منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٣

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٣

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: مطبعة غدير
الطبعة: ٦
الصفحات: ٧٨٣

أن مثل (١) شمول عشرة وغيرها [كالعقود الأخر] لآحادها المندرجة تحتها ليس من العموم ، لعدم صلاحيتها بمفهومها (٢) للانطباق على كل واحد منها (٣) ، فافهم (٤).

فصل

لا شبهة في أن للعموم صيغة تخصه لغة (٥) وشرعاً (٦) كالخصوص (٧)

______________________________________________________

(١) التعبير بالمثل للتنبيه على عدم اختصاص ما ذكره بهذا العدد الخاصّ ، بل هو جار في سائر الاعداد أيضا.

(٢) هذا الضمير وضمائر «صلاحيتها وتحتها وآحادها وغيرها» راجعة إلى العشرة.

(٣) أي : من آحادها المندرجة تحتها.

(٤) لعله إشارة إلى أن مناط خروج أسماء الاعداد عن العام ان كان عدم صلاحيتها بمفهومها للانطباق على الآحاد المندرجة تحتها ، لزم منه خروج الجمع المحلى باللام عن العام ، لعدم انطباقها بمفهومها على كل واحد من الآحاد المندرجة تحته ، فان «العلماء» بمفهومه لا ينطبق على كل فرد من أفراد العلماء بل ينطبق على كل واحد من الجموع.

ألفاظ العموم والخصوص

(٥) كلفظة «كل ، وقاطبة ، وجميع» ، وغيرها.

(٦) بمعنى إمضاء الشارع وعدم تصرفه في العمومات اللغوية في مقام تشريع الأحكام لها.

(٧) يعني : كما لا شبهة في أن للخصوص صيغة تخصه كالأعلام الشخصية.

٤٦١

كما [أنه] يكون ما يشترك بينهما (١) [ويعمهما] ، ضرورة (٢) أن لفظ «كل»(*)

______________________________________________________

(١) يعني : كما يكون لفظ مشترك بين العموم والخصوص ، كالمفرد المحلى باللام ، إذ يكون مع العهد للخصوص ، وبدونه للعموم كالبيع في قوله تعالى : «أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ». وكالنكرة ، فانها في سياق النفي تفيد العموم ، وفي سياق الإثبات تفيد الخصوص ، فضميرا «بينهما ويعمهما» راجعان إلى العموم والخصوص.

(٢) تعليل لقوله : «لا شبهة» وحاصله : أن اختصاص بعض الألفاظ بالعموم ـ كلفظة «كل» وما يرادفها من أي لغة كان ، مثل «هر» في الفارسية ـ من البديهي الّذي لا يقبل الإنكار ، بحيث لا يتبادر منها عند الإطلاق الا العموم.

__________________

(*) هنا إشكال ودفع. أما الأول ، فهو : أنه ليس لنا لفظ يدل على العموم مع الغض عن مقدمات الحكمة ، حيث ان لفظ «كل» وأمثالها مما عدت من ألفاظ العموم تابعة لمدخولها ، فان أخذ مطلقاً ، فلفظ الكل مثلا يدل على جميع أفراد المطلق. وان أخذ مقيداً ، فهو يدل على تمام أفراد المقيد ، فالمدخول لا يدل وضعاً الا على نفس الطبيعة المهملة التي لا تأبى عن الإطلاق والتقييد فإطلاق المدخول لا بد وأن يستند إلى مقدمات الحكمة ، حتى يدل لفظ «كل» الداخل عليه على جميع أفراد المطلق. وعليه ، فلا يدل «كل عالم» على جميع أفراد العالم الا بعد إحراز كون العالم مطلقاً ، وبدون إحرازه لا يدل على جميع الافراد ، لإمكان إرادة العالم العادل من مدخول «كل» بل يدل على تمام أفراد العالم المقيد بالعدالة.

وأما النكرة في سياق النفي وما في حكمها ، فلا يقتضي وضع اللفظ الا نفي الطبيعة المهملة التي تجتمع مع كل من المطلقة والمقيدة ، ولا يحرز

٤٦٢

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

كون الطبيعة المدخولة للنفي هي المطلقة ـ لا المقيدة ـ إلّا بمقدمات الحكمة ، إذ بدونها يحتمل ورود النفي على كل من المطلق والمقيد.

وأما الثاني وهو الدفع ، فحاصله : أن الظاهر من ورود النفي أو اللفظ المفيد للعموم على مفهوم هو كون ذلك المفهوم بنفسه مورداً لأحدهما ، لا أنه جعل مشيراً إلى ما هو المورد. وعليه ، فقوله : «أكرم كل عالم» يقتضي استيعاب تمام الافراد ، كما يقتضي ورود النفي عليه نفي تمام الافراد.

ومجرد إمكان كون المفهوم معرفاً لفرد خاص منه ، كإرادة فرد خاص من مفهوم «رجل في قوله : «لا رجل في الدار» وورود النفي عليه لا يوجب رفع اليد عن الظاهر ، وهو كون المفهوم بنفسه مورداً للنفي.

