منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٣

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٣

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: مطبعة غدير
الطبعة: ٦
الصفحات: ٧٨٣

ومنها (١) : الاستقراء ، فانه يقتضي ترجيح جانب الحرمة على جانب الوجوب كحرمة الصلاة (٢) في أيام الاستظهار (٣) ، وعدم (٤) جواز الوضوء من الإناءين المشتبهين.

______________________________________________________

ج ـ الاستقراء

(١) أي : ومن الوجوه المرجحة للنهي على الأمر : الاستقراء ، وتقريبه : أنه يظهر من تتبع كثير من موارد اجتماع الأمر والنهي : أن الشارع رجح النهي على الأمر ، وراعى جانب النهي دونه ، وهذا كاشف عن تقدم النهي على الأمر في كل مورد.

(٢) هذا أحد تلك الموارد التي يدور الأمر فيها بين الوجوب والحرمة.

(٣) وهي في ذات العادة الأيام التي ترى فيها الدم بعد أيام العادة ، فانها تستظهر فيها بترك الصلاة إلى العشرة ، فان انقطع عليها الدم ، فالمجموع حيض ، وإلّا فخصوص أيام العادة حيض ، وما زاد عليها استحاضة.

وفي المبتدئة أول رؤية الدم ، فانها تستظهر إلى ثلاثة أيام ، فان لم ينقطع فيها الدم حكم بكونه حيضاً ، وإلّا فهو استحاضة. ثم ان ترجيح النهي على الأمر في أيام الاستظهار واضح ، حيث انه يحتمل كل من الحيض والاستحاضة ، فتحرم الصلاة على الأول ، وتجب على الثاني ، والشارع قدم الحرمة على الوجوب.

(٤) معطوف على «حرمة» وهذا مورد ثان من موارد الاستقراء.

وبيانه : أن حكم الشارع بعدم جواز الوضوء من الإناءين اللذين اشتبه طاهرهما بمتنجسهما مع وجوب الوضوء بالماء الطاهر يكشف عن تقدم النهي على الأمر في جميع الموارد.

٢٢١

وفيه : أنه لا دليل على اعتبار الاستقراء (١) ما لم يفد القطع (٢).

ولو سلم (٣) ، فهو لا يكاد يثبت بهذا المقدار (٤).

ولو سلم (٥) ، فليس حرمة الصلاة في تلك الأيام ، ولا عدم جواز

______________________________________________________

(١) قد أورد على الاستقراء بوجوه :

الأول : أنه لا دليل على حجية الاستقراء تعبداً ، فاعتباره منوط بإفادته العلم وذلك غير حاصل ، لأن غاية ما يفيده الاستقراء هي الظن الّذي لا يغني من الحق شيئاً.

(٢) أي : القطع بكون وجه التقديم هو ترجيح جانب الحرمة على الوجوب كما في تقريرات شيخنا الأعظم (قده) حتى تلحق الموارد المشكوكة بتلك الموارد بواسطة الغلبة ، كما هو الشأن في جميع الموارد التي يدعى فيها الاستقراء.

(٣) هذا ثاني الوجوه ، وحاصله : أنه ـ بعد تسليم اعتبار الاستقراء الظني ـ لا يحصل الظن بهذين الموردين ، بل لا بد من تتبع موارد كثيرة حتى يحصل الظن من الغلبة.

(٤) يعني : الموردين المزبورين.

(٥) هذا ثالث الوجوه ، وحاصله : أنه ـ بعد تسليم كفاية الظن الاستقرائي وتحققه بموردين ـ لا يكون الموردان المزبوران من موارد ترجيح الحرمة على الوجوب ، بل هما أجنبيان عنها ، وذلك أما حرمة الصلاة فيما بعد العادة ، فلأنها مستندة إلى أصل موضوعي ، وهو استصحاب حدث الحيض الموجب لترتب أحكامه في أيام الاستظهار. وأما حرمة الصلاة بالنسبة إلى غير ذات العادة ، فلقاعدة الإمكان المثبتة تعبداً لكون الدم حيضاً.

فالمتحصل : أن حرمة الصلاة في أيام الاستظهار ليست من ترجيح النهي على

٢٢٢

الوضوء منهما (١) مربوطاً بالمقام ، لأن (٢) حرمة الصلاة فيها انما تكون لقاعدة الإمكان (٣) (*) ، والاستصحاب (**) المثبتين (٤) لكون الدم (٥)

______________________________________________________

الأمر حتى تكون دليلا على المدعي ، بل لثبوت موضوعها ـ وهو حدث الحيض ـ بالاستصحاب في ذات العادة ، وبقاعدة الإمكان في غيرها ، فحرمة الصلاة في أيام الاستظهار أجنبية عن مورد البحث.

(١) أي : الإناءين.

(٢) تعليل لعدم ارتباط حرمة الصلاة في أيام الاستظهار بما نحن فيه من ترجيح النهي على الأمر.

(٣) الثابتة بالنصوص ، وهي : «أن كل دم أمكن أن يكون حيضاً فهو حيض»

ثم ان هذه القاعدة تجري في غير ذات العادة.

(٤) أي : قاعدة الإمكان والاستصحاب يثبتان تعبداً حيضية الدم ، وقد عرفت أن مورد الاستصحاب هي ذات العادة ، ومورد القاعدة غير ذات العادة.

(٥) أي : الدم المشتبه.

