منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٣

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٣

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: مطبعة غدير
الطبعة: ٦
الصفحات: ٧٨٣

كان بعنوان واحد كما في المقام ، حيث كان الخروج بعنوانه سبباً (١) للتخلص وكان (٢) بغير اذن المالك ، وليس التخلص (٣) إلّا منتزعاً عن

______________________________________________________

التعليلية وسائط ثبوتية لترتب الأحكام على موضوعاتها ، وخارجة عن الموضوعات وغير مرتبطة بها.

(١) والسببية ـ وهي المقدمية ـ جهة تعليلية خارجة عن الموضوع وهو الخروج.

(٢) يعني : وكان الخروج بعنوانه الأولي بدون اذن المالك. وغرضه الإشارة إلى علتي الوجوب والحرمة المتعلقين بالخروج بعنوانه الأولي الواحد.

(٣) إشارة إلى توهم ودفعه.

أما التوهم فهو : أن للخروج عنوانين يندرج بهما في مسألة اجتماع الأمر والنهي ، وتوضيحه : أن التخلص عنوان وجهة تقييدية للخروج ، والغصب عنوان له أيضا يوجب حرمته ، كما أن عنوان التخلص يوجب وجوبه ، فمتعلق الأمر والنهي متعدد لا واحد.

وأما دفع التوهم ، فتقريبه : أن التخلص ليس واجباً نفسياً ، بل هو عنوان انتزاعي ينتزع عن ترك الحرام الّذي هو مسبب عن الخروج ، فلا يكون عنوان التخلص واجباً نفسياً منطبقاً على الخروج ، هذا. مع أنه لو سلم كون التخلص واجباً نفسياً ، لكنه لا ينطبق على الخروج ، ولا يكون عنواناً له ، لأن الخروج مقدمة لترك الحرام الّذي هو منشأ التخلص ، وقد مر مراراً : أن المقدمية جهة تعليلية للمقدمة ، وليست جهة تقييدية لها ، والموجب لصغروية شيء لمسألة اجتماع الأمر والنهي هو تعدد الجهة التقييدية فيه.

فالنتيجة : أن الخروج ـ لوحدة عنوانه ـ أجنبي عن مسألة اجتماع الأمر والنهي.

١٨١

ترك الحرام المسبب (*) عن الخروج لا عنواناً له (١) أن الاجتماع (٢) هاهنا [هنا] ـ لو سلم أنه (٣) لا يكون بمحال ، لتعدد (٤) العنوان ،

______________________________________________________

(١) أي : للخروج.

(٢) هذا ثالث الوجوه ، وحاصله : أنه ـ بعد تسليم تعدد العنوان هنا الموجب لجواز الاجتماع ، والغض عن الجوابين المتقدمين ـ لا يمكن الالتزام بالاجتماع هنا أيضا ، لأن جوازه عند القائلين به مشروط بوجود المندوحة ، كالصلاة في المكان المغصوب مع إمكان فعلها في مكان مباح ، وأما بدون المندوحة ، فلا يجوز كالمقام ، لانحصار طريق التخلص عن الحرام بالخروج.

وعليه ، فوجوب الخروج وحرمته تكليف بالمحال ، وهو قبيح عقلا ، فلا يصدر عن الحكيم ، فلا بد للقائل بجواز الاجتماع اما من الالتزام بعدم الحرمة ، واما من الالتزام بسقوط الوجوب.

(٣) أي : الاجتماع لا يكون بمحال ، لتعدد العنوان من التخلص الواجب والغصب الحرام.

(٤) علة لنفي الاستحالة.

__________________

(*) قد عرفت مما علقت على الهامش : أن ترك الحرام غير مسبب عن الخروج حقيقة ، وانما المسبب عنه هو الملازم له وهو الكون في خارج الدار ، نعم يكون مسبباً عنه مسامحة وعرضاً.

وقد انقدح بذلك : أنه لا دليل في البين إلّا على حرمة الغصب المقتضي لاستقلال العقل بلزوم الخروج من باب أنه أقل المحذورين ، وأنه لا دليل على وجوبه بعنوان آخر ، فحينئذ يجب إعماله أيضا بناء على القول بجواز الاجتماع كاحتمال النهي عن الغصب ليكون الخروج مأموراً به ومنهياً عنه ، فافهم.

١٨٢

وكونه (١) مجدياً في رفع غائلة التضاد ـ كان (٢) محالا لأجل كونه (٣) طلب المحال حيث لا مندوحة هنا (٤) [هاهنا] ، وذلك (٥) لضرورة عدم صحة تعلق الطلب والبعث حقيقة بما هو واجب [بفعل واجب] أو ممتنع

______________________________________________________

(١) معطوف على «التعدد» يعني : ولكون التعدد مجدياً في دفع غائلة التضاد.

(٢) جواب «لو» واسمه ضمير مستتر فيه راجع إلى الاجتماع ، يعني : لو سلم عدم استحالة اجتماع الأمر والنهي لأجل تعدد العنوان المجدي في دفعها كان الاجتماع محالا من جهة أخرى ، وهي طلب المحال فيما لا مندوحة فيه ، لأنه مع الانحصار ـ كالخروج الّذي ينحصر التخلص عن الحرام به ـ يلزم من اجتماع الوجوب والحرمة فيه طلب المحال ، لعدم القدرة على فعل الخروج وتركه في آن واحد ، كما هو واضح.

