منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٣

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٣

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: مطبعة غدير
الطبعة: ٦
الصفحات: ٧٨٣

مقرباً ، وبدونه (١) لا يكاد يحصل به الغرض الموجب للأمر به عبادة (٢)

______________________________________________________

(١) أي : بدون وقوعه مقرباً لا يحصل به الغرض الموجب للأمر به ، لأن التقصير في عدم الالتفات إلى الحرمة جعل الفعل معصية ومبغوضاً ، وهذا لا يصلح للمقربية ، بل يكون مبعداً محضاً.

(٢) أي : على وجه العبادة حتى لا يسقط بمجرد وجوده في الخارج ولو بدون قصد القربة كما هو شأن التوصليات. هذا تمام الكلام في الوجه الأول وهو كون الجهل تقصيرياً.

وأما الوجه الثاني أعني : كون الجهل قصورياً وهو الّذي أشار إليه بقوله : «وأما إذا لم يلتفت إليها قصوراً» فتوضيحه : أن الفعل لما كان واجداً للمصلحة لما عرفت من اعتبار وجود المناط في المتعلقين معاً مطلقاً حتى في ظرف الاجتماع وإلّا كان أجنبياً عن مسألة اجتماع الأمر والنهي كان صدوره على وجه حسن ، لعدم كون الجهل العذري مانعاً عن حسنه الصدوري ، فلا مانع حينئذ من سقوط الغرض به ، ومن المعلوم تبعية الأمر للغرض حدوثاً وبقاء.

والحاصل : أنه لا مانع من تمشي قصد القربة وسقوط الأمر في صورة الجهل العذري.

__________________

ببطلان الوضوء بالمكان المغصوب أو في المكان المغصوب مطلقاً حتى مع النسيان والجهل القصوري بالموضوع أو الحكم ، لأن مصداقيته للغصب فقط توجب خلوه عن الملاك والأمر ، مع أن المشهور الصحة في هذه الصور ، ولم يظهر مخالف في هذا الحكم الا العلامة في القواعد والتذكرة في خصوص النسيان ، حيث قال في محكي القواعد : «ولو سبق العلم فكالعالم» ، ونحوه ما عن التذكرة ، وعلل ذلك بـ «أن النسيان تفريط لا يعذر» ، وفيه ما لا يخفى.

٦١

كما لا يخفى. وأما إذا لم يلتفت إليها (١) قصوراً (*) وقد قصد القربة

______________________________________________________

(١) أي : إلى الحرمة ، وأشار بقوله : «واما إذا لم يلتفت» إلى دفع ما يرد على فتوى الأصحاب بصحة المجمع العبادي مع الجهل العذري بالموضوع أو الحكم من الإشكال ، وهو استحالة الاجتماع وتقديم النهي ، ولأجلها حكموا بالبطلان في غير هذين الموردين ، فكيف يحكمون بالصحّة في الجهل العذري بالموضوع أو الحكم مع كون المجمع منهياً عنه مع عدم اقتضاء الجهل إلّا عدم التنجز.

__________________

(*) لا يخفى أن المصنف (قده) قد تصدى لدفع إشكال صحة المجمع العبادي التي أفتى بها الأصحاب القائلون باستحالة اجتماع الأمر والنهي ، وتقديم النهي.

وحاصل الإشكال : أنهم كيف حكموا بصحته مع بنائهم على الامتناع وتقديم النهي ، وأن الجهل لا يقتضي عود الأمر حتى تصح به العبادة ، بل يقتضي عدم التنجز ، وعدم ترتب العقاب على ارتكاب المتعلق ، فلو أتى بالصلاة أو الطواف في المغصوب جهلا بالحكم أو الموضوع لا يترتب عليه استحقاق العقوبة ، لعدم تنجز النهي بالجهل به ، أو بموضوعه. وأما صحته وسقوط الأمر فلا ، لأن مناط الصحة ـ وهو الأمر ـ مفقود ، بل لا بد من الحكم بالفساد وعدم سقوط الأمر بإيجاد المجمع ، كما حكموا به في غير الجهل العذري ، فلا فرق بين الجهل العذري وغيره الا في استحقاق العقوبة في الثاني دون الأول.

وقد أجاب عن هذا الإشكال وصحح الفتوى بصحة المجمع العبادي في الجهل العذري بوجوه :

الأول : أن صحة العبادة لا تتوقف على الأمر ، بل يكفي فيها المصلحة

٦٢

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

الموجودة في المجمع ، وعدم ارتفاعها بالمفسدة ، وانما لا يصح في صورة العلم بالنهي ، أو الجهل التقصيري به مع وجود هذه المصلحة فيه ، لأن الفعل مع العلم بالنهي أو الجهل به تقصيراً يقع مبعداً ومبغوضاً ومستحقاً عليه العقاب ، لتنجز النهي ، والمبغوض يمتنع أن يكون محبوباً ومقرباً.

فالنتيجة : أن الملاك مع الحسن الفاعلي الثابت حين الجهل القصوري بالموضوع أو الحكم كافٍ في تمشي قصد القربة ومقربية الفعل ، وقد أشار إلى هذا الوجه بقوله : «فالامر يسقط ، لقصد التقرب بما يصلح» ، وبعد إثبات وجود الملاك ، وصحة التقرب به تعرض لوجه سقوط الأمر بقوله : «بناء على تبعية الأحكام لما هو الأقوى من جهات المصالح» الّذي بيناه في التوضيح.