__________________

(*) نعم نفس تشريع هذه القاعدة في ظرف الشك في حيضية الدم تغليب لجانب الحرمة على الوجوب ، فالجواب عن حرمة الصلاة في أيام الاستظهار بأجنبيتها عن المقام ـ وهو تغليب جانب الحرمة ـ وأنها لقاعدة الإمكان غير وجيه.

(**) ان كان الاستصحاب جارياً في حائضية المرأة ، فلا بأس به ، لاجتماع أركانه ، ويترتب عليه حرمة الصلاة ، لكن لا يثبت به حيضية الدم حتى يترتب عليه الآثار المترتبة على حيضيته ، كعدم العفو عن قليله في الصلاة. وكذا إذا كان جارياً في خروج الدم ، فلا يثبت به أيضا حيضيته إلّا على القول بالأصل المثبت ، نعم لا بأس بقاعدة الإمكان.

٢٢٣

حيضاً ، فيحكم بجميع أحكامه (١) ومنها حرمة الصلاة عليها ، لا (٢) لأجل تغليب جانب الحرمة كما هو المدعى. هذا (٣) لو قيل بحرمتها الذاتيّة في أيام [حال] الحيض ، وإلّا (٤) فهو خارج عن محل الكلام.

______________________________________________________

(١) أي : أحكام الحيض التي منها : حرمة الصلاة على الحائض.

(٢) يعني : أن حرمة الصلاة انما هي لأجل قاعدة الإمكان واستصحاب حدث الحيض ، لا لأجل تغليب جانب الحرمة كما هو المدعى ، فحرمة الصلاة في أيام الاستظهار أجنبية عن مورد البحث.

(٣) أي : الدوران بين الوجوب والحرمة في مثال الصلاة في أيام الاستظهار مبني على كون حرمة الصلاة ذاتية حتى يدور حكم فعلها بين الوجوب والحرمة ، إذ على فرض حرمتها التشريعية ـ كما تنسب إلى المشهور ـ يخرج عن محل الكلام ، ضرورة أن مجرد فعلها لا يكون حراماً ، بل المحرم حينئذ هو التشريع الّذي لا يتحقق بمجرد فعلها ، بل بقصد كونها عبادة واردة في الشرع ، ومن المعلوم أنه حينئذ مخالفة قطعية ، لكونه تشريعاً محرماً ، ولا يحتمل الامتثال في هذه الصورة أصلا.

وأما الإتيان بالصلاة برجاء المطلوبية وإدراك الواقع ، فهو حسن ، لكونه احتياطاً ، ولا مخالفة حينئذ ولو احتمالا.

فقد اتضح مما ذكرنا : أنه بناء على الحرمة التشريعية لا يدور أمر الصلاة بين الوجوب والحرمة ، بل على تقدير قصد التشريع يكون فعلها حراماً ، وعلى تقدير الإتيان بها برجاء المطلوبية يكون فعلها احتياطاً.

(٤) أي : وان لم تكن حرمة الصلاة ذاتية بأن كانت تشريعية كان أجنبياً عن المقام ، لعدم الدوران بين الوجوب والحرمة ، وعدم تقديم أحدهما على الآخر

٢٢٤

ومن هنا (١) انقدح أنه ليس منه (٢) ترك الوضوء من الإناءين ، فان (٣) حرمة الوضوء من الماء النجس ليس إلّا تشريعياً ، ولا تشريع فيما لو توضأ منهما (٤) احتياطاً ، فلا حرمة (٥) في البين غلب جانبها ، فعدم جواز الوضوء منهما ولو كذلك (٦) بل إراقتهما كما في النص (٧)

______________________________________________________

كما هو مورد البحث ، بل إتيانها اما مخالفة قطعية بلا موافقة ولو احتمالية ، واما احتياط بلا مخالفة أصلا.

(١) أي : ومما ذكرنا في الصلاة أيام الاستظهار اتضح حال المورد الثاني وهو عدم جواز الوضوء من الإناءين المشتبهين.

وحاصل ما أفاده في ذلك : أن الوضوء بالماء المتنجس ليس حراماً ذاتياً كالغصب حتى يدور حكم الوضوء بين الوجوب والحرمة ، بل حرمته تشريعية.

(٢) أي : من محل الكلام وهو : دوران الحكم بين الوجوب والحرمة.

(٣) هذا تقريب وجه الخروج عن محل الكلام ، وقد عرفته آنفاً.

(٤) أي : من الإناءين احتياطاً ، فان الاحتياط ضد التشريع ، كما لا يخفى.

(٥) يعني : ومع الاحتياط لا حرمة ذاتية حتى يكون كالغصب ، ويقدم جانبها على الوجوب ، ومع التشريع لا شبهة في الحرمة ، ولا احتمال معه للموافقة ، فمثال الوضوء من الإناءين المشتبهين أجنبي عن المقام.

(٦) يعني : احتياطاً ، وضمير «منهما» راجع إلى الإناءين.

(٧) وهو خبر عمار عن الصادق عليه‌السلام : «سئل عن رجل معه إناءان فيهما ماء وقع في أحدهما قذر لا يدري أيهما هو ، وليس يقدر على ماء غيرهما قال عليه‌السلام يهريقهما جميعاً ويتيمم» (١) ، ومثله موثق سماعة (٢).

