منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٣

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٣

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: مطبعة غدير
الطبعة: ٦
الصفحات: ٧٨٣

ولا ريب (١)

______________________________________________________

انما هو لدفع توهم اعتبار الوجود الخارجي في صدق المطلق ، وإثبات صدقه على الاعتباريات التي لا تنالها يد الوجود العيني.

(١) غرضه بيان معاني تلك الألفاظ التي يطلق عليها المطلق ، أو غير تلك الألفاظ حتى يظهر حال المطلق ، وتوضيح ذلك يتوقف على بيان اعتبارات الماهية ، فنقول وبه نستعين : ان للماهية اعتبارات شتى ، إذ الملحوظ تارة يكون نفس الماهية من حيث هي ، فالملحوظ ذات الماهية من دون أن يلاحظ معها شيء خارج عن ذاتها ، فلا يصح في هذا اللحاظ حمل شيء عليها الا الذات مثل «الإنسان حيوان ناطق» أو الذاتي مثل «الإنسان حيوان أو ناطق» ويسمى هذا بالماهية المهملة.

وأخرى يكون الملحوظ الماهية مع شيء آخر خارج عن ذاتها وزائد عليها ، وهذا ينقسم إلى ثلاثة أقسام :

أحدها : أن تلاحظ الماهية بالإضافة إلى الخارج عن ذاتها مقترنة بوجوده وهي الماهية بشرط شيء كلحاظ ماهية الرقبة مقترنة بالايمان.

ثانيها : أن تلاحظ الماهية بالإضافة إليه مقترنة بعدمه ، كلحاظ ماهية الرقبة مقترنة بعدم الكفر ـ وهي الماهية بشرط لا ـ فالملحوظ مع الماهية فيه وفيما قبله هو الوجود والعدم ، وهما نوعان من الماهية المخلوطة باصطلاح بعض والمقيدة باصطلاح آخر.

ثالثها : أن تلاحظ غير مقترنة بوجوده أو عدمه ، كلحاظ الإيمان مع الرقبة ولكن لم يقيد الرقبة بوجوده ولا بعدمه ، وهي الماهية لا بشرط.

وثالثة : يكون الملحوظ مع الماهية شيئاً من سنخها لا مغايراً لها وأجنبياً عنها ، فان كان ذلك الشيء هو الشيوع بنحو الاستيعاب والشمول سميت الماهية

٦٨١

أنها موضوعة لمفاهيمها بما هي مبهمة (*)

______________________________________________________

المقيدة به بالعامّ الشمولي ، أو الماهية السارية. وان كان هو الشيوع بنحو البدلية سميت الماهية المقيدة به بالعامّ البدلي أو الماهية على البدل.

إذا عرفت اعتبارات الماهية إجمالا ، فاعلم : أن المصنف (قده) أفاد في المقام : أن اسم الجنس قد وضع للماهية المبهمة المهملة التي لم يلاحظ معها اعتبار من الاعتبارات أصلا ، فلفظ «رجل مثلا وضع للطبيعة التي لم يلاحظ معها شيء من الخصوصيات التي يمكن اقترانها بها.

__________________

(*) اختلفوا في أن اللابشرط المقسمي هل هو الماهية المبهمة كما هو المعروف بينهم؟ أم غيرها كما ذهب إليه بعض المدققين ، حيث قال في حاشيته على المتن ـ بعد بيان اعتبارات الماهية ـ ما لفظه : «وأيضا اللابشرط المقسمي على التحقيق ليس هو المعبر عنه في التعبيرات بالماهية من حيث هي ، إذ الماهية من حيث هي هي الماهية الملحوظة بذاتها بلا نظر إلى الخارج عنها ، واللابشرط المقسمي هي الماهية اللابشرط من حيث الاعتبارات الثلاثة ، لا من حيث كل قيد فضلا عن ذات الماهية التي كان النّظر مقصوراً عليها بلا نظر إلى الخارج عن ذاتها ، هذا هو الّذي ينبغي أن يعتمد عليه في الماهية واعتباراتها وان اشتبه الأمر فيها على غير واحد حتى أهل الفن» انتهى كلامه رفع مقامه ، وتبعه بعض أعاظم تلامذته دامت أيام إفاداته الشريفة.

والحق كما أفاده قدس‌سره ، لشهادة الوجدان بصحة لحاظ الماهية بأنحاء عديدة : أحدها : لحاظها بالنظر إلى ذاتياتها من دون نظر إلى غيرها ، وهي بهذا اللحاظ ليست إلّا هي ، لا يحكم بها ولا عليها ، ولا تخرج بهذا اللحاظ عن مرتبة تقررها الماهوي.