وليس هذا وجهاً آخر لتصحيح المجمع العبادي كما في بعض الحواشي ، بل هو متمم له ، إذ غرضه تتميم صحة التعبد بالمأتي به بأن يكون صالحاً للمقربية ، فلو كان مبغوضاً لا يصلح لها ، ومبغوضيته منوطة بكونه منهياً عنه فعلا ، ولا يكون كذلك إلّا إذا كان الملاك بوجوده الواقعي مؤثراً في تشريع الأحكام ، إذ حينئذ يكون المجمع منهياً عنه ، لغلبة مفسدة النهي على مصلحة الأمر ، فلا أمر حينئذ ، بل ليس في البين إلّا ملاكه ، فلا يصدق الامتثال وان سقط الأمر بسقوط الغرض ، بل التعبير بسقوط الأمر مبني على المسامحة ، إذ المفروض وجود الملاك فقط ، فمنشؤه يسقط ، ولا بأس بالتعبير عن سقوط الغرض بسقوط الأمر ، لعلاقة السببية والمسببية.

والحاصل : أنه بناء على تبعية الأحكام للمصالح والمفاسد الواقعية يكون النهي فعلياً ، لعدم دخل العلم بالمفسدة في تشريعه ، لكنه لعدم تنجزه لا يؤثر

٦٣

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

في المبغوضية ، فلا مانع من التعبد بالملاك حينئذ وان لم يصدق الامتثال بناء على كونه موافقة الأمر.

نعم بناء على تبعية الأحكام للمصالح والمفاسد المعلومة يكون المجمع مأموراً به فعلا ، فيصح قصد القربة بالأمر ، دون الملاك ، إذ المفروض تبعية الحكم للملاك المعلوم وهو مصلحة الأمر.

الوجه الثاني : أن تزاحم الأحكام انما يكون في مقام الفعلية والبلوغ إلى مرتبة البعث والزجر ، وهي مرتبة حدوث الإرادة والكراهة في نفس المولى.

وأما مرتبة الإنشاء وهي مرتبة التصديق بالصلاح والفساد ، فلا تزاحم فيها ، إذ لا مانع من اجتماع التصديق بصلاح فعل مع التصديق بفساده بلا كسر وانكسار في البين. وعليه ، فالمانع عن فعلية الأمر في المجمع فعلية النهي فيه ، فإذا سقط النهي عن الفعلية اكتسى الأمر لباس الفعلية ، فيصير فعلياً ويبقى النهي على إنشائيته. وعليه ، فيكون المجمع مأموراً به فعلا ، فيصح التقرب به.

فالنتيجة : عدم الحاجة إلى التعبد بالملاك ، لوجود الأمر الفعلي.

الوجه الثالث : تصوير الأمر الفعلي بالمجمع حتى على القول بتبعية الأحكام للمصالح والمفاسد الواقعية ، والبناء على الامتناع وتغليب النهي ، بتقريب : أن العقل حيث لا يرى تفاوتاً بين أفراد الطبيعة في الوفاء بالغرض القائم بالطبيعة المأمور بها ، وأن فرده المبتلى بالمزاحم كالصلاة في المغصوب وافٍ بالغرض كسائر أفراد الطبيعة يحكم بإمكان حصول الامتثال إذا أتى بالفرد المزاحم بداعي امتثال الأمر بالطبيعة ، كما تقدم نظيره في ضد الواجب كالصلاة بالنسبة

٦٤

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

إلى الإزالة. وإلى هذا الوجه أشار (قده) بقوله : «مع انه يمكن ان يقال بحصول الامتثال».

والفرق بين الأجوبة الثلاثة واضح ، إذ الأول ناظر إلى تصحيح المجمع العبادي بالملاك ، والأخيران ناظران إلى تصحيحه بالأمر.

ثم انه قد نوقش في جميع الأجوبة الثلاثة المذكورة :

أما في الأول ، فبأن المصلحة المغلوبة المستهلكة في جنب المفسدة لا أثر لها في وقوع الفعل عبادة ، ولا تجعل الفعل قابلا للتقرب ، فان الفعل الغالبة مفسدته على مصلحته غلبة مؤثرة في النهي التحريمي كالفعل المشتمل على المفسدة فقط في عدم صلاحية التقرب به ، فان المصلحة المندكة في جنب المفسدة وجودها وعدمها سيان ، فالفعل الفاسد محضاً أو الغالب فساده غير صالح للتقرب ولا يجدي قصد التقرب به شيئاً وان لم يقع مبعداً فعلياً ، ومستحقاً عليه العقاب إذا جهل فساده وحرمته جهلا يعذر فيه.

وأنت خبير بما فيه أولا من : أن التسوية بين المصلحة المغلوبة بالمفسدة وبين التمحض في المفسدة ، وعدم مصلحة أصلا دعوى بلا برهان ، بل يشهد بخلافها الوجدان الحاكم بوضوح الفرق بينهما ، حيث ان المفسدة المحضة كمفسدة الخمر ليس فيها مصلحة تقتضي التقرب أصلا ولو مع غلبة ما يوجب مغلوبية المفسدة ، كما إذا توقف بقاء الحياة على شرب الخمر ، فان المفسدة ترتفع ، ولكن لا يوجب ارتفاعها مقربية الشرب بحيث يصح التقرب به. وهذا بخلاف المجمع في باب الاجتماع ، فان مصلحة العبادة موجودة فيه ، وعدم صحة التقرب بها انما هو لأجل وجود المانع أعني به : مفسدة النهي الموجبة للمؤاخذة ، والبعد عن ساحة المولى ، ومن المعلوم أن مبعديتها الموجبة لتنفره وحسن

٦٥

بإتيانه ، فالامر (١) يسقط لقصد التقرب بما يصلح أن [لأن] يتقرب به

______________________________________________________

(١) جواب «واما» ، وقوله : «لقصد التقرب» علة لسقوط الأمر.

