منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٣

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج

منتهى الدّراية في توضيح الكفاية - ج ٣

المؤلف:

السيّد محمّد جعفر الجزائري المروّج


الموضوع : أصول الفقه
المطبعة: مطبعة غدير
الطبعة: ٦
الصفحات: ٧٨٣

وهو (١) أولى.

وقد أورد عليه (٢) بإمكان الجمع على وجه آخر (٣) ، مثل حمل الأمر في المقيد على الاستحباب.

وأورد عليه (٤) بأن (٥) التقييد ليس تصرفاً في معنى اللفظ ، وانما

______________________________________________________

الموضوع ، وفي «أعتق رقبة مؤمنة» يجعل المؤمنة جزء آخر لموضوع وجوب العتق ، فنتيجة الجمع بينهما كون الموضوع مركباً من الرقبة والإيمان.

(١) أي : الجمع بين الدليلين أولى من الطرح ، والمقام من صغريات تلك القاعدة.

(٢) قال في التقريرات : «فاستدل الأكثرون بأنه جمع بين الدليلين وهو أولى. وأورد عليه بإمكان الجمع على وجه آخر ، كحمل الأمر فيهما على التخيير أو في المقيد على الاستحباب» إلى آخر ما ذكر في المتن.

توضيح الإيراد : أن الكبرى ـ وهي أولوية الجمع من الطرح ـ وان كانت مسلمة ، إلّا أن صغراه لا تنحصر في الجمع المزبور ، بل يمكن الجمع بين المطلق والمقيد بوجه آخر ، وهو حمل الأمر في المقيد كقوله : «أعتق رقبة مؤمنة» على الاستحباب ، لمزية فيها أوجبت ذلك ، وإبقاء المطلق على إطلاقه ، فيجزي حينئذ عتق الرقبة مطلقاً وان كانت كافرة ، لكن عتق المؤمنة أفضل ، وهذا جمع حكمي ، كما أن سابقه جمع موضوعي.

(٣) يعني : غير الجمع الأول الّذي هو جمع موضوعي.

(٤) أي : على هذا الإيراد المذكور في التقريرات أيضا.

(٥) هذا تقريب الإيراد ، توضيحه : أن الجمع الأول ـ وهو حمل المطلق

٧٤١

هو تصرف في وجه (١) من وجوه المعنى (٢) اقتضاه تجرده (٣) عن القيد

______________________________________________________

على المقيد ـ أولى من الجمع الثاني وهو حمل الأمر في المقيد على الاستحباب ، وذلك لأن حمل المطلق على المقيد ليس تصرفاً في معنى لفظ المقيد ، لما عرفت من أن إرادة المقيد انما هو بتعدد الدال والمدلول ، لا باستعمال المطلق في المقيد حتى يكون مجازاً ، فلا يلزم من حمل المطلق على المقيد تصرف في معنى المطلق ، بل يلزم منه تصرف في وجه من وجوه المعنى ، حيث ان تجرد لفظ المطلق الموضوع لنفس الطبيعة يقتضي سعة دائرة انطباقه على الافراد ، والتقييد تصرف في هذا الوجه والشأن ، ومن المعلوم عدم كونه تصرفاً في نفس المعنى الّذي وضع له اللفظ وهو نفس الطبيعة ، بل في وجهه الّذي اقتضاه تجرد اللفظ عن القرينة ، حيث ان لفظ المطلق المجرد عن كل قيد يقتضي سعة الانطباق المعبر عنها بالسريان والشيوع.

وهذا بخلاف حمل الأمر في المقيد على الاستحباب ، لأنه تصرف في نفس معنى الأمر الّذي هو حقيقة في الوجوب ، فلا ينبغي الإشكال في تعين التقييد عند الدوران بينه وبين حمل الأمر في المقيد على الاستحباب.

(١) وهو الإطلاق المقتضي للشيوع والسريان المسبب عن تجرد اللفظ عن القرينة.

(٢) أي : معنى المطلق وهو نفس الطبيعة.

(٣) أي : تجرد اللفظ ، و «تجرده» فاعل «اقتضاه» وضمير «اقتضاه» راجع إلى الوجه المراد به الإطلاق ، يعني : اقتضى التجرد عن القرينة ذلك الوجه مع تخيل ورود اللفظ ـ أي لفظ المطلق ـ في مقام بيان تمام المراد ، وبعد الاطلاع على دليل المقيد نعلم إجمالا بوجود قيد في البين إما يرجع إلى الموضوع ، وهو المسمى بحمل المطلق على المقيد ، وإما يرجع إلى الحكم كحمل الأمر على التخيير. وعلى

٧٤٢

مع تخيل وروده (١) في مقام بيان تمام المراد ، وبعد الاطلاع على ما يصلح للتقييد نعلم وجوده (٢) على وجه الإجمال ، فلا إطلاق فيه (٣) حتى يستلزم تصرفاً ، فلا يعارض ذلك (٤) بالتصرف في المقيد بحمل أمره على الاستحباب.

وأنت خبير (٥)

______________________________________________________

كل حال يعلم بعد ورود دليل المقيد بأن المتكلم حين إبراز المطلق لم يكن في مقام البيان ، بل كان في مقام الإهمال ، ولم يكن زعم وجود الوجه المزبور أعني الإطلاق صواباً.

(١) أي : ورود اللفظ المراد به لفظ المطلق.

(٢) أي : وجود القيد على وجه الإجمال ، وقد مر توضيح الإجمال بقولنا :«اما يرجع إلى الموضوع وهو المسمى بحمل المطلق على المقيد».

