منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٣

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٣

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: مطبعة غدير
الطبعة: ٦
الصفحات: ٧٨٣

لتعدد الفرد وإلّا كان بياناً] لما هو المراد من الإطلاق (١).

وبالجملة : لا دوران بين ظهور الجملة في حدوث الجزاء (٢) وظهور (٣) الإطلاق ، ضرورة (٤) أن ظهور الإطلاق يكون معلقاً على عدم البيان ، وظهورها (٥) في ذلك صالح لأن يكون بياناً ، فلا (٦) ظهور له مع ظهورها ، فلا (٧) يلزم على القول بعدم التداخل تصرف أصلا. بخلاف القول

______________________________________________________

(١) أي : إطلاق متعلق الجزاء كالوضوء في المثال المتقدم.

(٢) وأن كل شرط يقتضي جزاء غير الجزاء الّذي يقتضيه شرط آخر ، ولازم هذا الظهور تعدد الجزاء بتعدد الشرط.

(٣) معطوف على «ظهور» ، يعني : لا دوران بين ظهور الجملة في حدوث الجزاء المقتضي لتعدده بتعدد الشرط ، وبين ظهور إطلاق مادة الجزاء ـ كالوضوء ـ في نفس الطبيعة المقتضي لوحدة الجزاء الموجبة لاجتماع الحكمين على واحد.

(٤) تعليل لعدم الدوران ، وقد تقدم بيانه بقولنا : «توضيحه أن الإطلاق يتوقف على مقدمات ... إلخ».

(٥) يعني : وظهور الجملة الشرطية في اقتضائها تعدد الجزاء بتعدد الشرط صالح لأن يكون بياناً لما أريد من الجزاء وهو الفرد لا الطبيعة ، فلا وجه مع هذا الظهور لإرادة الطبيعة حتى يلزم محذور اجتماع الحكمين على واحد ، ومن المعلوم توقف الإطلاق على عدم ما يصلح للقرينية ، فلا دوران أصلا.

(٦) هذا متفرع على كون ظهور الشرط مقتضياً للتعدد ، وبياناً لما أريد من إطلاق متعلق الجزاء ، فمع هذا الظهور لا ينعقد ظهور إطلاق الجزاء في إرادة نفس الطبيعة ، فضمير «له» راجع إلى الإطلاق ، وضمير «ظهورها» إلى الجملة.

(٧) هذا ملخص ما فصله ، وبيانه : أنه ـ بناء على عدم التداخل ـ لا يلزم

٣٨١

بالتداخل (١) (*) كما لا يخفى.

فتلخص بذلك (٢) : أن قضية ظاهر الجملة الشرطية (٣) هو القول بعدم التداخل عند تعدد الشرط.

______________________________________________________

تصرف في ظهور الجملة الشرطية بأحد الوجوه المتقدمة أصلا ، لما مر من أن تعدد الجزاء بتعدد الشرط مما يقتضيه ظاهر الشرط من حدوث جزاء عند كل شرط ، فالحادث عند كل شرط جزاء غير الجزاء الّذي يقتضيه شرط آخر. وهذا بخلاف القول بالتداخل ، لما عرفت من أن البناء عليه يتوقف على التصرف في ظاهر الشرطية بأحد الوجوه المتقدمة.

(١) إذ لا بد حينئذ من التصرف بأحد الوجوه الثلاثة المتقدمة حتى لا يلزم اجتماع الحكمين في واحد.

(٢) أي : بما ذكر من عدم الدليل على شيء من التصرفات الثلاثة المذكورة.

(٣) المراد بظاهرها هو حدوث الجزاء عند كل شرط ، بحيث يكون لكل شرط جزاء مستقل ، ومن المعلوم أن هذا يقتضي عدم التداخل عند تعدد الشرط.

__________________

(*) هذا واضح بناء على ما يظهر من شيخنا العلامة من كون ظهور الإطلاق معلقاً على عدم البيان مطلقاً ولو كان منفصلا. وأما بناء على ما اخترناه في غير مقام من أنه انما يكون معلقاً على عدم البيان في مقام التخاطب لا مطلقاً فالدوران حقيقة بين الظهورين حينئذ وان كان ، إلّا أنه لا دوران بينهما حكماً ، لأن العرف لا يكاد يشك ـ بعد الاطلاع على تعدد القضية الشرطية ـ في أن قضيته تعدد الجزاء ، وأنه في كل قضية وجوب فرد غير ما وجب في الأخرى ، كما إذا اتصلت القضايا وكانت في كلام واحد ، فافهم.

٣٨٢

وقد انقدح مما ذكرناه (١) : أن المجدي للقول بالتداخل هو أحد الوجوه التي ذكرناها (٢) ، لا مجرد كون الأسباب الشرعية معرفات ،

______________________________________________________

(١) أي : من ظهور القضية الشرطية في تعدد المسبب بتعدد السبب سواء أكان الشرط بنفسه مؤثراً أم كاشفاً عما هو السبب المؤثر ، قد اتضح عدم ابتناء مسألة التداخل وعدمه على كون الأسباب الشرعية معرفات أو مؤثرات ، بأن يقال : انه لا بد من الالتزام بالتداخل بناء على المعرفية ، لإمكان أمارية أمور متعددة على مؤثر واحد ، وحكايتها عنه ، ومع احتمال وحدة السبب والمؤثر واقعاً لا وجه للحكم بتعدد المسبب. وبناء على المؤثرية لا بد من الالتزام بعدم التداخل ، لاقتضاء كل مؤثر أثراً مستقلا.