ودعوى أنه ـ بناء على هذا الظهور ـ لا حاجة إلى مقدمات الحكمة في الحكم الإيجابي أيضا ، وذلك لأن ظاهر القضية المتضمنة لتعلق الإيجاب بالطبيعة تعلق الحكم بنفس الطبيعة السارية في كل فرد ، وهذا هو العموم ، فلا حاجة في فهمه من القضية الإيجابية أيضا إلى مقدمات الحكمة (غير مسموعة) لأن الطبيعة المهملة تصدق على فرد خاص حقيقة ، ودلالتها على سريان الحكم إلى تمام الافراد مما لا يقتضيه وضع اللفظ ، بل هي منوطة بمقدمات الحكمة ، فقوله : «أكرم عالماً» لا يدل على وجوب إكرام جميع أفراد طبيعة العالم بالوضع ، فدلالته على ذلك محتاجة إلى مقدمات الحكمة. وهذا بخلاف النفي المتعلق بالطبيعة المهملة ، ضرورة أن نفيها يتوقف عقلا على انعدام جميع أفرادها ، إذ لو فرض صدق نفي الطبيعة مع وجود فرد منها لزم اجتماع النقيضين ، وهما وجود الطبيعة وعدمها.

٤٦٣

وما يرادفه في أي لغة كان يخصه (١) ، ولا يخص الخصوص ولا يعمه (٢) ، ولا ينافي اختصاصه (٣) به استعماله (٤)

______________________________________________________

(١) أي : يخص العموم.

(٢) أي : الخصوص ، وغرضه : أن مثل لفظ «كل» يخص العموم ، ولا يكون مختصاً بالخصوص ، ولا مشتركاً بينه وبين العموم ، وعدم كونه مشتركاً بينهما هو المراد بقوله : «ولا يعمه». والحاصل : أن لكل من العموم والخصوص ألفاظاً تخصه ، كما أنهما يشتركان في بعض الألفاظ ، بحيث يراد به العموم تارة والخصوص أخرى ، كالنكرة على ما مر آنفاً.

(٣) أي : اختصاص لفظ «كل» وما يرادفه بالعموم ، والغرض منه دفع المنافاة بين اختصاص بعض الألفاظ كلفظ «كل» بالعموم ، وبين استعماله أحياناً في غيره ، بتقريب : أن الاختصاص ينافي الاستعمال في الخصوص ، ومع الاستعمال في كل من الخصوص والعموم لا يصح دعوى الاختصاص بالعموم.

وجه عدم المنافاة : أن التنافي ثابت لو أريد بالاختصاص استعماله في العموم دون غيره. وأما إذا أريد به ظهور اللفظ فيه ، بحيث لا تتوقف إرادة العموم منه على عناية ، فلا ينافي استعماله في الخصوص بادعاء أنه العموم كما هو مذهب السكاكي في الاستعارة ، أو مجازاً بعلاقة العموم والخصوص التي هي من العلائق المجازية. ومرجع كلام المصنف «قده» إلى أعمية الاستعمال من الحقيقة.

(٤) أي : لفظ : «كل» وما يرادفه ، و «استعماله» فاعل لقوله : «لا ينافى» يعني : ولا ينافي استعمال لفظ كل في الخصوص ما ادعيناه من اختصاصه بالعموم ، وضمير «به» راجع إلى العموم.

٤٦٤

في الخصوص عناية بادعاء أنه (١) العموم ، أو بعلاقة (٢) العموم والخصوص ومعه (٣) لا يصغى إلى [ذلك ب] أن إرادة الخصوص متيقنة ولو في ضمنه (٤) بخلافه (٥) ، وجعل اللفظ حقيقة في المتيقن (٦) أولى (٧).

ولا (٨) إلى أن التخصيص قد اشتهر وشاع ، حتى قيل : «ما من

______________________________________________________

(١) أي : الخصوص هو العموم ادعاء ، كما هو مذهب السكاكي.

(٢) معطوف على «ادعاء» وهذا تقريب كون الاستعمال مجازياً بعلاقة العموم والخصوص.

(٣) يعني : ومع ما ذكر من قيام الضرورة على اختصاص بعض الألفاظ بالعموم لا وجه لدعوى اختصاص وضع ذلك البعض بالخصوص بوجهين :

أحدهما : ما أشار إليه بقوله : «إلى أن إرادة الخصوص متيقنة» ، وحاصله : أن الخصوص متيقن الإرادة على كل حال ، يعني : سواء استعملت في الخصوص أم في العموم. أما على الأول ، فظاهر. وأما على الثاني ، فلان الخصوص بعض العموم ، وإرادة الكل تقتضي إرادة البعض قطعاً ، وتيقن إرادة الخصوص يكون مرجحاً لوضع الصيغة له ، لا للعموم.

(٤) أي : في ضمن العموم لو كانت الصيغة موضوعة له.

(٥) يعني : بخلاف العموم ، لأنه غير متيقن الإرادة ، فالوضع له غير معلوم.

(٦) وهو الخصوص ، وقد عرفت وجه كونه متيقناً.

(٧) يعني : من جعله حقيقة في العموم الّذي هو مشكوك الإرادة.

(٨) معطوف على «إلى» في قوله : «لا يصغى إلى». وهذا ثاني الوجهين اللذين احتج بهما المدعي لوضع الصيغة للخصوص ، وحاصله : أن التخصيص شائع في الاستعمالات ، فعلى القول بوضع الصيغة للخصوص لا يلزم كثرة المجازات.