(٣) أي : في اللفظ حتى يستلزم التقييد تصرفاً فيه ، بل كان الإطلاق أمراً خيالياً.

(٤) أي : تقييد المطلق بالمقيد ـ الّذي قد عرفت أنه لا يستلزم تصرفاً في معنى المطلق ـ لا يعارض بالتصرف في المقيد بحمل أمره على الاستحباب. وجه عدم المعارضة : انتفاء موضوعها ، إذ التقييد ـ كما عرفت ـ لا يستلزم تصرفاً في معنى المطلق. بخلاف حمل أمر المقيد على الاستحباب ، فانه تصرف في نفس معنى اللفظ ، لا في وجه من وجوهه حتى يكون كالتقييد الّذي يكون تصرفاً في وجه من وجوه المعنى. وضمير «أمره» راجع إلى المقيد.

(٥) هذا جواب الإشكال الّذي تعرض له بقوله : «وأورد عليه بأن التقييد ليس تصرفاً في معنى اللفظ» ، وقد أجاب عنه بوجهين :

٧٤٣

بأن التقييد أيضا (١) يكون تصرفاً في المطلق ، لما (*)

______________________________________________________

الأول : ما ذكره بقوله : «بأن التقييد أيضا» وحاصله : أن ما ذكره المورد في وجه تقديم التقييد على حمل أمر المقيد على الاستحباب من كونه تصرفاً في نفس المعنى ، بخلاف التقييد ، فانه تصرف في وجه المعنى لا في نفسه ، فلا يكون خلاف الظاهر (مخدوش) بأن التقييد أيضا خلاف الظاهر ، لأن الظاهر كون المطلق مراداً جدياً للمتكلم ، وقضية التقييد خلافه وان لم يكن الظفر بالمقيد كاشفاً عن عدم ورود المطلق في مقام البيان ، لما مر سابقاً من أنه أعم من بيان الحكم الواقعي والظاهري ، وانما هو كاشف عن عدم كون الإطلاق مراداً جدياً للمتكلم ، فلا يكون التقييد تصرفاً في وجه المعنى ـ وهو الإطلاق ـ حتى يقدم على حمل أمر المقيد على الاستحباب ، لكونه تصرفاً في نفس المعنى كما أفاده المورد. بل التقييد خلاف الظاهر من جهة أن ظاهر المطلق كونه مراداً جدياً ، فتقديم دليل التقييد على المطلق لا بد أن يكون بالأظهرية. فالنتيجة : أن التقييد أيضا تصرف في الظاهر وان لم يكن مجازاً.

(١) يعني : كحمل أمر المقيد على الاستحباب.

__________________

(*) الظاهر أن العبارة لا تخلو عن الاضطراب وسوء التأدية ، لأن قوله : «لما» ظاهر في كونه علة لكون التقييد تصرفاً في المطلق ، ولا يلائمه ، لعدم المناسبة بين التعليل والمعلل ، فان المعلل وهو لزوم التصرف أمر وجودي ، فلا بد أن يعلل بما يناسبه ، وهو أن هذا التصرف خلاف ظاهر المطلق ، حيث ان ظاهره كونه مراداً جدياً للمتكلم ، فلا وجه لجعل قوله : «لما» علة لعدم التصرف في وجه المعنى وهو الإطلاق كما ادعاه المورد ، فلو كانت العبارة هكذا «بأن التقييد أيضا يكون تصرفاً في المطلق ، لأن قضية التقييد عدم كون المطلق

٧٤٤

عرفت من أن الظفر بالمقيد لا يكون كاشفاً عن عدم ورود المطلق في مقام البيان (١) ، بل (٢) عن عدم كون الإطلاق الّذي هو ظاهره بمعونة (٣) الحكمة بمراد جدي ، غاية الأمر أن التصرف فيه بذلك لا يوجب التجوز فيه (٤). مع (٥) أن حمل الأمر في المقيد على الاستحباب لا يوجب

______________________________________________________

(١) حتى يكون التقييد تصرفاً في وجه المعنى أعني الإطلاق.

(٢) يعني : بل يكون الظفر بالمقيد كاشفاً عن عدم كون الإطلاق الناشئ عن مقدمات الحكمة مراداً جدياً للمتكلم. ومرجع ضمير «هو» الإطلاق.

(٣) متعلق بـ «ظاهره» وضمير «ظاهره» راجع إلى المطلق.

(٤) أي : في المطلق ، والمشار إليه في قوله : «بذلك» هو عدم كونه مراداً جدياً ، وضمير «فيه» راجع إلى المطلق ، يعني : غاية الأمر أن التصرف في المطلق بعدم كونه مراداً جدياً لا يوجب التجوز في المطلق ، لما مر من عدم وضع المطلق للشيوع والسريان حتى تكون إرادة غيره مجازاً. وغرضه من قوله : «غاية الأمر» أن التصرف لازم على كل حال ، وارتكاب خلاف الظاهر في المطلق أو المقيد مما لا بد منه ، غاية الأمر أنه في المطلق أهون من ارتكابه في المقيد ، لعدم لزوم مجاز في الأول.

(٥) هذا ثاني وجهي الجواب عن الإشكال المزبور ، وهذا الجواب ناظر

__________________

مراداً جدياً للمتكلم ، وهو خلاف الظاهر» كانت صواباً.

