منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٣

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٣

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: مطبعة غدير
الطبعة: ٦
الصفحات: ٧٨٣

كما سيظهر.

الثالث (١) : انه (٢) حيث كانت نتيجة هذه المسألة مما تقع في طريق الاستنباط كانت من المسائل الأصولية (*) ، لا من مباديها

______________________________________________________

٣ ـ صدق ضابط المسألة الأصولية على المقام

(١) الغرض من عقد هذا الأمر إثبات كون مسألة الاجتماع من المسائل الأصولية ، وأن ذكرها في علم الأصول ليس استطرادياً.

(٢) الضمير للشأن. هذا تقريب كون هذه المسألة أصولية ، وحاصله : أن ضابط المسألة الأصولية ـ وهو وقوع نتيجة البحث كبرى لقياس ينتج حكماً كلياً فرعياً ـ ينطبق على هذه المسألة ، فبناء على جواز اجتماع الأمر والنهي يقال : الصلاة في المكان المغصوب مثلا مما اجتمع فيه الأمر والنهي ، وكل ما اجتمع فيه الأمر والنهي يصح ، فالصلاة المذكورة تصح. وبناء على الامتناع تنعكس النتيجة ، فالصحة وكذا الفساد اللذان هما من الأحكام الفرعية يستنبطان من هذه المسألة.

__________________

اختصاص النزاع في مسألة النهي في العبادة بدلالة اللفظ أو لا ، وعدم كونه على تقدير تسليمه فارقاً ثانياً.

(*) لو نوقش في كون الصحة والفساد من الأحكام الفرعية ، لأنهما منتزعان من انطباق متعلق الخطاب على الموجود الخارجي وعدمه ، وليسا من الأحكام الشرعية حتى يكون ما يقع في طريق استنباطهما مسألة أصولية ، فالأولى تبديلهما بوجوب الإعادة وعدمها ، نعم يكون الصحة والفساد في الأحكام الظاهرية من المجعولات الشرعية.

٢١

الأحكامية (١) ، ولا التصديقية (٢) (*) ، ولا من المسائل الكلامية (٣) ،

______________________________________________________

(١) كما عن العضدي وتبعه شيخنا البهائي (قده). والمبادي الأحكامية هي اللوازم والحالات المترتبة على الأحكام الشرعية كالوجوب والحرمة ، فاللوازم مثل ملازمة وجوب شيء لوجوب مقدماته أو لحرمة ضده ، والحالات مثل كون الأحكام متضادة حتى لا تجتمع في موضوع واحد ، كاجتماع الوجوب والحرمة في الصلاة في المكان المغصوب أو اللباس كذلك ، ومثل أنها بعد ثبوت التضاد بينها هل يجتمع الوجوب والحرمة منها في واحد ذي وجهين أم لا ، لكونه كالواحد ذي وجه ، فيكون بحث اجتماع الأمر والنهي من مبادئ الأحكام الشرعية ، لكونه من لوازم الحكم الشرعي.

(٢) أي : المبادي التصديقية لمسائل علم الأصول ، كما عن تقريرات شيخنا الأعظم الأنصاري (قده). والمبادي التصديقية لمسائل علم الأصول هي التي يبتني عليها مسائله. والمراد بالمسألة الأصولية هنا هو التعارض والتزاحم ، ومن المعلوم أنهما في المقام مبنيان على إجراء تعدد الجهة وعدمه ، فعلى الأول يكون باب الاجتماع من صغريات التزاحم ، لعدم التعارض بين الأمر والنهي بعد تعدد متعلقهما. وعلى الثاني يكون من صغريات التعارض ، لوحدة المتعلق.

ومن هنا يظهر وجه كون هذه المسألة من المبادي التصديقية للمسألة الأصولية ، إذ يتوقف إحراز كون الاجتماع من التزاحم أو التعارض على وحدة المتعلق في المجمع وتعدده.

(٣) وهي التي يبحث فيها عن أحوال المبدأ والمعاد ، وما يصح ويمتنع

__________________

(*) لا يخفى أن المحقق النائيني (قده) اختار كون مسألة الاجتماع من المبادي التصديقية للمسألة الأصولية ، ببيان : أنه لا يترتب فساد المعاملة على القول

٢٢

ولا من المسائل الفرعية (١) وان كان فيها جهاتها (٢) ، كما لا يخفى ،

______________________________________________________

عليه سبحانه وتعالى. وكون هذه المسألة منها انما هو بملاحظة أن النزاع يكون في فعله عزوجل وأنه هل يجوز جعل حكمين لفعل واحد ذي عنوانين ، واجتماع إرادة وكراهة في واحد كذلك أم لا؟

(١) المسألة الفرعية هي فعل المكلف المتعلق به حكم شرعي. ووجه كون مسألتنا منها هو إمكان النزاع في صحة الصلاة في المغصوب وعدمها ، أو في وجوب إعادتها وعدمه.

(٢) يعني : وان كان في مسألة الاجتماع الجهات المذكورة ، وهي المبادئ الأحكامية ، والتصديقية وغيرهما كما عرفت تقريبها.

