منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٣

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٣

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: مطبعة غدير
الطبعة: ٦
الصفحات: ٧٨٣

أما الأول (١) ، فلان العام على ما حققناه كان (*) ظاهراً في عمومه إلّا أنه لا يتبع ظهوره في واحد من المتباينين اللذين علم تخصيصه بأحدهما (٢).

وأما الثاني (٣) ، فلعدم انعقاد ظهور من رأس للعام ، لاحتفاف (٤)

______________________________________________________

(١) وهو الخاصّ المنفصل المردد بين المتباينين. وحاصل هذا التعليل : أن وجه عدم جواز التمسك بالعامّ مع انعقاد ظهوره في العموم هو العلم الإجمالي بتخصيص العام بأحد المتباينين مع عدم تيقن تخصيصه بأحدهما بالخصوص ، وعدم مرجح لأحدهما ، فلا محالة يسقط العام عن الحجية ، لعدم جريان أصالة العموم حينئذ في العام مع هذا العلم الإجمالي ، وان كان نفس الظهور باقياً ، فإجمال الخاصّ لا يسري إلى نفس الظهور حتى يرفعه ، بل يسري إلى حجيته ، فيرفعها.

وضمير «انه» للشأن ، وضميرا «ظهوره وتخصيصه» راجعان إلى العام.

(٢) أي : أحد المتباينين ، وهذا العلم الإجمالي بتخصيص العام بأحدهما يمنع جريان أصالة العموم الموجبة لحجية ظهور العام.

(٣) وهو الخاصّ المتصل المردد بين المتباينين ، أو الأقل والأكثر. والوجه في عدم مرجعية العام فيه ما أفاده بقوله : «لاحتفاف» وحاصله : أن احتفاف العام بالخاص المجمل يوجب إجمال العام ، وعدم انعقاد ظهور له في العموم فيرجع في المردد بين الأقل والأكثر إلى المتيقن ـ وهو الاجتناب عن المعاصي عن ملكة ـ لأنه المتيقن من مفهوم العدالة المردد بينه وبين الاجتناب عن المعاصي ولو لا عن ملكة ، ففي قوله : «أكرم العلماء العدول» مع تردد مفهوم العدالة بينهما يرجع إلى المتيقن ، وهو الاجتناب عن جميع المعاصي عن ملكة.

(٤) تعليل لعدم انعقاد الظهور للعام ، وقد عرفت توضيحه.

__________________

(*) الأولى أن يقال : «وان كان» حتى يلائمه قوله : «إلّا أنه لا يتبع ظهوره».

٥٠١

الكلام بما يوجب احتماله لكل واحد من الأقل والأكثر (١) ، أو لكل واحد من المتباينين (٢) لكنه (٣) حجة في الأقل ، لأنه المتيقن في البين.

فانقدح بذلك (٤) الفرق بين المتصل والمنفصل ، وكذا (٥) في

______________________________________________________

(١) هذا في الخاصّ المردد بين الأقل والأكثر ، وضمير «احتماله» راجع إلى العام.

(٢) هذا في الخاصّ المردد بين المتباينين.

(٣) أي : لكن العام حجة في المتيقن ، وهو الاجتناب عن المعاصي الناشئ عن الملكة في المثال المتقدم. هذا في الخاصّ المردد مفهومه بين الأقل والأكثر.

وأما المردد بين المتباينين ، فليس فيه متيقن حتى يكون العام حجة فيه كـ «زيد» المشترك بين شخصين ، فلا بد في الرجوع فيه إلى ما يقتضيه الأصول العملية.

(٤) أي : بما ذكر من الحكم في الصور الأربع ، وهو جواز التمسك بالعامّ في الافراد التي يحتمل انطباق الخاصّ عليها في الصورة الأولى ـ أعني الخاصّ المنفصل المجمل المردد بين الأقل والأكثر ـ ، وعدم جواز التمسك به في الافراد المحتمل انطباق الخاصّ عليها في الثلاث الباقية ، اما لعدم انعقاد ظهور له في العموم ، كما في الصورة الأولى منها ، وهي الخاصّ المتصل المجمل المردد بين المتباينين ، والثانية وهي الخاصّ المتصل المجمل المردد بين الأقل والأكثر. واما لعدم حجية ظهوره ، كما في الثالثة منها ، وهي الخاصّ المنفصل المجمل المردد بين المتباينين (ظهر) الفرق بين المتصل والمنفصل.

وحاصل الفرق بينهما : سراية الإجمال إلى العام المانع عن انعقاد ظهور له في العموم في المتصل ، وارتفاع الحجية عن ظهوره في العموم مع تحقق أصله في المنفصل.

(٥) يعني : وكذا انقدح بما ذكرنا من حكم الصور الأربع الفرق بين المتباينين

٥٠٢

المجمل بين المتباينين والأقل والأكثر ، فلا تغفل (*).

______________________________________________________

وحاصله : أنه لا يصح التمسك بالعامّ في المجمل المردد بين المتباينين مطلقاً وان كان منفصلا ، لما مر من سراية الإجمال إلى العام حقيقة في المتصل ، وحكماً في المنفصل. بخلاف المجمل المردد بين الأقل والأكثر ، لما عرفت من صحة التمسك بالعامّ فيه إذا كان منفصلا ، لانعقاد الظهور له في العموم ، وعدم مانع عن حجيته في الافراد التي يشك في انطباق الخاصّ عليها.