وأما التصرف في الإطلاق بأن يكون التقييد كاشفاً عن عدم ورود المطلق في مقام البيان كما ادعاه المورد ، ففيه : أن البيان الّذي هو أعم من الواقعي والظاهري القانوني موجود ، فلا يكون التقييد حينئذ كاشفاً عن عدم ورود المتكلم في مقام البيان حتى يكون التقييد تصرفاً في الإطلاق الّذي هو وجه من وجوه المعنى.

٧٤٥

تجوزاً فيه ، فانه (١) في الحقيقة مستعمل في الإيجاب ، فان (٢) المقيد إذا كان فيه ملاك الاستحباب كان من أفضل أفراد الواجب ، لا مستحباً فعلا (٣) ، ضرورة (٤) أن ملاكه لا يقتضي استحبابه إذا اجتمع مع ما يقتضي

______________________________________________________

إلى ما أفاده المورد من أن حمل أمر المقيد على الاستحباب تصرف في معنى الأمر. وحاصله : إنكار مجازية حمل أمر المقيد على الاستحباب ، وذلك لأن ملاك الوجوب في المقيد كالرقبة المؤمنة التي هي من أفراد المطلق ـ أعني الرقبة ـ يمنع عن اتصافه بالاستحباب ، لاندكاك ملاكه في ملاك الوجوب ، فالمراد بالاستحباب حينئذ أفضلية المقيد من سائر أفراد الواجب ، دون الاستحباب المصطلح ، كما هو الحال في استحباب الجماعة في الصلوات الواجبة ، فان صلاة الجماعة واجبة ، واستحبابها بمعنى أفضليتها من الفرادى ، وكصلاة الجمعة ـ بناء على وجوبها التخييري ـ فانها أفضل من صلاة الظهر. وعليه فليس للمورد ترجيح التقييد على حمل الأمر في المقيد على الاستحباب ، بدعوى استلزام الثاني للمجاز دون الأول ، فيدور الأمر بين هذين التصرفين من دون استلزام شيء منهما للمجاز ، فلا مرجح للتقييد على صاحبه.

(١) هذا الضمير وضمير «فيه» راجعان إلى الأمر ، وقوله : «فانه» تعليل لعدم التجوز.

(٢) تعليل لكون الأمر مستعملا في الإيجاب ، وحاصله : أن ما يكون فيه ملاك الوجوب كالرقبة المؤمنة التي تكون لفرديتها للرقبة المطلقة واجدة لملاك الوجوب يمتنع أن يتصف فعلا بالاستحباب ، للزوم اجتماع الضدين ـ وهما الوجوب والاستحباب ـ في شيء واحد ولو مع تعدد الحيثية ، فلا بد أن يراد بالاستحباب هنا الأفضلية ، فيكون عتق الرقبة المؤمنة أفضل أفراد الواجب.

(٣) يعني : كسائر المستحبات الفعلية.

(٤) تعليل لعدم كون المقيد مستحباً فعلا ، وحاصله ما عرفته : من أن ملاك

٧٤٦

وجوبه (١).

نعم (٢) فيما إذا كان إحراز كون المطلق (٣) في مقام البيان بالأصل كان (٤) من التوفيق بينهما حمله (٥) على أنه سيق في مقام الإهمال على خلاف مقتضى الأصل (٦) ،

______________________________________________________

الوجوب الموجود في جميع أفراد المطلق التي منها الرقبة المؤمنة في المثال المزبور يمنع عن تأثير ملاك الاستحباب في الاستحباب الفعلي ، للزوم اجتماع الضدين ـ وهما الوجوب والاستحباب ـ فاستحباب المقيد معناه كونه أفضل أفراد الواجب.

(١) هذا الضمير وضمير «استحبابه» راجعان إلى المقيد ، وضمير «ملاكه» راجع إلى الاستحباب.

(٢) غرضه من هذا الاستدراك تسليم ما ذكره المورد من ترجيح التقييد على حمل أمر المقيد على الاستحباب في مورد واحد ، وهو ما إذا أحرزنا بالأصل العقلائي المتقدم سابقاً كون المتكلم في مقام البيان ، ثم ظفرنا بدليل المقيد ، فلا مانع حينئذ من كشف دليل التقييد عن عدم كونه في مقام البيان ، بل في مقام الإهمال أو الإجمال ، وجعل المقيد بياناً ، فحينئذ يقدم التقييد على حمل أمر المقيد على الاستحباب ، إذ الأصل المزبور متبع ما لم يقم ما يصلح للقرينية على خلافه.

(٣) بكسر اللام يعني المتكلم.

(٤) جواب «إذا» يعني : كان من التوفيق بين المطلق والمقيد حمل المطلق على كونه مسوقاً في مقام الإهمال ، فيكون المقيد بياناً له.

(٥) اسم «كان» و «من التوفيق» خبره ، وضميرا «حمله وأنه» راجعان إلى المطلق ، وضمير «بينهما» راجع إلى المطلق والمقيد.

(٦) وهو الأصل العقلائي المذكور الّذي يبنى عليه في إحراز كون المتكلم في مقام البيان عند الشك في ذلك.

٧٤٧

فافهم (١).

ولعل (٢) وجه التقييد كون ظهور إطلاق الصيغة (٣) في الإيجاب

______________________________________________________

(١) لعله إشارة إلى أن الحمل على الإهمال متجه فيما إذا كان المقيد وارداً قبل الحاجة. وأما إذا كان وارداً بعدها فلا يصح الحمل على الإهمال ، للزوم تأخير البيان عن وقت الحاجة. أو إشارة إلى أن لازم ذلك عدم جواز التمسك بهذا المطلق في غير مورد المقيد ، فتأمل. أو إشارة إلى غيرهما.