__________________

(١) الوسائل كتاب الطهارة الجزء ١. الباب ٨ من أبواب الماء المطلق الحديث ٢

(٢) الوسائل كتاب الطهارة الجزء ١. الباب ٨ من أبواب الماء المطلق الحديث ٤

٢٢٥

ليس (١) إلّا من باب التعبد ، أو من جهة الابتلاء بنجاسة البدن ظاهراً بحكم الاستصحاب (٢) ، للقطع بحصول النجاسة حال ملاقاة المتوضئ من (٣) الآنية [من الإناء] الثانية ، اما (٤) بملاقاتها ، أو بملاقاة الأولى ، وعدم (٥) (*)

______________________________________________________

(١) خبر «فعدم» والغرض منه دفع توهم وهو : أنه مع عدم الحرمة الذاتيّة وكون الحرمة تشريعية يجب الاحتياط بالوضوء من كليهما ، لأنه يتمكن من الطهارة المائية بالوضوء منهما ، كالاحتياط بتكرار الصلاة في الثوبين المشتبهين ، فلا وجه للانتقال إلى الطهارة الترابية. ودفعه بقوله : «ليس إلّا من باب التعبد» يعني : أن الانتقال إلى الترابية انما هو لأجل التعبد.

(٢) غرضه تطبيق عدم جواز الوضوء من الإناءين على القاعدة ، وعدم كونه تعبداً محضاً ، توضيحه : أن الوضوء بهما يوجب نجاسة البدن واقعاً وبقاءها ظاهراً وذلك لأنه حين ملاقاة المتوضئ من الآنية الثانية يعلم بنجاسة أعضائه ، اما بملاقاتها للماء الأول ، واما بملاقاتها للماء الثاني ، وبعد حصول ما يعتبر في التطهير من انفصال الغسالة والتعدد يشك في بقاء النجاسة ، ومقتضى الاستصحاب بقاؤها ، ومن المعلوم مانعية النجاسة المستصحبة للصلاة مثلا كالمعلومة ، فلعل الأمر بالتيمم في النص يكون لأجل الابتلاء بهذه النجاسة الخبثية ، فالامر بالتيمم يكون على طبق القاعدة.

(٣) متعلق بـ «ملاقاة» ، والأولى أن يقال : «للإناء الثانية».

(٤) هذا وقوله : «أو بملاقاة» بيان لمنشإ القطع بالنجاسة ، يعني : أن نجاسة الأعضاء نشأت اما من ملاقاتها للماء الأول ، واما من ملاقاتها للماء الثاني ، فانه بملاقاة الثاني قبل حصول شرائط التطهير يعلم تفصيلا بنجاسة الأعضاء ، والإجمال انما هو في منشئه وهو الملاقاة للماء الأول أو الثاني.

(٥) أي : مع عدم العلم باستعمال مطهر بعده حتى لو طهر بالثانية مواضع

__________________

(*) الصواب أن يقال : «وعدم العلم باستعمال مطهر» لا نفي استعماله واقعاً ، لاحتماله مع كون ماء الأولى نجساً واقعاً.

٢٢٦

استعمال مطهر بعده ولو (١) طهر بالثانية مواضع الملاقاة بالأولى (*) نعم (٢) لو طهرت على تقدير نجاستها بمجرد ملاقاتها بلا حاجة إلى التعدد أو انفصال الغسالة (٣) لا يعلم تفصيلا بنجاستها (٤) وان علم بنجاستها

______________________________________________________

الملاقاة بالآنية الأولى ، إذ لو كان ماء الآنية الثانية متنجساً فتنجس المواضع بها ، لا أنها تطهر به.

(١) كلمة «لو» وصلية كما تقدم توضيحها بقولنا : «حتى لو طهر بالثانية».

(٢) استدراك على قوله : «أو من جهة الابتلاء بنجاسة البدن ظاهراً».

وحاصله : منع جريان استصحاب النجاسة فيما إذا كان الماء الثاني كراً ، فانه ـ على تقدير طهارته ـ تطهر الأعضاء ، ولا يحصل العلم بنجاستها حين ملاقاتها له بل هي على تقدير نجاستها تطهر بمجرد ملاقاتها له ، لعدم احتياج طهارتها بالماء الكر إلى التعدد وانفصال الغسالة ، فالعلم التفصيليّ حينئذ بنجاسة الأعضاء حين ملاقاتها للماء الثاني مفقود ، فاستصحاب نجاستها غير جار.

نعم العلم بورود النجاسة والطهارة على الأعضاء حاصل ، واستصحاب كل منهما ساقط ذاتاً أو عرضاً على الخلاف المقرر في محله.

ومثله العلم بالطهارة والحدث مع عدم العلم بالمتقدم منهما والمتأخر.

(٣) كالماء الجاري ، وعدم الحاجة إلى التعدد كالكر.

(٤) أي : نجاسة مواضع الملاقاة ، وعدم العلم التفصيليّ بنجاستها انما هو

__________________

(*) الظاهر أن وزان الإناءين المشتبهين وزان الثوبين المشتبهين في إمكان الاحتياط ، لوضوح إمكان العلم بالصلاة مع الوضوء الصحيح الواقعي بأن يأتي عقيب كل وضوء بعد غسل الأعضاء بالماء الثاني قبل التوضؤ به بصلاة كالإتيان بها في كل من الثوبين المشتبهين ، فانه يحصل العلم حينئذ بوجود صلاة صحيحة واقعاً ، كالعلم بحصولها في الثوبين المشتبهين ، كما لا يخفى.

