منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٣

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٣

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: مطبعة غدير
الطبعة: ٦
الصفحات: ٧٨٣

على العباد مع ثبوت المقتضي لثبوتهما كما عرفت (١) في مسألة الاجزاء كما ربما يحكم بثبوتهما (٢) ، فيكون الصحة والفساد فيه (٣) حكمين مجعولين (٤) (*)

______________________________________________________

(١) ذكره في الوجوه المحتملة ثبوتاً في المأمور به الاضطراري ، والمراد بالمقتضي وجود مقدار من الملاك يصلح لأن يكون مقتضياً لثبوت الإعادة والقضاء.

(٢) أي : الإعادة والقضاء ، وهذا إشارة إلى بعض الموارد التي لا يكون المأمور به الاضطراري والظاهري وافياً بمصلحة المأمور به الأولي الواقعي ، ويحكم الشارع بوجوب الإعادة والقضاء ، فغير الوافي بتمام مصلحة الواقع أو معظمها قد يحكم الشارع بصحته ، فتكون الصحة حكماً مجعولا شرعياً ، وقد لا يحكم بها ، فتكون الصحة حينئذ من اللوازم العقلية ، كصحة المأمور به الواقعي الأولي.

(٣) أي : في غير الإتيان بالمأمور به الواقعي الأولي ، وهو الاضطراري والظاهري.

(٤) لأنه ـ بعد عدم وفاء مصلحة المأمور به الاضطراري والظاهري بمصلحة الواقع ـ يكون الصحة حكماً مجعولا شرعياً ، لا وصفاً انتزاعياً. وحكم الشارع

__________________

(*) لا يخفى أن كون الصحة في المأمور به الثانوي والظاهري مع ثبوت المقتضي لتشريع الإعادة والقضاء لبقاء الملاك المقتضي لتشريعهما حكماً شرعياً مما لا ينبغي الإشكال فيه. وأما جعل الفساد مجعولا شرعياً في المأمور به الثانوي والظاهري ، فغير ظاهر ، بل هو منتزع عن عدم انطباق المأمور به عليه ، فلاحظ وتأمل.

٢٦١

لا وصفين انتزاعيين (١).

نعم (٢) الصحة والفساد في الموارد الخاصة لا يكاد يكونان مجعولين ، بل انما هي (٣) تتصف بهما بمجرد الانطباق على (٤) ما هو

______________________________________________________

بالصحّة حينئذ انما هو للتفضل والتسهيل على العباد ، فالصحة والفساد حينئذ عين سقوط الإعادة والقضاء وثبوتهما.

(١) لفقدان منشأ انتزاعهما وهو المطابقة للمأمور به.

(٢) استدراك على ما ذكره من كون الصحة والفساد أحياناً في الأوامر الاضطرارية والظاهرية من الأحكام الشرعية الوضعيّة.

وحاصل الاستدراك : أن ذلك انما يكون في الطبيعي المأمور به ، دون تطبيقاته وأفراده التي يؤتى بها في الخارج ، لأن انطباق الكلي على الافراد قهري غير قابل للجعل ، فالصحة في الجزئيات الخارجية التي يوجدها المكلف تحصل بمجرد هذا الانطباق ، فلا تتصف الموارد الجزئية بالصحّة والفساد المجعولين بالاستقلال ، بل اتصافها بهما انما يكون بتبع اتصاف كليها بهما.

(٣) أي : الموارد الخاصة تتصف بالصحّة والفساد.

(٤) حق العبارة أن تكون هكذا : «بمجرد انطباق المأمور به عليها».

وبالجملة : فالمراد بالصحّة والفساد في هذه الموارد الجزئية هو انطباق المأمور به الكلي وعدمه عليها ، فلا يناط الصحة والفساد في الافراد الخارجية بسقوط الإعادة والقضاء وثبوتهما ، لإمكان عدم وجوب الإعادة والقضاء كصلاة الجمعة في ضيق الوقت ، إذ ليست صحتها بمعنى إسقاط الإعادة والقضاء ، كما أن فسادها ليس بمعنى ثبوتهما. وكذا كل مضيق لم يشرع له القضاء ، كصوم

٢٦٢

المأمور به ، هذا (١) في العبادات.

وأما الصحة في المعاملات ، فهي تكون مجعولة ، حيث كان ترتب الأثر على معاملة انما هو بجعل الشارع ، وترتيبه عليها ولو إمضاء (٢) ، ضرورة (٣) أنه لو لا جعله (٤) لما كان يترتب عليه (٥) ، لأصالة (٦) (*)

______________________________________________________

كل يوم غير صوم شهر رمضان. فالمراد بالصحّة والفساد في الافراد الخارجية هو انطباق المأمور به عليها وعدمه.

(١) يعني : أن ما ذكرنا من كون الصحة أمراً انتزاعياً أو لازماً عقلياً تارة ، وحكماً شرعياً وضعياً أخرى انما هو في العبادات. وأما الصحة في المعاملات ، فهي حكم وضعي شرعي ، فالملكية والزوجية والحرية وغيرها لا تترتب على المعاملة إلّا بجعل الشارع ولو إمضاءً ، حيث ان غالب المعاملات أمور عرفية أمضاها الشارع ، فليست الصحة فيها حكما عقلياً ولا أمراً انتزاعياً.