(٢) توضيحه : أنه بعد البناء على وحدة التكليف وعدم تعدده يدور الأمر بين التصرف في ظهور إطلاق الصيغة في دليل التقييد ـ كأعتق رقبة مؤمنة ـ في الوجوب التعييني ، وعدم كفاية عتق غيرها ، بحمله على الأفضلية ، وكون المقيد أفضل أفراد الواجب التخييري ، وبين التصرف في ظهور المطلق ـ كأعتق رقبة ـ في الإطلاق ، وتساوي أفراد الرقبة في تعلق الوجوب والاجزاء ، بحمله على المقيد ، وتقييده به ، وأن المقيد هو المراد من المطلق ، ففي المثال يكون الواجب خصوص عتق المؤمنة كما هو قضية المقيد.

وبالجملة : يكون التعارض بين ظهورين إطلاقيين : أحدهما ظهور المطلق في الإطلاق ، والآخر ظهور المقيد في التعيين ، وكلا الظهورين مستند إلى الإطلاق ومنافاتهما واضحة ، فان إطلاق المطلق يقتضي التخيير بين الافراد ، وإطلاق الصيغة في المقيد يقتضي التعيين ، وهما متنافيان ، ولا بد في رفع التنافي من اختيار أحد التصرفين ، ولعل ثانيهما ـ وهو التصرف في ظهور المطلق بحمله على المقيد وتقييده به ـ أقوى من أولهما وهو التصرف في ظهور إطلاق الصيغة في دليل التقييد ، فيقدم عليه.

(٣) في المقيد كـ «أعتق رقبة مؤمنة».

٧٤٨

التعييني أقوى (١) من ظهور المطلق في الإطلاق (*).

وربما يشكل (٢) بأنه يقتضي التقييد في باب المستحبات ، مع أن

______________________________________________________

(١) الظاهر : أن وجه التقديم هو الغلبة الوجودية للتصرف الثاني على التصرف الأول.

(٢) يعني : يشكل توجيه التقييد بأقوائية ظهور إطلاق الصيغة في الإيجاب التعييني من ظهور المطلق في الإطلاق بأن لازمه التقييد في المستحبات ، والحكم باستحباب خصوص المقيد دون المطلق ، كما إذا ورد استحباب زيارة مولانا الحسين عليه‌السلام بنحو الإطلاق ، ثم ورد استحبابها في أوقات خاصة كالعيدين وعرفة ونصفي رجب وشعبان ، فان مقتضى أقوائية ظهور إطلاق الصيغة في المقيد في الاستحباب التعييني من ظهور المطلق في الإطلاق هو تقييد المطلق ، والحكم بتعين المقيد في الاستحباب ، وعدم استحباب المطلق وهو زيارته صلوات الله عليه في غير الأوقات الخاصة ، وهو كما ترى خلاف المشهور ، حيث انهم لم يذهبوا إلى التقييد في المستحبات ، وبنوا فيها على حمل المقيد على تأكد

__________________

(*) كيف يكون أقوى مع كون كليهما مستندين إلى الإطلاق ، فهما في مرتبة واحدة. ويمكن أن يكون وجه التقديم صغروية المقام لكبرى التعيين والتخيير. بيانه : أن إطلاق الرقبة مثلا في «أعتق رقبة» لا يقتضي تعين فرد من الافراد ، ولذا يجزي في الامتثال عتق أي فرد من أفراد الرقبة. بخلاف الرقبة المؤمنة في «أعتق رقبة مؤمنة» فانه يقتضي تعين خصوص المؤمنة ، ومع الدوران بين التعيين والتخيير يحكم العقل بالأول ، لحصول يقين الفراغ به دون غيره ، فلو لم تثبت أقوائية ظهور المقيد في التعيين كان مقتضى الأصل التعيينية ، كما أنها قضية المقتضي واللامقتضي ، ضرورة تقدم الأول على الثاني ، فتأمل جيداً.

٧٤٩

بناء المشهور على حمل الأمر بالمقيد فيها (١) على تأكد الاستحباب. اللهم إلّا أن يكون الغالب في هذا الباب (٢) هو تفاوت الافراد بحسب مراتب المحبوبية (*) ،

______________________________________________________

الاستحباب ، وربما يكشف هذا عن عدم كون حمل المطلق على المقيد في الواجبات جمعاً عرفياً.

(١) أي : في المستحبات ، فيكون المطلق مستحباً والمقيد مستحباً مؤكداً.

(٢) أي : المستحبات. والمصنف (قده) أجاب عن إشكال عدم حمل المطلق على المقيد فيها بوجهين : أحدهما : قوله : «اللهم إلّا أن يكون الغالب» وحاصله : إبداء الفرق بين الواجبات والمستحبات ، وأن عدم حمل المطلق على المقيد في المستحبات مع كونه جمعاً عرفياً انما هو لأجل ظهور أدلة المستحبات في محبوبية جميع أفرادها واشتمالها على الملاك ، مع تفاوتها غالباً في المحبوبية ، وعدم اختصاص المقيد منها بالمحبوبية حتى يختص الاستحباب به ، فمع وجود ملاك الاستحباب في جميع الافراد لا بد من حمل المقيد منها على تأكد الاستحباب ، فإذا دل دليل على استحباب مطلق الدعاء في القنوت ، ثم ورد نصّ على استحباب كلمات الفرج فيه ، فيحمل هذا على تأكد استحباب كلمات الفرج.