__________________

(*) الظاهر أنه إشارة إلى دفع ما يتوهم تارة من عدم الفرق بين المتصل والمنفصل ، نظراً إلى أن المخصص المنفصل مثل «لا تكرم فساق العلماء» وان لم يكن رافعاً لظهور العام أعني «أكرم العلماء» إلّا أنه يقيد المراد الواقعي بغير الفاسق بحيث يصير موضوع وجوب الإكرام العالم غير الفاسق ، فإذا كان مفهوم الفاسق مردداً بين الأقل والأكثر كما هو المفروض ، فلا محالة يصير من يجب إكرامه من العلماء بحسب المراد الواقعي مردداً بين الأقل والأكثر أيضا ، ففي الافراد التي لا يعلم فسقها وعدالتها لا يجوز التمسك بأكرم العلماء لوجوب إكرامها ، فلا فرق في عدم جواز التشبث بالعامّ بين الخاصّ المتصل والمنفصل ، إذ المدار في جواز التمسك بكل دليل على إحراز موضوعه ، وبدونه لا يجوز ذلك قطعاً.

وأخرى من عدم الفرق بين المتباينين والأقل والأكثر أيضا ، نظراً إلى أن الأصول اللفظية لما كان اعتبارها لكشفها عن المرادات الواقعية ، ومع دوران الخاصّ بين الأقل والأكثر ـ لإجمال المخصص ـ لا تكون أصالة العموم التي هي من تلك الأصول كاشفة عن كون الأكثر محكوماً بحكم العام ، فلا محالة يكون الأكثر مورداً للأصول العملية. وعليه ، فوزان الأقل والأكثر وزان

٥٠٣

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

المتباينين في عدم جواز الرجوع إلى العام في إحراز الحكم ، بل المرجع فيه الأصول العملية.

لكنك خبير باندفاع كلا التوهمين : أما الأول ، فبأن دليل العام يشمل كل فرد من أفراد الموضوع ، وإطلاقه الأحوالي يعم كل زمان وزماني يمكن أن يكون قيداً له ، فمثل «أكرم العلماء» يشمل كل فرد من أفراد العلماء ، ويدفع احتمال كل ما يصلح لأن يكون قيداً له ، ولا نرفع اليد عن هذا الإطلاق الأحوالي إلّا بالمقدار الّذي علم بشمول دليل الخاصّ له ، إذ ليس دليل المخصص بمفهومه مقيداً لدليل العام حتى يسري إجماله إليه ، ويصير المراد من العام مجملا ، بل المقيد بمفهومه الحاكي عن الحقيقة يقيد الإطلاق.

فالنتيجة : أن الإطلاق محكم في غير ما علم تقيد المراد الواقعي بالنسبة إليه ، ففي مثل «لا تكرم فساق العلماء» إذا أجمل مفهوم الفاسق لا نرفع اليد عن العلماء إلّا بالنسبة إلى فاعل الكبيرة ، فمرتكب الصغيرة داخل في العام ، فيجب إكرامه. ولا يقدح إجمال مفهوم الفاسق في الأخذ بإطلاق العام لحالاته وطوارئه التي يصح تقييده بها ، فتأمل جيداً.

وأما الثاني ، فلوضوح الفرق بين المتباينين والأقل والأكثر ، حيث ان الشك في التخصيص بالأكثر شك في التخصيص الزائد على ما علم تخصيصه به ، ولا إشكال حينئذ في الرجوع إلى أصالة العموم ، ومعه لا تصل النوبة إلى الأصول العملية. وهذا بخلاف المخصص المردد مفهومه بين المتباينين ، فان العلم الإجمالي بتخصيص العام بأحدهما مانع عن الرجوع إلى أصالة العموم ، وهذا المانع مفقود في الأقل والأكثر.

٥٠٤

وأما (١) إذا كان مجملا بحسب المصداق بأن اشتبه فرد وتردد بين أن يكون فرداً له (٢) أو باقياً تحت العام ، فلا كلام في عدم جواز

______________________________________________________

الشبهة المصداقية

(١) معطوف على قوله في أول الفصل : «إذا كان الخاصّ بحسب المفهوم» والأولى إسقاط «اما» بأن يقال : «وإذا كان ـ أي الخاصّ ـ مجملا بحسب المصداق»

(٢) أي : للخاص ، كما إذا اشتبه لأجل الأمور الخارجية فرد الخاصّ بغيره كتردد زيد العالم بين زيد العادل والفاسق ، لظلمة أو نحوها من الأمور الخارجية.

وتوضيح ما أفاده (قده) في الخاصّ المجمل بحسب المصداق : أنه ان كان متصلا بالعامّ ، فلا كلام في عدم جواز التمسك بالعامّ لإثبات حكم هذا الفرد المشتبه ، لعدم انعقاد ظهور له في العموم ، بل لا ظهور للكلام الا في الخصوص فإذا قال : «أكرم العلماء الا فساقهم» فكأنه قال : «لا تكرم فساق العلماء» وحيث ان عدم إحراز فردية ما يحتمل انطباق الخاصّ عليه للعام مانع عن التمسك بالدليل ـ أي العام ـ فما لم يحرز كون المردد فرداً للعام لم يجز التمسك به لإثبات حكمه لهذا المردد ، فإذا قال : «أكرم العلماء الا زيداً الفاسق» وتردد فرد ـ لشبهة خارجية ـ بين كونه زيد الفاسق والعادل ، لا يجوز التمسك بهذا الدليل لإثبات حكمه.