(٢) قيد لجعل الشارع ، يعني : ولو كان الجعل بنحو الإمضاء لا التأسيس.

(٣) تعليل لكون الصحة مجعولا شرعياً ، توضيحه : أن الصحة لو لم تكن حكماً شرعياً لما ترتب الأثر على المعاملة ، لأنها بمقتضى أصالة الفساد محكومة بالفساد ، فلا يحكم بصحتها إلّا بحكم الشارع الحاكم على أصالة الفساد.

(٤) أي : جعل الأثر شرعاً ، وضمير «انه» للشأن.

(٥) أي : على المعاملة ، فالأولى تأنيث الضمير.

(٦) تعليل لقوله : «لما كان يترتب» وقد عرفت توضيحه بقولنا : «لأن

__________________

(*) الظاهر أن هذا التعليل عليل ، لأنه لو لا الجعل يستند عدم ترتب الأثر على المعاملة إلى القطع بعدم الجعل ، لا إلى الأصل المتقوم بالشك ، فقوله : «لأصالة الفساد» مستدرك.

٢٦٣

الفساد. نعم (١) صحة كل معاملة شخصية وفسادها ليس إلّا لأجل انطباقها مع ما هو المجعول سبباً وعدمه (٢) ، كما هو (٣) الحال في التكليفية من الأحكام ، ضرورة أن اتصاف المأتي به بالوجوب أو [و] الحرمة أو غيرهما ليس إلّا لانطباقه (٤) مع ما [لما] هو الواجب أو [و] الحرام.

______________________________________________________

المعاملة بمقتضى ... إلخ».

(١) يعني : حال صحة كل فرد من أفراد كلي المعاملة حال صحة كل فرد من أفراد العبادات في عدم كونها حكماً مستقلا مجعولا ، بل هي لأجل انطباق الكلي على أفراده ، فالمجعول بالاستقلال هو صحة كلي المعاملة كالعبادة ، وصحة الافراد الخارجية انما هي لأجل انطباق الكلي العبادي أو المعاملي عليها.

(٢) معطوف على «انطباقها» وضمير «عدمه» راجع إلى انطباقها ، وضميرا «انطباقها وفسادها» راجعان إلى «معاملة» والأولى تبديل «انطباقها» بالمطابقة ، أو «بانطباق ما هو المجعول سبباً أو عدم انطباقه عليها» أي على معاملة شخصية ، كما لا يخفى.

(٣) أي : كما أن انطباق الكلي على الفرد يوجب اتصاف الأفعال الخارجية التي يأتي بها المكلف بالاحكام التكليفية من الوجوب والحرمة ، فان اتصافها بهما انما هو لأجل انطباق الكلي الواجب أو الحرام على الأفعال ، فاتصاف الصلاة الخارجية التي يأتي بها العبد بالوجوب انما هو لأجل انطباق كلي الصلاة الواجبة عليها. وكذا شرب الخمر الخارجي ، فان اتصافه بالحرمة انما هو لأجل انطباق الحرام الكلي عليه.

(٤) الأولى كما عرفت أن يقال : «لانطباق ما هو الواجب أو الحرام عليه».

٢٦٤

السابع (١) : لا يخفى أنه لا أصل في المسألة يعول عليه لو شك في دلالة النهي على الفساد (*). نعم (٢) كان الأصل في المسألة الفرعية الفساد لو لم يكن هناك إطلاق أو عموم يقتضي الصحة في المعاملة ،

______________________________________________________

(٧ ـ تأسيس الأصل)

(١) الغرض من عقد هذا الأمر : أنه لو فرض عدم دلالة النهي على الفساد أو الشك في دلالته عليه ، لعدم نهوض دليل عليها ، أو لعدم تماميته ، فهل يكون هناك أصل يثبت الدلالة عليه أو عدمها أم لا؟.

وحاصل ما أفاده في ذلك : أنه لا أصل في البين يثبت الدلالة أو عدمها ، لأن النهي حين حدوثه اما كان دالا على الفساد واما لم يكن دالا عليه ، وحيث لم يعلم شيء منهما ، فليس له حالة سابقة معلومة لتستصحب ، ولا مجال لأصالة عدم وضع اللفظ لما يوجب الفساد ، لمعارضتها لأصالة عدم وضعه لما لا يستلزمه.

(٢) بعد أن أنكر جريان الأصل في المسألة الأصولية ادعى جريانه في المسألة الفقهية ، ففي المعاملات يجري أصالة الفساد ـ أي عدم ترتب المسبب أعني الأثر المقصود من المعاملة ، لوجود الحالة السابقة له ، بخلاف الأسباب ، إذ لا حالة سابقة لها ، ولذا لا يجري فيها الأصل ، كما عرفت آنفاً ـ مثلا فساد البيع المنهي عنه هو عدم ترتب النقل والانتقال عليه ، وبقاء كل من المالين على ملك مالكه ، إلّا إذا كان هناك إطلاق أو عموم يدل على صحتها ، فلا يجري الأصل

__________________

(*) لا يخفى أنه مع الشك في الدلالة كما لا أصل يجري فيها نفياً وإثباتاً لكون الدلالة هي الكشف والإراءة ، والشك فيها مساوق للقطع بالعدم ، فلا يعقل إثبات الدلالة بالأصل العملي المتقوم موضوعه بالشك.

