منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٣

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٣

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: مطبعة غدير
الطبعة: ٦
الصفحات: ٧٨٣

مدخلية شيء آخر في الجزاء ، بخلاف الوجه الأول (١) ، فان فيهما (٢) الدلالة على ذلك (٣).

واما (٤) بتقييد إطلاق الشرط في كل منهما بالآخر ، فيكون الشرط

______________________________________________________

بخلاف الوجه الأول ، فانه يدل على عدم دخل شيء آخر في ثبوت الجزاء بل ينتفي بانتفاء الشرطين ، وليس هنا شرط آخر يقوم به الجزاء.

(١) وهو تقييد إطلاق مفهوم كل منهما بمنطوق الآخر.

(٢) أي : في الشرطين ، وهذا هو الفارق بين الوجهين ، ففي الوجه الأول يدل الشرطان على نفي الشرط الثالث ، فينتفي الجزاء بانتفائهما ، إذ المفروض تقييد المفهومين ، لا رفع اليد عنهما رأساً. وفي الوجه الثاني لا يدل الشرطان على نفي الشرط الثالث حتى يثبت لهما المفهوم ، ولذا صارت القضيتان الشرطيتان ـ بناء عليه ـ كاللقب في عدم المفهوم لهما رأساً.

(٣) أي : عدم مدخلية شيء آخر في ثبوت الجزاء ، بل ينتفي الجزاء بانتفائهما.

(٤) معطوف على «اما». وهذا ثالث الوجوه الأربعة ، وحاصله : تقييد الإطلاق الواوي ، وتوضيحه : أن إطلاق الشرط في كل منهما يدل على كونه تمام الموضوع للحكم المذكور في الجزاء ، فالموضوع التام لوجوب القصر هو خفاء الأذان ، وكذا في المثال الآخر ، ونرفع اليد عن هذا الإطلاق بنص كل منهما. ونتيجة ذلك صيرورة كل من الشرطين جزء الموضوع ، فكأنه قيل : «إذا خفي الأذان وتواري عنه البيوت وجب عليه القصر» فالجزاء مترتب على كلا الشرطين ، ولا يترتب على أحدهما ، كما لا يترتب على غيرهما ، فالشرطان ينفيان شرطية شيء آخر للجزاء. ومرجع هذا الوجه إلى رفع اليد عن ظهور

٣٦١

هو خفاء الأذان والجدران معاً (١) ، فإذا خفيا (٢) وجب القصر ، ولا يجب (٣) عند انتفاء خفائهما ولو خفي أحدهما.

واما (٤) بجعل الشرط هو القدر المشترك بينهما بأن يكون تعدد

______________________________________________________

كل من الشرطين في الاستقلال ، وجعل كل منهما جزء الموضوع ، والمجموع شرطاً واحداً نافياً لدخل غيرهما في الجزاء.

(١) بحيث يكون كل من الشرطين جزءاً لموضوع وجوب القصر.

(٢) أي : الأذان والجدران.

(٣) يعني : ولا يجب القصر عند انتفاء خفاء الأذان والجدران ولو خفي أحدهما.

(٤) معطوف على «اما» وهذا رابع الوجوه الأربعة ، وحاصله : رفع اليد عن ظهور الشرط في كونه بعنوانه دخيلا ومؤثراً في الجزاء ، وجعله في صورة تعدده مصداقاً لما هو الشرط حقيقة ، فكل من الشرطين محصل لما هو الشرط في نفس الأمر أعني الجامع بينهما ، وذلك لما تقرر عندهم من عدم تأثير المتعدد بما هو متعدد في الواحد ، فالشرطان بما هما متعددان لا يؤثران في الجزاء ، بل بما هما محصلان لذلك الجامع الوحدانيّ.

ومرجع هذا الوجه إلى رفع اليد عن تأثير كل من الشرطين بعنوانه الخاصّ في الجزاء ، فيثبت الجزاء بأحدهما ، وينتفي بانتفائهما ، ويدلان على عدم دخل شيء آخر في ثبوت الجزاء ، كأول الوجوه الأربعة ، غاية الأمر أن مرجع الأول إلى التصرف في الإطلاق العِدلي ، ورفع اليد عنه مع انحفاظ خصوصية كل من الشرطين. بخلاف هذا الوجه الرابع ، فان المؤثر وما هو الشرط حقيقة هو الجامع بين الشرطين ، وتأثير كل منهما انما يكون لمصداقيته لذلك الجامع.

٣٦٢

الشرط قرينة على أن الشرط في كل منهما ليس بعنوانه الخاصّ ، بل بما هو مصداق لما يعمهما من العنوان.

ولعل (١) العرف يساعد على الوجه الثاني ، كما أن العقل ربما يعين هذا الوجه (٢) ، بملاحظة (٣) أن الأمور المتعددة بما هي مختلفة

______________________________________________________

(١) هذا شروع في الاستظهار ومقام الإثبات ، كما أن ما قبله كان راجعاً إلى مقام الثبوت.

