منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٣

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٣

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: مطبعة غدير
الطبعة: ٦
الصفحات: ٧٨٣

قلت : أولا : هذا (١) فيما تمت هناك مقدمات الحكمة ، ولا تكاد تتم فيما هو مفاد الحرف (*) كما هاهنا (٢) ، وإلّا (٣) لما كان معنى حرفياً كما يظهر وجهه بالتأمل (٤).

______________________________________________________

(١) أي : انحصار العلة. ومحصل ما يستفاد من كلامه «قده» جوابان :

أحدهما : أنه لا مورد لمقدمات الحكمة في المقام ، لأن الدال على الخصوصية المستتبعة للمفهوم هو «ان» الشرطية مثلا التي هي من الحروف ، وقد ثبت في محله : أن المعنى الحرفي جزئي غير قابل للتقييد ، وحيث ان التقابل بين الإطلاق والتقييد ـ على ما سيأتي إن شاء الله تعالى ـ هو تقابل العدم والملكة ، فالإطلاق دائماً يمتنع بعين امتناع التقييد. ومن المعلوم أن مورد مقدمات الحكمة هو المعنى القابل للإطلاق والتقييد ، فينحصر موردها في المعاني الاسمية الملحوظة استقلالاً لا آلياً.

(٢) لما عرفت من أن الخصوصية المستتبعة للمفهوم معنى «ان» وهو من الحروف.

(٣) أي : وان تمت مقدمات الحكمة وجرت في المعنى الحرفي لما كان معنى حرفياً ، وانقلب إلى المعنى الاسمي.

(٤) وجهه ما عرفت من : أن مورد مقدمات الحكمة هو المعنى الملحوظ استقلالا ضرورة أن جريانها يستدعي لحاظ المعنى الّذي تجري فيها مستقلا حتى يحكم عليه بالإطلاق ، ولحاظ الاستقلالية ينافي لحاظ الآلية المقومة للمعنى الحرفي.

__________________

(*) لا يخفى أن ما أفاده مبني على مذهب المشهور في المعاني الحرفية وإفحام للخصم ، وإلّا فقد تقدم منه خلاف ذلك في مبحث الواجب المشروط ، حيث قال : «وأما حديث عدم الإطلاق في مفاد الهيئة فقد حققنا سابقاً أن كل واحد من الموضوع له والمستعمل فيه في الحروف يكون عاما كوضعها ... إلخ».

٣٢١

وثانياً : تعينه (١) [ان تعيينه] من بين أنحائه بالإطلاق المسوق في مقام البيان بلا معين. ومقايسته (٢) مع تعين الوجوب النفسيّ بإطلاق

______________________________________________________

(١) أي : تعين اللزوم بين العلة المنحصرة ومعلولها من بين أنحاء اللزوم.

وهذا ثاني الجوابين عن إثبات المفهوم بمقدمات الحكمة ، وحاصله : أنه ـ بعد تسليم جريانها في المعنى الحرفي ، والإغماض عن الجواب الأول ـ لا يمكن أيضا تعيين العلة المنحصرة بمقدمات الحكمة ، وذلك لأن العلة المنحصرة خصوصية في مقابل الخصوصيات الأخر ، وفرد للعلة المطلقة التي نسبتها إلى أفرادها نسبة واحدة. فإثبات إحدى الخصوصيات بالإطلاق الّذي نسبته إلى جميع هذه الخصوصيات على حد سواء تعيين لأحد الافراد المتساوية بلا معين ، وذلك لتساوي العلة المطلقة بالنسبة إلى جميع أفرادها من العلة المنحصرة وغيرها.

(٢) هذا ناظر إلى قوله : «كما أن قضية إطلاق صيغة الأمر هو الوجوب النفسيّ» وحاصله : أن قياس المقام ـ أعني العلة المنحصرة ـ بالوجوب النفسيّ الّذي يتعين بالإطلاق في غير محله ، لكونه مع الفارق ، وذلك لأن الوجوب النفسيّ وجوب بقول مطلق سواء وجب هناك شيء آخر أم لا ، فيكون لفظ الوجوب منطبقاً عليه ، وقالباً له ، فلا مانع من تعيينه بالإطلاق. وهذا بخلاف الوجوب الغيري ، فانه مشروط بوجوب الغير ، فيحتاج إلى مئونة زائدة ، مثل قوله : «إذا وجبت الصلاة فتوضأ».

فالنتيجة : أنه لا مانع من إثبات الوجوب النفسيّ بإطلاق صيغة الأمر ، لأن غيره ـ أعني الوجوب الغيري ـ محتاج إلى بيان وجوب شيء آخر. بخلاف النفسيّ ، فان النفسيّة ليست قيداً وجودياً حتى يحتاج إلى البيان ، بل هي أمر عدمي أعني عدم وجوبه لشيء آخر.

٣٢٢

صيغة الأمر مع الفارق ، فان (١) النفسيّ هو الواجب (*) على كل حال [كل تقدير] بخلاف الغيري ، فانه (٢) واجب على تقدير دون تقدير ، فيحتاج بيانه إلى مئونة التقييد بما إذا وجب الغير ، فيكون الإطلاق في الصيغة مع مقدمات الحكمة محمولا عليه (٣). وهذا بخلاف اللزوم والترتب بنحو الترتب على العلة المنحصرة ، ضرورة أن كل واحد من أنحاء اللزوم والترتب محتاج في تعينه (٤) [تعيينه] إلى القرينة مثل الآخر بلا تفاوت أصلا ، كما لا يخفى.