(٣) أي : الاجتماع.

(٤) أي : فيما انحصر التخلص بما اضطر إليه بسوء اختياره كالخروج.

(٥) تعليل لمحالية الاجتماع في مورد عدم المندوحة ، ومحصله : أن الغرض من التكليف ـ وهو احداث الداعي إلى الفعل أو الترك ـ لا يترتب إلّا في ممكن الوجود ، فان وجب الفعل لوجود علة وجوده ، أو امتنع لعدم علة وجوده ، فلا يتعلق به البعث ، لقصوره عن احداث الداعي وتحريك العبد نحو الفعل.

وكذا الحال في الترك إذا وجب أو امتنع. فان الوجوب أو الامتناع العرضي وان لم يكن منافياً للإمكان الذاتي ، لكنه مناف للإمكان المنوط به التكليف بعثاً أو زجراً ، وفي المقام لما صار الخروج بسوء الاختيار مضطراً إليه ، لانحصار التخلص عن الحرام به ، فيصير واجب الوجود بالعرض ، فلا يتعلق به بعث

١٨٣

[أو ترك كذلك] ولو كان الوجوب أو الامتناع بسوء الاختيار (١).

وما قيل (٢) : «ان الامتناع أو الإيجاب بالاختيار لا ينافي الاختيار» انما (٣) هو في قبال استدلال الأشاعرة للقول بأن الأفعال غير اختيارية بقضية (٤) أن الشيء ما لم يجب (٥) لم يوجد.

______________________________________________________

ولا زجر ، وعليه فلا يكون مأموراً به ولا منهياً عنه فعلا كما هو مختار المصنف (قده) على ما تقدم.

(١) كما هو مفروض البحث.

(٢) إشارة إلى توهم وهو : أن الوجوب والامتناع ان كانا بسوء الاختيار ، فلا يمنعان عن التكليف ، لما اشتهر من أن الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار ، وعليه فلا مانع من تعلق البعث والزجر بالخروج المضطر إليه بسوء الاختيار.

(٣) هذا دفع التوهم المزبور ، وحاصله : أن قاعدة «الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار» أجنبية عن المقام ، وهو : تعلق التكليف بالممكن الّذي وجب أو امتنع بالعرض ، وغير مرتبطة به ، حيث ان موردها اختيارية الأفعال الصادرة عن العباد في مقابل الأشاعرة القائلين بالجبر ، استناداً إلى أن الفعل مع الإرادة واجب وبدونها ممتنع ، فيلزم الجبر وانتفاء الاختيار.

وقد أجاب المنكرون للجبر بعد إثبات الاختيار ونفي الجبر : بأن الإيجاب والامتناع الناشئين من الاختيار لا ينافيان الاختيار ، بل يؤكدانه ، ضرورة كون الفعل أو الترك حينئذ مستنداً إلى الاختيار ، لأن إيجاد علته أو عدم إيجادها انما يكون بإرادته واختياره ، ولا يخرج الفعل بسبب وجوبه أو امتناعه بعد ذلك عن الاختيار.

(٤) متعلق بـ «استدلال» كما أن قوله : «بأن» متعلق بـ «للقول».

(٥) يعني : بسبب علته ، كما أنه ما لم يمتنع بعدم علته لم ينعدم.

١٨٤

فانقدح بذلك (١) فساد الاستدلال لهذا القول (٢) بأن (٣) الأمر بالتخلص والنهي عن الغصب دليلان يجب إعمالهما ، ولا موجب للتقييد عقلا لعدم (٤) استحالة كون الخروج واجباً وحراماً باعتبارين مختلفين (٥) ، إذ (٦) منشأ الاستحالة اما لزوم اجتماع الضدين ، وهو غير لازم مع تعدد

______________________________________________________

(١) أي : بعدم صحة تعلق الطلب الحقيقي بالواجب والممتنع وان كان الوجوب والامتناع بالاختيار.

(٢) أي : قول أبي هاشم ، وهذا الاستدلال للمحقق القمي قدس‌سره.

(٣) متعلق بـ «الاستدلال» وتقريب له ، وحاصله : أن الأمر بالتخلص عن الحرام والنهي عن الغصب دليلان يجب إعمالهما ، ولا موجب لتقييد الأمر أو النهي ، لأن منشأ التقييد هو الاستحالة الناشئة من أحد أمرين ، وهما : اجتماع الضدين ـ وهما الوجوب والحرمة ـ في فعل واحد كالخروج ، والتكليف بما لا يطاق لعدم قدرة العبد على امتثال كليهما.

ولا يلزم شيء من هذين الأمرين :

أما الأول ، فلتعدد الجهة ، فان الخروج من حيث انه غصب فهو حرام ، ومن حيث انه مقدمة للتخلص عن الحرام فهو واجب.

وأما الثاني ، فلكونه بسوء الاختيار ، والامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار.

(٤) تعليل لقوله : «ولا موجب للتقييد» يعني : لا يلزم استحالة حتى يجب عقلا تقييد أحد الدليلين ، بأن يقال : الغصب حرام إلّا إذا كان تصرفاً خروجياً.