هذا وجه تقريب التداخل وعدمه بناء على المعرفية والمؤثرية. والمصنف (قده) أورد عليه بوجهين :

الأول : ما أشار إليه بقوله : «وقد انقدح مما ذكرنا» وحاصله : أن مجرد معرفية الأسباب الشرعية لا تقتضي المصير إلى التداخل ، لإمكان معرفية الأسباب الشرعية المتعددة لأسباب حقيقية متعددة ، ويكفي في إرادة احتمال تعدد السبب الحقيقي من الأسباب الشرعية المتعددة ظهور الشرطية في تعدد المسبب بتعدد السبب ، فان هذا الظهور يدل على تعدد السبب الحقيقي.

فالنتيجة : أن مجرد كون الأسباب الشرعية معرفات لا يوجب القول بالتداخل.

(٢) وهي الاحتمالات الثلاثة التي ذكرها بقوله : «اما بالالتزام بعدم دلالتها أو الالتزام بكون متعلق الجزاء ... أو الالتزام بحدوث الأثر ... إلخ» وقد اتضح سابقاً وجه كونها مقتضية للتداخل.

٣٨٣

لا مؤثرات ، فلا وجه لما عن الفخر (١) وغيره من ابتناء [هذه] المسألة على أنها (٢) معرفات أو مؤثرات. مع (٣) أن الأسباب الشرعية حالها حال غيرها في كونها معرفات تارة ومؤثرات أخرى ، ضرورة (٤) أن الشرط للحكم الشرعي في الجملة الشرطية ربما يكون مما له دخل

______________________________________________________

(١) وهو فخر المحققين قدس‌سره.

(٢) أي : الأسباب الشرعية معرفات حتى تقتضي التداخل ، أو مؤثرات حتى تقتضي عدمه ، والمراد بقوله : «المسألة» هو مسألة التداخل.

(٣) هذا ثاني الإيرادين على ابتناء القول بالتداخل وعدمه على معرفية الأسباب الشرعية ومؤثريتها ، ومرجع هذا الإشكال إلى ضعف المبنى وهو كون الأسباب الشرعية معرفات لا غير. وجه الضعف : أنه لا دليل على كون الأسباب الشرعية مطلقاً معرفات ، وأنه لا أصل لما اشتهر : من أن الأسباب الشرعية معرفات ، بل هي على نوعين مؤثرات ومعرفات ، كالأسباب غير الشرعية ، فالسبب الشرعي المؤثر كالاستطاعة الموجبة للحج ، والمعرف كخفاء الأذان الّذي هو معرف لما هو المؤثر في وجوب القصر ، وهو البعد الخاصّ. والسبب غير الشرعي المؤثر كطلوع الشمس المؤثر في ضوء العالم ، والمعرف كضوء العالم الّذي هو المعرف لطلوع الشمس ، والأمارة عليه.

(٤) تعليل لكون الأسباب الشرعية كغيرها في كونها معرفات تارة ، ومؤثرات أخرى ، وحاصله : أنه قد يكون شرط الحكم الشرعي مؤثراً في ترتب الحكم عليه ، بحيث لولاه لما وجدت للحكم علة ، كقوله : «إذا شككت فابنِ على الأكثر» وقد يكون أمارة على ما هو المؤثر في الحكم ، كخفاء الجدران الّذي هو أمارة على التجاوز عن حد الترخص الّذي يترتب عليه وجوب القصر.

٣٨٤

في ترتب الحكم ، بحيث لولاه (١) لما وجدت له علة ، كما أنه (٢) في الحكم غير الشرعي قد يكون أمارة على حدوثه (٣) بسببه وان (٤) كان ظاهر التعليق أن له (٥) الدخل فيهما ، كما لا يخفى.

______________________________________________________

كما أنه قد يكون شرط الحكم غير الشرعي مؤثراً ، كطلوع الشمس بالنسبة إلى وجود النهار ، وقد يكون أمارة على ما هو المؤثر ، كضوء العالم الّذي هو أمارة طلوع الشمس الّذي هو المؤثر في وجود النهار.

والحاصل : أن الشرط الشرعي كغيره قد يكون مؤثراً ، وقد يكون أمارة ، فجعل الأسباب الشرعية معرفات دائماً مما لا وجه له.

(١) يعني : لو لا الشرط لما وجدت للحكم علة ، وهي ملاكه الّذي هو المصلحة والمفسدة.

(٢) يعني : كما أن الشرط في الحكم غير الشرعي قد يكون مؤثراً ، وقد يكون أمارة على الشرط المؤثر ، وقد تقدمت أمثلتهما.

(٣) أي : حدوث الحكم بسبب ما له دخل فيه ، وهو الشرط المؤثر حقيقة كأمارية الدخان على النار المؤثرة في احتراق الجسم ، وكضوء العالم في المثال المزبور.

(٤) كلمة «ان» وصلية ، يعني : وان كان الشرط في الحكم الشرعي وغيره قد يكون مؤثراً وقد يكون أمارة ، إلّا أن ظاهر التعليق في القضية الشرطية هو كون الشرط دخيلا ومؤثراً في الحكم ، لا أمارة ومعرفاً ، من غير فرق في ذلك بين السبب الشرعي وغيره ، فلا بد من اتباع هذا الظاهر حتى تقوم قرينة على خلافه.