______________________________________________________

وأما العلة المنحصرة فليست كالوجوب النفسيّ ، حيث انها خصوصية في مقابل الخصوصيات الأخر ـ أي أنها فرد متساوٍ لسائر أفرادها ـ ونسبة الإطلاق إلى جميع الخصوصيات واحدة من دون مرجح لخصوص العلة المنحصرة ، فلا يمكن إثباتها بالإطلاق ، فالفارق بينها وبين الوجوب النفسيّ ظاهر.

(١) هذا تقريب الفارق ، وقد أوضحناه بقولنا : «وذلك لأن الوجوب النفسيّ وجوب بقول مطلق ... إلخ».

(٢) أي : الوجوب الغيري ، فانه وجوب على تقدير وجوب شيء آخر.

(٣) أي : على الوجوب النفسيّ.

(٤) لما عرفت من أن لكل من أنحاء اللزوم خصوصية مغايرة للأخرى ، وأن نسبة الإطلاق إلى جميع أنحاء اللزوم والخصوصيات متساوية ، فلا يمكن إثبات إحداها بالإطلاق ، بل إرادة كل واحدة منها بالخصوص تحتاج إلى القرينة بلا تفاوت بين العلة المنحصرة وغيرها أصلا. وهذا بخلاف إطلاق الوجوب

__________________

(*) الأولى تبديله بـ «الوجوب» كما أن تبديل قوله : «واجب» به أولى لأن الكلام في الوجوب ، لا الواجب.

٣٢٣

ثم انه ربما يتمسك للدلالة على المفهوم بإطلاق الشرط (١) ، بتقريب : أنه لو لم يكن بمنحصر يلزم [على المتكلم] تقييده ، ضرورة أنه لو قارنه أو سبقه الآخر لما أثر وحده (٢) (*) ،

______________________________________________________

لانطباقه على الوجوب النفسيّ ، وعدم انطباقه على الوجوب الغيري ، لتقيده بوجوب الغير.

(١) أي : الإطلاق الأحوالي للشرط ـ وهو المقدم ـ ، فمصب الإطلاق هنا هو المجيء مثلا في قولنا : «ان جاءك زيد فأكرمه» ، كما أن مصبه في الوجه السابق كان في معنى أدوات الشرط مثل «إن وإذا» وغيرهما.

وهذا الوجه أيضا من القرائن العامة الدالة على ثبوت المفهوم ، وتقريبه : أن المقدم ان كان علة منحصرة صح أن يقال : كلما تحقق المقدم ترتب عليه التالي ، وان لم يكن علة منحصرة لم يصح ذلك ، إذ الشرط المؤثر في وجود التالي حينئذ هو الجامع بينه وبين الأمر الآخر مع فرض المقارنة بينهما. وأما مع سبقه ـ أي المقدم ـ فيستند الأثر إليه ، ويلغو الشرط الآخر ، ففي المثال المتقدم ان لم يكن شرط الإكرام منحصراً في المجيء ، بل كان له شرط آخر كالسلام بأن قال : «ان جاءك زيد وسلم عليك فأكرمه» كان الجامع بين الشرطين هو المؤثر في وجود التالي أعني الإكرام ، لا المجيء فقط. مع أن إطلاق الشرط ـ أعني المجيء ـ من حيث الحالات يقتضي أن يكون في حال انفراده وعدم انضمامه إلى غيره مؤثراً ، ولذا قال في التقريرات : «توضيحه أن ظاهر الجملة الشرطية يفيد وجود الجزاء عند وجود الشرط على وجه الاستقلال سواء فرض وجود شيء آخر معه أو لم يفرض».

(٢) إذ مع المقارنة يؤثر الجامع بينهما ، ومع سبق الآخر لا أثر لهذا الشرط

__________________

(*) ظاهره أن الشرط في صورتي التقارن وسبق الآخر يكون جزء السبب

٣٢٤

وقضية (١) إطلاقه أنه يؤثر كذلك (٢) مطلقاً.

وفيه (٣) : أنه لا تكاد تنكر الدلالة على المفهوم مع إطلاقه (٤) كذلك ، إلّا أنه من المعلوم ندرة تحققه لو لم نقل بعدم اتفاقه (٥).

______________________________________________________

إذ المؤثر هو السابق.

(١) الواو حالية ، وقوله : «وقضية» مبتدأ ، وقوله : «انه يؤثر» خبره ، يعني : أن مقتضى إطلاق الشرط تأثيره وحده سواء أكان قبله أو بعده أو معه شيء آخر أم لا ، ولو لم يكن هذا الإطلاق مراداً للمتكلم لكان عليه التنبيه على خلافه.

(٢) أي : وحده ، والمراد بقوله : «مطلقاً» ما عرفته بقولنا : «سواء أكان قبله ... إلخ».

(٣) ملخص ما أفاده في رد الدليل المزبور ـ وهو دلالة إطلاق الشرط على انحصار العلة المستتبعة للمفهوم فيه ـ هو : أن الإطلاق لو تم لدل على المفهوم قطعاً ، لكن الكلام في تماميته ، لأن إحراز كون المتكلم في مقام بيان انحصار الشرط وترتب الجزاء عليه فقط مشكل جداً ، إذ الظاهر أنه في مقام بيان كون الجزاء مترتباً على الشرط من دون بيان كيفية الترتب ، وأنه بنحو الترتب على العلة المنحصرة أو لا ، فبيان كيفيته مما لا سبيل إلى إحرازه.