__________________

بالامتناع ، بل القول به يوجب دخول دليلي الوجوب والحرمة في باب التعارض ، وإجراء أحكامه عليهما ليستنبط من ذلك حكم فرعي ، وقد عرفت فيما تقدم أن الميزان في كون المسألة أصولية هو ترتب نتيجة فرعية عليها بعد ضم صغرى نتيجة تلك المسألة إليها ، وليس ذلك متحققاً فيما نحن فيه قطعاً.

أقول : الملاك في أصولية مسألة هو ترتب حكم فرعي عليها. وبعبارة أخرى : كل مسألة تقع نتيجة البحث فيها في طريق الاستنباط تكون هي مسألة أصولية ، ومن المعلوم أن نتيجة البحث في هذه المسألة كون دليلي الوجوب والحرمة من باب التعارض أو التزاحم ، فان كانا من الأول ترتب عليه الفساد ، وان كانا من الثاني ترتب عليه الصحة.

والحاصل : أن نتيجة البحث هنا كنتيجة البحث عن حجية خبر الواحد مثلا. فان نتيجته هي حجيته ، فتدبر.

٢٣

ضرورة (١) أن مجرد ذلك (٢) لا يوجب كونها منها إذا كانت فيها (٣) جهة أخرى يمكن عقدها معها من المسائل ، إذ لا مجال حينئذ (٤) لتوهم عقدها من غيرها في الأصول (٥).

______________________________________________________

(١) تعليل لكون هذه المسألة من المسائل الأصولية ، وقد عرفت تقريب أصوليتها.

(٢) أي : وجود تلك الجهات في هذه المسألة لا يوجب كونها من المبادي الأحكامية أو غيرها مما ذكر مع وجود جهة أخرى فيها تدرجها في المسائل الأصولية ، وتصحح عقدها أصولية كما صح عقدها من علوم أخرى ، لوجود جهاتها فيها ، لصحة تداخل العلوم في بعض المسائل ، كما تقدم في صدر الكتاب.

وعلى هذا فلا وجه لجعلها من غير المسائل الأصولية ، كما لا مرجح لعدها من المسائل غير الأصولية.

(٣) أي : في مسألة الاجتماع جهة أخرى كالكلامية والفقهية يمكن عقد المسألة المذكورة مع تلك الجهة الأخرى من المسائل الأصولية.

(٤) أي : حين وجود الجهة الأصولية في هذه المسألة ، وقوله : «إذ لا مجال» تعليل لعقد المسألة أصولية ، وحاصله : أنه مع وجود الجهة الأصولية فيها المصححة لعدها من مسائل علم الأصول لا وجه لجعلها من غير مسائله.

ولا لدعوى : أن ذكرها في علم الأصول استطراد ، إذ لا معنى للاستطراد مع كونها من مسائله كما لا يخفى.

(٥) متعلق بـ «عقدها» ، و «من غيرها» حال من ضمير «عقدها» يعني : لا وجه لتوهم عقد هذه المسألة في علم الأصول مع عدم كونها من مسائله ، فضمير «عقدها» راجع إلى المسألة. و «غيرها» إلى المسائل.

٢٤

وان (١) عقدت كلامية في الكلام (٢) ، وصح عقدها فرعية أو غيرها بلا كلام ، وقد عرفت (٣) في أول الكتاب أنه لا ضير في كون مسألة واحدة يبحث فيها عن جهة خاصة (٤) من مسائل علمين ، لانطباق جهتين عامتين على تلك الجهة كانت بإحداهما من مسائل علم ، وبالأخرى من آخر ، فتذكر.

الرابع : أنه قد ظهر (٥) من مطاوي ما ذكرناه أن المسألة عقلية ، ولا اختصاص للنزاع في جواز الاجتماع والامتناع فيها بما إذا كان

______________________________________________________

(١) يعني : مع الجهة الأصولية في مسألة الاجتماع تعد من مسائلها وان عدت أيضا من المسائل الكلامية والفرعية وغيرهما ، لوجود جهاتها في مسألتنا. فالأولى إضافة «أيضا» بعد «عقدت».

(٢) أي : في علم الكلام ، كما تعرض لهذه المسألة جمع من المتكلمين كالمحقق الطوسي (قده) في التجريد وشراحه.

(٣) غرضه نفي الضرر عن تداخل علمين أو أكثر في مسألة واحدة ، كما تقدم في صدر الكتاب.

(٤) وهي اجتماع الأمر والنهي في مسألتنا ، فانها تندرج في مسائل علمين لانطباق جهتين عامتين عليها ، وهما : جهة البحث عن فعل المبدأ المبحوث عنها في علم الكلام ، وجهة الوقوع في طريق الاستنباط المبحوث عنها في علم الأصول.

٤ ـ التفصيل بين الامتناع عرفاً والجواز عقلا

(٥) وجه الظهور : ما ذكره في الفرق بين هذه المسألة والمسألة الآتية من إجداء تعدد الجهة في دفع محذور اجتماع الضدين وعدمه ، ومن المعلوم أن

٢٥

الإيجاب والتحريم باللفظ ، كما ربما يوهمه (١) التعبير بالأمر والنهي الظاهرين في الطلب بالقول ، إلّا أنه (٢) لكون (٣) الدلالة عليهما غالباً بهما (٤) كما هو أوضح من أن يخفى. وذهاب البعض (٥) إلى الجواز

______________________________________________________

هذا المعنى ليس مدلولا للفظ ، إذ مرجعه إلى جواز اجتماع الحكمين المتعلقين بطبيعتين مغايرتين متصادقتين على شيء واحد وعدمه ، وهذا حكم عقلي لا ربط له بدلالة اللفظ ، فالمراد بالأمر والنهي هو الوجوب والحرمة سواء أكان الدال عليهما اللفظ أم غيره كالإجماع والضرورة.