٢٦٥

وأما العبادة [العبادات] ، فكذلك (١) ، لعدم (٢) الأمر بها مع النهي (*) عنها (**) كما لا يخفى.

______________________________________________________

حينئذ ، لحكومتهما على أصالة عدم ترتب الأثر.

وفي العبادات يجري أيضا أصالة الفساد المراد بها قاعدة الاشتغال ، حيث ان الشك في فراغ الذّمّة ـ بعد القطع باشتغالها بالتكليف ـ يوجب لزوم تحصيل اليقين بالفراغ ، كما لا يخفى.

(١) يعني : أن الأصل فيها الفساد كالمعاملات ، غاية الأمر أن الفساد في المعاملات يكون مقتضى الاستصحاب ، وفي العبادات يكون قضية قاعدة الاشتغال.

(٢) تعليل لكون الأصل في العبادات الفساد.

__________________

(*) بناء على اقتضاء النهي للفساد. وأما بناء على عدمه واحتمال الصحة فيحكم ببقاء الأمر ، عملا بإطلاق دليله ، إذ لا موجب لتخصيص عموم أو إطلاق دليله ، إذ الموجب له دلالة النهي على الفساد ، وهي مفقودة بالفرض ، وكذا الحال فيما إذا كان الشك في الملازمة العقلية بين الحرمة والفساد بناء على كون هذه المسألة من المسائل العقلية كما صنعه بعض ، وذلك لأن الحرمة حين حدوثها اما حدثت ملازمة للفساد ، واما غير ملازمة له ، فليست لها حالة سابقة حتى تستصحب ، والمفروض أن الشك انما هو في استلزام التحريم للفساد.

(**) هذا بناء على توقف صحة الصلاة على الأمر ، وعدم كفاية الملاك فيها وإلّا فلا مسرح للأصل ، للقطع بفسادها حينئذ ، كما هو واضح.

٢٦٦

الثامن (١) : أن متعلق النهي اما أن يكون نفس العبادة ، أو جزئها ، أو شرطها الخارج عنها ، أو وصفها الملازم لها كالجهر (*) والإخفات للقراءة ، أو وصفها غير الملازم ، كالغصبية لأكوان الصلاة المنفكة

______________________________________________________

وحاصل التعليل : أن الفساد انما هو لأجل عدم الأمر الّذي هو الموجب للصحة ، مضافاً إلى وجود ضده وهو النهي.

٨ ـ أنحاء تعلق النهي بالعبادة

(١) الغرض من عقد هذا الأمر : تحرير مورد النزاع ، ولذا تعرض لأقسام متعلق النهي ، وقال : ان ما تعلق به النهي اما نفس العبادة ، كالصلاة في أيام الحيض وصوم العيدين.

واما جزء العبادة ، كقراءة العزائم في الصلاة ، والسجود فيها رياء.

واما شرط العبادة الّذي هو خارج عنها قيداً وداخل فيها تقيداً كالنهي عن الطهارة الحدثية والخبثية بالماء المغصوب.

واما الوصف الملازم للعبادة ، كالجهر بالقراءة في الظهرين ، أو إخفاتها في العشاءين والصبح ، فان القراءة لا توجد الا جهراً أو إخفاتاً ، فلا تنفك عن أحدهما ، فتتحد القراءة وجوداً مع أحدهما ، ولذا عبر عن الجهر والإخفات بالوصف الملازم.

وأما الوصف غير الملازم لها كالغصب ، فان النهي عنه نهي عن غير الملازم ، لأنه قد ينفك عن أكوان الصلاة ، كما إذا وقعت في غير المغصوب ، وقد يتحد معها ، كما إذا وقعت فيه.

__________________

(*) فان كل واحد منهما لا يكاد ينفك عن القراءة وان كانت هي لا تنفك عن أحدهما ، فالنهي عن أيهما يكون مساوقاً للنهي عنها ، كما لا يخفى.

٢٦٧

عنها ، لا ريب (١) في دخول القسم الأول (٢) في محل النزاع ، وكذا القسم الثاني بلحاظ (٣) أن جزء العبادة عبادة ، إلّا (٤) أن بطلان الجزء لا يوجب بطلانها الا مع الاقتصار عليه ، لا مع الإتيان بغيره مما لا نهي

______________________________________________________

(١) هذا شروع في بيان أحكام الأقسام الخمسة المذكورة لمتعلق النهي ، وحاصله : أنه لا شك في دخول القسمين الأولين ، وهما : النهي عن العبادة ، وعن جزئها في محل النزاع ، لما سيأتي منه في المقام الأول من أن النهي المتعلق بالعبادة بنفسها ـ ولو كانت جزء عبادة بما هي عبادة ـ مقتض لفسادها.

(٢) وهو النهي عن نفس العبادة.

(٣) الباء للسببية ، وهذا تعليل لدخول القسم الثاني في محل النزاع.