(٤) أي : مع إطلاق الشرط سواء قارنه أو سبقه أو تأخر عنه شيء آخر أم لا.

(٥) هذا الضمير وضمير «تحققه» راجعان إلى الإطلاق.

وبالجملة : لو فرض في مورد تمامية الإطلاق ، فلا مجال لإنكار المفهوم فيه.

__________________

المؤثر ، ويكون المؤثر هو الجامع بينهما ، مع أنه ليس كذلك ، لأن الأثر في صورة السبق واللحوق يستند إلى السابق ، ويلغو اللاحق ، فالصواب إسقاط قوله : «أو سبقه الآخر».

٣٢٥

فتلخص بما ذكرناه : أنه لم ينهض دليل على وضع مثل «ان» على تلك الخصوصية المستتبعة للانتفاء عند الانتفاء ، ولم تقم عليها قرينة عامة (*)

______________________________________________________

لكنه لا يجدي في إثبات المفهوم في جميع القضايا الشرطية كما هو المدعى ، لأن المثبت للمفهوم كذلك إما وضع أدوات الشرط للعلة المنحصرة المستتبعة للمفهوم أعني الانتفاء عند الانتفاء. واما القرينة العامة بأنحائها الثلاثة من الانصراف ، والإطلاق الناشئ من جريان مقدمات الحكمة في نفس أدوات الشرط وان كانت موضوعة لمطلق الربط بين الشرط والجزاء ، والإطلاق الجاري في حالات الشرط ، والقرينة العامة بأنحائها الثلاثة مفقودة كما عرفت مفصلا.

__________________

(*) لكن الإنصاف خلاف ذلك ، أما بالنسبة إلى وضع أدوات الشرط للانتفاء عند الانتفاء ، فقد تقدم في بعض التعاليق السابقة أن إنكار انسباق العلة المنحصرة منها خلاف الإنصاف. ولذا قال في التقريرات : «فالأولى دعوى استفادة السببية من أدوات الشرط بحسب الوضع ، كما لا بعد في ذلك أيضا عند ملاحظة معناها».

ومجرد كثرة الاستعمال في غير العلة المنحصرة لا تنافي التبادر المزبور كما في استعمال صيغة الأمر في الندب مع وضعها للوجوب. ولو أنكر الوضع اللغوي ففي الظهور العرفي كفاية ، إذ لا ينبغي الشك في بناء أبناء المحاورة على ثبوت المفهوم للقضية الشرطية في الوصايا والدعاوي والأقارير ، فمن أوصى بأن تسكن في بيته امرأة ان لم تتزوج ، أو يعطى من ماله لشخص ان كان فقيراً ، أو بأن فلاناً وصيي ان كان عادلا أو فقيهاً أو هاشمياً ، فانه لا ينبغي الارتياب في سقوط حق المرأة بالتزويج ، وعدم جواز إعطاء المال للموصى له بعد صيرورته

٣٢٦

أما قيامها (١) أحياناً كانت (٢) مقدمات الحكمة أو غيرها مما لا يكاد (٣) ينكر ، فلا (٤) يجدي القائل بالمفهوم أنه (٥) قضية الإطلاق في مقام (٦) من باب الاتفاق.

______________________________________________________

(١) أي : قيام القرينة على تلك الخصوصية ، وضمير «عليها» راجع إلى الخصوصية.

(٢) يعني : كانت القرينة العامة مقدمات الحكمة أو غيرها.

(٣) هذا جواب «أما» والصواب اقترانه بالفاء ، بأن يقال : «فمما لا ينكر» لكونه جملة اسمية يلزم دخول الفاء عليها. واحتمال كون «فلا يجدي» جواباً بعيد ، والأولى أن يقال : «لكنه لا يجدي».

(٤) وجه عدم الإجداء هو : أن الأصولي يبحث عن ثبوت المفهوم بنحو القضية الكلية بالوضع أو بالقرينة العامة ، لا عن ثبوته في بعض الموارد لأجل القرينة الخاصة.

(٥) فاعل «يجدي» وضميره راجع إلى المفهوم.

(٦) يعني : في بعض المقامات من باب الاتفاق ، فان كل أحد ـ حتى منكر

__________________

غنياً ، وانعزال الوصي مع انتفاء الشرط المزبور.

ولو سلمنا عدم الوضع ، وعدم الظهور العرفي ، ففي إطلاق الشرط الّذي هو من القرائن العامة كفاية.

ودعوى عدم إحراز كون المتكلم في مقام البيان ـ وهو مما لا بد منه في التمسك بالإطلاق ـ غير مسموعة ، لما ثبت في محله من إمكان إحرازه بالأصل العقلائي.

فالحق أنه لا سبيل إلى إنكار المفهوم للقضية الشرطية.

٣٢٧

وأما توهم أنه (١) قضية إطلاق الشرط ، بتقريب : أن مقتضاه

______________________________________________________

المفهوم ـ يلتزم بثبوت المفهوم مع القرينة الخاصة في بعض الموارد.