٢٢٧

حين ملاقاة الأولى أو الثانية إجمالا (١) ، فلا مجال لاستصحابها (٢) (*)

______________________________________________________

لأجل اعتصام الماء الثاني المانع عن انفعاله بمجرد ملاقاة النجس ، فلو تنجست الأعضاء قبل ملاقاة الماء الثاني طهرت بملاقاتها له ، فلا يحصل العلم التفصيليّ بنجاستها بملاقاة الماء الثاني ، كما كان ذلك حاصلا حين ملاقاتها له على تقدير كونه ماء قليلا.

(١) قيد لقوله : «وان علم» توضيحه : أن العلم التفصيليّ بنجاسة مواضع الملاقاة وان كان لا يحصل عند ملاقاتها للماء الثاني ، لاعتصامه ، لكنه يحصل العلم الإجمالي بنجاستها اما بملاقاتها للأولى أو الثانية.

(٢) أي : استصحاب نجاسة مواضع الملاقاة ، وقوله : «فلا مجال» متفرع

__________________

(*) بل له مجال ، إذ لا مانع من استصحاب النجاسة من زمانها الواقعي المعلوم إجمالا إلى هذا الزمان ، لاحتمال بقائها من زمانها متصلا إلى هذا الزمان فان طهارة الأعضاء المعلومة قبل استعمال الماءين قد ارتفعت باستعمال الماء المتنجس قطعاً ، فتستصحب نجاستها ، للشك في ارتفاعها ، فزمان الشك في النجاسة ـ وهو الزمان المتأخر عن زمان الملاقاة للماء المتنجس ـ متصل بزمان اليقين بملاقاتها للماء المتنجس.

وبالجملة : يصدق أن الأعضاء قد علمت نجاستها في زمان وشك في بقائها ، فتستصحب ، فلا مانع من شمول دليل الاستصحاب للمقام.

ومنه يظهر : أنه إذا كانت الحالة السابقة للأعضاء قبل استعمال الماءين النجاسة ، فتستصحب طهارتها ، للعلم بارتفاع النجاسة ، وعروض الطهارة عليها والشك في ارتفاعها.

والحاصل : أنه يستصحب ضد الحالة السابقة على استعمال الإناءين.

وعلى هذا ، فالمرجع الاستصحاب ، لا قاعدة الطهارة كما في المتن.

٢٢٨

بل كانت قاعدة الطهارة محكمة.

______________________________________________________

على عدم العلم التفصيليّ بنجاسة مواضع الملاقاة ، وحاصله : أنه لا يعلم تفصيلا بنجاسة الأعضاء حين ملاقاتها للماء الثاني حتى تستصحب ، بل نعلم بورود الماء الطاهر والمتنجس عليها ، فيكون المقام من تعاقب الحالتين ، فلا يجري الاستصحاب لعدم إحراز شروطه التي منها اتصال زمان المشكوك بزمان المتيقن ، إذ لعل الماء المتنجس كان هو الماء الأول الموجب لتيقن تنجس الأعضاء ، وحينئذ فالماء الثاني قاطع لزمان الشك في التنجس عن زمان التيقن به ، ولا أقل من احتمال القطع ، فلا يعلم باجتماع شروطه ، فلا يجري.

وان شئت فقل : ان صدق مفهوم النقض يتوقف على اتصال زمان المتيقن بزمان المشكوك ليكون إبقاؤه إبقاءً ورفع اليد عنه نقضاً ، وهو غير محرز في المقام ، لعدم إحراز زمان نجاسة البدن تفصيلا ، بل بعد استعمال الإناءين يعلم بنجاسته في أحد زماني الاستعمالين اما في زمان استعمال الأول ، فهي مرتفعة ، أو في زمان استعمال الثاني ، فهي باقية. ومن أجل التردد بين الزمانين يشك في الزمان الثالث في الطهارة والنجاسة مع عدم اليقين بالنجاسة في الزمان الثاني المتصل بالزمان الثالث الّذي هو زمان الاستصحاب ، بل لو علم بها ارتفع الشك ويقطع بالنجاسة في الزمان الثالث. لعدم احتمال الارتفاع بعد ذلك ، وانما نشأ الشك لأجل تردد زمان النجاسة المعلومة بالإجمال. هذا غاية توضيح وجه عدم جريان الاستصحاب على ما في بعض الحواشي على المتن.

وفيه ما ذكر في التعليقة ، فلاحظ.

٢٢٩

الأمر الثالث (١) : الظاهر لحوق تعدد الإضافات بتعدد (٢) العنوانات والجهات في أنه (٣) لو كان تعدد الجهة والعنوان كافياً مع وحدة المعنون وجوداً في جواز الاجتماع كان تعدد الإضافات مجدياً ، ضرورة أنه (٤)

______________________________________________________

(٣ ـ إلحاق تعدد الإضافات بتعدد الجهات)

(١) الغرض من عقد هذا الأمر الإشارة إلى وجه معاملة المشهور مع مثل «أكرم العلماء ولا تكرم الفساق» مما يكون متعلق الأمر والنهي واحداً ذاتاً ومتعدداً بسبب الإضافة ـ كإكرام العالم وإكرام الفاسق ـ معاملة تعارض العامين من وجه ، حيث انهم يرجعون فيه إلى مرجحات باب التعارض ، مع أنه ينبغي أن يعاملوا معه معاملة باب التزاحم ، لأنه من اجتماع الحكمين بعنوانين مثل «صل ولا تغصب» ، وأنه ان كان لكليهما ملاك ، فعلى الامتناع يرجعون إلى مرجحات باب التزاحم ، وعلى الجواز يرجح جانب الأمر أو النهي ، على التفصيل المتقدم.