(٥) وهما : التخلص والغصب ، فالخروج بهذين الاعتبارين واجب وحرام.

(٦) تعليل للاستحالة ، يعني : أن منشأ الاستحالة الموجبة للتقييد عقلا أحد أمرين : اجتماع الضدين. والتكليف بما لا يطاق كما تقدم بيانه.

١٨٥

الجهة (١) ، واما لزوم التكليف بما لا يطاق ، وهو ليس بمحال إذا كان مسبباً عن سوء الاختيار (٢) ، وذلك (٣) لما عرفت (٤) من ثبوت الموجب للتقييد عقلا ولو كانا بعنوانين ، وأن (٥) اجتماع الضدين لازم ولو مع تعدد الجهة (٦) ، مع (٧)

______________________________________________________

(١) إذ جهة الأمر التخلص ، وجهة النهي الغصب.

(٢) كما هو مفروض البحث.

(٣) هذا جواب الاستدلال المزبور وبيان فساده.

(٤) مفصلا من لزوم التقييد عقلا ، لاستحالة اجتماع الضدين ولو مع تعدد العنوان ، فلا بد من تقييد الأمر أو النهي بالأهم منهما ، فالخروج اما مأمور به فقط ، واما منهي عنه كذلك.

مع أنه قد تقدم سابقاً : أن تعدد الجهة هنا مفقود ، لأن المقدمية جهة تعليلية فهي خارجة عن ذي المقدمة ، لا تقييدية حتى تكون دخيلة فيه وتوجب تعدده.

كما أنه قد مر : أن التكليف بما لا يطاق محال وقبيح وان كان بسوء الاختيار فالخطاب ساقط وان كان العقاب ثابتاً ، والامتناع بالاختيار ينافي الاختيار خطاباً ولا ينافيه عقاباً ، فهذا المضطر معاقب لا مخاطب.

(٥) معطوف على «ثبوت» ومبين لـ «ثبوت الموجب».

(٦) لما مر في كلماته «قده» مراراً من : عدم إجراء تعدد الجهة في جواز الاجتماع.

(٧) هذا جواب آخر عن الاستدلال المزبور ، وحاصله : أن تعدد الجهة ـ على تقدير كونه مجدياً في دفع غائلة اجتماع الضدين ـ مفقود هنا ، لما عرفت

١٨٦

عدم تعددها هاهنا (١). والتكليف بما لا يطاق محال (٢) على كل حال ، نعم (٣) لو كان بسوء الاختيار لا يسقط العقاب بسقوط التكليف بالتحريم أو الإيجاب.

______________________________________________________

من كون معروض الوجوب والحرمة هو الخروج ، لوضوح أن المقدمية جهة تعليلية لوجوبه ، والغصبية علة لحرمته ، والجهات التعليلية خارجة عن حيز الموضوع ، كما تقدم سابقاً. وقد تعرضنا لهذا الجواب بقولنا : «مع انه قد تقدم سابقا ان تعدد الجهة هنا مفقود ... إلخ» ، وكان الأولى تقديم هذا الجواب على الجواب الأول ، بأن يقال : «ان في هذا الاستدلال أولا عدم تعدد الجهة ، وثانياً عدم إجرائه على تقدير تعددها».

(١) يعني : الخروج المضطر إليه بسوء الاختيار ، وضمير «تعددها» راجع إلى الجهة.

(٢) هذا جواب ما أفاده المستدل من : أن التكليف بما لا يطاق ليس بمحال إذا كان بسوء الاختيار ، وحاصل الجواب : أن التكليف بما لا يطاق مطلقاً وان كان بسوء الاختيار محال ، فالمراد بقوله : «على كل حال» استحالة التكليف بما لا يطاق مطلقاً وان كان بسوء الاختيار.

(٣) هذا استدراك على عدم الفرق في استحالة التكليف بما لا يطاق بين كونه بسوء الاختيار وعدمه ، وحاصله : أن الفارق بينهما هو استحقاق العقوبة إذا كان بسوء الاختيار ، وعدم استحقاقها إذا لم يكن كذلك. وأما سقوط الخطاب فهو مشترك بين الصورتين ، ولذا اختار المصنف كون الخروج منهياً عنه بالنهي السابق الساقط بحدوث الاضطرار ، وعدم كونه مأموراً به.

١٨٧

ثم لا يخفى (١)

______________________________________________________

ثمرة المسألة

(١) الغرض من هذا الكلام بيان الثمرات المترتبة على الأقوال المذكورة مع التنبيه على إشكال يرد على ظاهر كلام المشهور من ذهابهم إلى صحة الصلاة في ضيق الوقت ، وبطلانها في السعة.

وحاصل الإشكال : أنهم ان بنوا على جواز اجتماع الأمر والنهي صحت الصلاة مطلقاً حتى في سعة الوقت ، وان بنوا على الامتناع وتغليب الأمر ، فكذلك. ومع تغليب النهي أو تساوي الأمر والنهي تبطل الصلاة حتى في ضيق الوقت. فالتفصيل بين السعة والضيق بالبطلان في الأول والصحة في الثاني ـ كما عن المشهور ـ لا وجه له.