(١) أي : المفهوم. وهذا أيضا من القرائن العامة التي استدل بها على ثبوت المفهوم للجملة الشرطية ، وتقريبه : أن ذات الشرط كالمجيء في مثال «ان جاءك زيد فأكرمه» بمقتضى ظهور «ان» الشرطية يكون شرطاً ، فالجزاء مستند إلى ذاته ، ومترتب عليه ، ومقيد به ، ضرورة أن أداة الشرط تقيد الجزاء بالشرط ، فلا يكون ثابتاً بدونه. والإطلاق ـ أي عدم بيان عدل للشرط كالمجيء في المثال ـ يقتضي كونه منحصراً بحيث يدل على الانتفاء عند الانتفاء ، والإطلاق هنا عدلي ينفي العدل الّذي يقتضيه العطف بـ «أو» ، والإطلاق السابق كان انضمامياً نافياً للانضمام الّذي يقتضيه العطف بالواو. ويعبر عن السابق بالإطلاق الواوي ـ أي لو كان شيء دخيلا في تأثير الشرط في الجزاء لكان معطوفاً على الشرط بالواو ـ مثل «ان جاءك زيد وحفظ درسه فأكرمه» ، وعن هذا بالإطلاق الأوي ـ أي لو كان شيء آخر أيضا علة لتحقق الجزاء لكان معطوفاً بأو ـ نحو «ان جاءك زيد أو سلم عليك فأكرمه». وهذا الإطلاق المبحوث عنه نظير إطلاق صيغة الأمر في كونه معيناً للوجوب التعييني ، فان الوجوب التخييري وان كان من أقسام الوجوب إلّا أنه محتاج إلى بيان زائد على أصل الوجوب كأن يقول : «صم أو أطعم» ، فهذا الإطلاق كإطلاق صيغة الأمر مثبت للتعيين والانحصار ، ونافٍ للعدل ، ومترتب على الإطلاق السابق المثبت لكون الشرط علة تامة ، حيث كان مقتضاه عدم دخل شيء في علية الشرط وتأثيره في الجزاء وأنه لو كان شيء آخر دخيلا في عليته وترتب الجزاء عليه لعطفه المتكلم بالواو كالمثال المتقدم. كما أن الإطلاق هنا يثبت عدم وجود عدل للشرط مؤثر وحده في تحقق الجزاء ، ولو كان لعطفه المتكلم بـ «أو» كالمثال المتقدم أيضا.

٣٢٨

تعينه (١) ، كما أن مقتضى إطلاق الأمر تعين الوجوب ، ففيه (٢) أن التعين

______________________________________________________

وبالجملة : الإطلاق العدلي الّذي هو المقصود من هذا الدليل ـ على ما يقتضيه مقايسته مع إطلاق صيغة الأمر المثبت للتعيينية النافي لجعل العِدل للوجوب ـ مترتب على الإطلاق.

(١) أي : تعين الشرط في التأثير ، ولازم تعينه الانتفاء عند الانتفاء ، وضمير «مقتضاه» راجع إلى الإطلاق الواوي المثبت لكون الشرط علة تامة ، بداهة أن انحصار المؤثرية في الشرط الّذي هو مقتضى الإطلاق العدلي متأخر عن كون الشرط علة تامة.

ومن هنا ظهر الفرق بين هذا الدليل وسابقه ، فان هذا ناظر إلى نفي العدل والبدل الّذي لازمه انحصار العلية في الشرط بخلاف السابق ، فانه ناظر إلى الإطلاق الرافع لانضمام شيء مع الشرط ، والمثبت لكونه علة تامة ، ولذا كان ذلك الإطلاق بلحاظ حالات الشرط من حيث كونه مسبوقاً بشيء أو مقارناً له أو متأخراً عنه ، وعدم كونه كذلك.

(٢) ملخصه : فساد مقايسة العلة المنحصرة بالوجوب التعييني ، لكونها مع الفارق.

توضيحه : أن الوجوب التعييني مغاير للوجوب التخييري ثبوتاً وإثباتاً.

أما مغايرتهما ثبوتاً ، فلان مصلحة الوجوب التعييني غير مصلحة الوجوب التخييري ، حيث ان المصلحة في التعييني قائمة بنفس الواجب ، وفي التخييري قائمة بالجامع بين الأمرين مثل : «صم أو أعتق» ، أو قائمة بكل منهما مع عدم إمكان الجمع بين المصلحتين ، لسقوط الوجوب بإتيان أحد الشيئين اللذين تقوم بهما المصلحتان.

٣٢٩

ليس في الشرط نحواً يغاير نحوه (١) فيما إذا كان متعدداً ، كما كان في الوجوب كذلك (٢) ، وكان (٣) الوجوب في كل منهما متعلقاً بالواجب بنحو آخر لا بد في التخييري منهما من العدل (٤). وهذا

______________________________________________________

وأما مغايرتهما إثباتاً ، فلاحتياج التخييري إلى بيان العدل بمثل كلمة «أو» كأن يقال : «صم أو أعتق» ، بخلاف التعييني ، فانه لا يحتاج إلى بيان زائد على بيان أصل الوجوب بمثل «صل» ، ولما كان الإطلاق أمراً عدمياً ، فمقتضاه عدم جعل العِدل ، وليس الوجوب التعييني إلّا ذلك.

وهذا بخلاف العلة المنحصرة وغيرها ، فانه لا تفاوت بينهما في التأثير في المعلول ، لأن صفة الشرطية منتزعة عن خصوصية ذاتية محضة ، والذاتيات لا تقبل التخيير ، لأنها لا تتخلف ، فالشرطية قائمة بالشرط الواحد والمتعدد على وزان واحد ، لا أنها قائمة بالمتعدد تخييراً وبالواحد تعييناً حتى يكون الإطلاق مقتضياً للثاني ، كإطلاق صيغة الأمر المقتضي لتعين الوجوب.