__________________

(*) ان كان المدار في التقديم أقوائية الظهور فكيف يوجب اختلاف المستحبات في المحبوبية ظهور دليل المقيد في تأكد الاستحباب ، والغلبة وان كانت موجبة للظن بالتأكد ، لكنها لا توجب ظهور اللفظ في ذلك ، وهو المدار في تقديم أحد الظاهرين على الآخر. نعم الغلبة المذكورة وان كانت مقيدة للظن لكن لا دليل على اعتباره ، فهذا الوجه لا يصلح لحمل المقيد على تأكد الاستحباب.

٧٥٠

فتأمل (١).

أو أنه (٢) كان بملاحظة التسامح في أدلة المستحبات ، وكان عدم

______________________________________________________

والحاصل : أنه مع العلم باستحباب المطلق لا وجه لحمله على المقيد. وهذا بخلاف الواجبات ، فانه لا ظهور لأدلتها في وجود ملاك المحبوبية في جميع أفرادها ، بل الظاهر منها اختصاص ملاكها بالمقيد ، ولذا وجب حمل المطلق عليه ، لعدم وجود الملاك فيه.

(١) لعله إشارة إلى ضعف هذا التوجيه الفارق بين الواجبات والمستحبات. توضيحه : أن غلبة تفاوت مراتب المحبوبية في المستحبات لا توجب حمل المقيد على تأكد الاستحباب ، لأن المناط في الحمل هو الأظهرية ، وكون الغلبة موجبة لظهور القيود الواقعة في المستحبات في التأكد بحيث يكون هذا الظهور أقوى من ظهور القيد في الدخل في أصل المطلوبية (في حيز المنع) إذ لا بد أن يكون الظهور مستنداً إلى اللفظ.

والحاصل : أن غلبة أفراد المستحبات في المحبوبية لا تكون قرينة نوعية على حمل المقيد على المحبوبية الزائدة على محبوبية المطلق ، بل مقتضى قاعدة التقييد تعين المقيد في الاستحباب.

(٢) أي : عدم حمل المطلق في المستحبات على تأكد استحبابه ، وعدم حمل المطلق عليه ، وهو معطوف على «أن يكون» يعني : «اللهم إلّا أن عدم حمل ... إلخ» وهذا ثاني الجوابين عن إشكال عدم حمل المطلق على المقيد ، وحاصله : أن وجه عدم حمل المطلق على المقيد في المستحبات هو صدق موضوع أخبار «من بلغ» على المطلق ، فإذا ورد بلوغ الثواب على زيارة مولانا المظلوم أرواحنا فداه صدق عليه بلوغ الثواب ، فيشمله عموم أو إطلاق أخبار من بلغ فيستحب المطلق ، لصدق عنوان بلوغ الثواب عليه ، لا لدليل استحبابه ،

٧٥١

رفع اليد عن دليل استحباب المطلق بعد مجيء دليل المقيد ، وحمله (١) على تأكد استحبابه من التسامح (٢) (*) فيها (*)

______________________________________________________

إذ لو كان لذلك لزم تقييده ، والحكم بعدم استحبابه ، وأن المستحب هو المقيد فقط كلزوم تقييد المطلق في الواجبات.

والحاصل : أنه يحكم باستحباب المطلق مع وجود المقيد مسامحة من باب صدق بلوغ الثواب عليه ، لا لدليل نفس المطلق حتى يلزم تقييده. وهذا التسامح مفقود في الواجبات ، ولذا يقيدون مطلقها بمقيدها.

(١) بالجر معطوف على «مجيء» وضميره راجع إلى دليل المقيد.

(٢) خبر «وكان» وضمير «فيها» راجع إلى أدلة المستحبات ، وضمير «استحبابه» إلى المقيد.

__________________

(*) هذا التوجيه لعدم حمل المطلق على المقيد في المستحبات أيضا غير وجيه ، لأن مرجعه إلى تقوية دلالة دليل المطلق ، وتضعيف دلالة دليل المقيد ، وعدم صلاحيتها لتقييد المطلق ، وذلك مبني على جابرية أخبار من بلغ لضعف الدلالة ، وهذا في غاية الضعف والسقوط ، وأجنبي عن مفاد تلك الاخبار ، وقد تعرضنا للاحتمالات المتطرقة فيها وما ينبغي المصير إليه من محتملاتها في محله.

(*) ولا يخفى أنه لو كان حمل المطلق على المقيد جمعاً عرفياً كان قضيته عدم الاستحباب الا للمقيد ، وحينئذ ان كان بلوغ الثواب صادقاً على المطلق كان استحبابه تسامحياً ، وإلّا فلا استحباب له وحده ، كما لا وجه بناء على هذا الحمل وصدق البلوغ يؤكد الاستحباب في المقيد ، فافهم.

٧٥٢

ثم ان الظاهر (١) أنه لا يتفاوت فيما ذكرنا (٢) بين المثبتين والمنفيين (*)

______________________________________________________

(١) هذا التعبير تعريض بالخلاف في المنفيين ، حيث ان العلامة (قده) نفى الخلاف عن عدم الحمل ، بل عن شيخنا البهائي (قده) في الزبدة «الإجماع عليه» وعن المعالم «الاتفاق عليه» ، لعدم الداعي إلى الحمل بعد عدم التنافي بين انتفاء الحكم عن الطبيعة وبين انتفائه عن الفرد أيضا ، فان التأكيد بابه واسع. وضمير : «انه» للشأن ، وقوله : «لا يتفاوت» بالبناء للمفعول أو للفاعل بتقدير الكلام أو الحال.