(٥) أي : للشرط دخلا وتأثيراً في الحكم الشرعي وغيره ، كما هو مبنى

٣٨٥

نعم (١) لو كان المراد بالمعرفية في الأسباب الشرعية أنها ليست بدواعي الأحكام التي هي في الحقيقة علل لها (٢)

______________________________________________________

البحث في مسألة التداخل. وعليه ، فلا تصح دعوى الإيجاب الكلي في الشرط الشرعي ، بأن يقال : انه معرف حتى يكون ذلك مبنى التداخل ، ولا في الشرط غير الشرعي ، بأن يقال : انه مؤثر ، لما عرفت من جريان كل من المؤثرية والمعرفية في الشرط الشرعي وغيره.

(١) استدراك على الإشكال الثاني الّذي أفاده بقوله : «مع أن الأسباب الشرعية حالها حال غيرها ... إلخ» وحاصل الاستدراك : أن المعرف في الأسباب الشرعية ان أريد به ما لا يكون ملاكاً للحكم ـ أعني به المصالح والمفاسد التي هي من الخواصّ الثابتة في الأشياء ـ فالمعرف حينئذ يكون نفس موضوع الحكم أو مما هو دخيل في قوامه كأجزائه وشرائطه ، لا خارجاً عنه وأمارة عليه.

فان كان المراد بالمعرف هذا المعنى ، فلا مانع من دعوى الإيجاب الكلي ، وهو كون الأسباب الشرعية طرّا معرفات بمعنى عدم كونها مصالح ومفاسد.

(٢) أي : للأحكام. ووجه عدم كون الأسباب الشرعية دواعي الأحكام : أن الداعي هو الملاك الموجب لترجح وجود فعل المكلف على عدمه ، ويعبر عنه بالمصلحة ، أو ترجح عدم فعله على وجوده ، ويعبر عنه بالمفسدة. والسبب الشرعي الواقع في حيز أداة الشرط حاك عن الملاك الّذي بوجوده العلمي دخيل في تشريع الحكم ، فلا يمكن أن يكون ملاك الحكم ، وكاشفاً عنه ، ضرورة أن الأسباب الشرعية الواقعة عقيب أدوات الشرط دائماً اما بنفسها موضوعات الأحكام ، واما دخيلة في موضوعاتها كأجزائها وشرائطها ، فهي حينئذ متأخرة رتبة عن ملاكات الأحكام ، فلا يعقل أن تكون هي ملاكات لها وكواشف عنها ، وإلّا لزم كون ما هو متأخر رتبة متقدماً ، فإذا قال : «إذا قرأت آية السجدة فاسجد

٣٨٦

وان كان لها (١) دخل في تحقق موضوعاتها ، بخلاف الأسباب غير الشرعية ، فهو (٢)

______________________________________________________

وإذا سهوت في الصلاة فاسجد» ، فان قضية الشرطية لزوم الإتيان بالسجدة مرتين ، ومن المعلوم عدم كون القراءة والسهو في هاتين القضيتين سبباً واقعياً أي ملاكاً لوجوب السجود ، ولا لازماً للسبب الواقعي ، بل لهما دخل في الموضوع الّذي تقوم به المصلحة الداعية إلى إيجاب السجود ، فالمصلحة مترتبة على الموضوع ، ومتأخرة عنه وجوداً ، وليست في عرضه ، فيمتنع أن يكون الموضوع بقيوده لازماً متأخراً وجوداً عن العلة الغائية بعد وضوح كون العلة الغائية متأخرة وجوداً عن الموضوع وقيوده ، فلا يكون الموضوع المتقدم عليها كاشفاً عنها. نعم إيجاب الشارع كاشف عن العلة الغائية ، ككشف سائر المعلولات عن عللها.

وبالجملة : لو كان المراد بكون السبب الشرعي معرفاً : أنه ليس علة غائية للحكم وان كان علة مادية له ، بأن يكون موضوعاً له ، أو مما له دخل في موضوعه كان له وجه ، لكنه لا يجدي فيما أفاده الفخر «قده» كما سيأتي.

(١) أي : وان كان للأسباب الشرعية دخل في تحقق موضوعات الأحكام ، بخلاف الأسباب غير الشرعية التي هي علل لأحكامها.

(٢) أي : فكون المراد بالمعرفية عدم كون الأسباب الشرعية دواعي الأحكام وان كان له وجه ، حيث ان الأسباب الشرعية حينئذ لا تكون مصالح ومفاسد حتى تستتبع آثاراً متعددة بتعددها ، فلا يتحقق التداخل ، لكنه لا يجدي فيما أراده من ابتناء التداخل على المعرفية ، وذلك لأن المراد بالمعرف حينئذ هو موضوع الحكم الشرعي ، ومن المعلوم أن كل موضوع يقتضي حكماً ، وكل شرط يقتضي حدوث جزاء.

٣٨٧

وان كان له وجه (١) إلّا أنه (٢) مما لا يكاد يتوهم أنه (٣) يجدي فيما همّ وأراد (٤).

ثم انه (٥) لا وجه للتفصيل بين اختلاف الشروط بحسب الأجناس

______________________________________________________

(١) لعدم كون الأسباب الشرعية من قبيل المصالح والمفاسد ، إذ هي حاكية عنها ومعرفة لها ، وقد مر عدم المنافاة بين كونها معرفات تارة ومؤثرات أخرى إذ المراد بمؤثريتها كونها مؤثرات في المصالح والمفاسد التي هي علل الأحكام ، والمراد بمعرفيتها عدم دخلها في الملاكات ، بل هي حاكية عما هو دخيل فيها.