وحاصل التعليل : أن جزء العبادة كتمامها عبادة ، إذ ليس الكل الا نفس الاجزاء ، فكل جزء من المركب العبادي عبادة ، والنهي عنه نهي عن العبادة ، والنهي يدل على الحرمة ، ولا يمكن اجتماعها مع الصحة عند المتكلم والفقيه كليهما ، لأن العبادة مع الحرمة ليست موافقة الأمر والشريعة ، وكذا ليست مسقطة للإعادة والقضاء.

(٤) غرضه : إبداء الفرق بين القسم الأول والثاني بعد اشتراكهما في أصل البطلان بالنهي ، وحاصل الفرق : أن النهي المتعلق بنفس العبادة يقتضي بطلانها ولا علاج لصحتها كصلاة الحائض ، بخلاف النهي المتعلق بجزء العبادة كقراءة العزائم فيها ، فان النهي عنه لا يقتضي إلّا فساد ذلك الجزء ، ولا يقتضي فساد أصل العبادة إلّا إذا اقتصر على ذلك الجزء الفاسد ، فان الاقتصار عليه يوجب بطلان أصل العبادة لأجل النقيصة العمدية ، لا لأجل اقتضاء النهي عن الجزء فساد الكل ، كما هو قضية النهي عن نفس الكل.

٢٦٨

عنه (١) إلّا أن يستلزم محذوراً آخر (٢).

وأما القسم الثالث (٣) ، فلا يكون حرمة الشرط والنهي عنه موجباً لفساد العبادة الا فيما كان عبادة (٤)

______________________________________________________

(١) أي : عن الجزء الّذي لا نهي عنه ، وقوله : «مما» بيان لقوله : «بغيره» وضمير «عنه» راجع إلى «ما» الموصول المراد به الجزء الّذي لم يتعلق به النهي ، كالإتيان بغير العزائم في الصلاة. وضميرا «عليه وبغيره» راجعان إلى الجزء الّذي تعلق به النهي.

(٢) كالنقيصة التي عرفتها آنفاً ، أو القرآن بين سورتين ، أو فوات الموالاة أو الزيادة العمدية ولو في غير الأركان.

(٣) وهو كون متعلق النهي شرط العبادة ، فحاصل الكلام فيه : أن الشرط على قسمين : أحدهما : أن يكون عبادة كالوضوء.

والآخر : أن يكون توصلياً ، كتطهير البدن والثوب عن النجاسة.

أما القسم الأول كالنهي عن الوضوء بالماء المغصوب ، فالنهي عنه يوجب بطلان الشرط المستلزم لبطلان المشروط ، فلو صلى بهذا الوضوء بطلت صلاته لانتفاء شرطها وهو الوضوء.

وأما القسم الثاني كالنهي عن إزالة النجاسة عن الثوب والبدن بالماء المغصوب فالنهي عنه لا يوجب الفساد ، فلو طهر بدنه أو ثوبه بالماء المغصوب لا تبطل صلاته ، إذ الشرط خارج عن المشروط ، وليس عبادة حتى يسري بطلانه إلى المشروط.

(٤) هذا إشارة إلى القسم الأول الّذي تعرضنا له بقولنا : «أحدهما ان يكون عبادة».

٢٦٩

كي (١) تكون حرمته موجبة لفساده المستلزم لفساد المشروط به.

وبالجملة : لا يكاد يكون النهي عن الشرط موجباً لفساد العبادة المشروطة به لو لم يكن (٢) موجباً لفساده ، كما إذا كانت (٣) عبادة.

وأما القسم الرابع (٤) فالنهي عن الوصف اللازم مساوق للنهي عن موصوفه (٥) ، فيكون النهي عن الجهر في القراءة مثلا مساوقاً للنهي عنها ،

______________________________________________________

(١) تعليل لفساده ، يعني : لو كان الشرط عبادة ، فالنهي عنه ـ لكونه عبادة ـ يوجب فساده ، وضميرا «فساده وحرمته» راجعان إلى الشرط ، وقوله : «المستلزم» صفة «لفساده».

(٢) يعني : لو لم يكن النهي عن الشرط موجباً لفساده ، وقوله : «كما إذا كانت ... إلخ» مثال للمنفي أعني : صورة كون النهي عن الشرط موجباً لفساده أي الشرط ، يعني : كما إذا كان الشرط المنهي عنه عبادة ، فيفسد حينئذ ، ويسري فساده إلى العبادة المشروطة به.

(٣) يعني : كما إذا كان الشرط عبادة ، وتأنيث ضمير «كانت» انما هو باعتبار الخبر.

(٤) وهو : تعلق النهي بالوصف المتحد مع العبادة وجوداً ، فحاصله : أن النهي عن الوصف المتحد كالجهر بالقراءة نهي عن العبادة ، لاتحاده معها ، وعدم المغايرة بينهما وجوداً ، فالنهي عن الوصف لا ينفك عن النهي عن الموصوف الّذي هو عبادة بالفرض ، فالنهي في هذا القسم يندرج في النهي عن جزء العبادة فيلحقه حكمه ، فالمنهي عنه حقيقة هو الموصوف.