٤٦٥

عام الا وقد خص» والظاهر يقتضي كونه (١) حقيقة لما هو الغالب تقليلا للمجاز ، مع أن تيقن إرادته (٢) لا يوجب اختصاص الوضع به [الوضع له]. مع (٣) (*)

______________________________________________________

بخلاف القول بوضعها للعموم ، فانه يلزم ذلك ، ورجحان تقليل المجاز يرجح وضع الصيغة للخصوص ، إذ مع الوضع للعموم يلزم المجاز في جميع موارد التخصيص.

(١) يعني : كون اللفظ حقيقة لما هو الغالب ـ وهو الخصوص ـ كما يقتضيه قولهم : «ما من عام إلّا وقد خص» فان الوضع للخصوص يوجب قلة المجاز.

ووجه عدم الإصغاء إلى هذين الوجهين وضعفهما هو : قيام الضرورة على وضعها للعموم ، ومع القطع بذلك لا شك في الوضع حتى يتجه التمسك بالوجهين المزبورين لإثباته للخصوص ، لأنهما يصلحان لذلك في ظرف الشك في الموضوع له.

(٢) هذا الضمير وضمير «به» راجعان إلى الخصوص ، وقوله : «مع أن» إشكال آخر يختص بالوجه الأول وهو كون الخصوص متيقناً. وحاصل الإشكال : أن تيقن إرادة الخصوص مجرد استحسان لا يصلح لإثبات اختصاص وضع الصيغة بالخصوص ، إذ لا عبرة بالوجوه الاستحسانية التي لا تفيد إلّا الظن الّذي لا يغني عن الحق شيئاً.

(٣) غرضه : أن إرادة العموم ليست نادرة حتى يلزم قلة الفائدة المترتبة على الوضع للعموم ، ويختص الوضع بالخصوص.

__________________

(*) ظاهره أن الوجه في عدم كون تيقن إرادة الخصوص موجباً لاختصاص الوضع به هو كثرة إرادة العموم ، وعدم قلتها ليكون الوضع له قليل الفائدة

٤٦٦

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

وللخصوص كثير الفائدة كي يتعين الوضع له ، دون العموم. لكنه لا يخلو من الغموض ، لأن إرادة العموم لا تنافي تيقن إرادة الخصوص ، لما مر في التوضيح من أن الخصوص متيقن الإرادة ، اما لاستعمال اللفظ فيه ، واما لكونه بعض العموم ، فيكون مراداً في ضمنه.

فالأولى أن يوجه عدم كون تيقن إرادة الخصوص مقتضياً لاختصاص الوضع به ، بأن التيقن المزبور ان كان لأجل استعمال اللفظ في الخصوص ، فلا يدل على وضعه له ، وعلى كونه معنى حقيقياً له ، لأن الاستعمال أعم من الحقيقة.

وان كان لأجل كونه بعض العام ، وأن الدلالة عليه تكون تضمنية ، فعدم كشف تيقنه عن الوضع أوضح من سابقه ، لأن اللفظ حينئذ قد استعمل في العموم ، وليس الخصوص مستعملا فيه حتى يمكن أن يقال : «ان الأصل في الاستعمال الحقيقة» وان كان فيه ما لا يخفى من أنه أعم من الحقيقة كما ثبت في محله.

وبالجملة ، فلا ملازمة بين تيقن إرادة الخصوص ، وبين وضع اللفظ له ، فالاستدلال بهذا التيقن على الوضع للخصوص غير سديد.

هذا كله مضافاً إلى إمكان المناقشة في أصل التيقن المزبور بدعوى التضاد بين العموم والخصوص ، وأنهما خصوصيتان متضادتان ، وأن العموم ليس أمراً عدمياً حتى تصح دعوى تيقن الخصوص ، ونفي العموم بالأصل ، فتيقن الخصوص غير معلوم ، لاحتياجه إلى اللحاظ ، وكذا العموم ، فيعلم إجمالا بوضع اللفظ للعموم أو الخصوص ، ولا معين لأحدهما ، فتأمل جيداً.

٤٦٧

كون العموم كثيراً ما يراد. واشتهار (١) التخصيص لا يوجب كثرة المجاز ، لعدم (٢) الملازمة بين التخصيص والمجازية ، كما يأتي توضيحه.

ولو سلم (٣) ، فلا محذور فيه أصلا إذا كان بالقرينة كما لا يخفى.

______________________________________________________

(١) معطوف على «ان تيقن إرادته» يعني : ومع أن اشتهار التخصيص لا يوجب كثرة المجاز. وهذا إشكال مختص بالوجه الثاني المذكور بقوله : «ولا إلى أن التخصيص قد اشتهر». وحاصل الإشكال : أن الاستدلال المزبور مبني على ثبوت الملازمة بين التخصيص والمجازية حتى يكون شيوع التخصيص ملازماً لكثرة المجازات ، لكن هذه الملازمة ممنوعة ، لابتنائها على استعمال العموم في الخصوص حتى يكون مجازاً ، وهو ممنوع جداً ، إذ إرادة الخصوص انما تكون من باب تعدد الدال والمدلول ، لا من باب استعمال العام في الخاصّ.

(٢) تعليل لقوله : «لا يوجب». وقد مر توضيحه بقولنا : «لكن هذه الملازمة ... إلخ».