٦٨٢

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

ثانيها : لحاظها مع أمر خارج عن ذاتها ، وبه تخرج عن حد تقررها الماهوي ، ويحكم عليها بأحد الاعتبارات الثلاثة ، وحينئذ يكون المقسم لتلك الأقسام الثلاثة هذه الماهية الملحوظة مع الخارج عن ذاتها ، لأن لحاظ غير الماهية معها اما أن يكون بنحو التقييد ، واما أن لا يكون كذلك. وعلى الأول ان لوحظت الماهية مقيدة بوجوده كانت بشرط شيء ، وان لوحظت مقيدة بعدمه كانت بشرط لا ، وان لم يلاحظ قيداً للماهية كانت لا بشرط. وعليه فالمقسم لهذه الاعتبارات الثلاثة هي الماهية الملحوظة مع أمر خارج عن ذاتها ، لا الماهية التي لا يلاحظ معها شيء ، ولا تخرج عن الماهية من حيث هي ، ولا يصح الحكم بها ولا عليها ، لبقائها في وعاء التقرر. بخلاف الماهية مع هذه الاعتبارات لصحة حملها المتعارف. فلو كان المقسم تلك الماهية التي لا يلاحظ معها شيء وكان الملحوظ نفسها وذاتياتها لم يصح حملها أصلا الا في الحدود ، فلا بد أن يكون المقسم الماهية الملحوظة مع أمر خارج عن ذاتها.

وقد ظهر من هذا البيان : مغايرة الماهية من حيث هي مع اللابشرط المقسمي ، وعدم ترادفهما.

كما ظهر أيضا ما في كلام الحكيم السبزواري (قده). حيث قال : «الكلي الطبيعي هي الماهية أي الماهية التي هي المقسم للمطلقة والمخلوطة والمجردة» فانه كيف يمكن أن يكون الكلي الطبيعي الصادق على الافراد الموجودة في الخارج ، والمفروض وجودها صادقاً على الماهية بشرط لا التي هي الماهية المجردة عن كل خصوصية ، والتي هي من الكليات العقلية ، فلو كان الكلي الطبيعي هو اللابشرط

٦٨٣

مهملة (١) بلا شرط أصلا ملحوظاً (٢) معها حتى لحاظ أنها كذلك (٣).

وبالجملة : الموضوع له اسم الجنس هو نفس المعنى ، وصرف

______________________________________________________

(١) يعني : لم يلاحظ مع مفاهيمها شيء أصلا ، بل الملحوظ نفس الماهيات بحيث يكون النّظر مقصوراً على ذواتها من دون لحاظ شيء معها.

(٢) بالنصب يعني : حال كون الشرط ملحوظاً ، وفي بعض النسخ «ملحوظ» بالجر نعتاً لـ «شرط» أي : بلا شرط ملحوظ مع المفاهيم. وضمير «معها» راجع إلى المفاهيم.

(٣) أي : بما هي مبهمة مهملة ، كما هو شأن اللابشرط القسمي ، حيث لا يلاحظ معها شيء ، بل تلاحظ بنفسها مبهمة ومهملة.

وأما مع عدم لحاظها كذلك أيضا ، فهو اللابشرط المقسمي الّذي هو الجامع بين الأنواع الثلاثة. فالمصنف ذهب إلى ما نسب إلى المشهور من كون اسم الجنس موضوعاً للماهية المطلقة الجامعة بين الماهية السارية والماهية البدلية وبين صرف الوجود ، فالموضوع له اسم الجنس عند الماتن ما نسب إلى السلطان (ره) وهو الماهية اللابشرط المقسمي ، وضمير «انها» راجع إلى مفاهيمها.

__________________

المقسمي لزم أن تكون الماهية بشرط لا من أفراده ، لأن الكلي الطبيعي ما يتحد مع الافراد الخارجية ، وهل يعقل اتحاده مع الماهية بشرط لا التي ليست هي إلّا المفهوم؟ مع أن المقسم لا بد أن يتحد مع أقسامه. وهل يعقل اتحاد الطبيعي مع ما لا وجود له؟ بل ليس إلّا مجرد المفهوم والمدرك العقلاني. وعليه ، فلا بد أن يقال : «ان الكلي الطبيعي هو اللابشرط القسمي لا المقسمي».

٦٨٤

المفهوم غير (١) الملحوظ معه شيء أصلا الّذي (٢) هو المعنى بشرط شيء ولو كان ذلك الشيء (٣) هو الإرسال (٤) والعموم البدلي (٥) ، ولا (٦) الملحوظ معه عدم (٧)

______________________________________________________

(١) صفة للمعنى أو للمفهوم ، يعني : أن اسم الجنس هو المفهوم المجرد الّذي لم يلاحظ معه شيء أصلا.

(٢) صفة لقوله : «الملحوظ» لا لـ «غير» يعني : أن المفهوم الملحوظ معه شيء هو المعنى بشرط شيء. وهذا إشارة إلى الماهية بشرط شيء ، وضمير «معه» راجع إلى المعنى أو المفهوم.

(٣) أي : الشيء الملحوظ مع المعنى ، وغرضه أن الماهية بشرط شيء تطلق على المشروطة بكل أمر وجودي وان كان من سنخ الماهية كالشيوع والسريان ولم يكن أجنبياً كالصفات الخارجة عن الماهية كالكتابة.

(٤) كما في الماهية المرسلة.

(٥) كما في الماهية البدلية ، فان الإرسال والبدلية من سنخ الماهية.

(٦) معطوف على «غير الملحوظ» ، وهذا إشارة إلى ما في التقريرات من الفرق بين اللابشرط القسمي ، وحاصله : أن اللابشرط القسمي هو الماهية التي لم يلاحظ معها شيء مقيدة بلحاظ أنها لم يلاحظ معها شيء ، فلحاظ عدم لحاظ شيء مع الماهية دخيل في اللابشرط القسمي ، بخلاف اللابشرط المقسمي ، فانه خال عن هذا القيد.