(١) أي : يوهم اختصاص النزاع باللفظ التعبير ... إلخ.

(٢) أي : التعبير ، وغرضه توجيه التعبير بالأمر والنهي الظاهرين في الطلب بالقول بدلاً عن التعبير بالحكم.

وحاصل التوجيه : أن غلبة كون الدال على الأمر والنهي هو اللفظ دعت إلى التعبير عن الوجوب والحرمة بالأمر والنهي الظاهرين في الطلب بالقول ، ولعل هذه الغلبة أوجبت ذكرها في مباحث الألفاظ.

(٣) هذا الجار والمجرور خبر «ان».

(٤) هذا الضمير راجع إلى الأمر والنهي ، وضمير «عليهما» إلى الإيجاب والتحريم.

(٥) إشارة إلى القول المنسوب إلى المحقق الأردبيلي (قده) في شرح الإرشاد ، وهو التفصيل بالجواز عقلا والامتناع عرفاً ، بمعنى : أن اللفظ يدل عرفاً على الامتناع ، وهذه الدلالة تكشف عن كون النزاع في دلالة الأمر والنهي على الجواز وعدمه ، وهما ظاهران في الطلب بالقول ، فتكون المسألة لفظية أيضا ، إذ لو كانت عقلية محضة لم يكن وجه للامتناع العرفي الّذي مرجعه إلى ظهور اللفظ في الامتناع.

٢٦

عقلا ، والامتناع عرفاً ليس (١) بمعنى دلالة اللفظ ، بل بدعوى أن الواحد بالنظر الدّقيق العقلي اثنان (٢) ، وأنه بالنظر المسامحي العرفي واحد ذو وجهين (٣) ، وإلّا (٤) فلا يكون معنى محصل (*) للامتناع العرفي ،

______________________________________________________

(١) لما كان التفصيل المزبور بظاهره مستبشعاً وجهه المصنف (قده) بما حاصله : أن المراد بالامتناع العرفي ليس دلالة اللفظ عليه عرفاً حتى يكون النزاع في دلالة اللفظ ، بل المراد به كون الواحد ذي الوجهين ـ كالصلاة في المغصوب ـ واحداً بنظر العرف المبني على المسامحة ، ومتعدداً بنظر العقل المبني على المداقة ، لكون متعلق الأمر طبيعة مغايرة للطبيعة التي تعلق بها النهي.

(٢) فيجوز الاجتماع ، لكون الواحد متعدداً بالنظر الدّقيق العقلي.

(٣) فلا يجوز الاجتماع ، وضمير «أنه» راجع إلى الواحد.

(٤) يعني : وان لم يكن مراد المفصل ما ذكرناه من الامتناع العرفي الّذي مرجعه إلى كون الواحد ذي الوجهين واحداً بنظر العرف ، لم يكن للامتناع العرفي معنى محصل ، لأن امتناع اجتماع الضدين حكم عقلي ، فلا معنى لجوازه عقلا وامتناعه عرفاً.

__________________

(*) بل يمكن أن يقال : ان معناه المحصل دلالة كل من الأمر والنهي على عدم صاحبه ، فالامر يدل على اتصاف متعلقه بالمحبوبية المحضة ، والنهي يدل على اتصاف مبغوضية متعلقه كذلك ، ومن المعلوم امتناع اجتماعهما في واحد ، لاستلزامه اجتماع النقيضين ، وهما المطلوبية وعدمها ، والمبغوضية وعدمها.

٢٧

غاية الأمر (١) دعوى دلالة اللفظ على عدم الوقوع (٢) بعد اختيار جواز الاجتماع (٣) ، فتدبر جيداً.

الخامس (٤) : لا يخفى أن ملاك (٥) النزاع في جواز الاجتماع والامتناع يعم (٦) جميع أقسام الإيجاب والتحريم ، كما هو (٧) قضية إطلاق

______________________________________________________

(١) يعني : بعد توجيه الامتناع العرفي بكون الواحد ذي الوجهين واحداً بنظر العرف غير جائز عقلا اجتماع الحكمين فيه لا بد من التصرف في قول المفصل : «ان الاجتماع ممتنع عرفاً» بأن يقال : ان اللفظ يدل على عدم الوقوع بعد اختيار الجواز عقلا ، لا أنه يدل على الامتناع حتى يتوهم كون المسألة لفظية.

(٢) يعني : لا على الامتناع ليتوهم كون المسألة لفظية.

(٣) يعني : عقلا كما هو مقصود المفصل.

٥ ـ شمول النزاع لأقسام الأمر والنهي

(٤) الغرض من عقد هذا الأمر تحرير محل النزاع في مسألة الاجتماع.

(٥) وهو بناء على الامتناع لزوم اجتماع الضدين ، وكون ما يتصادق عليه الطبيعتان اللتان تعلق بهما الأمر والنهي واحداً.