__________________

مؤاخذته مترتبة على تنجز النهي بالحجة من علم أو علمي ، فبدون التنجز لا أثر للنهي من جهة المبعدية ، فتبقى مقربية المصلحة بلا مانع.

وبالجملة : المصلحة مقربة في ظرف عدم مبعدية المفسدة ، فإذا ارتفعت مبعديتها ، فلا محالة تكون المصلحة مقربة ، لارتفاع المانع عن مقربيتها. ويكون المقام كالسراج المضيء في الشمس ، فان ضوءه غير محسوس ، لكنه يظهر بعد غروب الشمس أو اختفائها في الغيم ، وهذا بخلاف السراج المنطفئ ، فانه لا ضوء له حتى في الليل. ففرق واضح بين الفعل المشتمل على المفسدة فقط ، وبين الفعل المشتمل على المصلحة المغلوبة بالمفسدة كمثال السراج ، فلاحظ.

فالنتيجة : أن الفعل المشتمل على المصلحة المغلوبة ليس كالفعل المشتمل على المفسدة المحضة.

وثانياً : من أن الاندكاك الّذي مرجعه إلى التأكد ، وصيرورة المندك والمندك فيه وجوداً واحداً منوط بالسنخية بينهما ، كاندكاك ملاك الاستحباب في ملاك الوجوب ، كنذر صلاة الليل ، فان ملاك استحبابها يندك في ملاك الوجوب الناشئ من النذر ، وكملاك الكراهة والحرمة.

وأما مع عدم السنخية بين الملاكين كمفسدة الحرمة ومصلحة الوجوب ، فانه لا وجه للاندكاك مع تضادهما. نعم يكون الحكم تابعاً لأقوى الملاكين مع بقاء الآخر على حاله من دون صلاحية للتأثير في تشريع الحكم على طبقه ، فلو فرض ارتفاع الملاك الأقوى بمزاحم ، فالملاك المغلوب يؤثر في التشريع.

وبالجملة : فما أفيد من الاندكاك أجنبي عما نحن فيه.

٦٦

لاشتماله (١) على المصلحة مع صدوره حسناً (٢) (*) لأجل (٣) الجهل بحرمته قصوراً ، فيحصل به (٤) الغرض من الأمر ، فيسقط [به] قطعاً وان لم

______________________________________________________

(١) تعليل لقوله : «بما يصلح ان يتقرب به».

(٢) هذا إشارة إلى وجود الحسن الصدوري مضافاً إلى حسنه الذاتي الناشئ عن المصلحة القائمة به الّذي أشار إليه بقوله : «لاشتماله على المصلحة».

(٣) تعليل لصدوره حسناً ، فان الجهل العذري لا يمنع عن الحسن الفاعلي.

(٤) أي : بالإتيان بالمجمع الغرض الموجب للأمر. وهذا متفرع على مصلحة الفعل وصدوره على وجه حسن ، فيسقط الأمر بحصول الغرض قطعاً.

__________________

وأما المناقشة في الجوابين الآخرين بعدم اختصاص تزاحم الأحكام بمقام الفعلية ، وبعدم صحة قصد امتثال الأمر بالطبيعة مع مبغوضية الفرد وسقوط أمره ، ففي محلها ، والتفصيل لا يسعه المقام.

(*) لا يخفى أنه مع الامتناع وتغليب جانب النهي ـ كما هو المفروض ـ لا يصلح الجهل القصوري لجعل صدوره حسناً ـ أي قريباً ـ إذ المفروض عدم الأمر ، وما لم يكن الداعي أمره لا يصير قربياً صالحاً للمقربية.

إلّا أن يقال : ان الأمر الفعلي وان لم يتحقق هنا على الفرض ، لكنه لوحظ مرآة لإرادة المولى المنبعثة عن المصلحة ، فإذا كان الداعي ذلك الأمر غير المتحقق في المقام كان الداعي حقيقة تلك المصلحة ، فحينئذ يصير الفعل بسبب ذلك الداعي حسناً ، وصدوره لأجله قربياً.

والحاصل : أن الموجب للحسن والقرب هو كون الداعي المحبوبية أو المصلحة المضافة إلى المولى.

وأما الجهل العذري ، فهو يصلح لأن يكون علة لعدم صدور الفعل قبيحاً ومبعداً ، ولا يصلح لأن يكون علة لصدوره حسناً.

٦٧

يكن امتثالا له (١) بناء (٢) على تبعية الأحكام لما هو الأقوى من جهات

______________________________________________________

(١) أي : للأمر ، يعني : وان لم يكن هذا السقوط امتثالا للأمر ، لأن امتثال الأمر عبارة عن فعل المأمور به بداعي أمره ، ولا أمر هنا بعد ترجيح النهي حسب الفرض وان كان يحصل الامتثال لو كان باقياً ، وانما يسقط لحصول الغرض الّذي يتبعه الأمر حدوثاً وبقاء ، وثبوتاً وسقوطاً.