__________________

ولكن هذا الجواب مبني على ما مر آنفاً من : أن دليل التقييد انما يقيد بمفهومه الحاكي عن الحقيقة ، وإلّا فيصير العام مجملا ، كالتخصيص بالمجمل المردد بين المتباينين.

٥٠٥

التمسك بالعامّ لو كان متصلا به (١) ، ضرورة (٢) عدم انعقاد ظهور للكلام الا في الخصوص (*) كما عرفت (٣).

______________________________________________________

(١) أي : بالعامّ ، والضمير المستتر في «كان» راجع إلى الخاصّ.

(٢) تعليل لعدم جواز التمسك بالعامّ في المصداق المشتبه ، وحاصله : أنه لا ظهور للعام في العموم حتى يصح التشبث به في الفرد المشتبه ، بل لا ظهور له الا في الخصوص ، وحيث ان فردية المشتبه للخاص مشكوكة ، فلا يجوز التشبث بالخاص أيضا لإثبات حكمه لهذا الفرد المشتبه ، وحينئذ فالمرجع هي الأصول العملية.

(٣) حيث قال : «وبين الأقل والأكثر فيما كان متصلا فيسري إجماله إليه وان كان الخاصّ المجمل بحسب المصداق منفصلا عن العام» ، وقد أشار إليه بقوله : «وأما إذا كان منفصلا عنه ، ففي جواز التمسك بالعامّ خلاف» فالمشهور أنه لا إجمال في العام ، فيجوز التمسك به ، إذ مع انفصال الخاصّ ينعقد للعام ظهور في العموم ، ولا مانع عن حجيته إلّا بالنسبة إلى ما يكون الخاصّ حجة فعلية فيه ، وهو الافراد التي يعلم انطباق الخاصّ عليها ـ كمرتكب الكبائر ـ فيما

__________________

(*) الأولى أن يقال : «ضرورة عدم ظهور للكلام الا في مفهوم الخاصّ ، لا في مصداقه» إذ ليس الكلام حجة في غير معناه ، فان قوله : «أكرم العلماء الا فساقهم» لا ظهور له الا في وجوب إكرام العلماء غير الفساق ، من غير أن يتكفل حال المصاديق ، وأن زيداً ـ مثلا ـ هل هو فاسق أم لا؟

وان شئت فقل : ان شأن الدليل إنشاء الحكم لموضوعه. وأما إحراز الموضوع خارجاً ، فهو أجنبي عن شأنه ، وهذا جار في جميع الشبهات المصداقية من غير فرق فيها بين المخصص اللفظي واللبي ، كما سيأتي.

٥٠٦

وأما إذا كان منفصلا عنه ، ففي جواز التمسك به خلاف ، والتحقيق عدم جوازه ، إذ غاية ما يمكن أن يقال في وجه جوازه (١) أن الخاصّ انما يزاحم العام فيما كان فعلا حجة [فيه] ، ولا يكون حجة فيما اشتبه أنه من أفراده (٢) ، فخطاب «لا تكرم فساق العلماء»

______________________________________________________

إذا كان الخاصّ حرمة إكرام فساق العلماء ، ففي الافراد التي لا يعلم انطباق مفهوم الخاصّ ـ كالفاسق ـ عليها كمرتكبي الصغائر لا يكون الخاصّ حجة فيها حتى يزاحم حجية العام فيها ، لعدم إحراز موضوعه ، وجواز التمسك بدليل منوط بإحراز موضوعه ، وعليه فيجوز التمسك بالعامّ في مرتكبي الصغائر ، لكونها من أفراده التي لم يثبت خروجها عن حكمه ، وضميرا «عنه وبه» راجعان إلى العام ، والضمير المستتر في «كان» راجع إلى الخاصّ.

(١) هذا الضمير وضمير «جوازه» المتقدم راجعان إلى التمسك بالعامّ ، وقد عرفت تقريب الجواز آنفاً بقولنا : «إذ مع انفصال الخاصّ ينعقد للعام ... إلخ». ثم ان المشهور القائلين بجواز التمسك المزبور رتبوا عليه فروعاً :

منها : الحكم بالضمان فيما إذا دار أمر اليد بين كونها عدوانية وأمانية ، فانهم تمسكوا بعموم «على اليد ما أخذت» للضمان.

ومنها : ما عن شيخنا الأعظم فيما إذا دار أمر الماء الملاقي للنجاسة بين القليل القابل للانفعال ، والكثير العاصم ، فانه تمسك بعمومات الانفعال على نجاسته.

(٢) أي : أفراد الخاصّ ، فانه ليس حجة في الافراد المشكوكة ، لعدم إحراز فرديتها له ، ومع الشك في موضوع دليل لا يجوز التمسك به لإثبات الحكم فلا يزاحم الخاصّ مثل : «لا تكرم فساق العلماء» العام ، كقوله : «أكرم العلماء»

٥٠٧

لا يكون دليلا على حرمة إكرام من شك في فسقه من العلماء ، فلا يزاحم (١) مثل «أكرم العلماء» ولا يعارضه ، فانه (٢) يكون من قبيل مزاحمة الحجة بغير [لغير] الحجة ، وهو (٣)

______________________________________________________

في الفرد المردد بين الفاسق والعادل ، بل العام فيه حجة بلا مزاحم. وضمير «انه» راجع إلى «ما» الموصول.