(٦) حاصل ما أفاده : ان محل النزاع في هذه المسألة جميع أقسام الإيجاب والتحريم ، لوجهين :

الأول : عمومية الملاك وهو لزوم اجتماع الضدين على القول بالامتناع ، لأن مطلق الوجوب سواء أكان نفسياً أم غيرياً أم عينياً أم كفائياً أم تعيينياً أم تخييرياً يضاد مطلق الحرمة سواء كانت تعيينية أم تخييرية أم نفسية أم غيرية.

والثاني : إطلاق الأمر والنهي المذكورين في عنوان المسألة ، حيث انهم عنونوها بقولهم : «اختلفوا في جواز اجتماع الأمر والنهي» ومن المعلوم أن هذا الإطلاق يشمل جميع أقسام الإيجاب والتحريم.

(٧) أي : العموم ، وهذا إشارة إلى الوجه الثاني الّذي أشرنا إليه بقولنا :

٢٨

لفظ الأمر والنهي. ودعوى (١) الانصراف إلى النفسيين التعيينيين العينيين في مادتهما (٢) غير خالية عن الاعتساف (٣) وان (٤) سلم في صيغتهما (٥) ، مع (٦) أنه فيها ممنوع.

نعم (٧) لا يبعد دعوى الظهور والانسباق من الإطلاق بمقدمات

______________________________________________________

«والثاني إطلاق الأمر والنهي».

(١) هذا إشارة إلى ما في الفصول : من دعوى انصراف الأمر والنهي في العنوان إلى النفسيين العينيين التعيينيين ، واختصاص النزاع بهما ، فهو يلتزم بالوجه الأول ، وينكر الوجه الثاني بدعوى الانصراف.

(٢) أي : في مادتي الأمر والنهي.

(٣) إذ لا منشأ لدعوى الانصراف إلّا غلبة الوجود أو كثرة الاستعمال ، ولا يصلح شيء منهما للتقييد ، كما ثبت في محله.

(٤) كلمة «ان» وصلية.

(٥) أي : صيغتي الأمر والنهي ، كما تقدم في مباحث صيغة الأمر ، حيث قال (قده) : «السادس قضية إطلاق الصيغة كون الوجوب نفسياً عينياً تعيينياً».

(٦) يعني : مع أن الانصراف في صيغتهما أيضا ممنوع ان أريد به التبادر الوضعي الّذي يجدي في تقييد الإطلاقات.

(٧) استدراك على منع الانصراف ، وحاصله : أنه يمكن دعوى انصراف العينية وأختيها وانسباقها من الإطلاق بمقدمات الحكمة ، لا من التبادر الوضعي الّذي منعناه. وتقريب هذه الدعوى : أن غير العينية والتعيينية والنفسيّة يحتاج ثبوتاً وإثباتاً إلى مئونة زائدة ، فعدم البيان كاشف عن عدم إرادة غيرها ، كما مر مفصلا في بحث الأوامر.

٢٩

الحكمة غير الجارية (١) في المقام ، لما عرفت من عموم الملاك لجميع الأقسام ، وكذا (٢) ما وقع في البين من النقض والإبرام. مثلا (٣) إذا أمر بالصلاة والصوم تخييراً بينهما ، وكذلك [إذا] نهى عن

______________________________________________________

(١) وجه عدم جريان مقدمات الحكمة المنتجة لإرادة العينية وأختيها في المقام ما عرفته : من عمومية الملاك ، وهو منافاة الوجوب والحرمة بأنحائهما ، وهذه المنافاة والمضادة قرينة عقلية مانعة عن إرادة الإطلاق ، وبيان لعدمه ، ومن المعلوم إناطة الإطلاق بعدم البيان.

(٢) يعني : وكذا لا يخلو عن التعسف ما قيل : من عدم تصوير اجتماع الوجوب والتحريم التخييريين ، لأجل عدم جواز الحرام التخييري كما عن المعتزلة ، استناداً إلى استحالة الحرام التخييري ، حيث ان النهي عن شيئين تخييراً يرجع إلى النهي عن مفهوم أحدهما ، وهو يقتضي حرمتهما معاً ، لأن الإتيان بكل واحد منهما إيجاد لمفهوم أحدهما ، فيكون كلاهما حراماً ، ومن المعلوم استحالة تعلق النهي بواحد منهما فقط ، وتعلقه بكليهما في آن واحد.

(٣) مثال للوجوب والحرمة التخييريين.

أما الأول ، فكوجوب الصلاة والصوم تخييراً ، بأن يكون الواجب أحدهما ، وكوجوب الصوم أو الإطعام أو العتق في الكفارة.

وأما الثاني ، فكالنهي عن التصرف في الدار والمجالسة مع الأغيار تخييراً بأن يكون الحرام أحدهما ، وحينئذ فإذا صلى في الدار مع مجالسة الأغيار كان كالصلاة التي أمر بها تعييناً في الدار المنهي عنها ، كذلك في جريان نزاع جواز اجتماع الأمر والنهي وعدمه ، لما عرفت من كون الوجوب بأقسامه مضاداً للحرمة كذلك.