ولا بأس بالإشارة إلى الصور حتى يتضح حال فتوى المشهور بالصحّة مع الضيق ، والبطلان مع السعة ، فنقول وبه نستعين :

أما على القول بالجواز ، ففي جميع الصور يحكم بالصحّة من غير فرق بين سعة الوقت وضيقه ، ولا بين كون الاضطرار بسوء الاختيار وعدمه ، ولا بين كون وقوع الصلاة في حال الخروج وعدمه ، فان البناء على جواز اجتماع الأمر والنهي يستلزم الصحة في جميع الصور.

وأما على القول بالامتناع ، فهناك صور يكون موردها ضيق الوقت.

وأما السعة ، فسيأتي حكمها عند شرح كلام المصنف «قده».

الصورة الأولى : تغليب الأمر على النهي مطلقاً ، ولا ينبغي الإشكال في صحة الصلاة في جميع الفروض المزبورة ، لأن حال الصلاة على الامتناع وترجيح الأمر مطلقاً حالها على القول بالجواز ، بل أولى منها.

١٨٨

أنه لا إشكال في صحة الصلاة مطلقاً (١) في الدار المغصوبة على القول بالاجتماع (٢). وأما على القول بالامتناع ، فكذلك (٣) مع الاضطرار إلى الغصب (٤) لا بسوء الاختيار أو معه (٥) [إلى الغصب مطلقاً أو بسوء الاختيار] ولكنها وقعت في حال الخروج على القول بكونه مأموراً به بدون إجراء حكم المعصية عليه (٦) ،

______________________________________________________

الثانية : تغليب الأمر في الجملة ، كما إذا كان الاضطرار لا بسوء الاختيار أو بسوئه ، لكن وقعت الصلاة في حال الخروج ، فان الصلاة حينئذ صحيحة أيضا بناء على القول بكون الخروج مأموراً به بدون جريان حكم المعصية عليه ، إذ معه يكون مبغوضاً ، ولا يصلح للمقربية ، فلا تصح الصلاة.

الثالثة : تغليب النهي على الأمر مطلقاً ، ولا إشكال في البطلان حينئذ.

(١) هذا الإطلاق في مقابل الصور الآتية.

(٢) لا يخفى أن الصحة على القول بالاجتماع تكون على طبق القاعدة ان لم يقم إجماع على خلافه كما ادعي.

(٣) يعني : لا إشكال في صحة الصلاة.

(٤) هذا إشارة إلى الصورة الثانية. ووجه الصحة عدم النهي ، لسقوطه بالاضطرار لا بسوء الاختيار ، فيؤثر ملاك الأمر بلا مزاحم.

(٥) يعني : أو مع سوء الاختيار ، لكن وقعت الصلاة في حال الخروج بناء على كون الخروج مأموراً به ، لمصداقيته للتخلص الواجب نفسياً ، أو مقدميته له. فعلى الأول يكون الخروج واجباً نفسياً ، وعلى الثاني يكون واجباً غيرياً. وهذا إذا لم يجر عليه حكم المعصية ، وإلّا كان مبغوضاً ، فلا يصلح لأن يتقرب به ، فتبطل الصلاة كما تقدم.

(٦) أي : الخروج. وهذا قول ابن الحاجب كما مر سابقاً.

١٨٩

أو مع (١) غلبة ملاك الأمر على النهي مع ضيق الوقت ، أما [وأما] مع السعة (٢)

______________________________________________________

(١) الظاهر أنه معطوف على قوله : «مع الاضطرار» يعني : أن ضيق الوقت ـ كالاضطرار ـ رافع للحرمة. وهذا إشارة إلى الصورة الثالثة المتقدمة آنفاً ، فيستفاد من هذه العبارة صحة الصلاة في المكان المغصوب بشرطين :

الأول : غلبة مصلحة الأمر على مفسدة النهي ، إذ مع غلبة مفسدته على مصلحة الأمر لا وجه لصحة الصلاة في المكان الّذي غصبه متعمداً.

الثاني : أن تكون الصلاة في ضيق الوقت.

(٢) توضيحه : أن الصلاة في المغصوب مع غلبة ملاك الأمر على ملاك النهي انما تصح في سعة الوقت بشرطين :

أحدهما : كون الصلاة في المغصوب ضدّاً للصلاة في المباح ، بتقريب : أن كلا منهما وافٍ بالغرض الداعي إلى إيجاب الصلاة ، فلا يمكن الجمع بينهما في مقام الامتثال ، لسقوط الأمر بإتيان إحداهما ، وعدم بقاء المجال لإتيان الأخرى.

ثانيهما : عدم اقتضاء الأمر بالشيء للنهي عن ضده ، فنقول : ان الصلاة مع السعة في مكان مباح مضادة للصلاة في مكان مغصوب ، والأمر بالصلاة في المكان المباح لا يقتضي النهي عنها في المكان المغصوب ، فلا تكون الصلاة في المكان المغصوب منهياً عنها حتى تبطل ، فتصح.

وهذا بخلاف القول باقتضاء الأمر بالشيء للنهي عن ضده ، فان الصلاة تبطل في المكان المغصوب ، لاقتضاء الأمر بالصلاة في المباح للنهي عنها في المغصوب ، وهذا النهي الغيري يبطلها.