(٧) معمول «الملحوظ» يعني : ولا يلاحظ مع المعنى عدم لحاظ شيء معه ، بحيث يكون عدم لحاظ شيء مع المعنى ملحوظاً كلحاظ نفس المعنى ،

٦٨٥

لحاظ شيء (١) معه (٢) الّذي (٣) هو الماهية اللابشرط القسمي ، وذلك (٤) لوضوح صدقها (٥)

______________________________________________________

ففي اللابشرط القسمي لحاظان أحدهما متعلق بنفس المعنى ، والآخر بعدم لحاظ شيء معه. بخلاف اللابشرط المقسمي ، فان فيه لحاظاً واحداً وهو لحاظ نفس المعنى فقط.

(١) سواء كان قيداً وجودياً أم عدمياً.

(٢) هذا الضمير وضمير «معه» في قوله : «الملحوظ معه» راجعان إلى المعنى.

(٣) بيان للملحوظ ، يعني : المعنى الّذي لوحظ معه عدم لحاظ شيء معه هو اللابشرط القسمي.

(٤) غرضه إقامة البرهان على الدعوى المزبورة ، وهي قوله : «ولا ريب أنها موضوعة لمفاهيمها» واحتج عليها بوجهين :

أحدهما : قوله : «لوضوح صدقها» وحاصله : صدق أسماء الأجناس كالماء والحنطة والرّجل ونحوها على أفرادها من دون تصرف في معانيها ، وهو كاشف عن وضعها للمفاهيم المبهمة بما هي هي حتى لحاظ كونها مبهمة ، إذ من المعلوم أنها لو كانت موضوعة لغير المفاهيم المبهمة بأن كانت موضوعة للمفاهيم المشروطة بالشيوع ، أو الحصة المقيدة بالوحدة لزم تجريدها حتى يصح حملها على أفرادها ، لأنها بدون التجريد لا تصدق على أفرادها ، ضرورة أن المقيد بالشياع مثلا لا يصدق على الافراد ، لعدم كون كل فرد شائعاً حتى يكون مصداقاً للمعنى الشائع ، مع أن المعلوم صدق الماهيات على أفرادها بدون التجريد المزبور.

(٥) يعني : صدق أسماء الأجناس ـ بما لها من المعنى ـ على أفرادها.

٦٨٦

بما لها من المعنى بلا (١) عناية التجريد عما (٢) هو قضية الاشتراط والتقييد فيها ، كما لا يخفى. مع (٣) بداهة عدم صدق المفهوم بشرط العموم (٤) على فرد من الافراد وان كان (٥)

______________________________________________________

(١) متعلق بـ «صدقها».

(٢) متعلق بـ «التجريد» والمراد بقضية الاشتراط هو قيد الماهية من الاستيعاب والبدلية وغيرهما من القيود ، وضمير «فيها» راجع إلى أسماء الأجناس.

(٣) هذا هو الوجه الثاني لإثبات وضع أسماء الأجناس لنفس الماهيات المبهمة المهملة ، وحاصله : أنه لو كانت أسماء الأجناس موضوعة للمفاهيم المشروطة بالعموم كان عدم صدقها على فرد من الافراد من البديهيات ، حيث ان الماهية المشروطة بالشياع ، وكذا الماهية اللابشرطية لا تتحدان مع الافراد خارجاً حتى يصح حملها عليها. أما الشياع ، فلوضوح أن كل فرد واحد لا شيوع فيه حتى يتحد معه الماهية المقيدة بالشياع ، وأما اللابشرطية ، فلأنها قيد ذهني ، ومن المعلوم مباينة الموجود الذهني للعيني الموجبة لامتناع اتحادهما ، وصدق كل منهما على الآخر خارجاً. فالنتيجة : عدم كون اسم الجنس موضوعاً للماهية اللابشرط القسمي ، ولا المشروطة بشرط شيء كالشياع ، بل المعنى الموضوع له اسم الجنس هو نفس الماهية المبهمة المعبر عنها باللابشرط المقسمي.

(٤) إشارة إلى الماهية المشروطة بشرط الشياع.

(٥) يعني : وان كان يعم المفهوم المقيد بشرط العموم كل واحد من الافراد بنحو البدلية أو الاستيعاب ، لكنه لا يصدق مع شرط العموم على فرد واحد من الافراد.

٦٨٧

يعم كل واحد منها بدلا أو استيعاباً. وكذا (١) المفهوم اللابشرط القسمي ، فانه (٢) كلي عقلي (*) لا موطن له الا الذهن لا يكاد يمكن صدقه وانطباقه عليها ، بداهة (٣) أن مناطه الاتحاد بحسب الوجود خارجاً فكيف يمكن أن يتحد معها (٤) ما لا وجود له الا ذهناً.

______________________________________________________

(١) معطوف على «عدم صدق» يعني : ومع بداهة عدم صدق المفهوم اللابشرط القسمي على فرد من الافراد.

(٢) أي : المفهوم اللابشرط ، وهذا تعليل لعدم صدق المفهوم المزبور على الفرد ، وقد أوضحناه بقولنا : «وأما اللابشرطية فلأنها قيد ... إلخ».