(٢) يعني : إلّا أن كون المراد بالمعرفية في الأسباب الشرعية عدم كونها دواعي الأحكام وعللها لا يجدي في إثبات مرام الفخر «قده» من ابتناء التداخل على المعرفية. وجه عدم الإجداء ما مر آنفاً من قولنا : «وذلك لأن المراد بالمعرف حينئذ هو موضوع الحكم الشرعي» وذلك ينتج ضد ما أفاده الفخر «قده» من التداخل على القول بمعرفية الأسباب الشرعية ، فلا بد ـ بناء على تفسير المعرفية بالموضوعية ـ من الالتزام بعدم التداخل.

(٣) أي : كون المراد بالمعرفية عدم كونها علل الأحكام ودواعيها.

(٤) من التداخل بناء على معرفية الأسباب الشرعية. فالنتيجة : أنه بناء على معرفية الأسباب الشرعية لا يلزم القول بالتداخل ، وقد عرفت آنفاً وجه عدم الإجداء.

(٥) الضمير للشأن. وهذا التفصيل اختاره ابن إدريس «قده» قال في السرائر ص ٢٨ في مسألة وطي الحائض ما لفظه : «فإذا كرر الوطء فالأظهر أن عليه تكرار الكفارة ، لأن عموم الاخبار يقتضي أن عليه بكل دفعة كفارة ، والأقوى عندي والأصح أن لا تكرر في الكفارة ، لأن الأصل براءة الذّمّة ، وشغلها بواجب يحتاج إلى دلالة شرعية. فأما العموم ، فلا يصح التعلق به في مثل هذه المواضع

٣٨٨

وعدمه ، واختيار عدم التداخل في الأول (١) ، والتداخل في الثاني (٢) إلّا توهم (٣)

______________________________________________________

لأن هذه أسماء الأجناس والمصادر ، ألا ترى أن من أكل في نهار شهر رمضان متعمداً ، وكرر الأكل لا يجب عليه تكرار الكفارة بلا خلاف». وقال فيه صلى‌الله‌عليه‌وآله ٥٥ في بحث موجبات سجدتي السهو ما لفظه أيضا : «فان سها المصلي في صلاته بما يوجب سجدتي السهو مرات كثيرة في صلاة واحدة أيجب عليه في كل مرة سجدتا السهو أو سجدتا السهو عن الجميع ، قلنا : ان كانت المرات من جنس واحد فمرة واحدة يجب سجدتا السهو ، مثلا تكلم ساهياً في الركعة الأولى ، وكذلك في باقي الركعات ، فانه لا يجب عليه تكرار السجدات ، بل يجب عليه سجدتا السهو فحسب ، لأنه لا دليل عليه» إلى ان قال : «فاما إذا اختلف الجنس ، فالأولى عندي ، بل الواجب الإتيان عن كل جنس بسجدتي السهو ، لأنه لا دليل على تداخل الأجناس ، بل الواجب إعطاء كل جنس ما تناوله اللفظ ... إلخ».

(١) وهو : اختلاف الشروط بحسب الجنس ، كالبول والنوم.

(٢) وهو : اتحاد الشروط جنساً ، كأفراد النوم.

(٣) يعني : لا وجه لهذا التفصيل الا توهم عدم صحة التشبث بعموم اللفظ في الثاني. وتوضيح هذا التوهم : أن اسم الجنس قد وضع لنفس الطبيعة المهملة التي لا تدل على العموم ، فالنوم مثلا الّذي هو مادة «نمت» في قوله : «إذا نمت فتوضأ» لا يدل إلّا على نفس الطبيعة ، فإذا علق عليها حكم ـ كوجوب الوضوء ـ لا يفهم منه إلّا كون صِرف الوجود من الطبيعة موضوعاً لذلك الحكم ، لا كلّ وجود من وجوداتها ، فموضوعية كل وجود من وجوداتها للحكم منوطة

٣٨٩

عدم صحة التعلق [التعليق] بعموم اللفظ (١) في الثاني (٢) ، لأنه (٣) من أسماء الأجناس ، فمع تعدد أفراد شرط واحد (٤) لم يوجد الا السبب الواحد ، بخلاف الأول (٥) ، لكون (٦)

______________________________________________________

بالدليل ، وهذا بخلاف الشروط المختلفة جنساً ، فان صرف الوجود من كل طبيعة من طبائع الشروط المتعددة شرط مستقل للحكم ، له أثر مستقل ، فلا وجه للتداخل.

بخلاف الشروط المتحدة جنساً ، فانه لا بد من التداخل فيها ، ولا يصح نفى التداخل بعموم اللفظ.

(١) وهو مادة الشرط ، كالنوم في قوله : «إذا نمت» فلا يصح التمسك بالعموم لثبوت الجزاء لكل فرد.

(٢) وهو الشروط المتعددة المتحدة جنساً ، إذ الشرط حينئذ هو نفس الطبيعة الجامعة بين الافراد.

(٣) أي : اللفظ المراد به المادة ـ كالنوم ـ من أسماء الأجناس ، فلا يدل على العموم ، فقوله : «لأنه» تعليل لعدم صحة التمسك بالعموم لإثبات الجزاء لكل فرد.

(٤) كالنوم في المثال لم يوجد الا سبب واحد ، لا أسباب متعددة بتعدد الافراد ، إذ المفروض كون السبب نفس الطبيعة الجنسية وهي واحدة.

(٥) وهو اختلاف الشرط جنساً ، كالنوم والبول.