(٥) أي : الوصف اللازم المتحد مع موصوفه كالنهي عن الجهر في القراءة ، فالنهي عنه مساوق للنهي عن القراءة.

٢٧٠

لاستحالة (١) كون القراءة التي يجهر بها مأموراً بها مع كون الجهر بها منهياً عنه [عنها] فعلا (٢) ، كما لا يخفى.

وهذا بخلاف ما إذا كان (٣) مفارقاً ، كما في القسم الخامس (٤) ، فان النهي عنه لا يسري إلى الموصوف الا فيما إذا اتحد (٥) معه وجوداً بناء (٦) على امتناع الاجتماع. وأما بناء على الجواز ، فلا يسري إليه ،

______________________________________________________

(١) تعليل لكون النهي عن الوصف المتحد مساوقاً للنهي عن الموصوف.

توضيح وجه الاستحالة : أن الاتحاد الوجوديّ بين القراءة والجهر يوجب امتناع كونها مأموراً بها مع تعلق النهي بالجهر بها فعلا ، لاستلزام ذلك اجتماع الحكمين المتضادين في واحد وجوداً.

(٢) كما هو المفروض ، وحيث ان القراءة أيضا مأمور بها فعلا فيلزم اجتماع الأمر والنهي الفعليين في شيء واحد.

(٣) أي : كان الوصف المتعلق للنهي مفارقاً غير ملازم ، كما في القسم الخامس وهو النهي عن الوصف الّذي قد ينفك عن أكوان الصلاة ، وقد يتحد معها كالغصب ، فان النهي عن الوصف المفارق لا يسري إلى الموصوف إلّا إذا اتحد معه وجوداً بناء على امتناع اجتماع الأمر والنهي ، إذ بناء على الجواز لا يسري ، ولا تفسد به العبادة.

(٤) وهو النهي عن الوصف المفارق كالغصب.

(٥) يعني : إذا اتحد الوصف المفارق مع الموصوف وجوداً.

(٦) قيد للسراية في ظرف الاتحاد الوجوديّ ، يعني : أن السراية حينئذ مبنية على امتناع اجتماع الأمر والنهي ، وأما بناء على جواز الاجتماع ، فلا يسري النهي عن الوصف إلى الموصوف.

٢٧١

كما عرفت في المسألة السابقة (١) ، هذا (٢) حال النهي المتعلق بالجزء أو الشرط أو الوصف (*).

______________________________________________________

(١) يعني : مسألة اجتماع الأمر والنهي.

(٢) أي : ما ذكرناه من دلالة النهي على الفساد هو ما إذا كان متعلقه نفس الجزء أو الشرط أو الوصف.

__________________

(*) لا يخفى أن النهي عن جزء العبادة أو شرطها أو وصفها اللازم كالجهر والإخفات كالنهي عن نفس العبادة يتصور ثبوتاً على وجوه :

أحدها : كون النهي مولوياً محضاً.

ثانيها : كونه وارداً في مقام توهم وجوب شيء في العبادة.

ثالثها : كونه وارداً في مقام دفع توهم مشروعية الإتيان بشيء في العبادة.

رابعها : كونه وارداً في مقام دفع توهم جزئية شيء في العبادة.

خامسها : كونه وارداً في مقام الإرشاد إلى مانعية المنهي عنه للصلاة ، بمعنى كونه منافياً لصحتها. هذه هي الوجوه المتصورة في مقام الثبوت.

وأما مقام الإثبات ، فان شك في إرادة أحد هذه الوجوه من النهي ، فالضابط في حمل النهي على خلاف ظاهره الأولي ـ وهو المولوية ـ أنه ان كان النهي وارداً لبيان دفع توهم وجوب شيء في العبادة ، أو جزئيته لها ، أو مشروعيته فيها ، فوروده في هذا المقام يوجب ظهوره في نفي الأمر المتوهم.

وان لم يكن النهي عن الشيء وارداً في شيء من هذه المقامات ، وكان ناظراً إلى حال المأمور به ، كقوله : «لا تأكل» أو «لا تلبس ما لا يؤكل في الصلاة» كان هذا أيضا موجباً لظهوره في الإرشاد إلى المانعية التي هي خلاف ظاهره الأولي وهو المولوية.

٢٧٢

وأما النهي عن العبادة لأجل أحد هذه الأمور (١) ، فحاله حال

______________________________________________________

(١) بعد أن بين حال النهي عن نفس الجزء أو الشرط أو الوصف أراد أن يبين حال النهي عن العبادة لأجل أحد هذه الأمور.

وحاصل ما أفاده في ذلك : أن النهي عن العبادة لأجل الجزء أو الشرط أو الوصف يتصور على وجهين :

أحدهما : أن تكون هذه الأمور واسطة عروضية ، بأن يكون متعلق النهي حقيقة نفس هذه الأمور ، ويكون النهي عن العبادة بالعناية والمجاز ، كالنهي عن قراءة العزائم في الصلاة ، وعن الجهر بالقراءة في الظهرين ، وعن الغصب في الصلاة والطواف والسعي والتقصير ، فان النهي تعلق حقيقة عن الغصب في الصلاة ، وعن غصب الثوب في حال الطواف والسعي ، وعن غصب المقراض للتقصير. وعليه ، فالنهي عن هذه الأمور يكون من قبيل الوصف بحال الموصوف لأنها منهي عنها حقيقة ، ويكون النهي عن الصلاة من قبيل الوصف بحال المتعلق وبالعرض والمجاز.