ومحصل ما أفاده : أن العرف ربما يساعد على الوجه الثاني ، وهو رفع اليد عن المفهوم في كلتا الشرطيتين ، وجعلهما كالقضيتين اللقبيتين ، وذلك لأن المفهوم تابع للخصوصية التي يدل عليها المنطوق ، وتلك الخصوصية لما كانت بالوضع أو بالإطلاق المتقوم بعدم البيان على خلافه ، ومن المعلوم كون تعدد الشرط بياناً أو قرينة على المجاز ، فلا تدل القضية الشرطية مع التعدد ووحدة الجزاء على تلك الخصوصية حتى تدل على المفهوم. فالنتيجة : أن العرف يساعد على رفع اليد عن المفهوم في كلتا القضيتين ، وعدم دلالتهما على المفهوم أصلا ، فانتفاء خفاء الأذان والجدران معاً لا يدل على انتفاء سنخ الحكم ، لإمكان قيام شرط آخر لثبوت الجزاء.

(٢) أي : الوجه الرابع ، وهو رفع اليد عن خصوصية كل من الشرطين ، وجعل الشرط ما يعمهما ويصدق عليهما.

(٣) هذا تقريب حكم العقل بتعين الوجه الرابع ، وحاصله : أن قاعدة عدم صدور الواحد الا عن الواحد تقتضي عدم تأثير الشرطين المختلفين بما أنهما متعددان في واحد وهو الجزاء ، بل لا بد من إرجاع المتعدد إلى الواحد حتى يكون هو المؤثر ، فكل من الشرطين انما يؤثر بلحاظ الجامع الّذي هو الشرط

٣٦٣

لا يمكن أن يكون كل منها مؤثراً في واحد ، فانه (١) لا بد من الربط الخاصّ بين العلة والمعلول ، ولا يكاد يكون الواحد بما هو واحد مرتبطاً بالاثنين بما هما اثنان ، ولذلك (٢) أيضا لا يصدر من الواحد (٣) الا الواحد ، فلا بد (٤) من المصير إلى أن الشرط في الحقيقة واحد ،

______________________________________________________

حقيقة ، وينطبق عليه ، وهذه القاعدة العقلية تعين الوجه الرابع ، وتجعل الشرط المؤثر الجامع الوحدانيّ المنطبق على كل واحد من الشرطين.

(١) الضمير للشأن ، وهذا برهان قاعدة عدم صدور الواحد الا عن الواحد ، وحاصله : أن السنخية المخصوصة بين العلة والمعلول والربط الخاصّ بينهما تقتضي صدور الواحد عن الواحد ، لا عن المتعدد بما هو متعدد ، لعدم السنخية بين الواحد والمتعدد ، كما تقتضي أن لا يصدر من الواحد الا الواحد. وعلى هذا ، فيمتنع تأثير الشرطين بما هما اثنان ، بل لا بد أن يستند الأثر الواحد إلى الواحد وهو الجامع بين الشرطين.

(٢) أي : ولاعتبار الربط الخاصّ بين العلة والمعلول لا يصدر من الواحد أيضا الا الواحد.

(٣) أي : من العلة الواحدة إلّا معلول واحد.

(٤) هذا متفرع على حكم العقل بعدم صدور الواحد الا عن الواحد ، وعلى قوله : «ولعل العرف يساعد على الوجه الثاني» وحاصله : أنه ـ بعد بناء العرف على الوجه الثاني وهو رفع اليد عن المفهوم في كلتا الشرطيتين ، وجعلهما كالقضية اللقبية بالتقريب المتقدم سابقاً ، وبعد بناء العقل على امتناع تأثير كل من الشرطين بعنوانه الخاصّ في الجزاء ـ لا بد من الجمع بين القول بعدم المفهوم للقضية الشرطية عند التعدد ، لبناء العرف على ذلك كما عرفت آنفاً ،

٣٦٤

وهو المشترك بين الشرطين ، بعد البناء (١) على رفع اليد عن المفهوم وبقاء (٢) إطلاق الشرط في كل منهما على حاله ، وان كان بناء العرف والأذهان العامية على تعدد الشرط وتأثير كل شرط بعنوانه الخاصّ (٣) ، فافهم.

______________________________________________________

وبين القول بثبوت المفهوم لها ، لكون الشرط هو الجامع بين الشرطين ، للقاعدة العقلية وهي عدم صدور الواحد عن الاثنين ، برفع اليد عن المفهوم ، وبقاء إطلاق الشرط في كل من الشرطيتين على حاله ، فيقال في المثال المذكور بوجوب القصر عند خفاء الأذان مطلقاً وان لم تخف الجدران ، وبالعكس ، فالمراد بإطلاق الشرط كون كل من الشرطين تمام السبب ، لا جزءه.

(١) هذا بناء العرف ، وقد عرفت توضيحه بقولنا : «ومحصل ما أفاده أن العرف ربما يساعد على الوجه الثاني وهو رفع اليد عن المفهوم ... إلخ».

(٢) معطوف على «رفع» يعني : وبعد البناء على بقاء إطلاق الشرط ، إذ لا موجب لرفع اليد عن أصل تأثيره في الجزاء ، لكون كل من الشرطين نصاً في التأثير ، وكذا لا موجب لرفع اليد عن إطلاق شرطيته ، بأن يقيد إطلاق كل منهما بالآخر لتكون نتيجة التقييد جزئية كل منهما للسبب ، إذ يرتفع التنافي بينهما برفع اليد عن المفهوم فيهما.

(٣) يعني : لا بعنوان آخر عام ينطبق عليه ، كما هو قضية الوجه الرابع ، وضمير «منهما» راجع إلى الشرطين ، وقوله : «وان كان بناء العرف ... إلخ» استدراك على قوله : «فلا بد من المصير إلى أن الشرط في الحقيقة واحد» يعني : أن مقتضى ما تقدم من البرهان العقلي هو : أن الشرط في الحقيقة واحد

٣٦٥

.................................................................................................