(١) أي : لا يزاحم الخاصّ كقوله : «لا تكرم فساق العلماء» العام مثل «أكرم العلماء» ولا يعارضه.

(٢) هذا وجه عدم المزاحمة ، يعني : أن العام حجة في الفرد المشتبه ، ولا يكون الخاصّ حجة فيه ، فمزاحمة الخاصّ للعام في هذا الفرد المشتبه تكون من قبيل مزاحمة غير الحجة للحجة ، وهو غير صحيح ، فلو فرض عدم حجية العام حينئذ لم يكن الخاصّ أيضا حجة في الفرد المشتبه ، بل المرجع هو الأصل العملي.

(٣) أي : الوجه المزبور الّذي تمسك به المشهور على جواز التمسك بالعامّ في الفرد المشتبه في غاية الفساد ، حيث ان الخاصّ وان لم يكن حجة في الفرد المشتبه ، لعدم إحراز موضوعه ، لكنه يوجب سقوط العام عن الحجية فيه أيضا ، ضرورة أن الخاصّ يوجب تعنون العام ـ كالعلماء ـ بغير عنوان الخاصّ ـ كالفاسق في المثال المتقدم ـ ، فيكون موضوع وجوب الإكرام في قوله : «أكرم العلماء» هو العالم غير الفاسق فقط ، وليس موضوعه مطلق العالم ، والعام حجة في موضوعه ، فكأنه قيل من أول الأمر : «أكرم العلماء غير الفساق» فكما يلتزم الخصم بعدم جواز التمسك بالعامّ المخصص بالمخصص المتصل في الافراد المشتبه التي لم يعلم انطباق الخاصّ عليها ، فكذلك لا بد من أن يلتزم بعدم جوازه في المخصص المنفصل الموجب لتعنون العام به ، فالعالم الّذي

٥٠٨

في غاية الفساد ، فان (١) الخاصّ وان لم يكن دليلا في الفرد المشتبه فعلا (٢) ، إلّا أنه (٣) يوجب اختصاص حجية العام في غير عنوانه من الافراد ، فيكون (٤) «أكرم العلماء» دليلا وحجة في العالم غير الفاسق (٥) ، فالمصداق المشتبه وان كان مصداقاً للعام بلا كلام ، إلّا أنه لم يعلم أنه (٦) من مصاديقه بما هو حجة ، لاختصاص (٧) حجيته بغير الفاسق.

______________________________________________________

يحتمل فسقه لا يندرج تحت العام ، ولا الخاصّ ، للشك في موضوعيته لكل منهما ، ومع الشك في الموضوع لا مجال للتشبث بالدليل.

فالمتحصل : أنه لا فرق في عدم جواز التمسك بالعامّ في الشبهة المصداقية بين المخصص المتصل والمنفصل.

(١) هذا تقريب الفساد ، وقد عرفت توضيحه بقولنا : «حيث ان الخاصّ ... إلخ».

(٢) قيد لقوله : «دليلا» يعني : وان لم يكن دليلا فعلا.

(٣) أي : الخاصّ يوجب اختصاص حجية العام بغير عنوان الخاصّ.

(٤) هذه نتيجة تعنون العام بغير عنوان الخاصّ ، حيث ان لازم التعنون المزبور عروض الشك في مصداقية العالم المشكوك الفسق للعام بما هو حجة وان كان معلوم المصداقية له ، مع الغض عن حجيته.

(٥) الّذي هو موضوع حكم العام بعد التخصيص الموجب للتعنون واقعاً.

(٦) أي : المصداق المشتبه ، وضمير «مصاديقه» راجع إلى العام ، والضمير في «إلّا أنه» للشأن.

(٧) تعليل لعدم العلم بمصداقية الفرد المشتبه للعام بما هو حجة ، وحاصله : اختصاص حجية العام بغير الفاسق ، ففي الفرد المردد بينه وبين العادل حيث انه

٥٠٩

وبالجملة : العام المخصص بالمنفصل وان كان ظهوره في العموم كما (١) إذا لم يكن مخصصاً ، بخلاف المخصص بالمنفصل كما عرفت ، إلّا أنه (٢) في عدم الحجية الا في غير عنوان الخاصّ مثله (٣) ، فحينئذ (٤) يكون الفرد المشتبه غير معلوم الاندراج تحت إحدى

______________________________________________________

لم يحرز فرديته لغير الفاسق لا يشمله العام بما هو حجة وان شمله بذاته لكونه من العلماء.

والحاصل : أن العام المخصص بالمنفصل وان كان ظاهراً في العموم ، كالعام الّذي لم يخصص أصلا ، بخلاف المخصص بالمتصل ، حيث انه كما مر لا ينعقد له ظهور في العموم ، إلّا أنه كالمتصل في الحكم ، وهو عدم الحجية الا في غير عنوان الخاصّ ، كما مر توضيحه آنفاً.

(١) خبر قوله : «العام المخصص» يعني : العام المخصص بالمنفصل كالعام الّذي لم يخصص من حيث انعقاد الظهور له في العموم ، لكنه في عدم الحجية كالعام المخصص بالمتصل الا في غير عنوان الخاصّ.

(٢) أي : العام المخصص بالمنفصل مثل المخصص بالمتصل.

(٣) خبر «انه» وضميره راجع إلى المخصص بالمتصل.