ثانيهما : أن تكون هذه الأمور واسطة ثبوتية ـ أي علة لتعلق النهي بالعبادة ـ بحيث يكون النهي متعلقاً حقيقة بنفس العبادة لأجل تلك الأمور ، فالمنهي عنه نفس العبادة ، فيكون من الوصف بحال الموصوف.

فان كان النهي من قبيل الأول ، بأن تعلق حقيقة بنفس هذه الأمور ، فقد مر حكمه.

__________________

فالمتحصل : أن النهي ـ مع الغض عن القرينة ـ وان كان ظاهراً في المولوية إلّا أن وروده في المقامات المزبورة يوجب انقلاب ظهوره في المولوية إلى ظهوره في الإرشاد إلى المانعية ، أو عدم الجزئية ، أو عدم المشروعية ، أو غيرها.

٢٧٣

النهي عن أحدها ان كان من قبيل الوصف بحال المتعلق (١) ، وبعبارة أخرى كان النهي عنها (٢) بالعرض. وان كان (٣) النهي عنه [عنها] على نحو الحقيقة والوصف بحاله (٤) وان (٥) كان بواسطة أحدها إلّا أنه من

______________________________________________________

وان كان من قبيل الثاني كان حكمه ما تقدم من تعلق النهي بنفس العبادة حقيقة. واستظهار أحد النحوين منوط بخصوصيات الموارد.

(١) هذا إشارة إلى الوجه الأول ـ أعني كون المنهي عنه حقيقة نفس تلك الأمور لا العبادة ـ وقد تعرضنا له بقولنا : «أحدهما أن تكون هذه ... إلخ».

(٢) أي : عن العبادة.

(٣) عطف على قوله : «ان كان من قبيل» وهو إشارة إلى الوجه الثاني ، وهو كون النهي متعلقاً بنفس العبادة بسبب هذه الأمور ، وقد تعرضنا له بقولنا : «ثانيهما أن تكون هذه الأمور ... إلخ» كما أن ما قبله وهو قوله : «ان كان من قبيل الوصف بحال المتعلق» إشارة إلى الوجه الأول ، وهو : كون النهي عن العبادة من قبيل الوصف بحال المتعلق ، لكون المنهي عنه حقيقة هو نفس الجزء أو الشرط أو الوصف. وضمير «عنه» راجع إلى العبادة ، والصواب تأنيث الضمير.

(٤) أي : حال نفس المنهي عنه وهو العبادة ، لصيرورتها مبغوضة ولو للبغض الناشئ عن أحد تلك الأمور التي هي الوسائط الثبوتية.

(٥) كلمة «ان» وصلية ، يعني : أن المنهي عنه نفس العبادة وان كان النهي بسبب أحد تلك الأمور ، إلّا أن أحدها من قبيل العلة ، لتعلق النهي بالعبادة ، فضمير «أحدها» راجع إلى الأمور ، وضمير «انه» راجع إلى «أحدها».

٢٧٤

قبيل الواسطة في الثبوت لا العروض (١) كان (٢) حاله حال النهي في القسم الأول (٣) ، فلا تغفل (٤).

ومما ذكرنا في بيان أقسام النهي في العبادة يظهر حال الأقسام في المعاملة ، فلا يكون بيانها على حدة بمهم (٥).

______________________________________________________

(١) يعني : حتى يكون المنهي عنه حقيقة نفس تلك الأمور ، ويصير النهي عن العبادة بالعرض والمجاز ، فتلك الأمور واسطة في العروض ، فهي المعروضة أوّلا وبالذات ، والعبادة ثانياً وبالعرض.

(٢) جواب «ان» الشرطية في قوله : «وان كان النهي عنه» وضمير «حاله» راجع إلى النهي.

(٣) وهو : تعلق النهي بنفس العبادة الّذي تعرض له في أول الأمر الثامن بقوله : «ان متعلق النهي اما أن يكون نفس العبادة». وكونه كالقسم الأول لرجوعه إليه حقيقة ، لأن مناط الفساد هو المبغوضية مطلقاً سواء كانت ذاتية أم عرضية ناشئة عن أحد هذه الأمور.

(٤) عن انقسام النهي عن العبادة لجزئها أو شرطها أو وصفها إلى القسمين المزبورين ، واختلافهما في الحكم كما مر.

(٥) ومن أراد الوقوف عليها فليراجع المطولات سيما التقريرات ، ولا بأس ببيان أمثلة النهي في المعاملات ، فنقول وبه نستعين : أما المعاملة المنهي عنها لذاتها ، فكنكاح المحارم ، والبيع الربوي.

وأما المنهي عنها لجزئها ، فكنكاح الكبير الصغيرة بدون اذن وليها ، وبيع الشاة بالخنزير.