______________________________________________________

وهو الجامع بين الشرطين ، وأن المؤثر في ترتب الجزاء هو هذا الجامع ، لا كل شرط بخصوصه وعنوانه ، إلّا أن بناء العرف العام في أمثال المقام على تعدد الشرط ، وأن المؤثر في ترتب الجزاء هو كل شرط بخصوصه وعنوانه.

فتحصل من جميع ما ذكر : أن الوجه الأول يدل على كون كل واحد من الشرطين عدلا للآخر ، وعلى كون المفهوم مترتباً على انتفائهما ، فيشارك الوجه الثاني في الدلالة على السببية المستقلة لكل من الشرطين ، بمعنى : أن المؤثر في ترتب الجزاء هو كل منهما بخصوصه وعنوانه.

ويشارك الثالث والرابع في الدلالة على المفهوم بانتفاء الشرطين.

ويفارق الثاني في أنه يدل على المفهوم بانتفاء الشرطين ، بخلاف الثاني.

ويفارق الثالث في أن الشرط المؤثر فيه كل منهما مستقلا ، بخلاف الثالث ، فان الشرط المؤثر فيه مجموع الشرطين ، والجزاء مترتب على كليهما ، كترتب وجوب القصر على خفاء الأذان والجدران معاً.

ويفارق الرابع في أن الشرط المؤثر فيه هو ما ذكر بخصوصه وعنوانه في المنطوق ، بخلاف الرابع ، فان المذكور في المنطوق ليس بعنوانه هو الشرط وانما هو مصداق لما هو شرط واقعاً ، وأن الشرط الحقيقي هو الجامع بين الشرطين المذكورين في المنطوقين.

ويفارق الوجه الثاني الوجوه الثلاثة الأخرى في أنها تدل على المفهوم ، بخلافه ، فانه كاللقب على ما عرفت.

والحاصل : أن الوجه الأول والثاني مشتركان في التصرف في الخصوصية المستفادة من المنطوق المستتبعة للمفهوم ، ويمتاز الثاني عن الأول برفع اليد

٣٦٦

الأمر الثالث (*) : إذا تعدد الشرط واتحد الجزاء (١) فلا إشكال

______________________________________________________

عن الانحصار بالكلية ، ولذا لا يدل على المفهوم ، ويكون كاللقب. بخلاف الأول فان الحصر فيه إضافي ، ولذا يدل على المفهوم عند انتفاء الشرطين.

وأما الظهور في السببية المستقلة لكل من الشرطين بعنوانه ، فهو محفوظ فيهما ، بخلاف الوجهين الآخرين ، إذ في الوجه الثالث يكون كل من الشرطين جزء السبب ، وفي الوجه الرابع يكون السبب هو الجامع بين الشرطين.

٣ ـ تداخل المسببات وعدمه

(١) مع كونه قابلا للتكرار ، إذ مع امتناعه له لا معنى لجريان نزاع التداخل في المسببات في الجزاء الّذي لا يقبل التكرار كالقتل ، فيعتبر في موضوع بحث التداخل أمران

أحدهما : قابلية الجزاء للتكرار.

ثانيهما : سببية كل واحد من الشرطين أو الشروط لترتب الجزاء عليه

__________________

(*) لا يخفى أن هذا الأمر من جزئيات مسألة ورود الأمر بشيء عقيب الأمر به قبل امتثاله. والوجه في إفراده بالبحث وعقد أمر له مستقلا هو : أن له ظهورين في استقلال الجزاء ، وعدم التداخل.

أحدهما : ظهور الهيئة في التأسيس ، وهو مشترك بين المسألتين.

والآخر المختص بهذه المسألة : ظهور الجملة الشرطية في حدوث الجزاء عند حدوث كل شرط ، فبذلك يضعف ظهور المتعلق في وحدة الطبيعة ، ولذا اختار المصنف هناك التأكيد ، تقديماً لظهور المتعلق ما لم يذكر سبب ، أو ذكر سبب واحد ، احترازاً عما ذكر فيه سببان كالمقام.

٣٦٧

على الوجه الثالث (١) (*).

______________________________________________________

حتى يصح البحث عن أن تقارن الشرطين زماناً أو تقدم أحدهما على الآخر هل يوجب التداخل في المسبب حتى يجوز الاكتفاء بمسبب واحد ، كوضوء واحد عقيب النوم والبول مثلا ، بعد فرض كون كل من النوم والبول سبباً مستقلا للوضوء ، أم لا يوجب التداخل فيه ، بل يجب عقيب كل منهما مسبب ، فلا يكتفى بوضوء واحد لهما.

ومن هنا يظهر الفرق بين هذا الأمر وسابقه ، فان البحث هنا في أن السببين المستقلين هل يتداخلان في المسبب بأن يستتبعا مسبباً واحداً ، كوضوء واحد عقيب النوم والبول ، أم لا. بخلاف الأمر السابق ، فان البحث فيه انما هو في أصل السببية ، وأن كلا منهما سبب مستقل أم لا.