(٣) تعليل لعدم صدق المفهوم اللابشرط القسمي على الافراد ، وقد تقدم توضيحه بقولنا : «وأما اللابشرطية ... إلخ» وضمير «عليها» راجع إلى الافراد.

(٤) أي : مع الافراد ، و «ما» الموصول فاعل «يتحد».

__________________

(*) الأولى تبديله بالموجود الذهني ، إذ المقيد بالقيد الذهني يمتنع انطباقه على الموجود الخارجي ، لمباينة الوجودين المانعة عن الاتحاد الوجوديّ الّذي هو مناط صحة الحمل وان لم يكن ذلك الموجود الذهني كلياً عقلياً كما في المقام ، فان الكلي العقلي ما يقابل الكلي المنطقي والطبيعي ، وهو تقيد المفهوم بالكلية ، ومن المعلوم أن موطن المفهوم المقيد بهذا القيد هو الذهن ، وليس كل موجود ذهني كلياً عقلياً حتى يكون المعنى الملحوظ معه التجرد ـ الّذي هو أمر ذهني ـ كلياً عقلياً. وقد تقدم من المصنف (قده) هذا الإطلاق المسامحي في المعنى الحرفي أيضا.

٦٨٨

ومنها (١) : علم الجنس كأسامة ، والمشهور بين أهل العربية أنه (٢) موضوع للطبيعة لا بما هي هي (٣) ، بل بما هي متعينة بالتعين الذهني (*) ،

______________________________________________________

(٢ ـ علم الجنس)

(١) معطوف على قوله : «فمنها اسم الجنس كإنسان ورجل يعني : ومن الألفاظ التي يطلق عليها المطلق : علم الجنس كـ «أسامة» والمشهور بين أهل العربية أن علم الجنس كأسامة التي هي ـ كما قيل ـ علم لجنس الأسد ، كما أن لفظ الأسد اسم لجنسه وضع للطبيعة مقيدة بالتعين الذهني ، كالمعرف بلام الجنس. بخلاف اسم الجنس ، فانه وضع لنفس الطبيعة المبهمة بلا قيد التعين والحضور الذهني. فالفرق بين علم الجنس واسمه واضح ، لكون الأول الماهية الملحوظ معها التعين الذهني ، والثاني الماهية المبهمة التي لم يلاحظ معها شيء كما مر آنفاً.

(٢) أي : علم الجنس.

(٣) وهي الطبيعة المبهمة التي وضع لها اسم الجنس كما تقدم ، بل بما هي مقيدة بالتعين الذهني ، وبهذا القيد يفترق علم الجنس عن اسمه.

__________________

(*) لا يقال : انه لا فرق بين علم الجنس واسمه ، حيث ان كل لفظ دال على معناه ومشير إليه ، وحينئذ لا بد أن يكون المعنى حاضراً في الذهن ، ومتعيناً فيه ، فالتعين الذهني موجود في كل معنى من دون اختصاصه بعلم الجنس. وعليه فلا فرق من هذه الجهة بين اسم الجنس وعلمه.

فانه يقال : ان التعين الذهني على نحوين :

أحدهما : ما يكون من لوازم دلالة كل دال لفظاً كان أم غيره على مدلوله

٦٨٩

ولذا (١) يعامل معه معاملة المعرفة بدون أداة التعريف. لكن التحقيق أنه (٢) موضوع لصرف المعنى بلا لحاظ شيء معه أصلا كاسم الجنس ، والتعريف فيه (٣) [معه]

______________________________________________________

(١) يعني : ولأجل التعين الذهني يعامل مع علم الجنس معاملة المعرفة بدون أداة التعريف ، فترتيب آثار المعرفة على علم الجنس مع عدم ما يوجب تعريفه من أدوات التعريف دليل إنّي على تعينه الذهني الموجب لترتيب أحكام المعرفة عليه كما أن عدم ترتيبها على اسم الجنس دليل إنّي أيضا على عدم تعينه الذهني.

(٢) أي : علم الجنس. توضيح هذا التحقيق : أنه لا فرق بين اسم الجنس وعلمه في المعنى ، لأنه في كليهما واحد ، وهو نفس الماهية المبهمة بدون لحاظ شيء معها ، والفرق بينهما انما هو في اللفظ ، حيث انه تجري أحكام المعرفة على علم الجنس من وقوعه مبتدأ ، وتوصيفه بالمعرفة ، ووقوعه نعتاً للمعرفة ، دون اسم الجنس ، لعدم جريان أحكام المعرفة عليه وان كان تعريف علم الجنس لفظياً كالتأنيث اللفظي في عدم تأثيره في المعنى.

(٣) أي : والتعريف في علم الجنس لفظي ، فلا يدل إجراء أحكام المعرفة عليه على وضعه للطبيعة المتعينة بالتعين الذهني.

__________________

بحيث لا ينفك عن المعنى حين الدلالة. والآخر ما يكون من القيود التي اعتبرها الواضع في المعنى بحيث يخرجه عن البساطة إلى التركب ، ويصير المعنى مركباً من الطبيعة وحضورها في الذهن ، ومن المعلوم أن هذا التعين بالنحو الثاني من قيود المدلول والموضوع له ، وهو المعتبر في علم الجنس ، والتعين بالنحو الأول من لوازم الدلالة ، وهو المعتبر في اسم الجنس. وعليه ، فالتعين في اسم الجنس وغيره مغاير للتعين المعتبر في علم الجنس.