(٤) أي : حين كون المخصص بالمنفصل كالمخصص بالمتصل في عدم الحجية الا في غير عنوان الخاصّ ـ كغير الفاسق في المثال المتقدم ـ يكون الفرد المشتبه غير معلوم الاندراج تحت إحدى الحجتين ، وهما العام والخاصّ ، فلا بد من الرجوع إلى الأصل العملي المنوط جريانه بفقدان الدليل الاجتهادي ، كما في المقام.

٥١٠

الحجتين (*) ، فلا بد من الرجوع إلى ما هو الأصل في البين.

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

(*) قد يقال بعدم الفرق بين المردد لأجل الشبهة المصداقية كالمقام ، وبين المردد لإجمال مفهوم الخاصّ المنفصل في عدم جواز التمسك بالعامّ ، وذلك لاشتراك الإشكال المتقدم المانع عن التشبث بالعامّ بينهما ، حيث ان تعنون العام بغير الخاصّ المردد مفهومه بين الأقل والأكثر يوجب عدم حجية العام والخاصّ في الفرد المردد ، كارتكاب المعصية الصغيرة الّذي تحتمل مصداقيته لكل من العام والمخصص مع فرض إجمال مفهوم الفسق ، وتردده بين فعل المعصية مطلقاً وبين فعل الكبيرة فقط ، إذ ملاك عدم جواز التمسك بالعامّ ـ وهو عدم إحراز مصداقية الفرد المردد لكل من العام والخاصّ ـ موجود ، فإشكال المتن وهو قوله : «فان الخاصّ وان لم يكن دليلا في الفرد المشتبه فعلا ... إلخ» على المشهور القائلين بجواز التمسك بالعامّ في الشبهة المصداقية في المخصص المنفصل وارد أيضا على مجوز التشبث بالعامّ في الفرد المشتبه للشبهة المفهومية الدائرة بين الأقل والأكثر.

فالنتيجة : أنه لا فرق في عدم جواز التمسك بالعامّ في الفرد المردد بين الشبهة المصداقية والمفهومية ، ولا وجه للتفكيك بينهما بالذهاب إلى الجواز في الثاني والعدم في الأول ، هذا.

لكنه ضعيف جداً ، والقياس باطل ، لكونه مع الفارق ، توضيحه : أن في الشبهة الموضوعية التي هي مورد بحثنا حجتين معلومتين مفهوماً ، وأن الشبهة في اندراج الفرد المردد تحت إحداهما انما حدثت بسبب أمور خارجة عن مفهومهما. ومن المعلوم أن الدليل المتكفل للحكم الكلي قاصر عن تمييز موضوعه عما يوجب اشتباهه من الأمور الخارجية ، وذلك لأن التمسك بالعموم لرفع الشك انما يصح في الشك الّذي يكون المرجع في رفعه هو الشارع ، كالشك في أصل التخصيص أو التخصيص الزائد ، ومن المعلوم أن الشبهة

٥١١

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

المصداقية لا ترجع إلى شيء منهما ، وهذا بخلاف الفرد المشتبه للشبهة المفهومية الدائرة بين الأقل والأكثر ، إذ ليس فيه حجتان ، بل لم تقم الحجة من طرف الخاصّ من أول الأمر إلّا على المتيقن وهو الأقل كارتكاب الكبيرة ، فارتكاب الصغيرة لم تقم عليه حجة ، والمفروض أن العام يشمل جميع أفراد العلماء مع القيود والحالات المفروضة لهم ، والمتيقن خروجه من أفراده انما هو مرتكب الكبيرة ، والمرتكب للصغيرة لم تقم حجة على خروجه ، فالعام حجة فيه.

وان شئت فقل : ان العام حجة في الشك في أصل التخصيص أو التخصيص الزائد. وليس الأمر كذلك في الشبهة المصداقية ، إذ لا يرجع الشك فيها إليهما أصلا ـ كما تقدم آنفاً ـ بعد العلم بمفهوم الخاصّ ، وانما يرجع إلى انطباقه على الفرد المردد لشبهة خارجية أجنبية عن المفهوم.

وقد استدل لجواز التمسك بالعامّ في الشبهات المصداقية بوجوه أخرى :

الأول : قاعدة المقتضي والمانع ، ببيان : أن العام مقتضٍ للحجية في جميع ما يشمله من الافراد ، والمخصص المنفصل مانع عن حجيته فيما ثبت فرديته للخاص. وأما في الافراد التي شك في خروجها عن العام كزيد العالم المشكوك فسقه مع عدم العلم بحالته السابقة ، فالعام حجة فيها ، لبناء العقلاء على الأخذ بالمقتضي مع الشك في وجود المانع. وعليه ، فيجب إكرام زيد في المثال تمسكاً بعموم «أكرم العلماء».

وفيه : أن المقام أجنبي عن قاعدة المقتضي والمانع التي قيل ببناء العقلاء عليها ، وذلك لأن موردها صورة العلم بوجود المقتضي والشك في وجود المانع ، وأما الشك في وجود المقتضي أو القطع بعدمه ، فهو أجنبي عن

٥١٢

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

القاعدة المزبورة. وفي المقام لم يحرز اقتضاء العام للحجية في الشبهات المصداقية لأن الدلالة التصديقية التي هي حجة عند العقلاء انما تكشف عما هو مقصود المتكلم ، لا ما هو أجنبي عنه ، ومن المعلوم أن مقصوده من إقامة الدليل تشريع الأحكام الكلية لموضوعاتها ، كجعل الحرمة للخمر. وأما تعلق غرضه بتطبيق تلك الموضوعات على مصاديقها الخارجية غير معلوم لو لم يكن معلوم العدم ، لخروجه عن وظيفته بما هو شارع ، فلا تكون الدلالة التصديقية كاشفة عنها وحجة عليها حتى يكون العام مقتضياً للحجية في الشبهات المصداقية.