٢٧٥

كما أن تفصيل الأقوال في الدلالة على الفساد وعدمها التي ربما تزيد على العشرة ـ على ما قيل ـ كذلك (١) ، انما [وانما] المهم بيان ما هو الحق في المسألة ، ولا بد في تحقيقه (٢) على نحو يظهر الحال في الأقوال من بسط المقال في مقامين :

الأول : في العبادات ، فنقول وعلى الله الاتكال : ان النهي (٣)

______________________________________________________

والمنهي عنها لشرطها كالنكاح بشرط كون الطلاق بيد الزوجة ، وبيع العنب بشرط أن يعمل خمراً.

والمنهي عنها لوصفها اللازم كنكاح الشغار ، وبيع الحصاة ، والمنابذة.

والمنهي عنها لوصفها المفارق كنكاح المرأة المحرمة ، وأكل لحم الشاة الجلالة.

(١) أي : ليس بمهم.

(٢) أي : في تحقيق الحق على نحو يظهر حال الأقوال.

اقتضاء النهي عن العبادة للفساد

(٣) توضيحه : أن النهي المتعلق بالعبادة سواء كان المنهي عنه عبادة مستقلة كقوله : «لا تصل ، أو لا تطف أو لا تسع في المغصوب» أم جزء لها كقوله : «لا تقرأ العزائم في الصلاة» أم شرطاً لها كقوله : «لا تتوضأ بالماء المغصوب» يقتضي الفساد ، فان العبادة ـ بوصف كونها عبادة ـ لا فرق في فسادها بالنهي المتعلق بها بين هذه الأقسام الثلاثة ، لوجود ملاك الفساد ـ وهو دلالة النهي بطبعه مجرداً عن القرينة على الحرمة الذاتيّة الملازمة للفساد ـ في العبادات ، لأن الحرمة تكشف عن المبغوضية المضادة للمحبوبية المقومة للعبادة ، ولا تجتمع

٢٧٦

المتعلق بالعبادة بنفسها ولو كانت جزء عبادة (١) بما هو عبادة (٢) كما عرفت (٣) مقتض لفسادها ، لدلالته (٤) على حرمتها ذاتا ، ولا يكاد (٥) يمكن اجتماع الصحة بمعنى موافقة الأمر أو الشريعة مع الحرمة.

______________________________________________________

المحبوبية والمبغوضية في شيء واحد ، فلا محالة يكون النهي رافعاً للأمر ، فيفسد المنهي عنه سواء كان نفس العبادة أم جزئها أم شرطها ، غاية الأمر أن سراية فساد الجزء أو الشرط إلى نفس العبادة منوطة بالاكتفاء به ، وعدم تداركه على ما سبق.

(١) أو شرط عبادة.

(٢) هذه الحيثية معتبرة في تحقق الموضوع ، إذ مفروض البحث هو النهي في العبادة ، فلا بد من حفظ هذه الحيثية ليندرج في النهي عن العبادة.

(٣) حيث قال في أوائل الأمر الثامن : «وكذا القسم الثاني بلحاظ ان ... إلخ».

(٤) أي : لدلالة النهي على حرمة العبادة ، وهذا تعليل لاقتضاء النهي للفساد كما عرفت.

(٥) هذا تقريب ملازمة الحرمة للفساد في العبادات ، وامتناع اجتماع الصحة عند المتكلم والفقيه مع النهي الدال على الحرمة الذاتيّة. أما الصحة عند المتكلم فلأنه مع الحرمة لا أمر حتى يتحقق موافقة الأمر أو الشريعة ، ضرورة أن الإتيان بالحرام الذاتي معصية ، ومعها كيف يكون المنهي عنه موافقاً للأمر أو الشريعة وأما الصحة عند الفقيه ، فلما أفاده قدس‌سره بقوله : «وكذا بمعنى سقوط الإعادة» من إناطة الصحة عنده بأمرين :

أحدهما : إتيان العمل بقصد القربة ، إذ بدونه لا تصح العبادة حتى تسقط الإعادة.

٢٧٧

وكذا بمعنى سقوط الإعادة ، فانه (١) مترتب على إتيانها بقصد القربة ، وكانت (٢) مما يصلح لأن يتقرب بها ، ومع الحرمة لا يكاد يصلح لذلك (٣) ، ولا يتأتى (٤) [ولا يأتي] قصدها من الملتفت إلى حرمتها كما لا يخفى.

لا يقال : هذا (٥) لو كان النهي عنها دالا على الحرمة الذاتيّة ،

______________________________________________________

ثانيهما : كونه صالحاً لأن يقرب العبد إلى مولاه ، فان لم يكن كذلك ـ كما إذا كان حراماً ومبغوضاً ـ فلا يصلح للمقربية وان فرض تمشي قصد القربة ، لعدم الالتفات إلى حرمته.

(١) أي : سقوط الإعادة مترتب على إتيان العبادة بقصد القربة ، وهذا إشارة إلى أول الأمرين المزبورين.

(٢) أي : العبادة ، وهذا إشارة إلى ثاني الأمرين المذكورين.