(١) يعني : أن الإشكال في تداخل المسبب وعدمه لا يتمشى على ثالث الوجوه المتقدمة في الأمر السابق ، وذلك لأنه كان مبنياً على تقييد إطلاق الشرط في كل من الشرطيتين بحيث يكون المجموع شرطاً واحداً ، وهو لا يقتضي إلّا جزاء واحداً ، فلا مورد حينئذ لإشكال تداخل المسببات جوازاً ومنعاً ، فنفي إشكال التداخل على هذا الوجه الثالث يكون من باب السالبة بانتفاء الموضوع ، إذ ليس في البين إلّا مسبب واحد ، وانما يتمشى على سائر الوجوه الثلاثة الأخرى المبنية على استقلال كل شرط في التأثير في الجزاء ، واستتباع كل شرط جزاء مستقلا. ولازم ذلك تعدد الجزاء بتعدد الشرط ، فيجري النزاع حينئذ في التداخل وعدمه ، وأنه هل يكتفي بجزاء واحد أم لا بد من تعدده بتعدد الشرط؟

__________________

(*) وكذا لا إشكال على ما ذهب إليه الحلي «ره» من إلغاء إحدى الجملتين رأساً ، إذ على هذا القول لا يتعدد الشرط ، بل الشرط واحد من الشرطين ، فلا موضوع لهذا النزاع بناء على مذهبه أيضا.

٣٦٨

وأما على سائر الوجوه ، فهل اللازم الإتيان بالجزاء متعدداً حسب تعدد الشرط [الشروط] أو يتداخل ، ويكتفي بإتيانه دفعة واحدة (١) فيه أقوال ، والمشهور عدم التداخل (٢) ، وعن جماعة منهم المحقق الخوانساري (ره) التداخل (٣) ، وعن الحلي التفصيل بين اتحاد جنس الشروط (٤) وتعدده.

والتحقيق (*) أنه لما كان ظاهر الجملة الشرطية حدوث الجزاء

______________________________________________________

(١) هذا هو التداخل ، وضمير «بإتيانه» راجع إلى الجزاء.

(٢) أي : مطلقاً سواء أكان جنس الشروط متحداً أو متعدداً ، فيجب المسبب ـ كالوضوء ـ عقيب كل سبب من أسبابه ، فيجب بعد النوم وضوء ، وبعد البول وضوء ، وكذا بعد كل من النومين أو النومات ، وهذا هو المسمى بعدم التداخل.

(٣) أي : مطلقاً من غير فرق في ذلك بين اتحاد جنس الشروط وتعدده ، فيجب وضوء واحد عقيب النوم والبول مثلا ، وبعد النومين أو النومات.

(٤) كالبول مرتين أو مرات ، وتعدد جنس الشروط كالنوم والبول الموجبين للوضوء ، فمذهب الحلي «ره» التداخل مع اتحاد جنس الشروط ، وعدمه مع تعدده.

__________________

(*) قد يقال : انه لا يلزم من ظهور الجملة الشرطية في حدوث الجزاء عند حدوث الشرط المتعدد حقيقة كالنوم والبول ، أو وجوداً كالنوم مرتين مع وحدة الجزاء حقيقة كالوضوء محال ، أعني به اجتماع المثلين ، وهما الوجوبان المتعلقان بطبيعة الوضوء ، بتقريب : أن الوجوب من الأمور الاعتبارية التي لا محذور في اجتماعها ، وليس من الأمور الوجودية المشتركة في حقيقة واحدة حتى يكون من باب اجتماع المثلين.

٣٦٩

عند حدوث الشرط (١) بسببه (٢) ، أو بكشفه (٣) عن سببه ،

______________________________________________________

(١) لأن مقتضى علية الشرط هو حدوث الجزاء عند حدوثه.

(٢) أي : بسبب الشرط فيما إذا كان الشرط سبباً حقيقياً للجزاء ، كقوله : «إذا سافرت فقصر».

(٣) أي : بكشف الشرط عن سببه فيما إذا كان معرفاً ومشيراً إلى ما هو الشرط حقيقة ، كخفاء الأذان الّذي يكون أمارة على الشرط أعني به البعد الّذي هو حد الترخص.

وتوضيح ما أفاده بقوله : «والتحقيق» أنه لا بد من الالتزام بعدم التداخل ، لأن التداخل مستلزم لاجتماع المثلين ، حيث ان ظاهر القضية الشرطية مطلقاً اتحدت أم تعددت ـ كما في المقام ـ علية الشرط للجزاء المستلزمة لحدوثه عند حدوث الشرط ، ومقتضى هذا الاستلزام تعدد الجزاء بتعدد الشرط ، والأخذ بهذا الظاهر محال ، للزوم اجتماع حكمين مثلين ـ كوجوبين ـ في موضوع واحد وهو الجزاء كالوضوء ، إذ المفروض أنه واحد حقيقة ، ومن المعلوم أن اجتماع المثلين كالضدين محال. ولا يمكن التفصي عن هذا المحذور إلّا بالالتزام

__________________

لكنه مدفوع بأن العبرة بمنشإ انتزاع الوجوب ، وهو الطلب الحتمي المحرك لعضلات العبد ، والباعث له نحو المطلوب ، ومن المعلوم امتناع تحقق البعثين إلى شيء واحد ، للزوم تحصيل الحاصل المحال وان لم يكن من اجتماع المثلين ، هذا. مع لزوم اجتماع المثلين في مباديه من الحب والإرادة ، لأنهما من الأمور الخارجية.

ولا وجه للالتزام بالتأكد ، لأنه خلاف ما فرضناه من استقلال كل شرط في كونه مؤثراً في حدوث الجزاء.