وبعبارة أخرى : المصداق المشتبه وان كان فرداً للعام بما هو عام ، لكن مصداقيته له بما هو حجة غير معلومة ، لقصر حجيته على غير الفاسق الواقعي بعد تخصيصه بغير الفساق من العلماء ، فحكم العام ـ كوجوب الإكرام ـ بعد التخصيص ثابت للعلماء غير الفساق ، فالعالم الفاسق محرم الإكرام ، والعالم غير الفاسق واجب الإكرام ، وهما كبريان متضمنتان لحكمين كليين ، ومن البديهي عدم تكفل الكبريات لتشخيص صغرياتها ، وليس شأن الشارع الا تشريع الأحكام لموضوعاتها الكلية ، وأما بيان المصاديق ، فهو خارج عن وظيفته ، فتعلق غرضه ببيانها يحتاج إلى مزيد بيان وإقامة برهان.

فالمتحصل : أن العام لا يقتضي حجيته في الشبهات المصداقية حتى يكون من صغريات قاعدة المقتضي والمانع.

الثاني : أن أصالة التطابق بين الإرادة الاستعمالية والجدية تقضي بجواز التمسك بالعامّ في الشبهات المصداقية ، توضيحه : أن العام قد استعمل في معناه

٥١٣

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

الشامل لجميع أفراده ، فإذا شك في خروج بعض أفراده عنه ولو لأجل أمور خارجية ، فمقتضى أصالة التطابق التي مرجعها إلى أصالة العموم التي هي من الأمارات العقلائية عدم خروجه عن حيز العام ، وبقاؤه على حكمه.

وفيه أولا : أنه لا مجال لهذا الأصل بعد تحكيم الخاصّ على العام ، والقطع بعدم تطابق الإرادتين الاستعمالية والجدية ، لخروج بعض أفراده عن حيزه يقيناً ، فلا تجري أصالة العموم بعد انكسار سورة حجية العام بالتخصيص حتى يتمسك بها في الشبهات المصداقية.

وثانياً : أن أصالة التطابق تستلزم تكفل العام لحكمين طوليين واقعي وظاهري وهو كما ترى ، لتأخر الحكم الظاهري عن الواقعي بمرتبتين ، فكيف يمكن أن يكون مثل «أكرم العلماء» ناظراً إلى الحكم الواقعي والظاهري المتأخر عنه برتبتين.

الثالث : أن تمامية الحجة من ناحية الشارع منوطة بثبوت الكبرى والصغرى معاً ، ولا تتم الا بهما ، إذ الانبعاث والانزجار المترتبان على الأحكام البعثية والزجرية يتوقفان على العلم بالكبرى والصغرى معاً ، ضرورة عدم كفاية العلم بحرمة الخمر في الانزجار عن شرب المائع المردد بين الخل والخمر ، بل لا بد في حصوله من العلم بالصغرى وهي كون هذا المائع خمراً ، وكذا الانبعاث. وفي المقام كبريان معلومتان إحداهما قوله : «أكرم العلماء» والثانية قوله : «لا تكرم الفساق من العلماء» وكل منهما وان كان ظاهراً في العموم ، إلّا أن فردية زيد العالم للعام الأول معلومة ، وللثاني مشكوك فيها ، فضم هذه الصغرى المعلومة

٥١٤

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

إلى الكبرى الأولى ينتج وجوب إكرام زيد ، لصحة أن يقال : «زيد عالم وكل عالم يجب إكرامه». ولا يزاحم حجية العام في هذا الفرد العام الثاني ، وهو قوله : «لا تكرم فساق العلماء» إذ المفروض عدم إحراز فردية زيد العالم له ، فلا يكون حجة فيه ، ففي العام الأول قد علم كل من الكبرى والصغرى ، بخلاف المخصص ، فان المعلوم فيه ليس إلّا نفس الكبرى ، ولا يتم به الحجة من قبل الشارع. وعليه ، فالعام حجة في الفرد المشتبه بلا مزاحم.

وفيه : أنه انما يتم بناء على اختصاص حكم الخاصّ بأفراده المعلومة ، إذ لا يكون الخاصّ حجة في غيرها ، فالعام حينئذ حجة في المصداق المشتبه بلا مزاحم. وأما إذا كان حكم الخاصّ ثابتاً لجميع أفراده الواقعية ، لا خصوص أفراده المعلومة ، فهو مانع عن حجية العام في الافراد المشكوك فيها وان كان مصداقيتها له معلومة ، لكن فرديتها له بما هو حجة غير معلومة. فكلية الكبرى وهي «كل عالم يجب إكرامه» بعد تخصيصها بقوله : «لا تكرم فساق العلماء» ممنوعة ، لأن التخصيص يوجب قصر حكم العام بأفراده الذين ليسوا بفساق واقعاً ، فلا بد في إجراء حكمه من إحراز عدم فسقهم ، وعدم كفاية عدم العلم بفسقهم في وجوب الإكرام.

وهذا من غير فرق بين تعنون العام بالتخصيص ، وصيرورة الموضوع مركباً من العلم وعدم الفسق كما هو الصحيح ، وعدمه. أما على الأول ، فواضح.