(٢) قيد للنفي وهو عدم الامتثال ، يعني : ان عدم كون الفعل مأموراً به في حال الجهل القصوري بالحرمة حتى يتحقق به الامتثال مبني على تبعية الأحكام لأقوى المناطات الواقعية التي هي من الأمور الخارجية.

توضيحه : أن الأفعال المتعلقة للأحكام تتصف بوصفين :

أحدهما : كونها ذوات مصالح ومفاسد ، وهذا الوصف ثابت لها في نفس الأمر سواء علم المكلف باشتمالها على المصالح والمفاسد أم لا ، لما عرفت من كون الملاكات أموراً خارجية قائمة بالافعال تكويناً من دون دخل علم المكلف بتلك الملاكات في اتصاف الأفعال بالوصف المذكور.

ثانيهما : كونها متصفة بالحسن والقبح ، لكن اتصافها بها موقوف على العلم بتلك المصالح والمفاسد ، إذ المدح والذم لا يترتبان إلّا على الفعل الصادر عن الفاعل المختار العالم بصلاحه وفساده ، فلو صدر عنه في حالة الاضطرار إليه أو الجهل بهما لم يتصف ذلك الفعل بحسن ولا قبح. وعليه ، فالصلاة في الدار المغصوبة مثلا ذات مفسدة ، لغلبتها على المصلحة ، كما هو المفروض من البناء على الامتناع وتغليب جانب النهي ، لكنها لا تتصف بالقبح ، لعدم العلم بمفسدته ، فالعلم بالمصلحة والمفسدة موضوع لحكم العقل بالحسن والقبح.

إذا عرفت هذا التوضيح ، فاعلم : أن هنا احتمالين.

أحدهما : كون الأحكام الشرعية تابعة للملاكات النّفس الأمرية الثابتة في

٦٨

المصالح والمفاسد واقعاً (١) ، لا (٢)

______________________________________________________

الأفعال من دون إناطتها بالعلم بتلك الملاكات.

ثانيهما : كونها تابعة للملاكات المؤثرة بسبب علم المكلف بها في الحسن أو القبح كالحكم العقلي بهما ، فيكون العلم بالملاك موضوعاً لكل من الحكم الشرعي والعقلي ، ولا يكون موضوع حكم الشارع بالوجوب أو الحرمة أوسع من موضوع الحكم العقلي.

فعلى الاحتمال الأول تكون الصلاة في الدار المغصوبة حراماً ، لتبعية الحرمة لملاكها النّفس الأمري وهو المفسدة الغالبة على المصلحة ، كما هو المفروض على القول بالامتناع وتغليب جانب النهي ، حيث ان الحكم تابع لأقوى المناطين بعد الكسر والانكسار.

وعلى الاحتمال الثاني ـ وهو تبعية الأحكام الشرعية للملاكات المؤثرة فعلا في الحسن والقبح العقليين ـ تكون الصلاة في الدار المغصوبة واجبة ، ومأموراً بها شرعاً ، إذ المفروض أن ملاك الحرمة ليس هو نفس المفسدة بما هي هي ، بل بما هي معلومة ، وفي صورة الجهل بالموضوع أو الحكم قصوراً لا تؤثر المفسدة الواقعية في القبح حتى يترتب عليها الحرمة. ولا فرق في عدم الحرمة بين كونه لعدم المقتضي ، وبين كونه لوجود المانع ، كما في مورد البحث ، فان المفسدة الواقعية مقتضية للحكم الشرعي ، لكن الجهل مانع عن تأثيرها فيه كمنعه عن تأثير تلك المفسدة في الحكم العقلي.

(١) قيد للمصالح والمفاسد ، وهذا إشارة إلى أول الاحتمالين الّذي بيناه بقولنا : «أحدهما كون الأحكام الشرعية تابعة للملاكات النّفس الأمرية ... إلخ».

(٢) هذا مقابل قوله : «لما هو الأقوى» يعني : بناء على تبعية الأحكام لما هو الأقوى واقعاً ، لا تبعيتها للملاك المؤثر الفعلي من جهات المصالح والمفاسد.

٦٩

لما هو المؤثر منها (١) [منهما] للحسن (*) أو القبح ، لكونهما (٢) تابعين لما علم منهما (٣) كما حقق في محله.

مع أنه يمكن (**) أن يقال بحصول الامتثال مع ذلك (٤) ، فان

______________________________________________________

وهذا إشارة إلى ثاني الاحتمالين المذكور بقولنا : «ثانيهما كون الأحكام الشرعية تابعة للملاكات المؤثرة بسبب علم المكلف بها في الحسن والقبح ...».

(١) أي : من جهات المصالح والمفاسد.

(٢) أي : لكون الحسن والقبح تابعين لما علم من المصالح والمفاسد ، فالمجهول منهما لا يكون مؤثراً ، فصحة الصلاة حينئذ ليست لمجرد اشتمالها على المصلحة ، بل لكونها واجبة شرعاً ، لعدم العلم بالمفسدة حتى تكون حراماً ، فلا نهي أصلا ، فسقوط الأمر باستيفاء الغرض دون الامتثال مبني على تبعية الأحكام للملاكات الواقعية ، دون المعلومة المؤثرة في الحسن والقبح العقليين ، كما أن سقوطه بالامتثال مبني على القول بتبعيتها للملاكات المعلومة ، كما تقدم توضيحه.

(٣) أي : من المصالح والمفاسد.