فاتضح فساد قياس العلة المنحصرة وغيرها بالوجوب التعييني والتخييري.

(١) يعني : ليست الشرطية في الشرط المتحد مغايرة للشرطية في الشرط المتعدد ، بل كلتاهما على نحو واحد وسنخ فارد ، لما مر آنفاً من أن الشرطية منتزعة عن خصوصية ذاتية ، ومن المعلوم عدم قبول الذاتيات للتخلف.

(٢) أي : نحواً مغايراً.

(٣) معطوف على «كان في الوجوب» يعني : وكان الوجوب في كل من الواجب التعييني والتخييري متعلقاً بالواجب بنحو يغاير تعلق الوجوب بالواجب بنحو آخر.

(٤) دون التعييني ، فان الوجوب فيه يتعلق بالواجب بغير عدل ، وضميرا «نحوه ودخله» راجعان إلى الشرط.

٣٣٠

بخلاف الشرط [فانه] واحداً كان أو متعدداً كان نحوه واحداً ، ودخله في المشروط بنحو واحد لا تتفاوت الحال فيه (١) ثبوتاً كي تتفاوت عند الإطلاق إثباتاً (٢) ، وكان (٣) (*) الإطلاق مثبتاً لنحوٍ لا يكون له عدل ، لاحتياج (٤) ما له العدل إلى زيادة مئونة ، وهو ذكره بمثل «أو

______________________________________________________

(١) أي : في النحو الواحد ، وحاصله : أن الشرطية في الشرط الواحد والمتعدد سنخ واحد ثبوتاً.

(٢) لتفرع الإثبات على الثبوت وتبعيته له ، فلا يكون للشرطية سنخان حتى يثبت الإطلاق السنخ الّذي لا يكون له عدل ، كالوجوب الّذي يثبت تعينه بالإطلاق.

ففرق واضح بين الوجوب التعييني والتخييري ، وبين الشرط الواحد والمتعدد إذ الأولان سنخان متغايران من الوجوب ثبوتاً وإثباتاً ، ولذا يمكن إثبات التعيينية بالإطلاق ، دون الأخيرين ، لكون الشرطية فيهما بنحو واحد ثبوتاً وإثباتاً بحيث يكون الإطلاق بالنسبة إليهما على حد سواء ، فلا يمكن إثبات العلة المنحصرة به.

(٣) الظاهر أنه معطوف على «كان» في قوله : «كما كان في الوجوب».

(٤) علة لإثبات الإطلاق للوجوب التعييني ، وحاصل التعليل : أن ما له العِدل ـ وهو الوجوب التخييري ـ محتاج إلى زيادة مئونة ثبوتاً وإثباتاً على أصل

__________________

(*) لا يخفى أن هذا متمم للكلام المتعلق بالوجوب التعييني والتخييري ، ولذا كان الأولى تقديمه على قوله : «وهذا بخلاف الشرط واحداً كان أو متعدداً ... إلخ» لأنه فاصل بين أجزاء كلام واحد متعلق ببيان الوجوب التعييني والتخييري من دون ضرورة تقتضي فصله بينهما ، بل المناسب إتمام الكلام الأول ، ثم التعرض لحكم الشرط المنحصر وغيره.

٣٣١

كذا» (١) واحتياج (٢) ما إذا كان الشرط متعدداً إلى ذلك (٣) انما يكون لبيان

______________________________________________________

الوجوب ، وقد عرفت أن الإطلاق عبارة عن عدم التقييد ، والعِدل قيد للوجوب والإطلاق ينفيه ، فيثبت به تعيينية الوجوب.

(١) كأن يقول : «صم أو أطعم أو أعتق».

(٢) مبتدأ ، و «انما يكون» خبره ، وقوله : «واحتياج» إشارة إلى توهم ، وهو : أن حال العلة المنحصرة وغيرها حال الوجوب التعييني والتخييري في احتياج كليهما إلى البيان ، فان كان الشرط منحصراً لم يحتج إلى العدل ، وكان مطلقاً ، كقوله : «ان سافرت فقصر الصلاة» ، كعدم احتياج الوجوب التعييني إلى البيان ، وكفاية الإطلاق في إثباته.

وان لم يكن منحصراً احتاج إلى بيان العدل ، كقوله : «ان سافرت أو خفت على نفسك فقصر الصلاة» ، كاحتياج الوجوب التخييري إلى بيان العِدل. فبيان العدل يكشف عن اختلاف الشرطية في الشرط المنحصر وغيره سنخاً ، كاختلاف الوجوب التعييني والتخييري كذلك.

(٣) أي : إلى الذّكر والبيان. وقد أجاب عن هذا التوهم بقوله : «انما يكون» وحاصله : أن بيان تعدد الشرط في مورده انما يكون لبيان أن للجزاء شرطين يكون كل منهما بالاستقلال مؤثراً تاماً مع كون الشرطية في كل منهما على نهج واحد من دون تفاوت بينهما في التأثير ، فكل منهما شرط مطلق من غير تقييد في شرطية كل منهما بالآخر. وهذا بخلاف الوجوب التخييري ، حيث انه مقيد إثباتاً ببيان العدل ، كتقييده ثبوتاً بسبب المصلحة كما تقدم ، فبيان العدل في الوجوب التخييري ينافي الإطلاق ، بخلاف ذكر العدل في الجملة الشرطية كالمثال المتقدم «إذا سافرت أو خفت على نفسك فقصر الصلاة» فانه لا ينافى

٣٣٢

التعدد ، لا لبيان نحو الشرطية ، فنسبة إطلاق الشرط إليه (١) لا تختلف كان (٢) هناك شرط آخر أم لا ، حيث (٣) كان مسوقاً لبيان شرطيته بلا إهمال ولا إجمال.