٣٧٠

وكان (١) قضيته (٢) تعدد الجزاء عند تعدد الشرط ، كان (٣) الأخذ بظاهرها إذا تعدد [الشرط] حقيقة أو وجوداً (٤) محالا ، ضرورة أن لازمه (٥)

______________________________________________________

بعدم التداخل ، بأن يقال : ان المسبب في كل واحد من الشرطين أو الشروط وجود من الطبيعة مغاير لوجودها في الشرط الآخر ، فعلى القول بعدم التداخل لا يلزم غائلة اجتماع المثلين ، ولا التصرف في ظاهر القضية الشرطية من حدوث الجزاء بحدوث الشرط. وعلى القول بالتداخل لا بد من التصرف في ظاهر القضية الشرطية بأحد الوجوه الآتية.

(١) معطوف على «كان» في قوله : «لما كان» وحاصله : أن ظهور الجملة الشرطية في حدوث الجزاء عند حدوث الشرط ، واقتضاء هذا الظهور تعدد الجزاء عند تعدد الشرط يوجبان الاستحالة ، لاستلزام هذين الظهورين اجتماع الوجوبين على موضوع واحد ـ وهو الجزاء كالوضوء ـ واجتماع الوجوبين اللذين هما مثلان محال كاجتماع الضدين ، وهذا لازم القول بالتداخل ، وقد عرفت أن منشأ الاستحالة المزبورة المحافظة على هذين الظهورين : ظهور الجملة الشرطية في الحدوث عند الحدوث ، وظهورها في تعدد الجزاء عند تعدد الشرط.

(٢) أي : قضية حدوث الجزاء عند حدوث الشرط.

(٣) جواب «لما» يعني : كان الأخذ بظاهر الجملة الشرطية إذا تعدد الشرط محالا.

(٤) تعدد الشرط حقيقة كالنوم والبول الموجبين للوضوء ، وتعدده وجوداً كالنوم مرتين. وقوله : «محالا» خبر «كان».

(٥) أي : لازم حدوث الجزاء عند حدوث الشرط ، وقوله : «ضرورة» تعليل للاستحالة.

٣٧١

أن يكون الحقيقة الواحدة مثل الوضوء بما هي واحدة في مثل «إذا بلت فتوضأ وإذا نمت فتوضأ» أو فيما إذا بال مكرراً ، أو نام كذلك (١) محكوماً بحكمين متماثلين (٢) ، وهو واضح الاستحالة كالمتضادين ، فلا بد (٣) على القول بالتداخل من التصرف فيه (٤) اما بالالتزام (٥) بعدم

______________________________________________________

(١) أي : مكرراً ، وهذا وقوله : «أو فيما إذا بال مكرراً» مثالان لتعدد الشرط وجوداً واتحاده ماهية ، كما أن قوله : «إذا بلت فتوضأ وإذا نمت فتوضأ» مثال لتعدد الشرط ماهية.

(٢) وهما الوجوبان المتعلقان بالوضوء ، وهو كاجتماع الضدين محال.

(٣) هذا متفرع على استلزام القول بالتداخل لاجتماع المثلين المحال ، لكون الموضوع ـ بناء على التداخل ـ صرف الوجود من طبيعة الجزاء كالوضوء ومن المعلوم عدم تحمله لحكمين ، فلا بد حينئذ من التصرف في ظهور القضية الشرطية في حدوث الجزاء بحدوث الشرط حتى لا يلزم اجتماع المثلين. وهذا بخلاف القول بعدم التداخل ، لما عرفت من عدم لزوم الاستحالة منه أصلا حتى يحتاج إلى التصرف في ظهورها.

(٤) أي : في ظاهر القضية الشرطية بأحد الوجوه الآتية.

(٥) هذا أول وجوه التصرف ، ومرجعه إلى التصرف في ظهور الشرط في كونه علة لحدوث الجزاء برفع اليد عن ظهوره في ذلك ، وإرادة ثبوت الجزاء عند ثبوته ، والثبوت أعم من الحدوث والبقاء ، ففي صورة تقارن الشرطين زماناً يستند ثبوت الجزاء إلى الجامع بينهما ، وفي صورة ترتبهما وتقدم أحدهما على الآخر زماناً يستند ثبوت الجزاء إلى المتقدم منهما ، فقوله : «إذا نمت فتوضأ» يدل على ثبوت وجوب الوضوء عند ثبوت النوم ، فان لم يسبقه البول

٣٧٢

دلالتها (١) في هذا الحال (٢) على (٣) الحدوث عند الحدوث ، بل على مجرد الثبوت (*). أو الالتزام (٤)

______________________________________________________

مثلا استند حدوث الجزاء إلى النوم ، وان سبقه استند إليه ، وان قارنه استند إلى الجامع بينهما.

(١) أي : الجملة الشرطية لا تدل على كون وجود الجزاء ناشئاً من قبل الشرط مستقلا.

(٢) أي : في حال تعدد الشرط.

(٣) متعلق بـ «دلالتها» والمراد بالحدوث حدوث الجزاء بسبب الشرط.