(٦) تعليل لتعدد الجزاء ، وحاصله : أن كل قضية تقتضي جزاء مستقلا ، فقوله : «إذا نمت فتوضأ وإذا بلت فتوضأ» يدل على وجوب وضوء عقيب كل من الشرطين المختلفين حقيقة ، فان صرف الوجود من كل شرط يقتضي جزاء على حدة.

٣٩٠

كل منها سبباً ، فلا وجه لتداخلها (١). وهو فاسد ، فان (٢) قضية إطلاق الشرط في مثل «إذا بلت فتوضأ» هو حدوث الوجوب عند كل مرة لو بال مرات (٣) ، وإلّا (٤)

______________________________________________________

(١) هذا الضمير وضمير «منها» راجعان إلى الأجناس.

(٢) هذا تقريب فساد التوهم المزبور ، وحاصله : أن ظاهر الجملة الشرطية حدوث الوجوب عقيب كل شرط ، فتعدد النوم مثلا يوجب تعدد وجوب الوضوء ، لصدق قوله : «إذا نمت فتوضأ» على كل فرد من أفراد النوم.

وبالجملة : إطلاق الشرط ـ كالنوم ـ يقتضي كون كل وجود من وجوداته شرطاً للجزاء ، فيتعدد الوضوء بتعدد أفراد النوم ، لا أنه يتداخل.

(٣) لصدق القضية الشرطية على كل مرة.

(٤) أي : وان لم يكن مقتضى إطلاق الشرط حدوث الجزاء بحدوث الشرط بأن كانت الجملة الشرطية ظاهرة في مجرد الثبوت عند ثبوت الشرط ، فلا بد في الشروط المختلفة جنساً من الالتزام بالتداخل أيضا ، لما تقدم سابقاً من رجوع المتعدد إلى الواحد إذا كان الأثر واحداً نظراً إلى امتناع صدور الواحد عن المتعدد بما هو متعدد ، فيكون تأثير النوم والبول في الوضوء بجامع بينهما.

فمع وحدة الجامع ، وعدم كون إطلاق الشرط مقتضياً لحدوث الجزاء عند كل مرة ، بل ظاهراً في الثبوت عند الثبوت لا محيص عن الالتزام بالتداخل في المقامين ، وهما : تعدد الشروط جنساً ، واتحادها كذلك. ومع اقتضاء إطلاق الشرط لحدوث الجزاء عند حدوث الشرط لا بد من الالتزام بعدم التداخل.

والحاصل : أن وحدة جنس الشروط ان كانت مانعة عن ظهور إطلاق الشرط في حدوث الوجوب بحدوث الشرط ، وكانت موجبة لوحدة الجزاء

٣٩١

فالأجناس المختلفة لا بد من رجوعها إلى واحد فيما جعلت شروطاً وأسباباً لواحد ، لما مرت إليه الإشارة من أن الأشياء المختلفة بما هي مختلفة لا تكون أسباباً لواحد. هذا كله (١) فيما إذا كان موضوع الحكم في الجزاء قابلا للتعدد.

وأما ما لا يكون قابلا لذلك (٢) (*) [وأما إذا لم يكن قابلا له]

______________________________________________________

المعبر عنها بالتداخل كان تعدد جنس الشروط أيضا مانعاً عن الإطلاق المزبور بعد رجوع المتعدد إلى الواحد ، لقاعدة عدم تأثير المتعدد بما هو متعدد في واحد ، فإذا رجعت الشروط المتعددة المختلفة جنساً إلى واحد حقيقة كان حالها حال الشروط المتحدة جنساً في التداخل ، فلا وجه للتفصيل بين وحدة جنس الشروط وتعدده.

(١) يعني : أن ما ذكرناه من اختلاف الأصحاب في التداخل وعدمه انما يكون مورده قابلية موضوع الجزاء للتعدد ، كالوضوء الواجب ، حيث يمكن تعدده بتعدد سببه ، اختلف جنسه كالبول والنوم ، أم اتحد كفردين من البول أو النوم.

(٢) أي : للتعدد ، وحاصله : أنه إذا لم يكن موضوع الحكم في الجزاء قابلا للتعدد كالقتل ، فلا بد حينئذ من الالتزام بتداخل الأسباب فيه ، بمعنى : أن السببين مع تقارنهما سبب واحد ، لأن لهما تأثيراً واحداً ، ومع سبق أحدهما على الآخر يؤثر السابق فقط. هذا إذا لم يكن المسبب قابلا للتأكد كالملكية والطهارة والنجاسة ـ على ما قيل ـ فانه إذا حدث سببان للملكية وتقدم أحدهما على الآخر ، فالمؤثر هو المتقدم فقط.

__________________

(*) ومثله ما إذا كان الجزاء في نفسه قابلا للتعدد ، وبلحاظ موضوعه غير

٣٩٢

فلا بد من

______________________________________________________

وإذا كان المسبب قابلا للتأكد ، كما إذا وجب قتل شخص للقصاص والارتداد فيتأكد الحكم وهو وجوب القتل حينئذ ، ويكون من التداخل في المسبب بمعنى حصول وجوب متأكد من سببين.

__________________

قابل له كالوضوء والغسل ، كما إذا قال : «إذا نمت فتوضأ ، وإذا بلت فتوضأ» أو «إذا احتلمت فاغتسل» أو «إذا جامعت امرأتك فاغتسل» فانهما قابلان ذاتاً للتعدد إلّا أنهما بلحاظ الموضوع ـ وهو المحدث بالأكبر أو الأصغر ـ لا يقبلان التعدد ، لأن ارتفاع الحدث يتحقق بالوضوء الأول أو الغسل الأول. فلا يقبلان التكرر بعنوان رفع الحدث ، كما لا يخفى.