وان لم يكن لأحدهما ملاك ، فيرجع حينئذ إلى مرجحات باب التعارض.

وحاصل ما أفاده في وجهه : أن تعدد الإضافة ـ كالإكرام في المثالين المذكورين ـ وان كان كتعدد العنوان كالغصب والصلاة في كونه مجدياً في جواز الاجتماع ، إلّا أن معاملتهم مع «أكرم العلماء ولا تكرم الفساق» معاملة تعارض العامين من وجه اما مبنية على الامتناع ، واما على عدم إحراز المقتضي لكل واحد من الحكمين في المجمع.

(٢) متعلق بـ «لحوق» والمراد بالعنوانات ما يتعدد ذاتاً كالصلاة والغصب.

(٣) الضمير للشأن ، والجار متعلق بـ «لحوق».

(٤) أي : تعدد الإضافات ، وقوله : «ضرورة» تعليل للحوق تعدد الإضافات ـ كالإكرام المضاف إلى العالم والفاسق في المثالين المزبورين ـ بتعدد العنوانات

٢٣٠

يوجب أيضا (١) اختلاف المضاف بها (٢) بحسب (٣) المصلحة والمفسدة ، والحسن والقبح عقلا ، وبحسب الوجوب والحرمة شرعاً ، فيكون مثل (٤) «أكرم العلماء ولا تكرم الفساق» من باب الاجتماع (٥) «كصلّ ولا تغصب» لا من باب التعارض (٦) إلّا إذا لم يكن للحكم في أحد الخطابين في مورد الاجتماع مقتضٍ (٧)

______________________________________________________

المتغايرة ذاتاً كالصلاة والغصب.

وحاصل التعليل : أن الإضافات تؤثر في المصلحة والمفسدة ، بداهة أن الإكرام المضاف إلى العالم ليس كالإكرام المضاف إلى الفاسق ، لحسن الأول وكونه ذا مصلحة ، وقبح الثاني وكونه ذا مفسدة ، كتأثير العناوين كالصلاة والغصب في الحسن والقبح والمصلحة والمفسدة.

(١) يعني : كتعدد العنوانات.

(٢) أي : الإضافات المختلفة.

(٣) متعلق بـ «اختلاف».

(٤) يعني : مما يكون متعلق الأمر والنهي واحداً ذاتاً ومتعدداً بسبب الإضافة ، كالإكرام المتحد ذاتاً المتعدد بحسب إضافته تارة إلى العالم ، وأخرى إلى الفاسق كما عرفت آنفاً.

(٥) الّذي هو من صغريات باب التزاحم.

(٦) كما ذهب إليه المشهور ، وأجروا عليهما أحكام تعارض العامين من وجه.

(٧) يعني : لا يعامل مع مثل «أكرم العلماء ولا تكرم الفساق» معاملة التعارض إلّا إذا لم يكن لأحد الحكمين في مورد الاجتماع مقتضٍ ، فحينئذ يخرجان عن باب اجتماع الأمر والنهي ، كما هو الحال في نفس تعدد العنوانين إذا لم يكن في أحدهما مقتض ، فانه يعامل معهما أيضا معاملة التعارض.

٢٣١

كما هو (١) الحال [أيضا] في تعدد العنوانين. فما (٢) يتراءى منهم من المعاملة مع مثل «أكرم العلماء ولا تكرم الفساق» معاملة تعارض العموم من وجه انما يكون بناء على الامتناع ، أو عدم المقتضي لأحد الحكمين في مورد الاجتماع (*).

______________________________________________________

(١) يعني : كما يجري التعارض في تعدد العنوانين إذا لم يكن في أحدهما ملاك الحكم في مورد الاجتماع حتى على القول بجواز الاجتماع.

(٢) هذا شروع في توجيه إجراء الأصوليين أحكام تعارض العامين من وجه

__________________

(*) لا يخفى : أن مثل مثال «أكرم العلماء ولا تكرم الفساق» ليس من باب الاجتماع أصلا حتى يوجه ما التزم به المشهور من إجراء قواعد تعارض العامين من وجه عليه ، وذلك لأن الملحوظ في العموم الاستغراقي هو الافراد ، فقوله : «أكرم العلماء» بمنزلة قوله : «أكرم زيد العالم وعمراً العالم» وهكذا ، وكذا «لا تكرم الفساق» ، فأشخاص العلماء الفساق يشملهم الحكمان مع عدم مندوحة. والقائل بجواز الاجتماع لا يجوز هنا أيضا ، ولذا قال بعض المحشين (قده) : «وكأنه اختلط على المصنف (قده) مثال أكرم العالم ولا تكرم الفاسق بمثال أكرم العلماء ولا تكرم الفساق ، فان إجراءهم قاعدة التعارض لو كان في المثال الأول لاتجه الإشكال عليهم ، لكنه ليس كذلك فلا تغفل».

وبالجملة : قد أوقع المصنف (قده) نفسه الزكية في دفع الإشكال عن معاملتهم مع المثال المذكور معاملة التعارض ، مع أنه من صغريات الاجتماع ، ضرورة أنه من اجتماع الحكمين بعنوانين ، فلا بد أن يعامل معه معاملة الاجتماع ، لا معاملة التعارض.