٦٩٠

لفظي (*) ، كما هو الحال في التأنيث اللفظي (١) ، وإلّا (٢)

______________________________________________________

(١) في عدم كونه تأنيثاً حقيقياً ، فالتعريف اللفظي كالتأنيث اللفظي.

(٢) أي : وان لم يكن علم الجنس كاسمه موضوعاً لصرف المعنى بدون تعينه ذهناً لما صح حمل علم الجنس على الافراد بلا تأويل وتصرف. وهذا إشارة إلى برهان كون علم الجنس كاسمه موضوعاً لنفس الطبيعة بلا تقيدها بالتعين الذهني ، وحاصله : أنه لو لم يكن علم الجنس موضوعاً لنفس المعنى بدون لحاظ شيء معه ، بل كان موضوعاً له بقيد التعين الذهني ـ كما هو المنسوب إلى المشهور ـ لزم عدم صحة حمله على الافراد إلّا بالتصرف والتأويل بإلقاء التعين ، ضرورة أن المقيد بالتعين الذهني موجود ذهني ، ومن المعلوم امتناع حمله على الموجود الخارجي ، لتغاير صقعي الوجودين كما مر آنفاً. فصحة حمله على

__________________

(*) قال نجم الأئمة في شرح الكافية : «إذا كان لنا تأنيث لفظي كغرفة وبشرى وصحراء ونسبة لفظية نحو كرسي ، فلا بأس أن يكون لنا تعريف لفظي إما باللام كما ذكرنا قبل ، وإما بالعلمية كما في أسامة».

وفيه : أن العلمية كافية في الفرق بين اسم الجنس وعلمه ، إذ التعريف ولو كان لفظياً لا بد أن يكون لخصوصية مفقودة في اسم الجنس ، وإلّا لزم أن يكون تعريف علم الجنس بلا علة ، وهو كما ترى ، فلا بد من الالتزام بالفرق المعنوي بين اسم الجنس وعلمه ، وهو التعين الذهني المعتبر فيه ، دون اسم الجنس ، وقد صرح نجم الأئمة في عبارته المتقدمة بأن التعريف قد يكون بالعملية التي لا بد أن تكون في علم الجنس بالتعين.

لكن الإنصاف أن تعريف علم الجنس لفظياً لا يدل على كون المائز هو التعين الذهني فيه ، فتدبر.

٦٩١

لما صح حمله على الافراد بلا تصرف وتأويل (١) (*) ، لأنه (٢) على المشهور كلي عقلي ، وقد عرفت (٣) أنه لا يكاد يصح صدقه عليها (٤)

______________________________________________________

الافراد الخارجية منوطة بالتجريد عن القيد الذهني ليتحقق الاتحاد المصحح للحمل ، مع أن المسلم صحة الحمل بدون التجريد المزبور ، وهذا يدل على عدم كون الموضوع له في علم الجنس المعنى مقيداً بالتعين الذهني.

(١) المراد بالتأويل التجريد المزبور.

(٢) أي : علم الجنس ، وهذا تعليل لعدم جواز الحمل بدون التصرف ، وقد مر توضيحه.

(٣) حيث قال : «وكذا المفهوم اللابشرط القسمي فانه كلي عقلي لا موطن له الا الذهن».

(٤) أي : على الافراد ، وضمير «صدقه» راجع إلى «كلي عقلي» وضمير

__________________

(*) يمكن أن يقال : ان ما أفاده المصنف (قده) من عدم صحة الحمل على الافراد بلا تصرف وتجريد ، لأن المفهوم بملاحظة وجوده في الذهن كلي عقلي لا يتحد مع الخارج حتى يصح حمله على الافراد (مبني) على دخل الوجود الذهني ولحاظه اسمياً. وأما إذا لوحظ بنحو المرآتية والمعنى الحرفي فلا حاجة إلى التجريد ، لأن التعين الذهني في علم الجنس ـ كأسامة مثلا ـ حينئذ حاكٍ عن الخارج ، وينطبق عليه بلا مئونة ، حيث انه لم يلاحظ الوجود الذهني معنى اسمياً. نظير الصور الذهنية المتصورة مرآتاً للخارج في متعلقات الأوامر.

إلّا أن يقال : ان الحمل على المرآتية خلاف الأصل ، لأن الأصل في دوران العنوان بين المشيرية والموضوعية هو الثاني.

إلّا أن يدعي أن الحمل على الافراد بلا عناية التجريد دليل على كون التعين ملحوظاً مرآتاً للخارج ، ومعه لا يجري الأصل المزبور ، فتدبر.

٦٩٢

[على الافراد] مع (١) صحة حمله عليها بدون ذلك (٢) ، كما لا يخفى ، ضرورة (٣) أن التصرف في المحمول (٤) بإرادة نفس المعنى بدون قيده تعسف لا يكاد يكون بناء القضايا المتعارفة عليه (٥).

مع (٦)

______________________________________________________

«انه» للشأن.

(١) يعني : مع صحة حمل علم الجنس على الافراد بدون التصرف والتأويل.