(٣) هذا إشكال آخر على الوجه الثاني ، وهو استلزام شيوع التخصيص لكثرة المجاز. وحاصل الإشكال : أنه لو سلمنا الملازمة بين التخصيص والمجازية فلا بأس بكثرة المجاز إذا كان مع القرينة ، لكثرة الاستعمالات المجازية.

فتحصل مما أفاده المصنف قدس‌سره من الإشكال على الوجهين اللذين استدل بهما على اختصاص الوضع بالخصوص : أنه يرد عليهما إشكال مشترك بينهما ، وهو أنه لا يصح الاستدلال بهما الا مع الشك في الوضع للخصوص أو العموم ، ومع العلم بالوضع للعموم ـ كما هو المفروض ـ لا وجه للتمسك بهما ، لاختصاص الوضع بالخصوص. ويرد على الوجه الأول ـ وهو تيقن الخصوص ـ إشكال مختص به. وعلى الوجه الثاني إشكالان مختصان به ، كما لا يخفى.

٤٦٨

فصل

ربما عد من الألفاظ الدالة على العموم النكرة في سياق النفي (١) أو النهي (٢) ، ودلالتها عليه لا ينبغي أن تنكر عقلا (٣) ، لضرورة (٤) أنه لا [يكاد] يكون طبيعة معدومة إلّا إذا لم يكن فرد منها بموجود ، وإلّا (٥)

______________________________________________________

(دلالة النكرة في سياق النفي أو النهي على العموم)

(١) كقوله تعالى : «وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً».

(٢) كقوله : «لا تلبس شيئاً مما لا يؤكل في الصلاة» واعلم أنه لما فرغ المصنف عن إثبات أن للعموم صيغة تخصه ، تعرض لجملة من الألفاظ التي عدت من مصاديقه ، فان منها النكرة الواقعة في سياق النفي أو النهي ، وتقريب دلالتها على العموم : أن انعدام الطبيعة يتوقف عقلا على ترك جميع أفرادها ، بداهة أنه مع وجود فرد واحد من أفرادها توجد الطبيعة ، وهذا خلاف ما هو المطلوب من انعدامها ، فدلالة النكرة الواقعة في حيز النفي أو النهي على العموم انما تكون بحكم العقل ، بشرط أن تكون الطبيعة مطلقة على ما يأتي.

(٣) قيد للدلالة ، يعني : ودلالة النكرة على العموم عقلا لا ينبغي أن تنكر.

(٤) تعليل للدلالة ، يعني : أن انعدام الطبيعة يتوقف عقلا على انعدام جميع أفرادها.

(٥) أي : وان كان فرد منها موجوداً كانت الطبيعة موجودة.

٤٦٩

كانت موجودة. لكن (١) لا يخفى أنها (٢) تفيده إذا أخذت مرسلة (*) لا مبهمة قابلة للتقييد ، وإلّا (٣) فسلبها لا يقتضى إلّا استيعاب السلب

______________________________________________________

(١) غرضه : أن إفادة النكرة الواقعة في حيز النفي أو النهي للعموم مشروطة بأن تكون الطبيعة مطلقة حتى يكون نفيها منوطاً بانتفاء جميع أفرادها ، كقوله : «لا تكرم فاسقاً» فان امتثال حرمة إكرام طبيعة الفاسق المطلقة موقوف على عدم إكرام كل شخص من مصاديق طبيعة الفاسق ، فلو كانت الطبيعة المنفية أو المنهي عنها مقيدة لم يقتضِ دخول النفي عليها عموم النفي لافراد الطبيعة المطلقة ، بل عموم أفراد ذلك المقدار المقيد فقط ، كما إذا قال : «لا تكرم الفاسق الأموي» فانه لا يقتضي نفي وجوب الإكرام عن جميع أفراد طبيعة الفاسق بل عن أفراد الفاسق الأموي فقط.

وكذا إذا كانت الطبيعة مهملة ، فان نفيها كنفسها مهمل ، فيصلح لأن يكون عاماً لجميع أفراد الطبيعة المطلقة أو المقيدة ، ولا يتعين لنفي إحداهما إلّا بالقرينة.

ولا يخفى أن المصنف أشار في هامش الكتاب إلى أمرين :

أحدهما : تقييد الطبيعة بالإرسال ، وقد اتضح بقولنا : «فلو كانت الطبيعة ... إلخ» والآخر طريق إحراز الإرسال ، وهو مقدمات الحكمة ، حيث انها تثبت إطلاق الطبيعة ، فحينئذ يكون نفيها عاماً لجميع أفراد الطبيعة المطلقة.

(٢) أي : النكرة الواقعة في حيز النفي أو النهي لا تفيد العموم إلّا إذا أُخذت مرسلة ـ أي مطلقة ـ لا مبهمة قابلة للتقييد.

(٣) أي : وان لم تؤخذ مرسلة ـ أي مطلقة ـ بل أخذت مبهمة ، فسلبها

__________________

(*) وإحراز الإرسال فيما أضيفت إليه انما هو بمقدمات الحكمة ، فلولاها كانت مهملة ، وهي ليست إلّا بحكم الجزئية ، فلا تفيد الا نفي هذه الطبيعة في الجملة ولو في ضمن صنف منها ، فافهم فانه لا يخلو من دقة.