ولا عكس ، يعني : أن الأمر بالصلاة في المغصوب ـ بناء على عدم الاقتضاء ـ

١٩٠

فالصحة وعدمها مبنيان على عدم اقتضاء الأمر بالشيء للنهي [النهي] عن الضد واقتضائه ، فان (١) الصلاة في الدار المغصوبة وان كانت مصلحتها غالبة على ما فيها من المفسدة ، إلّا أنه لا شبهة في أن الصلاة في غيرها (٢) تضادها (٣)

______________________________________________________

لا يقتضي النهي عنها في المباح ، إذ الأمر بالصلاة في المباح أهم منها في المغصوب فهو يقتضي النهي عن الصلاة في المغصوب. بخلاف الأمر بها في المغصوب فانه لا يقتضي النهي عن الأهم وهو الصلاة في المباح.

وبالجملة ، فعلى الامتناع وتقديم الأمر تصح الصلاة في الضيق مطلقاً من غير فرق بين الاضطرار وغيره ، وبين الخروج والبقاء ، وفي السعة يبتني القول بالبطلان وعدمه على اقتضاء الأمر بالشيء للنهي عن الضد وعدمه.

(١) غرضه التنبيه على وجه بطلان الصلاة في المغصوب مع غلبة مصلحتها على ما فيها من المفسدة ، وكون غلبة المصلحة مقتضية للصحة ومانعة عن تأثير المفسدة المغلوبة في البطلان. وأن وجه البطلان هو النهي الغيري الناشئ عن الأمر بالضد وهو الصلاة في المباح ، فالفساد ناشٍ عن النهي الغيري ، لا عدم المصلحة ، ولذا بنى البطلان على مسألة اقتضاء الأمر بالشيء للنهي عن الضد التي هي مبنية على وجود الملاك والمصلحة في الضد ، ولم يبنه على عدم المصلحة. وقد أشار بقوله : «وان كانت مصلحتها غالبة» إلى اندراجها في مسألة اقتضاء الأمر بالشيء للنهي عن الضد.

(٢) أي : غير الدار المغصوبة.

(٣) يعني : أن الصلاة في غير المغصوب تضاد الصلاة الواقعة في المغصوب وقد عرفت تقريب التضاد.

١٩١

بناء (١) على أنه لا يبقى مجال مع إحداهما (٢) للأخرى (٣) مع كونها (٤) أهم منها ، لخلوها (٥) من [عن] المنقصة الناشئة من قبل اتحادها مع الغصب. لكنه (٦) عرفت عدم الاقتضاء بما لا مزيد عليه ، فالصلاة (٧) في الغصب [اختياراً] (*) في سعة الوقت صحيحة وان لم تكن

______________________________________________________

(١) قيد للتضاد ، يعني : أن التضاد مبني على سقوط الغرض الداعي إلى الأمر بالإتيان بأحد الفردين ، وعدم بقائه حتى يكون الفرد الآخر وافياً به. وقد عرفت آنفاً تقريب التضاد ، وعدم إمكان استيفاء الغرض بهما معاً.

(٢) وهي الصلاة في المغصوب.

(٣) وهي الصلاة في غير المغصوب.

(٤) يعني : مع كون الصلاة الأخرى ـ وهي الصلاة في غير المغصوب ـ أهم من الصلاة في المغصوب. ووجه الأهمية خلوها عن المنقصة الناشئة عن اتحادها مع الغصب ، وضمير «كونها» راجع إلى الأخرى.

(٥) هذا تعليل للأهمية ، وقد عرفت تقريبها ، وضمير «خلوها» راجع إلى الأخرى ، وضمير «منها» راجع إلى إحداهما ، وقد تقدم المراد بهما.

(٦) الضمير للشأن ، بعد أن بنى الصحة والبطلان على مسألة اقتضاء الأمر بالشيء للنهي عن الضد وعدم اقتضائه ، اختار عدم الاقتضاء.

(٧) هذا متفرع على ما اختاره من عدم الاقتضاء.

__________________

(*) ليست هذه الكلمة في جملة من النسخ ، والظاهر عدم الحاجة إليها ، إذ بعد فرض تمامية ملاك الأمر وغلبته على مناط النهي لا وجه لبطلان الصلاة في المغصوب في سعة الوقت الا النهي الغيري ، ولا فرق في هذا النهي الملازم للأمر بين الاختيار والاضطرار بعد فرض سعة الوقت ، وإمكان الإتيان بالصلاة في غير المغصوب ، فالحق إسقاط كلمة «اختياراً» كما في بعض النسخ.

١٩٢

مأموراً بها (١).

الأمر الثاني : قد مر في بعض المقدمات (٢) أنه لا تعارض بين مثل

______________________________________________________

(١) لما تقدم في مبحث الضد من : أن الأمر بالشيء وان لم يقتض النهي عن ضده ، لكنه يقتضي عدم الأمر بالضد ، فالساقط هو الأمر الفعلي دون الملاك والمحبوبية ، فلا مانع من فعل الضد العبادي بداعي الملاك من دون حاجة في تصحيحه إلى الأمر ، هذا.

ثم انه قد اتضح مما ذكره المصنف : ما يمكن أن يوجه به ما عن المشهور القائلين بالامتناع وترجيح الأمر من صحة الصلاة في المغصوب في ضيق الوقت وبطلانها في السعة ، كما نبهنا عليه عند شرح قوله : «ثم لا يخفى أنه لا إشكال في صحة الصلاة مطلقاً في الدار المغصوبة على القول بالاجتماع».