٢٣٢

فصل

في أن النهي عن الشيء هل يقتضى فساده أم لا؟

وليقدم أمور :

الأول : أنه قد عرفت (١) في المسألة السابقة الفرق بينها وبين هذه المسألة (٢) ، وأنه (٣) لا دخل للجهة المبحوث عنها في إحداهما بما هو

______________________________________________________

على مثل «أكرم العلماء ولا تكرم الفساق» ، وقد وجهه بوجهين :

أحدهما : أن إجراء قواعد التعارض في هذين المثالين انما هو لأجل بنائهم في مسألة اجتماع الأمر والنهي على الامتناع.

ثانيهما : عدم المقتضي لأحد الحكمين في مورد الاجتماع. وقد أشار إلى أولهما بقوله : «انما يكون بناء على الامتناع» ، وإلى الثاني بقوله : «أو عدم المقتضي ... إلخ».

النهي عن الشيء هل يقتضى فساده أم لا؟.

١ ـ الفرق بين هذه المسألة ومسألة الاجتماع

(١) يعني : في الأمر الثاني من مسألة اجتماع الأمر والنهي.

(٢) وهو دلالة النهي عن الشيء على الفساد.

(٣) معطوف على «الفرق» والضمير للشأن.

__________________

لكن لا إشكال أصلا حتى يحتاج إلى الدفع ، لعدم كون المثال من باب الاجتماع ، لما عرفت من توجه الحكم في العام الاستغراقي إلى الافراد ، فكل فرد من أفراد العلماء الفساق محكوم بحكمين ، والقائل بجواز الاجتماع لا يجوزه أيضا.

٢٣٣

جهة البحث في الأخرى ، وأن (١) البحث في هذه المسألة (٢) في دلالة النهي بوجه يأتي تفصيله على الفساد ، بخلاف تلك المسألة (٣) ، فان البحث فيها في أن تعدد الجهة يجدي [مجدٍ] في رفع غائلة اجتماع الأمر والنهي في مورد الاجتماع (*) [أم لا].

______________________________________________________

(١) معطوف على «الفرق» أيضا ، وحاصل الفرق بين المسألتين : أن جهة البحث في هذه المسألة هي : أن النهي يدل على الفساد أم لا؟ وجهة البحث في مسألة اجتماع الأمر والنهي هي : أن تعدد الجهة يوجب تعدد الموضوع حتى يرتفع به محذور اجتماع الأمر والنهي في شيء واحد أو لا يوجبه ، فلا ترتفع غائلة الاجتماع ، فيسري كل من الحكمين إلى متعلق الآخر.

(٢) أي : مسألة النهي عن الشيء.

(٣) أي : مسألة اجتماع الأمر والنهي ، والجار في قوله : «على الفساد» متعلق بـ «دلالة».

__________________

(*) ويفرق بين المسألتين أيضا بأن الفساد هنا ـ على القول به ـ ناشٍ من النهي بوجوده الواقعي وان لم يبلغ مرتبة التنجز ، لأن هذه المسألة من صغريات التعارض ، فالنهي بنفسه كاشف عن عدم المصلحة ، وبدونها لا تصح العبادة ، لأن صحتها منوطة بالأمر أو الملاك ، وفي مسألة النهي عن العبادة ، حيث ان المتعلق واحد ، فيكشف النهي عن عدم ملاك الأمر ، ومعه لا موجب لصحة العبادة أصلا. وهذا بخلاف مسألة اجتماع الأمر والنهي ، فان فساد العبادة فيها مترتب على تنجز النهي ، حيث انها من صغريات كبرى التزاحم الّذي يتقوم بوجود الملاك في كلا الحكمين ، ولا تزاحم في جعلهما ، وانما التزاحم يكون

٢٣٤

الثاني (١) : أنه لا يخفى أن عد هذه المسألة من مباحث الألفاظ انما هو لأجل أنه في الأقوال قول (*) بدلالته (٢) على الفساد في

______________________________________________________

(٢ ـ هل تعد المسألة من مباحث الألفاظ؟)

(١) الغرض من عقد هذا الأمر التنبيه على فساد ما ذكره بعض المحققين من : أن النزاع في هذه المسألة كالمسألة السابقة عقلي ، لا لفظي ، لأن النزاع انما هو في حكم العقل بالملازمة بين الحرمة والفساد وعدمه ، سواء كان الدال على الحرمة صيغة النهي أم الإجماع أم الضرورة ، فالنزاع في هذه المسألة عقلي لا لفظي ، لعدم ارتباطها باللفظ. والمصنف أشار إلى أنه يمكن أن تكون هذه المسألة لفظية ، لإنكار بعض الأصوليين الملازمة بين الحرمة والفساد ، واعترافه بدلالة النهي على الفساد في المعاملات ، فلو كان النزاع في الملازمة العقلية التي لا مساس لها بالدلالة اللفظية لكان هذا القائل من النافين ، مع أنهم عدوه من المثبتين ، فيستكشف من هذا أن النزاع في دلالة اللفظ لا في الملازمة العقلية.

(٢) أي : النهي ، فالتحفظ على إدراج هذا القول في حريم النزاع أوجب تحرير البحث في دلالة اللفظ.

__________________

في مقام الامتثال ، لعدم قدرة العبد على إطاعتهما. وعليه ، ففساد العبادة في مسألة الاجتماع ناش من جهة عدم صلاحية الفعل للمقربية ، أو من جهة عدم تمشي قصد القربة ، وكلتا الجهتين من آثار تنجز النهي ، ولذا قالوا بصحة الصلاة في المكان المغصوب في صورة الجهل.