تصحيح المجمع بالأمر بالطبيعة

(٤) أي : مع فرض تبعية الأحكام لما هو الأقوى واقعاً من المصالح والمفاسد

__________________

(*) الأولى تبديل اللام بـ «في» وهو متعلق بـ «المؤثر».

(**) كيف يمكن أن يدعو الأمر إلى غير متعلقه مع وضوح تبعيته للملاك القائم بما تعلق به ، فلو خصصت الطبيعة المأمور بها كان المخصص مضيقاً لدائرتها واختصت دعوة الأمر بأفراد الخاصّ ، ولا يدعو إلى غيرها وان كان فرداً للطبيعة بما هي هي ، لكنه ليس فرداً لها بما هي مأمور بها ، فهو من قبيل دعوة

٧٠

العقل (١) لا يرى تفاوتاً بينه (٢) وبين سائر الافراد في الوفاء (٣) بغرض الطبيعة

______________________________________________________

المستلزمة هذه التبعية للحرمة الفعلية وعدم الأمر ، لأقوائية مناط الحرمة بناء على الامتناع وتغليب جانب النهي ، لا تبعية الأحكام لما هو المؤثر منهما فعلا في الحسن والقبح حتى يكون الفعل مأموراً به.

والغرض من قوله : «مع أنه» تصوير امتثال الأمر حتى على مبنى تبعية الأحكام للملاكات الواقعية ، بأن يقال : ان العقل حيث انه لا يرى تفاوتاً في الوفاء بالغرض القائم بالطبيعة المأمور بها بين الفرد المبتلى بالمزاحم كالصلاة في المكان المغصوب ، وبين سائر أفرادها الا من ناحية وجود المانع عن الوجوب في الفرد المزاحم ، لا عدم المقتضي ، إذ المفروض وجوده في تمام الافراد ، يحكم بإمكان حصول امتثال الأمر إذا أتى بالمجمع ، كالصلاة في الدار المغصوبة بداعي امتثال الأمر بالطبيعة ، كما تقدم نظيره في ضد الواجب ، كالصلاة بالنسبة إلى الإزالة ، حيث انه قيل بإمكان الإتيان بالصلاة هناك بداعي الأمر المتعلق بطبيعتها وان كان فردها المزاحم بالإزالة خالياً عن الأمر ، فالفرد المزاحم وان لم يكن فرداً للطبيعة بما هي مأمور بها ، لكنه من أفرادها بما هي هي ، ومشتمل على ما يشتمل عليه أفراد الطبيعة بما هي مأمور بها من الغرض الداعي إلى الأمر. وقد مر تفصيل هذا النحو من الامتثال في مبحث الضد ، فراجع.

(١) هذا تقريب إمكان امتثال الأمر ، وقد عرفته بقولنا : «والغرض».

(٢) أي : بين المجمع ـ وهو الفرد المبتلى بالمزاحم ـ وبين سائر الافراد.

(٣) متعلق بقوله : «تفاوتا».

__________________

أمر الصلاة إلى الصوم ، ولا فرق في ذلك بين عدم المقتضي ووجود المانع ، إذ المدار على صلاحية الملاك لدعوة الشارع إلى التشريع ، ومع وجود المانع عن هذه الدعوة لا يصلح لذلك ، فالامر مفقود بالنسبة إلى الفرد الّذي يكون في ملاكه مانع عن التشريع ، ويختص الأمر بالفرد الّذي لا مانع في ملاكه.

٧١

المأمور بها وان لم تعمه (١) بما هي مأمور بها ، لكنه (٢) لوجود المانع لا لعدم المقتضي.

ومن هنا (٣) انقدح أنه (٤) يجزى ولو قيل باعتبار قصد الامتثال في صحة العبادة ، وعدم (٥) كفاية الإتيان بمجرد المحبوبية ، كما يكون

______________________________________________________

(١) يعني : وان لم تعم الطبيعة بما هي مأمور بها ذلك الفرد المزاحم ، وهذا هو الفارق بين الفرد المزاحم ـ أعني المجمع ـ وبين سائر الافراد.

(٢) يعني : لكن عدم شمول الطبيعة المأمور بها للفرد المزاحم ليس لعدم المقتضي ، بل لوجود المانع ، وإلّا فالمقتضي موجود في تمام الافراد. وعليه فالأفراد متساوية الإقدام بالنسبة إلى المقتضي وهو الوفاء بالغرض ، والمانع ـ وهو التزاحم ـ أوجب عدم شمول الطبيعة بوصف كونها مأموراً بها للفرد المزاحم.

واتضح مما ذكرنا من عدم التفاوت بين الفرد المزاحم وبين سائر الافراد في الوفاء بالغرض ، ووجود المقتضي في جميعها : أن الإتيان بالمجمع يجزي ولو قيل باعتبار قصد الامتثال في صحة العبادة ، وعدم كفاية مجرد محبوبيتها.

(٣) يعني : ومن عدم التفاوت بين المجمع وبين سائر الافراد في الوفاء بالغرض.

(٤) يعني : أن الإتيان بالمجمع الّذي هو الفرد المزاحم يجزي ولو قيل ... إلخ.

(٥) معطوف على «اعتبار» يعني : ولو قيل باعتبار قصد الامتثال ، وبعدم كفاية الإتيان بمجرد المحبوبية. و «في صحة العبادة» متعلق بـ «اعتبار».

٧٢

كذلك (١) في ضد الواجب ، حيث (٢) لا يكون هناك أمر يقصد أصلا.