(٢)من حمل المطلق على المقيد ، وأشار بقوله : «متنافيين»و «كما لا يتفاوتان»

__________________

والأولى في وجه عدم الحمل في المستحبات أن يقال : ان المطلوب في المستحبات متعدد ، فأصل الطبيعة مطلوب وتقيدها بالقيد الكذائي مطلوب آخر ، فلا تنافي بين المطلق والمقيد حتى يلزم الحمل.

أو يقال : انه لا سبيل إلى إحراز شرط الحمل وهو وحدة التكليف في المستحبات ، مع إمكان الأخذ بظاهر دليلي المطلق والمقيد ان كانا من باب تعدد المطلوب ، وإحراز كونهما من هذا الباب غير لازم ، بل احتماله كاف مع مساعدة ظاهر دليليهما على ذلك ، فلو أحرز وحدة التكليف في المستحبات بحيث كان دليلا المطلق والمقيد في مقام بيان حكم واحد كانت كالواجبات في لزوم التقييد. والفرق بين الوجهين : أن الأول مبني على إحراز تعدد المطلوب ، والثاني مبني على احتماله ، وكون ظاهر الدليلين دليلا على إثباته.

(*) لعل وجه عدم التعرض للمختلفين هو عدم الإشكال في الحمل فيهما كما تقدم في صدر هذا الفصل ، حيث قال : «فان كانا مختلفين مثل أعتق رقبة ولا تعتق رقبة كافرة ، فلا إشكال في التقييد».

٧٥٣

بعد فرض كونهما (١) متنافيين ، كما لا يتفاوتان (٢) في استظهار التنافي بينهما من (٣) استظهار اتحاد التكليف من (٤) وحدة السبب (٥)

______________________________________________________

إلى أمرين مذكورين في التقريرات :

أحدهما : أن حمل المطلق على المقيد لا يختص بنوع خاص منهما ، بل يجري في جميع أنواعهما من كونهما مثبتين كـ «أعتق رقبة وأعتق رقبة مؤمنة» أو منفيين كـ «لا تعتق رقبة ولا تعتق رقبة كافرة» إذ المناط في الحمل هو التنافي بينهما المستكشف من وحدة التكليف ، ففي كل مورد أحرز هذا المناط وجب الحمل من غير فرق بين موارده.

(١) أي : المطلق والمقيد في المثبتين والمنفيين. وقد عرفت منشأ التنافي بينهما.

(٢) يعني : المثبتين والمنفيين ، وهذا ثاني الأمرين المشار إليهما ، وحاصله : أنه لا تفاوت في حمل المطلق على المقيد في المثبتين والمنفيين بين إحراز وحدة التكليف فيهما التي هي شرط التنافي الموجب للحمل من وحدة السبب ، كقوله : «ان أفطرت فأعتق رقبة وان أفطرت فأعتق رقبة مؤمنة» وبين إحراز وحدته من الإجماع مثلا.

(٣) متعلق بـ «في استظهار» وضمير «بينهما» راجع إلى المثبتين والمنفيين.

(٤) متعلق بـ «استظهار» في قوله : «من استظهار».

(٥) كقوله : «ان ظاهرت فأعتق رقبة وان ظاهرت فأعتق رقبة مؤمنة» فان وحدة السبب تكشف عن وحدة الحكم ، وكون المطلوب صرف الوجود ، فيتحقق التنافي الموجب لحمل المطلق على المقيد.

٧٥٤

وغيره (*) من قرينة حال أو مقال حسبما يقتضيه النّظر ، فليتدبر (١).

تنبيه (٢) : لا فرق فيما ذكر من الحمل في المتنافيين (٣) بين كونهما (٤) في بيان الحكم التكليفي وفي بيان الحكم الوضعي ، فإذا ورد مثلا

______________________________________________________

(١) في كلمات من خالف في المنفيين ، وأنكر الحمل فيهما ، وقد أشرنا إلى هذا الخلاف عند شرح قول المصنف : «ثم ان الظاهر أنه».

عدم اختصاص التقييد بالحكم التكليفي

(٢) غرضه توسعة دائرة حمل المطلق على المقيد ، وعدم اختصاصها بالحكم التكليفي ، وأن هذا البحث يعم الحكم الوضعي ، وقد عقد له في التقريرات هداية مستقلة. وكيف كان لا يختص حمل المطلق على المقيد بالاحكام التكليفية ، بل يجري في الأحكام الوضعيّة أيضا إذا اجتمعت فيه شرائط الحمل.

(٣) أي : المطلق والمقيد المتنافيين سواء كانا مثبتين أم منفيين ، كما تقدم مثالهما ، أم مختلفين مثل «البيع حلال» و «لا يحل البيع الربوي».

(٤) أي : كون المطلق والمقيد المتنافيين في مقام بيان الحكم التكليفي ، وفي مقام بيان الحكم الوضعي.

__________________

(*) الأولى أن تكون العبارة هكذا : «كما لا يتفاوتان في استظهار ما يوجب التنافي بينهما من اتحاد التكليف بين استظهاره من وحدة السبب وغيرها» وذلك لاقتضاء قوله : «لا يتفاوتان» وجود كلمة «بين» كما لا يخفى. وينبغي تأنيث ضمير «غيره» لرجوعه إلى وحدة ، لا إلى السبب. واستظهار التنافي منوط بإحراز وحدة الحكم ، فلا بد من استظهار وحدته أولا ، ثم إضافة التنافي إلى الدليلين.