وأما على الثاني ، فلان الخارج عن دائرة العام بحسب الواقع أفراده الملازمون لعنوان الفسق ، بحيث لا يكون حكم العام ـ كوجوب الإكرام ـ لجميع أفراده مراداً جدياً للشارع ، للعلم بمخالفة الإرادة الجدية للاستعمالية بعد خروج العلماء

٥١٥

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

الملازمين للفسق عن حيزه واقعاً ، سواء علم بهم العبد أم لا ، فالمصداق المشتبه ان كان ملازماً للفسق حرم إكرامه ، وإلّا وجب إكرامه ، ومن المعلوم عدم حجية شيء من العام والخاصّ فيه ، إذ لا وجه للتمسك بدليل مع الشك في موضوعه فهما في عدم الحجية فيه بوزان واحد. وعليه ، فكل منهما حجة في تشريع الحكم الكلي فقط من دون تعرض للحكم الجزئي للفرد المشتبه ، ولا تتوقف حجية الكبرى على العلم بالصغرى ، ومصداقية الفرد الخارجي لها.

الرابع : أن للعام في مثل قوله : «أكرم العلماء» عموماً أفرادياً يشمل به كل فرد من أفراد العالم ، وإطلاقاً أحوالياً يشمل به جميع الحالات العارضة للموضوع ، كمعلومي العدالة والفسق ومشكوكهما ، ويكون حجة في جميعها لو لا المخصص. وأما المخصص ، فلا يزاحم حجية العام الا في خصوص معلوم الفسق ، فيبقى غيره من معلوم العدالة ومشكوكها تحت العام ، لعدم حجية الخاصّ فيهما ، فلا مزاحم لحجية العام فيهما.

وفيه أولا : أن لفظ العام وان استعمل في العموم ، لكنه بعد التخصيص يعلم بعدم إرادته جداً ، وعدم التطابق بين الإرادة الاستعمالية والجدية ، فانكسرت سورة حجيته في العموم كما تقدم آنفاً.

وثانيا : أن المراد بالإطلاق ليس دخل الحيثيات والحالات في الموضوع بحيث يتركب موضوع الحكم من الذات والحيثيات المتحدة ، ويصير الموضوع «العالم العادل والعالم المشكوك الفسق والعدالة» حتى يقال : ان الخارج عن حيز العام خصوص معلوم الفسق ، ومشكوكة ـ كمعلوم العدالة ـ باق تحته ،

٥١٦

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

فيكون حجة فيه ، بل المراد بالإطلاق هو لحاظ الطبيعة مجردة عن الحيثيات والقيود موضوعا للحكم ، فالإطلاق أمر عدمي ، وليس أمراً وجودياً ، وهو لحاظ الحالات قيوداً في الموضوع حتى يتكثر بها الموضوع ، ويقال : ان الخارج عن العام بالتخصيص هو خصوص معلوم الفسق ، هذا.

مضافاً إلى : أنه لا وجه لجعل الخارج خصوص معلوم الفسق بعد وضوح كون الألفاظ موضوعة للمعاني الواقعية ، لا المعلومة ، ولا المرادة ، فالعلم والشك والإرادة أجنبية عن الموضوع له. وعليه ، فالخارج بالتخصيص هو الفاسق الواقعي ، لا معلوم الفسق ، فالفاسق الواقعي خارج عن حيز العام ، والعادل الواقعي باق تحته ، والفرد المشتبه مردد بينهما ، وحجية العام والخاصّ بالنسبة إليه على حد سواء من دون مرجح لحجية العام على الخاصّ مطلقاً.

فتلخص من جميع ما ذكرنا : أنه لا وجه للتمسك بالعامّ في الشبهات المصداقية أصلا ، من غير فرق في ذلك بين المخصصات اللفظية واللبية ، لأن الافراد غير مرادة من العام ، لا بالإرادة الاستعمالية ولا الجدية كما لا يخفى. فوزان التخصيص الأنواعي وزان التقييد ، فكما لا مجال للتمسك بالمطلق عند الشك في مصداق المقيد ، فكذلك العام. ولا فرق بين التخصيص والتقييد الا في أن مورد الأول هو العام الشامل لافراده دفعة كالعلماء ، ومورد الثاني هو المطلق أعني الطبيعة كالرقبة ، فالتخصيص والتقييد مشتركان في قلب الموضوع عن التمامية إلى الجزئية ، وجعله جزء الموضوع.

ودعوى : أن نتيجة التخصيص قلة الافراد المحكومة بحكم العام بخصوصيتها الذاتيّة بلا ازدياد خصوصية عرضية ، وطروّ عنوان عليها ، فالخاص ـ كالفساق ـ

٥١٧

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

لم يغير موضوع حكم العام ، بل هو عنوان ملازم للافراد الخارجة عن حيزه ، فلم يتغير الموضوع ـ أعني العام ـ ولم ينقلب عن كونه تمام الموضوع إلى جزئه كما هو شأن التقييد ، حيث انه يوجب تركب الموضوع كالرقبة ، وانقلابه عن التمامية إلى الجزئية ، ولذا لا يصح التمسك بالمطلق عند الشك في مصداق المقيد ، بخلاف التخصيص ، فان عدم تغير موضوع الحكم فيه صار منشأ لتوهم جواز التمسك بالعامّ في المصداق المشتبه ، دون باب التقييد. (غير مسموعة) لما فيها أولا : من أن حمل الخاصّ على العنوان الملازم للافراد الخارجة عن حكم العام خلاف الظاهر ، حيث ان ظاهر العنوان المأخوذ في الخطابات هو الموضوعية لا المشيرية ، وحمله على العنوان الملازم إلغاء لذلك الظاهر ، وموقوف على قرينة مفقودة.

