاه عن الحركة في مكان خاص ، فان العبد لو خالف المولى وأوجد المشي المأمور به في ضمن الحركة في ذلك المكان عد عاصياً ومطيعاً يستحق بالأول اللوم والعقاب وبالثاني المدح والثواب».

١٣٩

نعم (١) لا بأس بصدق الإطاعة بمعنى حصول الغرض والعصيان في التوصليات. وأما في العبادات فلا يكاد يحصل الغرض منها الا فيما صدر من المكلف فعلا غير محرم وغير مبغوض عليه ، كما تقدم (٢).

بقي الكلام في حال التفصيل من بعض الأعلام (٣) ، والقول بالجواز عقلا والامتناع عرفاً.

______________________________________________________

(١) استدراك على المنع عن صدق الإطاعة والمعصية معاً ، وأنه لا بد من صدق إحداهما. وحاصل الاستدراك : أنه لا بأس بصدقهما معاً في التوصليات ، لكن معنى الإطاعة حينئذ هو حصول الغرض الداعي إلى الأمر ، حيث انه يسقط بوجود المأمور به في الخارج ولو بغير داعي القربة ، لا إتيان المأمور به بداعي أمره. وعلى هذا ، فلا يحصل الغرض من العبادات إلّا بصدوره من المكلف على الوجه غير المحرم حتى يصلح للعبادية والمقربية ، فلا يصدق الإطاعة والمعصية معاً في العبادات.

(٢) حيث قال في أوائل الأمر العاشر : «وأما فيها فلا مع الالتفات إلى الحرمة أو بدونه تقصيراً ... إلى ان قال : إلّا أنه مع التقصير لا يصلح لأن يتقرب به».

التفصيل بالجواز عرفاً والامتناع عقلا ورده

(٣) كسلطان العلماء والمحقق الأردبيلي وسيد الرياض والسيد الطباطبائي قدس الله تعالى أسرارهم على ما قيل.

والوجه في هذا التفصيل : أنه مقتضى الجمع بين ما استند إليه المجوزون من عدم لزوم محذور من اجتماع الضدين وغيره ، لكون تعدد الجهة مجدياً

١٤٠