وملخص التوجيه : أن حكمهم بالصحّة في ضيق الوقت انما هو لأجل انحصار الصلاة في الوقت المضيق بالفرد المتحقق في المغصوب مع فرض تمامية ملاكها ، فليس لها فرد آخر حتى يجري فيه ما في الفرد الواقع في سعة الوقت من التضاد ، وكونه من صغريات الأمر بالشيء المقتضي للنهي عن ضده.

بخلاف حكمهم بفساد الصلاة في سعة الوقت ، حيث ان لطبيعة الصلاة فرداً آخر يضاد الفرد الواقع في المغصوب ، فيندرج في مسألة اقتضاء الأمر بالشيء للنهي عن الضد وعدمه ، فالفرد الواقع منها في المغصوب يصير منهياً عنه بالنهي الغيري فيبطل.

(٢) (صغروية الدليلين لكبرى التزاحم أو التعارض)

(٣) وهي المقدمة التاسعة ، والغرض من عقد هذا الأمر هو التنبيه على نكتة وهي : أن ترجيح أحد الدليلين في مسألة اجتماع الأمر والنهي ليس من باب

١٩٣

خطاب «صل» وخطاب «لا تغصب» على الامتناع (١) تعارض (٢) الدليلين بما هما دليلان حاكيان (٣) كي يقدم الأقوى منهما دلالة أو سنداً ، بل انما هو من باب تزاحم المؤثرين والمقتضيين ، فيقدم الغالب منهما (٤)

______________________________________________________

التقييد حتى يخرج مورد الاجتماع عن حيز الدليل الآخر رأساً ، كما في مثل «أعتق رقبة وأعتق رقبة مؤمنة». فان تقييد الرقبة بالايمان يقتضي خروج الكافرة عن موضوع الدليل الأول رأساً ، وعدم اجزاء عتقها ، لعدم المصلحة فيها. بل هو من باب التزاحم الّذي يكون ترجيح أحد الدليلين فيه على الآخر من جهة أقوائية مقتضية منه مع بقاء الملاك في الآخر مغلوباً.

وببيان آخر : ليست مسألة اجتماع الأمر والنهي من باب التعارض حتى يرجع فيها إلى مرجحات تعارض الدليلين سنداً ومضموناً وجهة ، بل من باب التزاحم الّذي يكون مرجحه أهمية أحد المقتضيين من الآخر ، كما سيأتي في كلامه (قده).

(١) إذ بناء على الجواز لا تعارض ، لتعدد الجهة الموجب لتعدد المتعلق فلا تعارض بين الدليلين. وعليه ، فيكون مثل «صل ولا تغصب» أو «طف ولا تغصب» بناء على الامتناع من صغريات التزاحم ، فيقدم ما هو أهم منهما على الآخر ، لوجود المناط والمقتضي لتشريع الحكم في كل منهما.

(٢) مفعول مطلق نوعي.

(٣) لأن التعارض على مذهب المصنف يكون في ناحية الكشف والحكاية لا في ناحية المدلول.

(٤) أي : المؤثرين ، فالتزاحم عنده عبارة عن تزاحم الملاكين الداعيين إلى تشريع الحكمين ، وليس عبارة عن تزاحم الحكمين الفعليين في مقام الامتثال.

١٩٤

وان كان الدليل على مقتضي الآخر أقوى من دليل مقتضاه (١). هذا (٢) فيما [إذا] أحرز الغالب منهما ، وإلّا (٣) كان بين الخطابين تعارض ، فيقدم الأقوى منهما دلالة أو سنداً ، وبطريق الإنّ (٤)

______________________________________________________

(١) أي الغالب ، وحاصله : أن الغالب من المقتضيين يقدم على الآخر وان كان الآخر بحسب الدليل أقوى منه. وغرضه من ذلك عدم إعمال مرجحات الدليلين بحسب الدليليّة والكشف ، ولزوم إعمال مرجح باب التزاحم ، وهو أهمية الملاك.

(٢) أي : تقديم الغالب من الملاكين على الآخر انما يكون فيما إذا أحرز الغالب.

(٣) أي : وان لم يحرز الغالب منهما كان الخطابان متعارضين ، للعلم الإجمالي بكذب أحدهما في دلالته على فعلية مؤداه ، فيقدم ما هو الأقوى منهما دلالة أو سنداً.

وتوضيح المقام : أن صور عدم إحراز أقوى المقتضيين ثلاثة :

إحداها : تكفل الدليلين للحكم الفعلي ، وأشار إليها بقوله : «فيقدم الأقوى منهما».

ثانيتها : تكفلهما للحكم الاقتضائي.

ثالثتها : تكفل أحدهما للحكم الفعلي ، والآخر للحكم الاقتضائي ، ولا رابع لها كما هو واضح.

(٤) ليست قوة الدلالة معلولة لقوة المدلول ، ولا هما معلولتان لعلة ثالثة حتى يندرج في الطريق الإنّي المصطلح ، لعدم اللزوم بينهما ، إذ قد يكون الأقوى دلالة أضعف مدلولا من الدليل الّذي يكون أضعف دلالة وأقوى مدلولا.