(٤) معطوف على «اما». وهذا ثاني وجوه التصرف ، ومرجعه إلى إبقاء الشرط على ظاهره من كونه علة لحدوث الجزاء ، وإلغاء ظهور الجزاء في كونه بعنوانه موضوعاً للحكم ، فيقال : ان الوضوء مثلا الّذي وجب تارة بالنوم ، وأخرى بالبول ، وثالثة بمس الميت مثلا ليس حقيقة واحدة ، بل هو حقائق متعددة حسب تعدد الشرط ، حيث ان ظاهر كل شرط عليته لحدوث تكليف غير التكليف المسبب عن شرط آخر ، فيكون الوضوء كالغسل من حيث وحدته صورة وتعدده حقيقة ، لكنه مع كونه حقائق متعددة يصدق على واحد ، كوجوب إكرام هاشمي وإضافة عالم ، فان الذّمّة وان اشتغلت بتكليفين وجوب إكرام الهاشمي ووجوب إضافة العالم ، إلّا أنه إذا أضاف عالماً هاشمياً ، فقد برئت ذمته من كليهما ، لأنه يصدق حينئذ امتثالهما معاً.

__________________

(*) هذا شأن الجملة الخبرية ، لأنها لا تدل الا على مجرد الثبوت عند الثبوت ، كثبوت القيام لزيد في قوله : «زيد قائم» ، وأما الإنشاء بداعي البعث الجدي كما هو ظاهر قوله : «إذا نمت فتوضأ» فلا يكون إثباتاً للبعث الأول ، إذ هو وجود آخر من البعث مغاير له.

٣٧٣

بكون متعلق الجزاء وان كان واحداً صورة إلّا أنه (١) حقائق متعددة حسب تعدد الشرط (٢) متصادقة (٣) على واحد ، فالذمة وان اشتغلت بتكاليف متعددة حسب تعدد الشروط [الشرط] إلّا أن الاجتزاء بواحد ، لكونه (٤) مجمعاً لها. كما في «أكرم هاشمياً وأضف عالماً» فأكرم العالم الهاشمي بالضيافة ، ضرورة (٥) أنه بضيافته بداعي الأمرين يصدق أنه امتثلهما (٦) ، ولا محالة يسقط الأمر بامتثاله (٧) وموافقته.

______________________________________________________

(١) أي : متعلق الجزاء كالوضوء في الأمثلة المذكورة.

(٢) غرضه : أن كون متعلق الجزاء حقائق متعددة مما يقتضيه تعدد الشرط بالتقريب الّذي مر آنفاً بقولنا : «حيث ان ظاهر كل شرط ... إلخ».

(٣) صفة لقوله : «حقائق» يعني : أن متعلق الجزاء كالوضوء حقائق متعددة متصادقة على واحد كوضوء واحد ، لا أن تلك الحقائق متباينة غير متصادقة على واحد ، كالوضوء والغسل اللذين لا يتصادقان على واحد.

(٤) تعليل للاجتزاء بواحد ، وضميره راجع إلى الواحد ، يعني : لكون الواحد مجمعاً للتكاليف المتعددة ، فالاكتفاء بوضوء واحد في الأمثلة المتقدمة انما هو لتصادق الوضوءات العديدة الواجبة بموجبات مختلفة عليه ، وصدق الامتثال بالنسبة إلى الجميع.

(٥) تعليل للاجتزاء بالواحد الّذي هو المجمع ، وحاصل التعليل : أن الإتيان بالمجمع بداعي الأمرين يوجب صدق امتثال الأمرين الموجب لسقوطهما.

(٦) أي : الأمرين ، وضمائر «انه ، بضيافته ، انه» ترجع إلى المأمور.

(٧) يعني : بسبب امتثال الأمر وموافقته.

٣٧٤

وان كان له امتثال كل منهما (١) على حدة ، كما إذا أكرم الهاشمي بغير الضيافة ، وأضاف العالم غير الهاشمي.

ان قلت (٢) : كيف يمكن ذلك ـ أي الامتثال بما تصادق عليه العنوانان ـ مع استلزامه (٣) محذور اجتماع الحكمين المتماثلين فيه (٤).

قلت (٥) : انطباق عنوانين واجبين على واحد لا يستلزم اتصافه بوجوبين ، بل غايته أن انطباقهما عليه يكون منشأ لاتصافه بالوجوب ، وانتزاع (٦)

______________________________________________________

(١) أي : كل من الأمرين بالاستقلال ، كإكرام الهاشمي بغير الضيافة ، وإضافة العالم غير الهاشمي.

(٢) ملخص هذا الإشكال : عدم اندفاع محذور اجتماع المثلين فيما إذا تصادق عليه الطبيعتان ، حيث ان الضيافة مصداق لطبيعتي الإكرام والضيافة ، فيلزم اجتماع وجوبين في الضيافة الخارجية التي هي مصداق للطبيعتين المزبورتين.

فجعل الجزاء حقائق عديدة لا يدفع إشكال اجتماع المثلين في المصداق الخارجي.

(٣) يعني : مع استلزام الامتثال بما تصادق عليه العنوانان محذور اجتماع المثلين.

(٤) أي : فيما تصادق عليه العنوانان.

(٥) هذا دفع الإشكال ، وحاصله : أن انطباق عنوانين على شيء واحد يكون مصداقاً لهما لا يوجب اتصافه بوجوبين ، لاستحالته عقلا ، فلا بد من كون هذا المصداق محكوماً بوجوب واحد متأكد.

(٦) معطوف على «اتصافه» ، يعني : أن انطباق العنوانين على مصداقهما يكون منشأ لاتصافه بالوجوب ، ولانتزاع صفة الوجوب لذلك المصداق.

٣٧٥

صفته [صفة] له ، مع (١) أنه ـ على القول بجواز الاجتماع ـ لا محذور في اتصافه (٢) بهما ، بخلاف ما إذا كان بعنوان واحد (٣) ، فافهم (٤).