وبالجملة : مع الجهل قصوراً بالحرمة موضوعاً أو حكماً (٣) يكون الإتيان بالمجمع امتثالا ، وبداعي (٤) الأمر بالطبيعة [لا محالة] غاية الأمر (٥) أنه (٦) لا يكون مما تسعه بما هي مأمور بها لو قيل (٧) بتزاحم

______________________________________________________

(١) يعني : كما يكون الأمر في ضد الواجب ـ كالصلاة المضادة لإزالة النجاسة عن المسجد ـ مثل المقام ، إذ لا يكون في سعة الوقت في مورد الأمر بالإزالة أمر بالصلاة حتى يقصد.

(٢) هذا وجه تنظير ضد الواجب بالمقام.

(٣) الجهل بالحكم موضوعاً كعدم العلم بالغصب ولو مع العلم بالحرمة ، فان الجهل بالموضوع يوجب الجهل بالحكم ، والجهل بنفس الحكم مع العلم بالموضوع كالعلم بالغصب مع الجهل بحكمه ، فالجهل القصوري بالحرمة ينشأ تارة عن الجهل بموضوعها ، وأخرى عن الجهل بنفسها ، وفي الصورتين يصدق الجهل بالحرمة.

(٤) معطوف على قوله : «امتثالا» ومفسر له.

(٥) غرضه : أن التفاوت بين الفرد المزاحم وبين سائر الافراد ليس إلّا في شمول الطبيعة المأمور بها لسائر الافراد ، دون الفرد المزاحم وان كان فرداً لها بما هي هي.

(٦) أي : الفرد المزاحم ـ وهو المجمع ـ لا يكون مما تسعه الطبيعة بوصف كونها مأموراً بها.

(٧) قيد لقوله : «لا يكون مما تسعه» يعني : أن عدم كون المجمع من أفراد

٧٣

الجهات في مقام تأثيرها للأحكام الواقعية. وأما لو قيل (١) بعدم التزاحم الا في مقام فعلية الأحكام لكان (٢) مما تسعه ، وامتثالا (٣) لأمرها بلا كلام.

وقد انقدح بذلك (٤) الفرق بين ما إذا كان دليلا [دليل] الحرمة

______________________________________________________

الطبيعة بوصف كونها مأموراً بها مبني على تزاحم الملاكات ووقوع الكسر والانكسار بينها في مقام تأثيرها في الأحكام الإنشائية ، إذ يكون المجمع حينئذ منهياً عنه ، لأقوائية مناط النهي من مناط الأمر ، كما هو المفروض في المقام.

وأما بناء على تزاحم الملاكات في مقام فعلية الأحكام ، وعدم مزاحمتها في مقام تأثيرها في الأحكام الإنشائية ، فيكون المجمع مأموراً به ، ومن أفراد الطبيعة بوصف كونها مأموراً بها ، إذ المفروض عدم فعلية الحرمة للجهل بها قصوراً ، فالحكم الفعلي حينئذ هو الوجوب فقط.

(١) هذا مقابل قوله : «لو قيل بتزاحم الجهات» يعني : وأما بناء على تزاحم الملاكات في مقام فعلية الأحكام ، وعدم تزاحمها في مقام إنشائها ، فيكون المجمع من أفراد الطبيعة المأمور بها ، لا الطبيعة بما هي هي.

(٢) يعني : لكان الفرد المزاحم من أفراد الطبيعة المأمور بها. والضمير المستتر في «تسعة» راجع إلى الطبيعة ، وضميره البارز راجع إلى الموصول في «مما».

الفرق بين الاجتماع والتعارض

(٣) معطوف على «مما» ، يعني : ولكان الإتيان بالمجمع امتثالا لأمر الطبيعة.

(٤) أي : بما ذكره في تصحيح العبادة مع الجهل القصوري بالحرمة على القول بالامتناع وتغليب النهي من اشتمالها على المصلحة مع صدوره حسناً.

وغرضه من هذا : بيان اختصاص الوجه المذكور في تصحيح العبادة بباب

٧٤

والوجوب متعارضين وقدم دليل الحرمة تخييراً ، أو ترجيحاً (١) ، حيث لا يكون معه (٢) مجال للصحة أصلا ، وبين ما إذا كانا [كان] من باب الاجتماع ، وقيل بالامتناع ، وتقديم جانب الحرمة ، حيث يقع (٣)

______________________________________________________

الاجتماع الّذي هو من صغريات مسألة التزاحم ، وعدم جريانه في التعارض ، فإذا كان دليلا الوجوب والحرمة متعارضين بأن يكون أحدهما واجداً للملاك لا كلاهما ، وقدم دليل الحرمة تخييراً كما في المتكافئين ، أو ترجيحاً كما في غيرهما على دليل الوجوب لا يجري فيه الوجه المزبور في تصحيح المجمع ، وذلك لعدم إحراز المصلحة فيه حتى يكون الإتيان به لوفائه بالغرض الموجب للأمر مسقطاً للأمر وان لم يكن امتثالا له.

ففرق واضح بين مسألة الاجتماع الّذي هو من التزاحم المنوط باشتمال كل من المتزاحمين على الملاك ـ بناء على الامتناع وترجيح جانب الحرمة ـ وبين باب التعارض الّذي لا يعتبر فيه الا اشتمال أحد المتعارضين على المناط ، فان الصحة في الأول بالتقريب المذكور متجهة ، بخلاف الثاني ، فانه لا يتطرق فيه احتمال الصحة أصلا بعد عدم إحراز المناط في الجميع.