(*) لكن التكلف لإدراج هذا القول في حريم النزاع يوجب خروج التحريم المستفاد من غير صيغة النهي عن حريمه ، فإلحاقه بمحل البحث منوط بالتشبث بعموم الملاك كما أفاده المصنف (قده) في الأمر الآتي.

٢٣٥

المعاملات مع إنكار الملازمة بينه (١) وبين الحرمة التي هي مفاده فيها ، ولا ينافي ذلك (٢) أن الملازمة ـ على تقدير ثبوتها في العبادة ـ انما تكون بينه وبين الحرمة ولو لم تكن مدلولة بالصيغة ، وعلى تقدير عدمها تكون منتفية بينهما (٣) ، لإمكان (٤)

______________________________________________________

(١) أي : بين الفساد وبين الحرمة التي هي مفاد النهي في المعاملات ، فضمير «هي» راجع إلى الحرمة ، وضمير «مفاده» راجع إلى النهي ، وضمير «فيها» إلى المعاملات.

(٢) أي : إنكار الملازمة بين الحرمة والفساد في المعاملات ، وهذا إشارة إلى التوهم المذكور في التقريرات المنسوبة إلى شيخنا الأعظم «قده» وهذا لفظه : «ومن هنا يظهر أن المسألة لا ينبغي أن تعد من مباحث الألفاظ ، فان هذه الملازمة على تقدير ثبوتها انما هي موجودة بين مفاد النهي المتعلق بشيء وان لم يكن ذلك النهي مدلولا بالصيغة اللفظية ، وعلى تقدير عدمها انما هي يحكم بانتفائها بين المعنيين».

وحاصله : أن جهة البحث لما كانت هي الملازمة بين الحرمة والفساد ، فلا بد من عدم ذكره في مباحث الألفاظ ، بل من المباحث العقلية ، إذ البحث انما هو في الملازمة ، لا في الدلالة اللفظية.

(٣) أي : بين الفساد والحرمة المستفادة من الصيغة أو غيرها.

وبالجملة ، فالنزاع عقلي لا لفظي.

(٤) تعليل لقوله : «ولا ينافى» ودفع للتوهم المزبور ، وهو التنافي بين جعل هذه المسألة من مباحث الألفاظ ، وبين التزام العلماء بالملازمة بين الحرمة والفساد في العبادات وان استفيدت الحرمة من غير صيغة النهي كالإجماع ودليل

٢٣٦

أن يكون البحث معه (١) في دلالة الصيغة بما تعم دلالتها بالالتزام ، فلا (٢) تقاس بتلك المسألة التي لا يكاد يكون لدلالة اللفظ بها مساس ، فتأمل جيداً.

الثالث (٣) : ظاهر لفظ النهي وان كان [هو] النهي التحريمي ،

______________________________________________________

العقل ، فوجه المنافاة هو : أن القول بالملازمة بين الحرمة والفساد في العبادات مطلقاً وان ثبتت الحرمة بغير الصيغة يستلزم أن يكون النزاع في ثبوت الملازمة وعدمها ، ومن المعلوم أنه أجنبي عن دلالة اللفظ.

وتوضيح دفع هذا التوهم : أنه يمكن إرجاع النزاع إلى حال اللفظ ، وتعميم الدلالة وجعلها أعم من الالتزامية ، بأن يقال : ان النهي يدل بالمطابقة على الحرمة وبالالتزام على الفساد ، لما بين الحرمة والفساد من التلازم. وعلى هذا ، فلا مانع من جعل هذه المسألة من مباحث الألفاظ.

(١) أي : مع القائل بدلالة النهي في المعاملات على الفساد مع إنكاره الملازمة بين الحرمة والفساد.

(٢) غرضه : أنه بعد إمكان إرجاع البحث في هذه المسألة إلى مباحث الألفاظ ، فلا تقاس بالمسألة السابقة ، وهي اجتماع الأمر والنهي التي يبحث فيها عن كون تعدد الجهة مجدياً في دفع محذور اجتماعهما أو لا ، إذ من المعلوم أنه مسألة عقلية لا مساس لها بالألفاظ ، بخلاف هذه المسألة كما عرفت.

٣ ـ شمول ملاك البحث للنهي التنزيهي

(٣) الغرض من عقد هذا الأمر تحرير محل النزاع ، وحاصل ما أفاده : أن النهي وان كان له أقسام ، إلّا أن المتبادر منه خصوص المولوي التحريمي

٢٣٧

إلّا أن ملاك (١) البحث يعم التنزيهي ، ومعه (٢) لا وجه لتخصيص العنوان (٣) ، واختصاص عموم ملاكه (٤)

______________________________________________________

كما تقدم في محله ، لكن المراد به في هذه المسألة أعم منه ، فيشمل التنزيهي. والقرينة على إرادة الأعم عموم ملاك البحث ، وهو منافاة المرجوحية لصحة العبادة ، وذلك لاقتضاء العبادة للمحبوبية ، والكراهة للمبغوضية ، ومن المعلوم تضاد الحب والبغض ، فلا تجتمع الصحة في العبادة مع الكراهة.

(١) ملاك البحث هو الجهة المقصودة بالبحث ، وقد عرفت : أن المراد بالملاك هنا هو التنافي بين ما يقتضيه النهي ـ أعني المرجوحية ـ وبين الصحة. وهذا الملاك هو القرينة على إرادة خلاف ظاهر النهي أعني التحريمي المولوي ، وأن المراد به هنا ما يعم التنزيهي ، كما عرفت.