(٢) أي : التصرف والتأويل ، وضمير «حمله» راجع إلى علم الجنس وضمير «عليها» راجع إلى الافراد.

(٣) تعليل لصحة الحمل بدون التأويل ، وحاصله : أن التصرف في المحمول ـ وهو علم الجنس ـ بإرادة نفس المعنى بدون قيده ـ أعني تعينه الذهني ـ تعسف ، لاستلزامه التصرف في المعنى الموضوع له بلا وجه يوجبه ، وليس بناء العرف في القضايا المتعارفة على هذا التصرف حتى يكون هذا البناء قرينة نوعية على التصرف المزبور ، فلا دليل على هذا التصرف أصلا.

(٤) وهو علم الجنس ، كأن يقال للأسد الخارجي : هذا أسامة.

(٥) يعني : على التصرف في المحمول بإرادة جزء معناه ، وهو نفس الطبيعة وإلغاء جزئه الآخر أعني تعينه الذهني.

(٦) هذا برهان آخر على كون علم الجنس موضوعاً لنفس المعنى مجرداً عن قيد التعين الذهني ، وحاصله : أنه يلزم لغوية الوضع ، إذ حكمة الوضع هي تفهيم المعنى الموضوع له باللفظ ، وجعل اللفظ حاكياً عنه في مقام الاستعمال

٦٩٣

أن وضعه (١) لخصوص معنى يحتاج إلى تجريده عن خصوصيته عند الاستعمال لا يكاد يصدر عن جاهل فضلا عن الواضع الحكيم.

ومنها (٢) : المفرد المعرف باللام ، والمشهور أنه على أقسام : المعرف بلام الجنس (٣) أو الاستغراق (٤) أو العهد بأقسامه (٥) على نحو

______________________________________________________

وحينئذ فان وضع اللفظ لمعنى لا يستعمل فيه أصلا ، بل يستعمل في جزئه مجازاً كان هذا الوضع لغواً منافياً لحكمة الوضع ، ومن المعلوم قبح صدوره عن الجاهل فضلا عن الواضع الحكيم. فلزوم اللغوية دليل أيضا على كون معنى علم الجنس ـ كاسمه ـ نفس الطبيعة من دون لحاظ شيء من التعين الذهني وغيره معها ، فقوله : «يحتاج» صفة لـ «معنى» وقوله : «عند الاستعمال» متعلق بـ «يحتاج» وقوله : «لا يكاد يصدر» خبر «ان».

(١) أي : وضع علم الجنس ، يعني : أن وضع علم الجنس لخصوص معنى ـ أي معنى ـ مقيد بخصوصية يحتاج عند الاستعمال دائماً إلى تجريده عن خصوصيته لا يكاد يصدر عن جاهل. وهذا إشارة إلى لغوية الوضع ، كما مر آنفاً. فالنتيجة : أن المعنى في اسم الجنس وعلمه واحد ، والفرق بينهما انما هو في اللفظ ، إذ يعامل مع اسم الجنس معاملة النكرة ومع علم الجنس معاملة المعرفة.

٣ ـ المفرد المعرف باللام

(٢) أي : ومن الألفاظ التي يطلق عليها المطلق : المعرف باللام.

(٣) مثل «الرّجل خير من المرأة» وضمير «أنه» راجع إلى المفرد المعرف باللام.

(٤) كقوله تعالى : «وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ» فانه بمنزلة قوله : «كل إنسان لفي خسر».

(٥) من العهد الذهني ، وهو المشار به إلى فرد ما مقيداً بحضوره في الذهن

٦٩٤

الاشتراك بينها (١) لفظاً أو معنى (٢). والظاهر (٣) أن الخصوصية في كل واحد من الأقسام من قِبَل خصوص اللام (٤) ، أو من قِبَل قرائن المقام (٥)

______________________________________________________

كقوله : «ادخل السوق». والعهد الذكري ، وهو المشار به إلى فرد مذكور سابقاً ، كقوله تعالى : «أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولاً فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ». والعهد الخارجي وهو المشار به إلى فرد متعين حاضر عند المخاطب خارجاً وذهناً كقوله : «افتح الباب»

(١) أي : بين أقسام المعرف باللام. أما الاشتراك اللفظي ، فبأن يقال : ان لفظ الرّجل مثلا وضع تارة لتعريف الجنس ، وأخرى للاستغراق ، وثالثة للعهد الذهني ، ورابعة للعهد الخارجي ، وخامسة للعهد الذكري.

(٢) بأن يدعى أن اللام وضع للعهد الجامع بين الأقسام ، وأن الخصوصية تفهم من الخارج من باب تعدد الدال والمدلول.

(٣) بعد بيان احتمال كل من الاشتراك اللفظي والمعنوي استظهر عدم كون المعرف باللام مشتركاً لفظياً ولا معنوياً ، بحيث يكون مجموع اللام ومدخوله موضوعاً بنحو الاشتراك اللفظي أو المعنوي بين الأقسام المذكورة ، وقال : ان مدخول اللام بأقسامه لم يستعمل الا في معناه الموضوع له ، والخصوصيات من الجنسية والاستغراقية والعهدية بأنحائها انما تستفاد من نفس اللام أو القرائن الخارجية.