٤٧٠

لما أريد منها يقيناً ، لا استيعاب (*) ما يصلح انطباقها (١) عليه من أفرادها (٢) وهذا (٣) لا ينافي كون دلالتها (٤) عليه عقلية ، فانها (٥) بالإضافة إلى أفراد

______________________________________________________

لا يقتضي عموم النفي لجميع أفرادها ، وانما يقتضي عمومه لما أريد منها يقيناً وهو البعض ، لأن المهملة ـ كما ثبت في محله ـ في قوة الجزئية.

(١) هذا الضمير وضميري «فسلبها ، منها» راجعة إلى النكرة ، يعني : ولا يقتضي استيعاب ما يصلح انطباق النكرة عليه على تقدير أخذها مطلقة.

(٢) الضمير راجع إلى النكرة ، وقوله : «من أفرادها» بيان لـ «ما» الموصول ، وضمير «عليه» راجع إلى الموصول في قوله : «ما يصلح».

(٣) يعني : استيعاب السلب لخصوص ما أريد منها يقيناً لا ينافي كون دلالة النكرة في حيز النفي أو النهي على العموم والاستيعاب عقلية. وهذا إشارة إلى توهم ، وهو : أن إفادة النكرة في سياق النفي أو النهي للعموم عقلية ، وهو ينافي استيعاب السلب لخصوص ما يراد منها ، لا غيره من سائر الافراد ، إذ الدلالة العقلية تقتضي عموم السلب لجميع أفراد الطبيعة ، لا خصوص ما أريد منها.

(٤) أي : دلالة النكرة على العموم ، فضمير «عليه» راجع إلى العموم.

(٥) أي : فان الدلالة. وهذا إشارة إلى دفع المنافاة المزبورة ، وحاصله : أن الدلالة العقلية على العموم انما هي بالإضافة إلى ما يراد من النكرة ، فان أريد بها النكرة المرسلة كان المسلوب عموم أفراد الطبيعة المطلقة ، وان أريد بها النكرة المقيدة بقيد كان المسلوب خصوص أفراد الطبيعة المقيدة به ، دون جميع الافراد التي تصلح الطبيعة المطلقة للانطباق عليها.

__________________

(*) حق العبارة أن تكون هكذا : «ولا يقتضي استيعاب ما تصلح لانطباقها عليه من أفرادها» وفاعل «تصلح» ضمير راجع إلى النكرة كما أوضحناه.

٤٧١

ما يراد منها (١) ، لا الافراد التي يصلح (*) لانطباقها عليه. كما لا ينافى (٢) دلالة مثل لفظ «كل» على العموم وضعاً كون عمومه بحسب ما يراد من مدخوله (٣) ، ولذا (٤)

______________________________________________________

وبالجملة : السلب عموماً وخصوصاً تابع لسعة دائرة الطبيعة المنفية أو المنهي عنها ، وضيقها ، ولا يقدح هذا في دلالة النكرة في حيز النفي أو النهي على العموم ، وكونها عقلية ، إذ المقصود عموم ما أريد من النكرة.

(١) أي : من النكرة ، لا الافراد التي تصلح النكرة لانطباقها عليها ، فان تلك الافراد يكون حالها حال أفراد طبيعة أخرى في عدم الشمول ، وخروجها تخصصاً عن حيز النكرة الواقعة في حيز أداة السلب.

(٢) غرضه التنبيه على تبعية السلب سعة وضيقاً لما وقع في حيزه من كون الطبيعة مطلقة ومقيدة ومهملة ، من غير فرق بين كون الدلالة على العموم عقلية كالنكرة في سياق النفي ، أو وضعية كدلالة لفظ «كل» على العموم.

(٣) هذا الضمير وضمير «عمومه» راجعان إلى لفظ كل.

(٤) أي : ولأجل كون العموم بحسب ما أريد من مدخوله لا منافاة بين العموم المستفاد من العقل ، كالنكرة المنفية أو المنهي عنها ، وبين تقييد المدخول بقيود كثيرة ، كقوله : «لا تكرم رجلا فاسقاً أموياً» فان تقييد الرّجل بهذين القيدين لا يقدح في العموم المستفاد من النكرة في سياق النفي أو النهي ، وكقوله : «أكرم

__________________

(*) الأولى أن يقال : «تصلح» لأن فاعله ضمير يرجع إلى النكرة ، وتوجيهه بما في بعض الحواشي من جعل الفاعل ضميراً مذكراً راجعاً إلى اللفظ غير وجيه ، لاقتضاء ذلك تذكير ضمير «انطباقها» أيضا ، إذ لا معنى لانطباق اللفظ لأنه من شئون المفاهيم.

٤٧٢

لا ينافيه تقييد المدخول بقيود كثيرة. نعم (١) لا يبعد أن يكون (٢) ظاهراً [ظاهرة] عند إطلاقها في استيعاب جميع أفرادها ، وهذا (٣)

______________________________________________________

كل رجل عالم عادل» فان كلمة «كل» الموضوعة للعموم تدل على عموم أفراد مدخوله المقيد بقيدي العلم والعدالة ، كما تدل على عموم أفراد الرّجل في قوله : «أكرم كل رجل من دون تقييده بقيد.

وبالجملة : إطلاق المدخول وتقييده لا يوجبان التفاوت في معنى العموم.