أو الالتزام (٥) [بالالتزام] بحدوث الأثر عند وجود كل شرط

______________________________________________________

(١) هذا جواب آخر ، وحاصله : أنه لا محذور في اجتماع وجوبين على شيء واحد إذا كان فرداً لعنوانين بناء على جواز اجتماع الحكمين في واحد بعنوانين.

فالجواب الأول ناظر إلى عدم لزوم الاجتماع بمجرد انطباق عنوانين ، والثاني ناظر إلى عدم لزوم محذور في الاجتماع إذا كان بعنوانين.

(٢) أي : في اتصاف الواحد بوجوبين من دون أن يؤكد أحدهما الآخر.

(٣) كما هو ظاهر القضيتين ، لوحدة عنوان الجزاء فيهما ، كقوله : «إذا نمت فتوضأ وإذا بلت فتوضأ».

(٤) الظاهر أنه إشارة إلى ضعف الجواب الثاني ، إذ ليس هنا عنوانان حتى يقال بجواز اجتماع وجوبين بعنوانين ، فان الوضوء في الأمثلة المتقدمة الواقع عقيب شروط متعددة ليس إلّا عنواناً واحداً ، فيلزم اجتماع وجوبين في فرد واحد بعنوان واحد ، وهو غير جائز حتى عند القائل بالجواز كما تقدم في محله.

(٥) معطوف على «الالتزام» وهذا ثالث الوجوه ، وحاصله : رفع اليد عن ظهور القضية الشرطية في كون الشرط سبباً مستقلا لوجود الجزاء ، فيكون الشرط الأول مؤثراً في وجود الجزاء في الجملة ، والشرط الثاني مؤثراً في تأكده الّذي هو مرتبة شديدة من مراتب وجوده ، فكل مرتبة من مراتب وجود الجزاء مستندة إلى أحد الشرطين ، مع المحافظة على ظهورها في كون موضوع الجزاء بعنوانه موضوعاً للحكم ، وعدم انثلامه أصلا.

٣٧٦

إلّا أنه (١) وجوب الوضوء في المثال عند الشرط الأول ، وتأكد وجوبه عند الآخر.

ولا يخفى أنه لا وجه (٢) لأن يصار إلى واحد منها ، فانه (٣) رفع اليد عن الظاهر بلا وجه. مع (٤) ما في الأخيرين من الاحتياج إلى إثبات أن متعلق الجزاء متعدد متصادق على واحد وان كان صورة واحداً

______________________________________________________

(١) أي : الأثر كوجوب الوضوء عقيب النوم ، وتأكد وجوبه عقيب الشرط الآخر كالبول ، فالأثر الحادث عقيب الشرط الأول أصل الوجوب ، وعقيب الشرط الثاني تأكده.

(٢) غرضه الإشكال على الوجوه المذكورة التي هي مبنى التداخل بأنها احتمالات في مقام الثبوت ، وهي لا تجدي في دفع إشكال اجتماع المثلين ما لم يقم دليل عليها في مقام الإثبات ، فلا يصار إلى واحد منها ، لكونه رفع اليد عن الظاهر بلا وجه يوجبه.

(٣) يعني : فان المصير إلى واحد منها رفع اليد عن الظاهر بلا وجه.

(٤) غرضه تخصيص الوجهين الأخيرين بإشكال ، مضافاً إلى الإشكال المشترك بينهما وبين الوجه الأول. وملخص الإشكال المختص بالأخيرين اللذين يكون أحدهما : التصرف في ظاهر الجزاء بجعله حقائق متعددة بتعدد الشرط متصادقة على واحد ، والآخر : الالتزام بكون الأثر الحادث في الشرط الأول نفس الوجود ، وفي الشرط الثاني تأكده ، هو : أنه لا بد في التصرف الأول منهما من إثبات كون الوضوء في قوله : «إذا بلت فتوضأ وإذا نمت فتوضأ» متعدداً حقيقة ، حتى يكون الوضوء الخارجي مصداقاً لطبيعتين. وإثبات ذلك مشكل جداً ، لعدم نهوض دليل عليه.

٣٧٧

سمي [مسمى] باسم واحد كالغسل (١). وإلى (٢) [إثبات] أن الحادث بغير الشرط الأول تأكد ما حدث بالأول (٣) ، ومجرد الاحتمال (٤) لا يجدي ما لم يكن في البين ما يثبته.

ان قلت : وجه ذلك (٥) هو لزوم التصرف في ظهور الجملة الشرطية ،

______________________________________________________

كما أنه لا بد في التصرف الثاني منهما من إثبات دلالة الشرط الأول على حدوث أصل الوجوب ، ودلالة الشرط الثاني على تأكد الوجوب ، وإثبات ذلك أيضا في غاية الإشكال ، ومن المعلوم أن مجرد احتمالهما لا يجدي في دفع محذور اجتماع المثلين ، وحيث انه لا دليل على شيء من التصرفات المذكورة ، فهي ساقطة عن الاعتبار ، ولا يندفع بها غائلة اجتماع المثلين.

(١) فانه واحد صورة متعدد حقيقة ، لتغاير آثاره الكاشف عن تعدد ماهيته.