(٤) بناء على اشتراك اللام لفظياً.

(٥) بناء على اشتراك اللام معنوياً ، فالتعريف يستفاد من اللام ، والخصوصيات من القرائن من باب تعدد الدال والمدلول. نظير استفادة أصل الطلب من صيغة الأمر بناء على الاشتراك المعنوي ، وخصوصية الوجوب أو الندب من الخارج.

٦٩٥

من باب تعدد الدال والمدلول (١) ، لا باستعمال المدخول (٢) ليلزم فيه المجاز ، أو الاشتراك ، فكان المدخول على كل حال مستعملا فيما يستعمل فيه غير المدخول (٣) ، والمعروف أن اللام تكون موضوعة للتعريف ومفيدة للتعيين في غير العهد الذهني (٤). وأنت خبير (٥) بأنه لا تعين [لا تعيين] في تعريف الجنس الا الإشارة إلى المعنى المتميز

______________________________________________________

(١) لدلالة المدخول على نفس المعنى ، ودلالة اللام أو القرينة على الخصوصية.

(٢) يعني : لا أن الخصوصيات تستفاد باستعمال مدخول اللام ، بأن يستعمل «رجل تارة في الجنس ، وأخرى في الاستغراق ، وثالثة في العهد حتى يلزم المجاز أو الاشتراك فيه ، فمعنى المدخول في كلتا صورتي دخول اللام عليه وعدمه واحد ، فرجل مثلا يستعمل في معناه المبهم مطلقاً حتى بعد دخول اللام عليه ، والخصوصيات الزائدة على معناه تستفاد من الدوال الخارجية ، فلا يلزم في مدخول اللام مجاز ولا اشتراك.

(٣) يعني : غير مدخول اللام كرجل فمعناه قبل وقوعه تلو اللام وبعده واحد ، وهو الماهية المهملة المبهمة.

(٤) لأن العهد الذهني هو ما يشار به إلى فرد ما بقيد حضوره في الذهن ولا تعين لفرد ما ، فاللام لا تفيد التعيين في العهد الذهني.

(٥) غرضه : رد ما هو المعروف بينهم من وضع اللام للتعريف ، وعدم المساعدة عليه ، لأن التعريف فرع التعين ، ولا تعين في تعريف الجنس ، إذ لا يتصور فيه تعين الا تميزه بما له من الحدود المميزة له عن المعاني المتصورة الذهنية ولا يصح أن تكون اللام لتمييز المعنى كذلك ، لوجوه آتية.

٦٩٦

بنفسه من بين المعاني ذهناً ، ولازمه (١) أن لا يصح حمل المعرف باللام بما هو معرف (٢) على الافراد ، لما (٣) عرفت من امتناع الاتحاد مع (٤) ما [مع شيء] لا موطن له الا الذهن إلّا (٥) بالتجريد ، ومعه (٦) لا فائدة في التقييد. مع (٧) أن التأويل والتصرف في القضايا المتداولة في العرف

______________________________________________________

(١) هذا أول تلك الوجوه ، وحاصله : أن الموجود الذهني يمتنع انطباقه على الموجود الخارجي ، لاختلاف صقعي الوجودين المانع عن الاتحاد المسوغ للحمل كما تقدم الا بعد التجريد عن قيد التعين الذهني ، ومع التجريد لا فائدة في هذا التقييد.

(٢) أي : مع لحاظ كونه معرفاً باللام ، لا مع لحاظ تجريده عنه.

(٣) تعليل لعدم صحة الحمل ، وقد عرفت توضيحه بقولنا : «لاختلاف صقعي الوجودين ... إلخ».

(٤) متعلق بـ «الاتحاد» يعني : أنه يمتنع الاتحاد مع ما لا موطن له الا الذهن وهو قيد التعين الّذي هو من القيود الذهنية.

(٥) استثناء من امتناع الاتحاد ، يعني : أن هذا الامتناع يرتفع بالتجريد.

(٦) أي : ومع التجريد لا فائدة في التقييد بالتعين الذهني ، للزوم إلقائه في مقام الاستعمال والحمل.

(٧) هذا ثاني تلك الوجوه ، وحاصله : أن التصرف بإلقاء قيد التعين الذهني في مقام الحمل على الافراد لو لم يكن فيه تعسف لم يكن به بأس ، لكنه لا يخلو من التعسف ، لعدم التفات أبناء المحاورة إلى هذا التصرف ، بل بناؤهم على حمل المعرف بلام الجنس ـ كنفس اسم الجنس ـ على الافراد الخارجية من دون تجريد وعناية.

٦٩٧

غير خال عن التعسف (١) ، هذا.

مضافاً (٢) (*) إلى أن الوضع لما لا حاجة إليه ، بل لا بد من التجريد [التجرد] عنه وإلغائه (٣) في الاستعمالات المتعارفة المشتملة على حمل المعرف باللام (٤) أو الحمل عليه (٥) كان لغواً ، كما أشرنا إليه (٦) ،

______________________________________________________

(١) لبعده عن مذاق العرف بحيث لا ينتقل أذهانهم إلى التصرف المزبور.