١٩٥

يحرز به أن مدلوله (١) أقوى مقتضياً. هذا (٢) لو كان كل من الخطابين متكفلا لحكم فعلي [للحكم الفعلي]. وإلّا (٣) فلا بد من الأخذ بالمتكفل لذلك (٤)

______________________________________________________

بل المراد بالطريق الإنّي هنا : أن الأقوى لما دل مطابقة على فعلية مؤداه ، فقد دل التزاماً على أقوائية ملاكه. كما أن الدليل الأضعف كذلك ، فإذا دل دليل الترجيح على حجية أقوى الدليلين المتعارضين وعدم حجية الآخر ، فقد دل على ثبوت مدلولي الدليل الأقوى المطابقي والالتزامي معاً. ونتيجة ذلك ثبوت أقوائية ملاكه ظاهراً ، مثلا إذا دل دليل بالدلالة المطابقية على وجوب الصلاة ، وبالالتزامية على ملاكه ، وقدم هذا الدليل لأقوائية دلالته على دليل حرمة الغصب ، فببركة أدلة ترجيح الدلالة تصير دلالة دليل وجوب الصلاة على ملاكه أقوى من دلالة دليل الغصب على ملاكه الّذي هو لازم مدلوله المطابقي.

(١) هذا الضمير وضمير «به» راجعان إلى «الأقوى» في قوله : «الأقوى سنداً أو دلالة».

(٢) يعني : أن التعارض بين الدليلين الموجب للأخذ ٠ بالأرجح منهما سنداً أو دلالة يكون في الصورة الأولى ، وهي تكفل الدليلين للحكم الفعلي ، كما تقدم آنفا.

(٣) أي : وان لم يكن كل منهما متكفلا للحكم الفعلي ، فان كان أحدهما فعلياً والآخر اقتضائياً ، فلا بد من الأخذ بما هو متكفل للحكم الفعلي ، وهذه هي ثالثة الصور التي ذكرناها ، والوجه فيه واضح ، إذ لا منافاة بين الحكم الفعلي والاقتضائي. وان كان كل منهما اقتضائياً ، فالمرجع حينئذ الأصول العملية.

(٤) أي : للحكم الفعلي منهما.

١٩٦

منهما لو كان ، وإلّا (١) فلا محيص عن الانتهاء إلى ما تقتضيه الأصول العملية.

ثم (٢) [انه] لا يخفى أن ترجيح أحد الدليلين وتخصيص الآخر به في المسألة لا يوجب (٣)

______________________________________________________

(١) أي : وان لم يكن أحدهما متكفلا للحكم الفعلي بأن كان مدلول كل منهما حكماً اقتضائياً ، فلا محيص عن الانتهاء إلى الأصول العملية ، فقوله : «وإلّا فلا بد» إشارة إلى الصورة الثالثة ، وقوله : «وإلّا فلا محيص» إشارة إلى الصورة الثانية.

(٢) هذا هو المقصود الأصلي من عقد هذا الأمر الثاني ، والغرض منه دفع الإشكال الّذي أورده في التقريرات على الحكم بصحة الصلاة في المغصوب مع العذر من الجهل العذري وسائر الاعذار بناء على الامتناع وترجيح النهي على الأمر.

تقريب الإشكال : أن ترجيح النهي عليه يقتضي عدم صحة الصلاة في موارد العذر ، لخلو الصلاة بعد تقييدها بالنهي عن المصلحة ـ فضلا عن الوجوب ـ كما هو شأن التقييد في سائر الموارد ، فان تقييد الرقبة مثلا بالايمان يقتضي خلوّ عتق الكافرة عن المصلحة ، وعدم اجزاء عتقها حتى في حال الجهل والنسيان ، لخلو عتقها عن الملاك والوجوب الناشئ عنه.

(٣) هذا جواب الإشكال ، وحاصله : أن ترجيح النهي على الأمر في مسألة اجتماع الأمر والنهي ليس من باب التخصيص المصطلح الّذي يوجب اختصاص الملاك والحكم بغير مورد التخصيص ، كما في مثل «أكرم العلماء ولا تكرم شعراءهم» فان العالم الشاعر ـ بعد تخصيص العلماء بالشعراء ـ يخرج عن حيز «أكرم العلماء»

١٩٧

خروج مورد الاجتماع عن تحت الآخر رأساً (١) كما هو (٢) قضية التقييد والتخصيص في غيرها مما لا يحرز فيه المقتضي لكلا الحكمين ، بل قضيته (٣) ليس إلّا خروجه فيما كان الحكم الّذي هو مفاد الآخر فعلياً ، وذلك (٤)

______________________________________________________

وملاكاً ووجوباً ، فلا مصلحة ولا وجوب له. بل ترجيح أحد الدليلين في مسألة الاجتماع على الآخر يوجب خروج الآخر عن الحكم الفعلي فقط مع بقاء ملاكه ، فالصلاة في المغصوب خرجت عن حيز الوجوب الفعلي دون ملاكه ، فمصلحتها باقية على حالها ، وحينئذ يؤثر الملاك بارتفاع فعلية النهي عن الغصب بسبب عذر من الاعذار الرافعة له ، إذ لا مانع من تأثير ملاك الأمر ، ونتيجة ذلك صحة الصلاة في موارد العذر.