(٢) معطوف على قوله : «إلى إثبات» والمعطوف عليه راجع إلى التصرف في متعلق الجزاء بجعله حقائق متعددة ، والمعطوف راجع إلى التصرف في ظهور الجملة الشرطية في حدوث الأثر عند وجود كل شرط ، بجعل الأثر عقيب الشرط الأول نفس الوجوب ، وعقيب الشرط الثاني تأكده.

(٣) أي : بالشرط الأول.

(٤) أي : احتمال التصرفات المذكورة لا يجدي في دفع اجتماع المثلين ما لم يثبتها دليل.

(٥) أي : وجه التصرف بأحد الوجوه الثلاثة المزبورة. وهذا اعتراض على قوله : «ولا يخفى أنه لا وجه لأن يصار إلى واحد منها».

وحاصل الاعتراض : أن الداعي إلى ارتكاب أحد التصرفات المذكورة مع كونها خلاف الظاهر هو لزوم الخروج عما هو ظاهر الشرطية من اجتماع

٣٧٨

لعدم إمكان الأخذ بظهورها ، حيث ان قضيته (١) [هو] اجتماع الحكمين في الوضوء في المثال ، كما مرت الإشارة إليه (٢).

قلت : نعم (٣) إذا لم يكن المراد بالجملة فيما إذا تعدد الشرط كما في المثال هو وجوب الوضوء مثلا بكل شرط غير ما (٤) وجب

______________________________________________________

المثلين ، ومن المعلوم أن الاستحالة العقلية قرينة جلية على جواز ارتكاب خلاف الظاهر.

(١) أي : قضية ظهور الجملة الشرطية اجتماع الحكمين المتماثلين في الوضوء.

(٢) يعني : في أوائل البحث ، حيث قال : «ضرورة أن لازمه أن يكون ... إلخ»

(٣) هذا دفع الإشكال أعني : لزوم التصرف في ظهور الجملة الشرطية في اجتماع الحكمين. وحاصل الدفع : أن التصرف وان كان مسلماً ، لكنه لا يتعين أن يكون بأحد الوجوه الثلاثة المتقدمة ، إذ يمكن صرف الجمل الشرطية عن ظاهرها بوجه آخر ، وهو : أن يكون متعلق الحكم في الجزاء في إحدى الجمل الشرطية فرداً غير الفرد المتعلق له في الأخرى ، فالوضوء الواجب في قوله : «إذا نمت فتوضأ» غير الفرد الواجب منه في قوله : «إذا بلت فتوضأ» فالواجب في كل شرطية فرد ، لا نفس الطبيعة حتى يجتمع فيها الوجوبان. وعلى هذا ، فلا يلزم اجتماع المثلين أصلا ، لتباين الوضوء الواجب بشرط للوضوء الواجب بشرط آخر.

وبالجملة : يرتفع بهذا التصرف محذور اجتماع المثلين مع المحافظة على ظهور الشرطية في الحدوث عند الحدوث ، كما لا يخفى.

(٤) يعني : غير الوضوء الّذي وجب بالشرط الآخر ، و «الآخر» صفة للشرط المقدر.

٣٧٩

بالآخر ، ولا ضير (١) في كون فرد محكوماً بحكم فرد آخر أصلا كما لا يخفى.

ان قلت (٢) : نعم لو لم يكن تقدير تعدد الفرد على خلاف الإطلاق (٣).

قلت : نعم (٤) لو لم يكن ظهور الجملة الشرطية في كون الشرط سبباً (٥) أو كاشفاً عن السبب (٦) مقتضياً لذلك أي تعدد الفرد ، وبياناً [أي

______________________________________________________

(١) لتعدد متعلق الوجوب وتباينه ، حيث ان أفراد كل طبيعة متباينة.

(٢) غرض هذا القائل : أن جعل متعلق الحكم في الجزاء الفرد دون الطبيعة ليكون الوضوء الواجب بالشرط الأول مغايراً للوضوء الواجب بالشرط الثاني وان كان دافعاً لمحذور اجتماع المثلين ، لكنه خلاف الظاهر أيضا ، حيث ان ظاهر إطلاق متعلق الجزاء تعلق الحكم بنفس الطبيعة ، لا أفرادها. فهذا الاحتمال كالاحتمالات السابقة مما لا يصار إليه ، لكونه خلاف الظاهر.

(٣) أي : إطلاق متعلق الجزاء المقتضي لتعلق الحكم بالطبيعة كالوضوء.

(٤) حاصل هذا الجواب منع الإطلاق المذكور المقتضي لتعلق الحكم بطبيعة الجزاء ، وتوضيحه : أن الإطلاق يتوقف على مقدمات منها : عدم البيان ، وعدم ما يصلح للبيانية ، ومن المعلوم كون ظهور الجملة الشرطية في حدوث الجزاء عند وجود الشرط المستلزم لتعدد أفراد الجزاء عند تعدد الشرط بياناً مانعاً عن انعقاد الإطلاق الموجب لإرادة الطبيعة في الجزاء ، فلا بد أن يراد وجودات الطبيعة لا نفسها ، ومن المعلوم مغايرة كل فرد يحدث عقيب شرط لفرد يحدث عقيب شرط آخر ، فلا يتحد الجزاء حتى يلزم اجتماع حكمين.

(٥) كما إذا كان الشرط بنفسه مؤثراً.

(٦) كما إذا كان الشرط معرفاً لما هو المؤثر ، كخفاء الجدران لو فرض كونه أمارة على البعد الّذي هو الشرط حقيقة لوجوب القصر.

٣٨٠