٣٠

التصرف في الدار والمجالسة (١) مع الأغيار فصلى فيها مع مجالستهم كان حال الصلاة فيها (٢) حالها ، كما إذا أمر بها تعييناً ، ونهى عن التصرف فيها كذلك (٣) في جريان النزاع في الجواز والامتناع ومجيء (٤) أدلة الطرفين ، وما (٥) وقع من النقض والإبرام في البين ، فتفطن.

السادس : [أنه] ربما يؤخذ في محل النزاع قيد المندوحة (٦) (*)

______________________________________________________

(١) يعني : النهي عن التصرف في الدار والمجالسة مع الأغيار تخييراً.

(٢) أي : في الدار حال الصلاة التي أمر بها تعييناً في كونها جامعة لعنوانين أحدهما واجب وهو الصلاة ، والآخر حرام وهو التصرف في الدار.

(٣) أي : في الدار تعييناً.

(٤) معطوف على «جريان» يعني : وفي مجيء أدلة الطرفين.

(٥) معطوف على «جريان» أيضا ، يعني : وفيما وقع من النقض والإبرام.

٦ ـ اعتبار المندوحة وعدمه

(٦) وهي السعة ، والغرض من عقد هذا الأمر التنبيه على ما ذكره بعض من اعتبار قيد المندوحة في محل النزاع.

توضيحه : أن الخلاف في جواز الاجتماع وعدمه يختص بصورة قدرة المكلف على موافقة الأمر والنهي معاً ، بأن يتمكن من فعل الصلاة مثلا في غير المكان أو اللباس المغصوبين ، وإلّا فلا بد من القول بالامتناع ، وإلّا لزم التكليف بالمحال ، لكون الأمر بالصلاة حينئذ تكليفاً بما لا يطاق.

وبالجملة : فلا محيص عن اعتبار المندوحة في مورد النزاع.

__________________

(*) الظاهر عدم اختصاص هذا القيد بالقول بتعلق الطلب بالطبائع ، بل

٣١

في مقام الامتثال ، بل ربما قيل بأن الإطلاق (١) انما هو للاتكال على الوضوح ، إذ بدونها (٢) يلزم التكليف بالمحال. ولكن التحقيق مع

______________________________________________________

(١) أي : عدم تقييدهم في العنوان بالمندوحة.

(٢) أي : بدون المندوحة يلزم التكليف بالمحال ، لعدم القدرة على الفعل والترك معاً.

__________________

يجري النزاع في اعتبار المندوحة على القول بتعلقه بالافراد أيضا ، إذ لا تفاوت بين القولين إلّا في دخل خصوصيات الافراد في الطلب ، ووقوعها في حيزه ، وذلك لا يوجب اختصاص النزاع بكون الطلب متعلقاً بالطبائع ، لأن الافراد على القولين مأمور بها ، غاية الأمر أن خصوصيات الافراد مطلوبة على القول بتعلق الطلب بالافراد ، وغير مطلوبة على القول الآخر. لكن بعض المحشين (قده) خص نزاع اعتبار المندوحة وعدمه بالقول بتعلق الطلب بالطبائع ، وقال في وجهه ما لفظه : «وذلك لأنه على القول بتعلقه بالافراد لا نعقل المندوحة ، لأن الافراد المتداخلة التي سرى إليها الأمر من جانب والنهي من آخر لا مندوحة فيها ، ومجرد وجود أفراد أخر مأمور بها مثلها يمكن امتثال الأمر التخييري بإتيانها لا يصح المندوحة في هذه الافراد وطلبها»

وأنت خبير بأن تعلق الطلب بالفرد ليس معناه عزل الطبيعة رأساً عن موضوعيتها للطلب ، بل معناه تركب متعلق الطلب من الطبيعة ولوازمها الوجودية المقومة لفردية الفرد. وعليه ، فيمكن تعلق الطلب بفرد خال عن الحزازة الموجبة لتعلق النهي به ، ويمكن تعلقه بفرد مشتمل على الحزازة كذلك ، وتتحقق المندوحة بالفرد الخالي عن الحزازة. وقد نقلنا عين العبارة لتنظر فيها لعلك تستظهر منها ما يلائم مقصوده.

٣٢

ذلك (١) عدم اعتبارها (٢) فيما هو المهم في محل النزاع من (٣) لزوم المحال وهو اجتماع الحكمين المتضادين ، وعدم (٤) الجدوى في كون موردهما موجهاً بوجهين في (٥) دفع [رفع] غائلة اجتماع الضدين ، أو عدم

______________________________________________________

(١) يعني : مع دعوى كون الإطلاق للاتكال على وضوح اعتبار المندوحة.

(٢) أي : المندوحة.

(٣) بيان لـ «ما» الموصول في قوله : «فيما هو المهم».

(٤) معطوف على «لزوم».

(٥) متعلق بـ «الجدوى». وتوضيح ما أفاده في التحقيق هو : أن الكلام في عدم جواز اجتماع الأمر والنهي يقع في مقامين :

الأول : لحاظه في مرحلة الجعل ، بأن يقال : هل يمتنع تعلق حكمين متضادين في نفسهما ـ مع قطع النّظر عن مقام الامتثال ـ بشيء واحد ذي وجهين ، لعدم كون تعدد الوجه موجباً لتعدد المتعلق ، كامتناع تعلق الوجوب والحرمة بشيء واحد ذي وجه واحد ، أم يمكن ذلك ، لكون تعدد الوجه موجباً لتعدد المتعلق ، ومغايرة متعلق الوجوب لمتعلق الحرمة.