(٢) أي : ومع عموم ملاك البحث للنهي التنزيهي لا وجه لتخصيص العنوان بالنهي التحريمي كما صنعه في التقريرات ، قال فيها في أوائل بحث اقتضاء النهي للفساد : «الثاني ظاهر النهي المأخوذ في العنوان هو النهي التحريمي وان كان مناط البحث في التنزيهي موجوداً وذلك لا يوجب (*) تعميم العنوان».

(٣) بالتحريمي كما صنعه في التقريرات في عبارته المتقدمة.

(٤) أي : ملاك البحث وهو التنافي بين المرجوحية والصحة في العبادة ، وقوله : «واختصاص ... إلخ» إشارة إلى توهم ، وهو : أن عموم الملاك يختص بالعبادات ، لأن المرجوحية المستكشفة عن النهي تحريمياً كان أو تنزيهياً

__________________

(*) بل يوجبه ، بداهة تبعية المعلول للعلة سعة وضيقاً ، فتسليم عموم المناط لا يلائم القول بعدم اقتضائه لتعميم العنوان ، لأنه يوجب التفكيك بين العلة والمعلول في السعة والضيق ، وهو كما ترى.

٢٣٨

بالعبادات لا يوجب (١) التخصيص به (٢) ، كما لا يخفى.

كما لا وجه لتخصيصه (٣) بالنفسي ، فيعم الغيري إذا كان أصليا.

______________________________________________________

انما تنافي صحة العبادة ، لأنها تستدعي المحبوبية المنافية للمرجوحية ، دون المعاملة ، إذ لا ملازمة قطعاً بين النهي التنزيهي فيها وبين الفساد ، فلا تنافي مرجوحيتها صحتها ، وحيث لا يشمل عموم الملاك المعاملات ، فيما أن النهي التحريمي مطرد في العبادات والمعاملات ، فيكون عدم اطراد عموم الملاك في المعاملات قرينة على إرادة التحريمي من النهي المذكور في العنوان. فالنتيجة : أن المراد بالنهي خصوص التحريمي.

(١) هذا دفع التوهم المزبور ، وحاصله : أن اختصاص عموم الملاك بالعبادات لا يصلح لأن يكون قرينة على تخصيص النهي في العنوان بالتحريمي ، وذلك لكفاية عمومية الملاك في صحة إرادة الأعم من التحريمي.

(٢) أي : النهي التحريمي.

(٣) أي : النهي ، وغرضه تعميم النهي في مورد البحث للنهي الغيري الأصلي وحاصله : أن النهي وان كان ظاهراً في النفسيّ كما تقدم في محله ، إلّا أن المراد به هنا ما يعم الغيري.

ثم ان النهي الغيري على قسمين :

أحدهما : أن يكون أصليا ، بأن يدل عليه خطاب مستقل من الشارع ، فانه لكونه مسوقاً لبيان المانعية يدل على الفساد قطعاً ، كالنهي عن الصلاة في غير المأكول ، أو الحرير والذهب للرجال فان المأمور به المقيد بقيد عدمي إذا أتي به فاقداً للقيد العدمي وقع فاسداً لا محالة.

ثانيهما : أن يكون تبعياً ، بأن لا يكون مدلولا للخطاب بحيث يكون مقصوداً

٢٣٩

وأما إذا كان تبعياً (١) ، فهو وان كان خارجاً عن محل البحث ، لما عرفت أنه (٢) في دلالة النهي ، والتبعي منه من مقولة المعنى ، إلّا أنه (٣) داخل فيما هو ملاكه ، فان (٤) دلالته على الفساد على القول به

______________________________________________________

من اللفظ ، بل كان لازماً للمراد باللزوم العقلي الّذي يحكم به العقل بملاحظة الخطاب ، وشيء آخر وهو مقدمية ترك الضد لفعل الضد الآخر ، كما إذا أمر بإزالة النجاسة عن المسجد المتوقفة على مقدمات منها ترك الصلاة ، فيقال : ان الصلاة حينئذ تكون منهياً عنها بالنهي الغيري التبعي.

أما القسم الأول ، فهو داخل في محل النزاع.

وأما القسم الثاني ، فهو وان كان خارجاً عن حيز النزاع عنواناً ، لعدم نهي لفظي في البين حتى يبحث عن دلالته على الفساد وعدمها ، لكنه داخل فيه ملاكاً ، لملازمة الحرمة مطلقاً ـ وان لم تكن مدلولة للصيغة ـ للفساد.

(١) أي : غير مدلول لخطاب مستقل.

(٢) أي : البحث في دلالة النهي ، وقوله : «لما» تعليل لخروج النهي التبعي عن حريم البحث ، وحاصله : أن البحث انما هو في دلالة النهي الّذي يكون مدلولا للخطاب ، فهو من مقولة اللفظ ، والنهي التبعي من مقولة المعنى ، لأنه لازم عقلي للخطاب ، وليس مدلولا لخطاب مستقل.

(٣) يعني : إلّا أن النهي التبعي داخل فيما هو ملاك البحث وهو التنافي بين المرجوحية والصحة.

(٤) هذا تقريب دلالة النهي التبعي على الفساد ، وحاصله : أن النهي إذا لم يكن للإرشاد إلى الفساد كما في المعاملات على ما سيأتي إن شاء الله تعالى

٢٤٠