وثانياً : من أن بقاء العام على موضوعيته التامة ، وعدم تصرف الخاصّ فيها لا شطراً ولا شرطاً يوجب كون خروج بعض الافراد عن العام بلا وجه ، وبقاء حكمه للافراد الباقية تحته بلا مرجح.

وثالثا : من استلزامه تخلف الحكم عن موضوعه ، مع أن وزانهما وزان العلة والمعلول في عدم الانفكاك ، ضرورة أن بقاء العام على موضوعيته التامة حتى بعد التخصيص ـ كما هو المفروض ـ يلزم أن يكون انتفاء حكمه عن أفراده الخارجة عنه بالتخصيص من تخلف الحكم عن موضوعه ، وهو كما ترى.

ورابعاً : من أن دعوى كون الخاصّ عنواناً ملازماً للافراد الخارجة عن العام خالية عن البرهان ، لأن مجرد إمكانها ثبوتاً لا يكفي في إثباتها ، خصوصاً مع ما عرفت من كون حمل العنوان على المشيرية خلاف المتفاهم العرفي ،

٥١٨

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

وهذا يدل على عدم صحة هذا الحمل ، فيكون البرهان على خلاف هذه الدعوى موجوداً.

بقي هنا أمران ينبغي التنبيه عليهما :

الأول : أنه قد تقدم سابقاً : أن شأن الشارع بيان الأحكام الكلية لموضوعاتها كذلك ، ولذا لا يجوز التمسك بالدليل في الشبهات المصداقية ، وليعلم أن ذلك انما هو في الأدلة المتكفلة للأحكام الأولية ، لما مر من امتناع تكفلها لحكمين طوليين واقعي وظاهري ، وإلّا فلا مانع من بيان أحكام المصاديق المشتبهة بعنوان كلي بحيث يكون متكفلا للحكم الظاهري فقط ، كاليد ، والبينة ، والسوق ، فانها مسوقة لبيان أحكام الموضوعات الخارجية المشتبهة ظاهراً ، فالتمسك بهذه القواعد المجعولة لأحكام الموضوعات المشتبهة أجنبي عن التمسك بالدليل في الشبهات المصداقية.

الثاني : أنه قد ذكر في تقريرات الفقيه السيد البروجردي قدس‌سره ما لفظه : «الأمر الثامن إذا وقع الاختلاف في كون يد أمينة أو عادية ، فالمشهور على أن القول قول مدعي الضمان ، وأن البينة على مدعي الأمانة ، وحيث ان ذلك بحسب الظاهر على خلاف القواعد ، إذ القاعدة تقتضي تقديم قول مدعي الأمانة من جهة أن الأصل عدم الضمان ، تصدى بعضهم لتصحيح فتوى المشهور فاستدل لذلك بعموم على اليد ، ونحن أيضا تمسكنا به في حواشينا على العروة ولكنه لا يخفى فساده ، فان عمومه مخصص باليد الأمينة ، فالتمسك به في اليد المشكوك فيها تمسك بالعامّ في الشبهات المصداقية ... إلى أن قال : والظاهر

٥١٩

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

أن مستندهم في هذه الفتوى الروايات الواردة في المسألة ، وحيث لم يظفر عليها بعض المتأخرين ذكر وجوهاً غير مغنية».

أقول : لا يخفى أن مقتضى القاعدة في اليد المشكوكة الضمان ، وليس مستنده التمسك بالعامّ في الشبهة المصداقية ، وذلك لأن موضوع الضمان مركب من الاستيلاء على مال الغير بدون اذنه ، وأحد الجزءين ـ وهو الاستيلاء ـ محرز بالوجدان ، والآخر بالأصل ، حيث ان الاذن من الحوادث المسبوقة بالعدم ، فيستصحب عدمه ، وبه يتم كلا جزئي الموضوع ، ويترتب عليه حكمه فالروايات تكون على طبق القاعدة ، وليست الفتوى بالضمان مستندة إلى التمسك بالعامّ في الشبهة المصداقية أصلا ، فما عن المشهور من الحكم بالضمان في اليد المشكوكة في غاية المتانة ، ولا يرد عليه إشكال أصلا.

لا يقال : ان موضوع الضمان هو التصرف غير المأذون فيه ، وهو من الموضوعات المقيدة التي لا يمكن إحرازها بالأصل الا على القول بالأصول المثبتة ، كما إذا فرض دخل عنوان القبلية في إدراك المأموم الإمام ، بأن يكون موضوع الائتمام ركوع المأموم قبل رفع رأس الإمام عنه ، فاستصحاب ركوع الإمام إلى زمان ركوع المأموم لا يثبت عنوان القبلية إلّا بناء على حجية الأصل المثبت. وفي المقام لا يثبت باستصحاب عدم الاذن اتصاف التصرف بكونه غير مأذون فيه ، فلا بد أن يكون مستند الضمان في اليد المشكوك فيها هي الروايات المشار إليها.

فانه يقال : لا ينبغي الارتياب في كون المقام من الموضوعات المركبة دون المقيدة ، ضرورة أنه مؤلف من عرضين قائمين بمحلين ، فان الاستيلاء

٥٢٠