الثاني : لحاظه في مرحلة الامتثال ، بأن يقال : هل يصح التكليف بأمر غير مقدور للمكلف ، أم لا؟ لعجزه ، وعدم قدرته على امتثاله ، كالأمر بالضدين المتزاحمين الواجدين للملاك ، فان القصور حينئذ من ناحية المكلف ، لعدم قدرته على الامتثال والجمع بينهما.

والمهم والغرض الأصلي من البحث في مسألة الاجتماع هو المقام الأول ، لأن محط النزاع هو كون تعدد الوجه مجدياً في تعدد المتعلق حتى يجوز اجتماع حكمين متضادين ، ويرتفع به غائلة اجتماع الضدين ، أو عدم كونه مجدياً في ذلك ، وأنه كوحدة الجهة في لزوم اجتماع الضدين.

٣٣

لزومه (١) وأن (٢) تعدد الوجه [الجهة] يجدي في رفعها (٣) [دفعها] ولا يتفاوت [ولا تفاوت] في ذلك (٤) أصلا وجود المندوحة وعدمها ، ولزوم (٥) التكليف بالمحال بدونها محذور (٦) آخر لا دخل له بهذا النزاع (٧). نعم (٨) لا بد من اعتبارها في الحكم بالجواز فعلا لمن يرى التكليف بالمحال محذوراً ومحالا ، كما ربما لا بد من اعتبار أمر آخر (٩) في الحكم به

______________________________________________________

وبالجملة : فمركز البحث مقام الجعل دون الامتثال ، والمندوحة أجنبية عن ذلك ، ولذا قيل بالامتناع حتى مع وجود المندوحة ، نعم هي معتبرة في مقام الإطاعة ، إذ بدون المندوحة لا يقدر على الامتثال.

(١) أي : لزوم المحال ، و «عدم» معطوف على «لزوم».

(٢) معطوف على «عدم لزومه» ومبين لوجه عدم لزوم المحال.

(٣) أي : رفع غائلة اجتماع الضدين.

(٤) أي : في جواز الاجتماع وعدمه من ناحية تعدد الوجه.

(٥) الواو للاستئناف ، وضمير «بدونها» راجع إلى المندوحة.

(٦) خبر «لزوم» يعني : محذوراً آخر غير محذور استحالة نفس التكليف.

(٧) أي : نزاع جواز الاجتماع وعدمه من ناحية اجتماع الضدين.

(٨) بعد أن نفي اعتبار المندوحة عن المقام الأول ـ أعني مقام الجعل ـ أثبت اعتبارها في مقام الامتثال ، وحاصله : أنه ـ بعد البناء على الجواز ، لكون تعدد الجهة مجدياً ومانعاً عن لزوم التكليف المحال ـ استدرك ، وقال باعتبار المندوحة في مقام الامتثال عند من يرى التكليف بما لا يطاق محالا ، وأما عند من لا يراه محالا ، فلا تعتبر أيضا.

(٩) من سائر الأمور المعتبرة في حصول الفعل.

٣٤

كذلك (١) أيضا (٢).

وبالجملة : لا وجه لاعتبارها الا لأجل اعتبار القدرة على الامتثال ، وعدم (٣) لزوم التكليف بالمحال. ولا دخل له (٤) بما هو المحذور في المقام من التكليف المحال ، فافهم واغتنم.

السابع (٥) : أنه ربما يتوهم تارة أن النزاع في الجواز والامتناع

______________________________________________________

(١) أي : فعلا ، وضمير «به» راجع إلى الجواز.

(٢) يعني : كاعتبار المندوحة. والحاصل : أنه لا وجه لاعتبار المندوحة أصلا الا لأجل دخلها في القدرة على الامتثال.

(٣) معطوف على «اعتبار» ، يعني : لا وجه لاعتبار المندوحة الا لأجل عدم لزوم التكليف بالمحال.

(٤) يعني : لاعتبار المندوحة ، وغرضه التنبيه على مغايرة التكليف بالمحال الّذي جوزه بعض للتكليف المحال الّذي لم يجوزه أحد ، وأن مسألة الاجتماع من قبيل الثاني لا الأول ، والمندوحة رافعة للزوم التكليف بالمحال ، لا التكليف المحال الّذي هو مورد البحث.

٧ ـ هل يبتنى النزاع على تعلق الأحكام بالطبائع؟

(٥) الغرض من عقد هذا الأمر الإشارة إلى توهمين ودفعهما. أما التوهم الأول الّذي أشار إليه بقوله : «تارة ان النزاع ... إلخ» فحاصله : أن الخلاف في الجواز وعدمه مبني على تعلق الأحكام بالطبائع ، فالقائل بالجواز يرى تعدد المتعلق ماهية وان اتحد وجوداً ، لكونه عبارة عن طبيعتين متغايرتين ماهية ، فلا مانع من اجتماع الحكمين. والقائل بالامتناع يرى اتحادهما وجوداً وماهية ، والواحد لا يتحمل حكمين متضادين.