(١) الأول في المتكافئين ، أو عدم الترجيح كما هو مذهب المصنف ، والثاني فيما إذا كان لأحدهما مزية بناء على القول بوجوب الترجيح بالمزايا المنصوصة أو مطلقاً.

(٢) أي : مع تعارض الدليلين ، ووجه عدم المجال للصحة هو : عدم العلم بالمصلحة ، ووجود النهي فقط كما عرفته آنفاً.

(٣) يعني : حيث يقع المجمع في باب اجتماع الأمر والنهي صحيحاً ، أي مسقطاً للأمر وان لم يكن امتثالا له.

٧٥

صحيحاً في غير مورد (١) من (٢) موارد الجهل والنسيان ، لموافقته (٣) للغرض بل للأمر (٤). ومن هنا (٥) علم أن الثواب عليه (٦) من قبيل الثواب على الإطاعة ، لا الانقياد ومجرد (٧) اعتقاد الموافقة.

______________________________________________________

(١) يعني : في غير مورد واحد.

(٢) بيان لـ «غير مورد» وقد عرفت صحة المجمع في الجهل القصوري بالموضوع أو الحكم أو كليهما ، وكذا النسيان.

(٣) تعليل لوقوعه صحيحاً ، يعني : يقع المجمع صحيحاً ، لموافقته للغرض الموجب للأمر.

(٤) إشارة إلى ما ذكره بقوله : «مع انه يمكن ان يقال ... إلخ» من إمكان إتيان المجمع بداعي الأمر المتعلق بالطبيعة ، حيث ان الفرد المزاحم بالغصب مثلا وان لم يكن له أمر ، إلّا أن الأمر المتعلق بطبيعة الصلاة يصلح لأن يكون داعياً إلى إيجاد الفرد المزاحم.

(٥) يعني : ومن كون المجمع صحيحاً لاشتماله على المصلحة علم أن ترتب الثواب على إتيان المجمع في مورد الجهل القصوري والنسيان يكون من ترتبه على الإطاعة ، لمطلوبية المجمع واقعاً سواء كان مع الأمر أم بدونه ، لا من ترتبه على الانقياد الّذي هو الإتيان بشيء باعتقاد مطلوبيته مع عدم كونه مطلوباً واقعاً كالاعتقاد بوجوب شيء وانكشاف خلافه.

(٦) أي : على المجمع من قبيل الثواب على الإطاعة ، لا الانقياد الّذي هو مبنى القول بالبطلان.

(٧) معطوف على «الانقياد» ومفسر له ، فلا يتوهم أن مجرد اعتقاد كون المجمع مأموراً به مع حرمته واقعاً لا يوجب حسنه ، ولا ترتب الثواب عليه ، فيكون

٧٦

وقد ظهر بما ذكرناه (١) وجه حكم الأصحاب بصحة الصلاة في الدار المغصوبة مع النسيان (٢) أو الجهل بالموضوع ، بل أو الحكم (٣) إذا كان عن قصور (٤) ، مع (٥) أن الجل لو لا الكل قائلون بالامتناع ، وتقديم الحرمة ، ويحكمون بالبطلان في غير موارد العذر ، فلتكن من ذلك على ذكر.

______________________________________________________

باطلا ، كما هو الحال في التجري ، فان اعتقاد كون الفعل مبغوضاً ومنهياً عنه مع عدم حرمته واقعاً لا يوجب قبحه ، ولا ترتب العقوبة عليه وان كان الفاعل مذموماً ، كما ثبت في محله.

فتلخص : أن الآتي بالصلاة في المكان المغصوب مع الجهل القصوري أو النسيان مطيع حقيقة ، فيستحق الثواب إطاعة لا انقياداً.

وجه صحة المجمع بناء على الامتناع

(١) يعني : في وجه صحة المجمع من وجود المصلحة فيه ، وهذا تمهيد لدفع توهم سيأتي بيانه.

(٢) يعني : نسيان الموضوع أو الحكم أو كليهما حتى مع التقصير ، لإطلاق حديث الرفع.

(٣) كما هو ظاهر جماعة ، لامتناع تكليف الجاهل القصوري ، فلا يتوجه إليه النهي عن الغصب ، وعن القواعد والمنتهى والتحرير : البطلان ، لعدم توقف التكليف على العلم به ، وإلّا يلزم الدور المحال ، فلاحظ.

(٤) لما دل على عدم معذورية الجاهل المقصر ، وأنه كالعامد ، وبه يقيد إطلاق الجاهل في حديث الرفع.

(٥) إشارة إلى التوهم الّذي أشرنا إليه بقولنا : «وهذا تمهيد لدفع توهم

٧٧

إذا عرفت هذه الأمور ، فالحق هو القول بالامتناع ، كما ذهب إليه المشهور (*) وتحقيقه على وجه يتضح به فساد ما قيل أو يمكن أن يقال من وجوه الاستدلال لسائر الأقوال يتوقف على تمهيد مقدمات

______________________________________________________

سيأتي بيانه» وهو : أنه ـ بناء على الامتناع وتغليب جانب النهي كما عن الجل لو لا الكل ـ لا وجه للحكم بالصحّة في بعض الموارد ، بل لا بد من الحكم بالبطلان في جميعها. فالتفصيل في الصحة بين الالتفات والجهل التقصيري ، وبين النسيان والجهل القصوري غير وجيه ، إذ على القول بالجواز ، وكذا الامتناع وتغليب جانب الأمر يكون المجمع صحيحاً ، وعلى القول بالامتناع وترجيح النهي يكون المجمع باطلا مطلقاً سواء كان عالماً أم جاهلاً أم ناسياً. والمصنف (قده) دفع هذا التوهم بالإشارة إلى ما ذكره في صحة المجمع في موارد العذر بقوله : «وقد ظهر بما ذكرناه ... إلخ».