٧٥٥

أن البيع سبب وأن البيع الكذائي سبب (١) وعلم أن مراده (٢) إما البيع على إطلاقه ، أو البيع الخاصّ ، فلا بد من التقييد لو كان ظهور دليله (٣) في دخل التقييد [القيد] أقوى (*) من ظهور دليل الإطلاق فيه ، كما هو (٤) ليس ببعيد ، ضرورة (٥) تعارف ذكر المطلق وإرادة المقيد ـ بخلاف

______________________________________________________

(١) هذا مثال للمثبتين ، فان كلا من المطلق والمقيد كقوله : «البيع سبب للنقل» و «البيع العربي سبب له» مثبت.

(٢) يعني : وعلم أن مراد المتكلم واحد ، وهو سببية البيع المطلق أو الخاصّ ، لما تقدم من أن العلم بوحدة المراد مما لا بد منه في إحراز التنافي الموجب للتقييد.

(٣) أي : دليل التقييد ، وغرضه عدم كفاية مجرد العلم بوحدة المراد في التقييد ، بل لا بد من كون ظهور دليله في التقييد أقوى من ظهور دليل الإطلاق.

(٤) أي : كون ظهور دليل التقييد أقوى ليس ببعيد ، وضمير «فيه» راجع إلى الإطلاق.

(٥) تعليل لقوله : «ليس ببعيد» ، وحاصله : أن ذكر المطلق وإرادة المقيد

__________________

(*) هذه الأقوائية شرط في التقييد لو لم يكن المقيد قرينة على المراد من المطلق ، بل كان معارضاً له ، وكان تقديم أحدهما على الآخر بالأظهرية. وأما إذا كان قرينة ، فيندرج المطلق والمقيد في كبرى القرينة وذيها ، وقد قيل بحكومة القرينة عليه ، فلا يلاحظ في تقديمها على ذيها الأظهرية ولا النسبة ، فتقدم عليه ولو كانت أضعف ظهوراً منه ، وكذا لو كانت أعم منه. لكن حكومة القرينة على ذيها وان كانت مشهورة ـ على ما قيل ـ لا تخلو من إشكال ، ولعلنا نتعرض له فيما يأتي. فالحق أن المدار في تقديم المقيد على المطلق هو الأظهرية ، والمقام حقيق بالتأمل.

٧٥٦

العكس (١) ـ بإلغاء القيد ، وحمله على أنه (٢) غالبي ، أو على وجه آخر ، فانه (٣) على خلاف المتعارف.

تبصرة لا تخلو من تذكرة (٤) ، وهي : أن قضية مقدمات الحكمة

______________________________________________________

منه متعارف ، كما يشهد به مراجعة المحاورات العرفية على ما قيل ، وهذا التعارف يؤيد دلالة المقيد ، فيصير أقوى ظهوراً في مدلوله من ظهور المطلق في الإطلاق وعدم دخل القيد فيه.

(١) وهو ذكر المقيد وإرادة المطلق منه بإلغاء قيده ، وعدم الاعتداد به ، وحمله على بعض الوجوه من كونه غالبياً ، أو لأنه مما يهتم به المتكلم ، لدخله في تأكد ملاك الحكم في المقيد ، أو لندرته ، أو غير ذلك من الوجوه الداعية إلى ذكر القيد مع عدم دخله في موضوع الحكم. ومن هنا يتضح المراد بقوله : «على وجه آخر».

(٢) هذا الضمير وضمير «حمله» راجعان إلى القيد.

(٣) أي : فان العكس ـ وهو إرادة المطلق من المقيد بإلغاء قيده ـ خلاف المتعارف.

اختلاف نتيجة مقدمات الحكمة

(٤) لتقدمها سابقاً في مبحث الأوامر وفي أوائل المطلق والمقيد ، فتكون إعادته تذكرة. وحاصل ما أفاده : أن مقدمات الحكمة التي توجب حمل المطلق على الإطلاق تختلف نتيجتها باختلاف المقامات والمناسبات ، فقد تكون هي حمل المطلق على العموم الاستغراقي كالبيع في قوله تعالى : «أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ» حيث ان حمله على فرد واحد لا يناسب مقام الامتنان ، فمقدمات الحكمة ـ وهي

٧٥٧

في المطلقات تختلف حسب [بحسب] اختلاف المقامات ، فانها (١) تارة يكون حملها على العموم البدلي ، وأخرى على العموم الاستيعابي (٢) ، وثالثة (٣)

______________________________________________________

كون المتكلم في مقام البيان وعدم نصب قرينة على فرد خاص ، وعدم متيقن من الخطاب مع ورود الحكم مورد الامتنان ـ توجب حمل المطلق وهو البيع على العموم الاستغراقي ، لأنه المناسب لتلك المقدمات.

(١) أي : فان قضية المقدمات تارة تكون حمل المطلقات على العموم البدلي كقوله : «جئني برجل فان قضية المقدمات من كون المتكلم في مقام البيان وعدم نصب قرينة على مراده ، وعدم متيقن في البين مع دلالة التنوين على الوحدة هي الحمل على الحصة المقيدة بالوحدة المفهومية القابلة للانطباق على كل فرد من أفراد طبيعة الرّجل على البدل ، وقد مر حكم هذا المطلق إذا ورد معه مقيد مناف له.

(٢) مثل لفظ «البيع» المفيد للعموم الاستغراقي على التقريب المتقدم آنفاً ، يعني : وأخرى تكون قضية المقدمات حمل المطلقات على العموم الاستيعابي.