٣٥

يبتني على القول بتعلق الأحكام بالطبائع ، وأما الامتناع على القول بتعلقها بالافراد فلا يكاد يخفى. ضرورة (١) لزوم تعلق الحكمين بواحد شخصي ولو كان ذا وجهين (٢) على هذا القول (٣).

وأخرى أن القول بالجواز مبني على القول بالطبائع. لتعدد متعلق الأمر والنهي ذاتاً عليه (٤) وان اتحد [اتحدا] وجوداً ، والقول (٥)

______________________________________________________

وأما بناء على تعلق الأحكام بالافراد ، فلا محيص عن القول بالامتناع ، ولا وجه للجواز على هذا القول أصلا. فنزاع الجواز وعدمه مبني على تعلق الأحكام بالطبائع ، دون الافراد.

(١) تعليل للامتناع على القول بتعلق الأحكام بالافراد ، وحاصله : أن لوازم الوجود مقومة لفردية الفرد ، وموجبة لتشخصه ، فإذا كانت دخيلة في موضوع الأمر والنهي لزم اجتماع الضدين ، فلا بد حينئذ من الذهاب إلى عدم الجواز.

(٢) لكونه فرداً لماهيتين.

(٣) أي : القول بتعلق الأحكام بالافراد ، والجار متعلق بـ «لزوم».

وأما التوهم الثاني ، وهو الّذي أشار إليه بقوله : «وأخرى ان القول بالجواز ... إلخ» فتوضيحه : أن جواز الاجتماع مبني على تعلق الأحكام بالطبائع ، لتعدد متعلق الأمر والنهي ذاتاً وان اتحدا وجوداً. وعدم جواز الاجتماع مبني على تعلق الأحكام بالافراد ، لكون المتعلق حينئذ شخصاً وجزئياً حقيقياً ، ومن المعلوم امتناع تحمله لحكمين متضادين ، فلا محيص حينئذ عن القول بالامتناع.

(٤) أي : على القول بتعلقها بالطبائع.

(٥) معطوف على «القول» في قوله : «وأخرى ان القول» يعني : وأن القول بالامتناع مبني على القول بتعلقها بالافراد.

٣٦

بالامتناع على القول بالافراد ، لاتحاد متعلقهما شخصاً خارجاً ، وكونه (١) فرداً واحداً.

وأنت خبير بفساد كلا التوهمين ، فان (٢) تعدد الوجه ان كان

______________________________________________________

(١) معطوف على «اتحاد» يعني : ولكون متعلق الأمر والنهي فرداً واحداً يمتنع اجتماع حكمين متضادين فيه.

والفرق بين التوهمين : أنه على الأول يمكن القول بالامتناع مع القول بتعلق الأحكام بالطبائع أيضا ، وعلى الثاني لا يمكن ذلك ، بل لا بد على القول بالطبائع من الذهاب إلى الجواز ، فالقول بالامتناع على التوهم الثاني مبني على تعلق الأحكام بالافراد. وعلى التوهم الأول غير مبني عليه ، بل يمكن ذلك حتى على تعلقها بالطبائع أيضا كما تقدم ، هذا.

وأما دفع التوهمين فقد أشار إليه بقوله : «وأنت خبير بفساد كلا التوهمين ... إلخ» وحاصله : أن تعدد الوجه في مسألة الاجتماع ان كان مجدياً في تعدد المتعلق بحيث لا يضر معه الاتحاد الوجوديّ ، فذلك مجدٍ حتى على القول بتعلق الأحكام بالافراد ، لكون الموجود الخارجي الموجه بوجهين مجمعاً لفردين موجودين بوجود واحد يتعلق بأحدهما الأمر ، وبالآخر النهي. وان لم يكن تعدد الوجه مجدياً في تعدد المتعلق ، فلا بد من البناء على الامتناع حتى على القول بتعلق الأحكام بالطبائع ، لاتحاد الطبيعتين المتعلقتين للأمر والنهي وجوداً ، فالاتحاد الوجوديّ ان كان مانعاً عن تعدد المتعلق كان مانعاً مطلقاً من غير فرق بين تعلق الأحكام بالطبائع والافراد ، وان لم يكن مانعاً عنه لم يكن مانعاً كذلك. فقد ظهر فساد كلا التوهمين ، وجريان النزاع على كل من القولين.

(٢) هذا تقريب الفساد ، وقد عرفته آنفاً.

٣٧

يجدي بحيث لا يضر معه الاتحاد بحسب الوجود والإيجاد (١) لكان يجدي ولو على القول بالافراد ، فان الموجود الخارجي الموجه بوجهين يكون فرداً لكل من الطبيعتين ، فيكون مجمعاً لفردين موجودين بوجود واحد ، فكما (٢) لا يضر وحدة الوجود بتعدد الطبيعتين لا (٣) يضر بكون المجمع اثنين بما هو مصداق وفرد لكل من الطبيعتين ، وإلّا (٤) لما كان يجدي أصلا حتى على القول بالطبائع كما لا يخفى ، لوحدة الطبيعتين وجوداً ، واتحادهما خارجاً ، فكما (٥) أن وحدة

______________________________________________________

(١) الفرق بينهما اعتباري ، إذ الأول ملحوظ في نفسه ، والثاني بالنسبة إلى موجده.