(١) استدراك على ما ذكره من اشتراك أداة النفي ومثل لفظ «كل» في تبعية دلالتهما على العموم لإطلاق المدخول وتقييده ، فلو أريد من المدخول الإطلاق أو غيره كان العموم بالنسبة إلى أفراد ما أريد منه دون غيره.

وحاصل الاستدراك : أن لفظ «كل» يفترق عن الأداة بأنه مع إهمال مدخوله وعدم احتفافه بما يقتضي تقييده أو إطلاقه ، يرفع احتمال التقييد ، ويثبت إطلاقه من دون حاجة إلى جريان مقدمات الحكمة فيه ، فإذا قال : «أكرم كل عالم» واحتمل تقييده بالعدالة أو غيرها حكم بالإطلاق ، ووجوب إكرام كل فرد من أفراد طبيعة العالم ، فكلمة «كل» ترفع احتمال تقييد المدخول. وهذا بخلاف الأداة ، فانها لا ترفع إهمال مدخولها ، ولذا يكون النفي مهملا من حيث العموم والخصوص ، ولا يثبت إطلاق مدخولها إلّا بمقدمات الحكمة.

(٢) يعني : أن يكون مثل لفظ «كل» ظاهراً عند إطلاق النكرة في استيعاب جميع أفرادها ، فضميرا «إطلاقها وأفرادها» راجعان إلى النكرة.

إفادة المحلى باللام العموم

(٣) يعني : ما ذكر في النكرة الواقعة في سياق النفي والنهي ولفظ «كل»

٤٧٣

هو الحال في المحلى باللام جمعاً كان أو مفرداً ـ بناء على افادته للعموم ـ ولذا (١) لا ينافيه تقييد المدخول بالوصف وغيره (٢) ، وإطلاق (٣)

______________________________________________________

من كون العموم والاستيعاب تابعاً للمدخول جار بعينه في المحلى باللام ، جمعاً كان أو مفرداً ـ بناء على افادته العموم ـ فإذا قال : «أكرم العلماء» وجب إكرام كل فرد من أفراد العلماء ، وإذا قال : «أكرم العلماء العدول» وجب إكرام كل فرد منهم إذا اتصف بالعدالة ، لا كل عالم وان لم يتصف بها. وكذا المفرد المحلى باللام ، فان كان مطلقاً ، كما إذا قال : «أحل الله البيع» كان كل فرد من أفراد البيع حلالا ، وإذا قال : «أحل الله البيع غير الربوي» كان كل بيع غير ربوي حلالا.

والحاصل : أن وزان المحلى باللام وزان غيره من مصاديق العام.

(١) يعني : ولأجل تبعية العموم لما أُريد من المدخول لا ينافي العموم تقييد المدخول بالوصف كالعدول في المثال المزبور ، وغير الوصف كقوله : «أكرم العلماء ان كانوا عدولا» أو «الا الفساق منهم».

(٢) أي : غير الوصف ، كالشرط والاستثناء في المثال.

(٣) إشارة إلى ما قد يتوهم من التنافي بين ما ذكر من تبعية العموم في المحلى باللام وغيره لإطلاق المدخول وتقيده ، وبين إطلاق التخصيص على تقييد مثل العلماء بالعدول في قوله : «أكرم العلماء العدول». توضيح التنافي بينهما : أن العموم في مثل العلماء إذا كان تابعاً لإطلاق المدخول ، فإذا قيد المدخول بقيد ـ كالعدول المقيد للعلماء في المثال ـ فلا وجه لتسمية هذا التقييد بالتخصيص ، لأن التخصيص عبارة عن تضييق دائرة العموم بعد فرض وجوده ، فصدق التخصيص يكشف عن ثبوت العموم ، وعدم توقفه على إطلاق المدخول. فما ذكر من تبعية العموم لإطلاقه في غير محله. وضمير «تقييده» راجع إلى المدخول.

٤٧٤

التخصيص على تقييده ليس (١) إلّا من قبيل «ضيق فم الركية» (٢) لكن دلالته على العموم وضعاً محل منع (٣) ، بل انما يفيده (٤) [فيما] إذا اقتضته [قرينة] الحكمة (٥) أو قرينة أخرى (٦) ،

______________________________________________________

(١) خبر «وإطلاق» وهذا دفع التوهم المزبور ، وحاصله : أن إطلاق التخصيص على التقييد المتصل ليس جارياً على الاصطلاح حتى يبقى مجال للتوهم المزبور ، بل إطلاقه عليه مبني على المسامحة. نظير التضييق في قولهم : «ضيق فم الركية» إذا قال ذلك قبل فتحه ، أو قبل احداث الركية ، فان معنى التضييق حينئذ : إحداثه ضيقاً. وعلى هذا ، فمعنى التخصيص بالمتصل إيجاد العام مخصصاً.

(٢) الركية كـ «عطية» : البئر ، يجمع على ركايا كـ «عطايا».

(٣) وقوله : «لكن دلالته» استدراك على قوله : «بناء على افادته للعموم».