(٣) يعني : وثالثة تكون قضية المقدمات حمل المطلق على نوع خاص ينطبق المطلق عليه ، كحمل الوجوب المطلق في مثل قوله : «صل» على نوع خاص من أنواعه وهو الوجوب العيني التعييني النفسيّ ، لاحتياج غيرها من الكفاية والتخييرية والغيرية إلى مئونة زائدة. فالمتكلم مع كونه في مقام البيان لم ينصب قرينة على إرادة واحد من هذه الأنواع ، إذ لم يقل : «افعل أنت أو غيرك» حتى يكون الوجوب كفائياً ، أو «صم أو أعتق» حتى يكون الوجوب تخييرياً ، أو «توضأ

٧٥٨

على نوع خاص مما (١) ينطبق عليه حسب (٢) اقتضاء خصوص المقام (*) ،

______________________________________________________

للصلاة» حتى يكون الوجوب غيرياً ، فان نتيجة هذه المقدمات كون الوجوب نوعاً خاصاً منه ، وهو العيني التعييني النفسيّ الّذي ينطبق عليه المطلق.

(١) أي : من الأنواع التي ينطبق عليها المطلق ، فالضمير المستتر في «ينطبق» راجع إلى المطلق ، وضمير «عليه» راجع إلى الموصول.

(٢) متعلق بقوله : «اختلاف المقامات» يعني : أن اختلاف المقامات يكون لاختلاف المقتضيات والآثار من حيث الحكم الوضعي والتكليفي ، فان حلية البيع تناسب حلية كل بيع ، لا بيع مجهول عندنا معلوم عند الشارع ، ولا بيع واحد على البدل. كما أن المناسب للطلب في مثل قوله : «جئني برجل هو الحمل على العموم البدلي. فنفس اختلاف الأحكام قرينة على ما يراد من المطلق ، إذ لا يمكن إرادة الجامع بين أنواع الوجوب كما مر آنفاً.

__________________

(*) الحق أن يقال : ان نتيجة مقدمات الحكمة في المطلقات ليست إلّا الإرسال أعني به عدم تقيد الطبيعة في مقام موضوعيتها للحكم بشيء من الحالات والطوارئ ، وأن تمام الموضوع له هو نفس الطبيعة ، وليست نتيجة المقدمات الشيوع حتى تكون تارة العموم البدلي وأخرى الاستيعابي ، نعم تختلف نتيجة كون حيثية الطبيعة تمام الموضوع باختلاف الأحكام المتعلقة بها ، فان نتيجتها في الأوامر هي العموم البدلي ، إذ المطلوب فيها إيجاد الطبيعة ، وهو يتحقق بصرف الوجود الصادق على كل فرد من أفرادها بدلياً. وفي النواهي هي العموم الاستغراقي ، حيث ان المطلوب فيها الزجر عن إيجاد الطبيعة ، وإبقاؤها على العدم ، وهو يتوقف على ترك كل فرد من أفرادها ، فقوله : «لا تغتب مؤمناً» بمنزلة «لا تغتب أحداً من المؤمنين» ضرورة أن إطاعة هذا النهي منوطة عقلا بذلك.

٧٥٩

واختلاف (١)

______________________________________________________

(١) معطوف على «اقتضاء» أما اقتضاء خصوص المقام ، فكصيغة الأمر ، فان إطلاق الصيغة في مقام الإيجاب يقتضي أن يكون مراد الموجب فرداً معيناً وهو الوجوب العيني التعييني. وأما اقتضاء الآثار والأحكام ، فكلفظ «الرقبة»

__________________

ومثل النواهي في إفادة العموم الاستغراقي الأحكام الوضعيّة المتعلقة بالطبائع كقوله تعالى : «أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ» إذ لا يناسب الحلية الوضعيّة صرف الوجود من البيع مع كونه في مقام إمضاء ما عند العرف من البيوع ، فنفس الحكم الوضعي يقتضي عموم متعلقه ، وإلّا لم يكن له أثر ، إذ لا معنى لحلية فرد ما من البيع ، ولذا يصح ـ كما اشتهر ـ إطلاق كل من العام والمطلق على الطبيعة المتعلقة للحكم الوضعي كالبيع في الآية المباركة.

فالأوّل باعتبار أن نتيجة الإطلاق فيه شمول الحكم لجميع أفراد الطبيعة. والثاني باعتبار أن نفس الطبيعة من دون انضمام حيثية أخرى إليها تمام الموضوع للحكم ، بل قيل : انه قد اشتهر بينهم أن كل عام مطلق وكل مطلق عام.

ثم انهم فرقوا بين العام والمطلق تارة بأن المطلق يطلق على طبيعة مستقلة بالموضوعية ، بحيث لا يشاركها غيرها في موضوعيتها للحكم ، ويقابله التقييد ، والعام يطلق على الطبيعة باعتبار شمول حكمها لجميع أفرادها ، ويقابله التخصيص. وأخرى بأن العام ما لوحظ فيه الكثرة بأن جعلت الطبيعة فيه مرآتاً للافراد ، والمطلق ما لوحظ فيه نفس الطبيعة من دون لحاظ الكثرة فيها. وثالثة بأن العام لا يطلق إلّا على الشمول المستند إلى الوضع من غير فرق بين كونه استيعابياً ومجموعياً وبدلياً ، والمطلق يقال علي ما يستند شموله إلى قرينة الحكمة ، هذا. ولم يظهر فرق بين الوجهين الأولين ، فتأمل جيداً.

٧٦٠