بخلاف إطلاق الأمر ، فانه لو لم يكن لبيان خصوص الوجوب

______________________________________________________

إطلاق شرطية السفر للقصر ، فإطلاق الشرطية يصدق على كل من الشرطين بوزان واحد. بخلاف الوجوب ، فان التخييري منه ينافي إطلاق الوجوب ، إذ لا يصدق عليه الا الوجوب المقيد بالعدل.

فالنتيجة : أن بيان العدل في الجملة الشرطية لا ينافي إطلاق الشرطية والمؤثرية. بخلاف بيان العدل في الوجوب التخييري ، فانه ينافي إطلاق الوجوب ثبوتاً وإثباتاً.

(١) أي : إلى الشرط ، يعني : أن إطلاق الشرط على الواحد والمتعدد يكون على نهج واحد من دون اختلاف في ذلك ، فإطلاقه على الواحد كإطلاقه على المتعدد في عدم إثبات الانحصار.

(٢) يعني : سواء كان هناك شرط آخر أم لا ، فان نسبة إطلاق الشرط إلى المنحصر والمتعدد واحدة.

(٣) متعلق بقوله : «لا تختلف» يعني : لما كان كل من الشرط المنحصر وغيره تاماً في شرطيته كان الإطلاق بالنسبة إلى كل منهما على حد سواء ، ولذا لا يكون عدم ذكر الشرط الآخر ـ على تقدير وجوده واقعاً ـ مخلا بالإطلاق ، ولا موجباً للإهمال ، بل يكون الشرط المذكور في الكلام مؤثراً تاماً. بخلاف إطلاق الوجوب ، فانه لو لم يكن في مقام بيان الوجوب التعييني كان الكلام مهملا ، ولا يستفاد منه خصوص التعييني ولا التخييري.

٣٣٣

التعييني ، فلا محالة يكون في مقام الإهمال أو الإجمال (١) ، تأمل تعرف ، هذا.

مع أنه (٢) لو سلم (٣) لا يجدي القائل بالمفهوم ، لما عرفت (٤) أنه [من أنه] لا يكاد ينكر فيما إذا كان مفاد الإطلاق من باب الاتفاق.

ثم انه ربما استدل المنكرون للمفهوم بوجوه :

أحدها (٥) : ما عزي إلى السيد من أن تأثير الشرط انما هو تعليق الحكم به ، وليس يمتنع أن يخلفه وينوب منابه شرط آخر يجري

______________________________________________________

(١) لما عرفت من اختلاف الوجوب التعييني والتخييري سنخاً.

(٢) الضمير للشأن.

(٣) يعني : لو سلم كون الشرطية مختلفة بحسب السنخ كاختلاف الوجوب سنخاً في التعييني والتخييري ، وكون الإطلاق مثبتاً للشرطية المنحصرة كإثبات الإطلاق للوجوب التعييني ، كان هذا المقدار غير مجدٍ للقائل بالمفهوم ، لندرة هذا الإطلاق ، وعدم كونه بمقتضى الوضع أو القرينة العامة كما يدعيه القائل بالمفهوم.

(٤) ذكره قبل هذا بقوله : «أما قيامها أحيانا كانت مقدمات ... إلخ».

حجج المنكرين للمفهوم

(٥) توضيح هذا الوجه : أن فائدة الشرط تعليق الحكم به ، فكون المجيء مثلا شرطاً لوجوب الإكرام معناه إناطة الوجوب به ، ومن الممكن أن يقوم مقام هذا الشرط شرط آخر ـ كالعدالة مثلا ـ يحفظ المشروط عن الانتفاء.

٣٣٤

مجراه (١) ، ولا يخرج (٢) عن كونه شرطا ، فان قوله تعالى : «وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ» يمنع من قبول الشاهد الواحد حتى ينضم إليه شاهد آخر ، فانضمام الثاني إلى الأول شرط في القبول (٣) ، ثم علمنا أن ضم امرأتين إلى الشاهد الأول شرط في القبول ، ثم علمنا أن ضم اليمين يقوم مقامه أيضا ، فنيابة بعض الشروط عن بعض أكثر من أن تحصى ، مثل الحرارة ، فان انتفاء الشمس لا يلزم انتفاء الحرارة ، لاحتمال قيام النار مقامها ، والأمثلة لذلك كثيرة شرعاً وعقلا.

والجواب (٤) : أنه قدس‌سره ان كان بصدد إثبات [بيان] إمكان

______________________________________________________

وعلى هذا ، فلا يدل انتفاء المجيء على انتفاء وجوب الإكرام. فالنتيجة : أن تعليق الحكم بالشرط لا يدل على المفهوم الّذي هو الانتفاء عند الانتفاء.

(١) يعني : يجري الشرط الآخر مجرى الشرط الأول في حفظ الحكم المترتب عليه.

(٢) يعني : ولا يخرج الشرط الأول عن شرطيته ، وعدم الخروج يكشف عن عدم كونه علة منحصرة تستتبع المفهوم.