ثم ان المحقق النائيني «قده» ـ على ما في تقرير بحثه ـ عدّ من موارد التداخل ما إذا كان الشرط بنفسه غير قابل للتعدد ، كما في سببية الإفطار في شهر رمضان لوجوب الكفارة ، فان أفراد المفطرات وان كانت كثيرة إلّا أن غير الوجود الأول منها لا يتصف بكونه مفطراً ، فلا محالة يكون الوجود الأول هو الموجب للكفارة دون غيره.

أقول : ان كان لفظ «المفطر» ظاهراً في نقض الصوم بحيث يتبادر منه هذا المعنى في موارد إطلاقه ، فالامر كما أفاده «قده» ، لوضوح عدم صدق هذا العنوان الا على الوجود الأول من المفطرات ، وعليه فلا وجه لتعدد الكفارة بارتكاب أفراد المفطر.

ولكنه غير ظاهر ، لكثرة إطلاق لفظ المفطر عرفاً في غير الصائم ، فيقال : «أنت صائم أم مفطر» فكثرة إطلاق المفطر على من لم ينوِ الصوم في مقابل من نواه مما لا سبيل إلى إنكاره. نعم ظهوره في نقض الصوم مسلم فيما إذا أسند إلى الصائم أو الصوم ، كما في نصوص استحباب إفطار الصائم مثل «من أفطر

٣٩٣

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

صائماً فله من الأجر كذا» ، ونصوص الإفطار عمداً ، كقوله : «من أفطر صومه عمداً فعليه كذا» لكنه مع القرينة.

وكيف كان ، فان ثبت ظهور لفظ الإفطار في نقض الصوم كان وجوب الكفارة مترتباً على عنوان المفطر الفعلي ، فلا تجب الكفارة إلّا بارتكاب صرف الوجود من المفطرات ، دون غيره من الوجودات ، فلا وجه لتعدد الكفارة إلّا إذا ثبت بدليل خاص ترتبها على ذات المفطر كالجماع ، لا عنوانه ، كما ذهب إليه السيد وصاحب المستند ، للنصوص المعلقة للكفارة على عنوان الجماع ، أو ملاعبة الأهل أو العبث بها من دون تعرض فيها لعنوان الإفطار ، فحينئذ يكون مقتضى أصالة عدم التداخل وجوب تكرار الكفارة بتكرر الوطء.

إلّا أن يدعى انصراف هذه النصوص إلى الإفطار بالجماع ، لا نفس الجماع تعبداً.

نعم لا بأس بالاستدلال على وجوب تعدد الكفارة بمكاتبة الفتح بن يزيد الجرجاني المروية عن العيون والخصال : «أنه كتب إلى أبي الحسن عليه‌السلام يسأله عن رجل واقع أهله في شهر رمضان من حلال أو حرام في يوم عشر مرات قال عليه‌السلام : عليه عشر كفارات ، فان أكل أو شرب فكفارة يوم واحد» (١) ، وعن العلامة (ره) : «روي عن الرضا عليه‌السلام : أن الكفارة تتكرر بتكرر الوطء» (٢) وقريب منه غيره. لكن لم تثبت حجية هذه الروايات.

وان كان لفظ «المفطر» ظاهراً في كل من تناول المفطرات سواء نوى الصوم أم لا ، فمن ارتكب شيئاً من ذوات المفطرات وجب عليه الكفارة ، بأن يكون ارتكاب

__________________

(١) الوسائل كتاب الصوم الباب ١١ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ١.

(٢) المختلف ص ٥٧.

٣٩٤

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

كل واحد منها موجباً للكفارة ، دخل في مسألة تداخل الأسباب أو المسببات ومن المعلوم أن مقتضى الأصل عدم التداخل ، هذا.

لكن الإنصاف ظهور الإفطار في نقض الصوم ، فلا يجب الكفارة إلّا بارتكاب صرف الوجود من المفطرات. ومع الغض عنه تجري البراءة في وجوب تكرير الكفارة حتى بالنسبة إلى الجماع ، لضعف النصوص ، وعدم الجبر ، وان كان الأحوط فيه التعدد.

ومن هنا يظهر حكم التاركين للصوم بلا عذر شرعي ، فانهم إذا لم يتناولوا شيئاً من المفطرات لا يجب عليهم الكفارة ، وحكمهم حكم الصائم الناوي لقطع الصوم مع عدم تناول المفطر في وجوب القضاء فقط ، وإذا تناولوا المفطر فالأحوط التكفير وان قلنا بظهور الإفطار في نقض الصوم.

لكن في بعض نصوص الكفارة ما يكون ظاهراً في خلافه ، وأن المراد به ما يعم نقض الصوم ، ويشمل ما إذا لم ينوِ الصوم أصلا ، كخبر المشرقي عن أبي الحسن عليه‌السلام قال : «سألته عن رجل أفطر من شهر رمضان أياما متعمداً ما عليه من الكفارة ، فكتب : من أفطر يوماً من شهر رمضان متعمداً فعليه عتق رقبة مؤمنة ، ويصوم يوماً بدل يوم» (١) فان من البعيد جداً نية صوم كل يوم من تلك الأيام ، ثم إبطاله ، بل ظاهره ـ ولو بقرينة خارجية ـ عدم نية الصوم في تلك الأيام ، فالمراد عدم تحقق الصوم منه في تلك الأيام ، فمعنى «أفطر» ترك الصوم ، كإفطار المعذورين كذي العطاش والشيخ ، والشيخة ، والحامل المقرب

__________________

(١) الوسائل ج ٧ ، الباب ٨ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ١١.