(١) يعني : فعلية واقتضاء ، والمراد بالاقتضاء هو الملاك ، والخروج عن الفعلية والاقتضاء معاً شأن التخصيص المصطلح ، وأما التخصيص في مسألة الاجتماع فهو الخروج عن الفعلية فقط ، كما عرفت آنفاً.

(٢) أي : الخروج رأساً قضية التقييد والتخصيص في غير مسألة اجتماع الأمر والنهي من الموارد التي لا يحرز فيها وجود المقتضي لكلا الحكمين اللذين هما مدلولا الدليلين ، وضمير «غيرها» راجع إلى المسألة.

(٣) أي : قضية ترجيح أحد الدليلين على الآخر في مسألة الاجتماع ليس إلّا خروج مورد الاجتماع عن فعلية حكم أحد الدليلين فيما إذا كان مؤدى الدليل الآخر ـ كحرمة الغصب ـ فعلياً ، فيكون الخروج عن الفعلية مع بقاء الملاك. وضمير «خروجه» راجع إلى مورد الاجتماع ، وحق العبارة أن تكون هكذا «بل قضيته ليست إلّا خروج مورد الاجتماع عن الفعلية فيما كان الحكم الّذي هو مفاد الدليل الآخر فعلياً».

(٤) تعليل لعدم كون ترجيح أحد الدليلين على الآخر في مسألة الاجتماع

١٩٨

لثبوت المقتضي في كل واحد من الحكمين فيها (١) ، فإذا (٢) لم يكن المقتضي لحرمة الغصب مؤثراً لها لا اضطرار أو جهل أو نسيان كان المقتضي لصحة الصلاة مؤثراً لها (٣) فعلا (٤) ، كما إذا (٥) لم يكن دليل الحرمة أقوى ، أو لم يكن واحد من الدليلين دالا على الفعلية أصلا.

______________________________________________________

مخرجاً لمورد الاجتماع عن حيز الدليل الآخر رأساً ، بل عن الحكم الفعلي فقط مع بقاء ملاكه.

وحاصل التعليل : أن مسألة الاجتماع من باب التزاحم المنوط بثبوت المناط في كل واحد من الحكمين حتى في ظرف الاجتماع ، لا من باب التعارض الّذي يكون الملاك في أحدهما فقط.

(١) أي : في مسألة الاجتماع.

(٢) هذه ثمرة الخروج عن الحكم الفعلي فقط ، وملخصها : أنه إذا لم يؤثر مفسدة النهي في الحرمة لاضطرار أو جهل أو نسيان كان المقتضي لصحة الصلاة مؤثراً وموجباً لصحتها ، إذ المفروض ارتفاع مزاحمها ـ أعني الحرمة الفعلية ـ باضطرار ونحوه.

(٣) أي : للصحة ، والأولى أبدال «لها» بـ «فيها» هنا وكذا في قوله : «مؤثراً لها لاضطرار».

(٤) قيد لقوله : «مؤثراً» يعني : أن الملاك المؤثر فعلا هو مصلحة الصلاة ، لا مفسدة الغصب.

(٥) تمثيل للمؤثر الفعلي ، يعني : أن ملاك الصحة يؤثر في الصحة الفعلية فيما إذا منع ملاك الحرمة عن التأثير فيها ، كتأثيره في الصحة الفعلية فيما إذا لم يكن دليل الحرمة أقوى ، أو لم يكن الدليلان دالين على الفعلية ، بأن كانا دالين على الحكم الاقتضائي أو الإنشائي.

١٩٩

فانقدح بذلك (١) فساد الإشكال (٢) في صحة الصلاة في صورة الجهل أو النسيان ونحوهما (٣) فيما إذا قدم خطاب «لا تغصب» (٤) كما هو الحال (٥) فيما إذا كان الخطابان من أول الأمر (٦) متعارضين ، ولم يكونا (٧)

______________________________________________________

(١) أي : بوجود المقتضي للصحة في مورد الاجتماع ، وعدم خروجه عن حيز دليل الوجوب رأساً.

(٢) الّذي مر تفصيله ، وحاصله : أنه مع تقديم النهي على الأمر كيف تصح الصلاة في موارد العذر كالجهل والنسيان ونحوهما؟ إذ مع تغليب النهي على الأمر وإخراج المجمع عن حيز دليل وجوب الصلاة لا يبقى فيه ما يقتضي صحته كما هو شأن التعارض في سائر الموارد.

(٣) كالاضطرار والغفلة.

(٤) يعني : فيما إذا بني على الامتناع وترجيح النهي.

(٥) يعني : كما أن هذا الإشكال ثابت فيما إذا كان الخطابان متعارضين لا متزاحمين ، لعدم الملاك المقتضي للصحة حينئذ حتى يحكم بالصحّة في موارد العذر.

(٦) من أول زمان التشريع ، كما إذا قال : «صل ولا تصل في المغصوب» ، فان الصلاة في المغصوب لا مصلحة لها حتى يمكن تصحيحها بالملاك. وهذا بخلاف ما بعد زمان التشريع ، كما إذا بلغنا مثل : «صل ولا تصل في المغصوب» فانه لا تنافي بينهما من زمان التشريع ، بل الملاك في كل منهما موجود ، وانما التنافي يكون في فعلية الحكمين في مورد الاجتماع.

(٧) هذا بيان للتعارض.

٢٠٠