(٣) أي : في قبول الشاهد الأول ، فإذا انتفى الشاهد الثاني وقام مقامه شهادة امرأتين أو يمين لا ينتفي قبول الشاهد الأول ، فقيام بعض الشروط مقام بعضها مما لا إشكال فيه ، وهذا يدل على عدم كون الشرط علة منحصرة حتى يدل على الانتفاء عند الانتفاء.

(٤) توضيحه : أن مراد السيد «قده» بإمكان نيابة شرط عن الشرط المذكور في القضية ان كان هو إمكانها ثبوتاً ، فهو غير قابل للإنكار ، ولا ينكره المدعي

٣٣٥

نيابة بعض الشروط عن بعض في مقام الثبوت وفي الواقع ، فهو (١) مما لا يكاد ينكر ، ضرورة أن الخصم يدعي عدم وقوعه (٢) في مقام الإثبات ، ودلالة (٣) القضية الشرطية عليه. وان كان (٤) بصدد إبداء احتمال

______________________________________________________

للمفهوم ، وانما يدعي دلالة القضية الشرطية على عدم وقوع هذا الممكن الذاتي في مقام الإثبات ، ومن المعلوم أن مجرد إمكان قيام شرط مقام الشرط المذكور في القضية لا ينفي المفهوم بعد دلالة القضية على عدم قيامه مقامه في مقام الإثبات.

وان كان مراده احتمال وقوع شرط مقام الشرط المذكور في القضية في مرحلة الإثبات ، ففيه : أن مجرد هذا الاحتمال لا يضر بدعوى القائل بالمفهوم ، لأنه يدعي ظهور الجملة في الانتفاء عند الانتفاء ، وعدم نيابة شرط مقام الشرط المذكور فيها ، ومن المعلوم أن الاحتمال لا يصادم الظهور ، وإلّا انتفى الاعتبار عن جميع الظهورات ، كما لا يخفى. نعم لو كان احتمال قيام شرط مقام الشرط مساوياً للدلالة على المفهوم أو راجحاً منع ذلك عن الأخذ بدلالة الجملة الشرطية على الانتفاء عند الانتفاء ، لكن لا يظهر هذا من كلام السيد «قده». وعليه ، فلا مانع عن حجية ظهور الجملة في المفهوم ، وعدم الاعتناء بالاحتمال المزبور.

(١) أي : إمكان نيابة بعض الشروط عن بعض في مقام الثبوت والواقع.

(٢) أي : عدم وقوع هذا الممكن في مقام الإثبات.

(٣) معطوف على «عدم» يعني : أن الخصم يدعي دلالة القضية الشرطية على عدم وقوع نيابة شرط مقام الشرط المذكور فيها ، فضمير «عليه» راجع إلى عدم.

(٤) معطوف على قوله : «ان كان بصدد» وقد عرفت توضيحه بقولنا : «وان كان مراده احتمال وقوع شرط مقام الشرط المذكور في القضية ... إلخ».

٣٣٦

وقوعه (١) ، فمجرد الاحتمال لا يضره (٢) ما لم يكن بحسب القواعد اللفظية راجحاً أو مساوياً ، وليس فيما أفاده ما يثبت ذلك (٣) أصلا كما لا يخفى (*).

______________________________________________________

(١) أي : وقوع شرط مقامه بعد الفراغ عن إمكانه.

(٢) أي : لا يضر الخصم ، لأنه يدعي الظهور في المفهوم ، وعدم قيام شرط مقامه ، ومن المعلوم عدم كون الاحتمال المرجوح قادحاً في الظهور كما عرفت آنفاً.

(٣) أي : رجحان الاحتمال أو مساواته للدلالة على المفهوم.

__________________

(*) قد يقال : ان المراد بالإمكان ليس هو الوقوعي أو الاحتمالي ، بل المراد به هو الإمكان القياسي بالإضافة إلى مفاد الجملة الشرطية ، فانها لا تأبى عن تعقيب الشرط بشرط آخر.

لكن فيه : أنه لا يمنع أيضا عن الأخذ بمفاد الجملة الشرطية وضعاً أو إطلاقاً حيث ان قيام شرط مقام الشرط المذكور في القضية مخالف لمفادها الوضعي أو الإطلاقي ، فلا يكون مانعاً عن الأخذ بظهورها كما لا يخفى.

ثم ان ظاهر كلام السيد «قده» من «أن تأثير الشرط انما هو تعليق الحكم به» هو تسليم دلالة الشرط على اللزوم على نحو الترتب ، لظهور التعليق في ذلك ، وكون الشرط علة تامة للجزاء ، وإنكار ظهوره في خصوص عليته المنحصرة ، ولذا ذكر «قده» جواز تعدد الشرط مع وحدة الجزاء ببيان بعض الموارد الّذي يدل على عدم كون الشرط فيه علة منحصرة ، بل يدل على كونه علة تامة فقط ، فالسيد يعترف بما لا يعترف به المصنف ، حيث انه «قده» يعترف بدلالة الجملة الشرطية

٣٣٧

ثانيها : أنه لو دل لكان بإحدى الدلالات (١) ، والملازمة ـ كبطلان التالي ـ ظاهرة (٢).

وقد أجيب عنه بمنع بطلان التالي ، وأن (٣) الالتزام ثابت ، وقد

______________________________________________________

(١) وهي المطابقية والتضمنية والالتزامية.