__________________

(*) خلافا للمحقق النائيني (قده) ، حيث انه ذهب إلى الجواز محتجاً عليه بما حاصله : «ان التركيب بين الصلاة والغصب في المجمع انضمامي لا اتحادي ، حيث ان الصلاة من مقولة الوضع والكيف وغيرهما ، والغصب من مقولة الأين ، والمقولات متباينات يمتنع اتحادها ، فمتعلق الأمر مباين لمتعلق النهي ، فيستحيل أن تكون الحركة الواحدة معروضة للصلاتية والغصبية ، لاستلزامه تفصل الجنس الواحد بفصلين في عرض واحد ، فلا محالة يكون التركيب بين الصلاة والغصب انضمامياً ، لتغايرهما. نعم يكون كل من المأمور به والمنهي عنه من مشخصات الآخر ، وقد ثبت في محله خروج المشخصات عن حيز الطلب.

فالنتيجة جواز اجتماع الأمر والنهي في المجمع كالصلاة في المغصوب ، وتحقق الامتثال بالإتيان به».

٧٨

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

وفيه ـ بعد الغض عن كون الغصب هو الاستيلاء على ما للغير من مال أو حق بدون اذنه ، الصادق على كل تصرف في مال الغير بغير اذنه وان لم يكن من مقولة الأين كأكل مال الغير وشربه ولبسه ـ أنه لا مانع من كون المركب من المقولتين جزءاً شرعاً للصلاة كالسجود ، فانه مركب من مقولتين : إحداهما الوضع ، والأخرى ـ وهي الاعتماد على الأرض ـ الإضافة ، إذ لا ريب في كون الاعتماد عليها في السجود والاستقرار على الأرض والجلوس عليها المعتبرين في القيام والركوع والتشهد تصرفاً في الأرض ، ومتحدة مع الأكوان الصلاتية ، فلو كانت الأرض مغصوبة صدق كل من مفهومي الصلاة والغصب على القيام والسجود والركوع والتشهد.

وعليه ، فيتحد الغصب مع جزء الجزء ، أو شرطه ، فتخرج الصلاة في المغصوب ولو بلحاظ بعض أجزائها أو شرائطها عن المركب الانضمامي إلى الاتحادي ، ومع الاتحاد يمتنع اجتماع الأمر والنهي ، بل لا بد أن يكون المجمع محكوماً بأحدهما.

وقد ظهر مما ذكرنا : أنه لا حاجة في إثبات كون المجمع مركباً اتحادياً إلى دعوى جزئية الهوي والنهوض للصلاة ، كما في كلمات بعض أعاظم العصر مد ظله.

ولا إلى دعوى : كون الاعتماد على الأرض مأخوذاً في مفهوم السجدة بحيث لا يصدق على وضع الجبهة على الأرض بدون الاعتماد عليها ، بل هو مماسة لها ، لا أنه سجدة ، كما في تقرير بحثه الشريف أيضا.

٧٩

.................................................................................................

______________________________________________________

.................................................................................................

__________________

وذلك لصدق مفهوم السجدة بوضع الجبهة على الأرض ولو بدون الاعتماد عليها ، قال في مجمع البحرين : «وسجد الرّجل وضع جبهته على الأرض» فليس الاعتماد مقوماً لمفهومه ، ولو ثبت اعتباره في السجود كان ذلك شرطاً شرعياً ، وهو كاف في حصول الاتحاد.

فالمتحصل : أنه لا بد من القول بالامتناع في الصلاة في المغصوب ، للزوم اتحاد متعلقي الأمر والنهي وان لم تشتمل على الركوع والسجود والجلوس ذاتاً كصلاة الميت ان كانت صلاة ، أو عرضاً كالمضطر إلى الصلاة جالساً ، لكفاية الاستقرار والاعتماد على الأرض في تحقق اتحاد متعلقي الأمر والنهي.

نعم لا يتحد الغصب مع سائر ما للصلاة من المقولات ، كالنية التي هي من الكيف النفسانيّ ، وكالتكبيرة والأذكار والقراءة التي هي من الكيف المسموع.

أما النية ، فواضحة. وأما التكلم ، فلعدم كونه تصرفاً عرفاً في الفضاء وان عد تصرفاً عقلا ، لكنه ليس موضوعاً لدليل حرمة الغصب ، ولو شك في صدق الغصب عليه ، فمقتضى أصل البراءة عدم حرمته ، سواء كانت الشبهة موضوعية أم حكمية ناشئة من إجمال مفهوم الغصب.

أما على الأول فواضح ، لكونه كسائر الشبهات الموضوعية التي تجري فيها البراءة.

وأما على الثاني ، فلما ثبت في الأصول من جريان البراءة فيما لم تقم حجة معتبرة على حكمه ، سواء كان لفقد الحجة أم تعارضها أم إجمالها.

فالمتحصل : أنه مع الشك في صدق الغصب على التكلم في الفضاء لا دليل على الحرمة حتى يندرج في مسألة اجتماع الأمر والنهي.

٨٠