(٢) هذا ثالث تلك الوجوه ، وحاصله : أن الوضع لمعنى لا يستعمل اللفظ فيه لعدم كونه من المعاني المحتاجة إلى تفهيمها ينافي حكمة الوضع التي هي تفهيم المعنى باستعمال اللفظ فيه ، فهذا الوضع لغو ، ولا يصدر عن العاقل فضلا عن الحكيم.

(٣) معطوف على «التجريد» وضميره وكذا ضمير «عنه» راجعان إلى «ما» الموصول.

(٤) أي : جعل المفرد المعرف باللام محمولاً مثلا «زيد الرّجل.

(٥) أي : على المعرف باللام ، بأن يجعل موضوعاً مثل «الرّجل زيد».

(٦) حيث قال قبل أسطر في علم الجنس : «مع أن وضعه لخصوص معنى ... إلخ».

__________________

(*) قد يقال : ان مرجع هذا الوجه إلى الوجه الثاني ، لأن مناطهما لغوية الوضع ، لعدم ترتب حكمة الوضع ـ وهي تفهيم المعنى باللفظ الموضوع له ـ على وضع اللام للتعيين الذهني بعد لزوم التجريد عنه في مقام الحمل ، لكن الظاهر اختلافهما ، لتعدد المناط فيهما ، إذ المناط في الوجه الثاني هو بعد التصرف والتأويل عن مذاق العرف ، وعدم التفاتهم بذلك. والمناط في هذا الوجه انتفاء حكمة الوضع الموجب للغوية الوضع.

٦٩٨

فالظاهر (١) أن اللام مطلقاً (٢) تكون للتزيين كما في الحسن والحسين عليهما‌السلام ، واستفادة الخصوصيات (٣) انما تكون بالقرائن التي لا بد منها لتعيينها (٤) على كل حال ولو (٥) قيل بإفادة اللام للإشارة إلى المعنى ، ومع الدلالة عليه (٦) بتلك الخصوصيات لا حاجة إلى تلك الإشارة (٧)

______________________________________________________

(١) هذا حاصل ما أفاده من عدم إفادة اللام للتعيين ، إذ بعد إنكار كون اللام للتعريف الذهني لا بد أن يكون اللام للتزيين ، كاللام الداخلة على الاعلام ، كالحسن والحسين ونظائرهما من الاعلام الشخصية.

(٢) يعني : في جميع الموارد يكون اللام للتزيين.

(٣) من العهد الخارجي والحضوري والذكري ، وتعريف الجنس ، والاستغراق والعهد الذهني ، فان هذه الخصوصيات انما تستفاد من القرائن.

(٤) أي : تعيين الخصوصيات على كل حال حتى على القول بوضع اللام للإشارة.

(٥) لو وصلية ، يعني : للاحتياج إلى القرائن لاستفادة الخصوصيات من العهد وغيره مما ذكر على جميع الأقوال حتى على القول بإفادة اللام للإشارة إلى المعنى ، غاية الأمر أنه على القول باشتراك اللام لفظياً أو معنوياً تكون القرينة معينة ، ومع الحاجة إلى القرينة في استفادة الخصوصيات لا حاجة إلى وضع اللام للإشارة إلى المعنى ، بل قد عرفت أن وضعه للإشارة مخل بالحمل ، لاحتياج الحمل إلى التجريد.

(٦) أي : على المعنى مقروناً بتلك الخصوصيات.

(٧) أي : وضع اللام للإشارة إلى المعنى.

٦٩٩

لو لم تكن (١) مخلة ، وقد عرفت إخلالها (٢) ، فتأمل جيداً.

وأما (٣) دلالة الجمع المعرف باللام على العموم مع عدم دلالة المدخول عليه (٤) ، فلا دلالة (٥)

______________________________________________________

(١) أي : تلك الإشارة.

(٢) أي : إخلال الإشارة بالحمل ، لتوقف صحة الحمل على التجريد.

٤ ـ الجمع المحلى باللام

(٣) هذا إشارة إلى ما يمكن أن يتوهم في المقام ، وهو : أن إنكار إفادة اللام للتعريف ، وادعاء كونها للتزيين ينافي ما عن أئمة الأدب من اتفاقهم على أن الجمع المحلى باللام يفيد العموم ، مع وضوح عدم دلالة نفس المدخول على العموم ، فلا بد أن تستند هذه الدلالة إلى نفس اللام ، حيث ان مراتب الجمع عديدة ، واللام يدل على التعيين ، ولا تعين لشيء من تلك المراتب الا الاستغراق ، فيتعين ببركة اللام.

وبالجملة : فدلالة اللام في الجمع المحلى به على المعين ـ وهو الاستغراق ـ تنافي جعل اللام للتزيين.

(٤) أي : على العموم ، بل المدخول يدل على نفس الجمع بمراتبه العديدة.

(٥) قد أجاب المصنف (قده) عن التوهم المزبور بجوابين :

أحدهما : ما أشار إليه بقوله : «فلا دلالة فيها» وحاصله : منع المقدمة التي بنى المتوهم دلالة اللام على العموم عليها ، وهي تعين المرتبة المستغرقة لجميع الافراد. وجه المنع : تعين مرتبة أخرى من مراتب الجمع أيضا ، وهي أقل مراتبه كالثلاثة في غير جمع الكثرة ، لأن أقل مراتبه متعينة من حيث الإرادة

٧٠٠