٣٩٥

تداخل الأسباب فيما لا يتأكد المسبب ، ومن التداخل فيه (١) فيما يتأكد (*).

______________________________________________________

(١) أي : في المسبب القابل للتأكد.

__________________

ونحوها ، فانهم يفطرون ـ أي لا يصومون ـ لا أنهم يصومون ويفطرون.

ولا ينافي ما ذكرناه في خبر المشرقي من إرادة عدم نية الصوم من قوله : «أفطر من شهر رمضان أياما» جملة من النصوص الأخر من اشتمالها على «من أفطر يوماً من شهر رمضان متعمداً» (١). وجه عدم المنافاة : أن المراد بالإفطار في تلك النصوص إمّا نقض الصوم ، وإما تركه مع استعمال ما يبطل الصوم ذاتاً وان لم يكن مبطلا فعلا ، لعدم نية الصوم ، وإمّا الأعم من ذلك.

فان أريد به نقض الصوم ، فلا تنافي ، إذ لا مانع من موضوعية كل من نقض الصوم ، وعدم نيته مع استعمال المبطل لوجوب الكفارة. وان أريد به الأعم فكذلك ، لأنه أحد الفردين ، يعني : أن استعمال المبطل ذاتاً يوجب الكفارة سواء أكان عن نية الصوم أم لا ، ولا وجه للتقييد بعد عدم التنافي بينهما.

فالمتحصل : أن وجوب الكفارة على تارك الصوم بدون عذر مع ارتكابه للمبطلات ذاتاً للصوم لو لم يكن أقوى ، فلا أقل من كونه أحوط ، والله العالم.

(*) لا يخفى أن المصنف «قده» لم يتعرض لحكم الشك في التداخل ان لم يظهر من نفس الجملة الشرطية شيء من التداخل وعدمه ، ولا بأس بالتعرض له إجمالا ، فنقول : ان الشك في تداخل الأسباب يرجع إلى الشك في التكليف الزائد على الواحد الّذي هو المتيقن ، لأنه مع عدم التداخل يكون

__________________

(١) الوسائل ج ٧ ، الباب ٨ من أبواب ما يمسك عنه الصائم ، الحديث ١ و ٢ وغيرهما.

٣٩٦

فصل

الظاهر : أنه لا مفهوم للوصف (١) وما بحكمه مطلقاً (٢) ، لعدم ثبوت

______________________________________________________

(مفهوم الوصف)

(١) الظاهر من الوصف هو النعت النحوي كقوله : «أكرم زيداً العالم» لكن المراد به هنا بقرينة قوله : «وما بحكمه» هو كل ما يكون قيداً للموضوع سواء كان نعتاً أم حالا أم غيرهما ، مما عدا الغاية والاستثناء ، فيشمل الوصف الضمني ، كقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لأن يمتلئ بطن الرّجل قيحاً خير من أن يمتلئ شعراً» حيث ان امتلاء البطن كناية عن الشعر الكثير ، فمفهومه ـ بناء على القول بمفهوم الوصف ـ عدم البأس بالشعر القليل ، وعدم مرجوحيته.

(٢) يعني : سواء اعتمد الوصف على الموصوف ، كقوله : «في الغنم السائمة زكاة» أم لا كقوله : «في السائمة زكاة» ، وسواء كان الوصف مثبتاً ، كقوله : «في الذهب والفضة المسكوكين زكاة» ، أم منفياً كقوله : «لا تصلِّ في أجزاء الحيوان غير مأكول اللحم».

__________________

كل شرط مقتضياً لحكم مستقل ، ومع التداخل يكون مجموع الشرطين مقتضياً لحكم واحد ، فيكون الشك في تكليف زائد ، ومن المعلوم أنه مجرى أصل البراءة ، هذا إذا كان الشك في تداخل الأسباب.

وأما إذا كان في تداخل المسبب ، فيرجع فيه إلى قاعدة الاشتغال ، لكون الشك حينئذ في كفاية فعل واحد عن المتعدد ، وامتثال التكاليف المتعددة به ، ومن المعلوم أن الشك على هذا يكون في فراغ الذّمّة وسقوط التكليف ، وهذا من موارد جريان قاعدة الاشتغال.

٣٩٧

الوضع (١) (*) ، وعدم (٢) لزوم اللغوية بدونه ، لعدم انحصار الفائدة به (٣) ،

______________________________________________________

(١) هذا أحد الأمور التي استدل بها على المفهوم ، وحاصله : أنه قد استدل لمفهوم الوصف بوضعه للدلالة على العلية المنحصرة التي هي الخصوصية المستلزمة لانتفاء الحكم عند انتفاء الوصف. وهذا الاستدلال غير سديد ، لعدم ثبوت هذا الوضع.

(٢) معطوف على «عدم». وهذا ثاني الأمور التي استدل بها على ثبوت المفهوم للوصف ، وحاصله : أنه لو لم يدل الوصف على المفهوم لكان ذكره لغواً ، إذ لا فائدة فيه الا ذلك ، فلا بد من الالتزام بالمفهوم صوناً لكلام الحكيم عن اللغوية.