(٢) كما هو مسلم عند المتوهم القائل بالجواز على القول بتعلق الأحكام بالطبائع.

(٣) يعني : كذلك لا يضر وحدة الوجود بكون المجمع اثنين بناء على القول بتعلق الأحكام بالافراد ، فيكون المجمع بالدقة فردين لطبيعتين يتعلق بإحداهما الأمر وبالأخرى النهي.

(٤) معطوف على قوله قبل أسطر : «ان كان يجدي بحيث ...» يعني : وان لم يكن تعدد الوجه مجدياً في تعدد المتعلق لما كان مجدياً أصلا حتى على القول بالطبائع ، لاتحاد الطبيعتين خارجاً.

(٥) هذه نتيجة ما ذكره من عدم كون الاتحاد الوجوديّ قادحاً في الاثنينية ، يعني : فكما أن وحدة الوجود لا تضر بتعدد الطبيعة ـ بناء على القول بتعلق الأحكام بالافراد ـ فكذلك لا تضر بتعدد الفرد ، فما يقع في الخارج من خصوصيات

٣٨

الصلاتية والغصبية في الصلاة في الدار المغصوبة وجوداً غير ضائر بتعددهما وكونهما (١) طبيعتين. كذلك وحدة ما وقع في الخارج من خصوصيات الصلاة فيها وجوداً غير ضائر بكونه فرداً للصلاة فيكون مأموراً به ، وفرداً للغصب فيكون منهياً عنه ، فهو على وحدته وجوداً يكون اثنين ، لكونه مصداقاً للطبيعتين ، فلا تغفل.

______________________________________________________

الصلاة في الدار المغصوبة يكون فرداً للصلاة وفرداً للغصب ، فهو مأمور به بالاعتبار الأول ، ومنهي عنه بالاعتبار الثاني.

(١) معطوف على «تعددهما» ، وضميرا «بتعددهما وكونهما» راجعان إلى الطبيعتين.

وبالجملة : المسلم بين القائلين بتعلق الأحكام بالطبائع أو الافراد أن الحكم لا يتعلق بالطبيعة المجردة عن الوجود ، بل يتعلق بها من حيث إيجاد المكلف إياها ، أو إبقائها على عدمها. لكن القائلين بتعلقها بالافراد ذهبوا إلى أن وجود تلك الطبيعة بجميع قيودها وحدودها الموجبة للتشخص وقع في حيز الطلب بحيث يكون لجميع تلك الحدود دخل في المطلوبية ، ولذا لو قصد القربة بجميعها كانت في محلها. بخلاف القائلين بتعلق الطلب بالطبيعة بوجودها السعي ، فانهم ذهبوا إلى خروج تلك الحدود عن حيز الطلب ، ولذا لا يجوز قصد القربة بها.

وعلى كل حال ، لا فرق بين كون الموجود ذا وجهين بحيث يكون بوجه فرداً لماهية وبوجه آخر فرداً لماهية أخرى ، وبين كونه ذا وجهين يكون بأحدهما طبيعة مأموراً بها ، وبالآخر طبيعة أخرى منهياً عنها.

٣٩

الثامن (١) : أنه لا يكاد يكون من باب الاجتماع إلّا إذا كان [في] كل واحد من متعلقي الإيجاب والتحريم مناط حكمه (٢) (*) مطلقاً حتى في مورد التصادق والاجتماع كي يحكم على الجواز بكونه (٣) فعلا محكوماً بالحكمين ، وعلى الامتناع بكونه محكوماً بأقوى المناطين أو بحكم آخر غير الحكمين فيما لم يكن هناك أحدهما أقوى (٤) كما يأتي تفصيله.

______________________________________________________

٨ ـ صغروية المسألة لكبرى التزاحم

(١) الغرض من عقد هذا الأمر بيان الفرق بين مسألة اجتماع الأمر والنهي التي هي من صغريات باب التزاحم وبين باب التعارض.

(٢) أي : حكم كل واحد من المتعلقين مطلقاً حتى في مورد الاجتماع.

(٣) يعني : كون مورد التصادق محكوماً فعلا بالحكمين : الإيجاب والتحريم.

(٤) يعني : حتى يكون الحكم الفعلي تابعاً له ، فمع عدم الأقوائية يحكم مورد الاجتماع بحكم آخر غير الوجوب والحرمة كالإباحة.

__________________

(*) لقائل أن يقول : ان بحيث الاجتماع لا يختص بمذهب دون آخر ، بل يجري على جميع المذاهب حتى مذهب الأشعري المنكر لتبعية الأحكام للمصالح والمفاسد مطلقاً ، فاعتبار اشتمال كل من متعلقي الإيجاب والتحريم على مناط الحكم في اندراجهما في مسألة الاجتماع غير ظاهر. والوجه في ذلك أن مرجع البحث فيها إلى أن مورد الاجتماع واحد وجوداً وماهية ، أو متعدد كذلك ، فعلى الأول : لا بد من الامتناع مطلقاً ولو على مذهب الأشعري لامتناع اجتماع الضدين على جميع المذاهب.

وعلى الثاني : لا بد من القول بالجواز بناء على عدم سراية حكم الملزوم إلى اللازم.

٤٠