وغرضه : أن المحلى باللام لا يفيد العموم إلّا بالقرينة من مقدمات الحكمة أو غيرها من القرائن ، وهذا إنكار لدعوى وضع المحلى باللام للعموم. وحاصل ما أفاده المصنف «قده» من منع الوضع للعموم : أن ما وضع للعموم اما نفس اللام ، واما مدخوله ، واما مجموعهما ، ولم يثبت شيء من ذلك ، فلا بد أن تكون الدلالة على العموم بمعونة قرينة من مقدمات الحكمة ، أو غيرها مثل الاستثناء ، كقوله تعالى : «إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا» فان كلمة «الا» تدل على عمومية الإنسان ، وإلّا لم يصح الاستثناء.

(٤) أي : العموم ، وضميرا «دلالته واقتضته» راجعان إلى العموم.

(٥) كما في قوله تعالى : «أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ».

(٦) كالاستثناء ، كما في آية الخسران المتقدمة آنفاً.

٤٧٥

وذلك (١) لعدم اقتضائه (*) وضع اللام ، ولا مدخوله (٢) ، ولا [ولا ثبت] وضع (٣) آخر للمركب منهما ، كما لا يخفى (**). وربما يأتي في المطلق والمقيد بعض الكلام مما يناسب المقام.

______________________________________________________

(١) تعليل لمنع الدلالة الوضعيّة ، وقد أوضحناه بقولنا : «وحاصل ما أفاده ... إلخ».

(٢) بالجر معطوف على «اللام» ، وضمير «اقتضائه» راجع إلى العموم ، يعني : ولا وضع مدخول اللام للعموم ، لأنه وضع للطبيعة ، واللام وضع للإشارة إلى تعيين مدخولها.

(٣) بالرفع معطوف على «وضع اللام» وضمير «منهما» راجع إلى اللام ومدخولها.

__________________

(*) الأولى أن يقال : «لعدم اقتضاء وضع اللام ولا مدخوله ولا المركب منهما للعموم» بل الصواب إسقاط «اقتضاء» بأن يقال : «لعدم ثبوت وضع اللام ولا مدخوله ولا المركب منهما للعموم» ، إذ لا معنى لعدم المقتضي في وضع اللام للعموم بعد وضوح عدم اعتبار المناسبة في الوضع بين الألفاظ والمعاني وكفاية نفس الوضع في حصول العلقة والارتباط بينهما ، هذا.

ثم ان «اقتضائه» مصدر أضيف إلى المفعول المراد به العموم ، وقوله : «وضع» فاعله ، يعني : لعدم اقتضاء وضع اللام للعموم. وإضافة المصدر إلى الضمير المفعول ثم ذكر الفاعل بعده باسم الظاهر غير معهودة في المحاورات.

(**) ولا يخفى أنه لا تنافي بين إنكار وضع المحلى باللام للعموم وبين ما يقال من ظهور كلماتهم في الاتفاق على كون الجمع المحلى باللام للعموم لأن الاستعمال أعم من الحقيقة.

٤٧٦

فصل

لا شبهة (١) (*) في أن العام المخصص بالمتصل (٢)

______________________________________________________

المخصص المتصل والمنفصل

(١) الغرض من عقد هذا البحث تحقيق حال العام المخصص بمخصص متصل أو منفصل من حيث كونه حجة في الباقي وعدمها ، قال في المعالم : «الأقرب عندي أن تخصيص العام لا يخرجه عن الحجية في غير محل التخصيص ان لم يكن المخصص مجملا مطلقاً ... إلخ». وفي التقريرات : «إذا خصص العام بأمر معلوم مفهوما ومصداقاً فلا ينبغي الإشكال في حجية العام في الباقي مما يتطرق عليه الاشتباه كما عليه المشهور ... إلخ».

(٢) ليس المراد بالمتصل هنا ما يراد به ـ في مثل قولهم : ان للمتكلم أن يلحق بكلامه ما شاء ما دام متشاغلا به ـ من الاتصال والانفصال الحسّيين ، بل المراد بهما وحدة الجملة وتعددها. وعليه ، فقول القائل : «لا تكرم الفلسفيين» من مثل «أكرم العلماء ، لا تكرم الفلسفيين» منفصل ، لتعدد الجملتين وان اتصلت الثانية بالأولى حساً ، كما أن وصف العدول ونحوه مما يكون من الملابسات كالحال والبدل والشرط من قولنا : «أكرم العلماء العدول» أو «عادلين»

__________________

(*) ظاهره نفي الشبهة عند كل أحد ، فهو من قبيل اللفظ الصريح في تسلم المطلب عند الجميع ، وهو مناف للخلاف الّذي تعرض له بعد ذلك ، فالأولى أن يقال : الحق أو الأقرب أو الأصح أن العام المخصص بالمتصل أو المنفصل حجة في الباقي.

٤٧٧

أو المنفصل (١) حجة (*)

______________________________________________________

أو «الفقهاء» أو «ان كانوا عدولا» متصل وان انفصل عن الجزء الأول حساً. وعلى هذا ، فضابط الاتصال والانفصال استقلال الجزء وعدم استقلاله ، فان لم يستقل بأن كان الكلام جملة واحدة ، وكان أحد أجزائها قيداً أو شرطاً لها ، فهو متصل.

وان كان منفصلا حساً وان استقل ، بأن كان بنفسه جملة على حدة مثل «لا تكرم الفلسفيين» في المثال المتقدم فهو منفصل وان كان متصلا حساً.