(٣) أي : لأن يتقرب بها ، والأولى أن يقال : «لا تكاد تصلح» لرجوع الضمير المستتر فيهما إلى العبادة. وأما تذكير «يصلح» في قوله : «وكانت مما يصلح» فلا بأس به ، لرجوعه إلى «ما» الموصول.

(٤) معطوف على «يصلح» يعني : ولا يكاد يتأتى قصد القربة من الملتفت إلى حرمة العبادة ، لما مر من تضاد الحرمة مع صحة العبادة وان أمكن قصد القربة بها مع عدم الالتفات إلى الحرمة ، إلّا أن مجرد قصدها مع عدم صلاحية الفعل بنفسه للمقربية لا يكفي في سقوط الإعادة الّذي فسر به الصحة عند الفقيه كما لا يخفى.

(٥) أي : دلالة النهي على الفساد منوطة بدلالته على الحرمة الذاتيّة ، كما اعترف به المستدل بقوله : «لدلالته على حرمتها ذاتا».

٢٧٨

ولا يكاد يتصف بها (١) العبادة ، لعدم (٢) الحرمة بدون قصد القربة ، وعدم (٣) القدرة عليها مع قصد القربة بها الا تشريعاً ، ومعه تكون محرمة

______________________________________________________

وملخص هذا الإشكال : أن النهي لا يدل على الفساد إلّا إذا دل على الحرمة الذاتيّة ، والمفروض عدم دلالته على ذلك ، لامتناع اتصاف العبادة بالحرمة الذاتيّة ، لأنه ان أتى بالعمل بدون قصد القربة كصلاة الحائض لتمرين الصبي فلا يتصف بالحرمة ، لأن المحرم هو العبادة التي تتقوم بقصد القربة ، وبدون قصدها لا يكون العمل عبادة حتى تفسد بحرمتها الناشئة عن النهي.

وان أتى بالعمل مع قصد القربة كان مشرِّعاً ، إذ لا أمر به مع حرمته ، فلا يقدر على نية القربة الا بتشريع أمر ليقصد التقرب به ، وحينئذ يحرم العمل للتشريع ، ومع هذه الحرمة التشريعية يمتنع اتصافه بالحرمة الذاتيّة ، لاجتماع المثلين المستحيل.

فالمتحصل : أن النهي عن العبادة لما لم يدل على الحرمة الذاتيّة ، لامتناع اتصاف العبادة بها ، فلم يدل على الفساد أيضا ، فكيف يمكن الالتزام بدلالته على فساد العبادة كما التزموا بها.

(١) أي : الحرمة الذاتيّة.

(٢) تعليل لعدم اتصاف العبادة بالحرمة الذاتيّة ، وحاصله : أنه بدون قصد القربة لا موضوع للحرمة ، لأن المفروض كون المنهي عنه هي العبادة المتقومة بقصد القربة. ومع قصد القربة تحرم تشريعاً ، إذ لا أمر بها إلّا بالتشريع المحرم ، ومع حرمة التشريع لا تتصف بحرمة أخرى وهي الحرمة الذاتيّة ، لامتناع اجتماع المثلين كاجتماع الضدين.

(٣) معطوف على «عدم الحرمة».

٢٧٩

بالحرمة التشريعية لا محالة ، ومعه (١) لا تتصف بحرمة أخرى (٢) ، لامتناع اجتماع المثلين كالضدين.

فانه يقال (٣) : لا ضير في اتصاف ما يقع عبادة ـ لو كان مأموراً به ـ بالحرمة (٤) الذاتيّة ، مثلا صوم العيدين كان عبادة منهياً عنها ، بمعنى (٥) أنه لو أمر به كان عبادة لا يسقط الأمر به (٦) إلّا إذا أتى به بقصد (٧) القربة ،

______________________________________________________

(١) هذا الضمير وضمير «معه» في قوله : «ومعه تكون» راجعان إلى التشريع وضميرا «عليها وبها» راجعان إلى العبادة.

(٢) وهي الحرمة الذاتيّة.

(٣) لا يخفى أن ما أفاده المصنف «قده» في الجواب عن هذا الإشكال وجوه :

الأول : ما أشار إليه بقوله : «لا ضير في اتصاف ما يقع عبادة ... إلخ» وحاصله : أن ما ذكره المستشكل من امتناع اتصاف العبادة بالحرمة الذاتيّة ممنوع ، إذ لا مانع من اتصاف العبادة الشأنية بها ، فان صوم العيدين عبادة شأنية ، بمعنى : أنه لو أمر به الشارع كان أمره عبادياً ، لا توصلياً ، كالأمر بصوم غير العيدين ، ويمكن أن يكون في صومهما مفسدة ملزمة أوجبت حرمتهما الذاتيّة كحرمة شرب الخمر. هذا في غير العبادة الذاتيّة ، وأما فيها ، فسيأتي الكلام فيها عند تعرض المصنف «قده» لها إن شاء الله تعالى.

(٤) متعلق بقوله : «اتصاف».

(٥) هذا معنى العبادة الشأنية.

(٦) هذا الضمير وضمير «به» في قوله : «لو أمر به» راجعان إلى صوم العيدين.

(٧) متعلق بقوله : «أتى» ، وضمير «به» راجع إلى صوم العيدين.

٢٨٠