(٣) هذا الضمير وضمير «بدونه» راجعان إلى المفهوم ، وقوله : «لعدم

__________________

(*) بل دعوى ثبوت عدمه قريبة جداً ، إذ بناء على ثبوت الوضع يلزم اللغوية ، لأن استعمال الوصف في تعليق السنخ في غاية القلة ، فيلغو حكمة الوضع ، ويلزم مجازية أكثر موارد الاستعمال. مع أنه لا سبيل إلى دعوى الوضع للمفهوم ، ضرورة أن دلالة الوصف ـ كالشرط ـ على المفهوم منوطة بكونه قيداً للحكم ، بمعنى دخله فيه دخلا علّياً ، لا قيداً للموضوع ، ودخيلا فيه ، ومن المعلوم ظهور القضية الوصفية كقولنا : «زيد العالم يجب إكرامه» في كون الوصف ـ الّذي هو نعت ـ قيداً لموصوفه قبل ورود الحكم عليه ، ولذا قيل : ان الوصف من قيود المفاهيم الإفرادية المتقدمة على النسبة ، بمعنى كون الوصف قيداً للموضوع الّذي هو معنى افرادي ، فيكون زيد العالم واجب الإكرام كالموضوع في القضية اللقبية ، كقوله : «زيد واجب الإكرام» في عدم الدلالة على المفهوم.

٣٩٨

وعدم (١) قرينة أخرى (٢) ملازمة له (٣) ، وعليته (٤) فيما إذا استفيدت غير (٥)

______________________________________________________

انحصار» إشارة إلى ضعف الدليل المزبور ، وتوضيحه : أن فائدة الوصف ليست منحصرة بالمفهوم حتى يكون ذكره ـ مع عدم دلالته على المفهوم ـ لغواً موجباً للالتزام بدلالته عليه صوناً لكلام الحكيم عن اللغوية. بل لذكر الوصف فوائد أخرى ، كالاهتمام بشأن الموصوف ببيان فضائله ومزاياه ...

إلى غير ذلك من الفوائد المقصودة من ذكر الأوصاف المذكورة في علم البلاغة.

(١) هذا ثالث تلك الأمور التي استدل بها على ثبوت المفهوم للوصف ، وحاصله : إثبات المفهوم له ، بدعوى الانصراف إلى كون الوصف علة منحصرة لثبوت الحكم ، فيلزم انتفاء سنخ الحكم بانتفاء الوصف.

وأجاب عنه المصنف بمنع الانصراف ، وكونه على فرضه بدوياً ناشئاً عن الأكملية.

(٢) يعني : غير لزوم اللغوية الموجبة للالتزام بدلالة الوصف على المفهوم صوناً لكلام الحكيم عنها. وقد عرفت عدم قرينيتها لدلالته على المفهوم ، لعدم انحصار فائدة الوصف بالمفهوم. والمراد بقوله : «أخرى» كالانصراف إلى العلية التامة الموجبة لانتفاء سنخ الحكم بانتفاء الوصف.

(٣) أي : للمفهوم ، و «ملازمة» صفة لقوله : «قرينة».

(٤) أي : وعلية الوصف في موارد عليته غير مقتضية للمفهوم. وهذا إشارة إلى تفصيل العلامة «قده» بين الوصف الّذي يكون علة والّذي لا يكون علة بذهابه إلى المفهوم في الأول ، وعدمه في الثاني.

(٥) خبر قوله : «وعليته» ورد لهذا التفصيل. وحاصل الرد : أن العلية الصرفة لا تقتضي المفهوم ، لما مر سابقاً من أن العلة ما لم تكن منحصرة لا تدل على المفهوم ، ولا توجب الانتفاء عند الانتفاء.

٣٩٩

مقتضية له ، كما لا يخفى. ومع كونها (١) بنحو الانحصار وان كانت مقتضية له ، إلّا أنه (٢) لم يكن من مفهوم الوصف ، ضرورة أنه (٣) [أن] قضية العلة الكذائية (٤) المستفادة من القرينة عليها (٥) في خصوص مقام ، وهو (٦) مما لا إشكال فيه ، ولا كلام ، فلا (٧) وجه لجعله تفصيلا في محل

______________________________________________________

(١) يعني : ومع كون العلية بنحو الانحصار وان كانت مقتضية للمفهوم ، لكنه أجنبي عن موضوع البحث ، إذ موضوعه كون الوصف بنفسه دالا على الانحصار المستلزم للمفهوم ، لا بقرينة خارجية.

وبالجملة : فدلالة الوصف على العلية المنحصرة بالقرينة الخارجية أجنبية عن المقام ، ولا تكون حجة على دلالة الوصف مطلقاً على المفهوم.

(٢) يعني : أن هذا المفهوم ليس من مفهوم الوصف المبحوث عنه ، وضمير «له» راجع إلى المفهوم.

(٣) أي : المفهوم ، وقوله : «ضرورة» تعليل لعدم كونه من مفهوم الوصف المقصود.

(٤) أي : العلة المنحصرة المستفادة من القرينة الخارجية.

(٥) أي : العلة الكذائية في خصوص مقام قامت القرينة على كون الوصف علة منحصرة فيه ، فان قيام قرينة في مورد خاص على ذلك لا يثبت المدعى وهو دلالة الوصف في حد ذاته ومع الغض عن القرينة الخارجية على المفهوم.

(٦) يعني : وكون المفهوم مقتضى القرينة مما لا إشكال فيه ، لكنه غير مراد من البحث عن مفهوم الوصف ، إذ المقصود ـ كما مر ـ دلالة الوصف بنفسه على المفهوم ، لا بالقرينة.

(٧) هذا إشارة إلى رد التفصيل المتقدم ، وهو ثبوت المفهوم للوصف الّذي

٤٠٠