ثم ان التعبير عن الملابسات كالوصف والحال وغيرهما من القيود بالمخصص المتصل مبني على المسامحة كما هو واضح ، وقد اتضح وجهه مما تقدم.

(١) قد عرفت المراد به ، ولازم الضابط المزبور في الاتصال والانفصال انعقاد الظهور في العموم في الثاني دون الأول.

__________________

(*) هذا التعبير الموجود في المعالم والتقريرات ومقالات شيخنا العراقي قدس‌سره حيث قال : «لا إشكال في كون العام المخصص بالمبين حجة» أولى من التعبير بكونه حقيقة أو مجازاً كما في القوانين ، حيث قال : «إذا خص العام ، ففي كونه حقيقة في الباقي أو مجازاً أقوال» ، وفي الفصول حيث قال : «إذا خص العام فقد اختلفوا في كونه حقيقة أو مجازاً إلى أقوال».

وجه الأولوية : أن المناسب للأصولي البحث عن الحجية ، لا عن كون العام بعد التخصيص حقيقة أو مجازاً في الباقي ، فانه شأن علماء العربية.

مع أن الحجية تلائم كون العام المخصص حقيقة أو مجازاً في الباقي.

أما على الأول ، فظاهر. وأما على الثاني ، فلإمكان أن يكون المخصص قرينة صارفة ومعينة.

٤٧٨

فيما بقي فيما علم [مما علم] عدم دخوله (١) في المخصص مطلقاً ولو كان متصلا (٢) ، وما (٣) احتمل

______________________________________________________

(١) أي : دخول الباقي في المخصص مطلقاً ولو كان متصلا مانعاً عن انعقاد الظهور.

(٢) وقد علم من هذا الكلام حكم صورتين :

إحداهما : اتصال المخصص مع العلم بخروج الباقي عنه.

ثانيتهما : انفصاله كذلك. وفي هاتين الصورتين لا مانع من التمسك بالعامّ مطلقاً.

أما في المتصل ، فلعدم ظهور الكلام في غير الباقي. وأما في المنفصل ، فلعدم مانع عن حجيته في الباقي ، ضرورة أن ظهور العام في العموم قد انعقد وصار حجة فيه ، فلا ترفع اليد عن حجيته فيه إلّا بحجة أقوى ، وهي ظهور المخصص المنفصل بمقدار ما يزاحمه فيه.

وبالجملة ، ففي المخصص المعلوم عدم دخول الباقي فيه سواء كان متصلا أم منفصلا يكون العام حجة فيما بقي.

(٣) معطوف على «فيما علم» يعني : أن العام المخصص حجة فيما علم عدم دخول الباقي في المخصص ، سواء كان متصلا أم منفصلا ، وفيما احتمل دخوله فيه أيضا إذا كان المخصص منفصلا.

والمتحصل مما أفاده المصنف «قده» : أن المخصص اما متصل واما منفصل ، وعلى التقديرين اما أن يعلم بعدم دخول الباقي في المخصص ، كالعلم بعدم دخول العالم العادل في الفساق في قولهم : «أكرم العلماء الا الفساق» ، واما أن لا يعلم بذلك ، بل يحتمل دخوله فيه ، كما عرفت في مرتكب الصغيرة ،

٤٧٩

دخوله فيه أيضا (*) إذا كان منفصلا ، كما هو المشهور (١) (**)

______________________________________________________

لاحتمال شمول مفهوم الفاسق له ، فالصور أربع ، وقد علم مما تقدم صورتان منها ، وهما : العلم بعدم دخول الباقي في المخصص المتصل ، والعلم بعدم دخوله في المنفصل ، وتقدم أيضا بيان حكمهما ، وهو كون العام حجة في الباقي فيهما. وعلم من قوله «قده» : «وما احتمل دخوله ... إلخ» الصورتان الثالثة والرابعة ، وهما : احتمال دخول الباقي في المخصص المنفصل ، واحتمال دخوله في المتصل ، وحكم «قده» بحجية العام في الثالثة ـ أي المنفصل ـ دون الرابعة أي المتصل ، وسيأتي التفصيل.

(١) على ما في التقريرات ، وقد مر في عبارته المنقولة في أول شرح هذا الفصل.

__________________

(*) اعلم أن هذا الفصل قد عقده الأصوليون لتحقيق حال العام المخصص بالمخصص المعلوم مفهوماً ومصداقاً من حيث حجيته في الباقي وعدمها ، كما عرفت عنوان المعالم والتقريرات. واما مع إجمال المخصص مفهوماً أو مصداقاً فعقدوا له فصلا مستقلا ، والمصنف «قده» عقد له الفصل الآتي ، فلا ينبغي التعرض لحكم المخصص المجمل المفهومي أو المصداقي هنا.

(**) قد يتوهم كونه راجعاً إلى الصور الثلاث ، لكنه ليس كذلك ، لأنه نفي الشبهة عن حجية العام في الصورتين الأوليين ، وهما : العلم بعدم دخول الباقي في المخصص المتصل والمنفصل ، فقوله : «كما هو المشهور» راجع إلى الصورة الثالثة ، وهي احتمال دخول الباقي في المخصص المنفصل ، ولذا قال في العبارة المتقدمة عن التقريرات : «مما يتطرق عليه الاشتباه كما عليه المشهور».

٤٨٠