(٢) أما ظهور الملازمة بين دلالة الجملة الشرطية على المفهوم ، وبين كون هذه الدلالة بإحدى الدلالات الثلاث ، فلانحصار الدلالة اللفظية فيها.

وأما ظهور بطلان التالي ـ وهو كون الدلالة على المفهوم بإحدى تلك الدلالات ـ فلان الانتفاء عند الانتفاء ليس مدلولا مطابقياً ولا تضمنياً ولا التزامياً للجملة الشرطية ، إذ ليس المفهوم عين الثبوت عند الثبوت حتى يكون مدلولها المطابقي ، ولا جزؤه حتى يكون مدلولها التضمني ، ولا لازمه حتى يكون مدلولها الالتزامي ، إذ يعتبر في الدلالة الالتزامية اللزوم العقلي أو العرفي أو العادي ، والكل مفقود كما تقدم في أدلة القائلين بالمفهوم.

فالنتيجة : عدم دلالة الجملة الشرطية بشيء من الدلالات الثلاث على المفهوم.

(٣) معطوف على «منع» ، وحاصل هذا الجواب : عدم تسليم بطلان الدلالات كلها ، بل الدلالة الالتزامية موجودة ، فالمفهوم مدلول التزامي للقضية الشرطية.

__________________

على اللزوم الترتبي العلي التامي ، وينكر دلالتها على خصوص العلية المنحصرة.

والمصنف «قده» لم يزد على دلالتها على اللزوم بشيء ، فالمصنف ينكر مرحلتين ، وهما : كون اللزوم على نحو الترتب ، وكون الترتب على نحو العلية التامة ، والسيد «قده» يعترف بهما وينكر انحصار الشرط.

٣٣٨

عرفت (١) بما لا مزيد عليه ما قيل أو يمكن أن يقال في إثباته أو منعه ، فلا تغفل.

ثالثها : قوله تبارك وتعالى : «وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً» (٢).

وفيه (٣) ما لا يخفى ، ضرورة أن استعمال الجملة الشرطية فيما لا مفهوم له أحياناً وبالقرينة (٤)

______________________________________________________

(١) عند بيان أدلة القائلين بالمفهوم ، وقد بين المصنف هناك منع المفهوم.

(٢) تقريب الاستدلال به على عدم المفهوم : أنه لو كان له مفهوم لدل على جواز إكراههن على الزنا ان لم يردن التحصن ، مع أن من الضروري حرمة إكراههن على البغاء مطلقاً من غير فرق بين إرادة التحصن وعدمه ، فلا محيص عن إنكار المفهوم ، والالتزام بعدم دلالة الجملة الشرطية عليه.

(٣) حاصل الجواب عن الاستدلال المزبور : أن القائلين بدلالة الجملة الشرطية على المفهوم يلتزمون بعدم المفهوم لها في بعض الموارد ، كالآية الشريفة التي سيقت لبيان تحقق الموضوع ، حيث ان الإكراه لا يتحقق إلّا على ما لا يريده النّفس ولا يلائمها ، كما إذا كان بيع شيء غير مرغوب فيه لصاحبه فحمله حينئذ على بيعه مع التهديد إكراه له على البيع. وأما إذا كان بيعه مما يميل إليه صاحبه ، فلا معنى لإكراهه عليه ، ففي الآية الشريفة لا يتحقق الإكراه موضوعاً في صورة إرادة البغاء ، فوزان الآية الشريفة وزان «ان رزقت ولداً فاختنه».

(٤) أي : القرينة الخاصة الدالة على عدم المفهوم ، فان تلك القرينة لا تنافي

٣٣٩

لا يكاد ينكر ، كما في الآية وغيرها (١) ، وانما القائل به (٢) يدعي ظهورها فيما له المفهوم وضعاً أو بقرينة عامة ، كما عرفت (٣).

بقي هاهنا أمور :

[الأمر] الأول (٤) : أن المفهوم هو انتفاء سنخ الحكم المعلق على

______________________________________________________

دلالة الجملة وضعاً أو إطلاقاً أو انصرافاً على المفهوم ، كما يدعيه القائل به استناداً إلى هذه الوجوه.

(١) من القضايا الشرطية المسوقة لبيان تحقق الموضوع ، كمثال «ان ركب الأمير فخذ ركابه» وكقوله تعالى : «إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا» على ما قيل.

(٢) يعني : أن القائل بالمفهوم انما يدعي ظهور الجملة الشرطية في المفهوم وضعاً أو إطلاقاً ناشئاً عن مقدمات الحكمة التي هي قرينة عامة ، ومن المعلوم أنه لا يدعي الدلالة الوضعيّة أو الإطلاقية على المفهوم حتى في موارد قيام القرينة الخاصة على عدمه ، فهو كمن يدعي وضع صيغة الأمر للوجوب ، مع اعترافه باستعمالها كثيراً في الندب بالقرائن.

(٣) عند نقل أدلة المثبتين للمفهوم.

تنبيهات :

١ ـ ضابط أخذ المفهوم

(٤) الغرض من عقد هذا الأمر بيان ضابط كلّي لأخذ المفهوم من كل قضية سواء أكانت شرطية أم وصفية أم غيرهما ، وحاصله : أن المعيار في كون القضية ذات مفهوم هو : انتفاء طبيعة الحكم المعلقة في المنطوق على شرط أو وصف أو غيرهما بانتفاء ما علق عليه من الشرط أو الوصف أو غيرهما.

٣٤٠